عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

“أشعر بالذنب لكوني على قيد الحياة.. وهذا شعور ثقيل
كأن تتساقط حوائط المحيط فوق رأسك.. غير عابئة بالسدود”

كُتبت هذه الكلمات بيد بايشنس كارتر ذات العشرين عامًا، التي شهدت حادث إطلاق نيران مريع بولاية فلوريدا. نجت كارتر من هذا الحادث فيما فقد آخرون حياتهم. وعلى عكس المتوقع، لا نجدها ممتنة للنجاة بل شاعرة بالذنب والثقل. فما سبب هذا الشعور؟ هذا ما سنتعرف عليه في حديثنا اليوم عن عقدة الناجي!

ما عقدة الناجي؟

«عقدة الناجي-survivor’s guilt» هو نوع من الشعور بالذنب، يختبره هؤلاء الذين نجوا بحياتهم من مواقف كارثية. عقدة الناجي ظاهرة معقدة للغاية، قد يختبرها الشخص لشعوره بالذنب لأنه مازال على قيد الحياة فيما توفي الآخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي لإنقاذ أحدهم، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لمساعدته.

يعد خبراء الصحة النفسية عقدة الناجي عرضًا مهمًا لـ «اضطراب ما بعد الصدمة-PTSD»، إذ يتلازم الشعور بالذنب مع موقف كارثي مهدد للحياة، ينجو منه الشخص فيما يفقد آخرون حيواتهم. وقد تظهر عقدة الناجي وحدها دون أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة.

اُستخدم مصطلح عقدة الناجي للمرة الأولى مع الناجين من المحرقة الجماعية (الهولوكوست)، لوصف شعورهم بالذنب بعد تعرضهم لتلك الجريمة البشعة. والآن تختبر فئات أخرى هذا الشعور مثل:

  • المحاربون القدامى.
  • مرضى السرطان.
  • ضحايا الحوادث العنيفة.
  • الناجون من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل.
  • المراسلون الصحفيون في مناطق الحروب والكوارث.
  • من شهد انتحار أحد أفراد عائلته.
  • من فقد عزيز خلال جائحة كورونا.

أعراض عقدة الناجي

عقدة الناجي تجربة معقدة للغاية، فكما ذكرنا سابقًا يختلف سبب الشعور بالذنب من شخص لآخر، إما لأنه نجا فيما توفي آخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي للمساعدة، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لإنقاذه. 

نجد العرض المشترك والأكثر وضوحًا هو الشعور بالذنب. وهناك عدد من الأعراض الأخرى التي تختلف في حدتها باختلاف حالة كل مريض. مثل: 

  • شعور بالضعف وقلة الحيلة.
  • استرجاع ذكريات الموقف الكارثي.
  • شعور بالغضب والانفعال.
  • شعور بالخوف والحيرة.
  • تقلبات مزاجية ونوبات غضب.
  • فقدان الحماس.
  • أفكار انتحارية.

    هذه هي الأعراض النفسية التي تتطابق تقريبًا مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وهناك عدد من الأعراض الجسدية منها:
  • اضطرابات الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • صداع.
  • غثيان وآلام في المعدة.
  • تسارع ضربات القلب.

عوامل الخطر

جميعنا معرضون لشدائد الحياة، وشئنا أم أبينا، نتأثر بتبعاتها. عقدة الناجي ليست استثناءًا من هذه القاعدة، إلا أنه هناك عدد من العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بها. وهذه العوامل هي:

  • تعرض الشخص لصدمات الطفولة مثل: الاعتداء أو التحرش.
  • وجود أمراض نفسية أخرى مثل: القلق أو الاكتئاب.
  • غياب الدعم النفسي من العائلة أو الأصدقاء.
  • تعاطي المخدرات أو الكحوليات.

أثبتت الدراسات وجود بعض العوامل الأخرى التي قد تزيد من صعوبة الموقف على الناجي. أهمها: الندم. يتقاطع الشعور بالذنب مع الندم في أغلب الأحيان، إذ ينظر الشخص إلى الوراء متسائلًا عما كان يمكن تقديمه لإنقاذ حياة هذا أو مساعدة ذاك. 

يقع الشخص فريسة لهذا الشعور متأثرًا بما يعرف بتحيز «الإدراك المتأخر-Hindsight Bias» إذ ينظر الشخص إلى الحدث الصادم معتقدًا أنه كان واضحًا للغاية، وكان ينبغي عليه توقع حدوثه. فيما يخبرنا الواقع بالطبع أنه بعض الأمور تحدث فقط، ولا يمكننا التحكم بها لأنها خارج نطاق إرادتنا.

كيف نتعامل معها؟

يتطلب وجود عقدة الناجي، وحدها أو مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة، تدخلًا عاجلًا. لا لتقليل الشعور بالذنب وتحسين جودة الحياة فقط، ولكن لارتباط هذه العقدة بأعراض خطيرة قد تودي بحياة الشخص. 

أثبتت الدراسات أن العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي، فعال للغاية في عكس الآثار السلبية للصدمة وعقدة الناجي.

قد يستفيد الشخص من عدد من الوسائل العلاجية الأخرى مثل: العلاج النفسي الجماعي، أو مجموعات الدعم، أو بعض الأدوية لتخفيف حدة الأعراض.

لا تقتصر رحلة العلاج على زيارة المعالج فقط والالتزام بالأدوية. الألم والحزن والذنب والندم مشاعر قوية تترك بصمتها على الجميع، ينبغي علينا معرفة كيفية التعامل معها. وهاك بعض النصائح المقترحة لذلك:

  • اسمح لقلبك أن يحزن.
    أن تشهد بشرًا مثلك يفقدون أرواحهم ،أمام عينيك، دون أن تستطيع المساعدة، أمر قاتل. اسمح لقلبك أن يحزن، وامنحه هدية الوقت حتى يكتمل شفائه. 
  • أنت فقط بشر، لا يمكنك التحكم بكل شيء.
    أتفهم رغبتك في عتاب نفسك، وإصرارك أنه كان من الممكن فعل شيء لتغيير ما حدث. لكن الحقيقة أن ما حدث قد حدث، هناك بعض الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك ولا يمكنك التحكم بها.
  • اغفر لنفسك.
    لا يسهل على أحد تحمل عواقب أفعاله، خاصة إن تسببت النتائج بالأذى. لكن الأخطاء تحدث، وجميعنا معرضون لارتكابها. اغفر لنفسك وامنح نفسك ما تحتاج من الوقت لذلك.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

مفارقة إيكاروس، كيف يقتلك ما كان السبب في نجاحك؟

بالتأكيد العمل الدؤوب والاجتهاد هو الطريق للنجاح، ولكن ماذا لو كانت مسببات النجاح هي التي ستؤدي للفشل الذريع؟  هذا ما طرحه داني ميلر في كتابه مفارقة إيكاروس، ليوضح سبب سقوط الشركات الناشئة بعد فترة من النجاح والازدهار.

إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية:

تروي الأسطورة أن إيكاروس هو ابن ديدالوس، المعماري الذي بنى المتاهة التي احتوت وحش المينوتور “نصف انسان ونصف ثور” . وكان في جزيرة كريت التي حكمها الملك مينوس، وحُكِم على ديدالوس وابنه بالسجن في برجٍ في جزيرة كريت.

حاول إيكاروس وأبيه الهروب وذلك بصناعة أجنحة وتشكيلها من الشمع والريش. ولكن نبه ديدالوس ابنه بألا يطير عاليًا فيقترب من الشمس ويذوب الشمع في أجنحته، وألا يطير منخفضًا فيبتل الريش بالماء ويغرقه.

ولكن إيكاروس كان مزهوًا بأجنحته وفخورًا بحريته، فحلق عاليًا إلى أن اقترب من الشمس فأذابت الشمع وحرقت أجنحته، وهوى إلى البحر ومات غرقًا فيه.

مفارقة إيكاروس:

طرح داني ميلر في عام 1990 مفهوم مفارقة إيكاروس؛ موضحًا أن الشركات الناشئة التي تبالغ في ثقتها بقدراتها بعد نجاح مزدهر وسريع سيكون مصيرها مماثلًا لمصير إيكاروس، الفشل بسبب نفس العوامل التي أدت لنجاحها الباهر.

تؤدي العوامل المسببة في النجاح السابق؛ مثل استراتيجيات متبعة سابقًا عند استخدامها بشكل زائد عن حده إلى انخفاض المبيعات والأرباح إلى أن تصل للإفلاس.
ويحدث هذا عندما يتخذ المدراء نفس الأساليب أملًا في الحصول على نتائج مشابهة للنجاح القديم. وذلك لثقتهم العمياء فيها، وأحيانًا بسبب الغطرسة والثقة الزائدة بنجاحها.

عوامل فشل الشركات:

يقول ميلر إن انتصارات الماضي هي التي تخدع صناع القرار في الشركات وتدفعهم للإيمان بأنهم وصلوا لبر الأمان وحققوا النصر في مبيعاتهم، ويدفعهم ذلك إلى اتباع طرقهم التقليدية ذاتها، بسبب إيمانهم بأنها الطرق الناجحة كونها طرق مجربة.

عند توقع نتائج المشاريع المحفوفة بالمخاطر يقع المدراء في ما يسميه علماء النفس “مغالطة التخطيط”، ويتخذون قراراتهم بناءً على تفاؤل وهمي بدلًا من الحساب العقلاني للمخاطر والمكاسب المحتملة. ويسعون وراء أهداف غالبًا ما تفشل.

عبر الزمن، تركز الشركات على العامل الوحيد الذي ساعد في نجاحها، ولكن على حساب عوامل أخرى تهملها الشركات ولا تتكيف مع التطورات مثل وجود منافسين جدد، تغير الطلب المحلي، وجود تكنولوجيا جديدة.

أمثلة على مفارقة إيكاروس:

هناك أمثلة على ذلك أهمها شركة تيسكو بمحاولتها دخول السوق الأمريكية عام 2007. بالرغم من نجاحها البالغ في المملكة المتحدة، فشلت في دخول السوق الأمريكية وذلك لتطبيقها نفس الاستراتيجية المتبعة في المملكة المتحدة بدون مراعاة فروق العادات الاستهلاكية للمواطن الأمريكي. ما أدى لخسارات بالغة تقارب 1.8 مليار دولار وانخفاض أرباحها بمعدل 96%.

مقترحات ميلر:

يرى ميلر بضرورة تطوير المديرين لما يسميه “المرايا” أو القدرة على الوعي بالسلوك والتفكير الذاتي. ويؤكد على أهمية التطوير ومراجعة الاستراتيجيات خصيصًا التي مرّ زمن على العمل بها. بالإضافة لضرورة استخدام عدة مصادر من المعلومات عن المنافسين ومتطلبات السوق المحليّ، ومتابعة المنتجات المنافسة. حتى تتمكن الشركة من الصمود أمام تغيرات السوق يتوجب التغيير المستمر في الاستراتيجيات المتبعة للنجاح، حتى لا ينتهي بها الأمر مثل إيكاروس.

المصادر:






المس الشيطاني في مواجهة الطب النفسي

المس الشيطاني في مواجهة الطب النفسي

لابد للقارئ العربي الذي يتصفح هذا المقال الآن أن يكون قد شهد أو سمع على الأقل لمرة واحدة خلال حياته بحالة غريبة يطلق عليها الناس اسم المس الشيطاني، أو ربما اللبس، أو أي من الأسماء العامية التي تطلق على حالة عصاب نفسي معروفة في الأوساط العلمية، يُظهر من خلالها المريض أعراض تبدو للعين غير الخبيرة وكأنها ناتجة من كيان فوق طبيعي، وتسمى بـ «اضطراب الاستحواذ-possession disorder»، إذ يبدو أن للتفسير العلمي من منظور الطب رأيًا آخر مع التشخيص بدلا من الاستسلام لخرافات المس أو اللبس.

• دراسة استكشافية من افريقيا

أجرت الدكتورة (مارجولين فان دويجل Marjolein van Duijl) الباحثة في مركز الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة أمستردام ومديرة المركز الاكليني للطب النفسي في بالكبروج سلسلة من التجارب لتوثيق ومراقبة ردود أفعال 119 حالة لأشخاص من السكان المحليين في أوغندا، وصفوا من قبل العامة على أنهم تعرضوا لمس شيطاني.
وهذا أمر شائع الحدوث في بعض الثقافات الأفريقية، التي يدعي فيها السكان المحليون “تلبس” كيانات فوق طبيعية للبشر. قامت الدكتورة دويجل بمقارنة الأعراض التي أبداها المرضى مع أعراض اضطراب الاستحواذ لمقارنتها مع الأعراض الواردة في «الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية-Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders» الذي يعرف اختصارًا ب (DSM).

تتضمنت الأعراض كما وثقتها الدكتورة فان دويجل التالي:

  • تغيرات في درجة الوعي مع المحيط.
  • حركات اهتزاز سريعة لأطراف الجسم.
  • التحدث بأصوات ذات طبقات مختلفة عن أصواتهم الطبيعية.
  • أحلام غريبة.
  • الشعور بعدم القدرة على التحدث أثناء نوبات الأستحواذ. [1][2]

حسنًا، للصدفة تتطابق الأعراض التي وثقتها الدكتورة مع ما يذكره الدليل عن «اضطراب الاستحواذ-possession disorder» الذي ينتمي إلى مجموعة من الأمراض النفسية تندرج تحت اسم «الأمراض النفسية الانفصالية-Dissociative Trance Disorder» و(اختصارًا DTD). الجدير بالذكر  هنا أن الأعراض التفصيلية الناتجة عنها تختلف من ثقافة إلى أخرى حسب العقيدة ومجموعة القناعات المتبناة في المجتمع المدروس. [2]

فوارق ظاهرية وتشابه جوهري في الأعراض بين الثقافات!

يصف الدليل التشخيصي الذي ذكر آنفًا سلسلة من الأعراض التفصيلية الناتجة عن «اضطراب الاستحواذ-possession disorder» والأمر المثير للإهتمام هنا هو أن هذا النوع من الأمراض النفسية يستمد أعراضه الظاهرية والصفات التي تظهر على المصابين به من الثقافة الشعبية والدينية المنتشرة في محيط المريض، أي في حالة الدراسة التي أجرتها الدكتورة فان دويجل فإن الأعراض استُمدت من البيئة والثقافة المسيحية في أوغندا أي ثقافة الايمان بالمس الشيطاني.

تنتشر مصطلحات عديدة في الثقافات الدينية الشرقية، ففي الصين، تُفسر تصرفات مرضى اضطراب الاستحواذ على أنها تلبس يعرف بإسم «تاي فو-Tai Fu»،
وفي العالم العربي، يعرف بالمس أو تلبس بالجن، وجميعها على أي حال تصنف تحت نوع الاضطرابات النفسية التي تنتمي لعائلة (DTD) أو الأمراض النفسية الفصامية ولا علاقة لتأثيرات فوق طبيعية بها. [2]

إذن، ما هي الأسباب الحقيقية؟

1. النفسية والاجتماعية، بما في ذلك وفاة أحد الأقارب، والصراعات حول القضايا الدينية أو الثقافية ، والتوتر الداخلي بسبب الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وما إلى ذلك.
2. الصادمة في الماضي، ولا سيما في مرحلة الطفولة والتي تشمل الاعتداء الجنسي أو العنف أثناء الطفولة، والتورط في حرب، ومشاهدة عمل انتحاري وأحداث صادمة أخرى.
3. قد يكون لدى بعض الأشخاص نزعة وراثية للإصابة ببعض الأمراض العقلية مثل الاضطرابات الذهانية والعصبية، هذا النوع من الأفراد أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب الانفصامي.
4. لا يمكن التغاضي عن العوامل الثقافية لأنها تؤثر تأثيرًا عميقا في تكوين الإدراك الذي يزيد من تكوين شخصية الفرد وشخصيته، و قد تكون ظاهرة اضطراب الاستحواذ الانفصالية الموجودة في آسيا مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة في الدول الأوروبية أو الأفريقية.
5. يمكن أيضًا اعتبار النشوة شكلاً من أشكال التواصل اللاواعي للتعبير عن شيء لا يمكن الكشف عنه في حالة واعية.
6. تظهر عدة شروط أيضًا أن بعض الأشخاص يعتزمون الحصول على مكاسب ثانوية من حدث النشوة، مثل الحصول على مزيد من الاهتمام من الشريك أو الزوج والعديد من الأشخاص الآخرين. [3]

العلاج

في جميع الحالات السابقة وعند ملاحظة أي من الأعراض التي تم ذكرها عن اضطراب الاستحواذ أو أحد أعراض أمراض عائلة (DTD) في المقال يوصى دومًا بالحصول على استشارة طبية من طبيب نفسي مختص للحماية من تفاقم الوضع النفسي للمريض ولا يجوز أبدًا الاستعانة بغير الطبيب المختص لمعاينة المريض. [4]

المصادر

[1]. National Library of medicine
[2] Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th Edition: DSM-5
[3] Maceonian journal of medical science
[4] Mayo Clinc

هل سنتمكن من صنع عباءة اختفاء؟

نجح باحثون من المملكة المتحدة في جعل جسم مرتفع يبدو مسطحًا أمام الموجات الكهرومغناطيسية – مما يعني أنهم يقتربون من امتلاك جهاز يمكنه إخفاء الأشياء بشكل كامل. في حين لا يزال هذا الاكتشاف بعيدًا عن تقديم عباءة الاختفاء الخاصة بهاري بوتر، إلا أن التجربة الناجحة قد تساعد الباحثين في تطوير أنظمة ميكروويف وأنظمة بصرية أفضل للاستخدامات التجارية والصناعية. فدراسة «الأمواج السطحية-» ومعالجتها هو المفتاح لتطوير الحلول التكنولوجية والصناعية لتصميم منصات واقعية.

للقيام هذا، قام الفريق بتغطية سطح مرتفع بـ «وسط مركب نانوي-nanocomposite medium» مطور حديثًا – وهو في الأساس نوع من المواد يتكون من طبقات مختلفة من الجسيمات النانوية، مع كل طبقة لها خاصية كهربائية مختلفة. تسمح المادة للموجات الكهرومغناطيسية بضرب الجسم وبالمرور من خلاله دون تشتيت، وبالتالي إخفائه. لقد أظهر الباحثون إمكانية استخدام المركبات النانوية للتحكم في انتشار الموجات السطحية من خلال «الطّباعة ثلاثيّة الأبعاد-3D printing, or additive manufacturing». وربما الأهم من ذلك، أن النهج المستخدم يمكن تطبيقه على الظواهر الفيزيائية الأخرى التي تم وصفها بواسطة «المعادلات الموجية-wave equations»، مثل الصوتيات. لهذا السبب، نعتقد أن لهذا العمل تأثيرًا صناعيًا كبيرًا. بعبارة أخرى، طور الفريق مادة يمكنها إخفاء جسم ما فعليًا، بواسطة الموجات الكهرومغناطيسية.

لم يخض الباحثون في تفاصيل كيفية التوصل إلى مادة الجسيمات النانوية أو كيف تعمل على المستوى التقني – ربما لأنهم يأملون في الحصول على براءة اختراع – على الرغم من أنه يمكننا التخمين بدرجة ما، استنادًا إلى مشاريع مشابهة سابقة. على سبيل المثال، في سبتمبر 2015 م، ابتكر فريق من Berkeley Lab في الولايات المتحدة جهاز إخفاء يعمل بشكل مشابه تمامًا للجهاز الموجود في الدراسة الجديدة. تعمل هذه العباءة، كما أفاد بيتر دوكريل، من خلال استخدام «المواد الخارقة-metamaterials» المصممة خصيصًا، والتي يمكن أن تنحني أو تحني انعكاس الضوء عبر بنيتها الفيزيائية على عكس المواد الطبيعية، مما يجعل الأشياء غير قابلة للكشف بصريًا.

على الرغم من حقيقة أن الباحثين لا يزالون بعيدين عن صنع عباءة إخفاء حقيقية، فإن الفريق متحمس للغاية بشأن المادة الجديدة لأنها توسع دراسات “عباءة الاختفاء” السابقة التي استخدمت تقنيات مماثلة لكن تعمل بتردد واحد فقط. فقد أظهرت الأبحاث السابقة أن هذه التقنية تعمل بتردد واحد. ومع ذلك، يمكن للباحثين إثبات أنها تعمل على نطاق أكبر من الترددات مما يجعلها أكثر فائدة للتطبيقات الهندسية الأخرى، مثل الهوائيات النانوية ومجال الفضاء الجوي.

إن استخدام الجسيمات النانوية ليس الطريقة الوحيدة التي يحاول بها الباحثون ابتكار عباءة إخفاء. ففي عام 2014 م، ابتكر باحثون من جامعة روتشستر في نيويورك عدسة تضم أربع عدسات بأطوال بؤرية مختلفة تقوم بحني الضوء، مما يعطي الانطباع بأن شيئًا ما قد اختفى. هناك العديد من الأساليب عالية التقنية لصنع عباءة الإخفاء، والفكرة الأساسية وراء كل منها هي جعل الضوء يمر بشيء كما لو لم يكن موجودًا، وهذا يتم غالبًا باستخدام مواد عالية التقنية أو «مواد غريبة-exotic materials».

الأخبار المحزنة هي أن الباحثين قاموا منذ ذلك الحين بقياس حدود إمكانية أجهزة الإخفاء، ووجدوا أنه مع التكنولوجيا الحالية، لن نتمكن أبدًا من الحصول على عباءة تخفي تمامًا البشر أو الأشياء الكبيرة مثل الدبابات.لذا في الوقت الحالي، لا يسعنا إلا الغيرة من هاري بوتر وعباءته السحرية.
نُشرت النتائج الدراسة في مجلة Scientific Reports.

المصادر: Phys, ScienceAlert, ScienceDaily
إقرأ أيضًا: لماذا يصعب علينا الانقطاع عن قراءة “هاري بوتر”؟

أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان

كيف بدأ الخلق؟ سؤال طرحه الإنسان دائمًا منذ قديم الأزل في الحضارات المختلفة محاولًا إيجاد إجابة معقولة، وقد ظهرت أساطير مختلفة لمحاولة الإجابة على هذا السؤال. في هذا المقال بعنوان أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان سنتناول أشهر الأساطير التي فسرت كيفية نشأة الكون.

أسطورة الخلق، وتسمى أيضًا أسطورة نشأة الكون، هي صياغة فلسفية ولاهوتية لأسطورة الخلق البدائية داخل مجتمع ديني. يشير مصطلح الأسطورة هنا إلى التعبير التخيلي في شكل سردي لما يتم اختباره أو إدراكه كحقيقة أساسية. ويشير مصطلح الخلق إلى بداية الأشياء، سواء بإرادة وفعل كائن متعال، أو عن طريق الانبثاق من مصدر نهائي، أو بأي طريقة أخرى. تشير أساطير الخلق إلى العملية التي يتم من خلالها تمركز العالم وإعطائه شكلاً محددًا داخل الواقع كله. كما أنها بمثابة أساس توجيه البشر في العالم. يحدد هذا التمركز والتوجه مكان البشرية في الكون والاعتبار الذي يجب أن يحظى به البشر تجاه البشر الآخرين والطبيعة والعالم غير البشري بأسره؛ يضعون النغمة الأسلوبية التي تميل إلى تحديد جميع الإيماءات والأفعال والهياكل الأخرى في الثقافة.

خصائص أساطير نشأة الكون

أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان (أصل العالم) هي الأسطورة بامتياز. بهذا المعنى، فإن الأسطورة شبيهة بالفلسفة، ولكنها على عكس الفلسفة، تتكون من نظام من الرموز؛ ولأنه أساس أي فكر ثقافي لاحق، فهو يحتوي على أشكال عقلانية وغير عقلانية. هناك نظام وهيكل للأسطورة، ولكن لا ينبغي الخلط بين هذا الترتيب والبنية وبين النظام والهيكل الفلسفي والعقلاني. تمتلك الأسطورة نوعًا مميزًا من النظام. تتمتع أساطير الخلق بطابع مميز آخر من حيث أنها توفر نموذجًا للتعبير غير الأسطوري في الثقافة ونموذجًا للأساطير الثقافية الأخرى. بهذا المعنى، يجب على المرء أن يميز بين الأساطير الكونية وأساطير نشأة التقنيات الثقافية والصناعات الإنسانية. بقدر ما تروي الأسطورة الكونية قصة خلق العالم، فإن الأساطير الأخرى التي تروي قصة تقنية معينة أو اكتشاف منطقة معينة من الحياة الثقافية تأخذ نماذجها من البنية الأسلوبية لأسطورة نشأة الكون. قد تكون هذه الأساطير الأخيرة مسببة (أي شرح الأصول)؛ لكن أسطورة نشأة الكون ليست أبدًا مجرد مسببات، لأنها تتعامل مع الأصل النهائي لكل الأشياء.

نشأة الكون في الميثولوجيا الإغريقية

يمكن العثور على اختلافات في قصة الخلق في الأساطير اليونانية في العديد من النصوص القديمة. المثال الأكثر اكتمالا هي «الثيوغونيا-Theogony» للشاعر اليوناني هسيودوس، الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد تقريبًا. يجمع عمله بين جميع الأساطير والتقاليد اليونانية القديمة حتى وقته. وفقًا للثيوغونيا، في البداية كانت «الفوضى-chaos» و«الفراغ-void» فقط موجودان في جميع أنحاء الكون بأسره. تجدُر الإشارة هنا إلى أن الكلمة اليونانية «chaos» ليس لها نفس المعنى الذي تحمله اليوم – إنها تعني ببساطة “مساحة فارغة أو فراغ مظلم”. تبع الفوضى «جايا-Gaia» (التي تعني الأرض) و«إيروس-Eros» (الذي يعني الحب). لم يتم تحديد ما إذا كان جايا و إيروس قد ولدا من الفوضى أو ما إذا كانا موجودان مسبقًا، ومع ذلك، يذكر هسيودوس أن جايا ظهرت إلى الوجود لتصبح موطنًا للآلهة. أنجبت الفوضى «إيريبوس-Erebus»، الذي كان ظلام العالم السفلي، و«نيكس-Nyx» (الليل) وأنجبت جايا أورانوس، من هناك، تصف الأسطورة اليونانية كيف تزاوج الآلهة مع بعضها البعض لإكمال الخليقة بأكملها. أصبح أورانوس وغايا أول آلهة حكمت. تزاوج أورانوس مع جايا وأنتجوا ثلاثة «صقاليب-cyclops» و 12 جبابرة (جنس من العمالقة). كان كرونوس  أحد الجبابرة. ومن هنا تبدأ ملحمة آلهة الأساطير اليونانية الشهيرة.

كان أورانوس يشعر بالغيرة من أطفاله وحكم عليهم بالبقاء داخل جايا. لقد سد رحمها (الكهوف) وهذا ما أثار غضب جايا. وهكذا طلبت جايا من أطفالها المساعدة في مقاومة والدهم. صعد أحد الجبابرة، كرونوس، إلى الأمام وعاقب أورانوس بخصيه بمنجل أعطته إياه جايا. أُلقيت الأعضاء التناسلية لأورانوس في البحر وسقط دمه على الأرض وخلق المزيد من الأطفال وهم أفروديت وإرينيس (الغوريون) والعمالقة والحوريات. حذر أورانوس وجايا كرونوس من أن مشاكله لم تنته لأنه في يوم من الأيام سيطيح به أحد أبنائه. نتيجة لذلك، قرر كرونوس ابتلاع أطفاله. لكن جايا كانت قادرة على إنقاذ الطفل زيوس، الذي نشأ في جزيرة كريت اليونانية إلى أن جعل كرونوس، بمساعدة ميتيس (واحدة من الجبابرة)، يتقيئ الأطفال المبتلعين. بقيادة زيوس، تمرد الأشقاء الستة (ديميتر، هيرا، هيستيا، هاديس، وبوسيدون) ضد والدهم. تُعرف سنوات المعركة باسم «حرب الجبابرة-titanomachy». بدت المعركة وكأنها لن تنتهي أبدًا، ولكن بعد ذلك خطرت لدى زيوس فكرة. أطلق سراح أعمامه، و السيكلوب، و«هيكاتونكاريز-Hecatooncheires» من تارتاروس وساعدوه في قلب مجرى الحرب عن طريق صناعة صواعق لزيوس ورمي حجارة ضخمة على أعدائه. انتصر زيوس وحلفاؤه وألقوا كرونوس في تارتاروس إلى الأبد.

كان هناك ثلاثة جبابرة لم يدعموا كرونوس في المعركة: بروميثيوس وإبيميثيوس وأوكيانوس. انضم بروميثيوس لاحقًا إلى زيوس. وتم إرسال جميع الجبابرة إلى تارتاروس (العالم السفلي)، باستثناء بروميثيوس وإبيميثيوس. بعد ذلك، قسمت آلهة اليونان القديمة المتمردة الكون فيما بينهم. أُعلن أن زيوس هو الإله الأعلى، ويسيطر على كل الآخرين. لقد عاشوا جميعًا في قمة جبل أوليمبوس في اليونان – لكن ليس بسلام. خلق بروميثيوس الإنسان من الأرض (الطين)، ونفخت الإلهة أثينا الحياة في خليقته. هنا نرى نمطًا شائعًا آخر يتكرر في أساطير الخلق القديمة وهو إعطاء الروح للجسد حتى يصبح حيًا.

نشأة الكون في الحضارة المصرية القديمة

بالنسبة للمصريين القدماء، بدأت الرحلة بخلق العالم والكون من الظلام والفوضى العارمة. ذات مرة لم يكن هناك شيء سوى الماء الداكن اللامتناهي بدون شكل أو غرض. يوجد في هذا الفراغ «حكا-Heka» (إله السحر) الذي انتظر لحظة الخلق. من هذا الصمت المائي المسمى بنوو ارتفع التل البدائي، المعروف باسم بن بن، الذي وقف عليه الإله العظيم «أتومAtum» (أو في بعض إصدارات الأسطورة، بتاح). نظر أتوم إلى العدم وتعرّف على وحدته، وهكذا تزاوج مع ظله من خلال السحر لينجب طفلين، شو (إله الهواء) وتفنوت (إلهة الرطوبة). أعطى شو للعالم المبكر مبادئ الحياة بينما ساهم تيفنوت في مبادئ النظام.

ترك شو وتفنوت والدهم على بن بن، وشرعوا في تأسيس العالم. بمرور الوقت، أصبح أتوم قلقًا لأن أطفاله قد ذهبوا لفترة طويلة وأزال عينه وأرسلها بحثًا عنهم. بينما اختفت عينه، جلس أتوم وحيدًا على التل وسط الفوضى والخلود. عاد شو وتفنوت بعيون أتوم (التي ارتبطت لاحقًا بعيون أوجات، عين رع، أو العين التي ترى كل شئ) وأذرف والدهما، ممتنًا لعودتهما الآمنة، دموع الفرح. هذه الدموع، التي سقطت على أرض بن بن الخصبة المظلمة، ولدت الرجال والنساء.

ومع ذلك، لم يكن لهذه المخلوقات المبكرة مكان تعيش فيه، ولذا تزاوج شو وتيفنوت وأنجبتا جب (الأرض) ونوت (السماء). على الرغم من أن جيب ونوت أخ وأخت، فقد وقعوا في حب عميق وكانا لا ينفصلان. وجد أتوم أن سلوكهم غير مقبول ودفع نوت بعيدًا عن جب، عالياً في السماء. كان العاشقان قادرين على رؤية بعضهما البعض إلى الأبد ولكنهما لم يعودا قادرين على التلامس. كانت نوت حاملًا بالفعل من قبل جب، ومع ذلك، فقد أنجبت في النهاية أوزوريس وإيزيس وست ونفتيس وحورس – الآلهة المصرية الخمسة التي غالبًا ما تم التعرف عليها على أنها أقدم أو على الأقل أكثر التمثيلات المألوفة لكبار الشخصيات الإلهية. أظهر أوزوريس نفسه إلهًا مدروسًا وحكيمًا وتم إعطائه حكم العالم من قبل أتوم الذي ذهب بعد ذلك للاهتمام بشؤونه الخاصة.

نشأة الكون في الحضارة البابلية

القصة، وهي واحدة من أقدم القصص في العالم، إن لم تكن أقدمها، تتعلق بميلاد الآلهة وخلق الكون والبشر. في البداية، كان هناك ماء غير متمايز يحوم في فوضى. ومن هذه الدوامة، قسمت المياه إلى مياه حلوة وعذبة، تُعرف باسم الإله «أبسو-Apsu»، ومياه مالحة ومرة تعرف باسم الإلهة «تيامات-Tiamat». وبمجرد التفريق بين هذين الكيانين، ولد من اتحاد هذين الكيانين الآلهة الشابة. ومع ذلك، كانت هذه الآلهة الشابة صاخبة للغاية، مما أدى إلى إزعاج نوم أبسو في الليل وصرف انتباهه عن عمله في النهار. بناءً على نصيحة وزيره، مومو، قرر أبسو قتل الآلهة الشابة. عندما سمعت تيامات عن خطتهم، حذرت ابنها الأكبر، «إنكي-Enki» (أحيانًا إيا) الذي قام بتنويم أبسو وقتله. من بقايا أبسو، أنشأ إنكي منزله. تيامات، التي كانت ذات يوم مؤيدة للآلهة الشابة، تشعر الآن بالغضب لأنهم قتلوا رفيقها. وقامت بالتشاور مع الإله «كوينجو-Quingu» الذي نصحها بشن حرب على الآلهة الشابة. فكافأت تيامات كوينجو بأقراص القدر، التي تضفي الشرعية على حكم الإله وتتحكم في الأقدار، وقام بارتدائها بفخر كدرع على صدره. مع كوينجو كبطل لها، تستدعي تيامات قوى الفوضى وتخلق أحد عشر وحشًا رهيبًا لتدمير أطفالها.

يقاتل إيا وإنكي والآلهة الأصغر سنا ضد تيامات بلا جدوى حتى يظهر من بينهم البطل مردوخ الذي أقسم أنه سيهزم تيامات. مردوخ يهزم كوينجو ويقتل تيامات بإطلاق النار عليها بسهم يقسمها إلى قسمين وتجري من عينيها مياه نهري دجلة والفرات. من جثة تيامات، خلق مردوخ السماوات والأرض، وقام بتعيين الآلهة في واجبات مختلفة وربط كائنات تيامات الأحد عشر بقدميه كجوائز (إلى حد كبير من التملق من الآلهة الأخرى) قبل وضع صورهم في منزله الجديد. كما أنه أخذ ألواح القدر من كوينجو، مما يضفي الشرعية على حكمه. بعد انتهاء الآلهة من مدحه لانتصاره العظيم وفن خلقه، يتشاور مردوخ مع الإله إيا (إله الحكمة) ويقرر خلق البشر من بقايا الآلهة التي حرضت تيامات على الحرب. تم اتهام كوينجو بأنه مذنب وقتل، ومن دمه، خُلِق «لولو-Lullu»، الرجل الأول، ليكون مساعدًا للآلهة في مهمتهم الأبدية المتمثلة في الحفاظ على النظام والحفاظ على الفوضى.

نشأة الكون في الأساطير الصينية الداوية

«بان كو-Pangu» هو شخصية بارزة في أساطير الخلق الصينية. حتى يومنا هذا، يغني شعب تشوانغ أغنية تقليدية عن بان كو الذي يخلق السماء والأرض. لقد تمت مناقشة أصل أسطورة بان كو كثيرًا. يعتقد الكثيرون أنها نشأت مع «شو شينغ-Xu Zheng»، وهو مؤلف صيني من القرن الثالث الميلادي، حيث كان أول كاتب معروف بتسجيله؛ يقترح البعض أنها نشأت في أساطير شعب مياو أو ياو في جنوب الصين، بينما يرى البعض الآخر أنها موازية لأساطير الخلق الهندوسية القديمة.

في أساطير الخلق الداوية الصينية. يُقال إن الرجل الأول بان كو قد خرج من الفوضى (بيضة) بقرنين وأنياب وجسم مشعر. تنسب إليه بعض الحسابات فصل السماء عن الأرض، ووضع الشمس والقمر والنجوم والكواكب في مكانها، وتقسيم البحار الأربعة. لقد شكل الأرض من خلال حفر الوديان وتكديس الجبال. تم تحقيق كل هذا من معرفة بان كو «بالين واليانج-yinyang»، المبدأ الذي لا مفر منه للازدواجية في كل الأشياء. تؤكد أسطورة أخرى أن الكون مشتق من جثة بان جو العملاقة. أصبحت عيناه الشمس والقمر، وشُكلت الأنهار بدمه، ونما شعره إلى الأشجار والنباتات، وتحول عرقه إلى الأنهار، وصار جسده ترابًا. علاوة على ذلك، تطور الجنس البشري من الطفيليات التي أصابت جسم بان جو. تعود أساطير الخلق هذه من القرن الثالث إلى القرن السادس. تصور التمثيلات الفنية بان كو في كثير من الأحيان على أنه قزم يرتدي أوراق الشجر.

نشأة الكون في الحضارة الإسكندنافية

تتلخص النظرة الإسكندنافية للعالم كما يمكننا استخلاص أفضل من المصادر المختلفة إلى الفكرة العامة التالية. كانت هناك أربع مراحل: العملية التي نشأ فيها العالم وكل ما فيه، مرحلة ديناميكية يبدأ فيها الوقت، تدمير العالم في راجناروك، وظهور عالم جديد من البحر.

وفقًا «لسنوري-snorri» (مؤرخ أيسلندي)، قبل وجود أي شيء آخر، كانت هناك العوالم المتعارضة مثل «نيفلهايم-Niflheim» الجليدية و«موسبلهايم-Muspelheim» النارية. على الرغم من أن الفراغ المسمى «بغينونغاغاب-Ginnungagap» يفصل بينهما بأمان، إلا أن البرودة والحرارة امتدتا لتلتقي بعد كل شيء، مما أدى إلى إذابة حريق موسبلهايم للجليد، والذي ظهر منه اثنتان من الأشكال الرطبة: العملاق يمير والبقرة «أويثمبلا-Audhumla». كان يمير مخنث ويمكنه التكاثر لاجنسيًا. عندما نام، قفز المزيد من العمالقة من رجليه ومن عرق إبطه. لقد غذت البقرة يمير بحليبها، وتغذت بدورها من الملح في الجليد. كشفت لعقات البقرة ببطء «بوري-Buri»، الأول من مجتمع «الأيسر-Aesir» للآلهة. كان لبوري ابن اسمه بور، تزوج بستلا، ابنة العملاق بولثورن. كان الأطفال نصف الآلهة ونصف العمالقة من بور وبيستلا هم أودين، الذي أصبح رئيس آلهة الأيسر، وشقيقيه، فيلي وفي (Vili and Ve).

قتل أودين وإخوته يمير وشرعوا في بناء العالم من جثته. لقد صنعوا المحيطات من دمه، والتربة من جلده وعضلاته، ونباتات من شعره، وسحب من دماغه، وسماء من جمجمته. وكان هناك أربعة أقزام يمثلون الاتجاهات الأربعة الأساسية، حملوا جمجمة يمير عالياً فوق الأرض. شكلت الآلهة في النهاية الرجل والمرأة الأوائل، آسك وإمبلا، من جذعين من الأشجار، وبنوا سورًا حول موطنهم المسمى «بمدجارد-Midgard»، لحمايتهم من العمالقة.

الخلاصة

إن أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان تختلف من حضارة لأخرى ولها أنواع مختلفة سوف نناقشها في الجزء الثاني من أساطير نشأة الكون وخلق الإنسان

المصادر:

ancient-origins

ancient.eu

ancient.eu

britannica

ancient-origins

ancient.eu

norse mythology

britannica

ملخص رواية “هيا نشترِ شاعرًا” للكاتب أفونسو كروش

ملخص رواية “هيا نشترِ شاعرًا” للكاتب أفونسو كروش

“إن أبيات الشعر تحرر الأشياء. وإننا حينما ندرك شاعرية الحجر فإننا نحرره من تحجره، ننقذ كل شيء بالجمال، ننقذ كل شيء بالشعر. ننظر إلى جذع ميت فنبعث فيه الحياة”

من رواية “هيا نشتر شاعرًا”، لأفونسو كروش

ماذا لو اختفى الفن؟

إن التساؤل عن أهمية الأدب والفن قديم قدم نشأتهما، وقد تباينت الإجابات حوله ووُصف بأنه سؤال جوهري، وإذا بحثنا عن نشأة الفن فسنجد أنه وجد مع وجود الإنسان، فقد صنع الإنسان البدائي منحوتات جمالية ورسومات لحيونات على جدران الكهوف، والفن بمختلف أشكاله وسيلة للتعبير عن المشاعر وإثراء التجربة الإنسانية والترفيه والتقدير الثقافي.

إن العالم الذي ننتمي إليه الآن في طريقه لفقد صلته بالفن وقيم الجمال، كما يتجه إلى أن يكون مجتمع رقمي وصناعي جامد، يتموضع فيه الفن والجمال داخل دائرة النشاطات الترفيهيه غير النفعية، فماذا لو اختفى الفن فعلًا عن عالمنا كما توقع أفونسو كروش في روايته؟

هيا نشترِ شاعرًا

تُعتبر رواية “هيا نشترِ شاعرًا” أول عمل يترجم إلى اللغة العربية للكاتب البرتغالي أفونسو كروش، والتي صدرت من دار مسكيلياني للنشر، وظهر فيها الأسلوب المميز للكاتب الذي يعتمد على الرمزية والتشويق.

وكما هو حال كل كتابات أفونسو كروش، أثارت الرواية الكثير من الأسئلة الفلسفية الملحة، والتي تدور حول جدوى الفن والجمال وخاصة الشعر، يحتج من خلالها الكاتب على مجتمعاتنا الغارقة في الجشع والماديات بأسلوب ساخر، كما أنها احتوت على أبيات مستوحاه من شعراء كثيرين مثل بول سيلان ووالت وايتمان وبوكوفيسكي وغيرهم.

اختيار شاعر

تدور أحداث الرواية في عالم تخيلي قريب من عالمنا الذي نعيش فيه الآن، عالم رقمي جامد يُوصف فيه كل شيء بالأرقام حتى أسماء الأشخاص، فإذا أردت مثلًا أن تقول أنك تناولت السبانخ على الغداء فيجب عليك ذكر كم كيلو جرامًا أكلت، وكم سعر الكيلو وهكذا، تبدأ الأحداث عندما تحس الابنة بطلة الرواية برغبتها في شراء شاعر.

فقد كان الشعراء والرسامون والنحاتون يباعون في المتاجر كالحيوانات الأليفة، وهي قد عزمت الأمر على أن تشتري شاعرًا فالرسامين والنحاتين يسببون الكثير من الفوضى.

ذهبت الابنة مع والدها للمتجر الذي يعج بشعراء من كل الأصناف، قصار، طوال، وبنظارات وهم الأغلى، وقع في النهاية اختيارها على شاعر نحيف يرتدي سترة وسروالًا بنيًا ويمسك كتابًا تحت ذراعه، ولم تكن ملابسه برعاية أية ماركة مما يدل على انحطاط مستواها، فاشتروه بثمن معقول ونصحهم البائع بأن يشتروا له دفترًا بأوراق بيضاء كنوع من الترفيه.

انتقل الشاعر ليعيش تحت الدرج في بيت الأسرة، ومذ انتقل إلى هناك وقد تغيرت حياة الابنة بشكل ملحوظ، فقد كانت تلازم الشاعر معظم الوقت، تراقب تصرفاته وتستمع إلى استعاراته التي كانت تراها في البداية ترهات لا نفع منها، ولكنها سرعان ما انتبهت لها وأحبتها واندفعت لفهمها وتذوقها، وبحكم العادة توالى الضيوف والأصدقاء على البيت لرؤية الشاعر الجديد ليستمعوا لقصائده الغير مفيدة بالنسبة لهم.

كانت أحوال الأسرة على ما يرام، حتى عاد الأب إلى البيت حاملًا أخبار مرعبة، فقد كان المصنع الذي يعمل فيه يمر بضائقة مالية صعبة وأوشك على الإفلاس، لذلك طالب الأسرة بتقليل النفقات وشد الحزام، وكان الأب في حالة هياج معظم الوقت محمر الوجه وثائر، ولم يكن الشاعر يعي حجم الأزمة وكان كل ما يتسطيع فعله هو إلقاء القصائد والاستعارات التي أسقطها على الوضع الراهن، والتي لم يفهمها الأب مما أثار غضبه.

أما أخيها فلا يرى الشاعر ذي قيمة ويرى أنه لا يأتي من ورائه غير المشاكل، واستمر على نظرته تلك حتى ساعده الشاعر في نيل قلب محبوبته بجمله كتبها له على قطعة من الورق، أسرت الجملة قلب الفتاة بالرغم من خلوها من الدلالات الرقمية، فلا يحتاج التعبير عن مشاعر الحب والإعجاب إلى أرقام.

ازدادت الأمور المادية للأسرة سوءًا مما اضطر الأب لأن يسرح الشاعر، وخصوصًا بعدما صرح الشاعر بأن أصحاب البنوك والأسواق المالية سارقين، لذلك أخذ الأب وابنته الشاعر وتركوه في حديقة عامة تعج بالشعراء المنبوذين.

رحل الشاعر من المنزل ولكنه ترك أثرًا وبصمة في كل فرد من الأسرة، فقد بدأت الابنة تفهم جمال الاستعارات والمجاز، وأن ترى الأمور بطريقة مختلفة من نافذة مثل تلك النافذة التي رسمها الشاعر يومًا على الجدار وزعم أنها تطل على البحر.

وبفضل الشاعر استطاعت الأم أن تشعر بذاتها وترفض إهانة زوجها ومعاملته الوقحة لها، وذلك لأنها بدأت أن تولي مشاعرها اهتمامًا أكثر كما نصحها الشاعر باستعاراته الغريبة، لذلك فضلت الانفصال على أن يتم معاملتها كسلعة جامدة لا كإنسانة لها مشاعر.

أما الأب فقد استطاع أن يتخطى الأزمة وينقذ تجارته من الإفلاس بفضل الشاعر أيضًا، فعندما سألته ابنته من أين جاءته الفكرة التي أنقذت المصنع وتملص من الإجابة، قررت البحث في جيوب سترته ووجدت ورقة كُتب عليها اقتباس قاله الشاعر لوالدها من قبل، يتشابه مع الحل الذي أوجده لحل الأزمة، فاستنتجت أن الفكرة التي أنقذت المصنع لمعت في ذهن والدها بفضل ذلك الاقتباس، وهكذا يضع الشاعر بصمته مرة أخرى ليغير مصير الأسرة.

ولم تهجر الابنه الشاعر قط وإنما كانت تزوره دائمًا في الحديقة التي وضعوه فيها، والتي تعج بشعراء مهجورين مثله، وكانت تشاركه في قول الاستعارات والشعر ورؤية الحياة من تلك النافذة التي رُسمت يومًا على الجدار وكانت تطل على البحر.

ما يشبه الخاتمة

في هذا الجزء المنفصل عن الرواية، يوضح الكاتب أن العديد من الناس ينظرون للثقافة على أنها مصدر تهديد، حيث أنه إذا لم يكن للفن والثقافة أهمية فلم يكن ليقبل أحد على حرق مكتبة الإسكندرية أكثر من مرة، أو على تدمير بوذا باميان وآثار تدمر.

وإن الخيال والثقافة يبنيان كل ما نحن عليه، والخيال ليس هروبًا من القبح والمظالم الاجتماعية، وإنما هو تصميم لبناء بديل، هندسة فرضية لمجتمع أكثر انسجامًا مع توقعاتنا الإنسانية والأخلاقية.

للمزيد من ملخصات الكتب

المعلوماتية المناخية : دور علم البيانات في التغير المناخي

هذه المقالة هي الجزء 8 من 17 في سلسلة مقدمة في علم البيانات وتطبيقاته

تأثير التغير المناخي على الإنسان

انتشر في الآونة الأخيرة الحديث عن مشاركة دول العالم في حلول واتفاقيات من أجل مشكلة تغير المناخ وانسحاب دول أخرى. يؤثر تغير المناخ على الإنسان في مناحي عديدة منها الصحة والتلوث والزراعة والأمن الغذائي حيث:

  • يتوقع العلماء أن بعض المناطق لن تصلح لزراعة بعض المحاصيل في السنوات القادمة، مما يزيد المشاكل أيضًا للعاملين بالزراعة خاصةً في المناطق الفقيرة.
  • فقدت الولايات المتحدة ١.٧٥ تريليون دولار بسبب نتائج المناخ السيئة منذ عام ١٩٨٠م. 
  • تعاني أستراليا من حرائق الغابات، بينما تعاني وسط أفريقيا من الفيضانات وتدمير النباتات بسبب حرارة الجو. 
  • سنحتاج إلى إنتاج غذاء أكثر بـ ٦٠-٧٠ ٪ من الموجود حاليًا لتغطية احتياجاتنا عام ٢٠٥٠م.
  • ستزيد مشكلة ضعف تغذية الأطفال في العالم بـ ٢٠٪ أكثر في عام ٢٠٥٠م من الوقت الحالي. 
  • يضر ازدياد بعض المواد الضارة في الجو مثل الزئبق والكبريت بصحة الإنسان. 
  • يؤذي ارتفاع درجة الحرارة الأشخاص خاصة المعرضين في أعمالهم لدرجات الحرارة العالية.
  • يضر تطاير بعض الأجزاء صغيرة الحجم التي قد تصل إلى ٢,٥ جزء من المليون بصحة الإنسان. 

كيف يساعد علم البيانات في تغير المناخ؟

  1. لاحظ العلماء أن تقليل كمية الأجزاء المتطايرة في الجو ينقذ ١٢٠٠٠ شخص تقريبًا كل سنة من بعض الأمراض.
  2. يستطيع العلماء توقع مستقبل المناخ كوقت ومكان حدوث موجات حارة أو جفاف أو حرائق واسعة من خلال بيانات من الأقمار الصناعية. 
  3. نستطيع التعرف على العوامل الفردية والمجتمعية التي قد تزيد قابلية الأشخاص للتعرض لمخاطر المناخ. 
  4. توقع صحة العاملين في مجال الأعمال في حالة تغير المناخ وبالتالي تقليل التكاليف التأمين الصحية والرعاية الصحية اللازمة للعاملين.
  5. تحويل كمية ضخمة من بيانات المناخ إلى تطبيقات ومعرفة علمية لتوفير حلول لتغير المناخ. 
  6. استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في التنبؤ بالأحوال الجوية، ويصل حجم الاستثمار فيه حاليًا إلى ١٨٥ مليار دولار ومن المتوقع زيادته بنسبة ١٢٪ عام ٢٠٢٤م.
  7. التنبؤ بمخاطر الاحتباس الحراري من خلال آليات تعلم الآلة وإنترنت الأشياء.
  8. محاولة تخفيف ضرر الاحتباس الحراري عن طريق ثبوته عند زيادة ١,٥ درجة فقط وعدم وصوله إلى درجتين، مما يقلل من الإصابات بالإرهاق الحراري في أوقات التعرض للشمس لفترة طويلة مثل وقت الحج للمسلمين. 

المعلوماتية المناخية، ما هي؟

بدأت حاجة العلماء لسد الفجوة في علم المناخ باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وخاصة تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي فأُنتج من هذا المزيج ما يُعرف بالمعلوماتية المناخية. 

تتعدد مصادر البيانات للمعلوماتية المناخية مثل:

  1. ملاحظة عوامل الطقس مثل درجات الحرارة وسقوط الأمطار والرياح والسحب، وهي بيانات أولية لا يوجد بها أي تغيير،وتكمن أهميتها في إبراز المقارنات والاختلافات بين عدة مناطق في العالم. 
  2. تحويل البيانات الأولية إلى بيانات منظمة وتنقيتها ودراستها بشكل كامل. 
  3. بيانات من الأقمار الصناعية، وبدأ ذلك منذ عام ١٩٧٩م عن طريق بعض وكالات الفضاء التي أسستها أمريكا وأوروبا. 
  4. بيانات من أشخاص سابقين تواجدوا في القرن ال ١٧ وال ١٨، لكن بدأ ذلك رسميًا في القرن ال ١٩.
  5. إعادة تحليل البيانات القديمة المتوفرة ومقارنتها باستمرار مع البيانات الجديدة. 
  6. التفاعل مع بعض العوامل الفيزيائية التي تساعدنا على الحصول على بيانات، مثل تأثيرات المحيطات والبحار والجليد، وبتطبيق ذلك على نطاق عالمي وكذلك على نطاقات محلية.

ما هي تحديات المعلوماتية المناخية؟

  1. التغيرات المفاجئة وغير المتوقعة التي قد تحدث في أي وقت أو حدثت سابقًا، ويعمل العلماء حاليًا على محاولة إيجاد تفاسير لتلك الأحداث. 
  2. التناقض في البيانات بين المناطق المختلفة، لذلك يجب تصميم خوارزميات قوية للتأكد من دقة المعلومات والبيانات. 
  3. عدم القدرة على التحديد المبكر، بما يمكن التنبؤ به وما لا يمكن.

كيف نستطيع تطبيق المعلوماتية المناخية؟

  1. إنشاء معامل أبحاث تعمل على الربط بين مهندسي الذكاء الاصطناعي وعلماء المناخ.
  2. تخصيص موقع حكومي شامل لجميع البيانات التي يحتاجها العلماء.
  3. تطوير بيئة عمل يمكن من خلالها التنبؤ بما قد يحدث في المناخ مستقبلًا، وقد طبق العلماء تلك المساعي في الصحة والجينات وحقق نتائج جيدة. 
  4. تحديد مصادر المعلومات، وأيها يكون أفضل طبقًا للمنطقة التي يُدرس فيها المناخ. 
  5. التأكد من أن حجم البيانات يتناسب مع الحصول على نتائج دقيقة. 

يستطيع الإنسان استغلال كل الحلول المتاحة له لمواجهة التأثيرات الضارة الناتجة عن تغير المناخ ومن أهم هذه الحلول هي علوم البيانات. بدأ العلماء بدمج مجال علوم البيانات للمساعدة في تغير المناخ، ونتج عن ذلك المعلوماتية المناخية التي أصبحت مجال أساسي في الدول المتقدمة. ويبقى التحدي قائم أمام دول أفريقية لاستغلال هذه التطورات، والبدء في حل مشاكل المناخ التي تتكرر دائمًا.

المصادر

Harvard Business School
Appsilon
Simplilearn

5 تنبؤات صحيحة قام بها أينشتاين

إذا سألت الناس عن أذكى رجل في التاريخ، سيجيبك معظمهم عن أينشتاين، ذلك الرجل الذي غيّر مفاهيمنا عن الكون بطريقة ثورية.
ولا يمكن ذكاء أينشتاين في نظرياته واكتشافاته وحسب، بل أنه قد تنبأ بأشياء اكتُشفت بعد وفاته، وسنتعرف اليوم على أبرز 5 تنبؤات له.

«الطاقة المظلمة-Dark energy»

عندما صاغ أينشتاين معادلات نظرية النسبية العامة، اكتشف أن وجود الكُتل الكبيرة على نسيج الزمكان ستؤدي مع الوقت إلى سقوط بعضها نحو بعض، فافترض وجود طاقة تتسبب في تمدد الكون، لتؤدي إلى التوازن الذي يمنع الكون من الانهيار على نفسه، ولكن المجتمع العلمي رفض هذه الفرضية، إلا أنه في عام 1998 اكتُشفت الطاقة المظلمة، وهي الطاقة التي تتسبب في تسارع تمدد الكون، أي أن أينشتاين كان على صواب حتى عندما أخطأ!

تمدد الكون

«تمدد الزمن-Time dilation»

تنبأت نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بأن الوقت يتحرك بشكل أبطأ عند التحرك بسرعة أكبر، فإذا كان الجسم أ يتحرك بسرعة أعلى من الجسم ب، فإن الوقت يمر بشكل أبطأ على الجسم أ من مروره على الجسم ب، كما كان في فيلم Interstellar، وهو ما أُثبت في تجربة العالمين «جوزيف هافل-Joseph Hafele» و«ريتشارد كيتينج-Richard Keating»، حيث قاما بوضع ساعة ذرية في طائرة، وساعة ذرية أخرى على الأرض، وعند هبوط الطائرة وُجد فرق في حساب الوقت بالفعل.

تمدد الزمن

«عدسة الجاذبية-Gravitational lensing»

عندما يأتينا الضوء من النجوم أو المجرات البعيدة فإننا نراها في مكانها (على افتراض أنها ثابتة)، ولكن ماذا يحدث إذا كان هناك جسم ذو كتلة كبيرة بيننا وبين الشيء الذي نرصده؟

سيجذب هذا الجسم أشعة الضوء القادمة من الجسم المرصود، وبالتالي انحناء أشعة الضوء وهذا يؤدي بدوره لتشوه الصورة القادمة إلينا، فنرى الجسم في غير مكانه، أو نحصل على صورة مشوّهة، كان هذا ما تنبأت به نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وهو ما أثبتته المشاهدات مرارًا وتكرارًا.

شرح ظاهرة عدسة الجاذبية
صورة مشوهة لمجرة

«الثقوب السوداء-Black holes»

الثقوب السوداء هي أجسام ذات كتلة كبيرة وكثافة عالية وبالتالي قوة جاذبية كبيرة، تؤدي إلى تشوه نسيج الزمكان، ولا يستطيع أي شيء الهروب من جاذبيتها بما في ذلك الضوء.

كانت نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي أول ما تنبأ بوجود مثل هذه الأجسام وتنبأت بتأثيراتها الغريبة على الضوء، ولا نحتاج إلى القول بوجود الثقوب السوداء، فقد التُقطت أول صورة لثقب أسود عام 2019، لتثبت وبدون شك صدق تنبؤات أينشتاين.

أول صورة لثقب أسود

«موجات الجاذبية-Gravitational waves»

افترض أينشتاين قبل 100 عام حدوث تموجات في نسيج الزمكان إثر تصادم أجسام ذات كتلة كبيرة، وهو ما أُثبت في عام 2016 في مرصد «ليجو-LIGO»، حيث رصد الباحثون أثر موجات جاذبية ظلت تُسافر في الفضاء لمدة 1.3 بليون سنة، نتيجة لتصادم اثنين من الثقوب السوداء في الماضي السحيق.

موجات الجاذبية

قوة العلم

لم تكن تنبؤات أينشتاين -والتي تزيد عن الخمسة المذكورة أعلاه- نتيجة لقدرات سحرية، وإنما هو سحر العلم والرياضيات، واللذان عن طريقهما ندرس ما كان، لنتنبأ بما هو آت.

المصادر

earthlymission
nasa
worldscientific

نقد علم النفس التطوري: أبرز الانتقادات والاعتراضات

هذه المقالة هي الجزء 8 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

فرضت نظرية التطور نفسها على صعيد مختلف علوم الأحياء والطب، فدُرست الأعضاء البشرية بحسب وظيفتها التطورية، وقارن الباحثون بين البنية الجسدية البشرية وبنية باقي الثدييات والحيوانات، وقد أضافت هذه الأبحاث الكثير من التفسيرات لفهم وظائف الأجهزة وأمراضها. إلا أن نظرية التطور بقيت خارج دائرة علم النفس طويلًا، حتى نشأ مجال علم النفس التطوري في أواخر الثمانينيات.

يعتبر علم النفس التطوري علمًا حديثًا نسبيًا، وهو يهدف إلى تفسير السلوكيات والقدرات المعرفية البشرية من منظور تطوّري. لكنّه واجه وما زال يواجه الكثير من الانتقادات والاعتراضات من باحثين في مجالات علمية من جهة، ومن ناشطين سياسيين واجتماعيين ودينيين من جهة أخرى. فما هي أبرز الحجج في نقد علم النفس التطوري ؟

صعوبة اختبار نظريات علم النفس التطوري

بحسب علم النفس التطوري، يشكّل العصر الحجري القسم الأكبر من التاريخ التطوري للبشر، وبالتالي فإن دماغنا الحالي ناتج عن مجموعة من عمليات التطور في ذاك العصر. عاش أسلافنا في قبائل صيد في السافانا لزمن طويل، ويعتبر الباحثون في علم النفس التطوري أن هذه البيئة هي بيئة التكيف التطورية التي تطور دماغنا ليحل مشاكل الحياة فيها. لكن إلى أي مدى يمكن دراسة تفاصيل الحياة البشرية في هذه البيئة وهذا العصر؟

غالبًا ما يعتمد علماء النفس التطوري دلائل علوم الآثار والتاريخ لفهم طبيعة بيئة التكيّف، وهم يطرحون نظرياتهم بناءً على هذه الدلائل. لكن الصعوبة تكمن في فهم الخصائص العقلية الحالية في ضوء البيئة التطورية، خصوصًا أنه من المستحيل محاكاتها. ومن هنا، يصبح طرح النظريات حول الأصول التطورية للوظائف العقلية صعب وغير متين، وتكون هذه النظريات غير قابلة دائمًا للاختبار. بالإضافة إلى ذلك، عندما يقود علماء النفس التطوري دراسات ميدانية وتكون النتائج غير مثبتة لنظرياتهم، يعتبرون أن الدراسات الميدانية غير كافية لدحض النظريات، وذلك بسبب الفروقات الكبيرة بين البيئة التطورية والبيئة الحالية، في حين يستخدمون نتائج الدراسات الميدانية كدليل حين تتوافق مع النظريات.

في المقابل، يرد علماء النفس التطوري على هذه الاعتراضات بأنهم مُعترفين بصعوبة اختبار النظريات، لكنها ليست مهمة مستحيلة. فهم يعتمدون فقط الدلائل المؤكدة من بيئة العصر الحجري ويبنون النظريات على أساسها. كما أنهم يؤكدون أن اختبار نظريات علم النفس التطوري يمر بالمراحل نفسها التي تُجرى لاختبار نظريات علم النفس في مجالاته المختلفة.

النهج الاختزالي في علم النفس التطوري

واجهت العديد من العلوم الاجتماعية والنفسية الاعتراضات بسبب اعتبارها اختزالية، أي أنها تفسّر عمليات شديدة التعقيد بشكل مختزل. رغم أن الاختزال (Reductionism) هو استراتيجية ضرورية لفهم الظواهر المعقّدة في معظم الحقول العلمية، إلا أن الاعتراض على علم النفس التطوري يقوم على اعتباره يدرس التطوّر كسبب وحيد لمعظم السلوكيات البشرية, وهو بالتالي يُهمل تأثير عوامل أخرى كالتنشئة الاجتماعية والتراكمات الثقافية وغيرها.

التمركز حول النوع البشري

رغم أهمية الدراسات النفسية التطورية في النوع البشري، إلا أننا نشترك أسلافًا مع حيوانات أخرى خصوصًا القردة العليا والثدييات. ويعتبر العديد من الباحثين أن بعض سلوكياتنا مشتركة بيننا وبين حيوانات أخرى. لذلك فإن الدراسات النفسية المتمحورة حول حيوانات أخرى قد تكون مفيدة للغاية لفهم الفروقات بين الدماغ البشري وأدمغة غيره من الحيوانات، وبالتالي فهم الأصول التطورية للخصائص العقلية بشكل أعمق.

ما زالت أبحاث علم النفس التطور مُتمحورة بشكل أساسي على البشر، ممّا قد يعيق فهمنا للكثير من الأصول النفسية التطورية ويخفف من إنتاجية هذا المجال.

نمطية العقل الشاملة

تبنّى علماء النفس التطوري نظرية “نمطية العقل الشاملة – Massive modularity of mind” وهي النظرية التي تعتبر أن الدماغ يتألف من وحدات دماغية مختلفة، ولكل منها وظيفة معينة طوّرتها استجابةً لضغوط الانتخاب.

في المقابل، تتعارض هذه النظرية مع نظريات علم النفس التعليمي والعديد من العلوم العصبية التي تعتبر الدماغ كجهاز قابل للاستخدام العام (General purpose learning device) نتيجةً للمرونة العصبية التي يتميز بها. بحسب الباحثة في العلوم المعرفية العصبية “كارميلوف سميث -Karmiloff Smith”، الدراسات الميدانية لا تتفق مع نظرية النمطية الشاملة، وتعتبر أن تخصّص الوحدات الدماغية قد يكون ناتجًا عن نمو الطفل وتحفيزه لقدرات معينة.

رغم الانتقادات العلمية المشروعة لنظريات واستراتيجيات علم النفس التطوري، إلا أن هذا المجال العلمي فتح آفاقًا كبيرة ومهمة لدراسة القدرات المعرفية والاضطرابات النفسية والسلوكيات البشرية من منظور تطوري. ويتفق الباحثون في هذا المجال، حتى المعترضين منهم، أنه ليس من الممكن إهمال الأصول التطورية للظواهر النفسية.

التغير المناخي.. كيف صمد الإنسان أمام غضب الطبيعة؟

أنهى بيل غيتس كتابه عن التغير المناخي في نهاية سنة 2020. (1) حيث كانت جائحة الكورونا قد قتلت حوالي 1.4 مليون إنسان. أرتفع الأن هذا العدد بشكل مخيف فقد أظهرت هذه الجائحة عدم استعدادنا لمواجهة الكوارث. وفي حال لم نبدأ من الأن بالاستعداد لخطر التغير المناخي فالكارثة القادمة ستكون أكثر فتكًا بكثير.

فيما يطرح بيل غيتس في كتابه أسباب وحلول التغير المناخي، سيلفت هذا التقرير انتباهكم لعدة كوارث مناخية قد أصابت الأرض أثناء التاريخ البشري. فلربما نتعلم من تجربتهم كيف نتجنب هذا الخطر القادم.

الخطر الكبير القادم

“من لم يتعلم من دروس الثلاث ألاف سنة الماضية سيبقى دائمًا في العتمة.” غوته

نحن اليوم في حالة طوارئ مناخية وربما سنتخطى نقطة اللاعودة ما لم نتخذ القرار المناسب لمواجهة التغير المناخي.(2) لقد واجه القدماء هذا التغيير المناخي أيضًا. في الواقع هنالك عدة فرضيات أثرية اليوم تتحدث عن دور التغيير المناخي في تشكيل التاريخ البشري. فالمجتمعات التي عاشت قبل 6000 سنة على الأرض واجهت تقلبات مناخية كبيرة. كان أثر هذه التقلبات المناخية على الحضارات القديمة متفاوتًا أو بالأحرى نقمةً لبعضها ونعمةً لبعضها الأخر.

حضارة نهر السند

ربما يكون مصير حضارة نهر السند من الأمثلة الأبرز على تأثير التغيير المناخي على المجتمعات القديمة التي امتلكت ما يكفي من التطور لتزدهر.

لحضارة نهر السند موقعين كبيرين هما Moenjodaro and Harappa وكلا الموقعين يظهران درجة عالية من الإدارة والتنظيم والتصميم الهندسي للمباني الكبيرة. عاش فيهما ما يقارب 35 ألف إلى 50 ألف نسمة. وامتلكوا شبكات من أقنية المياه وخزانات مياه كبيرة واخترعوا شكلًا من أشكال الكتابة.

خزان المياه في موقع Moenjodaro المصدر: Wikimedia Commons

ازدهرت هذه الحضارة سنة 2400 ق. م. واستمرت لسنة 1600 ق.م. حيث كانت نهايتها الغامضة. افترضت أسباب كثيرة لهذه النهاية وأكثرها درامية كان مذبحة على يد الأريين الذين غزوا هذه الحضارة. لكن الأدلة الاثرية من الهياكل العظمية للسكان والتي كان بعضها مدفونة أيضًا لا تشجع على القبول بهذه الفرضية.

في المقابل يروي لنا التغيير المناخي قصة صعود هذه الحضارة وأفولها: قبل سنة 3050 ق.م. كانت الأمطار غزيرة جدًا في هذه المنطقة وكثرت معها الفيضانات مما جعل السكن فيها مستحيلًا. أدى التغير المناخي بعد سنة 3050 إلى تقليل نسبة الأمطار وبالتالي الفيضانات مما ترك أراض زراعية خصبة وسمح بإنشاء المستعمرات في هذه المنطقة.

لكن وللأسف لم يتوقف التغيير المناخي عند هذه النقطة فبحلول عام 1700 ق.م.  كانت المنطقة قاحلة كليًا ولم تستمر سوى القليل من النباتات المتكيفة مع هذه الظروف الجافة. في الدراسات الحديثة نجد أن ملوحة خليج البنغال قد زادت في هذه الفترة أيضًا بسبب انخفاض تدفق النهر. (3) وبحلول عام 1600 كانت هذه الحضارة قد انتهت وما تبقى من السكان قد هاجر إلى مناطق أخرى.

فيما تتزايد الأدلة اليوم على أن التغير المناخي قد قضى على حضارة كانت على هذا القدر من البارعة في التحكم بمصادر المياه لصالحها. يبقى السؤال المهم، إلى أي مدى ستصمد استراتيجياتنا اليوم في مواجهة التغير المناخي؟ وتحت أي ظروف ستنهار؟

المناخ في مصر

ربما تكون مصر قد ضعفت أمام هذا الجفاف أيضًا. المملكة القديمة في مصر انهارت في أواخر الألفية الثالثة ق.م. بعد أن كانت دولة قوية وغنية ويكفي أنها المملكة التي بني في عصرها الهرم الأكبر. فقد كانت تمتلك كل المهارات المطلوبة في التصميم والتخطيط والعمل بالإضافة لفائض زراعي يسمح بكل هذه الأعمال كان توفره الفيضانات المستمرة للنيل.

انهارت المملكة القديمة حوالي عام 2160 ق.م. ودخلت مصر في مرحلة انتقالية وعزا المؤرخون أسباب الانهيار إلى الصراع على السلطة أو الغزو، ولكن هناك أدلة قوية على أن الجفاف خلال هذه الفترة سبب انخفاضًا في نسبة فيضان النيل عبر السنة وقد وثقت دراسات عديدة انتشار الجفاف في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وغرب آسيا في هذه الفترة (2250 قبل الميلاد).

 تظهر السجلات الجيولوجية من دلتا نهر النيل انخفاض في تدفقه في هذه الفترة. (4) وفي هذه الحالة يكون الجفاف قد ساعد على انهيار الدولة. قد يكون الجفاف قد أضعف مصر لكنه لم يدمر الحضارة المصرية ومع ذلك، فإن التغييرات الثقافية التي ظهرت خلال الفترة الانتقالية الأولى كان لها آثار دائمة.

هل بدأ الاحتباس الحراري قبل 7 ألاف سنة؟

 اكتشف الانسان الزراعة حوالي سنة 7000 ق.م. كان هذا اكتشافًا عظيمًا وكارثة في الوقت عينه. فقد زاد المزارعون الأوائل من انبعاثات غازات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري. كما أن التوسع في الرعي وتربية الحيوانات خلقت المزيد من غاز الميثان.

 قطع وحرق الأشجار، أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي. هذا ما اقترحه ويليام روديمان لأول مرة في 2003، افترض أن التدخل البشري مع المناخ بدأ قبل فترة طويلة من الثورة الصناعية نتيجة للثورة الزراعية واستخدام الأراضي.

 يأتي الدليل على مثل هذا التأثير البشري المبكر من الزيادة الملحوظة في ثاني أكسيد الكربون التي بدأت منذ 7000 عام، وفي بدأ ارتفاع نسبة الميثان منذ حوالي 5000 عام، وهو نمط لم يتم رؤيته في النقطة المقابلة في الفترات الجليدية السابقة (5)

نهاية عصر

لم تتوقف كوارث التغيير المناخي عند هذه النقطة فبعد حوالي 1000 سنة من انهيار المملكة القديمة في مصر أتت نهاية العصر البرونزي في منطقة البحر المتوسط. امتد العصر البرونزي من سنة (3100-1200 ق.م.)  وعندما حلت نهايته أنهى معه معظم الحضارات والإمبراطوريات الكبرى التي ازدهرت في هذه الفترة.  

في مصر، انتهت الدولة الحديثة عام 1070 قبل الميلاد وتم تقسيم البلاد. أما في الأناضول، فانهارت الإمبراطورية الحيثية بحلول عام 1160 قبل الميلاد. وفي الساحل السوري، انهارت دولة أوغاريت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وانهارت حضارات اليونان تمامًا. تم التخلي عن قصر كنوسوس في جزيرة كريت في أواخر العصر البرونزي أيضًا.  انهارت حضارة ميسينا بين عامي 1200 و1100 قبل الميلاد.

ما الذي تسبب في هذه السلسلة من النكسات الحادة في نهاية العصر البرونزي؟ المعارك والغزوات هي إحدى الاحتمالات. والكوارث الطبيعية أيضًا.ويعتبر تغير المناخ اليوم سببًا محتملاً جدًا لإنهيار هذا العصر. تشير سجلات الغطاء النباتي من دلتا نهر النيل إلى سلسلة من حالات الجفاف الإقليمية، (1050 قبل الميلاد). (6)

وفي السنوات الأخيرة زادت الأبحاث في هذا المجال فقد نشر فريق دولي من الباحثين يضم 《ديفيد كينوسكي – David Kaniewski》 بحثًا يتضمن عدة أدلة علمية على التغير المناخي والجفاف في إقليم البحر المتوسط في نهاية القرن الثالث عشر ق.م. اعتمد الباحثون على بيانات استمدوها من تل تويني في شمال سوريا. وعبر دراسة حبوب لقاح مأخوذة من رواسب طمي بالقرب من الموقع استنتجوا وجود فترة جفاف شديدة في المنطقة (7). استمرت هذه الفترة ما يقارب 300 عام وتسببت في تلف المحاصيل ونقص الغذاء والمجاعة مما سرع الأزمات وفرض نزوحًا بشريًا إقليميًا في شرق المتوسط وغرب آسيا.

بعد بحث كينوسكي نشر براندون دريك من جامعة نيو مكسيكو عدة أدلة اضافية من مناطق في فلسطين وغرب اليونان، تشير إلى حصول جفاف في هذه المناطق وفي ذات الفترة تقريبًا.

يمكن أن يحسم التغير المناخي الجدل أخيرًا في سبب انهيار عصر البرونز القديم ولكن يبقى أن نتعلم من هذه الكارثة دروسًا لمستقبلنا.

اقرأ أيضًا: العصر البرونزي الحديث .. كيف تصبح العولمة سببًا لانهيار الحضارات ؟

هل قضى التغير المناخي على روما؟

بدأت فترة من المناخ الدافئ والمستقر نسبيًا من حوالي 400 قبل الميلاد إلى 200 م، تزامن ازدهار الإمبراطورية الرومانية مع هذه الفترة المستقرة. وتوسعت بعدها لتحكم كل من إيطاليا، حوض البحر الأبيض المتوسط ​​بأكمله، وفي النهاية مناطق شاسعة من داخل غرب وجنوب شرق أوروبا. لكن وعلى مدى عدة قرون، وصلت الإمبراطورية الرومانية إلى نهايتها وانهارت. هذا الانهيار لم يحدث في نفس الوتيرة في جميع المواقع التي سيطرت عليها وربما يعود هذا أيضًا لأسباب مناخية.

وصلنا الأن إلى فترة الإمبراطورية الرومانية التي تعد من أعظم الامبراطوريات في التاريخ وربما تكون قد استمدت عظمتها وكذلك انهيارها من التغير المناخي.

 انهارت الإمبراطورية الغربية عام 476 م، ولكن نجت الإمبراطورية الشرقية لعدة قرون بعد ذلك. تلك الإمبراطورية الشرقية أصبحت تُعرف باسم الإمبراطورية البيزنطية. لكن ما هو دور المناخ في هذا الانهيار؟

أشار المؤرخون إلى أحداث متعددة كأسباب محتملة لانحدار روما. لكن الأبحاث المناخية أسفرت عن أدلة على أن تغير المناخ قد ساهم في اضعاف روما، كانت قدرة روما في إدارة وتخزين المياه قوية ولكن النمو السكاني فيها جعلها أكثر عرضة للتقلبات المناخية.جاء الجفاف في القرن الثالث في نفس الوقت الذي كانت فيه روما تنهار تقريبًا. وانخفضت المحاصيل الزراعية بشكل كبير (8). مما سرع في عملية الانهيار هذه.

لكن المناخ في الإمبراطورية الشرقية قد أخذ منحًا أخر فقد أدت الرطوبة العالية وهطول الأمطار إلى تحسين ظروف الزراعة في بعض الأجزاء من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والأناضول. كان المناخ المستقر أحد العوامل العديدة التي ساعدت الحضارة الكلاسيكية على الصمود بشكل كبير أطول في الشرق مما كانت عليه في المناطق الغربية للإمبراطورية الرومانية.

مستقبل دافئ

أثر التغير المناخي على التاريخ البشري بشكل كبير وشكله في بعض الأحيان حتى أصبحوا مرتبطين بشكل وثيق ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. تسبب التغير المناخي في انهيار المجتمعات المعقدة عبر آلاف السنين والقرون لكنه جعل الإنسان أكثر مرونة في مواجهة التغيرات المناخية. نقف اليوم أمام الحدث المناخي الأعنف في التاريخ. قرارتنا ونشاطاتنا لأن هي العامل الرئيسي الذي سيدفعنا نحو الكارثة أو سينجينا منها. يجب أن ننظر إلى التاريخ بتمعن وأن نقرر بحكمة فقرارنا اليوم هو الذي سيحدد في أي مستقبل سنعيش.

المصادر

  1. How to Avoid a Climate Disaster: The Solutions We Have and the Breakthroughs We Need
  2. World Scientists’ Warning of a Climate Emergency
  3. Holocene aridification of India
  4. Nile flow failure at the end of the Old Kingdom Egypt: strontium isotopic and petrologic evidence
  5. Late Holocene climate: Natural or anthropogenic?
  6. Nile Delta response to Holocene climate variability
  7. Kaniewski D, Van Campo E, Weiss H. Drought is a recurring challenge in the Middle East. Proceedings of the National Academy of Sciences. 2012;109(10):3862-3867.
  8. Climate Change during and after the Roman Empire: Reconstructing the Past from Scientific and Historical Evidence

الفيلسوف أناكسيماندر والأبيرون

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة مدخل إلى فلسفة ما قبل سقراط

الفيلسوف أناكسيماندر والأبيرون

إن الخوض في بدايات الفلسفة يكون مقلقًا لعدم وجود مصادرها بين أيدينا، إلا أن هذه المجازفة لا تخلو من المتعة. فحين نقطع مسافة زمنية من ألفي وخمسمائة عام نكون قد وصلنا إلى المعركة الأشرس للفكر ضد الأسطورة. شهدت بلاد الإغريق الكثير من الحروب، الأهلية تارة ومع الفرس تارة أخرى، إلا أن الحرب الأهم والأكثر إثارة كانت تلك التي أدت إلى بزوغ شمس التفلسف في ظلمة الإيمان. كان الفيلسوف أناكسيماندر قد رفع سقف الحرب إلى مستوى الأبيرون، حيث الموجود ينزع نفسه من العدم. في المقال هذا سنفتح أفق السؤال الفلسفي على دوامة اللانهائي لولادة المزيد من المعرفة بالفيلسوف الملطي الثاني.

الطريق إلى أناكسيماندر

عاش أناكسيماندر ما بين عامي (546_610) ق.م. تقريبًا، وكان معاصرًا لطاليس ويصغره سنًا. لا توجد سوى قطعة واحدة باقية ومنسوبة إلى أناكسيماندر فضلًا عن تعليقات من الآخرين مثل أرسطو الذي عاش من بعده، بقرنين من الزمن تقريبًا.(1)

هو أول فيلسوف قد كتب أطروحة فلسفية وكانت تسمى (حول الطبيعة). فُقد هذا الكتاب مع أنه كان متاحًا في زمن أرسطو و(ثيفراستوس-Theophrastus). يُقال قد عثر على نسخة من هذا الكتاب في مكتبة الإسكندرية، وتفيد بعض الأدلة بأنه كان متوفرًا في مكتبة تاورمينيا في صقلية.(2)

حاله حال طاليس، كان قد انشغل بالبحث العلمي أيضًا، وينسبون إليه الفضل في تصميم خريطة للعالم وكان يرى بأن الأرض أسطوانية الشكل.

أناكسيماندر ضد طاليس

كان يعتقد مواطنه طاليس بأن الماء أصل العالم وما الظواهر المختلفة إلا صور لحالات الماء. اعترض أناكسماندر وكانت حجته في ذلك أن العنصر الأولي لا يمكن أن يكون الماء ولا عنصرًا آخر غير الماء؛ لأنه لو كان بين هذه العناصر عنصر أولي لاكتسح العناصر الأخرى. يروى عنه أرسطو أنه قال: إن هذه العناصر المعروفة لنا  يعارض بعضها بعضًا؛ فالهواء بارد والماء رطب والنار حارة، وعلى ذلك فلو كان أحد هذه العناصر لانهائيًا لزالت العناصر الباقية اليوم، وإذن فلا بد أن يكون العنصر الأولي محايدًا في هذا الصراع الكوني.(3)

الأبيرون

إن الكائن الحقيقي [المبدأ الأول] لا يمكن أن يملك أية صفة محددة، وإلا فأنه يكون قد ولد ويصبح بذلك محكومًا بالزوال والموت ككل الأشياء الأخرى. ولكي لا تنقطع الصيرورة، فلا بد للكائن الأصلي إلا أن يكون غير محدد. فخلود الكائن الأصلي يقوم على خلوه من الصفات المحددة التي تقود إلى الموت.(4)

المبدأ الذي يفترضه الفيلسوف أناكسماندر هو الأبيرون، وهو يعني حرفيًا، اللانهائي على المستوى الزماني، اللامحدود من حيث المكان، اللامتعين من حيث الماهية. إن الأبيرون الذي يمتلك صفات إلهية، يحرك دوامة الوجود الدائرية بشكل أبدي، والموجودات تظهر بانفصالها وخروجها من تلك الدوامة.

إن عملية الانفصال هذه أبدية بالضرورة، وذلك لأن دوامة الأبيرون لا نهاية لها، وبالتالي فالموجودات والعوالم لا تكف عن الولادة والفناء في الأبيرون من جديد. (2). ومن الجدير بالذكر هو أن هذه الفكرة تؤدي إلى الإمكانات غير المحددة للأبيرون في خلق الأكوان والعوالم.

العدالة الكونية:

ما هو مربك في نظرية الخلق عند أناكسيماندر، هو أن الوجود/الحياة يمثل الخروج من قرار الأبيرون ومشيئته، فالأبيرون دون أن يقول (كن) تكون الكائنات، وبالتالي فالوجود خطيئة، والكائن/الموجود محكوم عليه بالعودة إلى الأبيرون والفناء فيه. إن كل الصيرورة طريقة مذنبة للتحرر من الوجود الأبدي، وهي ظلم يجب التكفير عنه بالموت.(5).

يؤمن الفيلسوف أناكسيماندر بعدالة الأبيرون المطلقة وكذلك بالصراع المتأصل في الوجود. فكل عنصر من العناصر لا يكف عن السعي في سبيل اتساع رقعة مُلكه، غير أن ثمة نوعًا من الضرورة أو القانون الطبيعي لا ينفك يرد التوازن إلى حيث كان. العدالة هنا معناها عدم مجاوزة الحدود المفروضة منذ الأزل.

أناكسيماندر ونظرية التطور:

قبل داروين ولامارك، كان الحديث عن تطور الكائنات سيبدو جنونًا، إلا أن أناكسيماندر كان قد فجر فكرة التطور في الوسط الإغريقي قبل ألفين وخمسمائة عام في سياق تناوله لفكرة الخلق والأبيرون. ما لدينا مما قاله في التطور قليل جدًا، لكن مع ذلك تستحق الفكرة التأمل فيها.

يقول بأن الأرض في البداية كانت عبارة عن سائل، بدأت الأرض بالتجمد مع الوقت، وبفعل الحرارة تبخر البعض من سائلها مشكلًا طبقات الهواء. نتيجة تفاعل الضدين، الحرارة والبرودة، تكونت أولى الكائنات الحية. كانت الكائنات بسيطة في البداية ومن ثم تطورت وتأقلمت مع البيئة. فسلف الإنسان كان سمكة وبعد انحسار الماء تأقلمت بعض الأسماك مع البيئة الجديدة. (6) إذ أن التطور بدأ من البحر بإتجاه اليابسة.

اقرأ أيضًا الفيلسوف طاليس وبداية القول الفلسفي

أناكسيماندر علامة فلسفية بارزة

رغم قلة معرفتنا بفلسفة أناكسيماندر إلا أنه يعد علامة فلسفية بارزة، ففكرة الأبيرون ما زالت تحتفظ ببريقها ولو بشكل شاعري. يعلق نيتشه على أسلوبه قائلًا: فكره وأسلوبه يشكلان حدودًا قصوى على طريق الحكمة الفائقة. ما يميز طرح أناكسيماندر حول الخلق والكون يمكن تأويله في سياق أخلاقي أيضًا، وكان نيتشه أول من توقف عند ذلك بإعجاب.

المصادر:

  1. غنار سكيربك ونلر غيلجي، تاريخ الفكر اليوناني، ترجمة د.حيدر حاج اسماعيل، ط1، المنظمة العربية للترجمة، 2012، ص47.
  2. https://iep.utm.edu/anaximan/
  3. برتراند راسل، تاريخ الفلسفة الغربية،الكتاب الأول، ترجمة زكي نجيب محمود، ط1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010، ص65.
  4. فردريك نيتشه، الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي، ترجمة سهيل القش، ط2، المؤسسة الجامعية، 1983، ص51.
  5. محمد حسن النجم، السفسطائية في الفكر اليوناني، ط1، بيت الحكمة العراقي 2008، ص35.
  6. https://www.famousscientists.org/anaximander/

ما هو علم النفس الشرعي؟

مع هوس المجتمع باكتشاف ما يدور داخل عقل المجرم، فلا عجب أن يكون مجال علم النفس الشرعي رائعًا للغاية. فيما يلي أهم ما يمكنك معرفته حول مجال علم النفس الشرعي وكيف يؤثر على نظام العدالة الجنائية.

تعريف علم النفس الشرعي

علم النفس الشرعي هو دراسة علم النفس الإكلينيكي في المواقف القانونية. يشير هذا إلى دراسة العلاقة بين علم النفس البشري ونظام العدالة الجنائية. يعتبر هذا التعريف تعريفًا واسعًا للمصطلح، يخصص مساحة للبحث والدراسة الأكاديمية لعلم النفس والقانون. بينما يمكن أن يكون هناك تعريف أضيق يشير إلى التقييم النفسي المهني للفرد الذي يشارك حاليًا في عملية قانونية. يمكن أن يكون هذا تقييمًا لفهم الحالة الذهنية للشخص أثناء الجريمة أو قدرته على المثول للمحاكمة أو يقيم مدى مصداقية الشهود، وغير ذلك.

ويعرِّف المجلس الأمريكي لعلم النفس الشرعي- American Board of Forensic psychology هذا المجال بأنه تطبيق علم النفس على القضايا التي تتعلق بالقانون والنظام القانوني.وقد نما الاهتمام بعلم النفس الشرعي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

لمحة تاريخية قصيرة

بينما يعتبر علم النفس الشرعي مجال تخصص جديد إلى حد ما في علم النفس؛ إلا أن الأيام الأولى لهذا المجال تعود إلى بدايات علم النفس. لطالما سعى الفلاسفة والعلماء إلى فهم الدوافع التى تجعل الناس يرتكبون الجرائم، أو يتصرفون بعدوانية أو ينخرطون في سلوكيات مُعادية للمجتمع. في الواقع، لقد تم الاعتراف رسميًا بعلم النفس الشرعي كمجال تخصص من قِبل الجمعية الأمريكية لعلم النفس – American Psychological Association APA عام 2001 م. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن مجال علم النفس الشرعي له جذور تعود إلى أول مختبر علم نفسWundt في لايبزيغ-ألمانيا، المختبر الذي أسسه Wilhelm Wundt عام 1879 م كأول مختبر لعلم النفس التجريبي. لم يحدث النمو الملحوظ في علم النفس الشرعي الأمريكي إلا بعد الحرب العالمية الثانية. قبل ذلك الوقت، عمل علماء النفس كشهود خبراء، ولكن فقط في المحاكمات التي لم يُنظر إليها على أنها انتهاك للأخصائيين الطبيين، الذين كان يُنظر إليهم على أنهم شهود أكثر مصداقية. في قضية هاوثورن عام 1940 م، قضت المحاكم بأن معيار الشهود الخبراء يعتمد على مدى معرفة الشاهد بالموضوع، وليس ما إذا كان الشخص حاصل على شهادة طبية.

وشهد المجال نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، إذ أصبح هناك المزيد من الطلاب المهتمين والمقبلين على هذا الفرع التطبيقي لعلم النفس. كان للأفلام الشعبية والبرامج التلفزيونية والكتب والروايات دور كبير في لفت أنظار الناس إلى هذا المجال. فغالبًا ما تصور الأبطال الرائعين الذين يتتبعون الجرائم ويتعقبون المجرمين باستخدام علم النفس. فانتبه الناس إلى مدى روعة علم النفس في الخوض في العقول لحل الجرائم وتحقيق العدالة. وبالإضافة إلى رونقه في وسائل الإعلام والأفلام؛ فهو يلعب دورًا مهمًا في الحياة الواقعية. فهو، كما ذكرنا، ينطوي على التقييم النفسي لأولئك المشاركين في المسألة القانونية.

ما أهمية علم النفس الشرعي في نظام العدالة الجنائية؟

علم النفس الشرعي له أهمية كبيرة في نظام العدالة الجنائية؛ تعطي دراسة السلوك البشري من أجل إنفاذ القانون وتحقيق العدالة فرصة لمعرفة كيف ولماذا تحدث الجرائم وكيف يمكن لقضايا الصحة العقلية الموجودة مسبقًا أن تساهم في الجريمة. أثناء الدراسة في هذا المجال، يبذل علماء النفس الشرعي جهدًا للمساعدة في إعادة تأهيل السجناء الذين لديهم تاريخ من الجرائم المستمرة. الفكرة هي كسر حلقة سلوكهم حتى لا يتعرضوا للسجن بسبب أفعالهم. يقدم علماء النفس أيضًا توصية مهنية ومتخصصة للمحكمة حول ما إذا كان الشخص مؤهلاً بما يكفي للمحاكمة. وإذا كانت هناك حاجة إلى علاج الصحة العقلية بعد الإدانة، فيمكن للطبيب النفسي الشرعي أيضًا تقديم توصيات بشأن ذلك.

فيما يتميز علم النفس الشرعي عن مجالات علم النفس الأخرى؟

يتميز علم النفس الشرعي عن أي تخصص آخر مثل علم النفس الإكلينيكي بأنه عادة ما تكون واجبات الطبيب النفسي الشرعي محدودة إلى حد ما من حيث النطاق والمدة. بينما يُطلب من أخصائي علم النفس الشرعي أداء واجب محدد للغاية في كل حالة على حدة، مثل تحديد ما إذا كان المشتبه به مؤهلًا عقليًا لمواجهة التهم. وعلى عكس التعامل السريري النموذجي، حيث يسعى المريض أو الشخص طواعية للحصول على المساعدة أو التقييم، يتعامل الطبيب النفسي الشرعي عادةً مع أشخاص ليسوا أمامه بمحض إرادتهم. يمكن لهذا أن يجعل التقييم والتشخيص والعلاج أكثر صعوبة لأن بعض الأشخاص يقاومون عن عمد محاولات المساعدة.

من هو الطبيب النفسي الشرعي وماذا يعمل؟

عندما يعمل علماء النفس الشرعيون في محاكم الأسرة مثلاً، فإنهم يقدمون خدمات العلاج النفسي، والتحقيق في تقارير إساءة معاملة الأطفال، وإجراء تقييمات حضانة الأطفال، وإجراء تقييمات مخاطر الزيارة. يقدم علماء النفس الشرعيون العاملون في المحاكم المدنية العلاج النفسي لضحايا الجرائم، ويقيمون الكفاءة، ويقدمون آراءً ثانية. ويقدم العاملون في المحاكم الجنائية تقييمًا للمجرمين الأحداث والبالغين، ويجرون تقييمات للكفاءة العقلية، ويتعاملون مع الأطفال الشهود. غالبًا ما يُجري علماء النفس الشرعي أبحاثهم الخاصة، بالإضافة إلى دراسة وتحليل أبحاث متخصصين آخرين. قد يدرسون المجرمين وجرائمهم لمعرفة سمات أنواع معينة من المجرمين، والتي قد تتضمن إجراء مقابلات بين المجرمين وأقربائهم أو ضحاياهم. قد يعمل علماء النفس الشرعيون أيضًا كشهود خبراء أثناء المحاكمات الجنائية، ويقدمون شهادات حول سبب حدوث جريمة ما. قد يعبرون أيضًا عن سبب اعتقادهم أن المدعى عليه من المحتمل أن يكون قد ارتكب الجرائم المعنية. قد يكون لطبيب النفس الشرعي أيضًا تأثير على إصدار الأحكام على المجرم.

كيف تصبح أخصائيًا شرعيًا؟

إذا كنت تستمتع بالتعرف على العلاقة بين السلوك البشري والقانون، فمن المحتمل أن يثير هذا اهتمامك قليلاً. وإذا احترفت المجال وأتقنت علومه ومناجهه، ربما تصبح من أرباب مهنة تُدر عليك قرابة 79.000 دولارًا سنويًا! عادة ما يكون علماء النفس الشرعيون علماء نفس مُرخصين متخصصين في تطبيق المعرفة النفسية على المسائل القانونية، في كل من المجالات الجنائية والمدنية. فهم حاصلون على درجات جامعية في علم النفس، ودكتوراه في أغلب الأحيان. كما قد يتطلب العمل كطبيب نفسي درجة الدكتوراه. ولكن هناك بعض فرص العمل في المدارس والمؤسسات الصناعية التي قد تصبح متاحة بعد حصول الطالب على درجة الماجستير.

ومع ذلك، فإن التخصص في هذا المجال لا يتطلب بالضرورة درجة الدكتوراه. حيث تحدد أهداف التوظيف المستقبلية للطالب نوع الدرجة المطلوبة للعمل. وبالنسبة للتدرج الأكاديمي للحصول على رخصة مزاولة مهنة الطب النفسي الشرعي، تبدأ الرحلة التعليمية بدرجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة أو كلية معتمدة. يختار بعض الطلاب التخصص في علم النفس مع التركيز على علم النفس الشرعي، ولكن قد يجد طلاب آخرون أنه من الأفضل الحصول على شهادة في مجال ذي صلة مثل علم النفس الإجرامي.

يُفضل بعض الطلاب الاستزادة من علم الإجرام أو العدالة الجنائية أثناء حصولهم على بكالوريوس العلوم في علم النفس أو بكالوريوس العلوم في علم النفس الشرعي. ولابد أن يكون لدى علماء النفس الشرعي فهم قوي لعلم النفس والطب الشرعي. كما تتطلب هذه الوظيفة مهارات اتصال وتفكير استراتيجي قوية، حيث يجب على هؤلاء المحترفين إجراء المقابلات وتحليل الإجابات ولغة الجسد.

التوظيف في مجال علم النفس الشرعي

يمكن لعلماء النفس الشرعي العمل في مجموعة متنوعة من أماكن العمل. غالبًا ما يعمل الأكاديميون في هذا المجال في المعامل أو الكليات أو مراكز البحث التي تركز على هذا المجال، يمكنهم أيضًا العثور على فرص انتساب للوكالات الحكومية التي تدعم عملهم. علماء النفس الشرعيون في العمل الميداني لشركات المحاماة والمحاكم والمصالح الحكومية، وفي مصحات الصحة العقلية وبرامج الإفراج المشروط والمستشفيات وأنظمة الإصلاح الحكومية، ومصحات إعادة التأهيل. يمكن لعلماء النفس الشرعي، في بعض الحالات، العمل كمستشارين، وبناء علامتهم التجارية الخاصة والعمل على العقود التي يتلقونها من تطبيق القانون والحكومة وشركات المحاماة الخاصة. كما يتاح لهؤلاء الأخصائيين النفسيين العمل في مجتمع الاستخبارات كمدربين، وتدريب الوكلاء على اكتشاف السلوك الإجرامي من خلال التحليل النفسي. تشمل بعض الوظائف التي عادة ما تجرى في علم النفس الشرعي ما يلي:

تقييمات الكفاءة.

توصيات إصدار الأحكام.

تقييمات مخاطر إعادة الإجرام.

شهادة كشاهد خبير.

تقييمات حضانة الأطفال.

البحث الأكاديمي عن الجريمة.

استشارة سلطات تطبيق القانون.

معاملة المجرمين.

تقديم الخدمات النفسية للنزلاء والمخالفين.

مستشاري المحاكمة الذين يساعدون في اختيار هيئة المحلفين أو إعداد الشهود أو الاستراتيجيات القانونية.

تصميم البرامج الإصلاحية.

يُعرَّف علم النفس الشرعي بأنه تقاطع بين علم النفس والقانون، لكن يمكن لعلماء هذا المجال أداء العديد من الأدوار، لذلك يمكن أن يختلف هذا التعريف.

في كثير من الحالات، لا يكون العاملين بهذا المجال بالضرورة “علماء نفس شرعي”. فقد يتخصصون في علم النفس السريري أو علم النفس المدرسي، وقد يكونون أطباء أعصاب، أو مستشارين يقدمون خبراتهم النفسية على الإدلاء بالشهادة والتحليل أو التوصيات في القضايا القانونية أو الجنائية.

موضوعات على الهامش

على الرغم من أن هذا التخصص مازال خيارًا غير شائع للحصول على درجة علمية، ولكن أصبح هناك المزيد من المدارس التي تقدمه كتخصص. إذا كنت مهتمًا بأن تصبح اختصاصيًا في علم النفس الشرعي، فيجب أن تحصل على دورات تركز على موضوعات نذكر منها:

علم النفس الجنائي

السلوك الاجتماعي

السلوك غير الطبيعي

علم النفس المعرفي

المعرفة

الأدوية وعلم الأدوية النفسية

قانون العدالة الجنائية.

أخيرًا.. أحد الجوانب الأكثر جاذبية لكونك طبيب نفسي شرعي هو أنك دائمًا في تحديات وتجارب جديدة مثيرة للاهتمام. يمكنك تقييم الشهود في يوم من الأيام وتقديم الشهادة في المحكمة في اليوم التالي. إذا كنت مهتمًا بكل من علم النفس والقانون، ربما تكون هذه المهنة التي تجمع بينهما خيارًا رائعًا بالنسبة لك.

المصادر:

Psychology Today

APA

Learnhowtobecome

verywellmind

لماذا سماء الليل مظلمة؟

 نعيش اليوم في كون لا نهائي من النجوم والمجرات، وأينما نظرنا في سماء الليل نرى نجمة أو مجرة منها، يشبه الأمر الوقوف في غابة لا منتهية من الأشجار؛ حتماً سترى شجرة في كل مكان! فلماذا إذاً تكون سماء الليل مظلمة مع كل هذا الحشد من النجوم؟

قد تعتقد أن ضوء المجرات البعيدة يخفت في طريقه إلينا؛ لكن سماءنا تذخر بعدد كبير من المجرات يزداد كلما نظرنا في أعماقها والذي يكفي لإنارة سماء الليل بأكملها.

يعرف هذا التناقض بين المنطق الذي يخبرنا أن سماءنا يجب أن تكون منيرة والواقع المتمثل بظلمتها باسم «مفارقة أولبرز-Olbers’ paradox» نسبة للفلكي الألماني «ه.و.م أولبرز-H.W.M. Olbers»، فما هي حلول هذه المفارقة؟ وما أبرز الفرضيات التي فشلت بحلها عبر التاريخ؟

أبرز الحلول الفاشلة

1.  المسافة

لقد كان «توماس ديغز-Thomas Digges» أول من لاحظ مشكلة أولبرز وكتب عنها عام 1576م، كما اقترح أول حل لها حيث اعتقد أن النجوم بعيدة جداً ويخفت ضوءها في طريقه إلينا لدرجة لا نتمكن من رؤيته نهائياً.

كما أعيدت صياغة هذه الفكرة بشكل أكثر تعقيداً في نظريات الضوء المنهك.

2.  الضوء المنهك

تعود الفكرة إلى «رينيه ديكارت-Rene Descartes»، إلا أنها اقترحت كحل للمفارقة لأول مرة من قبل «نيكولاس هارتسويكر-Nicolaas Hartsoeker»، الذي حاجج أن ضوء النجوم يمكن أن يخف ويصبح «منهكاً-Tired» في طريقه إلينا حتى يختفي تماماً عند وصوله للأرض.

وقد أعيد ذكر هذه الفكرة في القرن العشرين عند محاولة بعض الفيزيائيين تفسير الانزياح الأحمر للمجرات دون اعتبار تمدد الكون.

3. الامتصاص

كتب «جان فيليب لويس دو شيزو-Jean-Philippe Loys de Chéseax» عام 1744م أن طاقة الضوء قد تتناقص بمعدل أكبر مما ينص عليه قانون التربيع العكسي إذا كان الفضاء مكوناً من مائع قادر على امتصاص مقدار قليل من طاقة الضوء.

أعجب أولبرز بهذه الفكرة وتبناها عام 1823م كحل محتمل لمفارقته، إلا أنها فشلت في ذلك لأن الوسط المائع سترتفع حرارته بعد امتصاص الضوء وسيبدأ بالتوهج بنفس مقدار الضوء الذي امتصه سابقاً بحسب قانون «حفظ الطاقة».

 *قانون فيزيائي ينص على أن كمية أو قوة فيزيائية معينة تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة إلى مصدر هذه الكمية الفيزيائية 

4. التوزيع التجزيئي

نشر «هرشل-Herschel» نظريته عن الكون التجزيئي عام 1848م، والتي وصفت كوناً منظماً بمجموعات تجزيئية؛ فالنجوم منظمة ضمن مجرات والمجرات ضمن عناقيد مجرية وهكذا.. 

يمكن لفكرة هرشل عن الكون أن تفسر كون سماء الليل مظلمة؛ فيمكن افتراض أن المادة موزعة بشكل معين في الكون بحيث تكون بعض الاتجاهات فارغة ومظلمة تماماً.

قد تبدو الفكرة صحيحة نظرياً ولكنها تتعارض مع الواقع؛ فالكون يبدو متناظر بشكل مثالي تقريباً على المقياس الكبير (أي نفسه في كل الاتجاهات).

5. الفضاء المنحني

في عام 1872م اقترح «ج.ك.ف زولنر-J.K.F. Zöllner» حلاً مهماً للمفارقة افترض فيه أن أبعاد الفضاء الثلاثة كلها منحنية بحيث يمكن للخطوط المتوازية أن تلتقي، فالفضاء غير محدود ولكن مصادر ضوئه محدودة.

يفشل هذا التفسير عملياً لأن أمواج الضوء قد تنحرف بسبب الجاذبية وتصل إلينا من كل الجهات.

وعلى رغم فشل فكرة زولنر في حل مفارقة أولبرز؛ إلا أنه توقع خلالها انحناء الفضاء قبل أينشتاين بـ 43 عام!

6. الفراغات الأثيرية

وفي عام 1878م قدم «س. نيوكام-S. Newcomb» حلّه الجديد للمفارقة، حيث افترض أن الأثير الكوني* غير موزّع بشكل متساوً في أنحاء الكون؛ بل يتخلله في بعض الأماكن فراغات خالية منه تدعى «الفراغات الأثيرية-Ether voids»، والتي تشكل حواجز تمنع مرور الضوء.

ثم اقترح «ج.ي غور-J.Y. Gore» أن مجرة درب التبانة محاطة كلياً بفراغ أثيري لجعلها مناسبة أكثر لتفسير كون سماء الليل مظلمة.

فشلت هذه الفكرة في حل المفارقة لأنها لو كانت صحيحة فالفراغ الأثيري المحيط لدرب التبانة سيمنع الضوء الموجود فيها من الخروج جاعلاً إياه يرتد عن الحاجز الأثيري مضيئاً السماء بأكملها.

*مادة كان يُعتقد أنها تملأ كل الفضاء الكوني

الحلول الجديدة

1. العمر والطاقة المحدودة

بما أن سرعة الضوء محدودة فإن ضوء النجوم والمجرات البعيدة يحتاج لوقت كبير ليصل إلى الأرض، بالتالي تكون السماء مظلمة لأن غالبية النجوم بعيدة بشكل كبير بحيث لم يصل ضوءها لنا بعد. أعجب «جون مادلر-Johann Mädler» بهذه الفكرة وربطها مع فكرة عمر الكون المحدود لتقديم حجة أقوى؛ فكوننا ونجومه صغيرة في العمر بحيث لم يحصل ضوءها على الوقت الكافي لينير سماءنا بعد!

ومن جهة أخرى طاقة النجوم أيضاً محدودة ولا تملك الطاقة الكافية لإنارة كامل السماء، وقد دعم «هاريسون-Harrison» هذا الحل حسابياً عندما أثبت أن النجوم تحول 0.1% من كتلتها إلى طاقة، ولكن حتى لو حولت كامل كتلتها لن تسطيع إضاءة السماء أكثر مما يفعل القمر.

2. توسع الكون

وأخيراً قدم «ه. بوندي-H. Bondi» و«ت. غولد-T. Gold» و«ف. هويل-F. Hoyle» حلاً للمفارقة عام 1948م، حيث اعتقدوا أن الكون يبدو متماثلاً في كل الأوقات وكل الجهات «نظرية الحالة المستقرة-Steady State Theory»، كما أنه يتوسع بشكل مستمر جاعلاً الأمواج الضوئية تمتط ومُبعِداً فوتونات الضوء عن بعضها البعض، كلا التأثيرين يقللان من شدة الضوء الذي يصلنا من النجوم البعيدة بنسبة 40% مما يجعل السماء مظلمة.

رغم دحض نظرية الحالة المستقرة؛ إلا أن توسع الكون لا يزال مقبولاً كأفضل حل لمفارقة أولبرز.

وفي الختام نرى كيف يكمن وراء ظاهرة بسيطة كظلام الليل أحد أكبر أسرار الكون!

المصدر:

Towson university

حرق الأحداث قد يمنحك متعة أكبر بالقصة

إن نهاية القصة هي أحد أجزائها المفضلة لدينا، وقد نتكبد العناء فقط لتجنب سماع نهاية فيلم لم نشاهده أو كتاب لم نقرأه بعد، ثم ما أن نعرف النهاية حتى نشعر أن تجربتنا قد أفسدت تمامًا. وهذا ما يسمى بـ “حرق الأحداث”.

لذا فإن حارقي الأحداث سيئو السيئة. لكن بحثًا منشورًا في مجلة Psychological Science أظهر أن معرفة نهاية القصة قبل قراءتها/مشاهدتها لا يحد من الاستمتاع بها، بل قد يجعلك أكثر استمتاعًا بالقصة، هذه هي «مفارقة حرق الأحداث-Spoiler Paradox».

أجرى الباحثان نيكولاس كريستنفيلد وجوناثان ليفيت من جامعة كاليفورنيا، قسم علم النفس في سان دييغو، ثلاث تجارب مع اثنتي عشرة قصة قصيرة (من مؤلفين مثل جون أبدايك وأغاثا كريستي وأنتون تشيخوف). تضمنت القصص حبكات رائعة وألغاز وقصص أدبية مثيرة للعواطف. في اثنين من الظروف في التجربة، تخلوا عن نهايات القصص. في أحد هذه الظروف وضعت النهاية كنص مستقل يسبق القصة، وفي الحالة الثانية تم دمج النهاية كفقرة افتتاحية للقصة. وفي ظرف آخر، لم يتم حرق أحداث النهاية.

أشارت نتائج الدراسة إلى أنه في كل نوع من أنواع القصص، فضل المشاركون النسخ المحرقة على غيرها، وفضلوا القصص أكثر عندما تم تضمين الحرق كنص مستقل يسبق القصة. يغير هذا الاكتشاف نظرتنا التقليدية عن حرق القصص ويثير سؤالًا واحدًا كبيرًا:


لماذا؟

في عام 1944، أجرى فريتز هايدر وماري آن سيميل من كلية سميث دراسة بسيطة لكنها ذات تأثير. أظهر الباحثون للمشاركين رسمًا متحركًا لمثلثين ودائرة تتحرك حول مربع. يمكنك مشاهدة الرسوم المتحركة في الفديو أدناه.

عند مشاهدة العرض التوضيحي، من الصعب ألا تضيف حوارك الخاص لشرح ما يجري في المشهد. وجدت الدراسة أن معظم المشاركين وصفوا الدائرة والمثلث الأزرق بأنهم “واقعون في الحب” وأن المثلث الرمادي “الكبير السيئ” “يحاول الوقوف في الطريق”. كان المشاركون يستخدمون السرد لوصف الأفعال ووصف المشهد كما لو كان للأشياء نوايا ودوافع.

توضح هذه الدراسة غريزة الإنسان لسرد القصص، مما يعني أن رواية القصص تحقق أو تسهل وظيفة الإنسان الأساسية. البشر حيوانات اجتماعية والقصص هي أداة مهمة لمساعدتنا على فهم السلوك البشري وإيصال فهمنا للآخرين. هذا له علاقة بما يسميه علماء النفس «نظرية العقل-theory of mind”». إن امتلاك نظرية للعقل يعني أن لدينا القدرة على إسناد أفكار الآخرين ورغباتهم ودوافعهم ونواياهم، ونستخدمها للتنبؤ وشرح أفعال وسلوكيات الآخرين. نظرًا لأننا نمتلك القدرة على إسناد نوايا للآخرين وفهم كيف يمكن أن تسبب هذه النية سلوكًا، فإن القصص مهمة لأنها تسمح لنا بإيصال علاقة السبب والنتيجة. من المهم أن نتذكر هذا لأن هذا يعني أن القصة تعتبر جيدة إذا كانت تؤدي هذه الوظيفة: وهي توصيل المعلومات بشكل فعال للآخرين.

هذا هو السبب في أن حرق الأحداث لقصة يجعلها أكثر جاذبية من القصص التي تتركنا معلقين بنهاية غير معروفة. حرق الأحداث يجعل القصة أسهل في المتابعة والفهم من القصص التي تكون نهايتها غير معروفة. يصف المؤلفون في دراستهم كيف أن “التشويق فيما يتعلق بالنتيجة قد لا يكون ضروريًا، بل يمكن أن ثقلل المتعة نتيجة تشتيت الانتباه عن التفاصيل ذات الصلة والسمات الجمالية”.

ربما تكون قد لاحظت بنفسك كيف أن القصة الجيدة هي قصة يمكن تكرارها مرارًا وتكرارًا بنفس الاستمتاع. القصة التي تُعرف فيها النهاية مسبقًا هي قصة جيدة لأنه يمكن معالجتها بسهولة. فكر في القصص التي صمدت أمام اختبار الزمن، قصص مثل قصة حصان طروادة. على الرغم من أن النهاية معروفة جيدًا (سيختبئ اليونانيون في حصان خشبي ضخم مجوف من أجل الوصول إلى مدينة طروادة المسورة)، فإن هذا لا يقلل من قدر الاستماع إلى القصة. لأنك تشعر براحة أكبر في معالجة المعلومات – ويمكنك أن تركز على فهم أعمق للقصة. هذا مهم لأننا نستخدم القصص لتوصيل الأفكار المعقدة، من المعتقدات الدينية إلى القيم المجتمعية.

ننقل هذه الأيديولوجيات المعقدة من خلال القصص لأنه يمكن معالجتها والاحتفاظ بها بسهولة أكبر من النص المباشر. في الواقع، أظهرت الأبحاث أننا نستجيب للمعلومات بشكل إيجابي عندما تكون في شكل سردي أكثر من نص بسيط. ما يعني أن الأشخاص الذين يلجأون إلى حرق الأحداث ليسوا سيئين على الإطلاق. فهم يأخذون قصة معقدة ويبسطونها، مما يسمح لك بمعالجتها بسهولة. وهذه القدرة على معالجتها بسهولة تجعلك أكثر انخراطًا في القصة وأعمق فهمًا لها.

المصادر: ResearchGate, PsychologyToday, PsychologicalScience

إقرأ أيضًا: ما هو الكذب المرضي؟ وما أسبابه وأعراضه وعلاجه؟

عجائب مصر القديمة: الميثولوجيا المصرية

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

كما قد تكون قد لاحظت عزيزي القارئ، من الأجزاء السابقة يتبين لنا الدور العظيم الذي لعبته الآلهة والشخصيات من العوالم الأخرى في حياة المصريين القدماء، فهي تعالجهم من أمراضهم وتساعدهم في التغلب على أعدائهم، فتعالوا معنا اليوم نقص عليكم قصة الآلهة في ضوء الميثولوجيا المصرية القديمة.

التاسوع المقدس

آمن الناس في مصر القديمة بتسع آلهة رئيسية هم:

– آتوم
– شو
– تفنوت
– نوت
– جب
– – إيزيس
– أوزوريس
– ست
– نفتيس

وهي عائلة واحدة وسنعرف قصتهم وما يربطهم في الميثولوجيا المصرية بعد قليل.

ملحوظة مهمة

تختلف الأساطير المصرية من مكان لآخر في مصر القديمة، كما تختلف أسماء الآلهة كذلك، فعلى سبيل المثال، الإله آتوم هو نفسه الإله رع هو نفسه الإله آمون، إلا أن المسمى يختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر، كأي أسطورة بشرية قابلة للتطور والتحور مع مرور الزمن، فقد تجد القصة التي سنرويها اليوم باختلافات في أسماء الشخصيات والأحداث وترتيبها، إلا أنها جميعها متشابهة في الأصل.

قصة الخلق في الميثولوجيا المصرية

في البدء، لم يكن هناك شيء سوى الماء، وكان الوجود مظلمًا وفوضويًا، فجلس الإله آتوم وتأمل وحدته، ثم تزوج آتوم من ظلّه، فأنجب شو (إله الهواء)، وتفنوت (إلهة الرطوبة)، ثم انطلق كل من شو وتفنوت لإعداد العالم وتنظيمه لاستقبال الحياة، فوضعت تفنوت القواعد التي سيسير العالم وفقًا لها، ووضع شو مبادئ الحياة.

افتقد آتوم أبناءه، وأصابه القلق، فاقتلع عينيه من مكانهما وأرسلهما للبحث عن شو وتفنوت، فعادا إليه ومعهما عينَي والدهما، وعندما رآهم أتوم ذرف دموع الفرح، فسقطت دموع أتوم على الأرض لتخصيبها لخلق الرجال والنساء.

ثم تزوج شو من أخته تفنوت وأنجبا نوت (إلهة السماء)، وجِب (إله الأرض)، فوقع جِب في حب نوت، فغضب أبوهما من علاقتهما وقرر أن يفصلهما عن بعضهما البعض، لتبقى نوت في السماء ويبقى جِب في الأرض، ولكن نوت كانت حاملًا من جِب، فأنجبت إيزيس، وأوزوريس، ونفتيس، وسِت، وتزوج أوزوريس من أخته إيزيس.

  • انفوجراف عن التاسوع المقدس (قصة الخلق) في الميثولوجيا المصرية.
التاسوع المقدس في الميثولوجيا المصرية

إيزيس وأوزوريس في الميثولوجيا المصرية

حكم أوزوريس العالم بمساعدة أخته وزوجته إيزيس، فزرعا الأشجار وشقّا الأنهار، إلا أن الإله ست الغيور لم يكن راضيًا بما يحدث، فحسد أخاه أوزوريس على ما لديه، فدبّر مكيدة للتخلص منه، حيث دعاه إلى حفل أقامه، وكان قد صنع صندوقًا ليناسب حجم أوزوريس بالضبط، وانتظر حتى أصاب أوزوريس النعاس، وقال أنه سيهدي الصندوق لمن يناسب الصندوق حجمه، وعندما أتى دور أوزوريس ونام في الصندوق، أسرع ست بإغلاق الصندوق وإلقاءه في نهر النيل.

عندما علمت إيزيس بما حدث لأوزوريس أصابها الحزن الشديد وأخذت تبحث عنه إلى أن وجدت جثته. فأخذت في إعداد الأعشاب والوصفات لإعادة إحياء زوجها وأخيها أوزوريس، ولكن ست عثر على جثته فقام بتقطيعها إلى 42 قطعة، وقام بتفريقها في مختلف أرجاء مصر ليصعب على إيزيس إعادة تجميع جثته.

فعادت إيزيس تبحث عن أشلاء زوجها بمساعدة أختها نفتيس، واستطاعوا جمع جميع أجزاء جسده باستثناء قضيبه. حيث أكلته سمكة، فصنعت عضوًا ذكريًا بديلًا وجامعت زوجها وحملت بابنها حورس.

عاد أوزوريس إلى الحياة مرة أخرى، لكنه لم يكن كاملًا، فهبط إلى العالم السفلي ليصبح هو الحاكم على هذا العالم.

لم تكن إيزيس راضية بما حدث، فاستعانت بابنها الإله حورس، والذي دخل في حرب عنيفة مع الإله ست لاستعادة ملك أبيه، واستمرت الحرب 80 عامًا إلى أن انتهت بانتصار حورس وتدمير سِت.

المصادر


coursera

ancient.eu

Exit mobile version