لغز الطاقة المظلمة: ما تفسيراته المحتملة؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تعتبر «الطاقة المظلمة-Dark Energy» إحدى الظواهر غير المفسرة في الكون. فهي المسؤولة عن زيادة سرعة توسعه، ومنعه من الانكماش على نفسه. ورغم أنها تشكل حوالي ثلاثة أرباع الكون، إلا أننا حتى الآن لا نعرف طبيعتها والسر وراءها. وقد تعتقد أن لهذه الطاقة علاقة ب«المادة المظلمة-Dark Matter». ولكن في الحقيقة، لا يربط بين اللغزين سوى كلمة “مظلمة”، إشارةً لأننا لا نعلم عن كليهما شيئًا. فما الذي دفعنا للاعتقاد بوجود هكذا طاقة غامضة؟ وما تفسيراتها المحتملة؟ 

ما هي الطاقة المظلمة؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، فطبيعتها لا تزال مجهولة. ولكننا نعلم يقينًا أنها مهمة، فقد قدر العلماء أنها تشكل 68% من كوننا، واعتمدت تقديراتهم هذه على مقدار تأثيرها في توسع الكون. بينما شكلت المادة المظلمة حوالي 27% من الكون. أما ال 5% المتبقية فهي كل ذرة في الأرض وعليها، وكل جسم رصدناه وقد نرصده خارجها. وكأننا نقول أن ما ندعوها مادةً عاديةً أقل شيوعًا من أن تكون كذلك! [1]

وقد تشرح قصة اكتشاف الطاقة المظلمة ما نعرفه عنها:

اكتشاف الطاقة المظلمة

مهد اكتشاف توسع الكون الطريق أمام الطاقة المظلمة، ولا معنى لها من دونه:

توسع الكون

في عام 1929؛ اكتشف الفلكي الأمريكي «إدوين هابل-Edwin Hubble» أن الكون يتوسع. كما لاحظ أنه كلما كانت المجرة أبعد عن الأرض؛ كلما تحركت أسرع بعيدًا عنها. لكن ذلك لا يعني أن الأرض هي مركز الكون، بل أن كل شيء في الفضاء يبتعد عن كل شيء بمعدل ثابت سمي «ثابت هابل-Hubble Constant».
[2]

وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، تأكد العلماء من توسع الكون. فكان أمامهم احتمالين: إما أن الكون فيه مادة جاذبيتها كافية لجعله ينكمش على نفسه في حدث «الانكماش العظيم-The Big Crunch». أو أن مقدار المادة في الكون أقل بقليل من ذلك؛ فيستمر بالتوسع دون توقف، وحتى في هذه الحالة؛ ستبطؤ الجاذبية من سرعة توسعه. لكن لم يتمكن العلماء من رصد هذا التباطؤ، رغم تأكدهم من وجوب حدوثه نظريًا، فالكون يحوي مادة تكفي جاذبيتها لينكمش. [3]

صورة توضح حدث الانكماش العظيم

الكون يتسارع

ثم حدثت المفاجأة عام 1998. حين عمل فريقان مستقلان من الفلكيين على حساب المسافات بين النجوم عن طريق تحليل صور «مستعر أعظم-Supernova» بعيد جدًا. وعند قياسهم ضوء المستعر الأعظم؛ لاحظوا أنه أخفت مما ينبغي، مما يعني أن الضوء سافر لمسافات أبعد مما توقعوا، وأن الكون يتوسع أسرع من ذي قبل!

لم يتوقع أحد ذلك، كما لم يتمكن أحد من شرحه، ولكن الجميع كان متيقنًا من وجود سبب وراءه. ثم حاول الباحثون تفسيره بشتى الطرق. اعتمدوا في بعضها على نماذج نظرية أينشتاين للجاذبية، وعلى تدفق غامض من الطاقة في بعضها الآخر. فيما اقترح آخرون أن نظرية أينشتاين خاطئة ولا بد من الإتيان بنظرية جديدة تزيل الغموض عن التوسع.

ولا يعلم الباحثون حتى الآن ما هو التفسير الصحيح، ومهما يكن فقد أطلقوا عليه اسم الطاقة المظلمة. [4] إليك أبرز التفسيرات المحتملة للطاقة المظلمة:  

التفسيرات المحتملة

الطاقة المظلمة سمة من سمات الفضاء

يقترح بعض العلماء أن الطاقة المظلمة ليست سوى سمة من سمات الفضاء. فقد كان «ألبرت أينشتاين-Elbert Einstein» أول من لاحظ أن الفضاء الفارغ كيان بحد ذاته، وهي سمة من سمات الفضاء المميزة التي نقترب من فهمها شيئًا فشيئًا. كما وضح احتمالية تولد المزيد من الفضاء تباعًا. ثم جاء أحد نماذج نظرية أينشتاين للجاذبية، تحديدًا النموذج الذي يتضمن «الثابت الكوني-The cosmological Constant»، ليتوقع أن “الفضاء الفارغ” يملك طاقته الخاصة. حيث افترض أن هذه الطاقة هي سمة من سمات الفضاء ذاته لا تفترق عنه. وبما أنها سمة له؛ لا بد لنسبتها أن تبقى ثابتة.

والآن لنجمع توقعات أينشتاين سويةً. إذا بدأ المزيد من الفضاء بالوجود، على الطاقة هذه أن تزداد لتبقى نسبتها ثابتة في الفضاء. وكنتيجة لذلك، قد تزيد هذه الطاقة من سرعة توسع الكون أكثر فأكثر.

ولكن للأسف؛ لا أحد يرى سببًا لوجود ثابت كوني كهذا، أو لأخذه هذه القيمة بالتحديد والتي تسبب تسريع توسع الكون. [5]

تفسير الكم للطاقة المظلمة

قدمت ميكانيكا الكم شرحها الخاص للطاقة المظلمة مقترحةً مصدرًا للطاقة الغامضة هذه، واعتمدت فيه على «نظرية الكم للمادة-The quantum theory of matter». ففي هذه النظرية؛ يكون الفضاء ممتلئًا بأزواج من الجسيمات الافتراضية، التي تفني بعضها باستمرار، وتتولد نتيجة اهتزاز حقول الطاقة. قد يبدو ذلك مقنعًا، ولكن عندما حسب العلماء مقدار الطاقة التي سيمتلكها الفضاء في نموذج نظرية الكم هذا، وجدوا أنه أكبر ب 120 10 (1 متبوع ب 120 صفرًا) مرة من مقدار الطاقة الفعلي. [6]

من النادر أن يحصل العلماء على إجابة خاطئة لهذه الدرجة، لذلك يستمر الغموض.

الطاقة المظلمة كنوع جديد من الطاقات الديناميكية

فيما يقترح علماء آخرون أن الطاقة المظلمة نوع جديد من الطاقة أو حقول الطاقة الديناميكية. طاقة تملأ الكون ولكن تأثيرها على توسعه معاكس تمامًا لتأثير المادة والطاقة العاديتان. ويدعوها بعضهم «الجوهر-Quintessence»، نسبةً إلى العنصر الخامس من عناصر المادة عند الإغريق. وحتى لو كان الجوهر صحيحًا، لن يحل من الغموض شيئًا. بل على العكس، سيضع أمامنا تساؤلات جديدة عن طبيعته أو السبب وراء وجوده، وكأننا حللنا اللغز بلغز آخر. [7]

خطأ ما في نظرية أينشتاين

أما الاحتمال الأخير فيقترح أن نظرية أينشتاين للجاذبية خاطئة. ويطلب نظرية جديدة تفسر هذا التوسع المتسارع. قد يحل ذلك لغز الطاقة المظلمة، ولكنه أيضًا يؤثر على فهمنا لتأثير المادة العادية في المجرات والعناقيد المجرية. ولو افترضنا أننا بحاجة لنظرية كهذه، كيف لها أن تكون؟ وكيف سيمكنها وصف حركة الأجسام في مجموعتنا الشمسية بشكل صحيح كما فعل أينشتاين، وأن توفق ذلك مع تسارع توسع الكون في الوقت ذاته؟ لربما يوجد نظرية كهذه، ولكننا لم نتوصل لها بعد. [8]

إن السؤال حول طبيعة الطاقة المظلمة يتطلب –كما يبدو- بيانات أضخم بكثير من التي أوصلتنا لاكتشافها، وربما زمنًا أطول.

المصادر

[1] CERN
[2] Hubble Space Telescope website
[3] NASA
[4] Scientific American
[5] Harvard university
[6] DeGruyter
[7] Princeton University
[8] NASA_2

لماذا سماء الليل مظلمة؟

 نعيش اليوم في كون لا نهائي من النجوم والمجرات، وأينما نظرنا في سماء الليل نرى نجمة أو مجرة منها، يشبه الأمر الوقوف في غابة لا منتهية من الأشجار؛ حتماً سترى شجرة في كل مكان! فلماذا إذاً تكون سماء الليل مظلمة مع كل هذا الحشد من النجوم؟

قد تعتقد أن ضوء المجرات البعيدة يخفت في طريقه إلينا؛ لكن سماءنا تذخر بعدد كبير من المجرات يزداد كلما نظرنا في أعماقها والذي يكفي لإنارة سماء الليل بأكملها.

يعرف هذا التناقض بين المنطق الذي يخبرنا أن سماءنا يجب أن تكون منيرة والواقع المتمثل بظلمتها باسم «مفارقة أولبرز-Olbers’ paradox» نسبة للفلكي الألماني «ه.و.م أولبرز-H.W.M. Olbers»، فما هي حلول هذه المفارقة؟ وما أبرز الفرضيات التي فشلت بحلها عبر التاريخ؟

أبرز الحلول الفاشلة

1.  المسافة

لقد كان «توماس ديغز-Thomas Digges» أول من لاحظ مشكلة أولبرز وكتب عنها عام 1576م، كما اقترح أول حل لها حيث اعتقد أن النجوم بعيدة جداً ويخفت ضوءها في طريقه إلينا لدرجة لا نتمكن من رؤيته نهائياً.

كما أعيدت صياغة هذه الفكرة بشكل أكثر تعقيداً في نظريات الضوء المنهك.

2.  الضوء المنهك

تعود الفكرة إلى «رينيه ديكارت-Rene Descartes»، إلا أنها اقترحت كحل للمفارقة لأول مرة من قبل «نيكولاس هارتسويكر-Nicolaas Hartsoeker»، الذي حاجج أن ضوء النجوم يمكن أن يخف ويصبح «منهكاً-Tired» في طريقه إلينا حتى يختفي تماماً عند وصوله للأرض.

وقد أعيد ذكر هذه الفكرة في القرن العشرين عند محاولة بعض الفيزيائيين تفسير الانزياح الأحمر للمجرات دون اعتبار تمدد الكون.

3. الامتصاص

كتب «جان فيليب لويس دو شيزو-Jean-Philippe Loys de Chéseax» عام 1744م أن طاقة الضوء قد تتناقص بمعدل أكبر مما ينص عليه قانون التربيع العكسي إذا كان الفضاء مكوناً من مائع قادر على امتصاص مقدار قليل من طاقة الضوء.

أعجب أولبرز بهذه الفكرة وتبناها عام 1823م كحل محتمل لمفارقته، إلا أنها فشلت في ذلك لأن الوسط المائع سترتفع حرارته بعد امتصاص الضوء وسيبدأ بالتوهج بنفس مقدار الضوء الذي امتصه سابقاً بحسب قانون «حفظ الطاقة».

 *قانون فيزيائي ينص على أن كمية أو قوة فيزيائية معينة تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة إلى مصدر هذه الكمية الفيزيائية 

4. التوزيع التجزيئي

نشر «هرشل-Herschel» نظريته عن الكون التجزيئي عام 1848م، والتي وصفت كوناً منظماً بمجموعات تجزيئية؛ فالنجوم منظمة ضمن مجرات والمجرات ضمن عناقيد مجرية وهكذا.. 

يمكن لفكرة هرشل عن الكون أن تفسر كون سماء الليل مظلمة؛ فيمكن افتراض أن المادة موزعة بشكل معين في الكون بحيث تكون بعض الاتجاهات فارغة ومظلمة تماماً.

قد تبدو الفكرة صحيحة نظرياً ولكنها تتعارض مع الواقع؛ فالكون يبدو متناظر بشكل مثالي تقريباً على المقياس الكبير (أي نفسه في كل الاتجاهات).

5. الفضاء المنحني

في عام 1872م اقترح «ج.ك.ف زولنر-J.K.F. Zöllner» حلاً مهماً للمفارقة افترض فيه أن أبعاد الفضاء الثلاثة كلها منحنية بحيث يمكن للخطوط المتوازية أن تلتقي، فالفضاء غير محدود ولكن مصادر ضوئه محدودة.

يفشل هذا التفسير عملياً لأن أمواج الضوء قد تنحرف بسبب الجاذبية وتصل إلينا من كل الجهات.

وعلى رغم فشل فكرة زولنر في حل مفارقة أولبرز؛ إلا أنه توقع خلالها انحناء الفضاء قبل أينشتاين بـ 43 عام!

6. الفراغات الأثيرية

وفي عام 1878م قدم «س. نيوكام-S. Newcomb» حلّه الجديد للمفارقة، حيث افترض أن الأثير الكوني* غير موزّع بشكل متساوً في أنحاء الكون؛ بل يتخلله في بعض الأماكن فراغات خالية منه تدعى «الفراغات الأثيرية-Ether voids»، والتي تشكل حواجز تمنع مرور الضوء.

ثم اقترح «ج.ي غور-J.Y. Gore» أن مجرة درب التبانة محاطة كلياً بفراغ أثيري لجعلها مناسبة أكثر لتفسير كون سماء الليل مظلمة.

فشلت هذه الفكرة في حل المفارقة لأنها لو كانت صحيحة فالفراغ الأثيري المحيط لدرب التبانة سيمنع الضوء الموجود فيها من الخروج جاعلاً إياه يرتد عن الحاجز الأثيري مضيئاً السماء بأكملها.

*مادة كان يُعتقد أنها تملأ كل الفضاء الكوني

الحلول الجديدة

1. العمر والطاقة المحدودة

بما أن سرعة الضوء محدودة فإن ضوء النجوم والمجرات البعيدة يحتاج لوقت كبير ليصل إلى الأرض، بالتالي تكون السماء مظلمة لأن غالبية النجوم بعيدة بشكل كبير بحيث لم يصل ضوءها لنا بعد. أعجب «جون مادلر-Johann Mädler» بهذه الفكرة وربطها مع فكرة عمر الكون المحدود لتقديم حجة أقوى؛ فكوننا ونجومه صغيرة في العمر بحيث لم يحصل ضوءها على الوقت الكافي لينير سماءنا بعد!

ومن جهة أخرى طاقة النجوم أيضاً محدودة ولا تملك الطاقة الكافية لإنارة كامل السماء، وقد دعم «هاريسون-Harrison» هذا الحل حسابياً عندما أثبت أن النجوم تحول 0.1% من كتلتها إلى طاقة، ولكن حتى لو حولت كامل كتلتها لن تسطيع إضاءة السماء أكثر مما يفعل القمر.

2. توسع الكون

وأخيراً قدم «ه. بوندي-H. Bondi» و«ت. غولد-T. Gold» و«ف. هويل-F. Hoyle» حلاً للمفارقة عام 1948م، حيث اعتقدوا أن الكون يبدو متماثلاً في كل الأوقات وكل الجهات «نظرية الحالة المستقرة-Steady State Theory»، كما أنه يتوسع بشكل مستمر جاعلاً الأمواج الضوئية تمتط ومُبعِداً فوتونات الضوء عن بعضها البعض، كلا التأثيرين يقللان من شدة الضوء الذي يصلنا من النجوم البعيدة بنسبة 40% مما يجعل السماء مظلمة.

رغم دحض نظرية الحالة المستقرة؛ إلا أن توسع الكون لا يزال مقبولاً كأفضل حل لمفارقة أولبرز.

وفي الختام نرى كيف يكمن وراء ظاهرة بسيطة كظلام الليل أحد أكبر أسرار الكون!

المصدر:

Towson university

بيانات هابل الجديدة وثابت جديد لمعدل توسع الكون اللانهائي

الكون يزداد حجمه كل لحظة، وتتمدد المسافات بين المجرات مثلما يحدث للعجين في الفرن. ولكن السؤال الأهم هنا، ما هو معدل توسع الكون؟ ولأن هابل والتلسكوبات الأخرى تم توجيهها للعثور على الإجابة، فأنهم قد أثاروا فرقًا مثيرًا بين ما يتوقعه العلماء وما ترصده تلك التلسكوبات.

يقول علماء الفلك العاملون بتلسكوب هابل الفضائي التابع لوكالة ناسا أنهم تقدموا خطوة مهمة في الكشف عن التناقض بين الطريقتين الرئيسيتين في لقياس معدل توسع الكون. وتبين الدراسة الأخيرة أننا بحاجة إلى نظريات جديدة لشرح القوى التي شكلت الكون.

تشير قياسات هابل إلى أن معدل توسع الكون الحديث أكبر مما كان متوقعًا، وذلك استنادًا إلى كيفية نشأة الكون قبل 13 مليار عام. هذه القياسات تأتي من القمر الصناعي بلانك (Planck satellite) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. هذا التناقض تم تعريفه في الأوراق البحثية في السنوات الماضية، ولكن لم يكن واضحًا إن ما كان الاختلاف في تقنيات القياس هي السبب أم بعض الفروق في القيم المقاسة.

وقد تطورت دقة قياسات هابل خلال هذا العام. وهذه القياسات الأكثر دقة تجبرنا على اكتشاف فيزياء جديدة قد تكون ضرورية لشرح هذا التناقض.

ويقول آدم ريس، الحائز على جائزة نوبل في معهد مراصد علوم الفضاء:

“إن الاختلاف بين الكون المبكر والكون الحديث قد يكون أكثر التطورات الأخيرة في علم الكونيات منذ عقود، وقد كان هذا الاختلاف صغيرًا فيما مضى، إلا أنه ظل ينمو حتى وصل إلى نقطة لا يمكن استبعادها باعتبارها مجرد صدفة. هذا التفاوت لا يمكن أبدًا أن يحدث عن طريق الصدفة.”

يستخدم العلماء ما يسمى سلم المسافات الكونية (Cosmic distance ladder) لتحديد مكان وجود الأشياء في الكون. تعتمد هذه الطريقة على اجراء قياسات دقيقة للمجرات القريبة ثم الانتقال إلى مجرات أبعد وأبعد، وذلك باستخدام نجومها كمعلم ميليّ. يستخدم الفلكيون هذه القيم، بالإضافة إلى قياسات أخرى لضوء المجرات المحمر أثناء مرورها عبر الكون المتمدد، لحساب مدى سرعة توسع الكون مع الزمن، وهي قيمة تعرف باسم ثابت هابل. ويعمل العلماء وعلى رأسهم البروفيسور آدم رييس (Adam G. Ries) على السعي من أجل تحسين قيمة هذا الثابت.

في هذه الدراسة الجديدة، استخدم علماء الفلك تلسكوب هابل لمراقبة 70 من النجوم النابضة، والتي تسمى (متغير قيفاوي-Cepheids)، بداخل سحابة ماجلان الكبرى. وقد ساعدت هذه الملاحظات العلماء في “إعادة بناء” سلم المسافة من خلال تحسين المقارنة بين تلك النوابض وأقربائهم الأكثر بعدًا من السوبرنوفا الوليدة حديثًا. وقد خفض فريق رييس حالة عدم اليقين في قيمة ثابت هابل من 2.2% إلى 1.9%.

على الرغم من قياسات الفريق التي أصبحت أكثر دقة، إلا أن حساب ثابت هابل طل على اختلاف مع القيمة المتوقعة والمستمدة من ملاحظات تمدد الكون المبكر. هذه القياسات قد أجريت بواسطة القمر الصناعي بلانك، والذي رسم خريطة الكون المعروفة بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهي صورة ملتقطة لحالة الكون عندما كان عمره 380,000 سنة بعد الانفجار العظيم.

وبقد تمت فحص تلك القياسات بشكل دقيق، لذلك لا يمكن للعلماء إهمال أو استبعاد تلك الفجوة بين القيمتين نظرًا لاحتمال حدوث خطأ في القياس في واحدة منهما أو كلاهما. وقد تم اختبار كلتا القيمتين بطرق متعددة.

وقد أوضح رييس قائلاً:

“هذه ليست مجرد تجربتين مختلفتين، فنحن نقيس شيئًا مختلفًا اختلافًا جذريًا. الأول هو قياس مدى سرعة تويع الكون كما نراه اليوم. والثاني عبارة عن تنبؤ قائم على فيزياء الكون المبكر وعلى قياسات للسرعة يجب أن يتوسع بها. وإذا لم تتفق هذه القيم، فستكون هناك احتمالية قوية لأننا نفتقد شيئًا ما في النموذج الكوزمولوجي الذي يربط بين تلك الفترتين الزمنيتين من الكون.”

كيف تمت إجراء الدراسة الجديدة؟

يستخدم الفلكيون المتغيرات القيفاوية كمقاييس كونية لقياس المسافات القريبة بين المجرات لأكثر من قرن. ولكن محاولة حصاد مجموعة كبيرة من النجوم قد تستغرق وقتًا طويلًا بحيث لا يمكن تحقيقها. لذلك استخدم الفلكيون طريقة ذكية تسمى (Drift And Shift-DASH)، وذلك باستخدام تلسكوب هابل كنقطة تصوير والتقاط لالتقاط صور سريعة للنجوم النابضة المشعة للغاية، مما يلغي الحاجة المستهلكة للوقت للحصول على دقة كبيرة.

وأوضح ستيفانو كاسير تانو، أحد أعضاء الفريق:

“عندما يستخدم هابل توجيهًا دقيقًا عن طريق تتبع النجوم الدالّة، فإنه يمكنه رصد متغير قيفاوي واحد فقط كل تسعين دقيقة كزمن دورة تلسكوب هابل حول الأرض. ولذلك سيكون مكلفًا للغاية بالنسبة للتلسكوب أن يلاحظ كل متغير قيفاويّ، وبدلًا من ذلك فأننا نقوم بالبحث عن مجموعة من تلك النجوم النابضة بحيث تكون قريبة بما فيه الكفاية حتى نتمكن من التحرك بينها دون الحاجة إلى إعادة معاير التلسكوب. وهذه التقنية تسمح لنا بمراقبة عشرات النجوم النابضة خلال دورة التلسكوب الواحدة حول الأرض.”

بعد ذلك جمع علماء الفلك نتائجهم مع مجموعة أخرى من الملاحظات، وهي التي أدلى بها مشروع أراوكاريا (Araucaria Project) وهي تعاون بين علماء الفلك في تشيلي والولايات المتحدة وأوروبا. حيث أجرت هذه المجموعة قياسات المسافة إلى سحابة ماجلان الكبرى عن طريق رصد خفوت الضوء القادم من نجم واحد يمر أمام شريكه فيما ما يسمى كسوف الأنظمة النجمية الثنائية (Eclipsing binary-star systems). وهذا قد ساعد فريق رييس في تحسين قياس السطوع الفعليّ للنجوم النابضة. حيث تكمن الفريق مع هذه الدقة الإضافية، من تشديد البراغي لبقية سلم المسافة الذي يمتد لعمق الكون.

إن القيمة المقدرة الجديدة لثابت هابل هي 74 كيلومترًا في الثانية لكل ميجابارسك. هذا يعني أنه لكل 3.3 مليون سنة ضوئية لمجرة تبعد عنا، فإنها تبدو لنا أنها تتحرك مسافة 74 كيلومترًا لكل ثانية بشكل أسرع، وهذا كنتيجة لتمدد الكون.

ويشير هذا الرقم إلى أن الكون يتمدد بمعدل أسرع بنسبة 9% من التنبؤ ذو 67 كيلومترًا في الثانية لكل ميجابارسك، والذي يأتي من ملاحظات بلانك للكون المبكر، إلى جانب فهمنا الحالي للكون المبكر.

إذًا، ما الذي يفسر هذا التناقض؟

واحدة من التفسيرات المحتملة لهذا التناقض يتضمن ظهورًا غير متوقع للطاقة المظلمة في الكون المبكر، والذي يُعتقد أنه يشكل 70% من الكون. ويقترح فلكيون من جامعة جونز هوبكينز نظرية يطلق عليها (الطاقة المظلمة المبكرة-early dark energy)، حيث تشير إلى أن الكون تطور مثل مسرحية ثلاثية الفعل.

افترض العلماء بالفعل أن الطاقة المظلمة قد تكون موجودة في الثواني الأولى من ولادة الكون ودفعت المواد في أنحاء الفضاء، حيث بدأ التوسع الأولي. ربما تكون الطاقة المظلمة هي السبب وراء التوسع السريع للكون لما هو عليه اليوم. تشير النظرية إلى أن هناك حلقة ثالثة للطاقة المظلمة بعد فترة ليست بكبيرة بعد الانفجار العظيم، والتي عملت على تمدد الكون بمعدل أسرع مما هو متوقع. وما تبقى من هذه الطاقة المظلمة الأولية يمكن أن يفسر سبب اختلاف قيمتي ثابت هابل.

وهناك فكرة أخرى تقول بأن الكون يحتوي على جسيمات دون ذرية جديدة تتحرك بسرعة مقاربة لسرعة الضوء. وتسمى هذه الجسيمات بالإشعاع المظلم، وتشمل مجموعة من الجسيمات المعروفة بالنيوتريونات، والتي تتكون في المفاعلات النووية.

وهناك فكرة أخرى مثيرة، وهي أن المادة المظلمة، وهي شكل غير مرئي للمادة لا تحتوي بروتونات ولا إلكترونات ولا نيوترونات، تتفاعل بشكل قوي مع المادة العادية أو الإشعاع الذي ذُكر آنفًا. لكن مازال التفسير الحقيقي للاختلاف لغزًا غامضًا.

إن الكون الفسيح في حالة تمدد مستمر، وتلك حقيقة لا يمكن الجدال حولها. وسيظل العلماء باحثين خلف معدل التمدد الحقيقي للكون الحالي، ففريق رييس سيواصل استخدامه لتلسكوب هابل حتى يقلل حالة عدم اليقين إلى 1%، وقد يساعد هذا العلماء على تحديد سبب التناقض بين القيمتين المتوقعة والفعلية المقاسة.

إعداد وتقديم: محمد المصري

المصادر:

Exit mobile version