مفارقة الشنق غير المتوقع

المفارقة الرياضية هي عبارة أو مجموعة من العبارات تبدو متناقضة مع نفسها ولكن في نفس الوقت تبدو منطقية تمامًا! إذ أنه يوجد العديد من البراهين التي تستخدم كدليل على التناقض. في هذا المقال سنتعرف على مفارقة شغلت الكثير من العقول وأصبحت معروفة لأول مرة في أوائل الأربعينيات، ومازلت تشغل بال الفلاسفة وعلماء الرياضيات وهي مفارقة الشنق غير المتوقع لذا دعونا نبدأ بقصة قصيرة ومثيرة.

قصة القاضي والسجين

يخبر القاضي يوم السبت سجينًا متهمًا بقضية قتل قطة، أنه سيُشنق ظهرًا في أحد أيام الأسبوع التالي، وأن الإعدام سيكون مفاجأة للسجين. يبدأ السجين في التفكير في عقوبته، ويتوصل إلى أنه سينجو من الشنق! لكن كيف استنتج ذلك؟

كيف فكر السجين؟

يبدأ باستنتاج الشنق المفاجئ أنه لا يمكن أن يكون يوم الجمعة، حيث إذا لم يتم إعدامه يوم الخميس، فلن يكون هناك خيار سوى أن يُعدم يوم الجمعة، لأنه اليوم الأخير في الأسبوع. لذا إذ نُفذ الحكم يوم الجمعة؛ فلن يُفاجأ، لذلك يستبعد السجين أن يُعدم يوم الجمعة. لكن هذا يعني أن الإعدام يجب أن يتم يوم الخميس أو الأربعاء أو الثلاثاء أو الإثنين. بالاستنتاج الأخير المتعلق بيوم الجمعة، وبتلك الحجة يستبعد الخميس أيضًا كأحد الأيام المُحتملة للإعدام. بمجرد استبعاده الخميس، يسمح ذلك باستبعاد الأربعاء، وبمجرد استبعاد الأربعاء يستمر بنفس الحجة ويستبعد باقي أيام الأسبوع وبذلك يستنتج أنه لن يُعدم.

نهاية تخالف منطق السجين!

في الأسبوع التالي، يُطرق باب زنزانة السجين ويتم أخذه بظهر يوم الأربعاء، ويُعدم! كل ما قاله القاضي تحقق.

ذلك التناقض معروف بأسماء عدة منها مفارقة الشنق غير المتوقعة أو مفارقة الاختبار المفاجئ أو التنبؤ. هنالك العديد من الأوراق البحثية حول تلك المفارقة، إلا أنه لا يوجد إجماع للآن على حل صحيح.

لكن أحد الحلول الممكنة يتعلق بغموض مصطلح «مفاجأة» لا يوجد تعريف رياضي لـ «المفاجأة».

مثال أخر

تؤدي المفارقات المنطقية المثيرة للدهشة عادة إلى مناقشات بحثية حول أسس الرياضيات. مثال بسيط مشابه لمثال السجين: في القرن السادس قبل الميلاد، زعم الكريتي «إبيمينيدس_Epimenides» أن جميع الكريتيين كاذبون، وذلك يعني أن جميع البيانات التي نقلها وتحدث فيها الكريتيون خاطئة. يتضح هنا أيضًا أنه بما أن إبيمينيدس كان كريتيًا؛ فإن ما قاله خاطئ. وبذلك فإن قوله الأول متناقض مع الذات.

نهجان لتوضيح مفارقة الشنق غير المتوقع!

‏لكن دعونا نعرض نهجان منتشران لتوضيح تلك المفارقة وهما نهج المدرسة المنطقية والمدرسة المعرفية.

المدرسة المنطقية

تحاول المدرسة المنطقية توضيح أن المنطق الذي يفكر به السجين خاطئ، ويتضح أن الخلل في منطق السجين وتيقنه بأن الشنق لن يحدث. إذ أن القاضي حكم بأنه يتم شنق السجين الأسبوع المقبل ولن يتم معرفة وقت الشنق، فتسمح تلك الصيغة للسجين بالاستنتاج أن الإعدام لن يتم يوم الجمعة، ولتتأكد حجة السجين واستمراره في استبعاد بقية أيام الأسبوع… يتعين على القاضي إضافة طابع رسمي كقوله “سيتم شنق السجين الأسبوع المقبل ولن يكون تاريخه قابلًا للاستنتاج مسبقًا بإعلان القاضي”. لذلك إعلان القاضي مرجعي ذاتي ويكشف الخلل في المفارقة.

المدرسة المعرفية

على نحو أخر، تتخذ المدرسة المعرفية نهجًا متركزًا على أسئلة حول ماهية معرفة شيء ما، أي أن ما تبينه هو أن هنالك فرق بين تأكيد القاضي على صحة شيء ما ومعرفة السجين أنه صحيح.

الجدال القائم

يجادل نوعان من البشر لهم آراء مختلف:

الأول:

أن هناك اختلافات بين تخيل المستقبل وتجربته أي فرق بين عمليات التفكير التي استنتج بها السجين والحكم الذي اصدره القاضي.

الثاني:

أن المفارقة هي نسخة من «مفارقة مور_Moore’s paradox» والتي يمكننا التعبير عنها من خلال تقليل عدد الأيام المحتملة إلى يوم واحد فقط.

أين يكمن التناقض؟

ما زال الحل غير موجود ولكن هل التناقض حقًا يكمن في أقوال القاضي أم أن منطق السجين به خلل ؟

المصادر
brilliant
britannice
oxfordreference
jstor
medium

مفارقة إيكاروس، كيف يقتلك ما كان السبب في نجاحك؟

بالتأكيد العمل الدؤوب والاجتهاد هو الطريق للنجاح، ولكن ماذا لو كانت مسببات النجاح هي التي ستؤدي للفشل الذريع؟  هذا ما طرحه داني ميلر في كتابه مفارقة إيكاروس، ليوضح سبب سقوط الشركات الناشئة بعد فترة من النجاح والازدهار.

إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية:

تروي الأسطورة أن إيكاروس هو ابن ديدالوس، المعماري الذي بنى المتاهة التي احتوت وحش المينوتور “نصف انسان ونصف ثور” . وكان في جزيرة كريت التي حكمها الملك مينوس، وحُكِم على ديدالوس وابنه بالسجن في برجٍ في جزيرة كريت.

حاول إيكاروس وأبيه الهروب وذلك بصناعة أجنحة وتشكيلها من الشمع والريش. ولكن نبه ديدالوس ابنه بألا يطير عاليًا فيقترب من الشمس ويذوب الشمع في أجنحته، وألا يطير منخفضًا فيبتل الريش بالماء ويغرقه.

ولكن إيكاروس كان مزهوًا بأجنحته وفخورًا بحريته، فحلق عاليًا إلى أن اقترب من الشمس فأذابت الشمع وحرقت أجنحته، وهوى إلى البحر ومات غرقًا فيه.

مفارقة إيكاروس:

طرح داني ميلر في عام 1990 مفهوم مفارقة إيكاروس؛ موضحًا أن الشركات الناشئة التي تبالغ في ثقتها بقدراتها بعد نجاح مزدهر وسريع سيكون مصيرها مماثلًا لمصير إيكاروس، الفشل بسبب نفس العوامل التي أدت لنجاحها الباهر.

تؤدي العوامل المسببة في النجاح السابق؛ مثل استراتيجيات متبعة سابقًا عند استخدامها بشكل زائد عن حده إلى انخفاض المبيعات والأرباح إلى أن تصل للإفلاس.
ويحدث هذا عندما يتخذ المدراء نفس الأساليب أملًا في الحصول على نتائج مشابهة للنجاح القديم. وذلك لثقتهم العمياء فيها، وأحيانًا بسبب الغطرسة والثقة الزائدة بنجاحها.

عوامل فشل الشركات:

يقول ميلر إن انتصارات الماضي هي التي تخدع صناع القرار في الشركات وتدفعهم للإيمان بأنهم وصلوا لبر الأمان وحققوا النصر في مبيعاتهم، ويدفعهم ذلك إلى اتباع طرقهم التقليدية ذاتها، بسبب إيمانهم بأنها الطرق الناجحة كونها طرق مجربة.

عند توقع نتائج المشاريع المحفوفة بالمخاطر يقع المدراء في ما يسميه علماء النفس “مغالطة التخطيط”، ويتخذون قراراتهم بناءً على تفاؤل وهمي بدلًا من الحساب العقلاني للمخاطر والمكاسب المحتملة. ويسعون وراء أهداف غالبًا ما تفشل.

عبر الزمن، تركز الشركات على العامل الوحيد الذي ساعد في نجاحها، ولكن على حساب عوامل أخرى تهملها الشركات ولا تتكيف مع التطورات مثل وجود منافسين جدد، تغير الطلب المحلي، وجود تكنولوجيا جديدة.

أمثلة على مفارقة إيكاروس:

هناك أمثلة على ذلك أهمها شركة تيسكو بمحاولتها دخول السوق الأمريكية عام 2007. بالرغم من نجاحها البالغ في المملكة المتحدة، فشلت في دخول السوق الأمريكية وذلك لتطبيقها نفس الاستراتيجية المتبعة في المملكة المتحدة بدون مراعاة فروق العادات الاستهلاكية للمواطن الأمريكي. ما أدى لخسارات بالغة تقارب 1.8 مليار دولار وانخفاض أرباحها بمعدل 96%.

مقترحات ميلر:

يرى ميلر بضرورة تطوير المديرين لما يسميه “المرايا” أو القدرة على الوعي بالسلوك والتفكير الذاتي. ويؤكد على أهمية التطوير ومراجعة الاستراتيجيات خصيصًا التي مرّ زمن على العمل بها. بالإضافة لضرورة استخدام عدة مصادر من المعلومات عن المنافسين ومتطلبات السوق المحليّ، ومتابعة المنتجات المنافسة. حتى تتمكن الشركة من الصمود أمام تغيرات السوق يتوجب التغيير المستمر في الاستراتيجيات المتبعة للنجاح، حتى لا ينتهي بها الأمر مثل إيكاروس.

المصادر:






Exit mobile version