النظرية الجسيمية للضوء: كيف فسر نيوتن الظواهر الضوئية؟

حاول علماء وفلاسفة العصور الوسطى تفسير طيف واسع من الظواهر الضوئية، وتقنين سلوكياتها. إلا أنه يمكن القول إن أول، وأبسط، مقاربة علمية كاملة لماهية الضوء تعود إلى القرن السابع عشر. وتحديدًا عام 1704م، عندما صاغ الفيزيائي إسحق نيوتن النظرية الجسيمية للضوء. حيث حاجج نيوتن أن الضوء عبارةٌ عن جسيمات صغيرة تسلك مسارًا مستقيمًا دائمًا، وفسر ظاهرتي الانعكاس والانكسار بناءً على ذلك. فعلام بنى نيوتن نظريته؟ وكيف استطاعت تفسير الظواهر الضوئية وخصائصها؟ وما أسباب إخفاقها؟  

مبادئ النظرية الجسيمية للضوء

بنى نيوتن «نظريته الجسيمية للضوء-The corpuscular theory of light» على عدة افتراضات أساسية بُرهن فيما بعد خطؤها. أساسها أن الضوء عبارة عن جسيمات صغيرة جدًا لها كتلة مهملة، وتتأثر كغيرها من الكتل بالقوانين الفيزيائية. كما تختلف أحجام جسيمات نيوتن، إلا أنها، وبشكل عام، تشغل حيزًا صغيرًا بحيث لا ترتطم جسيمات الحزمة الضوئية الواحدة ببعضها. أما بشأن حركتها، اعتقد نيوتن أنها تملك طاقةً حركية لسرعتها الكبيرة، ولكن الأخيرة تتناسب طردًا مع كثافة الوسط الذي تسري فيه. حيث تنتقل أسرع في الأوساط الكثيفة، وأبطأ في الأوساط الأقل كثافةً (الأمر الذي أُثبت خطؤه فيما بعد). وقد رأى نيوتن أن جسيمات الضوء تقذف من المصدر الضوئي، فيكون مسارها، كأي قذيفة، بشكل قطع مكافئ. أما المسار المستقيم الذي نرصده فيعود لسرعتها الهائلة مقارنة بكتلتها الصغيرة والمسافة التي تقطعها. [1]

اعتمد نيوتن على افتراضاته السابقة في تفسير ظاهرتين ضوئيتين: انعكاس الضوء، وانكساره:

انعكاس الضوء

 يطلق مصطلح «انعكاس الضوء-The reflection of light» على ارتداد حزمة من الأشعة الضوئية عن سطح ما. مثل انعكاس صورتك على بركة مائية، فصورتك ارتدت عن الماء عائدةً لعينيك. وإذا ما كان السطح أملسًا ومسطحًا، كلوح زجاج أو ماء؛ ترتد الحزمة بنفس زاوية ورودها، فنقول إن زاوية الورود = زاوية الانعكاس. (تقاس الزوايا السابقة بالنسبة إلى العمود على السطح العاكس).  [2]

انعكاس الضوء

تفسير النظرية الجسيمية للضوء لانعكاس الضوء

شرح نيوتن ما سبق معتبرًا أن جسيم الضوء يسلك سلوك كرة مطاطية في التصادم المرن. فعندما تصطدم الكرة (الجسيم) بالسطح؛ ترتد عنه بنفس زاوية ارتطامها؛ نتيجةً للتنافر بين الكرة والسطح العاكس. ويمكنك تجربة ذلك عمليًا:

خذ كرة مطاطيةً وقف أمام حائط. ثم اقذف الكرة نحوه بحيث يصنع مسارها زاويةً ما مع المستقيم العمودي على الحائط. سترى الكرة ترتد بنفس زاوية اصطدامها.  [1]

ارتداد الكرة بنفس زاوية اصطدامها

انكسار الضوء

يطلق مصطلح «انكسار الضوء-The refraction of light» على تغير مسار حزمة ضوئية عند انتقالها بين وسطين مختلفي الكثافة، كالماء والهواء، أو الهواء الساخن والبارد. مثلًا، غالبًا ما ستخطئ في تقدير عمق مسبح مائي بمجرد النظر إليه، ظانًّا أنه أقل عمقًا مما هو عليه. ويفسر ذلك بأن الأشعة الضوئية تنكسر أثناء انتقالها من الوسط المائي إلى الهواء، فيبدو قاع المسبح أقرب من الواقع. [3]

انكسار الضوء المار من الماء إلى الهواء فتبدو الأجسام أقل عمقًا مما هي عليه.

تفسير النظرية لانكسار الضوء

فسر نيوتن ذلك بأن الجسيم المار في وسط متجانس لا يخضع لتأثير قوى جذب، بينما يتأثر بها عند انتقاله إلى وسط جديد، فينحرف مساره. فعند مرور جسيم ضوء في وسط ما، يكون محاطًا بعدد متساوي من جزيئات هذا الوسط من كافة الاتجاهات، فتلغي قوى الجذب التي تطبقها جزيئات الوسط على جسيم الضوء بعضها وتكون محصلتها معدومة. ويمكن تشبيه ذلك بفريقين يشدان الحبل بنفس المقدار من جهتين متعاكستين، لن يربح أي منهما لأن قوة شد كل فريق تلغيها قوة شد الفريق الآخر. وبالعودة إلى جسيم الضوء، ووفقًا لقانون نيوتن الأول*، سيستمر جسيم الضوء بالحركة في مسار مستقيم لأن لا قوى جذب تؤثر فيه. أما عندما يصل جسيم الضوء إلى الحد الفاصل بين وسطين مختلفين، لا تنعدم محصلة القوى؛ لأن الوسط الأكثف يحوي جزيئات أكثر، وبالتالي قوى جذب أكبر، فتنجذب الحزمة الضوئية قليلًا نحو الوسط الأكثف. [4]

*قانون نيوتن الأول: ينص على أن الجسم الساكن أو المتحرك في مسار مستقيم بسرعة ثابتة يبقى على ما هو عليه ما لم تؤثر فيه قوة خارجية تغير من طبيعة حركته.

قانون سنيل في انكسار الضوء

وكما في انعكاس الضوء، يوجد علاقة تربط زاويتي السقوط والانكسار، ولكنها، كذلك، تتعلق بكثافة الوسطين الذين تنتقل الحزمة الضوئية بينهما. وتسمى العلاقة السابقة ب«قانون سنيل-Snell’s law» أو قانون الانكسار، وتعطى بالشكل:

n₁.sinѳ₁=n₂.sinѳ₂

قانون سنيل

حيث:

n₂ و n₁ مؤشري انكسار الوسطين، وهي مقادير ثابتة تتعلق بطبيعة الوسط وكثافته والضغط الجوي ودرجة الحرارة.

 ѳ₂  وѳ₁ زاويتي السقوط والانكسار، وتقاسان بالنسبة إلى العمود على السطح الفاصل بين الوسطين. [5]

تفسير النظرية الجسيمية للضوء لقانون سنيل

لتفسير قانون سنيل في ظل نظرية نيوتن لا بد من الإلمام ببعض المفاهيم الفيزيائية:

أولًا: تمثل سرعة الجسيم (القذيفة) بشعاع، ويمكن إسقاط الشعاع على محورين أفقي وشاقولي، فنحصل على المركبتين الأفقية والشاقولية للسرعة. ولفهم هذا المبدأ، تخيل رميك كرة نحو سلة تبعد عنك 5 أمتار وترتفع بالهواء 3 أمتار، لكي تدخل في السلة لا بد لها أن تتحرك شاقوليًا 3 أمتار وأفقيًا 5 أمتار في الوقت ذاته.

 

مركبات شعاع السرعة

ثانيًا: عند انحراف الحزمة الضوئية في حادثة انكسار الضوء، لا يحدث تغير في المركبة الأفقية لسرعة الجسيم، أي أن سرعة الجسيم الموازية للسطح لا تتغير. وذلك لأن قوى الجذب المؤثرة على الجسيم تكون شاقولية. (وكأن نقول إن كرة السلة ارتطمت بالعمود الحامل للسلة، فقد قطعت مسافة 5 أمتار أفقية، ولكنها لم تصل لارتفاع 3 أمتار المطلوب).

ثالثًا: جيب الزاوية (ساين) في مثلث قائم هو نسبة طول الضلع المقابل للزاوية إلى طول وتر المثلث. مما سبق نجد أن جيب الزاوية في قانون سنيل يمثل نسبة المركبة الأفقية لشعاع السرعة إلى قيمة السرعة في طرفي المعادلة. (فلا بد من رمي الكرة بزاوية مناسبة كي تدخل).

وبما أن البسط (المركبة الأفقية) هو ذاته في الطرفين، يمكن اختصاره. لتُساوي علاقة سنيل بين نسبة مؤشر انكسار الوسط الأول إلى سرعة الجسيم فيه وبين نسبة مؤشر انكسار الوسط الثاني إلى سرعة الجسيم فيه.

وليفسر نيوتن ذلك، افترض أن سرعة الجسيم تتعلق بطبيعة الوسط الذي يمر به (أي بمؤشر الانكسار)، لتصبح علاقة سنيل بديهية. [1]

تفسير النظرية الجسيمية للضوء للألوان

قدم نيوتن شرحًا بسيطًا لظاهرة تحلل الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف السبعة عند مروره في الموشور. فقد رأى أن الضوء الأحمر ينكسر أقل من البنفسجي، فافترض أن كتلة الأحمر أكبر من البنفسجي، لأنه يتأثر أقل من الأخير عند مروره بين وسطين مختلفين. بالتالي، استنتج نيوتن أن لون جسيم الضوء يعتمد على كتلته. [1]

اختبار النظرية وأهم مشاكلها

أخفقت نظرية نيوتن لتضمنها عدة مشاكل وإشكالات. فقد أثبت «فوكولت-Foucault» أن الضوء ينتقل أسرع في الأوساط الأقل كثافة، على عكس ما افترض نيوتن. كما أن تفسيره لألوان الطيف المختلفة يفتقر إلى الدليل والبرهان. بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم نظريته تفسيرًا لانتثار الضوء، أو تداخله، أو استقطابه.

أما بشأن الانكسار والانعكاس، فقد فسر نيوتن كلًا منهما على حدىً، ولم يستطع التوفيق بينهما. من جهة، افترض أن جسيمات الضوء تتنافر مع السطح في حادثة الانعكاس. ومن جهة أخرى، اعتقد أنها تتجاذب معه أثناء الانكسار. أي أن سطحًا ما إما أن يكسر الضوء أو يعكسه، إلا أن بعض الأجسام، كالزجاج، تعكس الضوء وتكسره جزئيًا في آن معًا. [1]

وبما أن أي تعديلات لم تكن كافية لجعل نظرية نيوتن ملائمة للواقع، كان لا بد من الإطاحة بها، وانتظار ما يصف الواقع بشكل أفضل.

المصادر

[1] The University of Virginia

[2] California State University

[3] Hyperphysics

[4] The University of British Columbia

[5] Science Direct

التحليل الطيفي: كيف يمكن تحديد مكونات النجوم البعيدة؟

يطلق مصطلح «التحليل الطيفي-Spectroscopy» على دراسة الأطياف الضوئية الناتجة عن إصدار المواد للضوء أو تفاعلها معه. ورغم استخدامه في مختلف العلوم والدراسات، إلا أن دوره في الفلك يكاد يكون جوهريًا. فهو أداة رئيسة يعتمد عليها الفلكيون لمعرفة مكونات النجوم والكواكب التي تبعد عنا مليارات السنوات. فكيف يمكن ذلك؟ [1]

لفهم آلية التحليل الطيفي، لا بد من التعرف على الطيف وبعض الفيزياء أولًا.

بدايةً، ما هو الطيف؟

من المحتمل أنك رأيت «طيفًا ضوئيًا-spectrum» ولو لمرة في حياتك، فظاهرة قوس قزح، أي تحلل ضوء الشمس إلى مكوناته اللونية المختلفة نتيجة مروره في قطرات المطر، هي شكل من أشكال الطيف. أما التعريف الدقيق له، فهو أي مخطط بياني أو غرافيكي يوضح مكونات الأشعة الضوئية بحسب تدرج طاقاتها. لذلك، يمكن القول أن ألوان قوس قزح المختلفة هي الطريقة التي يدرك فيها دماغنا اختلاف طاقات الضوء التي استقبلتها أعيننا. [1]
لكن ألوان قوس قزح (الضوء المرئي) لا تشكل سوى جزء صغير من مكونات الطيف الكهرطيسي. حيث أن للأشعة الكهرطيسية طيف واسع يغطي جميع طاقاتها، بدءًا من أمواج الراديو الأقل طاقة، مرورًا بالأمواج الميكروية، وتحت الحمراء، والضوء المرئي، وفوق البنفسجية، إلى الأشعة السينية وأشعة غاما عالية الطاقة. [2]
كما يوضح المخطط التالي الطيف الكهرطيسي:

الطيف الكهرطيسي
حقوق الصورة: PASCO

الطيف المميز للمواد

يتفاعل كل عنصر في الجدول الدوري مع الضوء بشكلٍ مختلف، ويصدر في شكله الغازي ضوءًا مميزًا أيضًا. أي أن الطيف الضوئي المنبعث أو المنعكس عن الهيدروجين يختلف عن طيف النيتروجين وغيره من العناصر. لذلك، يمتلك كل عنصر بصمة لونية مختلفة يعود تفسيرها إلى «التأثير الكهرضوئي-Photoelectric effect». [1]

التأثير الكهرضوئي

توجد الإلكترونات في الذرة في «مستويات طاقية-Energy levels» محددة، ولا يمكنها الوجود خارجها. حيث توجد الإلكترونات الأعلى طاقةً في المدارات الأقرب إلى النواة، فيما تقل الطاقة بالابتعاد عنها. ولكي ينتقل إلكترون نزولًا إلى مدار أعلى طاقةً، يجب أن يزيد طاقته مقدارًا محددًا، يحصل عليه عن طريق امتصاص الضوء. والعكس صحيح، يصدر الإلكترون ضوءًا عند انتقاله إلى مستوى أخفض.
تختلف طاقة المستويات السابقة بحسب العنصر الكيميائي. وبالتالي، يمكن لكل عنصر أن يمتص طاقات محددة فقط من الضوء (ألوان)، أو يصدرها، بحسب اختلاف مستوياته الطاقية.
كما نميز نوعين من الأطياف لكل مادة، «طيف الامتصاص-Absorbtion spectrum»، و«طيف الانبعاث-Emission spectrum»: [1]

طيف الامتصاص

للحصول على طيف الامتصاص لعينة مادية ما، تُعرّض هذه العينة للضوء المنبعث من مصدر مستقل، ثم يُدرس الضوء المنعكس عن المادة ويحلل حسب أطواله الموجية. حيث تمثل الألوان الظاهرة في الطيف الأطوال الموجية التي لم تناسب طاقتها أيًا من مستويات الذرة، فلم تمتصها. أما الفراغات فتمثل الأطوال الموجية التي ناسبتها، فامتصتها الإلكترونات وانتقلت. [1]
كما يوضح المخطط التالي طيف الامتصاص لعناصر كيميائية مختلفة:

أطياف الامتصاص لعناصر كيميائية
حقوق الصورة: Hubble Space Telescope

طيف الانبعاث

يُحصل على طيف الانبعاث لمادة ما بقياس الضوء المنبعث منها في حالتها الغازية. بحيث يصدر الغاز مرتفع درجة الحرارة ضوءًا أطواله الموجية تمثل الطاقة التي فقدتها إلكترونات المادة عند انتقالها إلى مستوى أخفض. [1]

آلية التحليل الطيفي، كيف نحصل على أطياف المواد؟

يعتمد التحليل الطيفي على أداة تسمى «المطياف-Spectrograph»، تقوم بتحليل طيف الضوء للمواد إلى أطواله الموجية المختلفة، بشكل مشابه للموشور الذي يفصل ضوء الشمس إلى ألوان الطيف.
عادةً ما يلجأ العلماء لتسجيل الطيف المميز لكل مادة، وينشؤون قاعدة بيانات بالأطياف المختلفة. كما يمكن الاعتماد لاحقًا على البيانات السابقة لمعرفة مكونات الأجسام البعيدة عن الأرض، كالنجوم مثلًا، عن طريق مقارنة طيف النجم مع الأطياف الموجودة. [1]

آلية عمل المطياف، أداة التحليل الطيفي

يمكن تمييز ثلاث مراحل أساسية لعمل المطياف:
أولًا، يمر الضوء القادم من التلسكوب عبر فتحة صغيرة في صفيحة معدنية، وذلك لعزل الضوء القادم من جسم فلكي محدد عن محيطه.
ثانيًا يمر الضوء في حجرة يرتد فيها عن حواجز شبكية محددة، تقوم بفصل الضوء إلى أطواله الموجية بطريقة مشابهة للموشور. 
ثالثًا، تقوم المستشعرات، كالمستخدمة في الكاميرات الرقمية، بتسجيل الأطوال الموجية السابقة وتشكيل الصورة النهائية ثنائية الأبعاد. [1]
فيما بعد، يمكن تحويل الصورة ثنائية الأبعاد إلى مخطط أحادي الأبعاد لتسهيل دراسته واستخلاص المعلومات. [3]

مخطط احادي الأبعاد للطيف الضوئي لمجرة حلزونية S7
حقوق الصورة: COSMOS


تطبيقات التحليل الطيفي

عادةً ما يستخدم التحليل الطيفي في الكيمياء التحليلة والفيزيائية لتحديد كميات المواد الموجودة في عينة ما. أما علم الفلك فيعتمد عليها بشكل أكبر لاسيما في تحديد صفات الأجسام الفلكية البعيدة. على سبيل المثال، تفيد دراسة «الخطوط الطيفية-Spectral lines» في التمثيل أحادي الأبعاد للضوء القادم من نجم ما في تحديد مكونات النجم، ودرجة حرارته، وكثافته، ومجاله المغناطيسي.
أما إذا انزاحت الخطوط ذهابًا وإيابًا في الصور المختلفة، أي انزاحت إلى الأحمر تارةً ثم الأزرق تارةً، يستنتج العلماء أن النجم يدور حول نجم آخر اعتمادًا على «تأثير دوبلر-Doppler effect». حيث ينص تأثير دوبلر على أن طيف الأجسام المبتعدة عنا ينزاح نحو الأحمر، فيما ينزاح نحو الأزرق عند اقترابها. كما يمكن التعرف على المواد المحيطة بالثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، بما أنها تكون مرتفعة الحرارة وتصدر ضوءًا نتيجة سقوطها في النجم بسرعة. [2]
 
ففي حين تخبرنا صور المجرات عن شكلها، يخبرنا التحليل الطيفي عن ماهيتها.

المصادر:

  1. Hubble Space Telescope
  2. NASA
  3. Swinburne university COSMOS

ما أنواع الأمواج الثقالية؟ وما أهم مصادرها؟

إن اضطرابات نسيج كوننا المتموجة، أو الأمواج الثقالية، أقرب إلينا مما قد تتوقع. ففي كل مرة تستقل فيها سيارتك وتسرع إلى عملك، أو تقلع بك الطائرة نحو وجهتك، فإنك –بطريقة ما- تجعل نسيج الكون يضطرب من حولك. ولا يتعلق الأمر بتكنولوجيا السيارات أو الطائرات الحديثة أو عملك حتى، بل بالفيزياء، كتلتك وتسارعك تحديدًا. فنظريًا، يقدر كل جسم متسارع على توليد أمواج جذبوية في نسيج المكان-الزمان لامتلاكه كتلة تؤثر فيه. إلا أن هكذا أمواج غير قابلة للرصد لضآلتها. بينما تنتج الأمواج المرصودة عن أحداث أكثر عنفًا، نجدها بعيدًا خارج مجموعتنا الشمسية. فما أهم مصادر وأنواع الأمواج الثقالية المرصودة؟

اتضح مؤخرًا أن كوننا مليء بأجسام تستطيع، بكتلها الهائلة وتسارعها الكبير، أن توّلد أمواجًا ثقالية قوية بما يكفي لنرصدها. ويتضمن ذلك أزواجًا من الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية تدور حول بعضها استعدادًا لالتحامها. إلى جانب نجوم ثقيلة تنفث رمقها الأخير في انفجارات المستعر الأعظم. وقد صنف علماء مرصد لايغو أنواع الأمواج الثقالية في أربع مجموعات اعتمادًا على مصدرها: مستمرة، لولبية ثنائية النظام، عشوائية، ومتفجرة. وتتسم كل مجموعة منها بخصائص مميزة ونمط معين من الإشارات المرصودة.

الأمواج الثقالية المستمرة

يعتقد العلماء أن «الأمواج الثقالية المستمرة- Continuous gravitational waves» تصدر عن جسم فلكي ثقيل يدور حول نفسه وحيدًا، مثل نجم نيوتروني. ويشترط وجود عيب في شكل هذا الجسم، كأن يكون غير كروي تمامًا، ليولد حوله أمواجًا ثقاليةً أثناء دورانه. فإذا بقيت سرعة دوران النجم حول نفسه ثابتةً، حافظت الأمواج الثقالية التي يصدرها على تردد وسعة ثابتين “باستمرار”، مثل مغنًّ يستمر بغناء نوطه وحيدة.

وقد حوّل باحثو مرصد لايغو موجة جاذبية مستمرة إلى مقطع صوتي قصير، كتوضيح لما كانت ستبدو عليه تلك الموجة لو أنها موجة صوتية:

http://www.black-holes.org/sound/Periodic.wav
صورة توضيحية لنجم نيوتروني
حقوق الصورة: Casey Reed/Penn State University

الأمواج الثقالية اللولبية ثنائية النظام

 صنفت جميع الأمواج الثقالية المرصودة حتى الآن في مجموعة «الأمواج الثقالية اللولبية ثنائية النظام-Compact Binary Inspiral gravitational waves». تصدر هذه الأمواج عن أنظمة ثنائية من النجوم الكثيفة (الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية). حيث يدور فيها نجمان كثيفان حول بعضهما ويقتربان قبل أن يندمجا، مطلقين أمواجًا ثقاليةً. كما تصنف الأنظمة الثنائية السابقة في ثلاث مجموعات فرعية:

  • نجمين نيوترونيين
  • ثقبين أسودين
  • ثنائي ثقب أسود-نجم نيوتروني    

وفي حين يولّد كل زوج سابق نمطًا مختلفًا من الأمواج الثقالية، تكون آلية التوليد ذاتها في المجموعات الثلاثة، وتسمى «الدوران اللولبي-Inspiral» (اقتراب جسم من جسم آخر أثناء الدوران حوله، فيرسم مسارًا أشبه باللولب).

صورة توضيحية للدوران الحلزوني لنجمين نيوترونيين
حقوق الصورة: Albert Einstein Institute (AEI)

يحدث الدوران اللولبي على مدى ملايين السنين عندما يدور زوجان من النجوم الكثيفة حول بعضهما. وأثناء ذلك، يصدر الثنائي أمواجًا ثقاليةً تحمل معها بعضًا من طاقة النظام المدارية، فيدوران أقرب فأقرب حول بعضهما. ثم نتيجةً لاقترابهما، تزداد سرعة دورانهما، فيصدران أمواجًا أقوى، ويخسران نتيجة ذلك طاقة مداريةً أكبر. وكلما اقتربا أكثر، يدوران أسرع، ويخسران طاقةً أكبر، فيقتربان مجددًا… وهكذا في رقصة كونية متسارعة لا مهرب منها.

يشبه الأمر إلى حد ما تلك الدورة السريعة التي يؤديها متزلجو الجليد. فلنتخيل أن ذراعي المتزلج المفرودتان هما نجمان نيوترونيان مثلًا، ولنعتبر أن جسد المتزلج هو قوة الجاذبية التي تضمهما معًا أثناء الدوران. الآن، عندما يقرّب المتزلج ذراعيه من جسده (عندما يدور النجمان أقرب فأقرب)، يدور المتزلج أسرع فأسرع. ولكن على عكس المتزلج، لا يمكن للنجوم النيوترونية أو الثقوب السوداء أن توقف رقصتها. فتستمر بإصدارها أمواجًا ثقاليةً واقترابها من بعضها دون توقف، إلى أن يصطدم الجسمان ويلتحمان معًا. 

زيادة سرعة دوران المتزلجة عند ضم ذراعيها في (b)

أجهزة لايغو ونطاق الرصد

صممت أجهزة مرصد لايغو لرصد نطاق معين من ترددات الأمواج الثقالية، مثلما تكون الأذن البشرية حساسة لترددات صوتية معينة. أي أن لايغو لا يستطيع رصد أي ترددات جذبوية تقع خارج هذا النطاق (كأن تكون أعلى أو أخفض). ولكن بما أن النجمين يتسارعان باستمرار، سيصلان في لحظة ما إلى حد يصدران عنده أمواجًا قابلة للرصد. 

وغالباً ما تَصدر الترددات المرصودة فترةً وجيزةً. ويعتمد ذلك أساسًا على كتلتي الجسمين الدوارين. فالأجسام الثقيلة، كالثقوب السوداء، تجتاز نطاقها المرصود بسرعة ولا تلبث فيه طويلًا، على عكس الأجسام الأخف كالنجوم النيوترونية. مما يعني أن إشارات اندماج ثقبين أسودين تكون أقصر بكثير من إشارات اندماج نجمين نيوترونيين في مرصد لايغو. مثلًا، أصدر أول زوج من الثقوب السوداء المندمجة إشارة طولها 0.2 ثانية فقط. بينما أصدر أول زوج نيوتروني مندمج عام 2017 إشارة استمرت أكثر من 100 ثانية. 

يوضح الفيديو التالي ما ستبدو عليه موجة اندماج ثقبين أسودين لو أنها كانت موجة صوتية:

وهنا صوت اندماج نجمين نيوترونيين بنفس التقنية السابقة:

اندماج نجمين نيوترونيين في كوكبة العذراء

الأمواج الثقالية العشوائية

من الممكن أن تمر عدة أمواج ثقالية متباينة من الأرض في اللحظة ذاتها، فترصدها الأجهزة كإشارات مبهمة. لذلك يتوقع فلكيو لايغو مرور أمواج صغيرة في الوقت ذاته، واختلاطها سويةً بشكل عشوائي تمامًا، مشكلةً ما يعرف ب«الأمواج الثقالية العشوائية-Stochastic gravitational waves». تأتي مركبّات هذه الأمواج من كافة أنحاء الكون، وسميت بالعشوائية لأن إشاراتها ذات نمط عشوائي، يمكن للعلماء تحليله ودراسته، ولكن يصعب عليهم تحديد مصدره بدقة. كما يعد هذا النوع من أصغر أنواع الأمواج الثقالية وأصعبها رصدًا، ويعتقد العلماء أن جزءًا منه نتج عن الانفجار العظيم

الأمواج الثقالية المتفجرة

إن البحث عن «الأمواج الثقالية المتفجرة-Burst gravitational waves» أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، دون أن تعرف ما هي الإبرة، ودون التأكد من وجودها هناك حتى. ذلك لأن لايغو لم يرصد أيًا منها حتى الآن، ولأننا لا نعلم عما نبحث! فعلى سبيل المثال، لا يفهم العلماء فيزياء بعض الأنظمة الفلكية بما يكفي ليتنبؤوا بنمط الأمواج الثقالية التي قد تصدرها.    

لا تزال هذه المهمة شبه مستحيلة، ولكنها كفيلة –إن تحققت- أن تكشف معلومات ثورية عن كوننا، فهي –بذلك- تستحق المحاولة!

المصادر

LIGO
LIGO

ما هي الأمواج الثقالية؟

يتجاوز عنف بعض الأحداث الفلكية حدود المادة والطاقة، ليُحدث اضطرابات في نسيج الكون ذاته. فقد يتموج نسيج المكان-الزمان متأثرًا بحركة بعض الأجسام الثقيلة فيه، وتنتشر تموجاته في كافة الاتجاهات بعيدًا عن مصدرها. يمكن أن تنتقل هذه الاضطرابات الكونية بسرعة الضوء، حاملةً معها إشارات لمصدرها، وأسرار الجاذبية ذاتها. فما هي هذه الأمواج الثقالية؟

بدايةً، ما هو نسيج الكون؟

أقام الفيزيائي الألماني ألبرت أينشتاين نسبيته الخاصة على فرضين أساسيين. أولهما أن قوانين الفيزياء واحدة ثابتة في جميع الجمل المرجعية، وثانيهما أن سرعة الضوء ثابتة في الفراغ مهما تكن سرعة المصدر أو المرصد. وكنتيجة لذلك، وجد أينشتاين أن المكان، بأبعاده الثلاثة، والزمان يتشابكان في الكون. وأطلق على النماذج الرياضية التي تمثل هذا الارتباط اسم «نسيج المكان-الزمان-Space-time»، حيث تمثل الكون بأبعاده المكانية الثلاثة إلى جانب الزمن، البعد الرابع للكون.

ثم في عام 1916م، نشر أينشتاين نظرية النسبية العامة، والتي بين فيها أن الجاذبية خاصة من خواص نسيج الكون. فلنتخيل أنك وضعت كرة بولينغ في وسط ترامبولين، ستلاحظ تغير شكل الترامبولين حول الكرة. والآن لتدحرج كرة صغيرة باتجاه ذاك التقعر، عندها ستدور الكرة الصغيرة حول الكبيرة، لأن مسار الكرة الصغيرة مشوه حول الكبيرة.

وبطريقة مشابهة، تؤثر الكتل في نسيج المكان-الزمان وتغير من شكله في مكان وجودها. كما يمكن للكتل الكبيرة أن تشوهه. فتتغير مسارات الأجسام الأخرى قرب الكتل نتيجة هذا التشوه، ويظهر ما نعرفه بالجاذبية. [1]

تأثير الكتل في نسيج المكان-الزمان
حقوق الصورة LIGO

عندما يضطرب نسيج أينشتاين

وقد أظهرت حسابات أينشتاين أنه إذا ما تحركت الأجسام الثقيلة هذه بسرعة كبيرة، وكنتيجة لتبدل تأثيرها في النسيج بسرعة، ستسبب تموجات في نسيج الكون، مشكلةً «الأمواج الثقالية-Gravtational waves».

صورة توضيحية للامواج الثقالية
حقوق الصورة: LIGO

كما تنتج الأمواج الثقالية القوية عن أحداث فلكية هائلة، كاندماج ثقبين أسودين، أو انفجار مستعر أعظم، أو اندماج نجمين نيوترونيين وما يسبقهما من دوران. أما الأمواج الأخرى فقد تنتج عن دوران نجم نيوتروني ذي شكل غير منتظم، أو من بقايا الانفجار العظيم. [2]

أدلة الأمواج الثقالية

صورة توضيحية للنجمين النابضين
حقوق الصورة: LIGO

رغم توقع أينشتاين وجود الأمواج الثقالية عام 1916م، رُصد أول دليل لها عام 1974م، أي بعد 20 عام على وفاته. حيث اكتشف فلكيان في «مرصد اريسيبو الراديوي-Arecibo Radio Observatory» نجمان نابضان يدوران حول بعضهما في نظام ثنائي. وبعد ثمان سنوات من رصد النجمين ودراسة مداريهما، تبين أنهما يقتربان من بعضهما بنفس المعدل الذي توقعته النسبية في حال إصدارهما أمواجًا ثقاليةً. ومنذ ذلك الوقت، درس الفلكيون عدة نجوم نابضة ووجدوا نتائج مشابهة، مؤكدين وجود الأمواج الثقالية. إلا أن جميع الأدلة السابقة أتت من استنتاجات رياضية بحتة أو بطرق غير مباشرة.[2]

مرصد لايغو للأمواج الثقالية

ثم في 14 أيلول/سبتمبر عام 2015، أي بعد حوالي قرن من توقع وجود الأمواج الثقالية، رصد مرصد «لايغو-LIGO» تموجات في نسيج المكان-الزمان ناتجة عن اندماج ثقبين أسودين. والذي اعتبر أول دليل مادي على وجودها، وأحد أعظم الاكتشافات العلمية حتى الآن.

لا تشكل الأمواج الثقالية أي خطر على الأرض والحياة البشرية. فرغم أن الأحداث الفلكية المسببة لها غايةٌ في العنف، لكنها تصل إلى الأرض أضعف بآلاف مليارات المرات مما هي عليه عند تولدها. فقد سببت موجة عام 2015 تبدلًا في نسيج المكان-الزمان أصغر بألف مرة من قطر نواة الذرة. [2]

وأخيرًا، قد نقول أن الكون، يكشف لنا في أمواجه الجذبوية عن ذاته وخصائصه، وربما أسراره.

المصادر
[1] Space
[2] LIGO observatory

ماذا يحدث عند اندماج الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

غالبًا ما تقطن الثقوب السوداء -كغيرها من الأجرام الفلكية- في تجمعات نجمية ومجرات. ف«الثقوب السوداء فائقة الكتلة-Supermassive black holes» مثلًا لا توجد إلا في مراكز المجرات الكبيرة كمجرة درب التبانة. كما أن بعضها يشكل أنظمة ثنائية مع نجوم عادية أو نيوترونية. لذا، فإن الثقوب السوداء تؤثر وتتأثر بغيرها، ويمكن أن تندمج مع نجم نيوتروني أو ثقب أسود آخر في ظروف مناسبة. فما الذي يحدث عند اندماج الثقوب السوداء مع النجوم النيوترونية؟ وماذا ينتج عن اندماج ثقبين أسودين فائقي الكتلة؟  

الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية

ليست النجوم النيوترونية أو الثقوب السوداء بنادرةٍ في مجرة درب التبانة، فهما مصير كل نجم ثقيل بعد موته. وغالبًا ما توجد النجوم الثقيلة هذه في «أنظمة ثنائية-Binary systems»، يدور فيها كلا النجمين حول نقطة مشتركة بينهما.

اندماج الثقوب السوداء مع النجوم النيوترونية

في أثناء دوران الثقب الأسود والنجم النيوتروني حول بعضهما في نظام ثنائي ما، يطلقان «الأمواج الثقالية-Gravitational waves». وهي اضطرابات تحدث في نسيج المكان-الزمان نتيجة تغير تركيز الكتلة المفاجئ أو انتقاله.كما تزداد الأمواج الثقالية باقترابهما من بعضهما، إلى أن يندمجا سويةً مشكلين ثقبًا أسود أكبر، ومطلقين موجة جاذبية هائلة، نستطيع رصدها من الأرض. [1]

اندماج الثقوب السوداء مع بعضها

من الممكن أن يندمج ثقبان أسودان مع بعضها، ويحدث ذلك عندما يقتربان إلى درجة تسحب جاذبية كل منهما الآخرَ نحوها. يستمر الثقبان بالدوران نحو بعضهما، مصدرين أمواج جاذبية، إلى أن يندمجا في ثقب أسود أكبر. ورغم أننا لا نفهم كليًا كيفية حدوث ذلك، لكننا نعلم أنه يصدر طاقة هائلة، ويُحدث موجة جاذبية كبيرة في نسيج الكون. [2]

موجة GW150914

رصدت أول موجة جاذبية في مرصد «لايغو- LIGO» عام 2015 وسميت GW150914. وتبين أنها ناتجة عن اندماج ثقبين أسودين ثقيلين، يزن كل منهما حوالي 30 ضعف كتلة الشمس. كما ومنحت جائزة نوبل في الفيزياء عام 2017 لباحثي مركز لايغو المسؤولين عن الاكتشاف السابق تكريمًا لجهودهم، وهم الفيزيائيون «كيب ثورن-Kip Thorne» و«رينر ويس-Rainer Weiss» و «باري باريش-Barry Barish». [3]

اندماج ثقبين أسودين فائقي الكتلة

للثقوب السوداء فائقة الكتلة كتلٌ تتراوح بين ملايين إلى مليارات أضعاف كتلة الشمس. وتتوضع جميعها في مراكز المجرات الكبيرة في الكون. يمكن أن يندمج ثقبان أسودان فائقا الكتلة مع بعضهما عند اندماج مجرتين، فيدور كل منهما نحو الآخر إلى أن يندمجا مطلقين أمواج جاذبية هائلة. وتقترح المحاكاة الحاسوبية أن اندماجات الثقوب السوداء فائقة الكتلة، وعلى عكس الثقوب السوداء النجمية، تصدر إلى جانب الأمواج الثقالية أمواجًا ضوئية. حيث يصدر الغاز ذو الحرارة المرتفعة المحيط بالثقبين أشعة سينية في أثناء تساقط الثقبين نحو بعضهما. [4]

ويوضح الشكل التالي اندماج ثقب أسود فائق الكتلة مع قرينه:

حقوق الصورة: ESA

فنرى أن حياة الثقوب السوداء منذ ولادتها تضج بالعنف، فهل تكون ميتتها كذلك؟

المصادر:

[1] The Conversation
[2] Spacs
[3] LIGO
[4] ESA

كيف يمكن رصد الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

لم تولد الثقوب السوداء -كمفهوم علمّي ثوريّ- إلا بعد مخاض جادل فيه العلماء طويلًا. فواجهوا تحديات جمّة فرضتها الظروف المتطرفة التي تحيط بفيزياء الثقوب السوداء وطبيعتها العصية على الرصد. ولعل أبرز هذه العقبات يكمن في أساس تكوينها ويتجلى في اسمها. فالثقوب السوداء لا تشع أي ضوء، بل تبتلع ما يدخلها من فوتونات أبدًا. فإذا كنا غير قادرين على رؤيتها، كيف نعلم أنها موجودة؟ وكيف يمكن رصد الثقوب السوداء؟

يبدو أن هذه المهمة -التي تبدو مستحيلة- ممكنة فقط إذا استغنينا عن أساليب الرصد التقليدية، مستخدمين وسائل غير مباشرة. ويتبع العلماء اليوم طريقتين، تتكل كلاهما على جسم قريب قابل للرصد، فتدرس تأثير الثقب الأسود عليه من ناحيتين: الجاذبية، والإشعاع.

التأثير الجذبوي للثقوب السوداء على الأجسام المحيطة

لا تعد هذه الوسيلة حديثة العهد؛ لاستخدامها الدائم في أبحاث علم الفلك. كما أن لها فضل التوصل لاكتشافات هامة. فكوكب نبتون، على سبيل المثال، اكتشف عن طريق تأثير جاذبيته على كوكب أورانوس عام 1846. كما لوحظ وجود القزم الأبيض «الشعرى اليمانية ب- Sirius B» لتأثيره الجذبوي على قرينه «الشعرى اليمانية أ-Sirius A».
[1] [2]

وبالعودة إلى الثقوب السوداء، يمكن تحديد وجودها في مكان ما من خلال رصد تأثير جاذبيتها على النجوم أو الغازات في ذلك المكان. فقد لوحظ وجود منطقة خالية في مركز مجرة درب التبانة (لا تشع أي ضوء)، تدور حولها النجوم في مدارات غير منتظمة تحت تأثير جاذبية قوية. مما اعتبر دليلًا أوليًا على وجود مادة شديدة الكثافة فيها، وهو الثقب الأسود «الرامي أ-Sagittarius A».

تأثير الثقوب السوداء على النجوم في الأنظمة الثنائية

بدايةً، نعلم أن الثقوب السوداء تتشكل من انهيار نجم هائل الكتلة ريثما يصبح غير قادر على القيام بتفاعلات الاندماج النووي. وبما أن بعض النجوم هائلة الكتلة توجد قريبة من نجوم أخرى، مشكلةً «أنظمة ثنائية-binary systems»، بالتالي، يمكن أن توجد بعض الثقوب السوداء في أنظمة ثنائية كذلك. فإذا وُجد ثقب أسود في نظام ثنائي، وكان قريبًا بما يكفي من النجم، يمكن رصده بطريقة غير مباشرة. ويحدث الأمر على الشكل التالي:

تسحب جاذبية الثقب الأسود بعضًا من غازات النجم نحوها، فيدور الغاز بشكل لولبي نحو الثقب الأسود. وفي أثناء ذلك، يسخن الغاز نتيجة احتكاكه مع الغازات المجاورة. يصدر الغاز مرتفع الحرارة أشعةً سينيةً أثناء توجهه نحو أفق حدث الثقب الأسود. وما إن يتجاوز أفق الحدث حتى يتوقف عن كونه مرئيًا، ولكن إشعاعه يكون شديد السطوع طالما كان خارجه. ويمكن رصد الأشعة السينية السابقة بسهولة عن طريق الأقمار الصناعية؛ لأن غلاف الأرض الجوي يحجبها عنا. وبالتالي يرصد الثقب الأسود بشكل غير مباشر وتعرف خواصه من خلال دراسة تأثيره على نجمه القرين. [4]

كما أن أول ثقب أسود رصده البشر اكتشف بالتقنية السابقة، ولتبيان تفاصيلها، ندرس حالته كمثال:

الدجاجة  X-1

رصد العلماء مصدرًا قويًا للأشعة السينية كان الألمع في كوكبة «الدجاجة-Cygnus». ولم تكن الأشعة ذات شدة ثابتة، بل إن سطوعها تغير بشكل غير منتظم، مما ينفي كونها «نجمًا نابضًا للأشعة السينية- X-ray Pulsars». وأما تغيرات الشدة هذه فحصلت في فواصل زمنية قصير قدرها 0.1 ثانية. مما يعني أن الأشعة السينية هذه تصدر عن منطقة لا يتجاوز قطرها 3000 كيلومتر، أو ما يعادل قطر القمر.

وعند رصد المنطقة بأطوال موجية أخرى، تبين وجود نجم مجاور لها يدعى HDE 226868. والذي تبين أنه عملاق أزرق مرتفع الحرارة ذو كتلة تقدر نحو 30 كتلة شمسية. كما نعلم أن النجم السابق لا يصدر الأشعة القوية تلك، لأن النجوم غير قادرة على إشعاع ذلك القدر الهائل من الطاقة.

صورة توضح حالة الدجاجة X-1

كما وجد أن النجم HDE 226868 يتأثر بجاذبية نجم قريب منه؛ من خلال دراسة تأثير دوبلر في ضوء النجم. إذًا، النجم HDE 226868 يشكل نظامًا ثنائيًا مع المصدر المجهول الدجاجة X-1، الذي تبين أنه يزن 7 كتل شمسية.

والآن بجمع كل المعلومات السابقة نستنتج أن الدجاجة X-1 جسم فلكي مضغوط. ونجد أنه كتلته أكبر من أن يكون قزمًا أبيضًا أو نجم نيوتروني، فهو ثقب أسود. [4] فنرى أن العلم -قبل كل شيء- هو الإبداع، إبداع طرق جديدة لرؤية اللامرئي وكشف المستحيل.

المصادر

[1] NASA
[2] The Astrophysics Data System
[3] Chandra X-ray Observatory
[4] Georgia State University

تاريخ موجز للثقوب السوداء

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

في زمنٍ اعتمد فيه علم الفلك كليًا على الضوء، شكلت طبيعة «الثقوب السوداء-Black holes» عائقًا في سبيل رصدها، فكانت مطاردتنا لها -منذ القرن الثامن عشر- خاسرةً لا محالة. إلا أن هذه الحقبة المظلمة أضيئت أخيرًا مع مطلع عام 2015، عندما طور الباحثون تقنيات للكشف عن الأمواج الثقالية: تلك الاضطرابات التي تسببها الأحداث الفلكية الكبيرة في نسيج المكان-الزمان. إليك تاريخ موجز للثقوب السوداء.

القرن الثامن عشر

تعود الجذور الأولى لمفهوم الثقب الأسود إلى القرن الثامن عشر. حيث طرحها لأول مرة الفيلسوف الطبيعي «جون ميشيل-John Michell» ومن بعده «بيير سيمون لابلاس-Pierre-Simon Laplace». فقد عمل كلا العالمين على حساب «سرعة إفلات-Escape velocity» جسيم الضوء من بعض الأجسام؛ اعتمادًا على قوانين نيوتن للجاذبية. واستنتجا إمكانية وجود نجوم شديدة الكثافة بحيث تتجاوز سرعة الإفلات فيها سرعة الضوء، فلا تصدر أي ضوء وتكون غير مرئية. وسماها ميشيل «النجوم السوداء-Black stars».
[1]

القرن التاسع عشر

لم تصمد فكرة النجوم السوداء طويلًا وسقطت في بداية القرن التاسع عشر مع اكتشاف الطبيعة الموجية للضوء عام 1801. ففي حين بنى العلماء فرضيتهم على تأثير جاذبية النجوم في جسيمات الضوء، لم يجدوا سببًا واضحًا لتؤثر في أمواج الضوء. فبحسب نيوتن، تؤثر الجاذبية في الأجسام فقط لا الأمواج. [2]

القرن العشرون

أينشتاين وشوارزشايلد ولوميتر

في عام 1915، قدم ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة، نظريةً بديلةً لجاذبية نيوتن. وطرح فيها تأثير حقول الجاذبية على الأمواج الضوئية. ثم في عام 1916، طرح الفيزيائي «كارل شوارزشايلد-Karl Schwarzschild» حلولًا لبعض معادلات أينشتاين. واستنتج وجود حد يدعى «نصف قطر شوارزشايلد-Schwarzschild radius». وهو قيمة تعين محيط محدد للأجسام الفلكية، لا يمكن لأي شيء اجتيازه وبما فيه الضوء. ويشبه ذلك فكرة ميشيل إلى حد ما. لكن محيط شوارزشايلد الحدي هذا كان حاجزًا غير قابل للاجتياز. [3]

ثم في عام 1933 وضح «جورج لوميتر-George Lemaître» أن ما عده شوارزشايلد غير قابل للاجتياز هو مجرد وهم تختبره الأجسام البعيدة. وشرح ذلك مفترضًا وجود شخصين: أليس وبوب، حيث يقف بوب بعيدًا بينما تقفز أليس داخل الثقب الأسود. عندها يرى بوب أليس تتحرك أبطأ فأبطأ، إلى أن تتوقف قبل الوصول إلى نصف قطر شوارزشايلد. أما في الواقع، أليس تجتاز الحاجز، ولكن بوب وأليس يختبران الحدث بشكل مخالف كليًا. [4]

ولأن العلماء لم يعرفوا في ذلك الوقت أي جسم فلكي بكتلة كافية ليكون ثقبًا أسودًا، لم تؤخذ الأفكار السابقة محمل الجد. ولم تنل حقها من البحث حتى الحرب العالمية الثانية.

الحرب العالمية الثانية

في الأول من سبتمبر عام 1939، اجتاحت القوات النازية الألمانية بولندا، مشعلةً حربًا غيرت مجرى التاريخ إلى الأبد. وفي نفس اليوم، طرح الأمريكيان «ج. روبرت أوبنهايمر-J Robert Oppenheimer» و«هارتلاند سنايدر-Hartland Snyder» أول ورقة بحثية تناولت موضوع الثقوب السوداء في التاريخ. وتوقعا فيها استمرار انهيار بعض النجوم الثقيلة تحت تأثير جاذبيتها، مشكلةً جسمًا جاذبيته هائلة بحيث لا يستطيع الضوء الهرب منه. وقد قدموا بذلك النموذج الأول لتعريفنا الحديث للثقوب السوداء. ولكن فكرة الثقوب السوداء بقيت غريبة في الوسط العلمي، ولم تلق قبولًا حتى طورت بما يكفي في العقدين التاليين. [5]

ما بعد الحرب العالمية الثانية

في فترة الحرب العالمية الثانية، أيقن السياسيون أهمية العلم في إمداد الجيوش بالأسلحة المطورة. وقدمت الحكومات دعمًا كبيرًا لبحوث الفيزياء وخاصةً النووية، مهملةً علم الكونيات والفيزياء الفلكية وبما فيهم بحث أوبنهايمر. إلا أن علم الفيزياء -ككل- تطور بشكل كبير كنتيجة للحرب.

استئنفت دراسة الكون بعد الحرب، وأعيد الاعتبار لنظرية النسبية العامة، لاسيما أن الحرب زادت تقدير الحكومات للعلم والبحث العلمي. الأمر الذي كان أساسيًا لفهم فكرة الثقوب السوداء وقبولها في الوسط العلمي. [6]

الستينيات والدليل الحاسم

شكك بعض العلماء في وجود نجوم كتلتها تكفي لتتحول إلى ثقب أسود بعد انهيارها. فبما أننا لا نستطيع رصد الثقوب السوداء، لما لا نتحقق من وجود هكذا نجوم؟

ولحسن الحظ، تطورت تقنيات رصد الأشعة السينية بشكل كبير في ستينيات القرن الماضي. لا سيما بعد إطلاق عدة أقمار صناعية وتلسكوبات؛ فالأرض تحجب أي أشعة سينية تأتي من الخارج. [7]

وفي عام 1964، رصد العلماء واحدًا من ألمع مصادر الأشعة السينية في السماء في كوكبة الدجاجة، وسمي «الدجاجة X-1Cygnus – X-1». تميزت الأشعة المرصودة بتغيرها السريع في أقل من ثانية، مما اقترح أن مصدر الأشعة أصغر حجمًا من النجم العادية. وبعد ست سنوات، اكتشف العلماء وجود نجم مرافق للدجاجة x-1، مما مكن الفلكيين من تقدير كتلتها اعتمادًا على «تأثير دوبلر-Doppler effect» على النجم المرافق. وبلغت الكتلة المقدرة نحو 15 ضعف كتلة الشمس، متجاوزةً بذلك كتل الأقزام البيضاء والنجوم النيوترونية. أما كل هذه الخصائص المكتشفة -التغير الزمني السريع، وسطوع الأشعة السينية الكبير، والكتلة الكبيرة- فقد جعلوا من الدجاجة x-1 أول ثقب أسود محتمل يكشتفه البشر. [8]

إلى اليمين: صورة تخيلية للدجاجة x-1، إلى اليسار: صورة لموقع الدجاجة x-1
حقوق الصورة: NASA

القرن الحادي والعشرون

تطور مفهومنا عن الثقوب السوداء في السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد تحديد خصائص جديدة وأنواع مختلفة من الثقوب السوداء. وفي عام 2018، التقط مرصد «لايغو-LIGO» أمواج ثقالية ناتجة عن اصطدام ثقبين أسودين ببعضهما، منتجين أمواجًا مضطربة في نسيج المكان-الزمان. [9]

ولعل أبرز ما في تاريخ الثقوب السوداء أن أهم ما حققه البشر في سبيل فهمها فعلوه في أكثر فترة مظلمة في تاريخهم: فترة الحرب العالمية الثانية.

المصادر

[1] The Astrophysics Data System
[2] Las Cumbres Observatory
[3] Scientific American
[4] Springer Nature
[5] PHYSICAL REVIEW JOURNALS
[6] royal society publishing
[7] Chandra X-ray Observatory
[8] the Institute of Physics
[9] The conversation

ما أنواع الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 6 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

على الرغم من ظلامها وغموضها وصعوبة رصدها، تمكن العلماء من كشف عدة أسرار حول «الثقوب السوداء-Black holes». فصنفوها بحسب كتلتها إلى ثلاثة أنواع رئيسة، هي: الثقوب السوداء النجمية، ومتوسطة الكتلة، وفائقة الكتلة. فما الفرق بين أنواع الثقوب السوداء هذه؟ كيف يتشكل كل منها؟ وما خواصها؟

صورة توضح تسلسل كتل الأجسام الفلكية بالنسبة إلى كتلة الشمس

الثقوب السوداء النجمية

تشكلها

كما يشير اسمها، تعدُّ «الثقوب السوداء النجمية-Stellar black holes» مرحلةً متأخرةً من حياة النجوم. وتتشكل عندما ينفذ وقود النجم، ولا يعود قادرًا على القيام بعملية الاندماج النووي، فينهار على نفسه بفعل جاذبيته الكبيرة.  ففي حين تشكّل النواة الناجية من هذا الانهيار نجمًا نيوترونيًا أو قزمًا أبيض إذا كانت كتلته لا تزيد عن 3 أضعاف كتلة الشمس، تنهار النجوم الأثقل على نفسها دون توقف، مشكلةً ثقبًا أسود. [1]

خواصها

تتوزع هكذا ثقوب في أنحاء الكون، وعادةً ما تتراوح كتلتها بين 10 و 24 ضعف كتلة الشمس. ولأنها تتشكل من انهيار نجوم منفردة، تكون الثقوب السوداء النجمية صغيرةً مقارنة بقريناتها. لكنها تكون كثيفة جدًا؛ فأحدها يحوي أكثر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس في حيز لا يتجاوز قطر مدينة. ونتيجةً لذلك، تمتاز الثقوب السوداء النجمية بجاذبية قوية تجذب الأجسام المحيطة وتجعلها تدور حولها، وتبتلع ما يقربها من غاز وغبار.

وتكون الثقوب السوداء النجمية صعبة الرصد. وغالبًا ما يرصدها الفلكيون عندما يقترب منها نجم بما يكفي ليبتلع الثقب الأسود بعضًا من مادة النجم. حيث تصدر المادة أثناء ذلك أشعةً سينية قابلة للرصد.

أما عددها فيقدر بنحو 10 مليون إلى 10 مليار ثقب في مجرة درب التبانة وحدها. وقد قدر ذلك اعتمادًا على عدد النجوم الثقيلة بما يكفي لتتحول إلى ثقوب سوداء نجمية. [2]

الثقوب السوداء متوسطة الكتلة

لطالما اعتقد العلماء أن الثقوب السوداء تكون إما كبيرة جدًا أو صغيرة. في حين تظهر الدراسات الحديثة إمكانية وجود ثقوب سوداء ذات حجم متوسط. وتسمى «الثقوب السوداء متوسطة الكتلة-Intermediate-mass black holes»، واختصارًا: IMBHs.

[3]

تشكلها

يعتقد العلماء أن الثقوب السوداء متوسطة الكتلة تتشكل في قلب «العناقيد النجمية-Stellar clusters». فنتيجةً لازدحامها، تتصادم عدة نجوم بشكل متسلسل وتلتحم لتشكل نجومًا هائلة الكتلة، والتي بدورها تنهار على نفسها مشكلةً ثقبًا أسود متوسط. كما يُعتقد أن هذه العناقيد تشق طريقها إلى مركز المجرة، حيث تتجمع الثقوب السوداء المتوسطة وتندمج مشكلةً ثقبًا أسود فائق الكتلة. [2]

خواصها

بما أن اكتشافها لا يزال حديثًا نسبيًا؛ لا تزال الدراسات جارية لكشف خواص هذه الثقوب. فيما اقترحت إحداها أن الIMBHs توجد في مراكز المجرات القزمة (أي الصغيرة جدًا). حيث وجد باحثون 10 مجرات قزمة تطلق أشعة سينية من مركزها، وتشير شدتها إلى وجود ثقوب سوداء تتراوح كتلتها بين 36,000 و 316,000 أضعاف كتلة الشمس. [3]

الثقوب السوداء فائقة الكتلة

في حين تنتشر الثقوب السوداء النجمية في الكون، تسيطر قريناتها فائقة الكتلة عليه.

تشكلها

يقترح العلماء أربعة طرق ممكنة لتشكل «الثقوب السوداء فائقة الكتلة- Supermassive black holes»:

أولًا: يمكن أن تتشكل نتيجة اندماج عدة ثقوب سوداء صغيرة معًا.
ثانيًا: قد تتشكل من انهيار سحابات ضخمة من الغاز على نفسها والتحامها بسرعة.
ثالثًا: يمكن أن تتشكل نتيجة انهيار عنقود نجمي -أي مجموعة من النجوم- على نفسه.
رابعًا: قد تنشأ من عناقيد كبيرة من «المادة المظلمة-Dark matter». والأخير هو الخيار الأكثر غموضًا، لا سيما أننا لا نعلم حتى الآن طبيعة المادة المظلمة. [4]

خواصها

تتراوح كتلة هكذا ثقوب سوداء بين ملايين و بضعة مليارات كتل شمسية. ويعتقد أنها توجد في مركز كل مجرة، كما في مجرتنا درب التبانة. وغالبًا ما يرصدها العلماء بمشاهدة تأثيرها الجذبوي الهائل على النجوم المحيطة بها. [2]

وكما أننا ما توقعنا يومًا وجود ثقوب سوداء متوسطة، قد تفاجئنا هذه العماليق الداكنة مجددًا، وتحبطنا في كل مرة نعتقد أننا قاربنا كشف أصغر غموضها.

المصادر

[1] NASA_1
[2] NASA_2
[3] NASA_3
[4] Space

ما هو أفق الحدث؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

تتعرف الثقوب السوداء -أحد أكثر مواضيع الفيزياء الفلكية غموضًا- بمفهومين الأساسيين: «المتفردة-Singularity» و«أفق الحدث-Event horizon». وفي حين تنهار قوانين الفيزياء التي نعرفها عند المتفردة، يجعل الثاني الثقب الأسود أسودًا، ويحمي المتفردة من فضولنا العلمي. فما هو أفق الحدث؟ ماذا يحدث قربه؟ وبما يتعلق حجمه؟

مفهوم أفق الحدث

يرتبط مفهوم أفق الحدث ب«سرعة إفلات-Escape velocity» الأجسام، وهي السرعة اللازمة ليفلت جسم ما من جاذبية جسم آخر. وفي حالة الثقب الأسود، كلما اقترب جسم ما منه، تأثر بجاذبيته أكثر، فاحتاج لقيمة أكبر من السرعة ليهرب منه. ومع اعتبار هذا التزايد التدريجي، يكون أفق الحدث حدًا من الثقب الأسود تبلغ عنده سرعة الإفلات مقدارًا أكبر من سرعة الضوء. وبما أنه يستحيل لأي شيء في الكون -بحسب النسبية الخاصة لأينشتاين- أن يتحرك أسرع من الضوء، نعتبره نقطة اللاعودة من الثقب الأسود. ويشير الاسم هذا بشكل أو بآخر إلى استحالة رؤية أي شيء يحدث خلفه. ذلك لأن الضوء الذي يدخله لا يغادره أبدًا، وكذلك أي شيء آخر. [1]

ماذا يحدث عند الاقتراب منه؟

بسبب «تأثير دوبلر-Doppler effect»، يبدو الجسم المقترب من أفق الحدث مائلًا للأحمر. كما يبدو باهتًا، لأن جاذبية الثقب الأسود تشتت الضوء المنعكس عن الجسم المرصود. أما عندما يبلغ أفق حدثه، فتختفي صورته نهائيًا ويغدو لا مرئيًا لأن الضوء لا يعود قادرًا على الهرب من جاذبية الثقب. [2]

ماذا يوجد خلف أفق الحدث؟

خلفه، وفي مركز الثقب الأسود، تقبع المتفردة. تلك النقطة التي انهار فيها الثقب الأسود، وبلغت كثافتها قيمةً لا منتهية. كما أن نسيج الزمان-المكان ينحني حول المتفردة بزاويةٍ قدرها لا نهاية، متأثرًا بجاذبيتها وجاعلًا قوانين الفيزياء التي نعرفها تنهار. وفي هذه الحالة، يحمي أفق الحدث المتفردة، ويفصلنا -أبدًا- عنها وعن قوانينها الفيزيائية. [3]

حجمه

يعتمد حجم أفق حدث ثقب أسود ما على كتلة هذا الثقب. مثلًا، إذا جُعلت الأرض ثقبًا أسودًا -بطريقةٍ ما- فإن قطر أفق حدثه لن يتجاوز ال 17.4 ميليمترًا. أما إذا حُولت الشمس إلى ثقب أسود، فسيبلغ قطره حوالي الستة كيلومترات، أي ما يعادل مساحة قرية أو بلدة صغيرة. [1]

بينما تكون الثقوب السوداء فائقة الكتلة أكبر بكثير. مثلًا، الثقب الأسود «Sagittarius A» الواقع في مركز مجرة درب التبانة كتلته أكبر من كتلة الشمس ب 4.3 مليون مرة، وقطره يبلغ 12.7 مليون كيلومترًا. [4]

الثقوب السوداء الدوارة

سابقًا، اعتقد العلماء أن جميع الثقوب السوداء لا تدور حول نفسها، واعتبروا متفرداتها نقاطًا منفردة. أما الآن فيميز العلماء نوعين من الثقوب السوداء: دوارة: «ثقوب كير السوداء-Kerr black holes»، وغير دوارة: «ثقوب شوارزشايلد السوداء-Schwarzchild black holes».

تدور ثقوب كير السوداء حول نفسها لأن النجوم التي تشكلت منها كان تدور في الأساس، ولأن المادة التي تبتلعها دارت حولها حلزونيًا قبل أن تسقط فيه. ويقترح بعض الباحثين أن متفردات هكذا ثقوب هي حلقات رفيعة بشكل لانهائي. ويكون أفق حدثها متطاول الشكل كالأرض، أي مضغوط عند الأقطاب، ومنتفخ عند خط الاستواء. [5]

أفق حدث ثقب أسود دوار

على عكس ثقوب شوارزشايلد، يمكن فصل أفق حدث ثقب كير الأسود إلى أفقين خارجي وداخلي. يتصرف الأفق الخارجي كنقطة اللاعودة للثقب الأسود، أي كأفق كلي لثقب أسود غير دوار. أما الأفق الداخلي فيعرف باسم «أفق كوشي-Cauchy horizon». حيث يتصف أفق كوشي بالغرابة الشديدة، فخلفه، لا يسبق السبب نتيجته دائمًا، بل ويمكن ألا يؤثر الماضي في المستقبل، فيكون السفر عبر الزمن ممكنًا. [5]

وفي جميع الأحوال، لا يمكننا أن ننكر -وبأي شكل- أن ما يخفيه هذا الأفق يتجاوز حدود مخيلتنا، وعلومنا أيضًا.

المصادر

[1] Space
[2] Science Alert
[3] NASA
[4] NASA_2
[5] Science Direct

ما هي متفردة الثقب الأسود؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

ما هي متفردة الثقب الأسود؟

لكي نفهم مفهوم «المتفردة-singularity»، لا بد من تخيل مقدار هائل من الجاذبية، يضغطك إلى نقطة لا متناهية الصغر، بحيث لا يجعلك تشغل -حرفيًا- أيّ حجم يذكر. قد يبدو لك الأمر مستحيلًا، وهو بالفعل كذلك! ومتفردات كهذه، والتي يعتقد أنها موجودة داخل الثقوب السوداء وفي بداية الانفجار العظيم، لا تمثل شيئًا فيزيائيًا. بل يظهر مفهومها في الرياضيات ليخبرنا أن نظرياتنا الفيزيائية تنهار، وأننا نحتاج لتبديلها بنظريات أفضل.

تحديدًا، ما هي المتفردة؟

يمكن أن تحدث المتفردات في أي مكان، وهي شائعة بشكل كبير في الرياضيات التي يستخدمها الفيزيائيون ليعبروا عن نظرياتهم. وبشكل مبسط، يمكن القول أن المتفردات هي نقاط تسلك الرياضيات فيها سلوكًا “شاذًا”، غالبًا بإنتاجها أرقامًا كبيرةً لا منتهية، أو بأن يصبح التابع غير معرف في نقطة ما أو غير قابل للاشتقاق عندها. وكمثال على المتفردات في الرياضيات نأخذ العملية 1/X. فعمليًا، كلما أخذت معادلة ما القيمة السابقة، وسعت قيمة X إلى الصفر، تسعى قيمة المعادلة إلى اللانهاية. فنقول أن التابع السابق غير معرف عند الصفر، أي يملك متفردة عند الصفر. ويمكن حل غالبية هذه المتفردات بالإشارة إلى أنها تنقص عاملًا مفقودًا يجب إضافته إلى معادلتها. أو إلى استحالة الوصول إلى قيمتها الفعلية، وكأن نقول أن المتفردات غير “حقيقية”. [1]

الخط البياني للتابع 1/X

متفردة الجاذبية

ولكن بعض المتفردات في الفيزياء لا تحل بهذه البساطة. ومن أشهرها «متفردات الجاذبية-gravitational singularities»، أي القيم اللامنتهية التي تظهر في نظرية النسبية العامة لأينشتاين، أفضل نظرية حالية لوصف الجاذبية. في النسبية العامة، يوجد نوعان رئيسيان من المتفردات، هما «متفردة الإحداثيات-coordinate singularity»، و«المتفردة الحقيقية-Real singularity». تحدث متفردات الإحداثيات عندما تظهر لا نهاية في جملة إحداثيات معينة، وتختفي عند اختيار جملة أخرى، فتكون ظاهرية فقط.

*جملة الإحداثيات: في هذه الحالة تبين الاحداثيات المستخدمة للتعبير عن الزمان والمكان. [2]

مثلًا، طبق الفيزيائي «كارل شوارزشايلد-Karl Schwarzschild» قوانين النسبية العامة على نظام بسيط لكتلة كروية، مثل النجوم. فوجد أن حلول المعادلات تضمنت متفردتين: إحداهما في مركز الكرة، والأخرى على بعد معين من مركزها. وتعرف المسافة الثانية اليوم ب «نصف قطر شوارزشايلد-Schwarzschild radius» وتتعلق بكتلة الجسم. لعدة سنوات اعتقد الفيزيائيون أن كلا المتفردتين تمثل انهيارًا لقوانين الفيزياء، ولكنهم لم يبالوا للثانية طالما كان نصف قطر الكتلة الكروية أكبر من نصف قطر شوارزشايلد.

ولكن ما الذي يحدث لو تقلص جسم ما لأقل من نصف قطر شوارزشايلد الخاص به؟ عندها ستقع المتفردة الثانية خارج الجسم، ويعني أن النسبية العامة ستنهار في مكان لا يجب أن تنهار فيه. ولم تطل المعضلة حتى اكتشف العلماء أن متفردة نصف قطر شوارزشايلد هي متفردة إحداثيات لا أكثر. ومجرد تغيير في نظام الإحداثيات المستخدم يزيل المتفردة، ويحمي النسبية العامة من الانهيار. [3]

أين تحدث متفردات الجاذبية؟

بقيت المتفردة المتمركزة داخل مركز الجسم بينما أزيلت قرينتها. لأنك إن ضغطت جسمًا ما لأقل من نصف قطر شوارزشايلد الخاص به، تصبح جاذبيته شديدةً لدرجة أنه ينهار على نفسه باستمرار إلى نقطة لا متناهية الصغر. ولعقود من الزمن، تناقش الفيزيائيون حول إمكانية حدوث انهيار في اللانهاية كهذا، أو وجود قوة تمنع هكذا انهيار. ففي حين تحافظ «الأقزام البيضاء-white dwarfs» و«النجوم النيوترونية-neutron stars» على نفسها من الانهيار، أي جسم كتلته أكبر من 6 أضعاف كتلة الشمس سيملك مقدارًا هائلًا من الجاذبية. وتتغلب جاذبيته على كل قوى الطبيعة فينهار في نقطة لا منتهية، تشكل متفردةً حقيقة. [4]

ما هي المتفردة المجردة؟

إن التعريف السابق ذكره هو التعريف الفعلي لماهية «الثقب الأسود-black hole». فهو نقطة كثافتها لا متناهية، تحاط بأفق حدث يقع عند نصف قطر شوارزشايلد. حيث “يحمي” أفق الحدث المتفردة داخل الثقب، مانعًا المراقبين الخارجيين من رؤيتها إلا إذا عبروا أفق الحدث. اعتقد الفيزيائيون سابقًا أنه في النسبية العامة، تحاط جميع المتفردات بآفاق حدث. وعرف المفهوم السابق باسم «فرضية الرقابة الكونية-the Cosmic Censorship Hypothesis». وسموها كذلك لأنهم اعتقدوا بوجود عملية ما في الكون “تكون رقيبة” على المتفردات وتمنعها من أن تكون مرئية. ثم أظهرت المحاكاة الحاسوبية إمكانية وجود «متفردات مجردة-naked singularities». حيث تكون المتفردة المجردة عبارةً عن متفردة بدون أفق حدث، مما يجعلها قابلة للرصد من العالم الخارجي. ولكن يبقى وجود هكذا متفردات موضع جدل العلماء حتى اليوم. [5]

ما الذي يوجد في مركز الثقب الأسود؟   

ولأنها تعتبر متفردات رياضية، لا أحد يعلم حقًا ماذا يوجد في مركز الثقوب السوداء. ولكي نعلم ذلك، نحتاج إلى نظرية أخرى غير نظرية النسبية العامة، لأنها تنهار في المتفردة. وتحديدًا، نحتاج إلى نظرية كم للجاذبية، أي نظرية تصف سلوك الجاذبية القوية على مقاييس صغيرة جدًا. توجد بعض الفرضيات التي تعدل أو تستبدل نظرية النسبية العامة كليًا محاولةً وصف متفردة الثقب الأسود. ومنها فرضية «نجوم بلانك-Planck stars»، وهي حالة افتراضية لمادة شديدة الانضغاط. و«نجوم الطاقة المظلمة-dark energy stars»، وهي حالة افتراضية لطاقة الفراغ، تبدو وتتصرف كثقب أسود. وحتى يومنا هذا، تبقى  هذه الأفكار مجرد افتراضات لن تجيب عنها إلا نظرية كم الجاذبية المنتظرة. [6]

ما هي متفردة الانفجار العظيم؟

تعتبر «نظرية الانفجار العظيم-The Big Bang theory» والتي تفترض صحة النسبية العامة، النموذج الكوني الحديث لتاريخ كوننا. كما تتضمن متفردة تقع في الماضي البعيد، منذ حوالي 13.77 مليار سنة. فبحسب هذه النظرية، كان الكون بأكمله منضغطًا في نقطة لا متناهية الصغر تشكل ما يعرف بمتفردة الانفجار العظيم. [7]

ويعلم الفيزيائيون اليوم أن الاستنتاج السابق خاطئ. فرغم نجاحها الكبير في وصف تاريخ كوننا، إلا أنه وكما في الثقوب السوداء، يخبرنا وجود متفردة في الانفجار العظيم -مرة أخرى- أن نظرية النسبية العامة غير مكتملة، وتحتاج للتحديث.

المصادر

The Basque Center of Applied Mathematics [1]
The Stanford Encyclopedia of Philosophy [2]
[3] the University of California
Universe Today [4]
ScientificAmerican [5]
Physics of the Universe[6]
The Astrophysics Data System[7]

كيف تتشكل الثقوب السوداء؟

هذه المقالة هي الجزء 3 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

تعرف «الثقوب السوداء-Black holes» بأنها مناطق من نسيج الزمان-المكان تكون جاذبيتها عالية لدرجة حتى الضوء لا يستطيع الفرار منها. ولعل أكثر خواصها أهمية وإثارةً للانتباه –وهو الجاذبية الهائلة- يعود إلى الطريقة العنيفة التي تشكلت بها. ولاسيما أن أعظم العلم يختبئ في البدايات، فكيف تتشكل الثقوب السوداء؟

لا تتشكل الثقوب السوداء من تلقاء ذاتها، بل يمكن اعتبارها مرحلةً متأخرةً أو مصيرًا محتملًا للنجوم فائقة الكتلة. فهي ببساطة ما تؤول إليه بعض النجوم بعد موتها.

كيف تموت النجوم؟

يتحدد مصير النجوم منذ ولادتها. حيث تنشأ النجوم عند دوران سحابة عملاقة من الغاز حول نفسها، فينضغط الغاز وتزداد سرعة دورانه تباعًا. يؤمن الضغط والحرارة هذان البيئة لحدوث تفاعلات الاندماج النووي التي تحدث على ثلاث مراحل. وتتحول فيها نواتا ذرتي هيدروجين (البروتون حيث لا تحتوي نواته على نيوترون) إلى ذرة «ديتريوم-Deuterium»، لتندمج الأخيرة مع بروتون آخر معطيةً ذرة هيليوم-3. وأخيرًا تندمج ذرة الهيليوم-3 مع بروتون وتعطي ذرة هيليوم-4 مكونة من بروتونين اثنين ونيوترونين. وتكون كتلة نواة الهيليوم الناتجة أصغر بقليل من مجموع كتل الجسيمات التي تكونها. أما فرق الكتلة هذا فيتحول إلى طاقة تنطلق بشكل أشعة كهرومغناطيسية تنبعث خارج النجم. [1]

التوازن الهيدروستاتيكي

يصحب إطلاق الأشعة الكهرومغناطيسية الناتجة عن التفاعلات النووية ضغط متجه نحو الخارج، في حين تؤثر الجاذبية في كل نقطة من الشمس محاولة ضغطها نحو الداخل. وأما التوازن بين هاتين القوتين المتعاكستين فيسمى «التوازن الهيدروستاتيكي-Hydrostatic equilibrium» وهو حالة ترافق النجوم طيلة حياتها، ويؤدي غيابه إلى انهيارها على نفسها بفعل الجاذبية. [2]

والآن لنتخيل أن وقود النجم من الهيدروجين (أو أي عنصر آخر كانت تجري عليه التفاعلات سابقًا) نفذ، وكانت درجة حرارته لا تكفي لحدوث تفاعلات الاندماج النووي على  ذرات أثقل منه. في هذه الحالة ينعدم التوازن الهيدروستاتيكي بسبب انعدام الضغط المتجه خارج النجم. في حين لا تتأثر قوة الجاذبية، بل تصبح مسيطرةً على حالة النجم، وهنا يموت النجم منكمشًا على نفسه. [3]

مصير النجوم وحد تشاندراسيخار

يعتمد مصير النجم بعد موته على الحالة التي سيتوقف عندها عن الانهيار. وبما أن انهيار النجم يحدث بفعل الجاذبية، والتي تتحدد شدتها بحسب كتلة النجم، فإن مصير النجم بأكمله متوقف على كتلته. وهنا يأتي مفهوم «حد تشاندراسيخار-Chandrasekhar limit» ليتوقع لنا مصير النجم بناءً على كتلته، حيث يساوي هذا الحد حوالي 1.4 كتلة شمسية. ويضعنا ذلك أمام احتمالين، إما أن تكون كتلة النجم أقل من هذا الحد أو أكبر منه. [4]

1.أقل من حد تشاندراسيخار

في أثناء انهيار النجم، تعمل الجاذبية على ضغط مادته بشدة لتجعل الذرات متراصةً فوق بعضها. وهنا يأتي دور «مبدأ باولي للاستبعاد-Pauli principle of exclusion» أحد أهم مبادئ ميكانيكا الكم. فيمنع هذا المبدأ الجسيمات مثل الالكترونات من التواجد في الحالة الكمية نفسها. [5]

تتعرف الحالة الكمية للإلكترونات بأربعة عناصر هي مستواه الطاقي الرئيسي في الذرة (العدد الكمي الرئيسي n)، ومستواه الطاقي الثانوي (العدد الكمي المداري l)، وتوجه مداره في الفراغ (عدده الكمي المغناطيسي m)، وحركته المغزلية وجهتها (عدده الكمي المغزلي s). [6]

وفي حين تعمل الجاذبية بضغطها جميع الذرات إلى نفس النقطة على جعل جميع الكترونات النجم في نفس الحالة الكمية مخالفةً مبدأ باولي، تقاومها قوة تعرف باسم «قوة تنكس الالكترونات-Electron degeneracy pressure». وتوقف هذه القوة انهيار النجم فيتشكل ما يسمى «القزم الأبيض-White dwarf».
[7]

تكون هذه القوة كافية لردع قوة الجاذبية في حال كانت كتلة النجم أقل أو مساوية لحد تشاندراسيخار. ولكن في حال كان أكبر من ذلك، تفشل قوة تنكس الالكترونات ويستمر الانهيار. [4]

2. أكبر من حد تشاندراسيخار

في هذه الحالة، يستمر النجم بالانهيار على نفسه، مجبرًا الالكترونات والبروتونات على الانصهار والتحول إلى نيوترونات، فتصبح مادته ذات كثافة فائقة. وهنا يأتي دور مبدأ باولي بالاستبعاد مرة أخرى. ولكن بدلًا من تطبيقه على الالكترونات نطبقه على النيوترونات، حيث ينشأ ما يعرفه الفلكيون باسم «قوة تنكس النيوترونات- Neutrons degeneracy pressure». وكسابقتها، توقف هذه القوة النجم عن الانهيار، ويصبح اسمه نجمًا نيوترونيًا.

وكما في الحالة السابقة، تكون هذه القوة غير كافية لردع قوة الجاذبية في حالة كانت كتلة النجم أكبر ن 3 أضعاف كتلة الشمس. [8]

تشكل الثقوب السوداء

في حالة كانت كتلة النجم أكبر من 3 أضعاف كتلة الشمس، فليس هناك قوة في الطبيعة، ولا أي قوة كمية، ولا ضغط تنكس كمي في الكون قادر على إيقاف الانهيار الذي سيستمر موصلًا المادة إلى حالة من أغرب ما رصده الإنسان في الكون، أو ما نعرفه باسم الثقوب السوداء. ففي حالة الثقوب السوداء، تكون كثافة المادة عالية لدرجة أنها تدفع منطقتها من نسيج الزمان -المكان إلى ما وراء هذا النسيج، مبعدةً إياه عن أنظار باقي الكون. [9]

وحتى هذه اللحظة، لا زال بالإمكان اعتبار الثقوب السوداء أحد ألغاز كوننا، ورغم أن ما نعرفه عنها ليس بقليل، لكنه بالتأكيد لا يرنو للإحاطة بغموضها وكشف ما تخفيه وراءها.

المصادر:

[1] CERN
[2] Harvard CFA
[3] The National Radio Astronomy Observatory
[4] NASA
[5] ScienceDirect
[6] ScienceDirect_2
[7] Western Michigan university
[8] NASA_2
[9] space

الثقوب السوداء: أكثر الأجرام ظلامًا في الكون

هذه المقالة هي الجزء 2 من 10 في سلسلة رحلة إلى أعتم أجسام الكون، "الثقوب السوداء"

تعرف «الثقوب السوداء-Black Holes» بأنها أجرام فلكية جاذبيتها هائلة جدًا، بحيث لا يمكن لأي شيء في الكون أن يفلت منها، ولا حتى الضوء. يسمى “سطحها” «أفق الحدث-Event Horizon»، ويمثل الحد الذي تتجاوز «سرعة الإفلات-Escape Velocity» فيه سرعة الضوء، أي على الجسم أن يتحرك أسرع من الضوء –وذلك مستحيل- كي يستطيع الإفلات من جاذبيتها. فأي مادةٍ أو إشعاع يصل ذلك الحد؛ يسقط فيها بلا عودة. [1]

من اكتشف الثقوب السوداء؟  

كانت سنة 1916 عام سعد الفيزيائي «كارل شوارزشايلد-Karl Schwarzschild». حيث اكتشف الثقوب السوداء صدفةً بينما كان يعمل على مسألة تتعلق بنظرية النسبية العامة لأينشتاين. فقد حاول شوارزشايلد دراسة قوة الجاذبية لجسم كروي منفرد ومتناسق، مثل الشمس في ضوء النسبية. لكن دراسته هذه انتهت إلى نتيجة غير مألوفة: لقد اختلفت الأمور كليًا عند نصف قطر معين، يسمى اليوم «نصف قطر شوارزشايلد-Schwarzschild radius».  وعرفت الثقوب السوداء حينها بأنها أجسام فلكية تحقق خاصية شوارزشايلد هذه. ثم توصل الباحثون لاحقًا لما يجعل طول شوارزشايلد مميزًا جدًا: إذا ضغطت كمية معينة من المادة في حيز أصغر من ذلك الطول، فستتغلب قوة جاذبيتها على كل القوى التي نعرفها، ولن يتمكن أي شيء من الهرب منها.

في البداية رفض الفيزيائيون فكرته، وافترضوا عدم إمكانية حدوث ذلك في الطبيعة. ثم في ثلاثينيات القرن الماضي؛ تبين أن الطبيعة تسمح للثقوب السوداء وقطرها الغريب بالوجود. فقد وضح الفيزيائي الهندي «صابرحمنيان تشاندراسيخار-Subrahmanyan Chandrasekhar» أنه إذا تجاوزت كثافة المادة حدًا معينًا، فلن تغلب قوة في الكون جاذبية هذه المادة، مما يتوافق كليًا مع فكرة شوارزشايلد. [2]

ما الذي يحدث داخل الثقب الأسود؟

ليست الثقوب السوداء بفضاء فارغ أبدًا، بل تحوي أطنانًا من المادة التي سحقت عند دخوله. حيث ينتهي المطاف بأي مادة تدخله إلى نقطة صغيرة لا متناهية في مركزه تدعى «المتفردة-Singularity». ومهما أبدى الجسم الساقط من مقاومة، ومهما يكن اتجاه سقوطه، فسينتهي في المتفردة خلال مدة وجيزة؛ بسبب قوة جذبها الهائلة.

لا يعلم الفيزيائيون طبيعتها على وجه التحديد، فعندها تنهار كل قوانين الفيزياء.  [3]

كيف يتأكد العلماء من وجود الثقوب السوداء؟

يعلم الفيزيائيون أن الثقوب السوداء موجودة، رغم عدم قدرتهم على رصدها مباشرةً أو رؤيتها، فمعظم أدلتهم غير مباشرة. مثلًا؛  رصد فريق من الباحثين أمواج سينية قوية تأتي من نظام «سيغنس إكس-1- Cygnus X-1» الذي يبعد عنا 6000 سنة ضوئية. ثم وجدوا أن النظام مكون من جسم كثيف معتم –ثقب أسود- يسحب الغلاف الجوي لجسم آخر قربه. لم ير الباحثون الثقب الأسود ذاته، ولكنه فيما يحاول ابتلاع الغلاف الجوي، ارتفعت حرارة الغاز فأطلق أمواج سينية قابلة للرصد وعلمنا أن الثقب موجود. [4]

صورة توضح ابتلاع الثقب الأسود سيغنس إكس-أ لمجاوره
حقوق الصورة: ESO

ما هي أحجام الثقوب السوداء؟

يمكن أن تكون الثقوب السوداء صغيرة أو كبيرة، ولكن أصغرها (بحجم الذرة) له كتلة هائلة (كتلة جبل). أما الثقب الأسود في سيغنس إكس-1 فهو أقرب ثقب أسود إلينا، وكتلته تعادل 20 ضعف كتلة الشمس، وهي كتلة متوسطة نوعًا ما مقارنة بباقي الثقوب السوداء في الكون. فيما قدر العلماء وجود 10 مليون ثقب أسود على الأقل في مجرتنا. وكغيرها من المجرات في الكون؛ يحتل ثقب أسود عملاق مركزها، ويسمى «القوس-أ-Sagittarius-A». تكون الثقوب السوداء العملاق أثقل بملايين المرات من الشمس، ومئات المليارات أحيانًا. وتصل هذه الثقوب لأحجام هائلة؛ نتيجة ابتلاعها كل ما يحيط بها من مادة، واندماجها مع ثقوب سوداء أصغر منها. [5]

ماذا يحدث لو سقطت داخل ثقب أسود؟

من حسن الحظ أن أقرب ثقب أسود يبعد عنا آلاف السنين الضوئية. فتأثيرهم على الاجسام البعيدة لا يخالف تأثير أي جسم ثقيل آخر في الكون. أما إذا بدلت الشمس بثقب أسود له نفس كتلتها، لن يتغير مدار الأرض أبدًا، لأن قوة الجاذبية بقيت نفسها. لكنك إن اقتربت من ثقب أسود عادي، فستكون قوة جاذبيته قوية لدرجة تجعل جسمك يمتط ويتحول إلى خيط رفيع من الجسيمات قبل أن تصل إلى أفق الحدث حتى، في حدث يسمى «تأثير السباجيتي-spaghettification».
[1]
وفي كل الأحوال؛ من المستبعد أن تصل إلى ثقب أسود، فلما القلق؟

المصادر

[1] NASA
[2] ScienceFocus
[3] NASA_2
[4] NASA_3
[5] California Institute of Technology

لغز الطاقة المظلمة: ما تفسيراته المحتملة؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تعتبر «الطاقة المظلمة-Dark Energy» إحدى الظواهر غير المفسرة في الكون. فهي المسؤولة عن زيادة سرعة توسعه، ومنعه من الانكماش على نفسه. ورغم أنها تشكل حوالي ثلاثة أرباع الكون، إلا أننا حتى الآن لا نعرف طبيعتها والسر وراءها. وقد تعتقد أن لهذه الطاقة علاقة ب«المادة المظلمة-Dark Matter». ولكن في الحقيقة، لا يربط بين اللغزين سوى كلمة “مظلمة”، إشارةً لأننا لا نعلم عن كليهما شيئًا. فما الذي دفعنا للاعتقاد بوجود هكذا طاقة غامضة؟ وما تفسيراتها المحتملة؟ 

ما هي الطاقة المظلمة؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، فطبيعتها لا تزال مجهولة. ولكننا نعلم يقينًا أنها مهمة، فقد قدر العلماء أنها تشكل 68% من كوننا، واعتمدت تقديراتهم هذه على مقدار تأثيرها في توسع الكون. بينما شكلت المادة المظلمة حوالي 27% من الكون. أما ال 5% المتبقية فهي كل ذرة في الأرض وعليها، وكل جسم رصدناه وقد نرصده خارجها. وكأننا نقول أن ما ندعوها مادةً عاديةً أقل شيوعًا من أن تكون كذلك! [1]

وقد تشرح قصة اكتشاف الطاقة المظلمة ما نعرفه عنها:

اكتشاف الطاقة المظلمة

مهد اكتشاف توسع الكون الطريق أمام الطاقة المظلمة، ولا معنى لها من دونه:

توسع الكون

في عام 1929؛ اكتشف الفلكي الأمريكي «إدوين هابل-Edwin Hubble» أن الكون يتوسع. كما لاحظ أنه كلما كانت المجرة أبعد عن الأرض؛ كلما تحركت أسرع بعيدًا عنها. لكن ذلك لا يعني أن الأرض هي مركز الكون، بل أن كل شيء في الفضاء يبتعد عن كل شيء بمعدل ثابت سمي «ثابت هابل-Hubble Constant».
[2]

وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، تأكد العلماء من توسع الكون. فكان أمامهم احتمالين: إما أن الكون فيه مادة جاذبيتها كافية لجعله ينكمش على نفسه في حدث «الانكماش العظيم-The Big Crunch». أو أن مقدار المادة في الكون أقل بقليل من ذلك؛ فيستمر بالتوسع دون توقف، وحتى في هذه الحالة؛ ستبطؤ الجاذبية من سرعة توسعه. لكن لم يتمكن العلماء من رصد هذا التباطؤ، رغم تأكدهم من وجوب حدوثه نظريًا، فالكون يحوي مادة تكفي جاذبيتها لينكمش. [3]

صورة توضح حدث الانكماش العظيم

الكون يتسارع

ثم حدثت المفاجأة عام 1998. حين عمل فريقان مستقلان من الفلكيين على حساب المسافات بين النجوم عن طريق تحليل صور «مستعر أعظم-Supernova» بعيد جدًا. وعند قياسهم ضوء المستعر الأعظم؛ لاحظوا أنه أخفت مما ينبغي، مما يعني أن الضوء سافر لمسافات أبعد مما توقعوا، وأن الكون يتوسع أسرع من ذي قبل!

لم يتوقع أحد ذلك، كما لم يتمكن أحد من شرحه، ولكن الجميع كان متيقنًا من وجود سبب وراءه. ثم حاول الباحثون تفسيره بشتى الطرق. اعتمدوا في بعضها على نماذج نظرية أينشتاين للجاذبية، وعلى تدفق غامض من الطاقة في بعضها الآخر. فيما اقترح آخرون أن نظرية أينشتاين خاطئة ولا بد من الإتيان بنظرية جديدة تزيل الغموض عن التوسع.

ولا يعلم الباحثون حتى الآن ما هو التفسير الصحيح، ومهما يكن فقد أطلقوا عليه اسم الطاقة المظلمة. [4] إليك أبرز التفسيرات المحتملة للطاقة المظلمة:  

التفسيرات المحتملة

الطاقة المظلمة سمة من سمات الفضاء

يقترح بعض العلماء أن الطاقة المظلمة ليست سوى سمة من سمات الفضاء. فقد كان «ألبرت أينشتاين-Elbert Einstein» أول من لاحظ أن الفضاء الفارغ كيان بحد ذاته، وهي سمة من سمات الفضاء المميزة التي نقترب من فهمها شيئًا فشيئًا. كما وضح احتمالية تولد المزيد من الفضاء تباعًا. ثم جاء أحد نماذج نظرية أينشتاين للجاذبية، تحديدًا النموذج الذي يتضمن «الثابت الكوني-The cosmological Constant»، ليتوقع أن “الفضاء الفارغ” يملك طاقته الخاصة. حيث افترض أن هذه الطاقة هي سمة من سمات الفضاء ذاته لا تفترق عنه. وبما أنها سمة له؛ لا بد لنسبتها أن تبقى ثابتة.

والآن لنجمع توقعات أينشتاين سويةً. إذا بدأ المزيد من الفضاء بالوجود، على الطاقة هذه أن تزداد لتبقى نسبتها ثابتة في الفضاء. وكنتيجة لذلك، قد تزيد هذه الطاقة من سرعة توسع الكون أكثر فأكثر.

ولكن للأسف؛ لا أحد يرى سببًا لوجود ثابت كوني كهذا، أو لأخذه هذه القيمة بالتحديد والتي تسبب تسريع توسع الكون. [5]

تفسير الكم للطاقة المظلمة

قدمت ميكانيكا الكم شرحها الخاص للطاقة المظلمة مقترحةً مصدرًا للطاقة الغامضة هذه، واعتمدت فيه على «نظرية الكم للمادة-The quantum theory of matter». ففي هذه النظرية؛ يكون الفضاء ممتلئًا بأزواج من الجسيمات الافتراضية، التي تفني بعضها باستمرار، وتتولد نتيجة اهتزاز حقول الطاقة. قد يبدو ذلك مقنعًا، ولكن عندما حسب العلماء مقدار الطاقة التي سيمتلكها الفضاء في نموذج نظرية الكم هذا، وجدوا أنه أكبر ب 120 10 (1 متبوع ب 120 صفرًا) مرة من مقدار الطاقة الفعلي. [6]

من النادر أن يحصل العلماء على إجابة خاطئة لهذه الدرجة، لذلك يستمر الغموض.

الطاقة المظلمة كنوع جديد من الطاقات الديناميكية

فيما يقترح علماء آخرون أن الطاقة المظلمة نوع جديد من الطاقة أو حقول الطاقة الديناميكية. طاقة تملأ الكون ولكن تأثيرها على توسعه معاكس تمامًا لتأثير المادة والطاقة العاديتان. ويدعوها بعضهم «الجوهر-Quintessence»، نسبةً إلى العنصر الخامس من عناصر المادة عند الإغريق. وحتى لو كان الجوهر صحيحًا، لن يحل من الغموض شيئًا. بل على العكس، سيضع أمامنا تساؤلات جديدة عن طبيعته أو السبب وراء وجوده، وكأننا حللنا اللغز بلغز آخر. [7]

خطأ ما في نظرية أينشتاين

أما الاحتمال الأخير فيقترح أن نظرية أينشتاين للجاذبية خاطئة. ويطلب نظرية جديدة تفسر هذا التوسع المتسارع. قد يحل ذلك لغز الطاقة المظلمة، ولكنه أيضًا يؤثر على فهمنا لتأثير المادة العادية في المجرات والعناقيد المجرية. ولو افترضنا أننا بحاجة لنظرية كهذه، كيف لها أن تكون؟ وكيف سيمكنها وصف حركة الأجسام في مجموعتنا الشمسية بشكل صحيح كما فعل أينشتاين، وأن توفق ذلك مع تسارع توسع الكون في الوقت ذاته؟ لربما يوجد نظرية كهذه، ولكننا لم نتوصل لها بعد. [8]

إن السؤال حول طبيعة الطاقة المظلمة يتطلب –كما يبدو- بيانات أضخم بكثير من التي أوصلتنا لاكتشافها، وربما زمنًا أطول.

المصادر

[1] CERN
[2] Hubble Space Telescope website
[3] NASA
[4] Scientific American
[5] Harvard university
[6] DeGruyter
[7] Princeton University
[8] NASA_2

الأكوان المتعددة: لماذا يعتقد البعض بوجودها؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة رحلة بين 8 ألغاز كونية مذهلة!

تقترح فرضية «الأكوان المتعددة-Multiverse Hypothesis» أن كوننا –بما فيه من مجرات ونجوم- ليس الكون الوحيد. وتطرح احتمالية وجود أكوان أخرى مختلفة ومنفصلة تمامًا عن كوننا.  وبحسب هذه الفرضية؛ من الممكن وجود عدد لا نهائي من الأكوان، لكل منها قوانينه الفيزيائية الخاصة، ومجموعته من المجرات والنجوم (إن سمحت قوانينه بوجودها)، وحتى حضارته الذكية الخاصة التي اكتشفت -أو لم تكتشف بعد- وجود أكوان أخرى غير كونها. قد تبدو هذه الفرضية جامحة بشكل لا يصدق؛ فلماذا إذًا يعتقد بعض العلماء بها؟ [1]

الأدلة النظرية على الأكوان المتعددة

نظرية التضخم

يجد مفهوم الأكوان المتوازية مكانةً له في عدة مجالات فيزيائية وفلسفية أيضًا. لكن من المؤكد أن أبرز مثال يأتينا من «نظرية التضخم-Inflation Theory». تعنى نظرية التضخم بحال الكون بعد أقل من ثانية من تشكله. وبالتحديد؛ تصف حدثًا توسع فيه الكون جدًا في وقت ضئيل، “متضخمًا” ليصبح أضعاف حجمه السابق. ويعتقد العلماء أن حدث التضخم هذا انتهى منذ حوالي 14 مليار سنة. لكنه لم ينته في كل مكان في الوقت ذاته، فمن الممكن أنه انتهى في منطقة ما واستمر في الأخرى. [2]

وبالتالي؛ بينما انتهى التضخم في كوننا؛ من الممكن أنه استمر في مناطق بعيدة جدًا منه. بحيث ينتؤ كون مستقل من كل تضخم مستمر، وهكذا دواليك. ولفهم ذلك؛ تخيل أنك تنفخ بالونًا، وبسبب خطأ ما في تصنيعه كانت بعض المناطق منه أرقّ من غيرها. بينما توقف بالونك عن الانتفاخ بعد أن امتلأ هواءً؛ استمرت هذه المناطق الرقيقة منه بالانتفاخ، وبرزت كأنها بالون جديد ناتئ من بالونك الأساسي. والفرق هنا أن العملية لا نهائية في الأكوان المتعددة، فكل “نتوء” جديد سيحوي مناطق يستمر فيها الانتفاخ بعد ان يتوقف في غيرها، لنحصل على انتفاخات لا نهائية داخل انتفاخات أخرى.   

صورة توضح نشوء الأكوان المتعددة بالتضخم
حقوق الصورة: Express

وفي هذا السناريو من التضخم اللانهائي؛ كل كون جديد سيكون مستقلًا عن الكون الذي نشأ منه. ويكون له قوانينه الفيزيائية الخاصة، مجموعته من الجسيمات، ترتيبه من قوى الطبيعة، وقيمه وثوابته الخاصة. ربما يفسر ذلك لما لكوننا خواصه الحالية، وخاصةً تلك التي يصعب على الفيزياء النظرية شرحها، كالمادة المظلمة و«الثابت الكوني-Cosmological constant». فإذا كان هناك أكوان متعددة؛ سيكون هناك ثابت كوني مختلف لكل كون منها، وسيكون توزيع الثوابت عشوائيًا. ويكون ثابت كوننا ليس مميزًا ومحض صدفة لا أكثر. [1]

وجود حياة ذكية في الكون

يعتقد بعض العلماء أن أحد أهم الأدلة على الأكوان المتعددة هو وجودنا وتمكننا من طرح سؤال كهذا. فلطالما شعرنا وكأن كوننا معد مسبقًا ليحضن حياةً ذكية. وكأن كل القوانين والقوى مضبوطةٌ لتلائم وجودنا وتدعمه. وتبدو هذه السمات مميزة جدًا، من استقرار نواة الذرة وتوافر الكربون في الكون، إلى وجود الضوء وحياة النجوم الطويلة.  

ولكن كل ذلك يصبح “طبيعيًا” إذا ما افترضنا وجود عدد لانهائي من الكون. حيث تخبرنا الاحتمالات أنه لا بد من وجود كون من هذه الأكوان تجتمع فيه كل الشروط المناسبة لنشأة الحياة. وبالتالي هناك أيضًا عدد هائل من الأكوان التي لا تدعم الحياة، فلماذا وجدنا في هذا الكون بالتحديد؟ لأنه الوحيد الذي يسمح بذلك.

  ولا بد أن نذكر أن علماء الإحصاء اختلفوا معهم في ذلك، ولم يعتبروا وجود الأكوان المتعددة ضرورة لوجودنا.[3]

ميكانيك الكم

يعد «مبدأ التراكب-superposition» حجر الزاوية في ميكانيكا الكم. وينص أن الجسيم أو الكم يتواجد في حالتين و مكانين مختلفين في الوقت ذاته. ومثالًا على ذلك نرى الطبيعة المثنوية للضوء، فالضوء جسيم يدعى الفوتون وموجة كهرومغناطيسية في آن واحد. وأيضًا؛ يوجد الإلكترون هنا وهناك في الوقت ذاته، ولكننا عندما نرصده نجبره على اختيار مكان منهما. [4]

ويمهد هذا المبدأ لتجربة «قطة شرودينغر-Schrödinger’s cat»، وهي قطة محبوسة في صندوق مغلق، ومصيرها محكوم بأداة كمية قاتلة. وبما أن الأداة توجد في حالتين مختلفتين إلى أن نفتح الصندوق ونقوم بالرصد؛ فالقطة حية وميتة في آن واحد. [5]

وعوضًا عن افتراض أننا “نجبر” الكم على اختيار حالة أو مكان واحد عند رصدنا، يميل مؤيدو فرضية الأكوان المتعددة لتفسير أخر. حيث يعتقدون أنه لا حاجة للاختيار أصلًا! ففي اللحظة التي نرصد فيها الكم، ينقسم الواقع إلى نسختين: واحدة نرصده وقد اختار الحالة 1، وآخر نرصده وقد اختار 2. وكان الواقع يتكون من عدة طبقات متفرعة، كل منها يشكل كونًا من الأكوان المتعددة.  [6]

ولكن لا يزال العلماء متحفظين ومشككين في هذه الفرضية، فالأدلة حتى الآن غير مقنعة كفاية.

الأدلة المادية على الأكوان المتعددة

حاول عدة علماء إيجاد أدلة مادية رصينة تثبت وجود الأكوان المتعددة. مثلًا؛ لو حدث وكان كون ما قريب من كوننا بشكل كافي لالتحم معه مخلفًا أثرًا ما. قد يكون ذلك الأثر تشوهات في «إشعاع الخلفية الكونية الميكروي-cosmic microwave background radiation»* ، أو تصرفات غريبة للمجرات.  

في حين يبحث علماء أخرون في أنواع خاصة من الثقوب السوداء، والتي قد تكون آثارًا لقطع من كوننا انفصلت إلى داخل الكون الآخر في عملية تعرف ب«النفق الكمومي-Quantum tunneling». فإذا انفصلت مناطق من كوننا بهذه الطريقة؛ ستخلف وراءها “فقاعات” في كوننا والتي قد تتحول إلى ثقوب سوداء. [7]

*إشعاع الخلفية الكونية الميكروي: الإشعاع الذي أصدره كوننا عندما كان شديد الكثافة وأصغر بمليون مرة مما هو عليه الآن.

ولكن بحثهم هذا لم يثمر حتى الآن، ولا تزال فكرة الأكوان المتعددة افتراضًا فقط.

المصادر

[1] Nature

[2] NASA

[3] Scientific American

[4] Cornell University

[5] joint quantum institute

[6] space

[7] university College London

الموصلات الفائقة تاريخها وآلية عملها وتطبيقاتها

أحدثت «الموصلات أو الناقلات الفائقة-Superconductors» ثورة حقيقة في تكنلوجيا القرن العشرين، وأسهمت في تطوير قطاعات النقل والتخزين وتكنلوجيا المعلومات. فهي تتيح نقل التيارات الكهربائية دون أي هدر أو ضياع في الطاقة، وكأن التيار يستمر فيها لأجل غير مسمى. كما أن لها تطبيقات عديدة في حياتنا اليومية بدءًا من التجهيزات الطبية وحتى القطارات السريعة. فما هي الموصلات الفائقة؟ كيف تعمل ؟ وما آخر ما توصل إليه العلماء حولها؟

يطلق مصطلح الموصلات الفائقة على نواقل معدنية (غالبًا) تكون في حالة فيزيائية تسمى «الموصلية أو الناقلية الفائقة-Superconductivity». تتميز المادة في حالة الموصلية الفائقة بانعدام المقاومة الكهربائية التي تطبقها على التيار المار فيها. كما أنها لا تسمح بدخول الحقول المغناطيسية داخلها. لذلك تتيح الموصلات الفائقة نقل التيارات الكهربائية القوية دون أي ضياع في الطاقة، وتتدفق فيها الكهرباء بحرية دون عوائق.

غالبًا ما نصل إلى حالة الموصلية الفائقة عند تبريد بعض المواد إلى درجات منخفضة جدًا. في حين يعمل الباحثون الآن على تطوير موصلات قادرة على العمل في درجات الحرارة العادية، مما قد يحدث ثورة تكنلوجية أكبر. [1]

نواقل فائقة
حقوق الصورة: Bruker

من اكتشف الموصلية الفائقة؟

يعود اكتشاف حالة الموصلية الفائقة إلى عالم الفيزياء الهولندي «كامرلنغ أونس-Kamerlingh Onnes» عام 1911. كان أونس يدرس الخصائص الكهربائية لمادة الزئبق في مختبره في «جامعة ليدن-Leiden university» في هولندا. واكتشف أن المقاومة الكهربائية للزئبق تتلاشى كليًا عند تبريده بشكل الكبير، لحوالي 4.2 درجة مئوية فقط فوق الصفر المطلق*. وليتأكد من نتيجته؛ طبق أونس تيارًا كهربائيًا على عينة من الزئبق المبرد، ثم فصل منبع التيار. استمر جريان التيار في الزئبق دون أي ضياع، مما أكد انعدام المقاومة الكهربائية، وفتح لنا أبوابًا واسعة من تطبيقات الموصلية الفائقة. [1]

*«الصفر المطلق-Absolute zero»: هو أقل درجة حرارة يمكن الوصول لها وتساوي -273.15 درجة مئوية.

تاريخ الموصلية الفائقة

أمضى الباحثون عقودًا من الزمن يبحثون في طبيعة الموصلية الفائقة وما يسببها. فوجدوا أن عدة مواد (ليس كلها) تكتسب خاصية الموصلية الفائقة عند تبريدها إلى درجة حرارة معينة. توسع فهمنا للموصلات الفائقة مع اكتشاف الفيزيائيين «والتر ميسنر-Walther Meissner» و «روبرت أوكسنفلد-Robert Ochsenfeld» أنها “تطرد” الحقول المغناطيسية قريبة. مما يعني أنها تمنع الحقول الضعيفة من التوغل فيها. وقد سميت هذه الظاهرة «تأثير ميسنر-Meissner effect» عام 1933. [2]

ثم عام 1950 نشر عالما الفيزياء النظرية «ليف لانداو-Lev Landau» و «فيتالي جينزبرغ-Vitaly Ginzburg» أول نظرية ناقشت كيفية عمل الموصلات الفائقة. نجحت نظريتهما في توقع خصائص الموصلات الفائقة. ولكنها درستها على المقياس الكبير، وأهملت ما يحدث على المستويات دون الذرية. [3]

وأخيرًا؛ طور الفيزيائيون «جون باردين-John Bardeen» و «ليون كوبر-Leon Cooper» و «روبرت شريفر-Robert Schrieffer» نظرية BCS المتكاملة عن الموصلية الفائقة  عام 1957. [4]

كيف تعمل الموصلات الفائقة؟

بدايةً؛ تتولد المقاومة الكهربائية في النواقل نتيجة ارتداد الالكترونات الحرة في الناقل. وبحسب نظرية BCS؛ تقترن الالكترونات في أزواج تعرف «بأزواج كوبر-Cooper pairs» عند تبريدها، مما يمنعها من الارتداد. حيث تكون أزواج كوبر شديدة الاستقرار عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا. ولذلك تختفي المقاومة الكهربائية ويسري التيار بشكل مثالي. [4]

تعمل النواقل هكذا في درجات الحرارة المنخفضة فقط. وما إن ترتفع درجة الحرارة قليلًا حتى تمتلك الإلكترونات الطاقة الكافية لكسر روابط كوبر وتتسبب في مقاومة كهربائية. لهذا السبب وجد أونس أن الزئبق يعمل كموصل فائق عند -268.96 درجة مئوية ليختفي التأثير عند -268.95 درجة مئوية. [1]

 تطبيقات الموصلات الفائقة

من المحتمل أنك ولمرة في حياتك رأيت أو استخدمت موصلًا فائقًا دون أن تعي ذلك . فهي أساس عمل عدة تجهيزات طبية مثل «جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي-MRI» و«التصوير بالطنين المغناطيسي النووي-NMRI». تعتمد هذه الأجهزة على توليد حقول مغناطيسية قوية عن طريق مغانط كهربائية. إلا أن هذه المغانط قد تذيب معادن الأجهزة وتدمرها؛ بسبب الحرارة الناتجة عن أقل مقاومة في نواقلها العادية. ولكن بفضل الموصلات الفائقة التي تتيح نقل التيارات الكهربائية دون مقاومة نولد الحقول المغناطيسية الضرورية دون إحداث ضرر في الاجهزة. [5]

كما تستخدم مغانط قوية مشابهة في «قطارات ماجليف-Maglev trains» لرفع القطارات عن سككها وتخفيف الاحتكاك. وفي المفاعلات النووية ومسرعات الجسيمات عالية الطاقة والدارات الرقمية السريعة وأجهزة الكشف عن الجسيمات.

قطار ماجليف في الصين
حقوق الصورة: GlobalTimes

كذلك تستخدم الموصلات الفائقة لإمداد المدافع الكهرومغناطيسية بالطاقة، وهي أسلحة مدفعية تستخدم القوة الكهرومغناطيسية لإطلاق القذائف بسرعات هائلة. أي أنك تحتاج إلى موصل فائق إذا أردت ألا ينصهر جهازك ذو المغناطيس أو التيار القوي حال تشغيله. [6]

مدفع كهرومغناطيسي تابع للبحرية الأمريكية
حقوق الصورة: SputnikNews

الحواسيب الكمومية

تعد الحواسيب الكمومية من أهم تطبيقات الموصلات الفائقة. حيث تُستخدم النواقل الفائقة في بناء الحواسيب الكمومية وتزويدها بالطاقة لما لها من خصائص فريدة في نقل التيار. تتألف الحواسيب الكمومية من وحدات كمية تسمى «الكيوبت-Qubit». في حين يمكن ل«بت-Bit» الحاسوب العادي أن يساوي إما 0 أو 1؛ توجد الكيوبتات في حالة من التراكب الكمي وتساوي 1 و 0 في نفس الوقت. يمكن للموصلات الفائقة تزويدها بهذه السمة؛ فالتيار المار في «حلقة فائقة التوصيل-Superconducting loop» يسري وفق اتجاه عقارب الساعة وعكسها في الوقت ذاته. [7]

آخر ما توصل إليه العلماء

يواجه العلماء تحديين في مجال الموصلات الفائقة. أولهما تطوير مواد تعمل كموصلات فائقة في الظروف العادية. حيث أن الموصلات الفائقة الحالية لا تعمل سوى عند درجات حرارة منخفضة جدًا. وثانيهما شرح آلية عمل وخصائص هذه الموصلات الجديدة.

أنواع الموصلات الفائقة

تصنف النواقل الفائقة في مجموعتين رئيستين:

  1. «الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة المنخفضة-low-temperature superconductors (LTS)» والمعروفة بالموصلات الفائقة التقليدية.
  2. «الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة المرتفعة-high-temperature superconductors (HTS)» والمعروفة بالموصلات الفائقة غير التقليدية.

تشرح نظرية BCS آلية عمل موصلات LTS. في حين تختلف آلية عمل موصلات HTS ولا تزال من الألغاز الكبرى في الفيزياء الحديثة. ولعل السبب في ذلك أن معظم الأبحاث السابقة اهتمت بموصلات LTS؛ لأن دراستها أسهل وتطبيقاتها أهم.

في المقابل؛ تثير ناقلات HTS اهتمام العلماء في الوقت الحالي. وتعرف بأنها أي موصل فائق يعمل عند درجة حرارة أعلى من -196.2 درجة مئوية. وحتى مع كون الدرجة هذه باردة كثيرًا؛ إلا أنها مرغوبة أكثر. لأننا نصل إليها باستخدام النيتروجين السائل الأكثر شيوعًا من الهيليوم السائل المستخدم في موصلات LTS. [1]

مستقبل الموصلات الفائقة

يمكننا القول أن ذروة السعي للباحثين في مجال الموصلات الفائقة هي التوصل إلى ادة تعمل كموصل فائق في درجة حرارة الغرفة. وأفضل ما توصلنا إليه حتى الآن هو موصل فائق يعمل عند 15 درجة مئوية. ويتكون السابق من مادة هيدريد الكبريت الكربوني بعد ضغطها بمقدار 267 مليار باسكال (واحدة قياس الضغط وتساوي 1 نيوتن / متر مربع). تعادل هذه القيمة الضغط الجوي داخل الكواكب الغازية كالمشتري، مما يجعلها غير عملية على الإطلاق.

ستمكننا النواقل الفائقة التي تعمل في درجة حرارة الغرفة من نقل التيار الكهربائي دون خسارة أو هدر وبكل سهولة. كما ستمنحنا قطارات ماجليف أكثر فعالية، وأجهزة تصوير طبية أرخص ثمنًا، وستكون تطبيقاتها غير محدودة عمومًا. [8]

كل ما على الباحثين هو معرفة ما قد يجعلها تعمل في تلك الحرارة، وما هي المادة السحرية التي ستسمح بذلك.

المصادر

[1] CERN
[2] Springer
[3] IOP Science
[4] The University of Maryland
[5] NASA
[6] Springer_2
[7] Nature
[8] Nature_2

Exit mobile version