دماء للآلهة، لماذا قدم القدماء القرابين البشرية؟

القرابين البشرية، وتقديم القرابين عمومًا، طقس قديم واسع الانتشار، حيث أن معظم الأديان القديمة والمعاصرة تمارس هذا الطقس بطرق مختلفة. إلا أن الأديان والحضارات القديمة مارست طقس تقديم القرابين البشرية للآلهة، فما هي هذه الطقوس، وما أهميتها بالنسبة لهذه الحضارات؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.

حقوق الصورة

ما هو طقس تقديم الأضاحي البشرية للآلهة؟

طقس تقديم القرابين البشرية، أو ما يعرف بالقتل الطقسي Ritual Murder، هو ‘طقس ديني يتم فيه قتل شخص أو مجموعة أشخاص. غالبًا ما يرتبط تقديم القربان بإرضاء الآلهة المعبودة في المجتمع. أو تجنب غضب هذه الآلهة الذي يتجسد على هيئة كوارث طبيعية. يقوم بهذا الطقس الكاهن الأعلى أو رجل الدين، وقد تكون عملية التضحية طوعية من الأضحية فيتبرع الشخص لتقديم نفسه كقربان. أو إجبارية يتم فيها التضحية بأسرى الحرب أو العبيد بشكل قسري. تتميز هذه القرابين بالوحشية في القتل بشكل عام، كما تتصف بأنها منظمة. وتتم خلال طقس محدد، وإلا فقدت الأضحية معناها وقيمتها. [1] [4]
انتشر طقس تقديم الأضاحي البشرية حول العالم من الإغريق القدماء، وحضارة اليابان القديمة، وحضارات الإنكا والأزتك في أميركا الجنوبية والعديد من الحضارات القديمة. وأهم ما يميز هذه العملية أنها ليست عملية قتل عشوائي أو بدون هدف، إنما هي عملية ذات غاية وهدف واضحين وبالغي الأهمية، ويكون هدفها في معظم الأحيان درء غضب الآلهة، لتفادي ثوران بركان، أو فيضان نهر، أو شح الأمطار. أو بهدف الحصول على بركة الإله في معركة ما أو في المحاصيل. في حالات أخرى تكون الغاية من الأضحية الاحتفال بمناسبة دينية، أو حدادًا على زعيم قبيلة، كما هو الحال لدى القبائل الجرمانية التي تضحي بعدد من العبيد مع وفاة زعيمها، وذلك ليتمكنوا من خدمته حتى في الحياة الآخرة. [2][1]

أنواع القرابين المقدمة في الطقوس

لم تقتصر الأضاحي المقدمة للآلهة على الأضاحي البشرية بالتأكيد، بل كان هنالك عدة من القرابين المقدمة للآلهة. منها الحيواني، أو النباتات، أو يختلف تقديم الإنسان كقربان بحسب الديانة والمناسبة التي يتم تقديم فيها الأضحية.
كتب المؤرخ هيرودوتس عن القرابين غير البشرية في مصر القديمة عن تقديم الأضاحي الحيوانية، وذكر الثيران كمثال عن هذه القرابين. حيث يتم اختيار الثور وفق خصائص معينة واختباره ليكون أضحية تليق بالآلهة، حيث تذبح الأضحية ويقطع رأسها مع وجود الكهنة وقراءة الصلوات على رأس الأضحية الذي يتم التخلص منه لاحقًا. [5]
أما في الحضارة اليونانية التي تلزم ديانتها البشر بالتقديم المستمر للعطايا للحصول على رضى الآلهة، قدم اليونانيون العديد من الذبائح الحيوانية والمحاصيل والهدايا لآلهتهم. الذبائح الحيوانية هي الأكثر شيوعًا، ومعظمها من الثيران والماعز والأغنام. وكان يعتقد أن الآلهة تفضل أنواعًا معينة، حيث أن أثينا كانت تفضل الأبقار كقرابين على سبيل المثال. وتتم التضحية على المذبح في معبد الإله، وتوجب أن يكون الحيوان بصحة ممتازة، وكان يتم تزيينه ورشه بالماء كرمز للنقاء. يضرب الحيوان على رأسه قبل نحر عنقه من قبل الكاهن، ثم يتم طبخه وتوضع العظام ودهن الحيوان كقربان للإله أمام المذبح. [6]

حقوق الصورة

أهمية طقس تقديم القرابين البشرية في الحضارات القديمة

بالرغم من أن طقس تقديم القرابين البشرية يبدو للإنسان المعاصر طقسًا وحشيًا ومرعبًا. إلا أنه كان في المجتمعات القديمة حدثًا بالغ الأهمية وطبيعي جدًا وضروري حتى. وهو طقس سنوي أو نصف سنوي طبيعي جدًا، حتى أن بعض علماء الأنثروبولوجيا أشاروا إلى أن هذا الطقس يتم في مجتمعات مستقرة وطبيعية، وحتى أنه يزيد من الوحدة والتماسك الاجتماعيين في المجتمع. حيث أن هذه المراسم كانت أحداثًا مجتمعية يتجمع فيها كافة أفراد المجتمع، لذلك كانت التضحية حدث ذو أهمية دينية وانخراط مدني، يتم التخطيط له بعناية وتوقيتها بشكل دقيق، وتصمم التفاصيل في المراسم لإرضاء الآلهة لتكون المناسبة جديرة بالاهتمام. [6]
وفقًا لتظرية تطورية دينية تسمى “فرضية التحكم الاجتماعي” فإن هذه الأضاحي البشرية تمتلك فوائد غير متوقعة، مثل الحفاظ على السلطة الحاكمة، وتعزيز مكانة الحاكم كونه حصل على مباركة الآلهة. كما أن هناك أدلة غير مؤكدة أنها كانت تستخدم للحفاظ على السكان والسيطرة عليهم. لدراسة هذا الموضوع قام واتس وآخرون بتحليل 93 مجتمعًا محليًا في أسترونيزيا، المستوطنون في نيوزيلاند، ومن خلال الدراسات التاريخية والإثنوغرافية وجد الباحثون أن المجتمعات التي مارست تقديم القرابين البشريةتتصف بأنها طبقية بشكل معتدل، ولم تنتقل فيها الرتبة والقوة عبر الأجيال كما هو الحال في المجتمعات شديدة الطبقية. أي لا وجود لطبقات اجتماعية واضحة في هذه المجتمعات المدروسة. لكن من جهة أخرى هنالك العديد من المجتمعات التي تميزت بطبقيتها الشديدة التي تمارس الطقس ذاته، التي تتميز بتركيب اجتماعي معقد. أشار الباحثون إلى أن الثقافات كانت عرضة للانقسام الصارم في الطبقات الاجتماعية في حال تضمنت تقاليدها طقوسًا دينية مثل الأضاحي البشرية. [2]

حضارات قديمة مارست تقديم القرابين البشرية

مارست العديد من الحضارات والمجتمعات تقديم القرابين البشرية بهدف إرضاء الآلهة أو درء غضبهم أو الحصول على بركتهم. أو كان لهم أسباب أخرى في التضحية، نذكر أهم هذه الطقوس في تقديم الأضاحي البشرية لدى مجتمعات كبرى مثل الإغريق القدماء والمصريون وحضارة الأزتك في جنوب أمريكا.

القرابين البشرية عند اليونانيين القدماء

حقوق الصورة

ترتبط الحضارة اليونانية بالفن والفلسفة، وبالرغم من أن الإغريق قدموا العديد من الأضاحي لآلهتهم. إلا أن هنالك القليل من الدلائل على الانخراط في تقديم الأضاحي البشرية. توضح الللقى الأثرية وجود دلائل على تقديم القرابين البشرية في منطقة جبل ليكايون بعد العثور على رفاة مراهق تعود لعام 3000 قبل الميلاد. وعثر عليها في مذبح تقدم فيه الأضاحي لكبير الآلهة زيوس. والذي يؤكد أنها أضحية بشرية هو وجود العظام في المذبح الذي يعتبر مكانًا مقدسًا، وليس مقبرة ليدفن فيها أي شخص. يعارض بعض الباحثين فكرة أن الإغريق كانوا قد انخرطوا في تقديم الأضاحي البشرية لأنها لا تتماشى مع ثقافتهم. ولكن من جهة أخرى فإن الأساطير اليونانية تحتوي بعض القصص عن الأضاحي البشرية. مثال على ذلك قصة الملك أغاممنون الذي كان سيضحي بابنته ايفجينيا وقدمت الإلهة أرتميس بديلًا عن الفتاة غزال ليتم التضحية به. وقصة أخرى عن جبل ليكايون تروي قصة الملك الأول لأركاديا الذي ضحى بأحد ابنائه لإرضاء زيوس، الذي غضب عليه وحوله وابنائه لذئاب. وتحول هذا الموضوع لطقس سنوي يتم ذبح صبي مع الحيوانات كأضحية. وطهي لحمه مع باقي اللحوم ومن أكل من لحمه تحول لذئب، ومن لم يأكل سمح له بالبقاء بشكله الطبيعي. وهذه هي القصة الوحيدة التي تؤكد وجود الرفاة في مذبح زيوس في ليكايون. [7] [8] [4]

طقس القرابين البشرية عتد المصريين القدماء

حقوق الصورة

هناك نظريات حول قيام المصريين القدماء بالقيام بالتضحية البشرية حوالي 2950 قبل الميلاد. حيث كان رجال الحاشية أو كبار المسؤولين يضحون بأنفسهم لخدمة الفرعون ما بعد الموت. تستند هذه النظريات إلى الللقى الأثرية في المقابر الفرعية الملحقة بالمقابر الملكية للأسرة الأولى. تم العثور على مدافن لرجال البلاط، وبعض الدلائل أن هؤلاء تمت التضحية بهم لهذا الغرض. [10] في حالات أخرى كانت التضحية البشرية عقوبة استهدفت مخالفي القوانين. وكانت تتضمن سلخ الشخص ثم التقطيع وحلق الرأس وقطعه. [9]

تقديم الأضاحي البشرية في حضارة الأزتك

حقوق الصورة

تعد حضارة الأزتك التي نشأت وازدهرت في وسط المكسيك في القرن 15 من أكثر الحضارات شهرة في تقديم القرابين البشرية لآلهتهم. وتعزز ذلك اللقى الأثرية في مدنهم وكتابات المستعمرين الإسبان الذين شهدوا بعض طقوس الشعوب. ويعد برج الجماجم البشرية من أبرز الدلائل على عملية التضحية بالبشر في هذه الحضارة. ومن طرق التضحية البشرية التي مارسها شعب الأزتك نزع القلب النابض من ضحية ما زالت حية، وقطع الرأس، والجلد، والتقطيع، ثم الرمي من أعلى هرم المعبد. وهذه العملية بنظرهم ذات شرف كبير ويقوم بها الكاهن الأعلى. وهي بمثابة سداد دين على التضحيات التي قامت بها الآلهة من أجل البشر. كما كانت الأضاحي البشرية بمثابة غذاء لبعض الآلهة. ومنها كان سكب الدماء على تماثيل الآلهة وحرق الطعام أمام هذه التماثيل. ومثال على ذلك أسطورة إله الشمس تزكاتليبوكا المسؤول عن الاحتفالات ومحاربة الظلام، تقول الأسطورة أنه بحاجة ليتغذى على هذه الأضاحي ليمتلك القوة على رفع الشمس كل يوم وضمان عدم سيادة الظلام على المملكة. [11]

في معايير البشر الحديثة، طقس تقديم القرابين البشرية يبدو مرعبًا وقاسيًا، ونرى بوضوح استمرار الروابط بين القربان البشري واستمرارية طاعة الناس للسلطة والحكم المستقر في المجتمع. فالمشاهد المروعة هذه تبقي الناس تحت السبيطرة، وليست من المبالغة أن نقارن ما تم تقديمه كقربان بشري وذبحه لإرضاء الآلهة، بما يتم اليوم من عقوبات إعدام في مجتمعاتنا الحديثة.

المصادر:
1- theatres of Human Sacrifice
2- science
3- scientificamerican
4- wikipedia
5- worldhistory
6- classroom.synonym
7- smithsonianmag
8- biblicalarchaeology
9- fairlatterdaysaints
10- rationalwiki
11- worldhistory
12- historyextra

ما هي الصدمة الثقافية وكيف تتغلب عليها؟

كثيرًا ما يواجهنا مصطلح الصدمة الثقافية في الكثير من المناسبات أو القراءات. ويزداد استخدامه في وصف حالات الهجرة أو السفر طويل المدة لدول العالم المختلفة. يشير مفهوم الصدمة الثقافية للحالة التي يمر بها الفرد الذي ينتقل من بيئة اجتماعية لبيئة اجتماعية جديدة ومختلفها عن تلك التي نشأ بها. وتتميز هذه الحالة بعدة صفات ومراحل سنتعرف عليها في هذا المقال.

تعريف الصدمة الثقافية

تعرف الصدمة الثقافية بأنها الأزمة التي يمر بها أي فرد عند انتقاله من بيئة اجتماعية لبيئة جديدة ومختلفة، وتتمثل في مشاعر عدم اليقين والارتباك والقلق التي يمر بها الفرد. وهذا الأمر طبيعي عند مرور أي شخص بتجربة جديدة في مكان جديد. وقد تحدث هذه الصدمة للشخص عند الانتقال من مدينة لأخرى أو من بلد لآخر. هذه الصدمة ليست مرضًا بالضرورة، إلا أنها تمتلك آثارًا سلبية على الفرد، مثل القلق العام، واضطرابات النوم، والاكتئاب.

مراحل الصدمة الثقافية حسب نظرية أوبرغ

اقترح كاليرفو أوبرغ نموذجًا عن التكيف الثقافي وقام بتقسيمه للمراحل الآتية:

شهر العسل Honeymoon

تسمى المرحلة الأولى من مراحل التكيف الثقافي باسم شهر العسل، وفي هذا المرحلة يشعر الفرد بالسعادة ببيئته الجديدة. وينعم بمغامرة ممتعة، ولكن تنتهي هذه المرحلة بشكل سريع غالبًا، وبسبب هذه المرحلة لا يلاحظ الأشخاص الذين يسافرون لوقت قصير الصدمات الثقافية.

المفاوضة Negotiation

كما تسمى هذه المرحلة بمرحلة الشك وانعدام اليقين، أو مرحلة الإحباط. وتبدأ هذه المرحلة بعد 3 أشهر تقريبًا من عملية الانتقال، وتتصف بأنها من أصعب المراحل. ففي هذه المرحلة تبدأ الاختلافات الثقافية، وحاجز اللغة، بإثارة أعصاب الشخص، ويدرك فيها الفرد أن هذه ستكون حياته الجديدة. ويؤدي ذلك الأمر لشعور شديد بالغضب والقلق والإحباط. وفي هذه المرحلة تتلاشى جمالية المغامرة الجديدة التي يشعر بها الفرد في شهر العسل، ويبدأ بالحنين والتوق لبلده وحياته القديمة.

التكيف Adaptation

تبدأ هذه المرحلة بعد انتهاء إحباط مرحلة الشك واليقين. والطريقة الأفضل لخروج من هذه المرحلة هي اتباع الروتين، فالروتين يساعد في تقبل المرحلة وتجاوزها. تمر مراحل الصدمة ببطء، لذلك من المهم تذكر أن التعافي منها يحدث تدريجيًا. وقد يعود المرء إلى مرحلة الشك واليقين، ذلك إذا ما استسلم لشعوره بالحنين للوطن حتى بعد أن يتكيف.

التقبل Acceptance

المرحلة الأخيرة يمكن اعتبارها مرحلة التعافي، حيث في هذه المرحلة يتقبل الشخص أن هذه حياته الجديدة، ويشعر بالراحة في بلده الجديد ويتقبل وجوده فيه بكل سرور. ليست بنفس السعادة التي يشعر بها الفرد في مرحلة شهر العسل، لكنها مرحلة أكثر استقرارًا ومستمرة لفترات أطول. ويشعر الفرد بالراحة في بلده أو بيئته الجديدة. كما يصبح لديه شعور بالانتماء. هذا لا يعني أنه سوف يفهم جميع العادات والتقاليد في بلده الجديد، ولكنها المرحلة التي ستساعده على فهم المجتمع أكثر والانتماء له والشعور بالراحة فيه.

أعراض الصدمة الثقافية

ينتج عن الصدمات الثقافية عدة أعراض تظهر على الفرد ومنها:

  • الشعور بالحنين الشديد للوطن.
  • شعور بالعجز.
  • العزلة الشديدة.
  • الارتباك الشديد.
  • الاكتئاب والقلق.
  • اضطرابات في النوم.
  • مشاكل في التكيف الاجتماعي.
  • جنون ارتياب “بارانويا”.

تجاوز أزمة الصدمة الثقافية

يمكن لأي شخص تخفيف آثار الصدمات الثقافية وذلك من خلال:

  • الانفتاح والتعرف على الثقافة الجديدة ومحاولة الاستمتاع بميزاتها.
  • الابتعاد عن العزلة والانغماس في التفكير ومقارنة البيئة الجديدة بالقديمة.
  • يُنصح بتدوين يوميات لتجربة الشخص، والتركيز على تدوين التجارب الإيجابية في البيئة الجديدة.
  • يجب طلب المساعدة من المختصين في حال زادت حدة هذه الصدمات.

إن الصدمات الثقافية حالة طبيعية وشائعة جدًا، ولا شك أنها صعبة على أي شخص، لكنها مراحل سوف يمر بها أي مهاجر أو مغترب. وعند تفهم الحالة وتقبل شعور الغربة يتمكن الفرد من تقليل حدة هذه الصدمة وتجاوزها بسرعة وسهولة أكبر.

المصادر:
1- investopedia
2- iresearchnet
3- anthropologymatters

ما هي الأنثروبولوجيا الرمزية والتفسيرية؟

الأنثروبولوجيا الرمزية والتفسيرية هي أحد المدارس النظرية في علم الإنسان. وتقوم بشكل رئيسي على دراسة الرموز الثقافية، وكيفية استخدام هذه الرموز للحصول على فهم أكبر للثقافة المدروسة.

تعريف الأنثروبولوجيا الرمزية والتفسيرية

الأنثروبولوجيا الرمزية والتفسيرية symbolic and interpretive anthropology، هي الدراسة للرموز في سياقها الاجتماعي، وقد نشأت هذه المدرسة في ستينات القرن الماضي وتبلورت في سبعينات هذا القرن. والرموز هذه قد تكون عادات أو سلوكيات أو كلمات أو طقوس في المجتمع المدروس، يتم أخذها وتفسيرها في السياق الثقافي. ويفسر علماء الأنثروبولوجيا هذا المعنى الرمزي من خلال مصطلحات ميمية، أي يفسرون الرمز من خلال الثقافة الخاصة به حصرًا. ويرى منظرو هذه المدرسة أنه يمكن فهم الثقافة من خلال تفسير الأداء العام للأنظمة الرمزية، كما يرون أن هناك استجابة لهذه الرموز من قبل الأفراد. [1]

نشأة هذه المدرسة في علم الإنسان وأبرز المؤثرين فيها

نشأت هذه المدرسة في ستينيات القرن الماضي، وكانت بمثابة رد على المدرسة البنيوية في علم الإنسان. يمكن تقسيم هذه المدرسة إلى منهجين رئيسيين، الأول مرتبط بكليفورد غيرتز في جامعة شيكاغو، والثاني تابع لفيكتور تيرنر في جامعة كورنيل. الاختلاف الرئيسي بينهما هو تأثر غيرتز بالعالم ماكس فيبر weber وكان مهتمًا بشكل كبير بعمليات الثقافة عوضًا عن الطرق التي تؤثر بها الرموز على العمليات الاجتماعية. أما تيرنر الذي تأثر بشكل كبير بالعالم إيميل دوركهايم Durkheim كان مهتمًا بشكل أساسي بالعمليات التي تجري في المجتمع والطرق التي تعمل بداخله الرموز. كما كان أكثر اهتمامًا بالتأكد إن كانت هذه الرموز فعلًا مؤثرة في العملية الاجتماعية كما يعتقد علماء الأنثروبولوجيا الرمزية. [2]
تعد هذه المدرسة رد على النظرية البنيوية التي كانت منتشرة حينذاك. حيث رأى أنصار هذه المدرسة أن البنيويون بقيادة كلود ليفي شتراوس قد بالغوا في التركيز على التعارضات الثنائيةالتي يعبر عنها في جوانب الثقافة المختلفة دون التركيز على معانيها المنفصلة. كما أِشاروا إلى أن البنيويون قد قللوا من أهمية دور الفاعلين الفرديين في تحليلاتهم. كما كانت الأنثروبولوجيا الرمزية ردًا على الماركسية والمادية، التي كانت ترى الثقافة من حيث أنماط السلوك الملحوظة. بينما ينظر الرمزيون إلى الثقافة من منظور الرموز والتركيبات العقلية، وأِشار رواد هذه المدرسة أن نظريات المادية لا يمكن تطبيقها على مجتمعات غير أوروبية. [3]

المفاهيم الرئيسية لهذه المدرسة

اشتملت المدرسة الرمزية التفسيرية على مبادئ رئيسية وهي:

الشرح العميق Thick Description

وهو مصطلح أخذه غيرتز عن جيلبرت رايل، بهدف توصيف أهداف الأنثربولوجيا التفسيرية. التي يجادل بأنها تقوم على الإثنوغرافيا، أو دراسة الثقافة على وجه التحديد. كما يرى بأن الثقافة تحتوي على مجموعة من الرموز التي تقوم بتوجيه سلوك المجتمع. وهذه الرموز تحصل على معنى من الدور الذي تلعبه من سلوك نمط الحياة الاجتماعية. ولا يمكن دراسة الثقافة والسلوك الاجتماعي بشكل منفصل بسبب تشابكهما الشديد. ولفهم الثقافة، يجب تحليلها بأكملها وتحليل الأجزاء التي تكونها. ومن خلال ذلك يطور الباحث فهمًا عميقًا من خلالها يشرح العمليات العقلية والسلوكيات الاجتماعية لدى المجتمع المبحوث. [2]

التأويل Hermeneutics

تم استخدام مصطلح التأويل في التفسير النقدي للنصوص الدينية. استخدم غيرتز علم التأويل في دراسته لأنظمة الرموز لمحاولة فهم الطرق التي يفهم من خلالها الناس ويتصرفون في سياقاتهم الاجتماعية والسياسية والإقتصادية. أما العالم تيرنر فقد استخدم علم التأويل كوسيلة لفهم معاني العروض الثقافية مثل الرقص والدراما وما إلى هنالك. [2]

الدراما الاجتماعية Social Drama

وهو مفهوم ابتكره فيكتور تيرنر لدراسة جدلية التحول الاجتماعي والاستمرارية. ويعرف الدراما الاجتماعية بأنها “وحدة عفوية للعملية الاجتماعية وحقيقة من تجربة كل فرد في كل مجتمع بشري”. وتحدث داخل مجموعة تشترك في القيم والاتجاهات وذات تاريخ مشترك. وتقسم إلى أربعة أعمال:
1- الفعل الأول تمزق أو خرق في العلاقات الاجتماعية.
2- الفعل الثاني أزمة لا يمكن معالجتها باستراتيجيات عادية.
3- الفعل الثالث هو علاج للمشكلة الأولية، أو إعادة للعلاقات الاجتماعية.
4- الفعل النهائي يحدث بطريقتين: إما عملية إعادة إندماج وعودة للوضع الراهن، أو الاعتراف بعملية الانشقاق وتغيير الترتيبات الاجتماعية.
في كلا الحلين في الفعل النهائي، يظهر عروض رمزية يظهر فيها الممثلون “أي الأفراد المشاركون في الفعل الاجتماعي” متبعين طقوس، في نظرية تيرنر، هذه الطقوس تعد حبكة لها تسلسل محدد يكون خطيًا وليس دائريًا. [2]

نقد الأنثروبولوجيا الرمزية والتفسيرية

واجهت المدرسة الرمزية والتفسيرية العديد من الانتقادات من مدارس عديدة، نذكر أهم هذه الانتقادات:

النقد الماركسي

يرى الماركسيون أن أنصار المدرسة الرمزية التفسيرية يضعون الكثير من الأهمية في تفكيرهم في المفاهيم الثقافية، بحيث يغفلون التفكير في الواقع الاجتماعي. كما لا يوجد بنظرهم تركيز كاف على شرح كيفية تفسير الرموز على الأنظمة الاجتماعية والأشخاص، بقدر التركيز على الرموز بحد ذاتها. [3]

النقد النسوي

أشارت الدراسات النسوية أن غيرتز في تفسيراته قد تجاهل دور المرأة في المجتمع وركز على هيمنة الذكور فقطـ متجاهلًا بذلك الدور الفعال الذي تلعبه المرأة في المجتمع. [3]

إن الرموز والرمزية في المجتمعات أخذت حيزًا كبيرًا من تفكير علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع لما لها من أهمية في الحياة الاجتماعية، لكن التركيز الزائد على الرمز بحد ذاته قد يبعد تفكير الباحث عن أهمية الرمز في الحياة الاجتماعية.

المصادر:
1- anthrotheory
2- anthropology.ua
3- socialsci

ما هي الأنثروبولوجيا الاجتماعية؟

الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من فروع علم الإنسان، يدرس هذا العلم السلوك الاجتماعي من وجهة نظر مقارنة أنثروبولوجية. ويعد هذا الفرع من الفروع المهمة في علم الإنسان، لما له من أثر في تحليل أنماط البنى الاجتماعية في الثقافات المختلفة. كما يعمل هذا الفرع على باستخدام أساليب عملية وأمبريقية للتحقيق في الظواهر الاجتماعية المختلفة. [2]

تعريف الأنثروبولوجيا الاجتماعية

تعرف الأنثروبولوجيا الاجتماعية بأنها العلم الذي يدرس تنوع المجتمعات البشرية في مختلف الأزمنة، والأماكن. وتبحث في دراستها هذه؛ عن القواسم المشتركة. وتتبع منهجًا ذو استراتيجية شاملة، تربط الظواهر المحلية بالعالمية، كما تربط بين الماضي والحاضر بهدف تقديم صورة واضحة عن المجتمعات البشرية. [5]
تتبع الأنثروبولوجيا الاجتماعية منهج المقارنة لوصف العادات المجتمعية، ويتم فحص البيئات الاجتماعية حول العالم من خلال الملاحظة والمشاركة في الحياة الاجتماعية. يبحث علم الإنسان الثقافي بالدرجة الأولى في تساؤلات مثل: كيف تختلف المجتمعات وتتشابه؟ وهذا من أهم الأسئلة التي يطرحها علماء الإنسان، ويتم النظر في بنية كل مجتمع وتوازن هيكله،من أجل فحص قواعد الرعاية الأخلاقية وأنماط التعاون في هذا المجتمع، وهذه الأخيرة توفر معنى لما قد يعتبره المراقب الخارجي أمرًا غريبًا عليه. [4]

أوجه التشابه والاختلاف بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع

إن جميع العلوم الاجتماعية تمتلك روابطًا مشتركة فيما بينها، وعلم الإنسان “الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع “السوسيولوجيا” يجتمعان في نقاط عدة وموضوعات بحث متقاربة إلى حد ما. صحيح أن كلا الاختصاصين يركزان على المجتمعات البشرية، وتركيبتها، وبنيتها. لكن عند التدقيق في هذين المجالين، نلاحظ أن هنالك اختلافًا واضحًا بين الفرعين، أبرز هذه الاختلافات طريقة النظر إلى الظاهرة الاجتماعية، والمنهجية المتبعة في دراسة الظاهرة. ومن أبرز التشابهات والاختلافات نذكر ما يلي:
1- إن اختلاف موضوع الدراسة يعد أمرًا جوهريًا، بالرغم من أن كلا العلمين متقاربين فهما يدرسان الإنسان وحياته الاجتماعية. إلا أن علم الاجتماع “السوسيولوجيا” يدرس المجتمعات، بينما يدرس علم الإنسان “الأنثروبولوجيا” الثقافات في المجتمعات.
2- يميل علم الاجتماع إلى الاهتمام بدراسة ظواهر اجتماعية ذات عمر كبير. بينما يدرس علم الإنسان ما يحدث الآن في الثقافة.
3- نوعية البيانات المستخدمة وطرق الحصول عليها، يحاول علم الإنسان تكريس وقت وجهد الباحث في الاندماج في المجتمع المدروس لفهمه. ويحصل على البيانات من الحياة اليومية مع الأفراد في المجتمع المدروس. [6]

أهم النظريات علم الإنسان الاجتماعي

تمتلك الأنثروبولوجيا الاجتماعية العديد من النظريات قال بها منظرين مختلفين، نذكر أهم هذه المدارس الفكرية في علم الإنسان الاجتماعي.

النظرية التطورية

إن المذهب التطوري من المدارس الفكرية شديدة الانتشار، ويعتمد على النظرية التطورية الداروينية. سيطرت المدرسة التطورية على الأفكار الأنثروبولوجية خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر. وقد  جادل البعض بأن نمو علم الإنسان كعلم مرتبط بتطور نظرية التطور. أي لا يمكن أن يتطور أي منهما بدون الآخر. كما يعد الباحثان إدوارد ب. تايلور ولويس هنري مورغان من أبرز مؤيدي هذه النظرية. [3]

نظرية الانتشار

وتعود هذه النظرية لبدايات القرن العشرين، واهتم أنصار هذه النظرية بتوضيح موضوع التطور المجتمعي وكون هذا التطور متفاوت حول العالم. أشار منظرو هذه المدرسة الفكرية بأن التغير الاجتماعي يحدث عندما تقوم المجتمعات باستعارة سمات ثقافية بين بعضها البعض، التي تنتشر بدورها من مكان لآخر. جادل منظرو الانتشار البريطاني المتطرفون نسبيًا، بأن جميع الحضارات قد نشأت في مصر وانتشرت لمجتمعات ثانية بالتدريج. ساعدت نظرية الانتشر في فهم الحضارات الكلاسيكية القديمة، إلا أن هنالك العديد من المآخذ على هذه النظرية عند تطبيقها في عصرنا هذا. [3]

الخصوصية التاريخية

تطورت هذه النظرية كرد فعل على نظرية التطور أحادي الخط، وذلك في أوائل القرن العشرين. من رواد هذه النظرية العالم فرانز بوا، وقدمت هذه المدرسة الفكرية أجوبة لمواضيع مثل وجود التشابه والاختلافات بين المجتمعات، وقد أثر هذا الأمر على تطور الأنثروبولوجيا في هذه الفترة. كما عارض بوا نظرية التطور أحادي الخط بشكل شديد، وطرح حاجة البحث الإثنروغرافي الميداني التجريبي لفهم ثقافة كل مجتمع، وتؤكد هذه النظرية أن لكل مجتمع تطوره التاريخي الخاص. [3]

إن موضوع الأنثروبولوجيا الاجتماعية من المواضيع التي تلقى اهتمامًا كبيرًا ومتزايدًا في عصرنا الحالي، فكلما زادت حدة الأحداث والظواهر الاجتماعية العالمية كلما زادت الحاجة لمعرفة وفهم وتفسير هذه الظواهر الثقافية والاجتماعية.

ما هو الانتشار الثقافي في علم الإنسان؟

الانتشار الثقافي في علم الإنسان، مصطلح برز في أربعينيات القرن الماضي، وقد صاغه عالم الأنثروبولوجيا ألفريد كروبر. ويصف هذا المصطلح انتشار عناصر الثقافة من حضارة إلى أخرى، ويستخدم هذا المفهوم بكثرة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية، بالإضافة لاستخدامه في مجال الجغرافيا الثقافية. [2]

تعريف الانتشار الثقافي في علم الإنسان

يعرف الانتشار الثقافي Trans-cultural Diffusion بأنه: “العملية التي يتم من خلالها نشر فكرة أو أفكار، خاصة بثقافة معينة؛وانتشارها إلى مناطق أخرى خارج نطاق الثقافة التي نشأت فيها”. [3]
وصف ألفريد كروبر، عالم الأنثروبولوجيا الذي صاغ هذا المفهوم، بأن الانتشار عبر الثقافات يمر بعمليات إعادة صياغة لاحقة. ويصف هذا المفهوم العملية التي من خلالها يتم نقل ونشر العناصر الثقافية، والتي تتمثل بالأفكار، والأديان، والتقنيات، والعادات، بين مجموعة من الأفراد وذلك ضمن ثقافة واحدة، أو ثقافتين مختلفتين. ومصطلح الانتشار الثقافي يستخدم لشرح الطرائق التي تنتشر فيها هذه الأفكار، وتندمج من خلالها الأفكار في ثقافات مختلفة. [1]
والانتشار عبر الثقافات يعد ظاهرة موثقة، وطبيعية تمامًا؛ ويذكر علماء الأنثروبولوجيا أمثلة على هذا، الانتشار الكبير للوجبات السريعة أميريكية الأصل في دول شرق آسيا، بالإضافة لذلك قد انتشرت الوجبات الآسيوية على سبيل المثال في أمريكا بشكل كبير. علاوةً على ذلك، طرح العديد من العلماء فكرة أن الزراعة قد انتشرت من مكان ما في الشرق الأوسط إلى كامل أوراسيا “أي أوروبا وآسيا” وذلك قبل 10000 عام. هناك أمثلة أخرى على ذلك منها انتشار اللباس الغربي في مختلف أنحاء العالم كلباس رسمي عوضًا عن الزي التقليدي للمنطقة. [1]

آليات الانتشار بين الثقافات

يحدث الانتشار بين ثقافات مختلفة عن طريق ثلاثة طرق وهي:

الانتشار المباشر Direct Diffusion

وتحدث هذه الطريقة عند اختلاط ثقافتين تؤثران ببعضهما، وذلك بكامل إرادة كل ثقافة ودون أي فرض. مثال على ذلك التشابه الثقافي بين البلدان المتجاورة، مثل شيوع لعبة الهوكي والبيسبول في الولايات المتحدة الأميريكية وكندا. مثال فردي على هذه الطريقة هو تعرف شخصين من ثقافتين مختلفتين وزواجهما الذي يُحدِث نوعًا من الإندماج الثقافي. [2]

الانتشار القسري Forced Diffusion

هذا النوع من الانتشار يفرض قسرًا من قبل ثقافة على ثقافة ثانية، مثال عن هذه الطريقة هي فرض أي ثقافة من بلد استعماري لبلد آخر محكوم من قبله. [2]

الانتشار غير المباشر Indirect Diffucion

يحدث هذا النوع من الانتشار من خلال جهة ثالثة أو “وسيط”، بحيث يكون هناك ثقافة مؤثرة، وثقافة متأثرة، وبينهما وسيط ينقل العناصر الثقافية. ولا تكون الثقافتين مرتبطتان بأي شكل من الأشكال غير الوسيط. مثال ذلك هو انتشار الطعام المكسيكي في كندا، بالرغم من وجود حاجز هائل بين الثقافتين هو الولايات المتحدة. لكنها هنا تلعب دور الوسيط بين الثقافتين الثانيتين. [2]

أنواع حالات الانتشار الثقافي في علم الإنسان

هناك 6 حالات للإنتشار الثقافي، وهي: [3]

الانتشار الثقافي عبر التنقل

وهذا النوع يتم فيه الانتشار من خلال انتقال الأفراد من نقطة إلى أخرى، والاستوطان في مكان جديد. والذي يؤدي إلى دمج الثقافات عند هجرة مجموعة من السكان إلى نقطة غير مكان توطنهم.

الانتشار الثقافي في علم الإنسان عبر التوسع

هنا يتم انتشار فكرة ثقافية معينة، من حيث نشأت وتمتد إلى مناطق أخرى. وتبقى هذه الفكرة قوية في مكان منشأها، ويتوسع انتشار الفكرة المطروحة بالتدريج.

الانتشار الثقافي المعدي

وهو نوع من أنواع الانتشار التوسعي، يشير إلى انتشار العناصر الثقافية من خلال تفاعل الأفراد مع بعضهم. فعندما يتفاعل الأفراد يتأثرون بثقافة الشخص الآخر، ويؤثرون به بدورهم. وهذا مشابه لفكرة العدوى بأي فيروس، أشهر أمثلة على هذا هي انتشار مقاطع فيديو معينة على الانترنت وتحولها ل”تريند”.

الانتشار الهرمي

وفي هذا النوع يتم الانتشار من خلال أشخاص مشهورين يشاركون فكرة ما، وتنتشر هذه الفكرة مع عامة الشعب. وفي يومنا هذا يتم توظيف المشاهير أو المؤثرين “انفلونسرز” للقيام بنشر اسم علامة تجارية، ومن خلال هذا يتبنى باقي الأفراد رأي الشخص المؤثر ويتم نشر الفكرة المطلوبة.

الانتشار بالتحفيز

يتم هذا الانتشار عندما تتغير الثقافة خلال عملية الانتشار، قد يبقى العنصر الثقافي المنشور في المنطقة التي برز منها نفسه أو قد يتغير. لكن سوف يتغير بالتأكيد كلما زادت شهرته وانتشاره في الأماكن الأخرى. كما يدعي بعض المنظرين بأن للعالم ثقافة واحدة انتشرت، وخلال عملية انتشارها طرأت عليها تغيرات كثيرة أدت لظهور الثقافات الحالية، لكنه رأي غير مؤكد تمامًا.

انتشار مع انعدام القدرة على التكيف

يحدث هذا النوع عند انتشار ثقافة معينة إلى أماكن جديدة، ولا تكون هذه العناصر الثقافية ذات معنى في المناطق التي وصلت لها، بالرغم من ذلك فهي لا تتغير لتتكيف مع البيئة الجديدة. [3]

أهم النظريات في الانتشار الثقافي في علم الإنسان

هناك عدد من النظريات التي تشرح عملية الانتشار الثقافي، نذكر أهمها: [1]

الانتشار شمسيّ المركز Heliocentric diffusionism

تقول هذه النظرية بأن جميع الحضارات قد نشأت من ثقافة معينة، ثم تم تحويرها وتبديلها.

الانتشار بالدوائر الثقافية Kulturkreise

هذه النظرية تقول بأن الثقافات المتعددة في العالم، يعود أصلها لعدد صغير من الثقافات.

الانتشار التطوري Evolutionary diffusionism

تقول النظرية التطورية بأن كل المجتمعات تتأثر ببعضها، والبشر جميعًا يشتركون في سمات نفسية تجعلهم متساويون في احتمالية الابتكار. هذا ما يؤدي إلى حدوث ابتكارات مختلفة في كل منطقة بشكل معزول عن الثقافات الأخرى.

نقد نظرية الانتشار الثقافي في علم الإنسان

يؤخذ على هذه النظرية ما يلي:

  • أولًا، توجه لهذه النظرية انتقاد حاد لأنها تتمحور بشكل أساسي على العرق، وتحاول شرح أنماط الانتشارات من خلال هذا. وهذه العرقية تم التصريح عنها من قبل العديد من المنظرين للانتشار الثقافي، وطرحت فكرة أن الثقافات المستقبلة لن تكون قادرة على الابتكار، إنما تتلقى كل شيء من الثقافة المؤثرة.[4]
  • ثانيًا، من عيوب نظريات الانتشار الثقافي كونها تخمينية، ويصعب إثباتها بشكل تام أو دحضها. ولا يمكن استنتاج بعض الأفكار فيها إلا عندما تتضمن أوجه تشابه بين الثقافات، حتى أن العناصر تكون معقدة نسبيًا ولا يمكن الجزم بصحتها. [2]
  • ثالثًا، يؤخذ على هذه النظرية فشلها في تفسير سبب عدم نقل عناصر ثقافية معينة. [2]

بالرغم من المآخذ والانتقادات التي توجهت لنظرية الانتشار الثقافي في علم الإنسان، إلا أنها بدون أي شك من الأفكار المؤثرة جدًا في هذا العلم. ويجب أخذها بعين الاعتبار عند المقارنة بين مجتمعين أو عدة مجتمعات مدروسة.

المصادر:
1- artandpopularculture
2- helpfulprofessor
3- academia
4- aranthropos

النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا من المدارس المهمة التي برزت في ستينات القرن الماضي، على يد العالم مارفن هاريس الذي أرسى الدعائم الأولية لأفكار هذه النظرية في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية كنموذج نظري وبحثي في عام 1968. وقد وضح في كتابه عملية تطور وتغير المجتمعات متأثرًا بكتابات كارل ماركس. بالإضافة لتأثره من منظري النظريات التطورية في العلوم الإنسانية مثل هيربرت سبينسر.

نشأة النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

نشـأت المادية الثقافية كمدرسة فكرية على يد العالم مارفن هاريس، وذلك في عام 1968. ولكن جذور المادية الثقافية تمتد إلى الأفكار الماركسية، فهي تعد امتدادًا للأفكار المادية الماركسية. وقد نشأت هذه المدرسة كرد فعل على الأفكار البنيوية، والنسبية الثقافية، بالإضافة للأفكار المثالية. تؤكد هذه المدرسة أن العالم المادي يؤثر على سلوك البشر في مجتمعهم. والسلوك البشري جزء من الطبيعة بالتالي يمكن فهم السلوك البشري بنفس منهجية فهم الظواهر الطبيعية؛ أي باستخدام مناهج العلوم الطبيعية. [2]
يعطي أنصار المدرسة المادية الأولوية للعالم المادي على الفكر والإيديولوجيا المحيطة، أي برأيهم الواقع المادي هو ما يحدد الإيديولوجيا المنتشرة وليس العكس. وهذه الأفكار مستمدة من أفكار كارل ماركس وفريدريك إنجلز التي انتشرت في أواخر القرن التاسع عشر، التي قدما فيها نمذجًا تطوريًا للمجتمعات. لكن قلة من علماء الأنثروبولوجيا قد التفتوا لهذه الآراء حينها ولم تحصل على القبول، لكن هذه الأفكار زاد انتشارها بين علماء الأنثروبولوجيا في عشرينات القرن الماضي وزاد الاعتماد على تفسير العالم المادي لتحليل المجتمع والتطور المجتمعي. [1]

افتراضات المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

يحدد الماديون الثقافيون ثلاثة مستويات من النظم الاجتماعية التي تشكل نموذجًا عالميًا وهذه النظم هي: البنية التحتية infrastructure، البنية structure، والبنية الفوقية superstructure. وجميع هذه البنى مترابطة ببعضها حيث تؤثر كل بنية بالأخرى وتتأثر بها، وتؤدي التغيرات في بنية إلى حدوث تغيرات في البنية الأخرى. كما أن هذه التغيرات لا تكون بالضرورة فورية، ولكنها تظهر على البنية لاحقًا. [3]

البنية التحتية Infrastructure

يحدد أنصار هذه المدرسة البنية التحتية كأساس لجميع المستويات الأخرى، وتضم هذه البنية كيفية تلبية الاحتياجات الأساسية وتفاعلها مع البيئة المحيطة وتتضمن الوضع الاقتصادي والتكنولوجي والعوامل الديموغرافية التي تؤثر في المجتمع.

االهيكل أو البنية Structure

وهي الطبقة الوسطى بين البنية الفوقية والتحتية، تتضمن التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، والمؤسسات والمنظمات الموجودة في المجتمع

البنية الفوقية Superstructure

وهي البنية المرتبطة بشكل رئيسي بالإيديولوجيا السائدة والرمزية والدين. وقد أكد مارفن هاريس على أن البنية التحتية هي الأكثر أهمية. فهنا يحدث التفاعل الأساسي بين الثقافة والبيئة وهي التي تؤثر حكمًا بالطبقات التي تليها. [5]

المنهجية المتبعة في المدرسة المادية الثقافية

تركز المادية الثقافية على الأحداث القابلة للملاحظة والقياس الكمي، وتماشيًا مع الطريقة العلمية تدرس هذه الأحداث باستخدام الأساليب التجريبية الإمبريقية. يعتمد النهج الذي أسسه هاريس على دراسة الثقافة لإبراز كونها ناتجة عن الوضع المادي المحيط، ويركز على الممارسات المجتمعية التي تساهم في بقاء واستمرار المجتمع، بالإضافة إلى أن التحليل يتضمن عمليات قياس ومقارنة للظواهر في المجتمع المدروس. [1]

أبرز العلماء المؤسسين لهذه المدرسة

ساهم العديد من العلماء في الأنثروبولوجيا في تطوير مدرسة المادية الثقافية، نذكر أهم هؤلاء العلماء:

مارفن هاريس

وهو المؤسس لهذه المدرسة، خريج جامعة كولومبيا وحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الإنسان في عام 1953. في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية حدد المعالم الأساسية لهذه المدرسة الفكرية. درس هاريس التطور الثقافي باستخدام منهجية بحث المادية الثقافية، ومن أهم التحليلات التي قام بها تحليل سبب تحريم أكل لحم البقر وتقديسه عند الهندوس. حيث حاول في عمله توضيح سبب تركيزه على الظروف المادية في تحليله للظاهرة. بالرغم من تعرض هاريس لنقد شديد إلا أنه قد خلف إرثًا هائلًا في الأنثروبولوجيا. [1]

جوليان ستيوارد

طور ستيوارد مبدأ البيئة الثقافية، التي تطرح فكرة أن البيئة هي عامل إضافي مساهم في تشكيل الثقافات. كما حدد مفهوم التطور متعدد الطبقات باعتباره منهجية تهتم بالانتظام في التغيير الاجتماعي، وهدفه تطوير القوانين الثقافية تجريبيًا. كما وضع فكرة أنواع الثقافة التي تمتلك صلاحية إظهار عناصر ثقافية مختارة من أساس مرجعي وتمتلك نفس العناصر الثقافية. [1]

الانتقادات التي وجهت للنظرية

طالت المادية الثقافية العديد من الانتقادات من العديد من المدارس الفكرية في الأنثروبولوجيا، لعل أبرزها كان من الماركسيين المعارضين للمادية الثقافية، والمثاليين البنيويين، وأنصار مدرسة ما بعد الحداثة.

انتقادات الماركسيين

قام الماركسي ج. فريدمان بتسمية المادية الثقافية بالمادية المبتذلة، وذلك لاعتقاده بأن النهج التجريبي الإمبرييقي الخاص بهذه المدرسة ساذج وبسيط للغاية. كما انتقد الماركسيون فكرة الاعتماد الشديد على البنية التحتية وأنها هي الأكثر تأثيرًا في باقي البنى. مشيرين لأهمية النظر للبنية الفوقية بجدلية ديالكتيكية لفهم أهميتها. ويجادلون أن أنصار المادية الثقافية قد اهتموا بالجانب التحتي من المجتمع إلى مرحلة قد أدت بهم لإهمال البنية الفوقية بشكل كامل. [4]

انتقادات منظري المدارس المثالية

جادل المثاليون ومنهم أنصار المدرسة البنيوية مثل ايميل دوركهايم، بأن الثقافة هي نفسها العامل المسيطر في عملية التغير الثقافي في المجتمع. وهذه الثقافة تستند إلى هيكل موجود في دماغ الإنسان. وانتقدوا التركيز المادي على البيئة المحيطة من قبل الماديين الثقافيين بأنه قد يخلق استنتاجات متحيزة. [4]

انتقادات أنصار مدرسة ما بعد الحداثة

انتقد أنصار ما بعد الحداثة المنهج العلمي الصارم الذي استخدمه الماديون التاريخيون، مؤكدين أن العلم في حد ذاته ظاهرة مصممة ثقافيًا تتأثر بالطبقة، والعرق، وعوامل بنيوية أخرى من البنية التحتية. حتى أن بعض أنصار ما بعد الحداثة يقترحون بأن العلم هو أداة تستخدمها الطبقات العليا في المجتمع لقمع والسيطرة على الطبقات الأضعف منها. وهذا يعد هجوم مباشر على المادية الثقافية بدراساتها الموضوعية والمقارنات متعددة الثقافات. [4]

دوامة الصمت، لماذا نخاف من إبداء رأينا؟

دوامة الصمت مصطلح برز في سبعينات القرن الماضي، وهو نموذج يوضح قابلية الفرد لإبداء الرأي. وما الذي يجعل العديد من الناس خائفين من إبداء رأيهم. طرحت الباحثة في العلوم السياسية إليزابيث نويل-نيومان نظريتها في نموذج التي أطلقت عليه اسم دوامة الصمت، فما هي هذه الدوامة؟

دوامة الصمت Spiral of silence

منذ أن قدمت الباحثة إليزابيث نويل نيومان نظريتها المسماة دوامة الصمت. لقيت هذه النظرية صدىً واسعًا؛ وذلك لأهميتها في شرح تكوين الرأي العام في بيئة إعلامية. تحاول هذه النظرية أن تفسر كيفية تفاعل استهلاك الجمهور للوسائط الإعلامية. ذلك بالإضافة لمحاولة شرح عملية التفاعل بين المجموعات الرئيسية، وكيف يتفاعل هذان العنصران لتشكيل الآراء في المجتمع. [1]

النموذج اللولبي أو الحلزوني Spiral model


تطرح النظرية فكرة مرادها أنه بمرور الزمن سيحدث تأثير لولبي متصاعد spiraling effect. يصبح فيه الرأي السائد أكثر وضوحًا وأهمية من آراء أقل أهمية. ساعدت هذه النظرية بشكل كبير في تفسير التفاعلات التي تتم وجهًا لوجه في وسائل الإعلام، والتي تساعد في تشكيل بنية الرأي العام. تتميز افتراضات نظرية دوامة الصمت المترسخة في علم النفس الاجتماعي، بأنها مثيرة للجدل إلى حد ما. وذلك يعود لأن افتراضات نويل نيومان تتعارض مع وجهات النظر الشائعة عن الفرد العقلاني المستقل. ولكنها من أبرز النظريات التي يتم تكرارها في العلوم الاجتماعية. [2]

كيفية تشكل دوامة الصمت

تعتمد فكرة النظرية على أنه في حالة معينة بمتلك جميع الأفراد طريقة بديهية لمعرفة الرأي العام السائد. ويتم تشكل الدوامة هذه أو تعزيزها عندما يتحدث شخص في رأي الأغلبية بثقة لدعم رأي الأغلبية. بالتالي، يبدأ الأفراد بالابتعاد عن تعبير رأيهم وذلك نتيجة للخوف من الانعزال عن باقي المجتمع، أو نتيجة الخوف من عواقب مخالفتهم للرأي العام السائد. يتم اختبار التأثير اللولبي إلى درجة أنه ينشط دوامة هبوطية حيث تتراكم باستمرار المخاوف لدى الفرد أو الأفراد أصحاب رأي الأقلية المخالف للرأي السائد، بالتالي، لا يتم التعبير عن رأي الأقلية مطلقًا. [1]

دوامة الصمت الهبوطية
المصدر

الأجزاء الأربعة الرئيسية لنظرية دوامة الصمت

سعت نويل نيومان في نظرية دوامة الصمت إلى شرح كيف يعتمد رأي الفرد على آراء الآخرين من حوله. كما وضحت التفاعل الكامن وراء كيفية كسب الاتجاهات “trends” الدعم العام والانتشار. قامت بتلخيص المبادئ الرئيسية لدوامة الصمت في أربعة افتراضات.

الافتراض الأول: الجهاز شبه الإحصائي

أول افتراض تشير فيه نويل نيومان بأن كل فرد يمتلك عضوًا أو جهازًا “شبه إحصائي” وظيفته مراقبة الرأي العام حول قضية معينة. وأوضحت أن أسهل طريقة للعثور على الرأي السائد هي عن طريق عرضه قي الأماكن العامة. يشير المعنى شبه الإحصائي أن التفاعل الاجتماعي هو جوهر هذه النظرية. البشر بشكل عام ميالون إلى تجنب الأفعال التي تجعل منهم غير محبوبين. لذلك في سعيهم إلى ضمان محبة الآخرين لهم يحاولون التمسك بالرأي العام السائد وإخفاء أو قمع آرائهم الحقيقية. [3]
يجب عرض الرأي السائد بشكل متكرر على وسائل الإعلام، ويمكن مراقبته بعدة أشكال منها التغطية الإعلامية والمراقبة البيئية أو المناقشة الشخصية للقضايا. وتجادل نويل نيومان والعديد من العلماء أن وسائل الإعلام أهم وسيلة لنشر الرأي العام. ونظرًا لأن القضية يجب أن تكون قضية أخلاقية يلعب الإعلام دورًا هامًا في نشرها كونها مثيرة للجدل وذلك من خلال جذب مشاعر الجماهير. [4]

الافتراض الثاني: الرأي العام وعملية تشكل دوامة الصمت

وفي هذا الافتراض تفحص الباحثة دور الرأي العام والتفاعل بين الآراء الشعبية في العملية المتصاعدة لتحرك الدوامة. وعرفت الرأي العام على أنه وسيلة من الشعبية؛ وهو الرأي الذي يمكن التعبير عنه دون خوف . الجدير بالذكر أن هذه النظرية تشجع الأفراد من أصحاب رأي الأقلية على التزام الصمت. بالرغم من ذلك، عند تحديد فهم القضية المطروحة بشكل صحيح، يمكن لهذه الآراء المخفية أن تبطل جزءًا من النظرية. عندما تُخفى هذه الآراء فهي تمنع تشكيل مزيج متنوع من الآراء. مثلًا إن لم يعبر الفرد عن رأي غير شعبي مدعوم بالإحصاءات قبل العملية المتصاعدة “تصاعد الدوامة”، فإن الرأي الشائع بعد عملية التصاعد لن يأخذ بعين الاعتبار الرأي غير الشائع حتى لو كان مدعمًا بإحصاءات.إن الرأي الشائع قد لا يملك حججًا قويةً، ولكنه نظرًا لشيوعه ينجذب الجمهور له. [3]
عملية التصاعد اللولبي تنظر إلى الآراء على أنها شعبية أو غير شعبية، ولا تصنفها إن كانت صحيحة أو خاطئة، وذلك يعود إلى أن القضايا تكون في مرحلة المناقشة في مرحلة ما قبل الدوامة، وحتى بعد تحديد رأي الأقلية سيبقى هناك البعض من المؤيدين لرأي الأقلية لكونها صحيحة أخلاقيًا. إن عملية التصاعد هي السمة الأساسية للنظرية ومن خلالها يتأسس الرأي السائد، وبالتالي، فإن الآراء التي تبديها الأقلية يتم دفعها لأسفل الدوامة من قبل رأي الأغلبية، وعلى مرور الزمن يتكون لدى الناس تصورًا أن هناك رأي عام سائد. آراء الأقلية سوف تبقى محبوسة في قاع الدوامة، وبمكن أن تجد لنفسها دعمًا، وبالتالي فإنها لا تختفي تمامًا. [3]

الافتراض الثالث: تهديد الانعزال

بعد انتهاء عملية تصاعد الدوامة اللولبية، يظهر رأي الأغلبية الساحق مجبرًا الناس على اتباعه. ويجد العديد من الباحثين أن إمكانية تعبير الفرد عن رأيه تزداد بزيادة الدعم الاجتماعي الذي يحصل عليه والعكس صحيح. تم تصور هذا الالتزام باتباع الرأي العام بأنه شبيه بالرقابة الاجتماعية. وإن أعرب الفرد عن رأي مخالف لرأي الأغلبية سوف يوجاه العزلة بالتأكيد، تم وصف هذه العزلة بأنها تهديد قسري يفرضه المجتمع على الأفراد. ووضح الباحثون أن تهديد العزلة هذا يأتي من من المجموعات المرجعية للفرد مثل الأصدقاء والعائلة ومجموعة الأقران. ومع تزايد استخدام الوسائط الرقمية أصبح المجتمع المعولم أكثر ارتباطًا ببعضه، وقد توحي هذه الوسائط الرقمية بانطباع بأن هناك إجماع أكثر أو أقل لقضية معينة مما هو موجود بالفعل. [3]

الافتراض الرابع: احتمالية التعبير عن الرأي

ينص الافتراض الرابع على احتمالية قيام الفرد بالتعبير عن رأيه بشكل علني، ومن المرجح أن يبقى الرأي العام هو السائد بشكل حازم. وذلك يعود لموضوع اعتياد الناس على الدفاع عن رأي معين وإدانة ما يخالفه. لذلك فإن زيادة عدد تخلق ضغطًا شديدًا للحفاظ على الوضع الراهن. بالرغم من ذلك فإن هذا لا يمنع بعض الافراد من التعبير عن آرائهم دون الاكتراث برأي المجتمع. ويتصفون هؤلاء الأفراد بقلة تأثير دوامة الصمت عليهك، وهذا لأن تفكيرهم الاستراتيجي يساعدهم على تحقيق أهدافهم بدلًا من أن يشتت اهتمامهم الرأي العام السائد. [3]

الرأي العام وعلاقته بوسائل الإعلام

إن وسائل الإعلام هي نافذة العالم لرؤية ما يحدث ومعرفة كل شيء، فمن البديهي التأثر الشديد بأي خبر يأتي من هذه الوسائل. وبمعنى آخر، إن وسائل الإعلام تصوغ طريقة تفكير المشاهدين. في إطار نظرية دوامة الصمت تشكل وسائل الإعلام أفكار المشاهدين من خلال ضخ الأفكار المختلفة. عند قيام وسائل الإعلام بدعم قضية بشكل متكرر بطريقة تراكمية ومتسقة ، فسوف تحظى هذه القضية بتأييد الجماهير، وتشكل بالتالي الرأي العام. إن الرأي العام غير محدود بمكان أو زمان إنما يعيش مع المجتمع الحالي في زمنه الراهن. ويعمل الرأي العام كآلية لتحديد الرقابة الاجتماعية، وسوف يتغير هذا الرأي العام مع تغير الزمان والمكان، كما أنه يعمل على استقرار المجتمع وتكامله لأن النزاعات سوف تحلها عملية دوامة الصمت لصالح رأي الأغلبية، وهذا ما يسمى بوظيفة التراكم للرأي العام. [1]

تأثير دوامة الصمت على وسائط التواصل الاجتماعي والوسائط الإلكترونية

تجسد وسائط التواصل الاجتماعي ثلاث خصائص وهي إنشاء ملفات عامة ضمن نظام محدود. عرض قائمة بالأشخاص الذين يتشاركون مع بعضهم بأمور معينة، ومن ثم عرض هذه الروابط واجتيازها. بشكل عام يعرف أغلبية الأشخاص من هم في قائمة أصدقائهم، وهذا له تأثير مهم في تحرك دوامة الصمت، إن كان الناس يعرفون بعضهم في الفضاء الإلكتروني. هذا يشير إلى أن تهديد الصمت أو الإسكات إنما يعود من جماعات مرجعية على عكس المجتمع ككل. بالتالي سوف تكون الجماعات المرجعية قادرة على التمييز المنطقي للأيديولوجية الفريدد للشخص وذلك لتعزيز أو معارضة رأيه. إن تأثير الإسكات قد لا يكون واضحًا في تفاعلات الأوساط الرقمية، ويمكن تخفيف تأثير دوامة الصمت في التفاعلات الإلكترونية عن طريق الترابط العالمي للإنترنت.

نقد نظرية دوامة الصمت

تحتوي هذه النظرية على عدة ثغرات أبرزها أصوات الأقليات والانترنت. فيما يخص الانترنت لا يشعر الفرد بخوفه من كون صوته من أصوات الأقليات ويمكنه التعبير عن رأيه في هذه الساحة. أما فيما يخص رأي الأقلية، يبدو أن هناك العديد من الناس الواقعين خارج تأثيرات دوامة الصمت ولن يخافوا من نشر آرائهم علنًا. [4]

إن نظرية دوامة الصمت تسلط ضوءًا مهمًا حول كيفية تشكيلنا لأفكارنا وإن كانت هذه اللأفكار هي أفكارنا حقًا أم تم خداعنا لنعتقد أنها أفكارنا. عندما نبتعد عن بيئة وسائل الإعلام والمنصات الرقمةي شديدة التحيز سوف نكون قادرين على استخلاص استنتاجاتنا الخاصة من آراء الأغلبية حولنا.

المصادر:

1- scienceabc
2- noelle-neumann.de
3- inquiriesjournal
4- masscommtheory

مدخل إلى الأنثروبولوجيا: النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا من النظريات التي برزت في خمسينات القرن العشرين، وتعد من المدارس الهامة في مجال الأنثروبولوجيا. بُنيت هذه النظرية على آراء المفكر كلود ليفي شتراوس، التي تقول بأن للمجتمعات بنى أصغر حجمًا تشكل مجتمعة المجتمع بكليته وعناصره.

نشأة النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

نشأت النظرية البنيوية على يد كلود ليفي شتراوس في خمسينيات القرن العشرين، متأثرًا بالعديد من المفكرين والفلاسفة منهم هيغل. وأخذ العديد من الأفكار من علم اللغة البنيوي، ومنها أفكار فرديناند دي سوسور الذي جادل بأن علماء اللغة بحاجة إلى تجاوز أفعال الكلام الفردية والتوصل إلى فهم أوسع للغة. طبق ليفي شتراوس هذه النظرية في بحثه عن البنى العقلية الكامنة وراء أفعال السلوك البشري. فكما المتحدثين بلغة يتحدثونها بالرغم من جهلهم بالقوعد، فإن البشر يعيشون حياتهم دون إدراك طريقة عمل البنى الاجتماعية في حياتهم اليومية. [1]
ركزت البنيوية على كيفية تحديد السلوك البشري من خلال البنى الثقافية والاجتماعية والنفسية. أي أن الأشياء لا يمكن فهمها بمعزل عن غيرها، بل يجب رؤيتها في سياق الهيكل الأكبر أو البنية الكاملة للمجتمع. ولا توجد هذه الهياكل الكبرى في المجتمع من تلقاء نفسها إنما تتكون من خلال إدراكنا للعالم. [5]

افتراضات النظرية البنيوية

تأثرت النظرية البنيوية بمدارس الظواهر والجشتالت في علم النفس. اقترح ليفي شتراوس أن التركيز للدراسات الأنثروبولوجية يجب أن يكون على الأنماط الأساسية للفكر البشري التي تنتج الثقافات التي تنظم بدورها وجهات النظر العالمية. واعتقد أن هذه العمليات لا تحدد الثقافة وإنما تعمل بداخل هذه الثقافة. وأكد المنهج البنيوي أن عناصر الثقافة يجب أن تفهم من حيث علاقتها بالنظام بأكمله. أي أن الكل أكبر من الأجزاء، وعناصر الثقافة ليست تفسيرية في حد ذاتها، لكنها تشكل جزءًا من نظام ذو معنى. [2]

مفهوم البنية في المجتمع

المفهوم الأساسي للبنية هو أن جميع أنشطة البشر في المجتمع مبنية وليست طبيعية أو تلقائية. تميل البنيوية إلى التصنيف العلمي، وتقترح في ذلك علاقة متبادلة بين الوحدات أو ظواهر السطح وبين القواعد أو الطرق التي عن طريقها يتم تجميع الوحدات. يعتقد أنصار هذه النظرية أن البنى الأساسية التي تنظم القواعد والوحدات في أنساق ذات معنى يتم إنشاؤها عن طريق العقل البشري وليست عن طريق الإدراك الحسي. وتحاول البنيوية تقليل تعقيد التجارب البشرية وإرجاعها إلى بنى أساسية معينة تعمم على كافة المجتمعات. [3]
يكمن تعريف البنية على أنها أي نظام مفاهيمي له ثلاث خصائص وهي:
1- الكمال، أي أن النظام يعمل ككل.
2- التحويل، النظام ليس ثابتًا.
3- التنظيم الذاتي، أي أن الهيكل الأساسي يكون ثابت.

نظام القرابة

تتمحور نظرية ليفي شتراوس عن موضوع القرابة أن مجموعات القرابة القبلية عادة ما توجد في أزواج، أو في مجموعات ثنائية تعارض بعضها بعضًا، ولكنها بحاجة لبعضها في نفس الوقت، كما أضاف أن الطرق التي صنف بها الناس في البداية الحيوانات والأشجار كانت مبنية على سلسلة من التناقضات. [4]
وصف الحكايات الشعبية لأمريكا الجنوبية القبلية بأنها مترابطة من خلال سلسلة من التحولات، حيث يكون هنام تحول معاكس في الحكايات إلى نقيضها في حكايات أخرى. ويرى أن هذه الأضداد هي رمز للثقافة الإنسانية والتي عن طريق الفكر والعمل تتحول إلى أدوات مادية للقبيلة. [2] [4]
تعكس الهياكل الاجتماعية المعرفية التعامل مع الأنماط في التفاعل الاجتماعي وتكون مظهر لها، وتسعى البنيوية إلى تحديد روابط بين بنى الفكر والبنى الاجتماعية. طرح موس الهدية كمثال وجادل بأن الهدايا ليست مجانية، بل تلزم المتلقي بأن يردها بالمثل. وأشار إلى أن الهدايا ليست أشياء مادية فقط، وإنما لديها خصائص ثقافية وروحية. ومن هذا انطلق شتراوس بأن التبادل هو الأساس العالمي لأنظمة القرابة، التي تعتمد بنيتها على نوع قواعد زواج معينة، وسمي النموذج الخاص بليفي شتراوس لأنظمة القرابة باسم نظرية التحالف. [4]

نظام الزواج

وضح ليفي شتراوس في نموذجه أنظمة الزواج بين أبناء العم، وتبادل الأخت، وقواعد الزواج الخارجي. أشار إلى أنه مع الوقت تشكل قواعد الزواج بنى اجتماعية، أي أن كل نظام زواج يخلق علاقة مدين ودائن يجب موازنتها من خلال التزويج على الفور أو في الجيل التالي. وناقش فكرة تبادل النساء بين القبائل بأن محركها الأساسي كان أن فكرة سفاح القربى محرمة شمن الأسرة أو القبيلة بالتالي لجأت القبائل لتبادل النساء. واكتشف أن مجموعة كبيرة من الثقافات غير المرتبطة ببعضها لها قانون يقتضي بتزويج أبناء العم أي أطفال الأشقاء من الجنس الآخر. وقام وفقًا لذلك بتجميع أنظمة القرابة في مخطط يحتوي على ثلاثة هياكل قرابة أساسية تم إنشاؤها من نوعين من التبادل. أطلق على تراكيب القرابة أولية، شبه معقدة، ومعقدة. [4]

العلماء المؤسسون للنظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا

من رواد البنيوية كلود ليفي شتراوس الذي أسسها، والعلماء الذين شاركوا في تطويرها تيرينس هوكز وروبرت سكولز. وفي ستينات القرن الماضي نذكر من العلماء تشارلز موريس ونعوم تشومسكي.

كلود ليفي شتروس

عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي ومؤسس هذه النظرية والعالم الرئيسي الذي ساهم فيها، طبق النظرة البنيوية على الظوهر الثقافية مثل الأساطير وعلاقات القرابة، كما طبق مبادئ اللغة في بحثه عن البنى العقلية الأساسية للعقل البشري. قام بتقسيم الأساطير إلى إلى وحدات صغيرة ذات معنى أطلق عليها اسم mythemes. وبرأيه، يمكن فهم كل ثقافة من حيث التعارضات الثنائية الموجودة فيها وهي فكرة استمدها من فلسفة هيجل. وأظهر أن التناقضات ستتصارع فيما بينها، وسوف يتم حلها في قواعد الزواج والأساطير والطقوس الخاصة بالمجتمع. [2]

فرديناند دي ساسور

عالم لغويات سويسري، أثر عمله في علم اللغويات وعلم الأحياء بشكل كبير على ليفي شتراوس، ويعتبر أنه من الأباء المؤسسين لعلم اللغويات في القرن العشرين. [3]

مارسيل موس

عالم الاجتماع الفرنسي، قام بتدريس ليفي شتراوس وأثر في تفكيره حول طبيعة المعاملة بالمثل والعلاقات البنيوية في الثقافة. [3]

ميشيل فوكو

فيلسوف اجتماعي فرنسي، ارتبطت أعماله بالفكر البنيوي وما بعد البنيوي، كتب إلى حد كبير عن قضايا السلطة والهيمنة في أعماله، تأثر بالفكر البنيوي لكنه لم يعد نفسه عالمًا بنيويًا تمامًا ورفض هذه التصنيفات. [3]

الانتقادات التي وجهت للنظرية

مع ظهور الفكر التفسيري لما بعد الحداثة تراجعت النظريات البنيوية والوظيفية. وذلك بسبب عدم اتساقها الداخلي ومجموعة من القيود أضعفت هذه النظرية. ومن المآخذ على هذه النظرية تركيزها المفرط على العلاقات القبلية وعلاقات القرابة. وأشار نقاد هذه النظرية إلى أن هناك نقاط ضعف في أساليب ليفي شتراوس.وذلك بسبب بحثه عن بنى مثالية الذي دفع به إلى إهمال واقع وتعقيدات الممارسات الفعلية، فليست جميع القبائل معتمدة على نظام مبادل الزواجات. كما أن التماسك الاجتماعي لا يتم بشكل رئيسي في تبادل النساء كزوجات. إن ليفي شتراوس طور مفهومًا للبنى الفكرية ولكنه ببساطة افترض وجودها افتراضًا. [2]

ظاهرة هيكيكوموري، من هم نسّاك العصر الحديث؟

ظاهرة هيكيكوموري من الظواهر الاجتماعية الفريدة والغريبة التي ظهرت في اليابان وسيطرت على العديد من الناس. وكان لها أثار سلبية شديدة على المجتمع الياباني ككل.

ظاهرة هيكيكوموري

هيكيكوموري ظاهرة تصف الأشخاص الذين يظهرون سلوكيات عزل أنفسهم في المنزل لفترات طويلة جداً من الوقت قد تصل لأشهر وسنوات. عادة ما يكون لهم تفاعلات وجه لوجه مع أفراد أسرتهم فقط. تم وصفهم بأنهم “نسّاك العصر الحديث” بسبب عزلتهم الشديدة عن عالمهم الخارجي. توصف هذه الحالة أيضاً بأنها حالة انسحاب اجتماعي حاد، وسعي إلى أقصى درجات العزلة. تشير التقديرات بأن أكثر من مليون شاب في اليابان عزلوا أنفسهم اجتماعياً بشكل كليّ. [1]

أصل التسمية

تعني الكلمة حرفيًا الانسحاب للداخل، أو البقاء محصور. وبرزت هذه التسمية في بداية التسعينات وصاغاها تاماكي سايتو، وعرفت وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية في اليابان الهيكيكوموري بأنها حالة يرفض فيها المصابون مغادرة منزل ذويهم، لا يعملون، لا يذهبون للمدرسة أو الجامعة، وليس لهم أي نوع من النشاط الاجتماعي. ويعزلون أنفسهم عن المجتمع وعن الأسرة حتى في غرفتهم لمدة تتجاوز الستة أشهر. [3]

السمات المشتركة في الظاهرة

طور الباحثون معايير أكثر تحديدًا لهذه الظاهرة، من خلال المقابلات التشخيصية يقيم الطباء كم من الوقت يقضيه الفرد لوحده مقيداً في المنزل، التجنب الملحوظ والمستمر للمواقف الاجتماعية والعلاقات. والانعزال لمدة تتجاوز الستة أشهر بالإضافة لغياب الرغبة كليًا في الذهاب لأي عمل أو مكان آخر غير المنزل. [2]
يكون الشخص المنسحب اجتماعيًا أكثر عرضة لمخاطر الانتحار، العجز الاجتماعي الكلي، سلوكيات الوسواس القهري، والسلوكيات المسببة للإدمان. [4]

انتشار الهيكيكوموري

تشير الدراسات السكانية بأن الظاهرة منشرة بين الشباب بشكل كبير، تبدأ الظاهرة بالتشكل في الطفولة مع التسرب من المدراس وعدم رغبته في الذهاب للمدرسة. وتظهر في حالات يكون فيها الأباء بشكل عام حاصلين على تعليم عالٍ. يتم تقديم هذه الظاهرة كبنية متجانسة بشكل عام، وهي أكثر ظهورًا عند الرجال منها عند النساء. حسب إحصائيات الحكومة اليابانية الصادرة عام 2010 هناك تقريب 700 ألف فرد بين عمر 19 إلى 31 بالإضافة لذلك هناك أكثر من مليون ونصف مواطن في خطر لأن يتحولوا لهيكيكوموري. هناك البعض ممن هم في الأربعينات من عمرهم ممن قضوا فوق 20 عام في العزلة، ويدعون هؤلاء بالجيل الأول من الهيكيكوموري وتشكل قضية إعادة ادماجهم في المجتمع قلقًا لدى الحكومة ما يعرف باسم “مشكلة 2030” عندما يكونوا في الستينات من عمرهم ويبدأ أباؤهم في الموت. [4]

فرضيات عن انتشار الظاهرة

لا توجد مسببات عقلية أو جسدية واضحة تفسر منشأ الانسحاب الاجتماعي الحاد، ولكن هناك العديد من الفرضيات حول منشأ هذه الظاهرة

الظروف النفسية

تلعب الظروف النفسية للفرد دورًا مهمًا في لجوءه للعزلة، فالدراسات أكدت على أن المصاب بالانسحاب الاجتماعي الحاد يمتلك سوابق مرضية نفسية أو عقلية، مثل الاكتئاب والوسواس القهري والصدمات السابقة، ومشاكل في الانسجام الاجتماعي مع الأقران. [4]

التأثير الثقافي والاجتماعي

غالبًا ما يظهر سلوك الانسحاب الاجتماعي الحاد عند الفرد عند حصول صدمة أو عدة صدمات في حياته، مثل الفشل الاجتماعي أو الأكاديمي. كما أن النظام الاجتماعي الياباني يفرض الكثير من الضغوط على المراهق لتحقيق النجاح والمثابرة عليه، الأمر الذي يؤدي ببعض المراهقين إلى الانعزال بعد فشلهم في تحقيق هذا الأمر. تنتشر هذه الظاهرة عند الطبقات المتوسطة التي تستطيع إعالة ابنها البالغ لأجل غير مسمى، على عكس الطبقات الفقيرة التي يجبر فيها المنسحب اجتماعيًا على العمل وبالتالي تكسر عزلته. [1]

التيكنولوجيا

لا توجد صلة جوهرية بين التيكنولوجيا لكونها مسببًا لظاهرة الانسحاب الاجتماعي الحاد، ولكنها تقوم بتغذيتها بشكل كبير. يظهر الفرد في هذه الحالة إدمانًا شديدًا على الانترنت. كما أن وجود الهواتف المحمولة يعمق الانعزال لدى الفرد. [3]

تأثير الظاهرة

أعراض الانسحاب الاجتماعي الحاد تسبب ضعف وظيفي كبير بالإضافة لوجود اضطراب نفسي، واضطراب في النمو، وسلوك إدماني، والعديد من المشاكل في التعلق وسلوك البالغ سلوك الطفل مع أبويه. تشكل عملية إعادة دمج المنعزلين في المجتمع قضية كبيرة ومقلقة في المجتمع الياباني، بالإضافة لظهور الهيكيكوموري في بلدان عدة أخرى، أبرزها بلدان شرق آسيا فهناك العديد من الحالات في هونغ كونغ وسينغافورة، بالإضافة لعدد من الحالات في أوروبا وأميركا. [4]

مقترحات لعلاج الظاهرة

هناك تدخلات رعاية صحية مختلفة بما في ذلك الاستشارة والعلاج النفسي الأسري أو الفردي، والتقييم النفسي السريري من أجل حالات هيكيكوموري. بالإضافة لذلك هناك خدمات الدعم والاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والتدريب على المهارات الحياتية. توجد خدمات مختلفة في بلدان شرق آسيا تشمل الزيارات المنزلية وتقديم المشورة ومجموعات دعم الوالدين. تقدم هذه الخدمات من خلال المراكز الصحية أو المنظمات التطوعية غير الربحية. [2]

إن نسّاك العصر الحديث قضية لا يستهان بها، ومن المتوقع أن تكون قضية عالمية خلال السنوات القادمة. فكلما زاد تعلق الإنسان بواقعه الافتراضي ورفضه لمواجهة الواقع كلم زادت حالات الانسحاب الاجتماعي التي تتطور بالتدريج لتصل لمرحلة العزلة التامة.

المصادر:

1- bmcpsychology

2- frontiersin

3- wikipedia


4- frontiersin

5- BBC

أن تكون عاقلًا في أكثر الأماكن جنوناً! ما هي تجارب روزينهان؟

الأمراض النفسية ما زالت غامضة حتى عصرنا هذا، وهذا ما يجعل الأطباء عمومًا، والأطباء النفسيين خصوصًا، عرضة للوقوع في الخطأ خلال التشخيص للمريض. وهناك العديد من المحاولات للتأكد من صحة التشخيصات، ولمحاولة فهم ماهية السلوك “الغير طبيعي”. من خمسينات القرن الماضي بدأ النهج الطبي باستخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders). الذي استخدِم بغرض تحديد السلوك الطبيعي عن غير الطبيعي. ولكن في ستينيات القرن الماضي بدأ العديد من الأطباء بنقد النهج الطبي. أحدهم كان دايفيد روزينهان الذي قام بدراسة لإثبات انتقاده لهذا النهج. [1]

تجربة روزينهان

كانت تجربة روزينهان من التجارب التي أجريت لتحديد صحة التقييم النفسي. تظاهر المشاركون فيها بالهلوسة لدخول المستشفيات النفسية، ولكنهم تصرفوا بشكل طبيعي بعد ذلك. وبالرغم من هذا، تم وصف أدوية مضادة للذهان لهم. أجرى الدراسة البروفسيور دايفيد روزنهان ونشر دراسته في مجلة العلوم عام 1973 بعنوان “أن تكون عاقلًا في أكثر الأماكن جنونًا.

الفرضية التي استندت عليها التجربة

هدف هذه الدراسة كان اختبار الفرضية التي تقول بأن الأطباء النفسيون لا يستطيعون التمييز بشكل موثوق بين العقل والجنون. كان يهدف بشكل رئيسي إلى معرفة ما إذا كانت الخصائص الظاهرة التي تؤدي للتشخيص تكمن في المرضى أنفسهم، أم في البيئات والظروف المحيطة التي يوجد المريض فيها. كما أراد أيضًا أن يرى المشفى من وجهة نظر المريض. [1]

مراحل التجربة

وقسم روزينهان دراسته إلى مرحلتين.

الدراسة الأولى: المريض الزائف

حاول مجموعة من الأشخاص الغير مريضين نفسيًا، وبلغ عددهم 8 أشخاص، الدخول إلى 12 مستشفى مختلفًا في خمس ولايات مختلفة. تنوعت المستشفيات من القديم إلى الجديد، بعضه يملك نسبًا جيدة من الموظفين والبعض الآخر يعاني من نقص في الموظفين. كما تنوع المرضى الزائفون في الجنس و الأعمار والمهن، وكان من بينهم روزينهان نفسه.
اتصل المشاركون بالمستشفى لتحديد مواعيدهم .وذكروا في التقييم النفسي الأولي أنهم يسمعوون أصوات غريبة من نفس جنسهم تقول كلمات مثل (فارغ، أجوف) .اختيرت هذه المفردات بعناية لتشابهها مع أعراض الأزمات الوجودية (انعدام المعنى للحياة). قاموا بإعطاء المستشفى أسماء مستعارة ومهن مختلفة وأعراض وهمية، ولم يكن لأي منهم تاريخ سابق في السلوك المرضي. [2]
تم توجيه المشاركين ليتصرفوا بشكل طبيعي في حال تم قبولهم، وتم قبول الجميع في المستشفيات جميعها. وبالرغم من أن أعراضهم متطابقة، تم تشخيص سبعة منهم بالفصام، وواحد مصاب بالذهان الهوسي الاكتئابي، وهو التشخيص الذي حصل عليه في المستشفى الخاص وهو مرض أخف وطئًا من الفصام “الشيزوفرينيا”. بقي المشاركون مدة تتراوح بين 7 أيام إلى 52 يومًا، وخرجوا جميعًا عدا شخص واحد، بتشخيص الفصام ولكنه بحالة هدوء. الأمر الذي اعتبره روزينهان دليلًا على أن المجتمع ما زال ينظر للمرض العقلي على أنه حالة لن يتعافلى فيها المريض، وسيكون وصمة عار له طول حياته. [2]

الدراسة الثانية: تجربة المحتال الوهمي

في الدراسة الثانية استخدم روزينهان مستشفى مشهور في مجال البحث العلمي كان قد سمع مسبقًا بنتائج دراسة روزينهان الأولى وادعى طاقمه أنه لن يحصل سوء التشخيص في هذا المشفى. ولذلك اتفق معهم روزينهان بأنه سيقوم خلال الشهور الثلاثة القادمة بإدخال مرضى وهميين إلى هذا المشفى، وسيقوم الموظفون بتقييم الشخص إن كان مريضًا حقيقيًا أم محتالًا. من بين 193 مريضًا، تم اعتبار 41 مريضًا محتالين، و42 آخرين كانوا مشتبه بهم. في الواقع لم يرسل روزينهان أي مريض محتال بينهم، أي جميع الذين اشتبه بهم الموظفون بأن يكونوا محتالين كانوا مرضى عاديين. واستنتج بأن أي عملية تشخيص تقودنا لارتكاب أخطاء جسيمة مثل هذه لا يمكن الوثوق بها. [2]

نتائج التجربة

تفكك الشخصية Depersonalisation

في التجربة التي شارك بها المرضى الوهميون، لاحظ جميع المشاركين بأن الأطباء والموظفون بالكاد أعاروهم أي اهتمام. قام ستة مشاركين بقياس مدى تفاعل الموظفون معهم خلال مدة 129 يومًا من الدراسة، وتراوح التواصل اليومي بين المرضى والموظفين بين 3 إلى 25 دقيقة. إن غياب التواصل البصري والحوار مع المرضى يبين مدى تجاهل الموظفين للمرضى، وبالتالي يرفع من احتمالات وقوعهم في خطأ التشخيص. [3]
من أسباب تعرض الفرد لتفكك الشخصية أولًا الطريقة التي يعامل بها الموظف المريض، بالسلوك الخائف أو غير الواثق أو المتعالي على المريض سيقود به نحو التجنب وبالتالي لتفكيك الشخصية. ثاني الأسباب هو الترتيب الطبقي للمشفى العقلي، فالإدارة هي الأقل تفاعلًا مع المرضى، وهذا ما يقود الموظفين الأقل منهم إلى اتباع سلوكهم وتجاهل المرضى بدورهم. [2]

الشعور بالعجز وغياب الإنسانية

يقول روزينهان بأن ” الشعور الساحق بالعجز يغزو الفرد خلال تعرضه باستمرار لتفكيك شخصيته بسبب المصح العقلي” بالإضافة للتجاهل وغياب الثقة بين طاقم المشفى والمريض يتملك المريض شعور بأنه عاجز أمام أي شيء ومجبر على اتباع الأوامر. كما أفاد جميع المرضى الوهميين من تجربة روزينهان بأنه تملكهم شعور بغياب انسانيتهم وعجزهم عن مواجهة ذلك. [2]

الوصم

أكد روزينهان بأن الوصم بالمرض ، كأن نقول “مجنون” أو مصاب بالشيزوفرينيا، هو ما يتعرض له المريض حتى بعد خروجه من المشفى يبقى موصومًا بمرضه وكأنه عار لمدى حياته. [2]

نقد التجربة

تم انتقاد التجربة من قبل العديد من العلماء والباحثين، قال سيمور كيتي بأن تصرف الموظفين هو السلوك الطبيعي لأي عامل في هذا القطاع. كما أشار آخرون أن اتفاق 7 من أًصل 8 حالات في التشخيص هو دليل الموثوقية للمشافي. [4]

يبقى لنا أن نتساءل بعد دراسات روزينهان كم من المرضى تم تشخصيهم بشكل خاطئ وكم من الأصحاء تم إدخالهم للمشافي العقلية التي تؤدي لجنونهم.

مدخل إلى الأنثروبولوجيا: النظرية الوظيفية في الأنثروبولوجيا

الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان؛ هي الدراسة المنهجية لحياة الإنسان. ترجع أصولها إلى مراحل تاريخية قديمة لكنها لم تتبلور وتصبح علمًأ ممنهجًا إلا في القرن الماضي. تتعدد المدارس الفكرية في الأنثروبولوجيا ولعل أكثرها تأثيرًا هي المدرسة الوظيفية.

النظرية الوظيفية

تعد من أبرز المدارس التي أثرت في علم الإنسان والاجتماع، وحاولت فهم المجتمع من خلال ملاحظة وظيفة كل مكون في هذا المجتمع. وتبحث عن الوظيفة أو الجزء الذي تلعبه المؤسسة أو الفرد في النسق الاجتماعي لتحافظ على هذا النسق. بالتالي هي تعتبر المجتمع كنظام أو نسق تعمل كل أجزاءه معًا لتعزز تضامنه واستقراره. [1]

نشأة الوظيفية في الأنثروبولوجيا

نشأت النظرية الوظيفية كرد فعل على النظريات التطورية والانتشارية، وتعود جذورها إلى أعمال علماء الاجتماع مثل سبنسر ودوركهايم وكونت. وتبلورت في علم الإنسان في عشرينات القرن الماضي ولكنها تراجعت في الحرب العالمية الثانية بسبب التغيرات الثقافية التي سببتها الحرب. ولأنها لم توضح مفهوم التغيرات الاجتماعية استبدلت بنظريات تتعلق بالتغيرات الثقافية. [2]

مفهوم الوظيفة في المجتمع

تعد الوظيفية الثقافة كوحدة مترابطة وليست مجموعة من السمات المعزولة. وشبهت المجتمع بالإنسان، فكما لدى الإنسان أعضاء مختلفة تعمل بترابط لتحافظ على سلامته، كذلك المجتمع.
يدرس الوظيفيون كييف ترتبط مرحلة ثقافية معينة بجوانب أخرى من الثقافة. وكيف تؤثر على جوانب أخرى في الثقافة، أي تدرس السبب والنتيجة. كما يأخذ علماء الأنثروبولوجيا الترابط بين المجالات الثقافية المختلفة بعين الاعتبار عند تحليلهم للثقافات، مثلًا عند تحليل الروابط بين استراتيجيات المعيشة وتنظيم الأسرة والدين. [3]

المنهج المتبع في الوظيفية

يستند أسلوب الدراسة في الوظيفية على العمل الميداني والملاحظات المباشرة للمجتمع المدروس. يصف علماء الأنثروبولوجيا المؤسسات الثقافية المختلفة التي تشكل المجتمع، ويشرحون وظيفتها الاجتماعية، ومساهمتها في الاستقرار العام للنسق الاجتماعي . [3]

العلماء المؤسسون للوظيفية

بما أن الوظيفية نشأت في علم الاجتماع قبل علم الإنسان. فإن أهم منظريّ هذه المدرسة ومؤؤسيها هم من كبار علماء الاجتماع.

أوغست كونت

في محاولته لضبط منهجية علم الاجتماع حاول كونت إحياء بعض المقارنات التي أجراها الإغريق. وفلاسفة آخرون من عصره مثل هوبز وروسو، وذلك بتشبيه المجتمع بالكائن الحي. وبذلك ربط كونت بين علم الاجتماع والبيولوجيا. وبرأيه فإن المجتمع يشبه الكائن الحي الذي ينمو، ونتيجة لذلك يمكن فحص أجزائه ودراستها للحفاظ على النسق الاجتماعي. كما يؤكد كونت على وجود تطابق حقيقي بين التحليل الإحصائي للكائن الحي في علم الاجتماع، والكائن الحي في علم الأحياء. وذهب أبعد من ذلك في تحليله البنية الاجتماعية تشريحيًا لعناصر وأنسجة وأعضاء. وتعامل مع المنظومة الاجتماعية على أنها مؤلفة من العائلات التي هي عناصر أو خلايا، تليها طبقات اجتماعية التي عدها بمثابة الأنسجة. وأخيرًا المدن والتجمعات التي هي الإعضاء الكبيرة الحقيقية. [4]

هربرت سبنسر

استخدم سبنسر المماثلة العضوية لإنشاء شكل واضح من التحليل الوظيفي، ويرى أن المجتمع متشابه مع الكائنات الحية وكذلك العمليات البيئية مثل المنافسة والاختلاف والتطور المجتمعي. صور مفهوم الأنظمة العضوية الفائقة على أنها تكشف التشابه في مبادئ الترتيب مع الكائنات الحية. وقدم من خلال ذلك مفهوم المتطلبات الوظيفية أو الاحتياجات. ورأى أن هناك ثلاث متطلبات أساسية للأنظمة فائقة العضوية وهي: 1- الحاجة لتأمين الموارد وتعميمها.
2- الحاجة لإنتاج مواد قابلة للاستخدام. 3- الحاجة إلى تنظيم ومراقبة وإدارة أنشطة النظام. بالتالي فإن أي نظام اجتماعي يمتلك هذه الفئات الثلاثة، والهدف من التحليل الاجتماعي هو معرفة كيفية تلبية هذه الاحتياجات في الأنظمة الاجتماعية التجريبية. [4]

إيميل دوركهايم

يرى دوركهايم بأن التفسيرات الاجتماعية يجب أن تبحث بشكل منفصل عن السبب الفعال للظاهرة الاجتماعية والوظيفة التي تؤديها. لكنه عكس سبنسر، افترض شرطًا وظيفيًا واحدًا فقط وهو الحاجة للاندماج الاجتماعي، إذًا يتضمن التحليل الاجتماعي لدى دوركهايم تقييم أسباب الظواهر ونتائجها أو وظائفها لتلبية احتياجات الهيكل الاجتماعي. [4]

أهم العلماء المساهمين في تطوير الوظيفية في الأنثروبولوجيا

برانيسلاف مالينوفيسكي

اقترح أن الأفراد لديهم احتياجات فيزيولوجية والمؤسسات الاجتماعية تتطور لتلبية هذه الاحتياجات. كما هناك أربع احتياجات مشتقة ثقافيًا أساسية وهي الاقتصاد والرقابة الاجتماعية والتعليم والنظام السياسي. وهذه تتطلب أجهزة مؤسسية لكل منها موظفين وميثاق وأجهزة المادية. يعتقد أن الاستجابات النفسية الموحدة ترتبط بالاحتياجات الفيزيولوجية. وتلبية هذه الاحتياجات حولت النشاط المادي الثقافي إلى دافع مكتسب من خلال التعزيز النفسي. [4]
أحد الموضوعات التي درسها هي التمييز بين السحر والدين والعلم في المجتمع. وبرأيه كان العلم معرفة تجريبية وعقلانية، بينما السحر كان منطقيًا بمقدمات خاطئة بالرغم من أن الاثنان يستخدمان كأدوات لفهم الطبيعة. وشدد على أهمية السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية في سياقاتها الثقافية الملموسة من خلال الملاحظة المشاركة. واعتبر أنه من الأهمية النظر في الاختلافات الملحوظة بين القواعد والإجراءات؛ أي بين ما يقوله الناس وما يفعلونه في الحقيقة. ومن أهم مساهمات مالينوفسكي المفاهيمية كانت في مجالات القرابة والزواج مثل مفهوم الأبوة الاجتماعية. وفي السحر ولغة الطقوس والأساطير في دراسته للأسطورة كميثاق اجتماعي. [2]

ألفريد رادكليف براون

من الأباء المؤسسين للوظيفية المرتبطة بالبنيوية الوظيفية. ركز على دراسة مساهمة الظواهر في الحفاظ على البنية الاجتماعية، وركز بشكل خاص على أنظمة القرابة والنسب، واقترح أنها على الأقل في المجتمعات القبلية، تحدد طبيعة تنظيم الأسرة والسياسة والاقتصاد والعلاقات بين المجموعات. [2]

إدوارد إيفانز بريتشارد

تشمل أبحاثه العديد من المجموعات العرقية ودراسته لعدة قبائل مثل قبائل النوير، بالإضافة لعمله في التنظيم السياسي، حيث ساعد عمله على القرابة في تشكيل النظرية السياسية. أكد على ضرورة إدخال التاريخ في الدراسات الأنثروبولوجية الاجتماعية، ولكنه رفض فكرة الأنثروبولوجيا الاجتماعية كعلم واعتيرها تاريخًا مقارنًا. بالرغم من مساهمته في بشكل كبير في دراسته للمجتمعات الإفريقية، إلا أنه أهمل معاملة النساء كجزء من المجتمع ككل. على الرغم من أنه اتخذ منهجًا وظيفيًا إلا أنه تحول لاحقًا لنهج إنسانيّ. [2]

الانتقادات التي وجهت إلى الوظيفية

من أهم الانتقادات التي وجهت للوظيفية هي عجزها عن تفسير التغيير الاجتماعي. ولم تتمكن من تفسير عملية الصراع الاجتماعي، وأنها ذات طابع محافظ يحافظ على الوضع الراهن والقوة المهيمنة لطبقة النخبة، وأنها كانت تجريدية وغامضة في تفسيرها للعالم الحقيقي. من الطبيعي رؤية أن للمجتمع هياكل ووظائف حيوية ولكن ما هو غير منطقي افتراض أن الأنساق والأجزءا في هذا المجتمع هي الوحيدة التي يمكن إنشاؤها لتحقيق الأهداف التي تبتغي المحافظة على المنظومة الاجتماعية. [4]

حفرة اليأس: تجارب هاري هارلو لتصنيع أعراض الاكتئاب السريري

تعتبر تجارب هارلو مع القردة حدثًا مهمًأ في علم النفس السلوكي، حاول من خلالها البرهنة على أن الارتباط بين الطفل والأم ليس فقط ارتباطًا تنبع أهميته عن تقديم الأم للغذاء> بل يمتد للعطف والحنان وتعلم السلوك الاجتماعي. ساد في خمسينيات القرن الماضي الفكرة بأن العلاقة بين الطفل والأم علاقة مبنية على تقديم الأم للطعام للطفل فقط. وأدت سيطرة علماء السلوك والمحللون النفسيون في الولايات المتحدة على انتشار هذه الفكرة. جادل هارلو بأن هذه الأفكار تغفل جانبًا مهمًا من العلاقة بين الطفل والأم، وهي غير مقتصرة على الغذاء فقط. حاول البرهنة على ذلك من خلال تجارب على القردة قام بتسميتها “حفرة اليأس”، وذلك كما يرى هارلو بأن الاكتئاب يشبه كثيرًا “الغرق في بئر من اليأس”.

المصدر

الفرضية التي استندت عليها التجربة:

طور هذه التجربة عالم النفس المقارن هاري هارلو، وذلك كان في سبعينات القرن الماضي في جامعة ويسكونسن، في الولايات المتحدة. كرد على علماء السلوك الذين يقولون بأن العلاقة بين الأم والطفل علاقة بيولوجية تنبع أهميتها من تقديم الأم للغذاء للطفل. وساد الاعتقاد حينها بوجوب ترك الطفل قدر المستطاع، وذلك لأن الاستجابة لكل احتياجات الطفل قد تسبب مشاكلُا نفسية له لاحقًأ. برهن هارلو على خطأ هذه النظرة السائدة، وبدأ سلسلة تجارب على القردة تشمل فصل القرد الرضيع وعزله عن أمه، ووضعهم في ما سماه “حفرة اليأس”.
الهدف من هذه التجربة كان خلق أعراض الاكتئاب السريري لدى القرد الرضيع، وإنتاج نموذج حيواني للاكتئاب. وذلك بهدف الوصول لفهم أكبر لهذه الحالة النفسية ومنشأها. [1]

مراحل التجربة:

المصدر

العزل الأولي:

تضمنت مراحل التجربة الأولى لدراسة تأثيرات الوحدة عزل قرد في قفص محاط بجدران فولاذية فيها مرآة تسمح بالرؤية من جهة واحدة. يستطيع الباحث رؤية القرد لكن القرد لا يرى أي شيء. والتواصل الوحيد للقرد من العالم الخارجي من خلال رؤية يدين الباحث عند تقديمه للطعام والشراب له.
تم وضع صغار القردة فيها بعد ولادتهم بفترة قليلة، أربعة منهم لثلاثين يومًا، وأربعة لستة أشهر، وأربعة لمدة عام. بعد ثلاثين يوم وجد أن القردة مضطربة للغاية، رفض اثنان منهما الطعام وجوعها نفسيهما حتى الموت. بعد العزل لعام كانت القرود بالكاد تتحرك، لم تسكتشف، ولم تلعب، ولم تكن قادرة على ممارسة الجنس. كما وجدت صعوبة في التكيف مع القردة الأخرى عند وضعها في مجموعات كبيرة. وتعرضت للتعنيف الشديد من قبل القردة الأخرى التي لم تتعرض لللفصل والعزل. [2]

تجربة الأم السلكية:

المصدر

التجربة الأولى:

قام فيها هارلو بفصل القردة الرضيعة في زنزانات فولاذية تضمنت وجود أمين بديلتين قام بتصميمهما. الأولى كانت مصنوعة من الأسلاك والخشب، والثانية صنعت من قماش ناعم ولطيف الملمس بالنسبة للقرد الرضيع. المجموعة الأولى قدمت الأم السلكية الطعام ولم تقدم القماشية ذلك، والمجموعة الثانية معاكسة قدت فيها القماشية الطعام. تبين أن القرود تميل لإمضاء الوقت مع الأم القماشية أكثر من السلكية في الحالتين حتى لو كانت السلكية تقدم الحليب. حيث كان الرضيع يذهب إلى الحديدية عند الجوع وسرعان ما يعود للقماشية.
هذا الأمر يدعم النظرية التطورية للتعلق، حيث أن الاستجابة الحساسة والشعور بالأمن من مقدم الرعاية “الأم” هو المهم عند الرضيع، لا الطعام. [3]

التجربة الثانية:

عدل هارلو التجربة وقام بفصل القردة إلى مجموعتين الأولى لديها أم سلكية تقدم الطعام، والأخرى لديها أم قماشية لا تقدم الطعام. تم تقديم نفس الكمية من الطعام والشراب للأطفال ونموا بشكل متساوي. لكنهم كانوا مختلفين في السلوك، فكانت القردة التي تملك أمًا قماشية تتصرف بطريقة مغايرة عن القردة ذات الأم السلكية. ومغايرة أيضًا مقارنة بالقردة التي عاشت مع أمها الطبيعية. فكانت تلك القردة أكثر عنفًا وغير قادرة على سلوك نفس سلوك القرد الطبيعي، هذه السلوكيات لوحظت على القردة التي أمضت أكثر من 90 يومًا مع الأم البديلة، حيث كان بالإمكان عكس السلوك قبل 90 يومًأ إذا تم وضعها في بيئة طبيعية وتوفير العناية اللازمة لها. [3]

التجربة الثالثة:

كانت هذه المرحلة أقسى مراحل التجربة وأكثرها وحشية، أشار لها هارلو باسم “الأم الشنيعة” وقام بها باستخدام الأم البديلة القماشية الناعمة التي أحبها القردة، لكن هذه الأم القماشية تم تجهيزها بآليات وحشية تهاجم الرضيع، منها ما قام بصعق الرضيع فجأة أو مهاجمته، ومنها ما كان مجهزًا بإبر معدنية تهاجم الرضيع عندما يعانق الدمية. ابتعدت القردة عند مهاجمة الدمية لها واستخدام أساليب الرفض هذه، ولكنها عادت لتحاول إيجاد الأمن عند الدمية ذاتها عندما تلاحظ القردة أن الدمية قد “هدأت”. [1]

حفرة اليأس:

المصدر

تصميم حفرة اليأس

كان الاسم التقني لغرفة الاكتئاب الجديدة هو “جهاز الغرفة التقني” لكن هارلو سماها حفرة اليأس، أو زنزانة اليأس، لأنه رأى أن الاكتئاب يشبه الشعور في غرق في بئر من اليأس والوحدة، يمتص المصاب إلى داخله. وقام بتصميم جهاز معدني بشكل حجرة صغيرة صممت كهرم مقلوب يوضع القرد في أسفله وهو في عمر ثلاثة أشهر وكانت هذه القردة قد أندمجت مع أقرانها وشكلت روباط اجتماعية وعاطفية معها، كان الهدف كسر هذه الروابط لخلق أعراض الاكتئاب السريري لدى القرد.
كانت حواف الهرم زلقة ومائلة، حاول القردة تسلقها في أيامهم الأولى ولكنها سرعان ما استسلمت. [2]
كانت هذه التجربة رابع التجارب على القردة وشكلت أعراض اليأس وفقدان الأمل لدى القرد خلال فترة وجيزة. القردة التي أمضت فترة طويلة في العزل أبدت فقدان تام للقدرة على التفاعل الإجتماعي، وتدمرت هذه القردة بشكل تام ولم يمكن إصلاحه. [2]

التزاوج عند القردة المعزولة

عجزت القردة المعزولة عن إتمام أي علاقة اجتماعية مع أبناء جنسها ومن بين ذلك كانت العلاقات الجنسية، أراد هارلو فهم هذا الموضوع فقام بإجبار القردة على القيام بالعملية، وذلك من خلال ابتكاره لما سماه “رف الاغتصاب” قام فيه بربط الإناث اللاتي تم عزلهن بالوضعية التي تتخذها القردة عند عملية التزاوج، فلم يكن التلقيح الاصطناعي قد تطور حينذاك.
تبين أن القردة لم تكن فقط عاجزة عن التفاعل الاجتماعي والجنس، بل تجاهلت نسلها بشكل تام ولم تكن قادرة على التعامل مع الرضيع، إحدى القردة حطمت رأس رضيعها، أخرى قامت بمضغ أقدام رضيعها. هذه القردة ببساطة لم تكن قادرة على الأمومة أو الاهتمام بمخلوق آخر. [2]

نتائج التجربة:

3استنتج هارلو أنه ليتمكن القرد من التطور بشكل طبيعي، يجب أن يحصل على التفاعل مع كائن آخر يؤمن له الرعاية والعطف خلال مراحله الأولى من حياته أو المراحل الحرجة، ويتمكن من التشبث به. وهذا التشبث هو استجابة طبيعية في أوقات الإجهاد يلجأ إليه القرد عند شعوره بالخوف وفقدان الأمان، فيتشبث بها ليقلل من حالة الإجهاد.
كما استخلص إلى أن الحرمان المبكر من الأم يؤدي لضرر عاطفي، لكن هذا الضرر يمكن عكسه في المراحل الأولى قبل نهاية المرحلة الحرجة من حياة الرضيع. ولكن بعد انتهاء هذه المرحلة لا يمكن تصحيح الحالة بغض النظر عن تعريض الرضيع لبيئة ملائمة ووضعه تحت رعاية، الضرر لا يمكن عكسه بعدها.
ووجد أيضًا أن الحرمان الاجتماعي هو ما عنى منه القردة وليس فقط الحرمان من الرعاية الأمومية، فعندما أحضر هارلو القرد ليلعب مع أقرانه لمدة 20 دقيقة يوميًا وجد أن القرد نما بشكل طبيعي دون وجود مشاكل اجتماعية لديه. [3]

مشاكل التجربة الأخلاقية:

ساعدت تجربة هارلو الأخصائيين الاجتماعيين على فهم مخاطر إهمال الأطفال وتعرضهم للتعنيف وافتقارهم للراحة، وبالتالي فهم ضرورة التدخل لمنع ذلك. كما أن استخدام الحيوانات لفهم كيفية تشكل الروابط الاجتماعية والتعلق يسهل دراسة أوضاع الأطفال المعرضين للخطر.
لكن عمل هارلو تم انتقاده بشدة لكونه شديد القساوة والوحشية في التعامل مع الحيوانات، ولكون هارلو استمر في القيام بعمله بالرغم من وضوح نتائج التجربة له، وكانت هذه وحشية بلا جدوى. [3]
بالرغم من فوائد هذا البحث إن معاناة هذه القردة الرضع تفوق فوائده. وما من فوائد قد تخفف من وحشية هذه التجارب. شجع هذا البحث العديد من الناشطين والعلماء على النظر إلى موضوع استخدام الحيوانات للتجارب، والنظر في أخلاقية الموضوع.

المصدر

أوبول شارون: ثمن الدخول لعالم الموتى

هذه المقالة هي الجزء 7 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

طالما أذهلت البشر فكرة ما بعد الموت، أين ستذهب أرواحنا؟ لقد حاول قدماء الإغريقيين تقديم وصفًا مميزًا لتصورهم عن رحلة ما بعد الموت، لكن الميت عليه أن يدفع رشوة لعبور النهر الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات. النهر الذي يحرسه شارون، فما هي رشوته؟

الموت في الميثولوجيا اليونانية

شارون وسايكه، لوحة للفنان جون رودام سبينسر
المصدر

المفهوم الإغريقي عن الحياة الآخرة ومراسم الدفن كان مبنيًا بشكل كبير على كتابات هوميروس، الذي وصف العالم السفلي في الإلياذة. اعتقد الإغريقيون بأن الروح “سايكه” تغادر الجسد بلفظ الشخص لآخر أنفاسه. لطالما اعتقدوا أن راحة الميت تعتمد على تذكر أقربائه له، وإحياء ذكره وإقامة طقوس دفن تليق به.
كانت قضية نسيان الأحياء للميت أمرًا شديد السوء في المجتمع الإغريقي، فالذكرى هي ما تجعل الميت ينعم بالسكينة في الحياة الآخرة. كما جسدت معظم شواهد القبور اليونانية افي الأكروبوليس، أو المتاحف، مشاهدًا طبيعية من حياة المتوفي، مثل رجل تقدم له زوجته الطعام، امرأة ترعى طفلها الرضيع، وذلك ليس إلا تذكيرًا للأحياء بأن الأموات لم يفنوا بعد، وإنما هم مستمرين في حياة ضبابية أخرى، وبهذا رأى الإغريق أنهم هزموا الموت بإبقاء الذكرى حيّة. [1]

مملكة هيديس، عالم الأموات

العالم السفلي في الأسطورة اليونانية مكان ضبابي، مظلم، ومخيف. مخبأ في أعماق الأرض، وخفيّ على الأحياء. تدخله الأرواح بعد خروجها من الجسد لتأخذ شكلًا يشبه الشخص الميت، ويرحل لعالم الأموات. تعد مملكة هيديس النقيض التام لجبل أوليمبوس، جبل الآلهة العظمى التي يحكمها زيوس وتمثل النور، بينما هيديس الظلام.
يحكمها سيد الأموات، الإله “هيديس” وهو شقيق الإله الأعظم في الميثولوجيا اليونانية “زيوس”، الذي نُفي إلى العالم المظلم وأصبح سيدًا للظلال والموتى. سُميت مملكته باسمه، ويُشار لهيديس كأنها الجحيم. حكمها هيديس وزوجته بيرسفوني. [2]

مملكة هيديس أو العالم السفلي في الميثولوجيا الإغريقية، اللوحة للفنان جان بريغيل الأكبر
المصدر

التقسيم الجغرافي للعالم السفلي

مدخل العالم السفلي

على أبواب الجحيم يتجسد القلق، الحزن، الأمراض، الشيخوخة،الخوف، الجوع، الحاجة، العذاب، الموت، والملذات المحرمة. في الجهة المقابلة لهؤلاء تتجسد الحرب، الانتقام، الشقاق. تحرس الأبواب العديد من الوحوش المريعة منها السينتور “نصف إنسان ونصف ثور”، السكيلا؛ وهي نصف امرأة ونصف أفعى ذات أسنان مرعبة، الهايدرا وهي ثعبان عملاق بثلاث رؤوس، والعديد من الوحوش الأخرى. في منتصف هؤلاء توجد شجرة دردار، تتمثل فيها الأحلام الزائفة والأوهام تحت كل ورقة منها. يوجد بعدها نهر “ستيكس” الذي يحمل خلاله شارون الأرواح لبوابة الجحيم التي يحرسها سيربيروس الكلب ذو الرؤوس الثلاثة. بعد اجتياز البوابة يقف قضاة العالم السفلي ليقرروا مصير أرواح الموتى، إلى الجزر المباركة “إليزيوم” أو إلى “تارتاروس”. [3]

تارتاروس

بالرغم من أنها ليست جزءًا بشكل مباشر من الجحيم، بل هي أبعد من ذلك، فتتوضع تحت الجحيم، كتب هوميروس عنها بأن الظلام فيها شديد لدرجة أن الليل ينسكب حولها في ثلاثة صفوف والأشجار تنمو فيها بشكل مرعب. وهو المكان الأكثر ظلامًا في هيديس ويوجد فيها أسوأ الأشخاص عقابًا على خطاياهم، وكت أيضًا أن الإله كرونوس حكمها لاحقًا [3]

المروج الزنبقية

وهي الأماكن التي يذهب إليها الناس العاديون، الذين لم يرتكبوا خطايا كبرى، ولكنهم لم يحققوا أي عظمة في حياتهم ليستحقوا الدخول للحقول الإليزية، وهذه المروج هي التي يرسل إليها الناس الذين ليس لديهم مكان آخر في الجحيم. [3]

حقول الحداد

المكان المخصص من الجحيم للعاشقين الذين ضيعوا حبهم دون مقابل.

الإيليزيوم

وهو أفضل الأماكن في الجحيم، يذهب إليها أنصاف الآلهة، الأبطال، الفلاسفة، كل من قام بعمل عظيم ومشرف، والأشخاص الذين كانوا على مقربة من الآلهة ومستقيمين في حياتهم تنعموا بوجودهم في الإيليزيوم.

الأنهار في الجحيم

يعتبر نهر ستيكس أهم هذه الأنهار وأشهرها، وهو نهر الكراهية، سُمي تيمنًا بالإلهة ستيكس ويدور حول الجحيم سبع مرات. أما النهر الثاني نهر أشيرون، نهر الألم. وهناك “ليثه” نهر النسيان، ونهر فليجيثون الناري الذي يقود لأعماق تارتاروس، وكوكيتوس نهر النحيب. ,وأخيرًا أوشينوس وهو المحيط بالعالم بأكمله. [3]

مهمة شارون في العالم السفلي

شارون هو إله ابن الإلهين اربوس، ونيكس “ربة الليل”، كانت مهمته نقل أرواح الموتى الذين تم دفنهم بشكل لائق فقط عبر نهري ستيكس وأشيرون خلال عبارة كان يقودها هو. ولكن ذلك لم يكن مجانيًا؛ فكان يتوجب على الروح دفع عملة معدنية “الأوبول” كانت توضع في فم المتوفي خلال طقوس الدفن.
يمثل شارون كرجل متجهم، مروع، ومهيب. هكذا صوره معظم أدباء الإغريق مثل فيرجل في كتابه الإنيادة. في الأساطير الأتروية كان يعرف باسم تشارون وظهر بهيئة شيطان الموت ومسلح بمطرقة. في الفلكلور اليوناني الحديث أصبح يمثل ملاك الموت، أو الموت بحد ذاته. [4]

شارون يوصل أرواح الموتى عبر نهر ستيكس للدخول للعالم السفلي، اللوحة للفنان أليكسندر ليتوفتشينكو
المصدر

طقوس الدفن عند قدماء الأغريق

تحضير الجسد

يتم وضع الجسد وعرضه أولًا وغلق أقرب الأقرباء عيني الميت وفمه، ثم توضع عملة معدنية في الفم بين الأسنان لتكون دفعة لشارون ليوصله عبر نهر ستيكس. بعد ذلك تُغسل الجثة من القريبات غالبًا ويلبس الميت ما يليق بمكانته في الحياة، وبعدها توضع الجثة على سرير ليتمكن الأقرباء من تقديم وداعهم النهائي. [6]

الحداد الرسمي

تبدأ بعدها فورًا مرحلة الحداد الرسمي، وبشكل عام كان المفروض من الرجال ألا يظهروا مشاعرًا وحزنًا على الميت ويتصفون بشكل رسمي. غالبًا ما يكون رب الأسرة واقفًا بقرب الجثة لتحية الضيوف. في المقابل كانت النساء ينتحبن ويعلى صراخهم حزنًا على الميت. وتكون رئيسة المعزين والدة أو زوجة المتوفى، تقف بجانب الجثة وتمسك الرأس بيديها حزنًأ. [6]

الإكفورا

بعد عرض الجثة وبداية الحداد الرسمي تنقل الجثة إلى المدفن في موكب جنائزي يسمى إكفورا، يجري الموكب ليلًا ويشمل توقفات متعددة خلاله حتى يجذب الموكب الانتباه وذلك تكريمًا للمتوفى. في البداية كان المشيعون من أفراد الأسرة فقط، لكنهم استبدلوا لاحقًا بأشخاص مختصين وفناني أداء محترفين، واشتمل على الغناء والموسيقى.
عند الوصول للقبر يتم ممارسة الحرق أو الدفن، وهنالك معلومات قليلة عن طرق الدفن لأنها لم تمثل في الأدبيات الإغريقية، ولكنها تفاوتت بين الحرق والدفن وذلك تبعًا للموقع الجغرافي والفترة الزمنية. [6]

طقوس ما بعد الحداد

يعقب الدفن مأدبة جنائزية تسمى بريديبينيون، تتم في منزل المتوفى. كان اليونانيون لا يعتقدوا بأن الموتى سيشاركونهم في أعيادهم أي أنهم رحلوا بشكل تام، والمأدبة لمجرد الذكرى. تقدم القرابين في القبر في اليوم الثالث والتاسع والثلاثين بعد الوفاة، وفي الذكرى السنوية للوفاة. وكانت هذه القرابين منظمة للغاية. وتضمنت التضحية بالحيوانات، والتبرع بالثياب والأشياء الثمينة. [6]

رشوة شارون للعبور

إحدى العملات المستخدمة ك “أوبول” لدخول العالم السفلي، يظهر فيها الملك ديمتريوس
المصدر

ثمن العبور، أو ما يشار له باسم أوبول هو عبارة عن عملة معدنية صغيرة فضية توضع في فم المتوفي. لاحقًا تم إطلاق اسم أوبول على أي عملة معدنية. كانت هذه العملات أخف وزنًا بشكل عام. يجادل علماء الأثار في رمزية العملة في فم الميت، هل هي أجرة العبور في نظر الإغريقيين القدماء، أم هي سداد لجسد الميت بعملة من نحاس، لمنع عودة الأموات إلى أجسادهم؛ كونهم يؤمنون أن الروح تلفظ من الفم مع الأنفاس الأخيرة. [5]

المصادر:

1- worldhistory
2- greekmythology
4- britannica
5- coinweek
6- classroom.synonym

ألبرت الصغير، ضحية تجارب الخوف

كيف يتشكل الخوف؟ وهل بالإمكان خلقه عند الشخص؟ هذا السؤال الذي حاول عالم النفس جون واتسون الإجابة عنه، مستخدمًا في ذلك طفلًا بعمر تسعة أشهر ليكون عينة لتجربته.

حقوق الصورة: newscientist

تجربة ألبرت الصغير

تجربة الطفل ألبرت، أو ألبرت الصغير هي تجربة قام بها عالم النفس السلوكي جون واتسون لاستكشاف التعلم العاطفي عند الطفل. أجريت هذه التجربة المضبوطة “في بيئة المختبر” عام 1920، وذلك في جامعة جونز هوبكنز، على طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر وذلك لاستكشاف موضوع التكييف الكلاسيكي. نُشرت النتائج أول مرة في عدد فبراير من مجلة علم النفس التجريبي. [1]
وكانت هذه التجربة مضبوطة، تظهر أدلة تجريبية على التكييف الكلاسيكي للبشر، ,وأظهرت أن ما قدمه بافلوف في تجاربه في التكييف المشروط على الحيوانات بالإمكان تطبيقها على البشر. وبالتالي بالإمكان خلق شعور، أو خوف عند إنسان لم يكن يخف من الشيء مسبقًأ. [1]

الأطروحة التي مهدت للتجربة

اعتمد واتسون في تجربته بشكل رئيسي على نظرية بافلوف في التكييف الشرطي، وحاول تطبيق ذلك بتعريض الطفل لمحفزات عديدة ثم ربطها بمحفزات أخرى، ليخلق لديه شعور الخوف من الفأر، الذي لم يكن يمتلكه الطفل مسبقًا. حيث يلعب التكييف الكلاسيكي دورًا رئيسيًا في تطوير المخاوف والفوبيا “الرهاب”، وقد تكون بعض أنواع التجارب ناتجة بشكل جزئي من التكييف الكلاسيكي. [2]

التكييف الكلاسيكي classical conditioning:

التكييف الكلاسيكي هو نوع من التعلم كان له تأثير كبير في مدارس علوم النفس وخصوصًا المدرسة السلوكية. اكتشفه عالم الفيزيولوجيا إيفان بافلوف. وهو عملية تعلم تحدث من خلال الارتباط بين المحفز البيئي والمحفز الذي يحدث بشكل طبيعي. يتضمن التكييف الكلاسيكي وضع إشارة محايدة قبل رد فعل طبيعي. في تجربة بافلوف الشهيرة مع الكلاب كانت الإشارة المحايدة هي صوت نغمة وكانت الاستجابة الطبيعية للكلب هي سيلان اللعاب استجابةً للطعام. ومن خلال ربط الحافز المحايد “النغمة” بالمحفز البيئي “الطعام” يمكن أن ينتج صوت النغم وحده الاستجابة الطبيعية، أي سيلان اللعاب. [3]

تفاصيل تجربة ألبرت الصغير

كان المشارك في التجربة طفل وتمت تسميته “ألبرت ب” وهو ليس اسمه الحقيقي، وهو العينة المدروسة في التجربة. الباحثان المشرفان على التجربة كانا واتسون أخصائي العلوم السلوكية وطالبته روزالي راينر.
بدأت التجربة بتعريض الطفل لعدة محفزات stimuli، منها فأر أبيض وقرد وأقنعة وصحف مشتعلة وتمت ملاحظة وتسجيل ردود أفعاله للمحفزات. الطفل لم يظهر أي خوف من أي من المحفزات التي تعرض لها.
في المرة التالية التي تم عرض الفأر على الطفل رافق ذلك إحداث واتسون لضوضاء عالية بالضرب على أنبوب معدني. وبطبيعة الحال فإن الطفل استجاب للضوضاء بالبكاء. تم إقران الضوضاء العالية بظهور الجرذ أمام الطفل لمرات عدة خلال فترات زمنية متفاوتة، وأدى ذلك لبكاء الطفل كلما رأى الفأر الأبيض، الذي ارتبط لديه بالمحفز الآخر.
كتب واتسون: “في اللحظة التي رأى فيها الطفل الفأر بدأ بالبكاء، استدار فورًا بحدة إلى اليسار، وسقط على جانبه الأيسر، وبدأ بالزحف بعيدًا عنه بسرعة، تمكننا بصعوبة الوصول له وإمساكه.” [4]

الارتباط مع نظرية التكييف الكلاسيكي

تقدم تجربة ألبرت الصغير مثالًا واضحًا عن كيفية تطبيق التكييف الكلاسيكي لتكييف الاستجابة العاطفية باستخدام المحفزات المختلفة.
المحفز المحايد: وهو محفز لا يثير أي استجابة في البداية وهو الجرذ الأبيض.
منبه غير مشروط: وهو الحافز الذي يثير استجابة انعكاسية لدى الطفل المدروس وهو الضوضاء العالية التي تسببت بالبكاء
الاستجابة غير المشروطة: وهي رد فعل طبيعي لمحفز معين “الخوف”، وفي التجربة هي خوف الطفل من الضوضاء وبكاءه.
المنبه المشروط: وهو حافز يثير استجابة بعد اقترانه بشكل متكرر بالحافز الغير مشروط، أي اقتران الحافز المحايد “الفأر” بالمنبه غير المشروط “الضوضاء” الذي يحول المحفز المحايد لمنبه مشروط.
الاستجابة الشرطية: وهي الاستجابة الناتجة عن الحافز الشرطي “الخوف” عند تعريض الطفل للمنبه المشروط “الفأر الذي اقترن بالضوضاء”. [4]

نتائج التجربة

أثبت واتسون وراينر أن الاستجابات العاطفية يمكن أن تكون مشروطة عند البشر. ولاحظا أن تعميم التحفيز قد حدث؛ أي أن ألبرت الصغير لم يخشى الفئران فقط بعد التجربة وإنما تعدى خوفه للعديد من الأجسام المشابه، أي شيء أبيض وذو فرو. وهذه الظاهرة يطلق عليها اسم التعميم.
بعد خمسة أيام وجد الباحثان أن ألبرت طور رهابًا من الأشياء التي تشترك مع الجرذ ببعض الخصائص بما في ذلك كلب العائلة، وبعض الصوف القطني. بعد أسابيع وأشهر من التجربة تمت ملاحظة ألبرت وكان خوفه من الفئران أقل وضوحًا، هذه العملية تسمى الانقراض. لم يتسنى لواتسون وراينر عكس التأثير الذي أحدثوه لدى الطفل وذلك لأن أمه قامت بسحبه فورًا بعد انتهاء التجربة. وأيضًا لم يتسنى للباحثين متابعة وضع وحالة الطفل حول الفوبيا هذه وذلك لوفاته في عمر السادسة بسبب استسقاء الرأس. [4]

نقد التجربة

كان واتسون قد خطط لعكس التكييف الذي أحدثه للطفل، وذلك بالقيام بعكس ما قام به؛ أي ربط التحفيز بمنبه شرطي محبب للطفل بدلًا من أن يكون مخيفًا له. ولكن تم سحب ألبرت من التجربة ذلك. بالتالي أصبح للطفل رعب لم يكن يمتلكه من قبل، ومن الممكن أن يرافقه طول حياته.
تعتبر ممارسة كهذه غير أخلاقية بتاتًا في عصرنا هذا وذلك بسبب المعايير التي حددتها جمعية علم النفس الأميريكية وجمعية علم النفس البريطانية. وينتقد المنهج المعرفي النموذج السلوكي لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار العمليات العقلية، ويجادلون بأن عمليات التفكير التي تحدث بين الحافز والاستجابة مسؤولة عن عنصر الشعور في الاستجابة. [5]

5- simplypsychology

تأثير فيرتر، كيف تنتشر عدوى الانتحار؟

الانتحار السبب الأكثر شيوعًا للوفاة من بعد الحوادث. ويجادل العديد من العلماء في كونه ظاهرة فردية أم اجتماعية. والحقيقة أن ظاهرة الانتحار تتأثر بكلا العوامل الفردية والاجتماعية. لكن يبقى السؤال عن دور الإعلام الذي يؤثر في كافة جوانب حياتنا، فكيف يكون تأثيره في الترويج لظاهرة مثل ظاهرة الانتحار؟

حقوق الصورة: medium

ما هو تأثير فيرتر؟

تأثير فيرتر هو محاكاة للانتحار بعد انتحار تم الترويج له إعلاميًا، ويؤدي لموجة انتحارات جماعية. يعود أصل المصطلح إلى رواية غوته أحزان الشاب فيرتر التي سميت تيمناً بما حدث بعد انتشار الكتاب من محاكاة للشباب لسلوك شخصية فيرتر.
أول من استخدم مصطلح التأثير هذا علميًا هو ديفيد فيلبس عام 1974، بعد قيامه بدراسة تعد من الدراسات الرائدة حول الانتحار بالمحاكاة. وأثبت أن للإعلام دور كبير في زيادة معدلات الانتحار، ولهذا السبب نشرت منظمة الصحة العالمية مبادئ توجيهية لتحدد لوسائل الإعلام الطريقة الصحيحة للإبلاغ عن الانتحارات حتى لا يكون لها نفس الأثر. [1]

أحزان الشاب فيرتر

عام 1774 نشر الأديب الألماني غوته روايته الرومانسية “أحزان الشاب فيرتر”، التي تروي عبر عدة رسائل كتبها بطل القصة فيرتر. وهو فنان شاب حساس وعاطفي في مقتبل العمر يعشق فتاةً لم تبادله الحب. فيرتر الذي لم يتمكن من إيقاف قلبه عن عشق الفتاة التي كانت مخطوبة لشخص آخر، طور صداقته معها ومع خطيبها. لكن تعلقه الشديد بها لم يمكنه من مواصلة حياته ولم يرَ سبيلًا سوى الانتحار. فقام بإطلاق النار على نفسه ومات تاركًا وراءه خطاب وداع وجد بعد وفاته. [1]

أول انتشار للظاهرة بعد نشر الكتاب:

بعد نشر الكتاب عام 1774 وشيوعه لوحظت أول ظاهرة للانتحار بالمحاكاة. فقام العديد من الشبان بمحاكاة سلوك فيرتر، في الملبس والتفكير، وانتهى الأمر بانتحار العديد منهم بنفس الطريقة. إطلاق النار على نفسهم عند المرور بعلاقات فاشلة كتعبير عن اليأس من الحياة.
أدى هذا الأمر لمنع الكتاب في العديد من البلدان ولأعوام عديدة. ومنها نشأ مفهوم “تأثير فيرتر” في الأدبيات المعاصرة لوصف حالات الانتحار بالمحاكاة بعد الترويج للانتحار إعلاميًا. [1]

الانتحار بالمحاكاة:

المحاكاة أو التقليد نوع من أنواع التعلم الاجتماعي ويعرف بأنه عبارة عن نسخ لسلوك آخر، ومحاكاةً لسلوكه بشكل مباشر أو غير مباشر. والانتحار سلوك قابل للمحاكاة كأي سلوك آخر يمكن محاكاته إذا تم تحفيز الفرد للقيام به. وفي غياب عوامل الحماية فإن الفئات الأكثر هشاشة عاطفيًا هي الأكثر عرضة لمخاطر عدوى الانتحار. وينتشر السلوك خلال نظام مدرسي أو مجتمع ما، أو من حيث موجة انتحار تعقب وفاة المشاهير. أبرز الأمثلة التي ألهمت الناس للانتحار هي حادثة انتحار الموسيقي الأميريكي كورت كوبين والموسيقي الياباني هايد. وتسمى هذه الموجة الانتحارية التي تلي الانتحار المحفز للبقية باسم “العنقود الانتحاري”. [2]

العوامل الديموغرافية والزمنية للانتشار:

بالرغم من أن معظم الأدلة على أن للإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل الانتحارات العنقودية “تأثير فيرتر” غير مرضية تمامًا. فمن الصعب المعرفة إن كان المنتحر على دراية بقصة الانتحار المحفز وإن كان هذا ما ألهمه أم هي عوامل أخرى يصعب استنتاجها. لكن يبقى هناك العديد من الأدلة التي يمكن قبولها لرواج هذه الظاهرة. [3]
تحدث هذه الظاهرة غالبًا بعد أيام أو أسابيع من الترويج لخبر الانتحار كموت أحد المشاهير، وفي حالات نادرة قد تستمر أكثر من ذلك. وبحسب نظرية التأثيرات التفاضلية، يميل الأشخاص الذين يقومون بفعل المحاكاة لأن يكونوا من نفس عمر وجنس الشخص الذي قام بالفعل. [4]


معيار العمر في انتشار الظاهرة:

تستجيب الجماهير الشابة مثل المراهقين، والمتقدمين في السن أكثر في حالات الموجات الانتحارية. وتعد هاتان الفئتان الأكثر هشاشة وعرضة للانتحار بعد الترويج له. يميز التحليل البعدي للدراسات المستندة إلى متغير تابع يقيس مخاطر انتحار الشباب من (10 إلى 34 عام) وخطر الانتحار في منتصف العمر بين 35 و64عام، وخطر الانتحار لدى المسنين فوق 65 عام، وجدت أن الفئتين الأولى والأخيرة هم الأكثر عرضة لمحاكاة هذا السلوك. [3]

دور الإعلام في الترويج للانتحار:

تم تأطير التفسيرات في دور الإعلام في الترويج للانتحار من منظور نظرية التعلم الاجتماعي. فيتعلم العديد من الناس أن الانتحار هو وسيلة للتخلص من المشاكل ويقلدون هذا السلوك. وعلاوة على ذلك فإن وجود اضطراب نفسي لدى الشخص يزيد من مخاطر تقليده للسلوك عند سماعه للخبر.
هناك تفسيرات تدور حول عملية التعلم الخاصة بنظرية التعريف التفاضلي. فالناس الذين يشعرون بأنهم معنيون بالقصة وحادثة الانتحار، أو بإمكانهم تخيل نفسه في نفس الظروف يميلون أكثر لمحاكاة السلوك. وهناك مجموعة ثالثة من التفسيرات لا ترتبط بخصائص القصة تحديدًا، وإنما بالعوامل النفسية للجمهور، مثل ارتفاع معدلات الطلاق أو البطالة التي تؤثر على المزاج العام للجماهير وتحفزهم للهروب من واقعهم. [3]

تأثير “باباغينو” المضاد لتأثير فيرتر:

تأثير باباغينو هو التأثير الذي يعاكس تأثير فيرتر. وذلك بقيام وسائل الإعلام بتسليط الضوء على خبر الانتحار ولكن دون تجميله وتحميله المعاني العاطفية، بل بطرح حلول وجعل الخبر توعويًا أكثر من أن يكون محفزًا للانتحار. وباباغينو شخصية من أوبرا القرن الثامن عشر “الفلوت السحري”. عانى من حب من طرف واحد مثل فيرتر، وفكر بالانتحار حتى ساعدته شخصيات أخرى في القصة وقدمت له حلولًا بديلة عن الانتحار. أي حتى لو تضمن الخبر أفكار إيذاء النفس لكنه يمكن أن يكون توعويًا بدلًا من أن يكون تشجيعيًا. [4]
حددت المنظمات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، إرشادات لوسائل الإعلام في طريقة نشر الخبر، تؤكد الإرشادات هذه على اعتبارات مثل الحد من مقدار تغطية الخبر، وتجنب الإثارة في التغطية وحذف المعلومات التفصيلية عن طريقة الانتحار. وكما هو متوقع من نظرية التعلم الاجتماعي فكلما زادت التغطية للخبر كلما ارتفع معدل الانتحارات. [3]
تم تأكيد صحة تأثير باباغينو تجريبيًا لأول مرة عام 2010 من قبل مجموع نمساوية برئاسة توماس نيدركروتينثالر. وأشارت نتائج هذه الدراسة بشكل واضح إلى أن منع انتشار السلوك الانتحاري أمر ممكن وقابل للتطبيق من قبل الإعلام، وذلك عن طريق تقديم طرق لمواجهة أزمات كهذه، توعية حول الأمراض النفسية، أهمية مراجعة طبيب نفسي وما إلى هنالك من أمور تساعد الشخص الذي قد يفكر بالانتحار. [1]

الانتحار كان وما زال من أكثر المواضيع الشائكة والمعقدة، ولكنه من دون شك أكثرها خطرًا. وازدياد سرعة انتشار الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، توعوي من جهة ولكنه قد يكون تحفيزيًأ من جهة أخرى. الأفضل للحفاظ على الصحة النفسية الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي في خضم انتشار خبر عن انتحار أحد المشاهير، والتحكم بما نتابع من أخبار في أي مكان. فالإعلام دائمًا شره لجذب المتابعين بشتى الطرق، حتى لو كانت هذه الطرق ضارة للمشاهد.

Exit mobile version