ما هو نموذج العمل التجاري؟

ظل مفهوم الاستراتيجية حجر أساس المنافسة خلال الثلاثة عقود الماضية. لكن في المستقبل، قد يبدأ السعي وراء التفوق المستدام في تحويل الاهتمام إلى مفهوم نموذج العمل التجاري (Business Model). أدى التقاء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التسعينيات إلى اهتمام مؤقت بنماذج الأعمال التجارية، حتى تضافرت قوى التقانة والعولمة والاستدامة، لتعيد المفهوم إلى الواجهة. نموذج العمل التجاري هو خطة العمل التي يستخدمها رواد الأعمال والشركات لتحقيق الربح. يتضمن نموذج الأعمال تحديد المنتجات أو الخدمات التي يقدمها العمل والجمهور المستهدف وكيفية تسعير المنتجات وتوزيعها وتسويقها واستخدام الموارد وإدارة النفقات.[1]

الفرق بين نموذج العمل والاستراتيجية والتكتيكات

نموذج العمل التجاري هو خطة الشركة لتحقيق الربح، التي تحدد من خلالها المنتجات أو الخدمات المُقدمة والسوق المستهدفة وأي نفقات متوقعة. إنها خطة عالية المستوى لتشغيل الأعمال بطريقة مربحة في سوق محدد. أما العنصر الرئيسي في نموذج الأعمال فهو القيمة المُقدمة: أي وصف السلع أو الخدمات التي تقدمها الشركة وما قد يجعلها مرغوبة في نظر المستهلكين والعملاء. ما يجب أن يحدث بدوره على نحو يميز المنتج أو الخدمة عن منافسيها.[1] من ناحية أخرى، تعتبر الاستراتيجية (Strategy) خطة لكيفية تفوق الشركة في المنافسة. مفهوم يعرفه معظم الناس من الألعاب والرياضات، ويتضمن معرفة كيفية وصول الشركة إلى وجهتها، ومتى يجب أن تتوقف للحصول على الوقود، وما الذي تحتاج التزود به أثناء الرحلة.[2] يعتبر نموذج الأعمال مجموعة من الافتراضات حول كيفية تشغيل الشركة، بينما تعتبر الاستراتيجية مجموعة من الافتراضات حول كيف يمكن للشركة الفوز بالمنافسة. أما التكتيكات (Tactics)، فهي الإجراءات المحددة التي تتخذها الشركة لتنفيذ استراتيجيتها. إنها الخطوات التفصيلية التي تُتخذ لتحقيق الأهداف، وغالبًا ما تركز على الأهداف قصيرة الأجل.[3]

أهمية نموذج العمل التجاري

  1. يساعد نموذج العمل التجاري المدروس دراسة وافية في فهم العمل: فهو يجبر رواد الأعمال على التفكير في جميع جوانب العمل. بدءًا من تطوير المنتجات إلى التسويق والمبيعات وخدمة العملاء. ما يضمن توافق جميع جوانب العمل وعملها على تحقيق نفس الأهداف.
  2. يحدد فرص النمو: يساعد نموذج الأعمال على تحديد المجالات التي يمكن للشركة أن تنمو وتتوسع فيها. عن طريق فهم السوق المستهدف والنقاط الفريدة عند العرض، يمكن للشركة تحديد منتجات أو خدمات جديدة لتقديمها، والأسواق الجديدة للدخول إليها، أو طرق جديدة للوصول إلى العملاء.
  3. يتوافق مع الاستراتيجية العامة: يعد نموذج العمل التجاري جزءًا حاسمًا من الاستراتيجية العامة للشركة، إذ يشكل الأساس الذي تبنى عليه بقية الاستراتيجية. يجب أن يتوافق نموذج الأعمال مع الرسالة والأهداف العامة للشركة، ويجب تصميمه لتحقيق النتائج المالية المرغوبة في الشركة. وسيساعد نموذج الأعمال المصمم بعناية الشركة في تحقيق الإيرادات والربحية وجذب واحتفاظ العملاء وتوسيع عملياتها والفوز بحصة السوق.
  4. يساعد على التنبؤ بالاتجاهات والتحديات: يجب على الشركات المتميزة تحديث نموذج أعمالها بانتظام، وإلا فإنها ستفشل في التنبؤ بالاتجاهات والتحديات المقبلة. كما تساعد نماذج الأعمال المستخدمة في تقييم الشركات التي تهم المستثمرين وتساعد الموظفين على فهم مستقبل الشركة التي قد يطمحون للانضمام إليها.
  5. تمنح ميزة تنافسية: يعد ميزة كبيرة لنموذج العمل الصلب هو أنه يمكن أن يمنح الشركة ميزة تنافسية على الشركات الأخرى في الصناعة. يمكن أن يمنح تطبيق نموذج أعمال فريد للشركة سمعة فريدة في السوق، مما يخلق الجدل بين المستهلكين ويشجعهم على الشراء لأول مرة. ويعد أكبر ميزة لنموذج الأعمال القوي والمثبت هو المساهمة التي يقدمها في الاستدامة التنظيمية والقدرة على تحمل العواصف الاقتصادية أو التغيرات في الظروف السوقية.

الدورة الفعالة

في سياق الأعمال، يُترجم مصطلح (Virtuous Cycle) إلى «الدورة الفعالة». تشير الدورة الفعالة إلى نظام يعزز نمو الشركة ويحسن أداءها عندما تتضافر عدة عوامل. عندما تقدم شركة منتجًا أفضل من المنافسين مثلًا، يزيد ذلك من حصتها في السوق، ما يزيد من حجم المبيعات ويسمح للشركة بتوسيع نطاق عملياتها وتخفيض تكاليف الإنتاج. وبدوره، يؤدي إلى تحسين جودة المنتجات وتقليل التكاليف، ما يجعل الشركة أكثر تنافسية ويزيد الطلب على منتجاتها. وبالتالي، فإن الدورة الصالحة تشير إلى تفاعل متزايد ومتعدد الجوانب يحسن أداء الشركة ويزيد من نموها. تنتج نماذج الأعمال الناجحة دورات فعالة أو حلقات ردود فعل (feedback loops) تعزز نفسها، وهذا أكثر جوانب نماذج الأعمال قوة ولكن طالما يغفل الناس عنه.[4]

من اليسير  جعل دورة الأعمال مثالية عندما تخلو الساحة من المنافسين. ولكن القليل من نماذج الأعمال تعمل في فراغ – وإن حدث فلن يدوم الوضع. للتنافس مع المنافسين الذين لديهم نماذج أعمال مماثلة، يجب على الشركات ببساطة ترسيخ الالتزام بالنتائج المتوقعة حتى يتمكنوا من خلق القيمة والانتفاع من منافسيهم. القصة مختلفة عندما تتنافس الشركات ضد نماذج أعمال مختلفة. فالنتائج غالبًا ما تكون غير متوقعة، ومن الصعب معرفة أي نموذج عمل سيؤدي أداءً جيدًا. يمكن للشركات المنافسة من خلال نماذج الأعمال بثلاث طرق. يمكنهم تعزيز دوراتهم المثالية الخاصة، أو حجب أو تدمير دورات المنافسين، أو بناء تكاملات مع دورات المنافسين. تلك الإجراءات قادرة على تقليل الأضرار، بل وستحيل شركة قد تستبدلك إلى شركة تتكامل معك.[4]

إضعاف دورات المنافسين

ليست القيمة وحدها التي تحدد قوة الشركة ولكن التفاعلات مع المنافسين أيضًا. سنتناول المعركة بين  مايكروسوفت و لينكس (Linux). يغذي الأخير دورته الفعالة من خلال جعل الخدمة مجانية، مع السماح للمستخدمين بالمساهمة في تحسين التعليمات البرمجية. ركزت مايكروسوفت على إضعاف الدورة الفعالة لمنافسها. إذ تستغل علاقتها مع مصنعي المعدات الأصلية لتثبيت نظام ويندوز (Windows) مسبقًا على أجهزة الكمبيوتر الشخصية والمحمولة. تحاول الشركة عبر ذلك السلوك منع لينكس من زيادة قاعدة عملائها. تثني مايكروسوفت الناس عن الاستفادة من نظام التشغيل والتطبيقات المجانية في لينكس من خلال نشر عدم اليقين بشأن المنتجات.

يمكن أن ترفع مايكروسوفت قيمة ويندوز مستقبلًا، من خلال معرفة المزيد عن المستخدمين وتقديم أسعار خاصة لزيادة المبيعات في قطاع التعليم. أو تقليل قيمة لينكس عن طريق تقليل عمليات الشراء من قبل المشترين الإستراتيجيين ومنع تطبيقات ويندوز من العمل على نظام لينكس. قد تكون إمكانات خلق القيمة في لينكس أكبر من الناحية النظرية، لكن لن تتفوق قاعدته على تلك الخاصة بعملاقة التكنولوجيا بعد نجاح الأخيرة في إضعاف دورته الفعالة بل وتعطيلها.

التكامل مع المنافسين

قد يتحول المنافس إلى شريك في سبيل خلق القيمة وإرضاء العملاء، بتكوين علاقة ثلاثية الأركان. تخيل أنك تعمل بتصنيع السيارات وأنك تبيع سياراتك للمستخدمين. تحتم عليك وظيفتك بيع بعض قطع الغيار لمصنعين آخرين. إذا تعاونت مع منافسيك لتصنيع قطع أجود وأحدث، فقد ربح البيع لكليكما. إذا نجح منافسك في  زيادة مبيعاته ستزداد مبيعاتك أنت لأنكما متكاملان. تتعاون شركات الطيران وشركات تأجير السيارات لتقديم حزمات لعملاء السفر. تسمح هذه الصفقات للعملاء بتوفير المال عن طريق حجز رحلة وسيارة في الوقت نفسه. أما في مجال الضيافة، فقد تتعاون الفنادق مع مطاعم معينة ويصبح النزيل عميلًا لدى الشركتين.

أنواع نماذج الأعمال التجارية

  • نموذج الاشتراك: يتيح هذا النموذج للعملاء الحصول على منتج معين على نحو دوري مقابل رسوم اشتراك شهرية أو سنوية. مثل الاشتراك الشهري في البث المباشر لمنصة نتفليكس.
  • نموذج البيع المباشر: يشتري العملاء المنتج مباشرة من الشركة مثل عمليات الشراء عبر الإنترنت من متاجر التجزئة.
  • نموذج الإعلانات: توفر الشركات محتوى مجاني للجمهور وتعتمد على الإعلانات لتحقيق الربح، مثل التلفزيون.
  • نموذج الإيرادات المشتركة: حيث تقاسم الإيرادات مع شريك أو أكثر، مثل نموذج الإعلانات المدفوعة على اليوتيوب ومواقع الويب.
  • نموذج الترخيص: عند الحصول على رسوم إذن لاستخدام المنتج أو الخدمة، مثل برامج الحاسوب.
  • نموذج المنصة: تقدم الشركة منصة للمستخدمين للتفاعل بعضهم مع بعض، مثل فيسبوك وتويتر.

المصادر

  1. Investopedia
  2. Chron
  3. Harvard Business school
  4. Harvard Business Review

مقدمة في إدارة العمليات التشغيلية

مع كل يوم نمارس فيه حياتنا، نتعامل مع العديد من المنتجات والخدمات التي تقدمها شركات الأعمال. سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وسواء كانت هذه الخدمات أو المنتجات محلية الصنع أو مستوردة من الخارج. فكيف تصل إلينا هذه المنتجات وما الذي يتم في الداخل لا تراه أعيننا؛ ما يمسيه أصحاب الصناعات بالصندوق الأسود؟ وكيف تصل إلينا منتجات تعمل بشكل جيد وأخرى رديئة التصنيع ولا تقوم بعملها الأساسي الذي اشتريناها من أجله؟ مقدمة في إدارة العمليات التشغيلية.

إدارة العمليات التشغيلية هي إدارة الأنظمة والعمليات التي من خلالها نستطيع تصنيع منتج أو تطوير وتقديم خدمة للمستهلكين. بمعنى كل الأنشطة التي تتضمن إدارة الأشخاص والآلات من أجل تحويل المواد والمصادر إلى قيمة يستفيد منها العميل سواء كانت منتج أو خدمة.

كيف تسير عملية التصنيع؟

يجب أن تتوافر 3 محاور رئيسية لبداية تقديم أي خدمة أو صناعة ويجب أن نتذكرهم دائمًا. أولهم المدخلات وهي كل ما يتوافر لديك لتقديم المنتج وهم:

المكان الذي تتم فيه عملية التصنيع مثل المصنع.

العمالة الماهرة التي تعمل على التصنيع وتنفيذ المنتج.

رأس المال المتوافر من أجل العمل للحصول على الموارد ودفع الأموال اللازمة للعمل.

المعلومات والخبرات المتوافرة لديك من أجل تنفيذ المنتج أو الخدمة.

ثاني هذه المحاور هي عملية التصنيع نفسها وكيفية تحويل المواد الخام إلى منتج. أما المحور الثالث فهو الناتج النهائي والحصول على المنتج أو الخدمة بشكل جيد يستطيع المستهلك استخدامها.

في كل عملية من هذه العمليات السابقة يجب أن يتوافر تحكم في كل عملية والقدرة على القياس ومعرفة ردود الأفعال. وردود الأفعال هنا غير متوقفة فقط على العملاء ولكن أيضا رد فعل العمال تجاه المواد الخام. وردود أفعال مديري العمليات تجاه نشاط العمال والكيفية التي يقومون بها بالعمل.

مثال مبسط عن إدارة العمليات

إذا دخلت إلى مستشفى ستجد أن لديها عدد من المدخلات الأساسية أو المصادر الهامة للعمل وهم مبنى المستشفى والأشخاص الذين يعملون بها مثل الأطباء والممرضات والأخصائيين، وأيضا الموارد اللازمة للعمل مثل أدوات الجراحة والخياطة والمعدات والأجهزة الطبية ويتوافر أيضا الأموال التي تساعد على شراء كل تلك الأدوات وإعطاء المرتبات للعمالة التي تتوافر لديها المعلومات والخبرات للقيام بالمهام المطلوبة. والعمليات التي تحدث داخل المستشفى من فحص المرضى والعمليات الجراحية والتشخيص وتقديم الأدوية المناسبة لكل حالة. ثم في النهاية المنتج النهائي هو أشخاص أصحاء أو شفاء أمراض المترددين على المستشفى من المرضى.

مثال أخر هو مصنع لتصنيع الأغذية المحفوظة أو المعلبة، حيث يكون لدى المصنع عدد من المدخلات كالمواد الخام والعمالة والمكان والمعدات ورأس المال، وتتضمن العملية نفسها تحويل المواد الخام إلى أغذية نظيفة ومعلبة وتتضمن العديد من العمليات داخلها، ثم في النهاية نحصل على منتج نهائي للاستخدام وهو أغذية معلبة.

ويتضح من هذه الأمثلة أنه بمقدورنا استخدام إدارة العمليات في العديد من المجالات مثل أنظمة العمل في البنوك والمصانع في عملياته الداخلية لتصنيع المنتجات، والمتاجر الخاصة بتوفير المنتجات للعملاء وأيضًا داخل المطاعم. إلى أبعد مدى مهما كان مجال عملك تدخل إدارة العمليات التشغيلية بقدر كبير.

الهدف من إدارة العمليات التشغيلية

تُنفذ العمليات التشغيلية بمجهود كبير لما لها من أهمية كبيرة في عالم الأعمال، حيث من خلالها يتم التأكد من الحصول على الجودة الأفضل التي يستحقها العميل، والكمية الصحيحة التي يحتاجها السوق في الوقت المناسب، وبالتكلفة التي يستطيع أن يتحملها العملاء وتعود بمردود على الشركة.

المنتج والخدمة

تعتبر السيارات والأطعمة والتليفونات منتجا، لأنها ملموسة يستطيع المستهلك أن يلمسها ويستخدمها. وأيضًا تُنتج قبل وقت بيعها واستخدامها من قبل العميل على عكس الخدمة التي لا تكون ملموسة مثل تقديم الخدمات الطبية وخدمات النقل والاستمتاع وتكون في نفس وقت استخدامها.

تتميز الخدمة بمستوى عالي جدًا من التواصل مع العملاء ويجب أن تكون مميزة بالصدق والحقيقة حيث سيتم الحكم عليها مرارا وتكرار بواسطة العميل.

دائما ما يكون التأكد من الجودة مهم جدًا في حالة الخدمة حيث التوصيل والاستخدام يكونان في نفس الوقت، أما المنتج فيكون التصنيع في وقت والاستلام في وقت أخر فمن الممكن تعديل الأخطاء.

أما عن قياس الإنتاجية فمن الممكن أن تكون صعبة للوظائف الخدمية بسبب تباين المدخلات، أي وحدة قياس إنتاجية طبيب عام لن تكون مثل قياس إنتاجية طبيب فحوصات دقيقة. أما المنتجات فتكون مدخلاتها تقريبا ثابتة فنستطيع التحكم في التباين. بالانتقال إلى التخزين فالمنتجات هي التي تحتاج إليها لكن الخدمات لا تحتاج بل تكون عند الطلب.

نستطيع بكل سهولة عمل براءة اختراع للمنتجات لكن سابقًا كنا لا نستطيع عمل براءة اختراع للخدمات، لكن الأن أصبح ذلك سهلًا حيث من الممكن تسجيل بحث أو عملية جراحية خاصة بطبيب.

تحتاج الخدمات إلى مستوى رضا عالي من العمالة أكثر من التصنيع وذلك بسبب زيادة الخدمات المقدمة للعملاء كالبنوك والمستشفيات وغيرها، وأيضا المنتجات قابلة للإدارة والتطور أكثر من الخدمات.

ومن الممكن أن تحدث المنتجات والخدمات في نفس الوقت وألا تكونان منفصلتان، ومن الممكن أن يكون المنتج ملموس بنسبة كبيرة وغير ملموس بنسبة صغيرة. وأيضًا الخدمة تكون غير ملموسة بنسبة كبيرة وملموسة بنسبة صغيرة، ومثال على ذلك هو الذهاب إلى محطة البنزين، تحصل على خدمة تغيير الزيت أو ما شابه وفي نفس الوقت تحصل على الزيت نفسه كمنتج، وأيضًا في دهانات المنزل تحصل على خدمة تغيير اللون وفي نفس الوقت المنتج نفسه الذي تغير به اللون.

مصادر

investopedia

CFI

WRIKE

STUDOCU

مفارقة إيكاروس، كيف يقتلك ما كان السبب في نجاحك؟

بالتأكيد العمل الدؤوب والاجتهاد هو الطريق للنجاح، ولكن ماذا لو كانت مسببات النجاح هي التي ستؤدي للفشل الذريع؟  هذا ما طرحه داني ميلر في كتابه مفارقة إيكاروس، ليوضح سبب سقوط الشركات الناشئة بعد فترة من النجاح والازدهار.

إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية:

تروي الأسطورة أن إيكاروس هو ابن ديدالوس، المعماري الذي بنى المتاهة التي احتوت وحش المينوتور “نصف انسان ونصف ثور” . وكان في جزيرة كريت التي حكمها الملك مينوس، وحُكِم على ديدالوس وابنه بالسجن في برجٍ في جزيرة كريت.

حاول إيكاروس وأبيه الهروب وذلك بصناعة أجنحة وتشكيلها من الشمع والريش. ولكن نبه ديدالوس ابنه بألا يطير عاليًا فيقترب من الشمس ويذوب الشمع في أجنحته، وألا يطير منخفضًا فيبتل الريش بالماء ويغرقه.

ولكن إيكاروس كان مزهوًا بأجنحته وفخورًا بحريته، فحلق عاليًا إلى أن اقترب من الشمس فأذابت الشمع وحرقت أجنحته، وهوى إلى البحر ومات غرقًا فيه.

مفارقة إيكاروس:

طرح داني ميلر في عام 1990 مفهوم مفارقة إيكاروس؛ موضحًا أن الشركات الناشئة التي تبالغ في ثقتها بقدراتها بعد نجاح مزدهر وسريع سيكون مصيرها مماثلًا لمصير إيكاروس، الفشل بسبب نفس العوامل التي أدت لنجاحها الباهر.

تؤدي العوامل المسببة في النجاح السابق؛ مثل استراتيجيات متبعة سابقًا عند استخدامها بشكل زائد عن حده إلى انخفاض المبيعات والأرباح إلى أن تصل للإفلاس.
ويحدث هذا عندما يتخذ المدراء نفس الأساليب أملًا في الحصول على نتائج مشابهة للنجاح القديم. وذلك لثقتهم العمياء فيها، وأحيانًا بسبب الغطرسة والثقة الزائدة بنجاحها.

عوامل فشل الشركات:

يقول ميلر إن انتصارات الماضي هي التي تخدع صناع القرار في الشركات وتدفعهم للإيمان بأنهم وصلوا لبر الأمان وحققوا النصر في مبيعاتهم، ويدفعهم ذلك إلى اتباع طرقهم التقليدية ذاتها، بسبب إيمانهم بأنها الطرق الناجحة كونها طرق مجربة.

عند توقع نتائج المشاريع المحفوفة بالمخاطر يقع المدراء في ما يسميه علماء النفس “مغالطة التخطيط”، ويتخذون قراراتهم بناءً على تفاؤل وهمي بدلًا من الحساب العقلاني للمخاطر والمكاسب المحتملة. ويسعون وراء أهداف غالبًا ما تفشل.

عبر الزمن، تركز الشركات على العامل الوحيد الذي ساعد في نجاحها، ولكن على حساب عوامل أخرى تهملها الشركات ولا تتكيف مع التطورات مثل وجود منافسين جدد، تغير الطلب المحلي، وجود تكنولوجيا جديدة.

أمثلة على مفارقة إيكاروس:

هناك أمثلة على ذلك أهمها شركة تيسكو بمحاولتها دخول السوق الأمريكية عام 2007. بالرغم من نجاحها البالغ في المملكة المتحدة، فشلت في دخول السوق الأمريكية وذلك لتطبيقها نفس الاستراتيجية المتبعة في المملكة المتحدة بدون مراعاة فروق العادات الاستهلاكية للمواطن الأمريكي. ما أدى لخسارات بالغة تقارب 1.8 مليار دولار وانخفاض أرباحها بمعدل 96%.

مقترحات ميلر:

يرى ميلر بضرورة تطوير المديرين لما يسميه “المرايا” أو القدرة على الوعي بالسلوك والتفكير الذاتي. ويؤكد على أهمية التطوير ومراجعة الاستراتيجيات خصيصًا التي مرّ زمن على العمل بها. بالإضافة لضرورة استخدام عدة مصادر من المعلومات عن المنافسين ومتطلبات السوق المحليّ، ومتابعة المنتجات المنافسة. حتى تتمكن الشركة من الصمود أمام تغيرات السوق يتوجب التغيير المستمر في الاستراتيجيات المتبعة للنجاح، حتى لا ينتهي بها الأمر مثل إيكاروس.

المصادر:






هل الشركات الناشئة والشركات الصغيرة وجهان لعملة واحدة؟

يوجد تضارب مفاهيم لدى معظم الأشخاص بأن الشركات الناشئة -“startup”- بداية الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ لذلك دعنا نتعرف على حقيقة الأمر.

ماهي الشركات الناشئة؟

الشركة الناشئة: هي شركة حديثة يؤسسها شخص أو أكثر، تعمل على إيجاد حل لمشكلة، وتتميز بالنمو وتطور نموذج العمل.[1]

الفرق بين الشركات الناشئة والصغيرة

  • الشركات الناشئة هي شركات مؤقتة؛ فتسعى للتطوير من نموذج العمل لتتمكن من السيطرة على السوق. بينما الشركات الصغيرة تسعى للبقاء في منافسة السوق.
  • الشركات الناشئة لا تصل إلى الربح بشكل سريع؛ لأنها تبحث عن نموذج عمل مثالي لتحقيق هدفها. بينما الشركات الصغيرة لا تسعى للسيطرة، إنما تسعى للربح بكفاءة.
  • احتمال نجاح نموذج عمل الشركة الناشئة ليس مؤكد؛ فيلجأ مؤسسو الشركات الناشئة للتمويل عن طريق المستثمرين أو شركات الاستثمار. بينما الشركات الصغيرة تلجأ للقروض؛ لأنها تعتمد على نموذج عمل مؤكد.[2]،[3]

كيفية البدء في إنشاء شركة ناشئة

يعتمد الأمر على بعض الخطوات لتقليل نسبة الوقوع في أخطاء، وهي:

  • حدد مشكلة عملائك: ليست الصعوبة في إيجاد حل، إنما بفهم عميق للمشكلة مما يسهل عليك إيجاد حلول مبتكرة.
  • عمل بحث: لا يكون البحث عن المنافسين فقط، بل البحث عن آراء العملاء في حلول المنافسين، وعن قصور تلك الحلول؛ مما يساعدك لخلق ميزة تنافسية.
  • الاستفسار من الخبراء: الاستعانة بالخبراء يساعدك على إيجاد أجوبة على كل الاستفهامات التي تدور في رأسك؛ مما يجعلك تتفادى بعض الأخطاء بسبب فهم خاطئ.
  • وضوح فكرة المنتج: قبل العمل على إنشاء المنتج يجب أن تكون فكرته واضحة؛ لأنك سوف تخبرعملائك كيف سيصبح المنتج عندما يتم طرحه فعليًا.
  • إيجاد العملاء المختبرين: هم عملائك المتبنيين الذين يسعون لتجربة منتجك قبل طرحه بشكل فعلي؛ والذين يساعدونك في تحسين الجودة.
  • طرح نماذج من المنتج: والذي يُسمى بالحد الأدنى من المنتج القابل للتطبيق؛ فيقوم العملاء المختبرين بتجربته. فإذا كنت تقوم بإنتاج الكعك، قم بطرح نماذج مصغرة من الكعكات لمعرفة انطباع الجمهور؛ وعلى أساسه ستحسن المكونات ليصبح بالمذاق الأمثل.
  • اكتساب عملاء جدد: يتم تجربة نماذج المنتج على العملاء المختبرين الذين في الغالب يكونون من دائرة الأقارب أو الأصدقاء، ولكن الرأي الأكثر نفعًا يكون رأي العملاء الغرباء(جدد). ويمكنك اكتساب العملاء الجدد من خلال:
    1. تنظيم إعلان بشكل منسق على الفيسبوك.
    2. التأكد من نجاح التحويل عند الضغط على الإعلان إلى الموقع الإلكتروني.
    3. اختيار السعر المناسب.
  • تحديد وعد العلامة التجارية: هي القيمة أو الفائدة التي ستضاف للعملاء من المنتج، وإذا لم يتم تحقيق هذه القيمة وإيصالها بالشكل الأمثل سوف تفقد ثقة العملاء.
  • الاهتمام برأي العملاء: خدمة العملاء لا تقتصر على إتمام عملية البيع وحسب، إنما بمعرفة رأي العملاء الذي يساعد في تحسين الجودة وتطوير المنتج بشكل أفضل.
  • المراجعة والتقييم: بعد هذه العملية الطويلة يلزم مراجعة وتقييم النتائج؛ لتقرر إذا كان المنتج ونموذج العمل يحتاجان للتطوير أم لا.[4]

بعض الأخطاء الشائعة التي تواجه الشركات الناشئة

يوجد أخطاء شائعة يقع فيها مؤسسو الشركات الناشئة؛ والتي بدورها السلبي تؤدي إلى فشل الشركة الناشئة أو تحقيق نتائج أقل من المطلوبة، منها:

  • تعيين أشخاص غير مناسبين: بسبب تطور وسائل التواصل؛ التقدم للوظائف عبر الانترنت أصبح سريعًا، يعتمد البعض على كفاءة الأشخاص من خلال استمارة التقديم دون إجراء مقابلة شخصية للتأكد من كفائتهم.
  • اختيار الفئة المستهدفة بشكل غير دقيق: لا يمكنك إرضاء جميع الفئات؛ لذلك يجب توجيه المنتج أو الخدمة لفئة محددة؛ لتفادي التشتت وعدم تحقيق النتائج المطلوبة.
  • البحث غير عميق: الكثير من رواد الأعمال لا يهتمون بالبحث العميق؛ مما يسبب عدم معرفة الاحتياجات الحقيقية أو تحديد ميزة تنافسية موجودة بالفعل لدى أحد المنافسين.
  • عدم وجود خبرة: الكثير من الشباب اليوم يسعى ليكون لقبه “رائد أعمال”، مع تجاهل أهمية وجود خبرة كافية للإدارة وفهم احتياجات السوق.
  • التسويق غير فعال: يرجع ذلك لاعتقاد البعض أنه كلما زادت ميزانية التسويق والإعلانات كلما زاد الربح؛ مع تجاهل أهمية كفاءة وتأثير تلك الإعلانات.
  • كثرة المنافسين: هناك الكثير من أصحاب الأفكار للمشاريع، وفي ازدياد كل يوم بسبب الابتكار والتطور؛ فيجب أن تكون فكرة مشروعك مدروسة جيدًا حتى تتمكن من التواجد ضمن هذه المنافسة.[5]،[6]

وفي النهاية قبل اتخاذ خطواتك نحو إنشاء مشروعك تأكد من قدرتك الإدارية، وأنك على قدر كافٍ من المسئولية لتحمل عواقب الأخطاء.

المصادر

Exit mobile version