ما رهاب الخلاء؟ وما أعراضه وكيف يمكننا التعامل معه؟

لم أغادر منزلي سوى ثماني مرات خلال اثني عشرة عامًا، التجارب الاجتماعية تسبب لي الذعر، حتى كتابة هذا التعليق تخيفني. أنا أخطط للأمور كثيرًا قبل فعلها، حتى قبل المكالمات الهاتفية، وهذا يتطلب الكثير من الوقت والمجهود. لقد سئمت من ترك رهاب الخلاء يتحكم بي، أنا لا أعيش الحياة بالفعل. (ملحوظة: لقد عدلت هذا التعليق أربع عشرة مرة لأن نوبات الهلع لم تفارقني طوال كتابته)

كتب هذه الكلمات أحد المعلقين على مقطع فيديو يتحدث عن رهاب الخلاء، وسواء صدقت كلماته أم لا، إلا أنها حثتي للتفكر في مدى جدية هذه الحالة. ما هو هذا الرهاب؟ كيف يتضحم ليتحكم في صاحبه لهذا الحد؟ والأهم هو كيف يمكننا التعامل معه؟

ما رهاب الخلاء؟

«رهاب الخلاء-agoraphobia» نوع من اضطرابات القلق، يصيب الشخص فيمنعه من الخروج إلى العالم.

يتجنب المصاب برهاب الخلاء الأماكن العامة والمفتوحة لشعوره بالاحتجاز وعدم القدرة على الهرب.

يسبب الخجل الاجتماعي والخوف من الإذلال شعور الاحتجاز، فيتجنب الشخص على أثره أغلب الأماكن والمواقف العامة، وقد يصل به الأمر إلى عدم مغادرة المنزل لشهور وسنوات.

المعنى الحرفي للمصطلح (agoraphobia) هو الخوف من أماكن التسوق. بالتالي يمكننا استنتاج الأماكن التي يهابها المصاب برهاب الخلاء ويتجنبها وهي: 

  • مراكز التسوق.
  • المواصلات العامة.
  • المساحات المفتوحة (الجسور وساحات انتظار السيارات)
  • صفوف الانتظار والحشود.
  • المساحات المغلقة (صالات السينما والمحال)


يتجنب الشخص هذه المواقف وقد ينتهي به الأمر محتجزًا في منزله، لأنه المساحة الوحيدة الآمنة الذي يشكل ما عداه خطرًا عليه. 

الأعراض

يتميز رهاب الخلاء بعدد من الأعراض المعروفة وهي:

  • الخوف من مغادرة المنزل.
  • الأماكن المفتوحة.
  • الأماكن المغلقة مثل المسارح وصالات السينما.
  • المواصلات العامة.
  • الانخراط في المواقف الاجتماعية وحيدًا.
  • الخوف من فقدان السيطرة (الإصابة بنوبة هلع) في مكان عام.

تسبق «نوبات الهلع-panic attack» ظهور الرهاب، إذ يجد الشخص نفسه في موقف/مكان مثير لقلقه، فتظهر الأعراض التالية:

  • ألم في الصدر.
  • دوار وضيق تنفس.
  • رعشة وتعرق.
  • غثيان وقيء.
  • زيادة ضربات القلب.
  • شعور بالاختناق.

الأسباب وعوامل الخطر

يرى العلماء أن تلك الأعراض التي ذكرناها (أعراض نوبات الهلع) أصل رهاب الخلاء، إذ يهاب الشخص أن تأتيه النوبة في مكان عام فتسبب له الإحراج، ونتيجة لذلك يتجنب أغلب المواقف أو الأماكن “غير الآمنة”، فينتهي به الحال مقيدًا في منزله لا يغادره لسنوات.

بالإضافة إلى ذلك، حدد العلماء عددًا من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بهذا الرهاب وهي:

  • أن يكون الشخص مصابًا بنوع آخر من اضطرابات القلق (الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق المعمم)
  • سوابق عائلية للإصابة برهاب الخلاء.
  • سوابق للتعرض لاعتداء أو صدمة قوية.

تزداد احتمالية إصابة الشخص بهذا الرهاب عند اجتماع الأسباب التي ذكرناها معًا. ويجب الانتباه لأعراض هذا الرهاب لأن إغفاله قد يسبب مضاعفات خطيرة منها:

  • شعور عام بالوحدة والانعزال، إذ ينقطع الشخص عن عمله ودراسته وعلاقاته واهتماماته.
  • تدهور المعيشة نتيجة للصعوبات المادية، مما يزيد من الشعور بالضغط والقلق وربما يؤدي للاكتئاب.
  • قد يدرك الشخص عدم منطقية خوفه، لكنه لا يستطيع التحكم به، فيشعر بالغضب وقلة الحيلة.
  • تأُثر ثقة الشخص بنفسه، مما يزيد من شدة مخاوفه وقلقه.
  • قد يتجه الشخص لوسائل ترويح غير صحية مثل: تناول الطعام بكميات كبيرة، أو تعاطي المخدرات، أو إدمان الكحول.

العلاج

يستجيب مصابو رهاب الخلاء للعلاج ويظهرون تحسنًا معه، يختلف شكل هذا العلاج باختلاف الحالة وشدتها وتفضيلات كل مريض، لكنه بشكل عام يتضمن عددًا من الوسائل الآتية:

  • الأدوية المضادة للاكتئاب أو المضادة للقلق.
  • العلاج المعرفي السلوكي.
  • الاستشارات النفسية.
  • تمارين الاسترخاء.
  • مجموعات الدعم.
  • تعليمات ونصائح للتعامل مع رهاب الخلاء.

نصائح للتعامل مع رهاب الخلاء

ينبغي على مريض الرهاب، بالإضافة إلى طلب المساعدة من مختص نفسي، تعديل نظام حياته ليتمكن من التعامل مع أعراض الرهاب. هذه التعديلات هي:

  • ممارسة تمارين الاسترخاء لإدارة الضغط بشكل أفضل.
  • المحافظة على نظام غذائي صحي ومتوازن.
  • ممارسة الرياضة بشكل منتظم.
  • الامتناع عن المخدرات والكحوليات.
  • تقليل جرعة الكافيين اليومية.

اقرأ أيضًا: عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

المصادر

عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

“أشعر بالذنب لكوني على قيد الحياة.. وهذا شعور ثقيل
كأن تتساقط حوائط المحيط فوق رأسك.. غير عابئة بالسدود”

كُتبت هذه الكلمات بيد بايشنس كارتر ذات العشرين عامًا، التي شهدت حادث إطلاق نيران مريع بولاية فلوريدا. نجت كارتر من هذا الحادث فيما فقد آخرون حياتهم. وعلى عكس المتوقع، لا نجدها ممتنة للنجاة بل شاعرة بالذنب والثقل. فما سبب هذا الشعور؟ هذا ما سنتعرف عليه في حديثنا اليوم عن عقدة الناجي!

ما عقدة الناجي؟

«عقدة الناجي-survivor’s guilt» هو نوع من الشعور بالذنب، يختبره هؤلاء الذين نجوا بحياتهم من مواقف كارثية. عقدة الناجي ظاهرة معقدة للغاية، قد يختبرها الشخص لشعوره بالذنب لأنه مازال على قيد الحياة فيما توفي الآخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي لإنقاذ أحدهم، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لمساعدته.

يعد خبراء الصحة النفسية عقدة الناجي عرضًا مهمًا لـ «اضطراب ما بعد الصدمة-PTSD»، إذ يتلازم الشعور بالذنب مع موقف كارثي مهدد للحياة، ينجو منه الشخص فيما يفقد آخرون حيواتهم. وقد تظهر عقدة الناجي وحدها دون أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة.

اُستخدم مصطلح عقدة الناجي للمرة الأولى مع الناجين من المحرقة الجماعية (الهولوكوست)، لوصف شعورهم بالذنب بعد تعرضهم لتلك الجريمة البشعة. والآن تختبر فئات أخرى هذا الشعور مثل:

  • المحاربون القدامى.
  • مرضى السرطان.
  • ضحايا الحوادث العنيفة.
  • الناجون من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل.
  • المراسلون الصحفيون في مناطق الحروب والكوارث.
  • من شهد انتحار أحد أفراد عائلته.
  • من فقد عزيز خلال جائحة كورونا.

أعراض عقدة الناجي

عقدة الناجي تجربة معقدة للغاية، فكما ذكرنا سابقًا يختلف سبب الشعور بالذنب من شخص لآخر، إما لأنه نجا فيما توفي آخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي للمساعدة، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لإنقاذه. 

نجد العرض المشترك والأكثر وضوحًا هو الشعور بالذنب. وهناك عدد من الأعراض الأخرى التي تختلف في حدتها باختلاف حالة كل مريض. مثل: 

  • شعور بالضعف وقلة الحيلة.
  • استرجاع ذكريات الموقف الكارثي.
  • شعور بالغضب والانفعال.
  • شعور بالخوف والحيرة.
  • تقلبات مزاجية ونوبات غضب.
  • فقدان الحماس.
  • أفكار انتحارية.

    هذه هي الأعراض النفسية التي تتطابق تقريبًا مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وهناك عدد من الأعراض الجسدية منها:
  • اضطرابات الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • صداع.
  • غثيان وآلام في المعدة.
  • تسارع ضربات القلب.

عوامل الخطر

جميعنا معرضون لشدائد الحياة، وشئنا أم أبينا، نتأثر بتبعاتها. عقدة الناجي ليست استثناءًا من هذه القاعدة، إلا أنه هناك عدد من العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بها. وهذه العوامل هي:

  • تعرض الشخص لصدمات الطفولة مثل: الاعتداء أو التحرش.
  • وجود أمراض نفسية أخرى مثل: القلق أو الاكتئاب.
  • غياب الدعم النفسي من العائلة أو الأصدقاء.
  • تعاطي المخدرات أو الكحوليات.

أثبتت الدراسات وجود بعض العوامل الأخرى التي قد تزيد من صعوبة الموقف على الناجي. أهمها: الندم. يتقاطع الشعور بالذنب مع الندم في أغلب الأحيان، إذ ينظر الشخص إلى الوراء متسائلًا عما كان يمكن تقديمه لإنقاذ حياة هذا أو مساعدة ذاك. 

يقع الشخص فريسة لهذا الشعور متأثرًا بما يعرف بتحيز «الإدراك المتأخر-Hindsight Bias» إذ ينظر الشخص إلى الحدث الصادم معتقدًا أنه كان واضحًا للغاية، وكان ينبغي عليه توقع حدوثه. فيما يخبرنا الواقع بالطبع أنه بعض الأمور تحدث فقط، ولا يمكننا التحكم بها لأنها خارج نطاق إرادتنا.

كيف نتعامل معها؟

يتطلب وجود عقدة الناجي، وحدها أو مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة، تدخلًا عاجلًا. لا لتقليل الشعور بالذنب وتحسين جودة الحياة فقط، ولكن لارتباط هذه العقدة بأعراض خطيرة قد تودي بحياة الشخص. 

أثبتت الدراسات أن العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي، فعال للغاية في عكس الآثار السلبية للصدمة وعقدة الناجي.

قد يستفيد الشخص من عدد من الوسائل العلاجية الأخرى مثل: العلاج النفسي الجماعي، أو مجموعات الدعم، أو بعض الأدوية لتخفيف حدة الأعراض.

لا تقتصر رحلة العلاج على زيارة المعالج فقط والالتزام بالأدوية. الألم والحزن والذنب والندم مشاعر قوية تترك بصمتها على الجميع، ينبغي علينا معرفة كيفية التعامل معها. وهاك بعض النصائح المقترحة لذلك:

  • اسمح لقلبك أن يحزن.
    أن تشهد بشرًا مثلك يفقدون أرواحهم ،أمام عينيك، دون أن تستطيع المساعدة، أمر قاتل. اسمح لقلبك أن يحزن، وامنحه هدية الوقت حتى يكتمل شفائه. 
  • أنت فقط بشر، لا يمكنك التحكم بكل شيء.
    أتفهم رغبتك في عتاب نفسك، وإصرارك أنه كان من الممكن فعل شيء لتغيير ما حدث. لكن الحقيقة أن ما حدث قد حدث، هناك بعض الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك ولا يمكنك التحكم بها.
  • اغفر لنفسك.
    لا يسهل على أحد تحمل عواقب أفعاله، خاصة إن تسببت النتائج بالأذى. لكن الأخطاء تحدث، وجميعنا معرضون لارتكابها. اغفر لنفسك وامنح نفسك ما تحتاج من الوقت لذلك.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

متلازمة الطفل الأوسط : 5 سماتٍ مميزة للطفل الأقل حظًا!


الطفل الأكبر دومًا مسؤول، والأصغر مدللٌ ويحبه الجميع، بينما الأوسط هو الأقل حظًا دائمًا. هذه هي الصور النمطية التي نعرفها جميعًا عن ترتيب الأطفال داخل الأسرة. سنهتم اليوم بالطفل الأقل حظًا، ومتلازمة الطفل الأوسط التي سُميت باسمه. فما هي متلازمة الطفل الأوسط؟ وما مدى صحتها؟
 

تعريف متلازمة الطفل الأوسط

متلازمة الطفل الأوسط هي الاعتقاد السائد أن هذا الطفل لا يحظى بالاهتمام والرعاية الكافية من أبويه، فهو طفل مُهمل ومشتت بين ظلال أخويه الأكبر والأصغر. نتيجة لذلك يطور هذا الطفل سمات شخصية معينة تنبع بشكل أساسي من ترتيبه في العائلة.

ظهرت هذه المتلازمة كجزء من نظرية شهيرة وضعها عالم النفس ألفريد أدلر. حاول أدلر في نظريته تفسير الاختلافات بين شخصيات البشر تبعًا لموقعهم في العائلة. على سبيل المثال: 

  • الطفل الوحيد: يحب أن يكون مركز الانتباه، ويفضل صحبة البالغين، كما يجد صعوبةً في مشاركة أقرانه في الأنشطة المختلفة.
  • الطفل الأكبر: صارم ومسؤول وأكثر التزامًا بالقواعد من باقي الأخوة.
  • الطفل الأصغر: مدلل يحتاج للعناية، ويضع خططًا كبيرة لكنه يخفق في تنفيذها.
  • الطفل الشبح: الطفل الذي يُولد بعد وفاة آخر. عادةً يكون هذا الطفل معارضًا رافضًا مقارنته بذكرى الطفل الراحل.

سمات الطفل الأوسط

لم يُغفِل أدلر في نظريته الطفل الأوسط، فهو طفل يقع بين الطفل الأكبر والأكثر قدرةً وإنجازًا، والطفل الأصغر الذي يبهر الجميع بابتسامة ويحظى بكل الانتباه والرعاية. نتيجة لذلك يطور هذا الطفل عددًا من السمات الشخصية. منها:

  • التنافسية
    الطفل الأوسط طفلٌ تنافسي، فهو ينافس الأَخَوان الأكبر والأصغر ليحظى بالانتباه والرعاية. وقد يصل به هذا الأمر إلى ارتكاب أخطاء، أو المعارضة والثورة بلا سبب فقط لجذب الانتباه.
  • تزعزع الثقة بالنفس
    ينظر الطفل إلى إنجازات أخيه الأكبر الأكثر نضجًا -عقلًا وجسمًا- فلا يشعر بتميز إنجازاته.

    وهناك بعض السمات الإيجابية مثل:
  • القدرة على التعلم
    يراقب الطفل الأوسط أخاه الأكبر دائمًا، في محاولة للتعلم منه والتفوق عليه لإثارة إعجاب أبويه.
  • التعاون وتحمل المسؤولية
    يساعد الطفل الأوسط أخاه الأصغر، حيث يقوم بمراقبته والاعتناء به أو تعليمه مهارات لم يتعلمها بعد.
  • التفاوض
    مهارة التفاوض من أهم السمات التي يكتسبها الطفل الأوسط، فوجوده داخل مجموعة ينمي مهاراته الاجتماعية بشكل كبير.

أسباب متلازمة الطفل الأوسط

السبب الأساسي لظهور متلازمة الطفل الأوسط هو شعور الطفل بنقص الاهتمام والغربة بين عائلته. ما بين اهتمام الأبوين بالطفلين الأصغر والأكبر، يشعر الأوسط بقلة تميزه مقارنةً بهما، وقد ينتهي به الأمر منخرطًا في المشاعر والسلوكيات السلبية التي ترتبط بهذه المتلازمة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض العوامل المحفزة التي تساهم في ظهور المتلازمة بشكل أوضح:

  • غياب الدعم
    هو شعور الطفل بالإهمال والوحدة، وعدم قدرته على التحدث بحرية مع أبويه.
  • اضطراب الهوية
    يشعر هذا الطفل بالحيرة والاضطراب، مشتتًا بين ظلال أخويه الأكبر والأصغر.

حقيقة متلازمة الطفل الأوسط

يدور حول هذه المتلازمة الكثير من الجدل، وهناك الكثير من النتائج المتناقضة فيما يخص حقيقة وجودها.

الدراسات المؤيدة

استطلعت الدراسات علاقة الطفل الأوسط بأبويه وصحته النفسية، فوجدت أن النسبة الأكبر من المشاركين ذوي الترتيب الأوسط (مقارنةً بالأول والأخير):

  •  ليسوا مقربين من أمهاتهم.
  • لا يلجأون للأبوين وقت الحاجة.
  •  أكثر ميلًا للمثالية والالتزام.

الدراسات المعارضة

  • دحضت الدراسات المعارضة تأثير متلازمة الطفل الأوسط على إصابة الطفل بأمراض نفسية مثل: الاكتئاب.
  • أشارت دراسة حديثة واسعة إلى: عدم وجود أي تأثير دائم لترتيب المولود على السمات الشخصية له مثل: الانفتاح والقبول والاستقرار العاطفي.

نلاحظ هنا تعارض النتائج بشكل واضح بين مؤيد ومعارض. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه، سواء أثبت العلم صحة هذه النظرية أو خطأها، أن طفلك -مهما كان ترتيبه- يستحق العناية والاهتمام. وأن أسوأ ما قد يحدث له هو غياب الدعم والملاحظة، لا ترتيبه الأوسط!

اقرأ أيضا: متلازمة توريت | 7 مُضاعفات ولا أحد يعرف السبب!

المصادر

بكتيريا الأمعاء | كيف ترتبط الأمراض النفسية ببكتيريا الجهاز الهضمي؟

بكتيريا الأمعاء | كيف ترتبط الأمراض النفسية بالجهاز الهضمي؟

جورج بورتر فيلبس، طبيب نفسي عمل بمستشفى بيثلام الملكية بلندن القرن الماضي. وبينما يمضي في عمله متابعًا مرضاه المصابين بـ «الكآبة-melancholia» وجدهم يعانون من إمساك شديد بالإضافة إلى أعراض تأثر الأيض من هشاشة الأظافر وشحوب البشرة. 

يأتي الاستنتاج البديهي إلى أذهاننا جميعًا، يرجع ظهور هذه الأعراض إلى الاكتئاب. لكن فيلبس تسائل ماذا لو كان الأمر معكوسا؟ ماذا لو أن هذه الأعراض هي سبب الاكتئاب؟

أول الأدلة

عدّل فيليبس النظام الغذائي لثمانية عشر مريضًا مقللًا نسبة اللحوم في غذائهم ومعتمدًا على مشروب من الحليب المخّمر (الكفير) الذي يحتوى على البكتيريا اللبنية (نوع من البكتريا تساعد على الهضم).

جاءت النتائج بشفاء 11 مريضًا بشكل كامل من أعراض الاكتئاب، بالإضافة إلى تحسن اثنين آخرين.

لم يهتم المجتمع العلمي بنتائج تجربة جورج فيليبس في زمنه. لكن بالنظر إلى ما توصل إليه العلم الآن، نجد فيلبس ناجحًا في تقديم أول الأدلة على العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والصحة العقلية.

تعريف بكتيريا الأمعاء

يسكن جهازنا الهضمي تريليونات الأجسام الدقيقة من فطريات أو فيروسات أوبكتيريا، تتركز البكتيريا بشكل أساسي في الأمعاء الغليظة، وتختلف من شخص لأخر. بمعنى أن كل منا يملك نسخته المميزة من بكتيريا الأمعاء اعتمادًا على نظامه الغذائي وأسلوب حياته.

تؤثر هذه البكتيريا على كل شيء تقريبًا بداية من الشهية والوزن حتى المشاعر والحالة المزاجية. ويعرف نظام التواصل بينها وبين والدماغ بالمحور الدماغي-المعوي.

دراسات بكتيريا الأمعاء

ظهرت أشهر الأدلة على وجود المحور الدماغي المعوي في عام 2004. إذ أجرى فريق من الباحثين من جامعة كيوشو اليابانية دراستهم على الفئران. استخدم الفريق سلالة من الفئران المعقمة (نشأت في بيئة خالية من الميكروبات) التي لا تحمل أي ميكروبات على أو داخل جسدها. ولاحظوا تقلبات في مستوى هرمون الكورتيكوستيرون والهرمون المحفز للغدة الكظرية. يرتبط كل من الهرمونين بمستوى الضغط النفسي، ومن هنا استنتج العلماء العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والحالة المزاجية.

لم يتوقف فريق الباحثين عند هذا الحد، إذ حقنوا سلالة الفئران المعقمة بجرعة بكتيريا لبنية (نفس سلالة البكتيريا التي استخدمها فيليبس في تجربته). لاحظ العلماء انخفاض معدلات الضغط النفسي عند الفئران التي حقنت بسلالة البكتيريا مقارنة بالسلالة المعقمة تمامًا. 

توصل العلماء في دراسة أخرى إلى نتائج تدعم وجود المحور الدماغي-المعوي. إذ حقن العلماء سلالة من الفئران المعقمة بعينة من بكتيريا الأمعاء المستخلصة من مرضى اكتئاب. لوحظ سلوك الفئران ووُجد أنهم أكثر عرضة للانسحاب من مهام بسيطة كالسباحة. كذلك ظهرت عليهم أعراض مثل الحزن والإحباط التي ترتبط بشكل أساسي بمرض الاكتئاب.

كيف يعمل النظام الدماغي-المعوي؟

درس العلماء النظام الدماغي -المعوي، ووضعوا عددًا من النظريات التي تفسره، منها: 

  • التواصل المباشر مع المخ عن طريق العصب الحائر.

هذا العصب من الأعصاب المخية التي تخرج من المخ، ثم تنتشر في أنحاء الجسم.

توجد مستقبلات هذا العصب بالقرب من البطانة الداخلية للأمعاء لتساعد في تنظيم عملية الهضم. لذا عند وجود خلل في بكتيريا الأمعاء يمكنها أن تبعث رسائل كيميائية تؤثر في نشاط هذا العصب وبالتالي المخ. 

  • تسرب الأمعاء 

تحافظ سلالات البكتيريا على سلامة الجدار الداخلى للأمعاء (عن طريق الحفاظ على سلامة الغشاء المخاطي فتمنع تسرب مكوناته إلى مجرى الدم) عند حدوث خلل في هذه البكتيريا، يختل جدار الحماية ويحدث تسريب لمكونات الأمعاء.

نتيجة لهذا الخلل تُفرز «سيتوكينات ما قبل الالتهاب-pre inflammatory cytokines» التي ترفع معدل سيلان الدم إلى المنطقة المصابة وتنظم رد الفعل المناعي. تسبب هذه السيتوكينات أيضاً شعورًا بتدني الحالة المزاجية والنعاس، وهذا هو سبب شعورنا بالإجهاد وقت المرض.

تعد هذه الآلية مفيدة على المدى القصير، إذ تساعد على حفظ طاقة الجسم لمحاربة العدوى. أما على المدى الطويل فيمكنها أن تؤدي إلى الإكتئاب.

  • تؤثر بكتيريا الأمعاء على عملية هضم وتمثيل «أسلاف-precursors» النواقل العصبية المهمة مثل السيروتونين والدوبامين. كلًا منهما معروف بأهميته للصحة العقلية والحالة المزاجية.
  • يؤثر المخ أيضًا على مكونات بكتيريا الأمعاء، إذ يسبب الضغط النفسي ارتفاع نسبة الالتهاب وبالتالي يؤثر على بكتيريا الأمعاء، التي تؤثر بدورها على المخ وهكذا.

خاتمة

دراسة الأمراض النفسية من منظور الجهاز الهمضي مجال علم جديد ومميز، ويقدم لنا آمالًا جديدة.
على الرغم من وجود الأدوية المضادة للاكتئاب إلا أن أعراضها الجانبية تقلل الزام المرضى بها، ولا تقدم حلًا قاطعًا. لذا يأمل العلماء من خلال دراستهم لبكتيريا الجهاز الهضمي إلى التوصل إلى حلول جديدة ومضمونة للأمراض النفسية وأهمها الاكتئاب.

اقرأ أيضًا: ما هو اكتئاب ما بعد التخرج وكيف يمكن التخلص منه؟

المصادر

علم نفس التسويق | تعرف على أشهر 3 حيل تسويقية!

علم نفس التسويق مجال شيق وواسع. وهناك عدد من الأحداث في التاريخ التي أخفقت فيها طرق التسويق المعتادة، وأفلح فقط استخدام علم النفس لمعرفة ما يريده المستهلك حقًا. ربما تتساءل الآن، إذًا كيف بدأ الأمر؟

والإجابة هي: صندوق خليط الكعك الجاهز!

قصة خليط الكعك الجاهز

هل تساءلت يومًا عن تاريخ «خليط الكعك الجاهز-cake mix»؟ يبدو أن هذا الصندوق الصغير مر بالكثير من الأحداث المشوقة قبل أن يصل إلينا.

ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز خلال فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة. حيث توقف الناس عن خبز كعكاتهم لكثرة المكونات والخطوات، ولقلة الموارد بالطبع. نتيجة لنقص الطلب زادت كميات الطحين وفاضت، مما دفع أصحاب المطاحن إلى التفكير في وسيلة مبتكرة لبيعه. وهنا ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز.

ابتكر المصنعون وصفة من الطحين والدبس المجفف والبيض المجفف، وما على ربة المنزل سوى إضافة بعض الماء والاستمتاع بكعكة لذيذة. توقع المصنعون نجاحًا باهرًا، لأن الخطوات بسيطة وغير مكلفة أبدًا. زادت المبيعات بالفعل واشترى الناس خليط الكعك الجاهز، لكن استقرت الأرقام بعد فترة ولم يصل المنتج لأي شخص جديد.

قرر أصحاب المصانع تقصي الأمر، لما لم تحب المزيد من ربات البيوت هذا المنتج؟ ما العائق؟ وكيف نتخطاه؟

حل عبقري

هنا جاء دور علم النفس. ظهر عالم النفس النمساوي «إرنست ديكتر-ernest dichter» لينقذ خليط الكعك الجاهز. توصل ديكتر إلى العائق الذي منع ربات البيوت من استخدام الخليط الجاهز، وهو “الشعور بالذنب”. توقفت السيدات عن استخدام الخليط الجاهز لأنهن شعرن بالذنب، لقلة المجهود الذي يتطلبه الأمر. فلم يشعرن أنه خَبزٌ حقيقي من أجل العائلة، ولم يشعرن باستحقاق المديح.

هنا جاء ديكتر بفكرة عبقرية وهي: إضافة البيض!

كان الشعور بالذنب هو العائق الذي يقف في طريق هذا المنتج، لذا استخدم ديكتر حيلة نفسية بارعة. تسمح للسيدات بالشعور بالمزيد من المشاركة الحقيقية، على عكس خليط الكعك الأصلي، شعرت ربات البيوت أنهن يقمن بطهو حقيقي عند كسر البيض وصنع الخليط وبالتالي قل شعورهن بالذنب.

تضاعفت المبيعات بعد هذا التعديل البسيط، ومثّل نقطة الانطلاق في تاريخ خليط الكعك الجاهز. حتى صار منتجًا معتادًا في أغلب بيوت العالم اليوم.

شهرة علم نفس التسويق

لماذا أقص هذه القصة؟

أقص هذه القصة لأن تعديل ديكتر البسيط لم يؤثر على مبيعات المنتج وحسب، وإنما فتح بابًا جديدًا يُوظَف فيه علم النفس في استراتيجيات التسويق، توظيفًا يلعب على تحيزاتنا ومشاعرنا وأفكارنا لتحقيق أعلى المبيعات. لذا إن كنت صاحب مشروع أو متسوق متهور توشك بطاقته الائتمانية على الإفلاس، دعنا نتعرف على بعض مفاهيم علم النفس المستخدمة في عالم التسويق اليوم.

تأثير الشَرّك

التسويق علم واسع وكبير، ولا داعي لذكر الهدف الأهم المرجو منه وهو تحقيق أعلى المبيعات. لا يمكن تحقيق هذه المبيعات المرتفعة دون التلاعب بالأسعار، ودفع المشترين بشتى الطرق إلى شراء المنتج المستهدف.

«تأثير الشرك-Decoy Effect» أحد الوسائل التي يستخدمها المسوقون للتلاعب بالأسعار. ويحدث عندما يُعرِض المستهلك عن اختيار ما ويختار الآخر، ذلك عند مقارنتهما باختيار ثالث مختلف. هذا الاختيار الثالث هو “الفخ” أو الشرك الذي يضعه خبراء التسويق ليدفع المستهلكون في اتجاه المنتج المستهدف.

مثال: عرضت إحدى الصحف خيارين لباقات الاشتراك الشهرية بها.

  1. اشتراك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

أسفرت النتائج عن اختيار النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الالكتروني الأقل تكلفة. أما عند القيام بتعديل بسيط ومنح المشاركين ثلاثة خيارت:

  1. اشترك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك مطبوع: 125$
  3. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

اختارت النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الثالث الأعلى تكلفة. ونلاحظ أنه كان الخيار المستهدف منذ البداية لأنه يعود بالفائدة الأعلى على الصحيفة.

يمثل الخيار الأوسط هنا الفخ أو الشرك، الذي يجعل الخيار الثالث يبدو أكثر فائدة ومنطقية. ويجعل المستهلك يتساءل لماذا يختار الخيار الثاني بينما يمكنه دفع نفس السعر والحصول على نسخة مطبوعة؟

يلعب هذا التأثير بشكل أساسي على مشاعر المستهلك. يشعر المستهلك بالقلق وعدم القدرة على اتخاذ القرار عند عرض عدة خيارات (الظاهرة التي عرفها علماء النفس بإشكالية اتخاذ القرار). ويلجأ إلى تبسيط خياراته وعقد مقارنة بينها تبعًا لعوامل أساسية مثل السعر والجودة على سبيل المثال.

هنا يأتي دور تأثير الشرك، حيث يستخدمه المسوق الماهر لدفع المستهلك في اتجاه المنتج المستهدف (المنتج الذي يبدو للمستهلك أنه الأجود والأفضل سعرًا).

كره الخسارة

يخبرنا علم النفس أن مشاعر الخسارة السلبية أشد بأضعاف من مشاعر الكسب الإيجابية. من هنا يأتي مفهوم «كره الخسارة-Loss Aversion» وهو تحيز معرفي يشير إلى تفضيل البشر الخيار الآمن، فيفضلون تجنب الخسارة على احتمالية الكسب.

مثال: المشاعر السلبية المرتبطة بخسارة 20$ أشد من المشاعر الإيجابية المرتبطة بكسب 20$!

يعد هذا المفهوم إحدى حيل علم النفس المنتشرة في عالم التسويق. ويستغله المسوقون عن طريق عرض منتجاتهم بالشكل الذي يدفع المستهلك لشرائها، الشكل الذي يُشعر المستهلك أنه يخسر/يضيع فرصة ما إذا أعرض عن الشراء. ذلك باستخدام عبارات مثل:

  • اشترِ الآن
  • اشترك الآن
  • جرب الآن
  • احصل عليه الآن

يرتبط بتلك الوسيلة التسويقية مبدأ آخر، هو مبدأ النُدرة الذي يغذي شعور كره الخسارة ويساهم في اتخاذ قرارات شراء متسرعة. ويظهر في: الحسومات لفترة محدودة، أو المنتجات محدودة الإصدار.

تأثير الألفة

“البعيد عن العين بعيد عن القلب”

يخفي هذا المثل الشعبي الشهير أحد مفاهيم علم النفس وهو تأثير الألفة. كلما رأيت شيئًا ما مرارًا وتكرارًا، اعتدته وازداد تعلقك به.

يستخدم خبراء التسويق هذا المفهوم لزيادة شعبية منتجاتهم، عن طريق الدعاية المتكررة، واستخدام المنصات الالكترونية المختلفة لخلق حملة ترويج مستمر. يخلق هذا التعرض المنتظم لنفس المنتج نوعًا من الاعتياد والألفة الذي سرعان ما يتحول إلى إعجاب بالمنتج.

مثال: تأتي شركات الملابس أحيانًا بأغرب الصيحات التي ينفر منها الكثير. لكن بمرور الوقت وزيادة الانتشار تجد أغلب الناس يعتادونها ويبدأون بشرائها. هنا يظهر تأثير الألفة.

خاتمة

تعرفنا اليوم على ثلاث من مفاهيم علم النفس التسويق. وبالطبع لا يقتصر الأمر عليهم وحسب، بل يستخدم خبراء التسويق وعلماء النفس عشرات المفاهيم يوميًا لدفعنا بطرق بسيطة وخفية إلى المزيد من الشراء. أنت تقرر إذا كان هذا الأمر نافعًا أم ضارًا. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه هو أنه ذكي للغاية ومثير للاهتمام!

المصادر

متلازمة توريت | 7 مُضاعفات ولا أحد يعرف السبب!

“أريدك أن تتخيل كيف ستشعر لو اهتز كتفك الأيسر بشكل مستمر، ودارت عيناك بثبات، وانقبض فكك بشدة لدرجة أن أسنانك كانت على وشك التحطم. بالإضافة إلى ذلك، اضطررت إلى إطلاق صرخة عالية النبرة كل عشر ثوان”

هذا هو الوصف الذي استخدمته عائشة علواني، فتاة مصابة بمتلازمة توريت، في حديثها على منصة تيد (ted) عن رحلتها مع هذا المرض.

فما هي تلك المتلازمة؟ وما أعراضها وأسبابها والعلاج المقترح لها؟

ما هي متلازمة توريت؟

متلازمة توريت هي اضطراب عصبي يصيب الأطفال عادة بين سن الثانية والخامسة عشر. تتضمن حركات أو أصوات لا إرادية متكررة مثل: الرمش المتكرر أو هزات الكتف أو ترديد أصوات وكلمات غير مفهومة وأحيانًا بذيئة.

أول من اكتشف هذه المتلازمة هو عالم الأعصاب الفرنسي (Georges Gilles de la Tourette) حيث شّخص رجلًا بعمر السادسة والثمانين بها، ومن هنا جاء الاسم.

تظهر هذه المتلازمة عادة عند الأطفال فيما بين سن الثانية والخامسة عشر، مع احتمالية إصابة الذكور بمعدل أكبر من الإناث ثلاث أو أربع مرات. قد تستمر أعراض توريت طوال العمر وتكون من النوع المزمن، ولكن في أغلب الأحوال تتحسن الأعراض مع انتهاء سن المراهقة ودخول مرحلة  البلوغ.

الأعراض

«العرّات-Tics» هي أشهر أعراض متلازمة توريت، وهي حركات أو أصوات مفاجئة ومتكررة تختلف في شدتها بين البسيط والمعقد.

  • العرّات البسيطة هي حركات قصيرة ومفاجئة ومتكررة، ويستخدم المريض بها عددًا محدودًا من المجموعات العضلية مثل: الرمش، أو التجهم، أو هز الكتف. وقد تكون العرات صوتية أيضًا مثل: تسليك الحلق، أو النعار، أو الشم.
  • العرّات المعقدة وهي حركات مميزة ومتناسقة يستخدم بها المريض العديد من المجموعات العضلية. مثل: التجهم مع هز الكتف ودوران الرأس، أو صوتية مثل: تكرار عبارات وكلمات.

يسبق أعراض توريت شعورًا بالتوتر والرغبة في تحريك العضلات المصابة، يختفي هذا التوتر عندما يستجيب المريض للعرات ثم يعاود الظهور مجددًا وهكذا. وفي بعض الحالات المتقدمة قد ينخرط المريض في سلوكيات مؤذية للنفس كأن يلكم وجهه، أو يردد كلمات بذيئة، أو يكرر كلمات الآخرين.

بالنظر إلى ما أسلفنا ذكره يمكننا تقسيم أعراض متلازمة توريت إلى نوعين:

  • عرّات حركية
    مثل: الرمش وهز الكتف ورعشة الأنف وحركة الفم وهز الرأس.
    وقد تكون أكثر تعقيدًا مثل: لمس وشم الأشياء، أو المشي بنمط معين، أو القفز، أو استخدام إشارات بذيئة.
  • عرّات صوتية
    مثل: السعال والنعار والزمجرة
    وقد تكون أكثر تعقيدًا مثل: ترديد نفس الكلمات والعبارات، أو ترديد عبارات الآخرين، أو استخدام كلمات بذيئة.

الأسباب

السبب الرئيسي لظهور متلازمة توريت ليس معروفًا حتى الآن، فهذه المتلازمة معقدة ويرتبط ظهورها بعدد من العوامل الجينية والبيئية. بالإضافة إلى بعض التغيرات في مناطق محددة من المخ وما يربط بينها من نواقل عصبية أهمها الدوبامين والسيروتونين.

عوامل الإصابة

  1. الجينات وتاريخ العائلة: الجينات أحد عوامل ظهور هذا المرض، لذا تزداد احتمالية الإصابة به في حالة ظهوره في تاريخ العائلة.
  2. العوامل البيئية: حينما تجتمع بعض العوامل البيئية المحفزة كالضغط المستمر، ونظام النوم غير الصحي مع الجينات، تزداد احتمالية الإصابة بمتلازمة توريت.
  3. الجنس: تزداد احتمالية إصابة الذكور بمتلازمة توريت بنسبة 4:1 مقارنة بالإناث.

متلازمة توريت والتوحد

لا تتوقف أعراض توريت عند الحركات اللإرادية وحسب، بل تمتد لتؤثر على سلوك الشخص وحياته الاجتماعية. أحد الاضطرابات التي لاحظ العلماء ارتباطها بشكل واضح بمتلازمة توريت هو «اضطراب طيف التوحد-ASD» 

في دراسة حديثة أجراها علماء جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، تم اختبار 294 طفل مصاب بمتلازمة توريت. ووجدوا أن ما يقرب من 23% منهم تظهر عليه أعراض اضطراب طيف التوحد. أما عند اختبار 241 بالغ جاءت النسبة 8.7 % فقط.

حلل العلماء هذه النتائج ووجدوا أن واحد من كل خمسة أطفال مصابين بمتلازمة توريت، تظهر عليه أعراض اضطراب طيف التوحد. لكن عند مقارنة نسبة التوحد عند البالغين والأطفال توصل العلماء أن مصابي توريت ربما يطورون أعراضًا تشبه أعراض التوحد، لكنه ليس توحد حقيقي. بمعنى أن أعراض التوحد الشائعة في متلازمة توريت تقل وتختفي مع البلوغ، أما التوحد الفعلي فهو مستمر مدى الحياة.

بالإضافة إلى أعراض التوحد، يشيع ظهور هذه الحالات أيضًا مع متلازمة توريت:

  • اضطراب فرط الحركة
  • اضطراب الوسواس القهري
  • صعوبات التعلم
  • اضطرابات النوم 
  • القلق
  • الاكتئاب

علاج متلازمة توريت

  1. لا يحتاج أغلب مصابي توريت العلاج، لأن الأعراض تظهر وتزول تلقائيًا دون إعاقة لجودة حياة المريض.
  2. تحتاج بعض الحالات علاجًا عندما تعيق الأعراض (العرّات) أنشطة الحياة اليومية.
    يُنصح المريض في هذه الحالات بأدوية كابحة للعرّات مثل: هالوبيريدول وبيمو زايد.
  3. أدوية توريت لا تصلح لجميع المرضى، ولا تشفي المرضى نهائيًا. بالإضافة إلى أعراضها الجانبية من زيادة الوزن والشعور بالخدر.
  4. ينصح بعض المرضى بالعلاج السلوكي للسيطرة على العرّات.
    وذلك بتدريبهم على تحديد المشاعر التي تستثير الأعراض والعمل على استبدالها، أو بتدريبهم على التحكم في الرغبة (التوتر الداخلي) الذي يستثير العرّات.

المصادر

الفصام يجمع آلهة ميشيغان الثلاث

هذه المقالة هي الجزء 20 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

بينما يود كل إنسان أن يصير آلهًا رغم استحالة ذلك، يواجه البعض صعوبة في الاعتراف بتلك الاستحالة

القوة-برتراند راسل

شهد مستشفي« يبسلانتي-Ypsilanti» الواقع في ولاية ميشيغان الأمريكية عام 1959م حدثًا مميزًا، حيث قام عالم نفس طموح بدراسة جديدة جمع فيها ثلاثة رجال يعانون من الفصام العقلي من النوع «فصام الشخصية الارتيابي/البارانويدي-Paranoid Schizophrenia» 
لماذا دخل هؤلاء الرجال إلى المستشفى؟ لأن كل واحد منهم ادعى أنه المسيح!

تجربة روكيش

ميلتون روكيش، عالم النفس الذي قام بهذه التجربة، وضع الرجال الثلاث في غرفة واحدة. وعقد اجتماعات دورية بينهم بحضوره ومساعديه وسجل ملاحظاته. طمح روكيش أن يُشفى الرجال الثلاث من أوهامهم عندما تحدث المواجهة بينهم، لكن للأسف لم يحدث ذلك. عاش الرجال الثلاث في غرفة واحدة لمدة عامين كاملين ولم يتخل أي منهم عن وهمه أنه الآله. رغم ذلك شهد روكيش بعض التطورات في حالتهم حيث ازداد التواصل فيما بينهم واعترف كل منهم بمرض رفيقيه (مع تمسكه بوهمه أنه الآله الوحيد)
نشر روكيش نتائج دراسته في كتابه «مسحاء يبسلانتي الثلاث-Three Christs’ of Ypsilanti» وهو عبارة عن دراسة سردية للمدة التي خضع فيها الرجال الثلاث للملاحظة. ومن الجدير بالذكر أن كتاب روكيش تم تحويله إلى فيلم عام 2017م يجسد معاناة الرجال الثلاث مع الفصام.

تعريف الفصام العقلي

والآن بعد أن تعرفنا على قصة الرجال الثلاث، دعونا نتعمق في تفاصيل مرضهم، الفصام وأعراضه والعلاج المقترح له.
يمكن تقسيم مصطلح «الفصام-Schizophrenia» إلى جزئين: الأول schizo ومعناها يقسم/يشطر و phren المقابل اليوناني لكلمة العقل. بجمع الجزئين معًا نحصل على انشطار العقل.
وهنا قد نتسرع في حكمنا على طبيعة المرض بافتراض أن مريض الفصام يمتلك شخصيات متعددة، وهذا ليس صحيحًا. الفصام هو مرض نفسي خطير ومزمن يؤثر على عمليات التفكير والإدراك والمشاعر والسلوك مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الضغط على المريض فينفصل عن الواقع. وعملية الانفصال عن الواقع هي بالتحديد ما يميز مريض الفصام، فهو لا يطور شخصيات متعددة داخل شخصيته كما يشيع، وإنما قد يستبدل هويته بهوية جديدة على سبيل المثال (كوسيلة للهروب من الواقع)

أعراض الفصام

عادة تظهر أعراض الفصام في الفترة بين: نهاية سنوات المراهقة حتى بدايات الثلاثينات. وبينما يتساوى الذكور والإناث في معدل الإصابة بالفصام، نجد الأعراض تظهر عند الذكور أبكر من الإناث بفارق 3-5 سنوات تقريبًا.
وتنقسم هذه الأعراض إلى نوعين:

الأعراض الإيجابية

وُصفت هذه الأعراض بالإيجابية لأنها تمثل نشاطًا عقليًا ما، على عكس الأعراض السلبية التي سنفسرها فيما بعد والتي تخلو من أي نشاط.

  • الأوهام
    الوهم هو فكرة ليست حقيقية، معتقد زائف يتمسك به مريض الفصام ويرفض تغييره مهما عُرضت عليه معلومات تدحضه.

“يحتاج المريض المنفصل عن نفسه إلى شي يرتكز عليه كالشعور بالهوية، يبعث هذا الشعور المعنى في نفسه والقوة -رغم كل الضعف الذي يخترقه- في كيانه. وهنا يبدأ الخيال، ببطء وتدريجيًا، في العمل فينسج له صورة مثالية عنه، بينما يسبغ المريض على نفسه قوى وقدرات الآلهة”

المرض النفسي ونمو الإنسان-كارين هورني

عانى مرضى الدراسة السالف ذكرها بشكل أساسي من الأوهام. كذلك يعاني كل مرضى الفصام، فتواجد هذا الخلل لفترة معينة من الزمن شرط أساسي لتشخيص أحدهم بهذا المرض. والأوهام لها عدة أنواع منها:

  1. السيطرة: يعتقد المريض أنه واقع تحت سيطرة وتلاعب قوة خارجية.
  2. العظمة: يعتقد المريض أنه يمتلك قوى وقدرات خارقة.
  3. الغيرة: يعتقد المريض بخيانة شريكه/شريكته له.
  4. الاضطهاد: يعتقد المريض بوجود مؤامرة تُحاك ضده.
  5. الإحالة: يعتقد المريض أن ما يحدث حوله إشارات موجهة له، مثل صوت الراديو أو التلفاز.
  • الهلاوس
    الهلاوس هي معلومات حسية خاطئة، يمكن أن تأتي عن طريق أي من الحواس الخمس ومنها:
  1. سمعية: كأن يسمع المريض أصواتًا ليست موجودة.
  2. بصرية: كأن يرى المريض أشخاصًا أو ألوانًا أو أشكالًا ليست موجودة.
  3. شمية: يشم الريض روائح ليس لها مصدر مادي موجود بالفعل.
  4. حسية: يختبر المريض أحاسيس أو لمسات ليست حقيقية.
  5. تذوقية: يختبر المريض مذاقًا ما دون أن يأكل أي شيء بالفعل.
  • اضطراب الفكر والحديث
    يواجه مرضى الفصام العقلي صعوبة في ترتيب أفكارهم والتعبير عنها، فيتوقفون في منتصف الجملة ثم يتحدثون في موضوع جديد. أو يتحدثون في دوائر فلا يستطيعون التعبير عن وجهة نظر واضحة وإنما عدد من التفاصيل غير المهمة. كذلك يتبعون نمط تفكير غير منطقي فلا يستطيعون الإجابة بشكل مباشر عن الأسئلة.
    تتأثر قدرة الحديث عندهم أيضًا، فيختاروا الكلمات التي تتناغم مع بعضها دون النظر إلى معناها، أو يتحدثون بشكل عشوائي تمامًا فلا يوجد رابط بين كل كلمة وأخرى.
  • اضطراب الحركة
    يضطرب السلوك الحركي عند المصابين بهذا المرض، وأخطر حالات اضطراب الحركة هي التصلب، حيث يدخل في حالة من الجمود الحركي ويقل تفاعله مع البيئة المحيطة بشكل كبير.

الأعراض السلبية

وصفت هذه الأعراض بالسلبية، لأنها تتضمن سلب أو خسارة المريض لنشاط استطاع فعله سابقًا. وهنا يخسر المريض عمليات التفكير والشعور الطبيعية. فيظهر عليه ما يلي

  1. غياب الدافع وعدم القدرة على التخطيط والشروع بأي نشاط.
  2. شعور عام بعدم الاكتراث وقلة الاستمتاع بأنشطة الحياة اليومية.
  3. قلة الحديث.

أسباب حدوث الفصام

لم يتوصل العلماء حتى وقتنا الحالي إلى سبب محدد لحدوث هذا المرض، لكنهم تقصّوا دور الجينات والبيئة في تطوره وظهوره وتوصلوا إلى الآتي:

  • تخبرنا الدراسات الجينية أن عددًا من الجينات والطفرات الجينية المختلفة تساهم في ظهور المرض، لكن لا يوجد جين محدد يفعل ذلك. ولذلك عندما أجرى العلماء اختبارات التوائم المتماثلة، بحيث يحمل أحد الأخوين المرض ويختبر العلماء احتمالية إصابة الآخر، وجدوا أن احتمالية الإصابة هي 50%. لذا تعكس هذه الدراسات الدور الذي تلعبه الجينات في ظهور هذا المرض لكنها لا تنكر دور العوامل الأخرى.
  • تعتبر البيئة من العوامل المؤثرة في ظهور الفصام، فعند جمع القابلية الجينية للإصابة بالمرض مع بعض العوامل البيئية المحفزة مثل: التعرض المستمر للضغط، والبيئة الفقيرة، والتعرض للفيروسات وأمراض سوء التغذية، ترتفع احتمالية الإصابة بشكل كبير.
  • لا تقتصر عوامل الخطر على الجينات والبيئة فقط، هناك عوال تختص بتركيب المخ وطريقة عمله. مثل: اختلاف حجم مكونات محددة من المخ، واختلاف الطريقة التي تتصل بها أجزاء المخ ببعضها، ونقص كمية أحد النواقل العصبية وهو الدوبامين.

العلاج

شأنه كشأن سائر الأمراض النفسية، يحتاج مصابو الفصام إلى الالتزام بالأدوية والمداومة على العلاج النفسي للتحكم في الأعراض.
يصف الأطباء عادة أدوية مضادة للذهان (التي تعمل على تخفيف الأعراض الإيجابية فقط). ويتضمن العلاج النفسي: العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الجماعي، والتدريب على المهارات الاجتماعية، كذلك تشجيع دور العائلة.

خاتمة

“يضطر المرء أن يصبح آلهًا، عندما يشعر بأنه لم يعد إنسانًا”

مسحاء يبسلانتي الثلاث-ميلتون روكيش

هنا سأنهي حديث اليوم، بأخطر أوجه الفصام وهو سلب الهوية والانفصال التام عن الواقع، فلا يشعر المرء بنفسه مجددًا. وفي النهاية يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة، حيث يدفعه وهمه إلى الابتعاد عن الناس فيزيد انغماسه في وهمه وهكذا.

اقرأ أيضًا: متلازمة كابجراس أو “المُنتحِل”: الوهم الذي يحوّل الأقرباء إلى غرباء

المصادر

كيف يهدد التنميط جودة حياتنا؟ وكيف يمكننا التصدي له؟

هذه المقالة هي الجزء 19 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

تخيل معي أنك وضعت عددًا من الأطفال عشوائيًا في مجموعتين وذهبت بهم في رحلة ميدانية. هؤلا الأطفال لم يتقابلوا قبل مطلقًا لكنهم يتشاركون نفس السن والخلفية الاجتماعية.

بعد مرور يومين اختار الأطفال أسماءًا لمجموعاتهم، وبعد أربعة أيام احتد الصراع بين كلا المجموعتين، وبعد ستة أيام وقع الأطفال في التنميط فوصفوا مجموعاتهم بصفات محببة فيما أهانوا المجموعة الأخرى، وعندما حاولت خلق نوع من التواصل فيما بينهم ازداد الوضع سوءًا.

فما الذي حدث هنا؟

تجربة كهف روبر

ما تخليته الآن هي تجربة شهيرة في علم النفس الاجتماعي تدعى تجربة «كهف روبر-Robber’s cave experiment» قام بها عالم النفس التركي مظفر شريف. استنتج منها ما يلي:

  • عند وضع مجموعة من الغرباء سويًا في مجموعة واحدة وتوحيد أهدافهم، سينشأ نوع من التنظيم وتوزيع الأدوار فيما بينهم.
  • عند خلق تنافس بين المجموعتين حديثتي التكوين، سينشأ نوع من التفضيل بين أفراد المجموعة، والعداء تجاه أفراد المجموعة الأخرى.

نجد هنا أن هؤلاء الأطفال، في غضون أربعة أيام فقط، طوروا حسًا بالانتماء لمجموعة ما ووصفوا جميع أفرادها بالذكاء أو سرعة البديهة او غيرها من الصفات الحميدة فقط لانتماء هؤلاء الأفراد لتلك المجموعة. بينما ذموا جميع أفراد المجموعة الأخرى ووصفوهم بالكسل أو الحماقة فقط لانتماء هؤلاء الأفراد لتلك المجموعة.

ذلك “التنميط” الذي وقع فيه هؤلاء الأطفال شائع ومؤثر ويمكننا رؤيته يوميًا. فلا يقتصر على فريقين في رحلة ميدانية وإنما يمتد ليشمل مجموعات كاملة من البشر. رجال ونساء أو سود وبيض. جميعها ألقاب وفرق لا تأتي وحدها، وإنما ترتبط بها قائمة طويلة من الصفات والأنماط (إيجابية أو سلبية) وتاريخ من العنصرية.

التنميط بين الإيجابيات والسلبيات

مصطلح التنميط أو «الصور النمطية-Stereotypes» له تاريخ طويل. بداية من القرن الخامس عشر حينما كان يستخدم لوصف عملية الطباعة حتى وقتنا الحالي.

مصطلح الصور النمطية حاليًا هو عدد من المعتقدات الثابتة والمعممة على مجموعة أو طبقة من البشر. فعندما نقع في تنميط شخص ما نشير أن هذا الشخص يحمل عددًا من الصفات التي يحملها جميع أفرد مجموعته/طبقته.

لا نحتاج لذكر الوصمة السلبية التي ترتبط بهذا المصطلح، فإذا وقعت في التنميط فقد ارتكبت فعلًا سيئًا. والسؤال هنا هل التنميط بالفعل أمر سيء؟

الإيجابيات

يستخدم علماء النفس مصطلح التنميط على نطاق أوسع. نحن نتعرض لمعلومات ومؤثرات جديدة طوال الوقت، ونحلل هذه المعلومات في ضوء معارفنا المسبقة فنقوم بالتنميط أو التعميم.

إذا رأيت هيكلًا خشبيًا بأربعة أرجل وتعرفت عليه أنه مقعد، بالتأكيد ستصل إلى النتيجة أنه يمكنك الجلوس عليه، وإذا رأيت كلبًا وتعرفت عليه ستصل أيضًا إلى النتيجة أنه بالتأكيد ينبح.

تقع هذه التعميمات (أن جميع المقاعد للجلوس عليها وجميع الكلاب تنبح) ضمن نطاق التنميط.، وتكمن أهميتها في تبسيطها العالم من حولنا، فلا نضطر إلى معالجة كل شذرة من المعلومات الجديدة بل نقفز سريعًا إلى النتائج.

السلبيات

لا يصيب هذا القفز السريع إلى النتائج دائمًا، وهنا تظهر الجوانب السلبية للتنميط. فعندما يمتد الأمر إلى البشر تضعف سلطة التعميمات أمام قوة الاختلافات بين الأفراد.

هذه هي الأسباب وراء عدم صحة الصور النمطية عند البشر غالبًا:

  • التحيز للتوكيد

    هو نوع من التحيز المعرفي يتضمن تفضيلنا للمعلومات التي تتماشى مع معتقداتنا أو تحيزاتنا السابقة وتجاهل تلك التي لا تتماشى معها. إذا طبقنا هذا المفهوم على الصور النمطية سيتضح لماذا لا ينبغي الوثوق بها.

    مثال: أحد الصور النمطية عن الرجال السود أنهم يميلون للعنف، فإذا رأيت مجرمًا أسودًا سيبرز في عقلك تحيزك المسبق وتزداد اقتناعًا به، وإذا رأيته يدير عملًا ناجحًا فعلى الأرجح ستغفله وتتناساه.

  • عدم مصداقية المعلومات التي تنشأ منها الصور النمطية.

    نحصل على جميع معلوماتنا عن العالم من وسائل الإعلام (التلفاز والصحف والكتب). معلومات هذه الوسائل غير موثوق بها وغالبًا مضللة. لأنها ببساطة لا تمثل جميع الفئات في العالم، وعند تمثيلها بالفعل قد تتبنى صورًا غير واقعية ومضللة.

    مثال: تتعرض السيدات في مجال الموسيقى الكلاسيكة لصورة نمطية مفادها أنهم أقل كفاءة من العازفين الرجال. استطلعت أحد الدراسات ذلك وقامت بما يُعرف بـ «تجارب الأداء المحجوبة-Blind Auditions» وهنا يعزف المشاركون خلف ستار فلا يرى الحكم جنس المشارك. جاءت النتائج بتفوق العازفات الإناث وفوزهم بالوظيفة. يظهر لنا هذا المثال عدم صحة الصورة النمطية بالإضافة إلى أثرها السلبي على حيوات من يتعرضون إليها.

خطر الصور النمطية

لا تتوقف سلبيات الصورة النمطية عند هذا الحد، بل ترتبط بها ظاهرة غاية في الجدية والخطورة، وهي ظاهرة «خطر الصورة النمطية-Stereotype Threat». تحدث عن هذه الظاهرة عالم النفس كلود ستيل في ورقة بحثية استطلع فيها أثر (خطر الصورة النمطية) على أداء المواطنين الأمريكين ذوي الأصول الأفريقية في اختبارات الذكاء.

عرّف ستيل خطر الصورة النمطية أنه: خطورة الوقوع في أو توكيد الصفة/النمط السلبي الذي تشتهر به مجموعة معينة من البشر التي ينتمي إليها الفرد.

في حالة الأمريكين ذوي الأصول الأفريقية، يتعرض هؤلاء الأشخاص لصورة نمطية مفادها أنهم أقل ذكاءًا من المواطنين البيض. لذا عندما ذكرهم ستيل بهويتهم العرقية ثم وضعهم أمام اختبار ذكاء، تدنى أدائهم بشكل كبير.

وهنا دعني أوضح أن ستيل لم يجمع المشاركين ليلقي عليهم محاضرة عن أصولهم الأفريقية وما يشيع عن انخفاض معدل ذكاء المنتمين إليها. بل الحقيقة أن خطر الصورة النمطية يمكن إثارته بأبسط الطرق وأقلها وضوحًا مثل:

  • عندما يكون الشخص (المتعرض لصورة نمطية سلبية) وحيدًا وسط مجوعة من البشر.
    مثال: تواجد رجل أسمر البشرة وحيدًا وسط مجموعة يمكنه إثارة خطر الصورة النمطية.

  • عند التلميح للنمط السلبي الشائع عن مجموعة ما أمام شخص ينتمي إليها.
    مثال: ملأ استبيان يستطلع جنس الشخص أو عرقه قبل اختبار ما كافٍ لإثارة خطر الصورة النمطية.

  • عندما يخضع الشخص (المتعرض لصورة نمطية سلبية) للتقييم، والقائم بالتقييم لا ينتمي لنفس المجموعة المتعرضة للنمط السلبي.
    مثال: تحرز النساء نتائج أفضل في اختبارات الرياضيات عندما يكون المراقبون من الإناث لا الرجال.

  • عندما يخضع الشخص (المتعرض لصورة نمطية سلبية) للتقييم، ويكون موضوع التقييم هو نفسه الصورة النمطية السلبية.
    مثال: إخضاع المواطنين ذوي الأصول الأفريقية لاختبارات ذكاء (الصورة النمطية الشائعة عنهم أنهم أقل ذكاءًا)

كيف نتصدى لسلبيات الصور النمطية؟

قبل التطرق إلى الوسائل التي تمكننا من مجابهة الصور النمطية وتأثيراتها السلبية، أود مناقشة الأسباب التي تدفعنا إلى ذلك أولًا. لماذا نهتم بالصور النمطية؟ وما السيء حيالها الذي يستدعي المجابهة؟

أحد الدراسات قام بها عالم النفس جاك دوفيدو ليستطلع تأثير الصور النمطية على معدل توظيف الشباب. عندما أتى المتقدمون (سود وبيض) للوظيفة بتوصيات مناسبة كانت معدلات التوظيف متساوية بين العرقين، أما عند غياب التوصيات فاز البيض بمعدلات توظيف أكبر.

المغزى من هذه التجربة ليس ذم الأشخاص وعنصريتهم (من المحتمل أنهم لم يعوا أن اختياراتهم وقعت بشكل أكبر على المشتركين البيض) وإنما الاعتراف أن هذه الصور النمطية موجودة ومؤثرة.

أحد المستويات التي تتواجد بها الصور النمطية هو المستوى الباطني أو اللا شعوري، وهو المستوى الذي لا يعي فيه الشخص وقوعه في التنميط أو العنصرية.

ربما يصرح الشخص على الملأ أنه يشجع السيدات على تولي المناصب القيادية، أو يرى أن السود لا يقلون كفاءة عن البيض (وهذا هو المستوى العام/الواضح للصور النمطية) بينما يثبت تعرضه لموقف أو اختبار ما عكس ذلك (وهذا هو المستوى الباطني للصورة النمطية مثلما حدث في تجربة دوفيدو).

أحد العلماء الذين استكشفوا المستوى اللا شعوري للصور النمطية هي العالمة مهزرين باناجي. التي قامت بواحدة من أضخم الدراسات من حيث عدد المشاركين على مدار تاريخ علم النفس. وهو اختبار على الانترنت يمكنك تجربته من هنا: Project Implicit

يستكشف هذا الاختبار الصور النمطية الباطنية التي قد نحملها جميعًا ولا نعيها. ولا يقتصر هذا الاختبار على السود فقط بل النساء والمثليين جنسيًا وأصحاب الديانات المختلفة أيضًا. وما تثبته نتائج هذا الاختبار هو عدم التوافق بين نسب الصور النمطية الواضحة (التي يتحدث بها الأشخاص علانية) والصور النمطية اللاشعورية.

تدفعنا هذه النتائج للتعامل مع الصور النمطية من منطلق آخر، منطلق أننا ربما نحملها جميعًا لكن ما علينا فعله هو تطوير الوسائل للتعامل معها.

إذًا كيف نتعامل معها؟

  • الخطوة الأولى لتقليل خطر الصور النمطية هي الوعي، الوعي بالصور النمطية وتوعية الآخرين بشأنها.
  • رفض الصور النمطية بشكل واضح وعلني.
  • خلق طرق وأجواء مناسبة للاختبارات أوالوظائف بحيث لا تثير «خطر الصورة النمطية-Stereotype Threat» 
  • تبني صورة مرنة وواقعية عن الذكاء والترويج لها، يتطور الذكاء بها تدريجيًا، لا يسير في خط مستقيم.

خاتمة

هنا ننهي حديثنا عن الصور النمطية، وكيف يفسرها علماء النفس بشكل أوسع وأكثر إيجابية كوسيلة لتبسيط العالم من حولنا، كذلك كيف يمكن لهذا التنميط أن يحمل آثارًا سلبية ونتائج مدمرة على أداء الأفراد والجماعات. وأخيرًا كيف يمكن للوعي والعلم بهذا المفهوم وتفاصيله أن يجنبنا مخاطره الكثيرة.

اقرأ أيضًا: نانجيلي: تضحية فتاة من أرض السيدات ذوات النهود

المصادر

نانجيلي: تضحية فتاة من أرض السيدات ذوات النهود

نانجيلي: تضحية فتاة من أرض السيدات ذوات النهود . هل سمعت يومًا عن أرض السيدات ذوات النهود؟ لا ليست مكانًا خياليًا ابتدعه كاتب في رواية ما، لكنها قرية تقع في جنوب الهند شهدت أحداثًا مريعة وظلمًا جسيمًا اكتسبت بسببه هذا الاسم. فما قصة هذه القرية؟

أرض السيدات ذوات النهود

تقع قرية «مولاتشي بورام-Mulachhipuram» أو أرض السيدات ذوات النهود ضمن مملكة «تراڤنكور-Travancore» قديمًا، ولاية «كيرالا-Kerala» حاليًا. وشهدت هذه القرية كما الحال مع أغلب مناطق جنوب الهند طبقية وظلمًا شديدين، عانى منه الرجال والنساء معًا.

تاريخ النظام الطبقي في الهند

قبل الحديث عن قصة هذه القرية، دعونا نسرد خلفية عن تاريخ النظام الطبقي في الهند، الذي ساهم بشكل مباشر في وقوع الظلم على كثير من الضحايا.
دخل الهنود الأوروبيون الهند في القرن الثاني قبل الميلاد. وجاءت معهم تعاليم «الڤيدا-vedas» وهي أقدم النصوص المقدسة في الهند ومنها نشأت الهندوسية.
حظي رجال الدين في الهند بمكانة مميزة. وبحلول القرن الثامن الميلادي استأثر رجال الدين/الكهنوت الهندوسي بالنفوذ والسلطة، وقضوا على معابد البوذية وتعاليمها ونشروا الهندوسية بدلًا منها.
ومن هنا بدأ النظام الطبقي في البلاد، الذي وصل ذروته في القرن التاسع عشر الميلادي. فنجد الهند تتبع نظامًا هرميًا يقع رجال الدين الذين عرفوا بـ «البراهميين-Brahmins» على قمته، يليهم الحكام والمحاربين، ثم المزارعين والتجار، وأخيرًا العمال والخدم والفلاحين.

ما قبل سيادة رجال الدين

قديمًا قبل سيادة رجال الدين لم يعرف الهند النظام الطبقي. وإنما صنف الأشخاص حسب وظائفهم إلى صيادين ومطربين ومزارعين وعمال وتجار. لكن بحلول القرن الثامن الميلادي وارتقاء البراهميين قمة الهرم الاجتماعي تغير كل شيء. فلم يكتفوا بالسلطة الدينية فحسب وإنما تدخلوا في شئون المجتمع والسياسة والاقتصاد. وساقوا لذلك الذريعة الأشهر على الإطلاق وهم أنهم مبعوثون من الآله، وأن تميزهم وسلطتهم تنفيذًا لرغباته.

بناءًا على ذلك فرضوا عددًا من القواعد الصارمة منها:

  • “النبذ” بمعنى ألا يقترب منهم أي من أفراد الطبقات الأقل ولا يمسوهم. وكلما تدنت درجة الفرد في الهرم الاجتماعي كلما زادت المسافة التي وجب عليها الالتزام بها بعيدًا عن رجل الدين.
  • كذلك استأثروا بتعلم النصوص المقدسة لأنفسهم ولبعض من أفراد الطبقات العليا فقط.
  • وأيضًا منعوا العوام من دخول المعابد أو مس القرابين باستثناء قلة مميزة منهم.
  • أخيرًا والأكثر غرابة هو منع الرجال من تغطية صدورهم أو رؤوسهم في أي وقت وأي مكان كعلامة احترام لأفراد الطبقات الأعلى.

الشودرا الأقل حظًا

عُرفت الطبقة الأدنى في الهرم الاجتماعي بطبقة «الشودرا-Shudra» وهم كما ذكرنا من يشغلون أعمالًا متواضعة ويقع عليهم ظلمًا كبيرًا من أفراد الطبقات الأعلى.
لم تسلم سيدات هذه الطبقة من نفوذ الطبقات الأعلى، فأُمرت بالخضوع لرجال الدين وتلبية رغباتهم دائمًا. فكان يحق لأي رجل من رجال الدين أن يدخل أي بيت ويمارس الجنس مع أي من سيداته دون اعتراض، بل كان يُعد هذا نوعًا من المباركة التي تقع على العائلة. ومن تجرؤ على الاعتراض يعاقبها الحاكم وتوصم بالعار.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بُنيت بيوت الطبقة الدنيا بحيث يؤدي السلم الخارجي مباشرة إلى الطابق العلوى حيث تعيش نساء البيت، وهكذا يُمكن لرجال الدين الصعود مباشرة دون الدخول. نتيجة لهذه الممارسات المهينة كان يصعب تحديد هوية والد أي طفل، وساد النظام الأمومي في المجتمع.

ضريبة الثدي

شهد القرن التاسع عشر ظهور قانون مجحف جديد، وهو منع سيدات الطبقات الدنيا من تغطية صدورهن في أي وقت وأي مكان. ومن تجرؤ على ذلك تفرض عليها ضريبة عُرفت بـ «ضريبة الثدي-Breast Tax» تم تحديد هذه الضريبة بناءًا على إجراء مهين، وهو تقييم شكل ثدي كل امرأة وحجمه، وكلما زاد حجمه كلما زادت الضريبة.

مُنعت السيدات من تغطية صدورهن كبادرة احترام وتقديس

أُمرت السيدات بالالتزام بكشف أجسادهن لأنها بادرة احترام وتقديس، كذلك كتذكير بمكانتهن الأدنى من غيرهن. واُستثنى من ذلك بالطبع سيدات الطبقات الأعلى.
يقص أحد المؤرخين أنه عند مرور موكب الملك، يجب على جميع السيدات كشف النصف العلوي من أجسامهم ونثر الورود أمام الملك، يستثنى من ذلك نساء رجال الدين، أما بقية السيدات بما فيهن السيدات في شرفات المنازل فيجب عليهن ذلك.

الاعتراضات على ضريبة الثدي


شهدت هذه الضريبة عددًا من التغيرات على مدار النصف الأول من القرن التاسع عشر. فظهر قانون يمنح الحق للسيدات المسيحيات في وضع رداء علوي يغطي صدروهن، ونتيجة لذلك اعتنقت كثير من سيدات الطبقات الأدنى المسيحية للتمتع بهذا الحق. لكنهن للأسف لم يسلمن من الاعتداءات والظلم، فعمد رجال الطبقات الأعلى إلى إهانة هؤلاء السيدات وتمزيق ألبستهن، مستخدمين عصا طويلة مثبت بطرفها بسكين (ملتزمين بقاعدة النبذ)
وأخيرًا نتيجة لعدم رضا الطبقات الأعلى تم إلغاء هذا القانون. لأنه ينشر “التلوث” في المجتمع فلا يمكن التفريق بين أفراد الطبقات العليا والدنيا.

استمرت اعتراضات السيدات ورفضهن لضريبة الثدي. واستمررن بتغطية صدورهن -مسيحيات كُن أو هندوسيات- حتى بعد إلغاء القانون. أبرز قصص الاعتراض على هذا القانون المجحف هي قصة نانجيلي، فتاة من أرض السيدات ذاوت النهود.

نانجيلي

عام 1859م رفضت «نانجيلي-Nangeli» إحدى فتيات قرية مولاتشي بورام، أرض السيدات ذوات النهود، دفع ضريبة الثدي حينما خرجت برداء يغطي نصف جسدها العلوي.

حينما سمع موظفو الملك ذلك ذهبوا إلى بيتها ليجبروها على دفع الضريبة. ضاقت نانجيلي بالإهانة وتملكها الغضب فأسرعت إلى السكين وقطعت ثدييها لتقدمهما إلى موظفي الملك. فقدت نانجيلي الكثير من الدماء، فضعف جسدها وماتت على الفور.

إحدى أعمال الفنان Murali T يوثق بها قصة نانجيلي

استبد الحزن بزوج نانجيلي ولم يطق فألقى نفسه في المحرقة مع جثتها، ولم يكن للزوجين أي أبناء. نتيجة لتضحية نانجيلي الفريدة، تم إلغاء ضريبة الثدي في اليوم التالي، وانتهت بعدها إلى الأبد.

نانجيلي: تضحية فتاة من أرض السيدات ذوات النهود

حقوق الصورة: @pooja.jayann

الأمر المحزن أن قصة نانجيلي لم تصل إلى التاريخ. ولا يعرفها سوى أهالى قريتها والمناطق المحيطة. أما تضحية تلك السيدة الفريدة فلم توثق تاريخيا، ولم يحتفي بها أحد.
بل قامت الهيئة المركزية للتعليم الثانوي في الهند في قرار مهين، بمحو قصتها وقصص غيرها من ثوار الشودرا من المناهج الدراسية.

اقرأ أيضًا: التنافر المعرفي

المصادر

التنافر المعرفي: عندما تفشل النبوءة وينتصر الوهم على الحقيقة!

هذه المقالة هي الجزء 18 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

يصعب تغيير الإنسان الملتزم بقناعة راسخة، فإذا عارضته سيشيح بوجهه عنك، وإذا واجهته بالحقائق والأرقام سيسألك عن مصادرك، وإذا احتكمت إلى المنطق فلن يفهم وجهة نظرك

هكذا كتب ليون فيستنجر في كتابه «عندما تفشل النبوءة-When Prophecy Fails» الذي يناقش فيه واحدة من أغرب التجارب التي شهدها. وما يرتبط بها من أحد أهم مفاهيم علم النفس الاجتماعي: «التنافر المعرفي-Cognitive Dissonance»

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

تعريف التنافر المعرفي

التنافر المعرفي هو أحد مفاهيم علم النفس الاجتماعي. ويشير إلى حالة التوتر أو قلة الراحة أو انعدام الانسجام التي تنتاب الشخص حينما تتعارض معتقداته أو مواقفه مع سلوكه. ينتج عن هذا التصادم (بين ما يؤمن به الشخص وما يسلكه بالفعل) شعور بالتناقض أو التصارع، يجعله يغير سلوكه أو يحوّر معتقداته للعودة إلى الراحة والانسجام.

درس فيستنجر هذا التأثير، كما درس الآليات المختلفة التي يسلكها البشر للتغلب على الصراع والوصول إلى حالة الانسجام الداخلي. توصل فيستنجر إلى نتائجه من خلال مجموعة من الدراسات، منها تجربته الكلاسيكية عن التنافر المعرفي. وهاك مقطع منها:

تجربة فيستنجر وكارلسميث عن التنافر المعرفي 1954

خطوات التجربة

جعل فيستنجر المشاركين يقومون بعدد من الأنشطة المملة. ثم طلب منهم مساعده أن يخبروا المشارك التالي كذبًا أن التجربة ممتعة مقابل قدر من المال، المجموعة الأولى مقابل 20 دولارًا والمجموعة الثانية مقابل دولار واحد فقط. سألهم فيستنجر في نهاية التجربة عن انطباعهم عنها، هل كانت التجربة ممتعة؟ هل تشارك بها مرة ثانية؟

يأتي الرد البديهي في أذهاننا جميعًا أن من حصلوا على 20 دولارًا سيجيبون بنعم، على عكس من حصلوا على دولار واحد. لكن ما حدث هو العكس تمامًا! تصدمنا الشابة التي حصلت على دولار واحد وقضت كل هذا الوقت في نشاط ممل بجوابها: “نعم لقد استمتعت وإذا اتيحت الفرصة سأود المشاركة مرة ثانية”

النتائج

فسر فيستنجر النتائج كما يلي: اختبرت المجموعة التي حصلت على قدر أكبر من المال تنافرًا أقل. بمعنى أن الدافع للكذب كان واضحًا وهو الحصول على المال، لذا لم يختبر هؤلاء تنافرًا بين ما يعتقدونه (أن النشاط ممل) وما يفعلونه (الكذب والقول أن النشاط ممتع) لأن الدافع موجود.
أما المجموعة التي حصلت على مبلغ تافه اختبرت تنافرًا أشد. لأنهم لم يستطيعوا إقناع أنفسهم أنهم فعلوها من أجل المال، كما لم يستطيعوا مواجهة حقيقة الموقف (إهدار وقتهم في نشاط ممل والكذب بشأنه) لذا يلجأ العقل إلى الخداع! فيخبر المرء نفسه أن النشاط كان ممتعًا وليس بهذا السوء وربما يفعله مرة ثانية.
ألا يبدو هذا السلوك مألوفًا إليك؟

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

عندما تفشل النبوءة

لم تقتصر دراسات فيستنجر على التجربة السابقة فقط، بل نشر في كتابه عندما تفشل النبوءة أحد الأمثلة الحية المدهشة لمفهوم التنافر المعرفي.

عندما تفشل النبوءة

صاحب فيستنجر عدد من الأفراد المنتمين لطائفة دينية تؤمن بالتواصل مع الكائنات الفضائية. ادّعت زعيمة هذه الطائفة أنها تلقت رسائل سماوية تنبأها بموعد نهاية العالم، لذا قامت هي وعدد من التابعين المخلصين ببيع بيوتهم وجميع ممتلكاتهم استعدادًا لتلك النهاية. وحينما جاء اليوم الموعود ولم يحدث شيء، خرجت لتخبرهم أنهم فعلوا الصواب وأنهم أنقذوا العالم بإيمانهم وإخلاصهم. وبدلًا من أن يندم هؤلاء على فعلهم المتهور ويواجهوا الحقيقة، ازداد حماسهم وانتمائهم!

هذا المثل واقعي للغاية وصادم للغاية عند النظر إليه. لقد هجر هؤلاء الأشخاص عائلاتهم وباعوا جميع ممتلكاتهم سعيًا وراء معتقد. ولك أن تتخيل مقدار التنافر الذي أصاب أحدهم في هذا الموقف، إنها هزة عنيفة وضربة قوية في صميم إيمان راسخ بذل الكثير في سبيله. فيجد نفسه في موقف ممزقًا بين ما يعتقد أنه الحقيقة والحقيقة الفعلية، فيتزعزع انسجامه وتتبدد راحته ويبدأ العقل الخداع!

من الجدير بالذكر أن جميعنا نختبر التنافر المعرفي بنسبة أو بأخرى. لكن ما نحن بصدده الآن هو مثال عنيف لما يمكن أن يؤدي إليه هذا التنافر. فقد تجاهل هؤلاء الأشخاص حقيقة ساطعة حتى لا تتصارع مع معتقدهم المسبق. وهذه الآلية بالتحديد واحدة من آليات ثلاثة شرحها فيستنجر لكيفية تجاوز التنافر المعرفي.

كيف نتجاوز التنافر المعرفي؟

لقد ذكرنا في تعريف التنافر المعرفي أنه حالة من التصارع بين المعتقد والسلوك ينتج عنه التوتر وتبدد الانسجام. لذا لكي يتخلص الشخص من هذا الإزعاج ويستعيد توازنه يلجأ إلى تحوير أحد هذين المتغيرين (إما المعتقد أو السلوك) عن طريق آليات ثلاثة. ولفهم الأمر بشكل أوضح سنطبق كل واحدة من الآليات على شخص مدخن يعلم ضرر التدخين ولا يقلع عنه.

  • تغيير المعتقد أو السلوك المسبب للتنافر كليًا، لكي تستعيد العلاقة بين المتغيرين اتزانها.

في حالتنا هذه يكون تغيير السلوك (الإقلاع عن التدخين) هو الحل لتجاوز التنافر المعرفي. لكن يمكننا توقع أن هذه الآلية بالتحديد صعبة التحقيق، لأنها تتضمن تغييرمعتقد راسخ أو سلوك اعتاد الشخص فعله.

  • تحصيل معلومات جديدة تدحض المعتقد المسبب للتنافر.

يعلم المدخن أن التدخين يسبب سرطان الرئة ويهدد الحياة، لكنه مع ذلك مستمر بسلوك التدخين. ولكي يتغلب على هذا التنافر يبحث على معلومات مثل: لم تؤكد الأبحاث بعد علاقة التدخين بسرطان الرئة.

  • تقليل أهمية المعتقد المسبب للتنافر.

قد يقنع المدخن نفسه أن التدخين ليس بهذا السوء، فحياة قصيرة يتمتع فيها بالتدخين خيرٌ من حياة طويلة خالية من هذه المتعة.

أمثلة من الحياة

لا تقتصر نتائج التنافر المعرفي على الدراسات المعملية فقط، فيمكن للأشخاص التلاعب بالتنافر المعرفي بأشكال مختلفة في حياتنا اليومية. وينتج عن هذا ظواهر جادة وخطيرة للغاية. منها ظاهرة «التشويش-Hazing»

يشير مصطلح التشويش إلى المضايقات التي يتعرض لها المبتديء عند انضمامه لمجموعة جديدة أو التحاقه بعمل جديد. وأحيانًا لا يتوقف الأمر عند المضايقات فقط بل يصل إلى حد الإذلال والإهانة لذا يعد فعلًا غير قانوني.

وما يحدث هو تعرض طالب مستجد يريد الانضمام لمجموعة ما لشتى أنواع الإهانة والتعذيب لفترة من الزمن. وتمامًا كما حدث مع الشابة التي أهدرت وقتها في نشاط ممل مقابل دولار واحد، يقنع هؤلاء الطلاب أنفسهم أنهم خاضوا الكثير المعاناة في سبيل هذه المجموعة، لذا لا بد أنها ممتعة وتستحق هذا العناء.

يظهر التشويش أيضًا عند السياسين، عندما يترشح أحدهم للانتخابات ويطلب تطوع الشباب لمساعدته بدون مقابل. هذا أمر حسن بالنسبة إليه لأنه لن يضطر لدفع المال وهذا بديهي. كذلك سيكون هؤلاء الشباب أكثر ولاءًا وانتماءًا لقضيته. وسبب ذلك هو التنافر المعرفي، فإذا عرض مائة دولار مقابل العمل سيدرك المتطوع أنه يفعله من أجل المال، أما إذا فعله بدون مقابل سيقنع نفسه أن هذا المرشح يستحق الدعم.

مثال آخر أكثر غرابة يظهر عند المعالجين النفسيين. يطلب المعالج المال مقابل العلاج لشتى الأسباب أولها أننا جميعًا نحب المال، ثانيًا أن العلاج المجاني عادة ما يفشل. لا بد أن يبذل المريض شيئًا في سبيل العلاج ليشعر بقيمته، حيث يقوده التنافر المعرفي إلى تقدير العلاج الذي بذل المال من أجله وبالتالي يستفيد منه.

الأمر ليس صراعًا وحسب

والآن لنلقي نظرة أعمق في أسباب حدوث التنافر المعرفي، ليس الأمر صراعًا بين معتقد وسلوك غير متسقين وحسب، ولكن التنافر أكثر دقة من ذلك. فنحن نحوّر أفكارنا أو سلوكنا حتى لا نفقد نظرتنا الأخلاقية المنطقية لأنفسنا. عودة إلى تأثير التشويش، هناك سبب واضح وصريح وراء تقبل الأشخاص الإذلال والإهانة في سبيل القبول بمجموعة، وهو أنهم هذا النوع من الأشخاص الذي يتقبل الإذلال والإهانة. لكن العيش مع هذه الحقيقة أمر مروع وصعب، ومن هنا ينشأ التنافر فيبحثون عن إجابة لا تشوه نظرتهم لأنفسهم مثل: لا بد أنها مجموعة رائعة وتستحق العناء!

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

وبهذا يمكننا إنهاء حديث اليوم، التنافر المعرفي ببساطة هو فكرة أن كل ما تفعله منطقي وأخلاقي، فإذا فعلت شيئًا يُظهرك أحمقًا أو متلاعبًا ستحوّره داخل مخك ليصير منطقيًا في نظرك.

اقرأ أيضًا: التحيز المعرفي والتحيز للتوكيد

المصادر

بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟

هذه المقالة هي الجزء 17 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟ هل وجدت نفسك يومًا في موقف محرج وأخذت تعيده في رأسك مرارًا وتكرارًا معتقدًا أنها نهاية العالم؟ هل وقفت أمام حشد للتحدث وشعرت بنظراتهم تخترقك كأنهم يقرأون كل ما تشعر به؟ موقف ليس بالهين، من منا يريد هذا القلق في حياته؟ لا أحد بالطبع. لكن أنا هنا لأخبرك أنك لست وحدك، كما سأطلعك على رأي العلم في هذه المواقف، وربما تدهشك النتائج!

«تحيز التمركز حول الذات-Egocentric Bias»

تحيز التمركز حول الذات هو نوع من التحيز المعرفي يجعل الأشخاص متمركزين حول وجهة نظرهم عن الحياة والأحداث التي تحدث لهم أو لغيرهم. وبالتالي يجدون صعوبة في استيعاب اختلاف وجهات نظر الآخرين، أو يتجاهلونها كليًا. هناك العديد من الأمثلة التي يظهر فيها هذا النوع من التحيز منها:

  • شعور الشخص في الأحاديث العامة أمام جمهور بالتوتر، كما يعتقد أن توتره واضح تمامًا للجميع، فقط لأن توتره واضح لنفسه.
  • عدم قدرة الشخص الذي تعرض لموقف محرج أن يتناساه، كما يبالغ في احتمالية تذكر الجميع لهذا الحدث. فقط لأنه يتذكره جيدًا.
  • اعتقاد الشخص أن زملائه وأصدقائه يتشاركون جميع معتقداته ومبادئه، ذلك لأنه منغمس بها كليًا للدرجة التي لا تمكنه من تخيل أن الآخرين قد يمتلكون آراءًا مخالفة.

وكما يتضح من الأمثلة سنناقش تحيز التمركز حول الذات اليوم في إطار اجتماعي، بالتحديد على مستوى الفرد، كيف يرى الفرد أفعال الآخرين وكيف تكون ردود أفعاله عليها؟

تأثير تسليط الضوء

عرفنا أن تحيز التمركز حول الذات يظهر في كثير من التعاملات الحياتية. ونجد المشترك بينها جميعًا اعتماد الشخص بشكل أساسي على وجهة نظره، فيُسقط مشاعره وأفكاره ومعتقداته ورغباته على الآخرين. مستهينًا أو متجاهلًا مشاعرهم أو أفكارهم الخاصة.

هناك نمطان يظهر فيهما تحيز التمركز حول الذات بشكل واضح وخاص. أولهما «تأثير تسليط الضوء-Spotlight Effect»

يمكننا فهم هذا التأثير من خلال المثال الذي طرحناه سابقًا عن الموقف المحرج وعدم قدرة المرء على تناسيه. فيُعرف علماء النفس الاجتماعي هذا التأثير أنه ميل الشخص للإفراط في تقدير انتباه الآخرين له. فيشعر كأن الضوء مسلط عليه بينما يغفل حقيقة تمركز اهتمام الآخرين حول أنفسهم أيضًا.
أول من درس هذا التأثير وقدمه للعالم هو عالم النفس الاجتماعي توم جيلوفيتش. أحد أشهر التجارب التي قام بها وأكثرها طرافة هي تجربة القميص. سأل جيلوفيتش مجموعة من الطلاب أن يرتدوا قمصانًا ليومهم الدراسي اللاحق. ارتدت نصف المجموعة قمصانًا مطبوع عليها صور محرجة مثل صورة هتلر، وارتدى النصف الآخر قمصانًا مطبوع عليها صور لشخصيات محبوبة مثل مارتن لوثر كينج أو بوب مارلي. ثم سألهم في نهاية اليوم عن تقديرهم لنسبة الأشخاص الذين لاحظوا قمصانهم، كذلك سأل طلابًا عشوائيين في الحرم الجامعي إذا ما لاحظوا أحد هؤلاء الطلاب ذوي القمصان الرائعة أو المحرجة.

جاءت نسبة المشاركين (تقديرهم لنسبة الأشخاص الذين لاحظوهم) مقارنة بنسبة الطلاب (الأشخاص الذين لاحظوهم بالفعل) 2:1. فعندما اعتقد المشاركون أن مائة شخص لاحظ قمصانهم، كانت النسبة الفعلية خمسين شخصًا فقط.

قام جيلوفيتش وغيره بعدد من التجارب الأخرى حتى تأكد من وجود تأثير تسليط الضوء. وهو اعتقاد الأشخاص أن الآخرين يراقبونهم طوال الوقت بينما الحقيقة أنهم لا يفعلون، بل هم منشغلون في مراقبة أنفسهم فقط!

وهم الشفافية

النمط الثاني الذي يظهر فيه تحيز التمركز حول الذات هو «وهم الشفافية-Illusion of Transparency» هذا النمط هو ببساطة اعتقاد الشخص أنه أكثر شفافية ووضوحًا مما هو/هي عليه بالفعل. فيميل إلى المبالغة في تقدير ما يظهر من مشاعره. والمثال على ذلك ما طرحناه في بداية المقال عن الشخص الذي يتحدث أمام جمهور فيشعر أن نظراتهم تخترقه، ويمكنهم رؤية توتره بمنتهى الوضوح.

اختبر العلماء وهم الشفافية بعدد من الدراسات، منها: دراسة طلب فيها العلماء من المشاركين قول عدد من الجمل أمام جمهور، بعضها حقيقي وبعضها كاذب. ثم سؤالهم عن توقعاتهم هل سيصدقهم الجمهور أم لا؟

اعتقد أغلب المشاركين أن دلائل الخداع من توتر وقلق ظهرت على وجوههم عند قول الجمل الكاذبة، وهو ما تعارض مع النتائج الفعلية. بالرغم من مقدرة الأشخاص على اكتشاف الجمل الكاذبة في بعض الأحيان، إلا أن الأغلب لم يستطع ذلك. وهنا نستطيع القول أن وهم الشفافية له وجهان. الأول: إجادة البشر للكذب أكثر مما يعتقدون. الثاني: مبالغة البشر في تقدير ما يظهر من مشاعرهم، فيشعرون تحت الضغط أن جميع أسرارهم ونقاط ضعفهم واضحة أمام الجميع. وهو ما يتعارض مع الواقع بالطبع.

السؤال الأهم: لماذا؟

يمكننا ملاحظة التشابه العام بين نمطي التحيز، فكلا من تأثير تسليط الضوء ووهم الشفافية يتشابه في مصدره. وهو التركيز على آرائنا وأفكارنا ومشاعرنا وصعوبة التحول منها لتبني آراء وأفكار ومشاعر الآخر. والسؤال الأهم هنا: لماذا يحدث ذلك؟

  • السبب الأول بديهي نوعًا ما، نحن نقضي جُل أوقاتنا في التفكير واختبار الأحداث من وجهة نظرنا الشخصية. وبالتالي حينما نشعر بضرورة تبني موقف الآخر أو النظر إليه من وجهة نظره، نجد صعوبة في ذلك. فلا نستطيع الخروج من دائرة أحكامنا ومعتقداتنا، ونعتقد أن الجميع يشاركوننا إياها.
  • ثانيًا الاستدلال: الاستدلال هو اختصارات ذهنية يستخدمها المخ لاتخاذ القرارات وإصدار الأحكام بسرعة وبسهولة، على حساب الوقوع في بعض الأخطاء أحيانًا. يحدث التحيز حينما يستخدم المخ هذه الاختصارات ويفترض أن الآخرين يشاركوننا نفس أفكارنا عوضًا عن تقييم أفكارهم بالفعل.

الرهاب الاجتماعي وتأثير تسليط الضوء

يختبر مصابو الرهاب الاجتماعي خوف مزمن من أي نشاط اجتماعي. خاصة المواقف التي تتضمن احتمالية الحرج أو الرفض أو إصدار الأحكام. وبالرغم من معرفة هؤلاء الأشخاص عدم منطقية خوفهم إلا أنهم لا يستطيعوا التحكم به، وينتهي بهم الأمر متجنبين أغلب هذه المواقف أو مجبرين أنفسهم عليها تحت ضغط وقلق كبير.

يرتبط تأثير تسليط الضوء الذي ناقشناه مسبقًا بهذه الفئة من الأشخاص بشكل كبير. فعلي الرغم من أن جميعنا يختبر الحرج أو القلق في مواقف ما، إلا أن هذا الشعور متضخم للغاية عند مصابي الرهاب الاجتماعي. فيشعرون أن العيون والأضواء مسلطة عليهم في كل لحظة تفحص وتدقق وتضخم عيوبهم. وقد يصل بهم الأمر إلى عدم القدرة على متابعة الحياة بشكل طبيعي. مثال: إذا كنت مصابًا بالرهاب الاجتماعي وخرجت إلى عملك دون أن ترتب شعرك، ستشعر أن الجميع ينظرون ويطلقون أحكامهم عليك، وربما تشعر بالخجل وتختبيء من زملائك في العمل معتقدًا أنهم سيسخرون منك أو يشفقون عليك.

الخطوة الأولى في طريق التعايش مع هذا الرهاب هو الوعي. وعيك ومعرفتك بحقائق بسيطة مثل تأثير تسليط الضوء أو وهم الشفافية يمكن أن يقلل الضغط الذي تشعر به بشكل كبير. ماذا نحتاج أكثر من حقائق مثبتة علمًا كي نتأكد أن البشر لا يلاحظوننا بالقدر الذي نعتقده ولا يقرأون أفكارنا؟

لكن هنا يجدر ذكر أمر آخر وهو أن المعرفة لا تساوي الحل، بعض الحالات لا يكفيها سرد الحقائق والتجارب العلمية كي تتحسن، بل يمكننا القول أن هذا هو الأغلب. وهنا يجدر بالشخص مراجعة الطبيب والالتزام بأدوية معينة.

بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟

البشر ليسوا قارئي أفكار

هكذا أود أن أختم حديث اليوم، بتذكير بسيط أن البشر لا يستطيعون قراءة أفكارنا ورؤية نقاط ضعفنا. كذلك لا يهتمون كثيرًا بعثراتنا المحرجة وعلى الأغلب لا يتذكرونها. لكن فلتنذكر نحن ما ناقشناه عن بعض مفاهيم علم النفس الاجتماعي (على مستوى الفرد) وهي وهم الشفافية وتأثير تسليط الضوء. كذلك الدور الذي يلعبه هذا التأثير عند مرضى الرهاب الاجتماعي.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام: لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

هذه المقالة هي الجزء 16 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟ وقعت العديد من الأحداث الشنيعة أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ولعل أبرزها المحرقة الجماعية (الهولوكوست) لليهود على يد النازيين في معسكرات الإبادة. بعد انتهاء الحرب العالمية وإعلان هزيمة الحزب النازي وانتحار هتلر، عُقدت محاكمة نورمبرغ لمحاكمة مجرمي الحرب وقادة الحزب ومرتكبي الإبادة الجماعية. حاول هؤلاء الدفاع عن أنفسهم وساقوا عددًا من المبررات ولعل أكثرها إثارة للاهتمام هو الإدعاء أنهم كانوا يطيعون أوامر السلطة وحسب. لك أن تتخيل مدى برودة هذا الإدعاء واستفزازه لمشاعر الضحايا أو ذويهم أو حتى عالِم نفس فضولي!

دراسة ميلغرام

قرر ستانلي ميلجرام عالم النفس في جامعة يال التحقق من إدعاء الألمان بشأن السلطة، فقام بدراسة للإجابة عن السؤال أيهما ينتصر: الطاعة/ الخضوع للسلطة أم الإرادة/ الضمير البشري؟

https://www.youtube.com/watch?v=mOUEC5YXV8U
مقطع مختصر لتجربة ميلغرام

أُجريت الدراسة عام 1961 في جامعة يال، حيث نشر ميلجرام إعلانًا في الجريدة يطلب متطوعين من الرجال للمشاركة في تجربة عن الذاكرة والتعلم. تقدم أربعين مشاركًا ما بين عمر العشرين والخمسين، جُمع كل واحد منهم مع أحد الحلفاء (ممثل يوظفه القائم بالتجربة يدعي أنه مشارك حقيقي) وقاموا بسحب ما. رتب ميلجرام السحب بحيث يحصل المشارك على دور المعلم والممثل على دور المتعلم دائمًا. من الجدير بالذكر أن ميلجرام لم يظهر في مكان التجربة وإنما عين ممثلًا يرتدي معطفًا أبيضًا ليقوم بدوره. يشرح هذا الممثل للمشارك أن عليه طرح الأسئلة على المتعلم وإذا جاءت إجاباته خاطئة يصعقه كهربيًا، بحيث تزداد شدة التيار عند كل إجابة خاطئة، بداية من 15 فولت وانتهاءًا بـ 450 فولت.

هدف التجربة وخطواتها

هدِف ميلجرام من هذه التجربة معرفة مدى تأثير السلطة على الأشخاص العاديين، وتحت أي ظروف يمكن لهؤلاء الأشخاص ارتكاب أفعال سيئة.

تجري خطوات التجربة كما يلي: يذهب الممثل (المتعلم) إلى غرفة أخرى وتُثبت الإلكترودات بذراعه بينما يحصل المشارك الحقيقي (المعلم) على قائمة بالأسئلة. يبدأ المشارك بقراءة الكلمات ويجيب الممثل دائمًا إجابات خاطئة ثم يدعي التألم والصراخ حينما يضغط المشارك على زر الصعق. يزداد توتر المشاركين بمرور الوقت لسماعهم تألم الشخص في الجانب الآخر، وعندما يعترض أحدهم أو يطالب بالتوقف يستخدم الممثل بالمعطف الأبيض نبرة واثقة ويوضح لهم وجوب استمرار التجربة وأنه يتحمل المسئولية كاملة.

نتائج التجربة

قبل بداية التجربة سأل ميلجرام عددًا من الأشخاص وعلماء النفس عن توقعاتهم لنسبة الأشخاص الذين سيصلون إلى أقصى شدة للصعق الكهربي (450 فولت) وجاءت توقعاتهم أن النسبة لن تتعدى 2%. أثبتت النتائج الفعلية عكس ذلك تمامًا، حيث أشارت الدراسة أن 65% من المشاركين وصلوا إلى الحد الأقصى (450 فولت) و 100% من المشاركين تخطوا حاجز 300 فولت وذلك رغم سماعهم صراخ وتألم الشخص على الجانب الآخر.

يقول ميلغرام:

“على الرغم من أهمية الجوانب الأخلاقية والقانونية لمفهوم الطاعة إلا أنها تخبرنا القليل عن سلوك الأشخاص في المواقف الحقيقية. لقد أعددت تجربة بسيطة في جامعة يال لأختبر قدر الألم الذي يسببه شخص إلى آخر فقط لأن عالم بمعطف أبيض أمره بذلك. عندما حرضت السلطة الحازمة المشاركين ضد الوازع الأخلاقي القوي وهو عدم إيذاء الآخرين، وبالرغم من أن صرخات الألم كانت تملأ آذانهم، انتصرت السلطة دائمًا”

الوصفة المثالية للجريمة!

أعاد ميلجرام التجربة ثماني عشرة مرة بتعديلات مختلفة ليختبر العوامل التي تؤدي إلى هذه النتائج، وجاءت ملاحظاته كالتالي:

تقل نسبة الأشخاص الذين يصلون إلى الحد الأقصى للصدمة الكهربية (450 فولت) في عدد من الحالات:

  • عند نزع سلطة جامعة يال من المعادلة، والقيام بالتجربة خارج الجامعة.
  • عندما يكون المعلم والمتعلم في غرفة واحدة بحيث يمكن للمشارك أن يراه ويلمسه.
  • عندما يتلقى المشارك التعليمات هاتفيًا.
  • عندما يتلقى المشارك التعليمات من شخص عادي لا يرتدى المعطف الأبيض.
  • عندما يثور أحدهم ويرفض استكمال التجربة فيتبعه المشاركين الآخرين.
  • عند منح المشاركين اختيار مستوى الصدمة الكهربية، فيختارون الأقل دائمًا.

وبجمع هذه العوامل معًا توصل ميلجرام إلى الوصفة المثالية لجعل شخص ما يرتكب جرمًا شنيعًا:

  1. السلطة (سلطة جامعة يال- سلطة العلم والمعطف الأبيض)
  2. ثقة وثبات القائم بالتجربة (لو أظهر القائم بالتجربة توتره أو خوفه لاختلفت النتيجة)
  3. المسافة بين المعلم والمتعلم.
  4. موقف جديد بلا أي خبرة سابقة عن كيفية التصرف معه.

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

القوى المحركة للشر

الآن كيف يمكن لعناصر هذه الوصفة المثالية أن تدفعنا إلى فعل جرم شنيع؟ ما الذي يحدث على مستوى سيكولوجي فردي يقلل من فداحة الشر ويُسهل ارتكابه؟

هناك اثنان من العوامل الرئيسية التي يمكن وصفها بقوى الشر، أولها:

«تجريد الشخص من فردانيته-Deindividuation of self»

ويحدث ذلك بعدد من الوسائل التي تقلل من شعور المرء بنفسه كفرد مستقل وبالتالي تقلل من شعوره بالمسئولية: –

  • استقبال الأوامر من شخص أو سلطة أخرى.

وبالتالي تتغير عقلية الفرد من: أنا أرتكب فعلًا خاطئًا، إلى: أنا فقط مجرد أداة في يد سلطة أخرى تتحمل المسئولية. يعد تحمل المسئولية بالتحديد أحد العوامل المحورية التي فسر بها ميلجرام نتائج دراسته. فأشار أنه عند تواجد سلطة يراها المشاركون قانونية أو أخلاقية (مثل سلطة العلم) يتحول الشخص في تصرفاته من الحالة الفردية إلى «الحالة العاملية-Agentic State» فيقل شعوره بالمسئولية ويسهل ارتكاب الخطأ.

  • وجود الشخص في مجموعة.

عندما يتواجد الفرد في مجموعة يقل شعوره بفرديته ومسئوليته عن أفعاله. وأشهر الأمثلة التي يبرهن بها علم النفس ذلك: «حادثة كيتي چينوفيز-Kitty Genovese Case»

كيتي جينوفيز فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها. تعرضت لاعتداء أثناء عودتها من العمل أدى إلى وفاتها، حدث الاعتداء في مساحة مفتوحة أمام المبنى الذي تسكنه. وأشار تقرير جريدة نيويورك تايمز أن ما يقرب من 38 شخصًا شهد الحادث ولم يبلغ الشرطة أو يقدم المساعدة. (من الجدير بالذكر أن الجريدة أصدرت تقريرًا آخرًا عام 2016 تعتذر عن التقرير القديم وتصف أرقامه بالمبالغ فيها، كما تؤكد تواجد بعض الأشخاص وتقديمهم المساعدة وقت الحادث بالفعل)

فسر علم النفس هذه الظاهرة فيما يعرف بـ «تأثير المارة-Bystander Effect» وهو انخفاض الشعور بالمسئولية عند التواجد في مجموعة، مثلما تشاهد محتاجًا في الشارع، فتحدث نفسك أنني لست مضطرًا لتقديم المساعدة، من المؤكد أن شخصًا آخرًا سيقدمها. ويوضح علماء النفس أن هذا التفكير يخلق حالة من «تفرق الشعور بالمسئولية-Diffusion of responsibility» فتقل احتمالية تقديم المساعدة.

  • إغفال الهوية

مثلما يفعل الجنود في الحروب فيرسمون على وجوههم أو يرتدون الأقنعة، تعد هذه الوسائل نوعًا من إخفاء الهوية، فيتحرر صاحبها من شعوره بفرديته (لست أنا من يرتكب الفعل السيء) وبالتالي يقل شعوره بالمسئولية.

القوة الثانية: استصغار الآخرين

على عكس الدافع الأول، يعتمد هذا الدافع على تجريد الآخر من فرديته. فهذا الشخص الآخر ليس شخصًا بعد الآن، ولن أشعر بالذنب إن آذيته. وهناك عدد من الوسائل التي تجعلنا نستصغر الآخرين أو ننسى أنهم بشر مثلنا. وهي: –

  • المسافة

كما وضحت تجربة ميلجرام، كلما ابتعدت الضحية عن ناظر المعلم فلا يستطيع رؤيته أو لمسه، يقل إدراكه له كفرد. وبالتالي تقل المسئولية فيصل إلى الحد الأقصى للصدمة الكهربية رغم سماعه صرخات الألم. وتنعكس النتائج عندما يكون الشخصان في نفس المكان.

  • حس الدعابة

لا يقتصر حس الدعابة على الضحك والخفة فقط، بل يمكن أن ينطوى على جوانب أكثر قتامة وخطرًا. فعند استخدامه للسخرية من شخص ما، ستراه تدريجيًا أقل إنسانية منك، مما يزيد من احتمالية الأذى ونقص الشعور بالمسئولية.

  • تجاهل الأسماء

ينص أحد بنود تصريح الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: ” كل فرد لديه الحق في اسم ” وربما تظن أن هذا أمر بديهي. لماذا نحتاج إلى بند لتأكيده؟ والحقيقة أن تجاهل اسم شخص ما أو محوه يقلل من أهميته وقيمته كفرد. يقل احتمال أذاك لشخص ما إن كنت تعرف اسمه، أما عند تجاهله تزداد احتمالية الأذى ويقل الشعور بالمسئولية.

  • التقزز

التقزز شعور عالمي يشعر به جميع البشر، وأساسي له تعبير وجهي مميز. تثير العديد من الأشياء شعورنا بالتقزز مثل البراز أو البول أو الدم أو القيء أو اللحم المتعفن. يمكن أن يمتد شعور التقزز للبشر أيضًا. إذا شعرت بالتقزز تجاه شخص ستقل أهميته وإنسانيته في نظرك، وتزداد احتمالية عدوانك عليه دون شعور كبير بالمسئولية.

تشير مقولة الفيلسوفة مارثا نوسباوم:

“دائمًا ما ارتبطت صفات التقزز باليهود والنساء والمثليين جنسيًا والمنبوذين والفقراء على مدار التاريخ، فكان يُنظر إليهم كأنهم أصحاب أجسام مدنسة”

كل شخص ينتمي لهذه الفئات تعرض لنوع من الاعتداء أو الأذى، وساهم شعور التقزز الذي حمله الناس تجاه هذه الفئات في تقليل إنسانيتهم في نظرهم، وبالتالي تسهيل الاعتداء عليهم دون احساس كبير بالمسئولية.

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

أود أن أنهي الحديث بأشهر الانتقادات التي وجهت لتجربة ميلجرام. يجدر بالذكر أن هذا النوع من التجارب لا يسمح بتكراره حاليًا ولا يعد أخلاقيًا. فلم يكن من حق القائم بالتجربة تحت أي ظرف من الظروف أن يضع المشاركين تحت هذا الضغط، ليخرج أحدهم من الغرفة وهو يعلم أن بإمكانه إيذاء شخص ما وربما قتله إذا توافرت الظروف لذلك. لكن على الرغم من ذلك تظل أعمال ميلجرام عن الطاعة والسلطة مثيرة للاهتمام وتكشف لنا جوانب مثيرة وغامضة عن النفس البشرية لم نكن نعلم بوجودها!

اقرأ أيضًا: الاستثمار الأبوي كيف نفسر الاختلافات بين الرجال والنساء؟

المصادر

  1. BBC
  2. Simplypsychology
  3. Britannica
  4. Verywellmind

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

هذه المقالة هي الجزء 15 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟ يعد الجنس أحد أكثر الأنشطة التي يستمتع بها البشر، ولذلك يحتل مساحة كبيرة في حياتنا. وعده علماء النفس التطوريون واحدًا من أربعة دوافع أساسية محركة للانسان. وهناك بعض الدراسات المثيرة للاهتمام التي تستطلع حجم الجنس في حياتنا. تشير هذه الدراسات أن ممارسة الجنس هو النشاط الأكثر امتاعًا للشخص الأمريكي العادي. فيضعه في مرتبة أعلى من ممارسة الرياضة والصيد والتقبيل والعناق والحديث مع العائلة ومشاهدة التلفاز والأكل والرحلات والتسوق. وتشير أيضًا أن متوسط الوقت الذي يقضيه الشخص العادي في ممارسة الجنس لا يتعدى الأربع دقائق وثلاث ثوان (مع استبعاد الوقت الذي يمر في المداعبة أو القراءة عن الجنس أو التفكير في الجنس أو تصفح المواقع الإباحية). وهو نفس الوقت الذي يقضيه الشخص الأمريكي العادي في ملأ استمارات الضرائب!

الجنس كدافع للحياة

تجعلنا نتائج الدراسات التي أسلفنا ذكرها نتسائل: من أين تأتي أهمية الجنس إذا كان يحتل نفس المساحة التي يحتلها نشاط ممل مثل ملأ استمارات الضرائب؟ والإجابة هي لا، رغم الوقت الضئيل الذي يحتله الجنس في حياتنا إلا أن له أهمية كبرى، وينشأ عنه كل شيء في الحياة تقريبًا. مثل: الزواج والأطفال والفن وحتى العنف والتنافسية.

يمكننا تعريف الجنس من وجهة نظر تطورية أنه بوابة لعبور الجينات إلى الأجيال اللاحقة وبالتالي تحقيق هدف التكاثر. لكن بالنظر في واقعنا الحالي، نجد صورًا متعددة من الجنس غير التكاثري. مثل: الجنس مع استخدام موانع الحمل والجنس المثلي والجنس الشرجي. وهي صور لا تخدم هدف التكاثر وبالتالي يمكن اعتبارها غير طبيعية، فهل يعني هذا أنها خاطئة؟

الأخلاقية والحتمية

هذا ما أود أن نبدأ به مقال اليوم قبل التطرق إلى موضوعه الأساسي، توضيح اثنين من المفاهيم الهامة التي تناقش أخلاقية بعض أوجه الحياة الجنسية عند البشر. وسأبدأ بمقولة لعالم النفس ستيف بينكر:

“لا تملي الطبيعة علينا ما ينبغي تقبله أو كيفية عيش حياتنا، فأنا لم أنجب أطفالًا في سنوات شبابي واستهلكت مواردي البيولوجية في القراءة والكتابة والبحث ومساعدة الطلبة والأصدقاء، متجاهلًا أولوية نشر جيناتي. وبالتالي فأنا خطأ شنيع بالمعايير الداروينية، لكن حياتي تعجبني بهذه الطريقة، وإذا لم ترض جيناتي عن هذا فيمكنها أن تذهب وتلقي نفسها في البحيرة”

نستنتج من مقولة بينكر أن الطبيعي ليس بالضرورة صحيحًا أو مناسبًا أو حتى أخلاقيًا. فمع أن أجسامنا وأدمغتنا تطورت لتخدم هدف التطور فذلك لا يعني أنه ليس بإمكاننا استخدام هذه الأدمغة لتحديد أقدارنا.

أما عن الحتمية فيقول عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكينز:

“لو أن طفلًا تلقى تعليمًا فقيرًا للرياضيات، فمن السهل تقبل فكرة أن بذل مجهود أكبر العام اللاحق سيحسن من مستواه. لكن لو اقترحنا أن أداء الطفل السيء جيني الأصل سوف ييأس الجميع من تحسن مستواه، إنه أمر حتمي ويستحيل تغييره لو كان جيني الأصل. وهذا هراء كبير! لا تختلف المسببات الجينية والمسببات البيئية عن بعضها، ولكن يسهل عكس تأثير أحدها بينما يصعب الآخر. ماذا فعلت الجينات لتستحق هذه السمعة الشريرة؟ ولماذا يُعتقد أن تأثيرها ثابت ولا مفر منه مقارنة بتأثير الكتب أو التلفاز؟”

ونستنتج من مقولة دوكينز انفصال مسببات الأمور عما يعكس تأثيرها. فهناك حالات ذات منشأ جيني ويسهل عكس تأثيرها، بينما أخرى ذات منشأ ثقافي ويصعب عكس تأثيرها. مثل: ضعف البصر، وهو أمر جيني المنشأ لكن يمكن عكس تأثيره ببساطة. أما نظرة المجتمع للسمنة أمر ثقافي يختلف من مكان لآخر، لكن يمكننا الاتفاق على صعوبة عكس تأثيره.

كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

تحدثنا عن عملية الجنس وهدفها التطوري وهو التكاثر، لكن هل يمكن تحقيق هذا الهدف بدون طرفي المعادلة، الرجال والنساء؟ لا أعتقد ذلك. وسنتحدث اليوم عن الاختلافات بين ذكور وإناث البشر، انطلاقًا من دور كل منهما في العملية الجنسية وما يليها حتى يحدث التكاثر. فما هي هذه الاختلافات؟

بداية ليس الاختلاف اختلاف أعضاء تناسلية، فلا يمكننا القول القضيب أو المهبل. لأنه ببساطة هناك حيوانات لا تمتلك أيًا منهما. أما التمييز التصحيح فيقوم به علماء الأحياء بناءًا على حجم الخلايا الجنسية. يمتلك الذكور خلايا جنسية صغيرة تحوي الجينات فقط، وتمتلك الإناث خلايا جنسية كبيرة تحوي الجينات والغذاء وغلاف واقي وغيرها. لكننا نجد بالرغم من هذا الاختلاف في حجم الخلايا الجنسية ذكور البشر أكبر حجمًا من الإناث، فما تفسير ذلك؟

الاستثمار الأبوي

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

قام بهذا التفسير العالم «روبرت تريفرز-Robert trivers» الذي وضع نظرية الاستثمار الأبوي. ويمكن تعريفه أنه أي بذل أبوي (في الطاقة أو الوقت أو الموارد) يزيد فرصة نجاة الذُرية الحالية، وذلك على حساب قدرة الآباء في الاستثمار في ذرية أخرى.

مثال: تخيل معي اثنين من الحيوانات أحدهما يتكاثر بطرفة عين، والآخر يتكاثر كل عشر سنوات. الحيوان الأول مثال للاستثمار الفقير، لأن ذريته لا تستهلك قدرًا كبيرًا من موارده. أما الحيوان الثاني فمثال للاستثمار الضخم لأن ذريته تستهلك قدرًا كبيرًا من موارده.

أشار تريفرز إلى ارتفاع نسبة الاستثمار الأبوى في إناث أغلب الحيوانات مقارنة بالذكور. وذلك لامتلاكهن الخلايا الجنسية كبيرة الحجم، فيقمن بحضانة/حماية/حمل الذرية لفترة من الزمن. أما الذكور فيمتلكون خلايا جنسية أصغر، ولا يتخطى استثمارهم لحظات الاتصال الجنسي. لكن مازال السؤال مطروحًا، كيف يفسر هذه اختلاف حجم الذكور والإناث؟

ينتج عن الاستثمار الأبوي الضخم عند الإناث مقارنة بالذكور عددًا من الاختلافات النفسية والفسيولوجية:

  • يمكن لذكر واحد أن يخصب عددًا من الإناث، فينتج عن هذا وجود عدد من الذكور بدون إناث فتظهر التنافسية والعنف.
  • لا تقلق الإناث بشأن وجود شريك جنسي لأنها دائمًا ستجده. لكن يظهر نوعًا آخرًا من التنافس لاختيار الذكور المناسبين، الذين تتمتع جيناتهم بفرص نجاة أكبر.
  • تخلق الطبيعة الانتقائية للإناث نوعًا جديدًا من التنافس بين الذكور، ليس لإيجاد الإناث وحسب وإنما إغرائهم أيضًا.

والآن يمكننا باستخدام هذه الاستنتاجات الثلاث للتوصل إلى سر اختلاف حجم الذكور عن الإناث، وذلك لأن التنافسية تضع عليهم ضغطًا أكبر للتصارع مع الذكور الأخرى للفوز بالإناث. كذلك السعي إلى إغراء الإناث ومطابقة مواصفاتهم عن الشريك المثالي ومنها البنية الجسدية الأقوى. وسنتعرف على مزيد من التفاصيل عن هذا الأمر عند مناقشة معايير الانجذاب الجسدي.

ما الأدلة على نظرية الاستثمار الأبوي؟

تتلخص فكرة الاستثمار الأبوي في وجود اختلاف بين حجم الخلايا الجنسية عند الذكور والإناث، فينتج عن هذا تباين الدور الذي يقوم به كل منهما في العملية الجنسية والتكاثر ومن هنا تظهر الاختلافات النفسية والفسيولوجية بين الجنسين. وهناك عدد من الأدلة على ذلك:

  • يكون الاستثمار الأبوي معكوسًا في بعض الحالات مثل: السمكة الأنبوبية. فنجد الذكور تحتفظ بالبيوض بينما تهرب الإناث. وتبعًا للنظرية فلابد أن تكون الإناث أكبر حجمًا وأكثر عنفًا وهذا ما وجده العلماء بالفعل.
  • يتساوى كل من ذكور وإناث البطاريق في الاستثمار الأبوي، فيسير كل منهما مسافة طويلة لحماية الأبناء. وحسب النظرية فلابد أن تتساوى أحجامهم أيضًا وهذا ما وجده العلماء بالفعل.
  • تتمتع ذكور فيلة البحر بقدر عالٍ من التنافسية، فلا تتنافس على أنثى واحدة وإنما جميع الإناث. ونتيجة لذلك نجد الذكور أكبر حجمًا بأربع مرات من الإناث.
  • أما في البشر فنجد -كما أسلفنا- أن الذكور أكبر حجمًا بنسبة 15% من الإناث. وهذا يرجح تواجد صراع ذكوري/ذكوري على مدار تاريخنا التطوري، نتيجة لعدم تساوي الاستثمار الأبوي.
  • ذكور البشر أكثر عنفًا من النساء. بداية من الرحم فنجدهم يركلون أكثر، والطفولة فينخرطون في صراعات وشجارات ومزاح عنيف، حتى البلوغ فنجد عدد السجناء الذكور دائمًا أكبر من النساء. الأمر الذي يمكن تفسيره بالتنافسية الناتجة عن عدم تساوي الاستثمار الأبوي.

الجاذبية الجسدية

لا يقتصر تأثير التنافس الأبوي على اختلاف الذكور والإناث في الحجم والتنافسية فقط، إنما تختلف تفضيلاتهم الجنسية أيضًا.

  • نجد الإناث تنجذب للقوة والمكانة الاجتماعية والاستثمار في تربية الأطفال. الذكور القادرون على تأمين الموارد اللازمة للنجاة وتوفير الملجأ والحماية أكثر جاذبية من غيرهم. وهذا أمر مفهوم تطوريًا.
  • تميل النساء إلى اختيار الذكور الأكبر سنًا، لكن بشكل عام لا يهم العمر كثيًرا طالما كان الذكر قادرًا على التكاثر.
  • هناك بعض الخصائص الجسدية أكثر جاذبية للإناث مثل: البنية الجسدية القوية ودلالاتها مثل: عرض المنكبين والفك القوي وبروز عظمة الحاجب. كذلك تماثل نصفي الجسم الذي يدل على سلامة الجينات وقدرة الذكر على تحمل ضغوطات البيئة.

أما عن الذكور فعامل الانجذاب الأول لديهم هي الأنثى التي يستطيع تخصيبها وبالتالي نشر جيناته. وبناءًا على ذلك تظهر تفضيلاتهم الجنسية:

  • يهتم الذكور بالعمر أكثر من الإناث، فينجذبون للنساء الأصغر سنًا لقدرتهن على التكاثر.
  • ينجذب الذكور للإناث ذوات الخصر الرفيع والنهود الكبيرة، لأنها دلالات على الشباب والخصوبة.
  • ينجذب الذكور لسمات جمالية معينة مثل العيون الواسعة والشفاه الممتلئة والبشرة النضرة. لأنها تمثل أيضًا النضوج الجنسي والشباب.

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

في الختام أود العودة إلى نقطة الأخلاقية والحتمية، إن كل ما هو جيني وطبيعي ليس بالضرورة مناسبًا أو حتميًا لا يمكن تغييره. وهو ما نفسر به الاعتراض الذي لابد أن يكون خطر لك عند قراءة المقال، أنا لست هكذا -ذكرًا كنت أم أنثى- ولا أتصرف أو أنجذب لنفس الصفات التي يفترض يتمتع بها بنو جنسي. لذا لا تنسى أدمغتنا التي تطورت لتخدم هدف التطور، يسعها دومًا التفكير وتحديد أقدارها!

اقرأ أيضًا: لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

مصدر
yalecourses

لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

هذه المقالة هي الجزء 14 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟ هل تسائلت يومًا ما الذي يجمعنا كلنا كبشر؟ جميعنا نختبر نفس المشاعر ونستخدم نفس أدوات التواصل وندرك العالم من حولنا بنفس الطريقة. لكن هل تسائلت يومًا ما الذي يميز بيننا كبشر؟ ما الذي يجعلني في هذه اللحظة تحديدًا سعيدة بينما أنت حزين وآخر لا يشعر شيئًا؟ كيف نفسر هذه الفروقات الفردية؟ والأهم من ذلك كيف نفسر الفروقات الجماعية؟ ما الذي يجعل طائفة من البشر أكثر انفتاحًا أو ذكاءًا أو تطرفًا من غيرها؟ هذا ما سنناقشه في مقال اليوم.

عاملي الاختلاف بين البشر

يمكننا حصر جميع الاختلافات بين البشر في كل أنحاء العالم في عاملين، وهما: الشخصية والذكاء. شخصيتك ومعدل ذكائك هما ما يحددا موقفك من العالم وموقف العالم منك. بمعنى أن الطريقة التي يراك بها الآخرون وكذلك الطريقة التي ترى بها الآخرين تندرج تحت بند الشخصية، وهي سماتك المحددة والثابتة -إلى حد ما- التي تحملها معك طوال الوقت.

أما معدل الذكاء فيرتبط ارتباطًا وثيقًا بأدائك التعليمي والمهني وحتى الاجتماعي والاقتصادي. وهو أمر نختلف فيه جميعًا كأفراد وجماعات.

والآن بما أننا بتنا نعرف ما الذي نختلف فيه، كيف يمكننا تفسير هذه الاختلافات؟

طبيعي أم مكتسب؟

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟

تقتضي العادة عند إجابة أي سؤال يبحث في أصل الظواهر الانسانية تحديد أي جوانب هذه الظاهرة طبيعي/وراثي/جيني وأيها مكتسب/بيئي/تربوي؟

لم يحد العلماء عن هذا المنهج عند تفسيرهم الاختلافات الشخصية واختلافات معدل الذكاء بين البشر، وحصروا أسباب الاختلاف في نقطتين:

  • الجينات/ الوراثة

يجب توضيح نقطة هامة عند الحديث عن الجينات، وهي الفارق بين دور الجينات في تفسير الاختلافات بين البشر وتفسير صفاتهم، بمعنى أننا سنتحدث عن الاختلافات الناتجة من اختلاف الجينات، وليس دور كل جين في تكوين صفة محددة. ويشبه ذلك طرح السؤال: ما هو دور الجينات في اختلاف أطوال البشر؟ وهنا يمكننا قول أن الاختلافات الجينية تجعل طولي مختلفًا عنك وعن قاريء آخر. لكن عندما نقول: ما هو دور الجينات في تحديد طولك؟ هنا نتحدث عن دور الجينات في تكوين صفة محددة.

  • البيئة/ التجربة

ينبغى الفصل بين نوعين من البيئة عند الحديث عن الاختلافات بين البشر، وهما: البيئة المشتركة والبيئة غير المشتركة.

تعني البيئة المشتركة الاختلافات الناتجة عن الظواهر والأحداث التي يتعرض لها/ يتشاركها أفراد العائلة الواحدة.

مثال: تعيش أنت واخوتك في بيت واحد مع أب غير سوي، ونتيجة لذلك فأنت مصاب بداء القلق. (تشاركك أنت واخوتك نفس ظروف المعيشة جزء من البيئة المشتركة)

أما البيئة غير المشتركة فتشمل كل ما هو ليس وراثيًا، وليس بيئة مشتركة.

مثال: لقد انزلقت ووقعت على رأسك حينما كنت صغيرًا ونتيجة لذلك فأنت مصاب بداء القلق. (هذا ليس بالضرورة ما حدث لاخوتك وهذه هي البيئة غير المشتركة)

السؤال هنا الآن: حينما يأتي الأمر إلى الشخصية والذكاء، كيف نفصل بين ما هو وراثي وما هو بيئي؟

حل مبتكر!

حينما يأتي الأمر إلى الشخصية والذكاء، كيف نفصل بين ما هو وراثي وما هو بيئي؟

والإجابة واقعيًا: يصعب علينا كثيرًا الفصل بين ما هو جيني وغير جيني.

على سبيل المثال: أنا مختلفة عنك، والسبب أنني لا أتشارك معك نفس الجينات، كما أنني ولدت لوالدين مختلفين ونشأت في بيئة مختلفة. ولا نستطيع الفصل أيهما سبب اختلافي عنك.

شكل هذا السؤال عائقًا أمام العلماء، وتوجب عليهم التفكير في حلول مبتكرة للإجابة عنه، أحد هذه الحلول هو استغلال الحقائق الخاصة بالجينات ووضع بعض الفرضيات بناءًا عليها ثم اختبارها. هذه الحقائق هي:

  • التوائم أحادية الزيجوت تتشارك 100% من الجينات.
  • الأخوة العاديين وكذلك التوائم ثنائية الزيجوت تتشارك 50% من الجينات.
  • الأطفال المتبنون واخوتهم يتشاركون 0% من الجينات.

وتتشارك الحالات الثلاثة 100% من البيئة المشتركة، بمعنى أنهم ينشأون في بيت واحد. وجاءت الفرضيات كالتالي:

  • عند ظهور تشابه أكبر في الشخصية ومعدل الذكاء بين التوائم أحادية الزيجوت أكثر من الثنائية، يدلنا على دور أكبر للجينات.
  • عندما يتساوى معدل التشابه بين التوائم أحادية وثنائية الزيجوت، يدلنا أن دور الجينات ليس مهمًا كثيرًا ( لأن 50% الإضافية من التشابه الجيني لم تحدث فرقًا)
  • عند ظهور تشابه بين الأطفال المتبنين واخوانهم، يدل ذلك على أهمية البيئة المشتركة.

لكن المعيار الذهبي الذي وضعه العلماء لاختبار دور الجينات والبيئة في تحديد الاختلافات في الشخصية والذكاء هو: التوائم المتماثلة مختلفة النشأة. يتشارك هؤلاء الأشخاص 100% من جيناتهم و0% من البيئة المشتركة.

دور الجينات والبيئة في تفسير الاختلاف

توصل العلماء باستخدام هذه الفرضيات واختبارها إلى اكتشافين مذهلين في علم الجينات السلوكي.

أولًا: تتمتع أغلب الصفات الشخصية بدرجة عالية من التوريثية.

تأثير الجينات قوي على كل الصفات، ابتداءًا بمعدل الذكاء والشخصية وانتهاءًا بمدى سعادتك أو تدينك أو حتى ميولك السياسية. أقر العلماء هذا الأمر بناءًا على عدد من الاكتشافات المثيرة للاهتمام، أولها ما ذكرناه عن التوائم المتماثلة مختلفة النشأة.

وجد العلماء أن التوائم المتماثلة الذين لم ينشأوا معًا في نفس البيت متشابهين في كثير من الصفات، فوجدوا لديهم نفس الآراء تجاه عقوبة الإعدام والدين والموسيقى الحديثة. كما وجدوا تشابهًا سلوكيًا مثل: معدلات انخراط هؤلاء الأشخاص في الجريمة، أو لعب القمار، أو حتى الطلاق.

وهنا يمكننا القول أن للجينات دور كبير في الاختلافات الفردية بين البشر، لكن ماذا الاختلافات بين المجموعات البشرية، ما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

دعونا نبدأ الإجابة بالإشارة إلى دراسات تثبت وجود اختلافات في معدل الذكاء بين المجموعات العرقية المختلفة. كذلك دراسات تثبت وجود فروق جينية بين هذه المجموعات، فنجد أحدها أكثر عرضة للإصابة بمرض ما مثلًا أكثر من غيرها. والسؤال هنا هل يمكننا بناءًا على هذه الدراسات استنتاج أن الفروق بين الجماعات ذات أصل جيني؟

الإجابة لا. أثبت العلم أن الاختلافات الجينية (بين الأفراد) لا تلعب دورًا في تشكيل الاختلافات بين الجماعات. ولفهم ذلك بشكل أوضح تأمل هذا المثال: ستزرع قطعتين من الأرض بنفس بذور القمح، أحد الحقلين ستعتني به وتخصبه بسماد جيد، والآخر ستهمله. ستجد أن جودة نمو البذور في كلا الحقلين يرتبط بجيناتها (هذه بذرة ذات صفات جيدة فستنمو سواء اهتممت بها أم لا وتلك سيئة لن تنمو بنفس الجودة) لكن الاختلاف بين الحقلين بشكل عام ليس جيني على الإطلاق، وإنما بيئي يرتبط بمدى اهتمامك بكل منهما.

وهذا هو ما اكتشفه العلماء، فوجدوا أن الاختلافات بين المجموعات البشرية تعزى إلى البيئة وليس الجينات، لأن انتمائك لأحد هذه الجماعات قرار اجتماعي لا سلوك جيني. وهاك بعض الأدلة على ذلك:

أدلة على الأصل البيئي للاختلافات بين المجموعات البشرية

  • ترتبط الاختلافات في معدلات الذكاء بشكل أكبر بالمجموعات المصنفة اجتماعيًا (تتشابه في السلوك والآراء وطريقة العيش) وليس المجموعات المصنفة جينيًا (تتشابه في الحمض النووي).
  • يؤكد العلم امكانية تغير معدلات الذكاء بشكل جذري دون أي تغير جيني. (تأثير فلين)

ثانيًا: تلعب البيئة غير المشتركة دورًا أهم مما نعتقد، فيمكننا عزو كل اختلاف غير جيني إليها!

وجد العلماء أن الارتباط بين معدلات الذكاء لأشخاص بالغين غير مرتبطين جينيًا نشأوا في بيئة مشتركة هو صفر. بمعنى أن التشابه بين الطفل المتبني واخوته (المختلفين جينيًا ويتشاركون نفس البيئة) لا يختلف عن التشابه بينه وبين أي طفل من خارج الأسرة.

تطبيقات هذا الاكتشاف تحديدًا مثيرة للجدل لأنها تقدم رؤية جديدة لعلاقة الآباء والأبناء، فمن المتفق عليه أن أي فعل يقوم به الآباء يؤثر على أبنائهم لهذا يبذل الآباء مجهودًا مضاعفًا ليكونوا قدوة حسنة. لكن ربما ليست هذه الحقيقة كاملة.

يتشابه الآباء والأبناء إلى حد كبير، لا ينكر أحد هذه الحقيقة، وربما تتشارك أغلب صفاتك التي تتمتع بها الآن مع والديك. لكن سبب ذلك ليس بالضرورة تأثير آبائك عليك، بل يقدم لنا العلم تفسيرات جديدة:

  • سبب تشابهك أنت ووالديك هو تشارككم نفس الجينات، فأنت تحمل 50% من جيناتهم وبالتالي ترث منهم بعض الصفات
  • ربما الأمر معكوس، الأبناء هم أصحاب التأثير على آبائهم وليس العكس.

هذا التفسير صادم بالفعل ومثير للجدل، لأنه يهدم اعتقادات نفسية راسخة (أنا شخص سعيد لأن والداي أحسنوا تربيتي أو أنا شخص تعس لأن والداي أهملوني). والاستنتاج الذي يقدمه لنا هذا التفسير أنه لا فرق! لن يختلف الأمر كثيرًا إذا نشأت في بيئة صحية أو غير صحية، لأن تأثير البيئة المشتركة في خلق الاختلافات بين البشر ضئيل مقارنة بالبيئة غير المشتركة.

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟

وبهذا نصل إلى نهاية الحديث، بعد أن طرحنا أغلب الإجابات والتفسيرات الممكنة لسؤال الاختلافات بين البشر -أفرادًا كانوا أو جماعات- واستعرضنا تفاصيل كل من الجينات والبيئة والدور الذي تلعباه في تكوين هذه الاختلافات. كذلك الجدل والصدام الناتج عن بعض اكتشافات علم الجينات السلوكي، التي لا يسعك -مهما كان موقفك منها- إلا الانبهار بها وبالعلم وتطوره!

اقرأ أيضًا: الشخصية والذكاء أصل اختلافنا نحن البشر!

المصادر

yalecourses

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

هذه المقالة هي الجزء 13 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر اهتم العلماء كثيرًا بسؤال الأمور المشتركة بين البشر، والبحث في أصلها سواء كانت أمور غريزية أم مكتسبة. مثل: اللغة والمشاعر والإدراك والنمو. جميعها مفاهيم هامة وحيوية وتمسنا جميعًا. لكن السؤال الذي لا يقل أهمية سنطرحه اليوم وهو: ما الذي يختلف فيه البشر؟ وكيف نميز هذه الاختلافات؟

الاختلاف الأول: الشخصية

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

يمكننا تقليص جميع الاختلافات بين البشر وحصرها في عاملين مهمين: وهما الشخصية والذكاء. وسنتعرض في هذا المقال إلى وصف كل عامل منهم وتفسيره.

أولًا الشخصية

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

يمكن تعريف الشخصية أنها الأسلوب الذي تتبعه في التعامل مع العالم، تحديدًا الأشخاص الآخرين. فكر في صديقك المقرب وحاول أن تصف شخصيته: ربما تقول أنه كسول وغير مسئول وطيب القلب. بينما تفكر في صديق آخر وتراه مجتهد ومسئول وصادق. هذه هي شخصيتهم التي تراها وفقًا لأسلوب تعاملهم مع العالم من حولهم بمن فيهم أنت.

تعريف آخر للشخصية أنها صفة ثابتة تحملها معك طوال الوقت، وهي مختلفة عن رد الفعل.

إذا جاء أحدهم وصفعك الآن فجأة، ستشعر بغضب شديد، وهذا هو رد الفعل. لكن إذا كنت تستيقظ وتنام وتمارس حياتك غاضبًا فهذه هي الشخصية.

وبما أن حديثنا اليوم عن الاختلافات، كيف يمكننا -بشكل علمي- قياس الاختلافات بين شخصيات البشر؟

اختبارات الشخصية

قبل الإجابة عن هذا السؤال سنتعرف أولًا على اثنين من الصفات التي يجب أن يتمتع بها أي اختبار علمي. وهما:

  • «الدقة-Reliability»

بمعنى عدم وجود خطأ في القياس، وعند تكرار نفس الاختبار مع نفس الشخص في أوقات مختلفة يتوجب الحصول على نفس النتائج.

مثال: إذا أظهر اختبار الشخصية أنك متفتح وهاديء اليوم، ثم أظهر أنك مندفع وقلق غدًا، فهو بالتأكيد لا يتمتع بخاصية الدقة.

  • «الصدق-validity»

بمعنى أن الاختبار يقيس ما وُضع لقياسه.

مثال: إذا افترضنا وجود اختبار يقيس نسبة ذكائك من يوم ميلادك، فيُظهر أن مواليد شهر يناير حمقى وديسمبر أذكياء وهكذا. هذا الاختبار ليس صادقًا على الإطلاق، لأنه لا توجد علاقة بين نسبة الذكاء ويوم الميلاد. على صعيد آخر نجد أن هذا الاختبار مثالًا رائعًا للدقة، لأنه سيظهر نفس النتائج إذا أخذته اليوم أو غدًا أو حتى يوم موتك.

«اختبار رورشاخ-Rorschach test»

اختبار رورشاخ أو اختبار بقعة الحبر مثال واقعي ومشهور لاختبارت الشخصية. وضعه هيرمان رورشاخ، الذي كرس حياته حرفيًا لبقعة الحبر لدرجة أنه صار لقبه في مراهقته.

ويقوم الاختبار على عرض صورة لبقعة حبر على الشخص وسماع انطباعه عنها ثم تكوين رؤية عن شخصيته.

اختبار بقعة الحبر (حقوق الصورة: wikipedia)

اختبار بقعة الحبر مشهور للغاية، ويستخدمه كثير من علماء النفس أو الأطباء النفسيين في عياداتهم. لكن يمكننا القول أنه عديم الفائدة، ولا يُعول على نتائجه. فهل هناك بديل أفضل؟

تاريخ اختبارات الشخصية

بحث العلماء في الشخصية وحاولوا إيجاد طرق مبتكرة لقياسها وتحديد الاختلافات بينها. أول هذه الطرق وضعها عالم النفس الأمريكي «جوردون ألبورت-Gordon Allport».

بحث ألبورت في القاموس عن جميع الكلمات التي اعتقد أنها تصف الشخصية، وتوصل إلى ما يقرب من خمسة آلاف منها. لكن المشكلة أن هذه الصفات لم تكن قائمة بذاتها، بمعني أن صفات مثل: ودود، واجتماعي، ولطيف تبدو متشابهة للغاية. وهنا جاء دور كاتل.

حاول «كاتل-Cattell» مع آخرين تقليل عدد هذه الصفات عن طريق طرح السؤال: كيف تختلف شخصيات البشر عن بعضها؟ وما المعايير التي يمكن وضعها لقياس ذلك؟ وتوصل إلى ست عشرة صفة تختص كل منها بنمط معين من أنماط الشخصية.

لاحقًا توصل «آيزنك-Eysenck» إلى معيارين فقط يمكن من خلالهما تحديد الشخصية. الأول: انطوائي-اجتماعي الثاني: عصبي-مستقر وبناءًا على هذين المعيارين يوجد أربع أنماط للشخصية.

وأخيرًا استقر العلماء على صيغة أكثر صحة مما سبقها، فلا تتحدد الشخصية بمعيارين فقط أو ستة عشرة واحدًا. وإنما خمسة معايير تُعرف باسم «العوامل الخمس الكبرى للشخصية-The five big personality factors»

العوامل الخمس الكبرى

انطلاقًا من جهود العلماء السابقين توصل العلم إلى نظرية العوامل الخمس الكبرى، التي تشير أنه يمكننا وصف شخصياتنا وشخصيات من حولنا بآلاف الصفات. وستقع هذه الشخصية مهما كانت صفاتها في نطاق العوامل الخمس الكبرى دائمًا. وهذه العوامل الخمس هي:

  • الاستقرار-العصبية

بمعنى هل أنت شخص هاديء ومتزن، أم قلق ومتشائم؟

  • الاجتماعية-الانطوائية

بمعنى هل أنت شخص منفتح ومحب للمرح، أم متحفظ وتفضل العزلة؟

  • القبول-عدم القبول

بمعنى هل أنت شخص مهذب ومتعاون، أم مرتاب وغير متعاون؟

  • الانفتاح- عدم الانفتاح

بمعنى هل أنت شخص منفتح للتجارب الجديدة، أم عملي تفضل الروتين؟

  • الحذر-التهور

بمعنى هل أنت شخص منظم وحذر، أم مهمل ومندفع؟

وهكذا استطاع العلماء قياس الاختلافات بين شخصيات البشر باستخدام هذه العوامل الخمس، والمشوق أن هذه النظرية تستخدم أسلوب «المدى-Spectrum» كما بالصورة

مدى العوامل الخمس الكبرى للشخصية (حقوق الصورة: المنفى)

على عكس أساليب القياس الأخرى مزدوجة الاختيار. بمعنى أنه يمكنك أن تجد نفسك شخصًا منفتحًا فقط أو غير منفتح فقط أو نقطة ما بينهما.

والسؤال هنا الآن، أين تقع هذه النظرية من خاصيتي الدقة والصدق؟ وما الأدلة عليها؟

ما الأدلة عليها؟

  1. تتميز هذه النظرية على عكس اختبارات الشخصية الأخرى بخاصية الدقة، فإذا اختبرت الصفات الخمس الآن ثم أعدت نفس الاختبار بعد خمس سنوات، فلن تجد تغيرًا كبيرًا. خاصة بعد سن الثلاثين، حيث تستقر هذه الصفات إلى حد كبير.
  2. تتميز هذه النظرية أيضًا بخاصية الصدق، لأنها تقيس ما وُضعت لقياسه. فنجد موقفك من الصفات الخمس يتنبأ بسلوكك في العالم الحقيقي. فيقيس الانفتاح مثلًا احتمالية تغييرك لوظيفتك، بينما يقيس القبول مدى نجاح علاقاتك.
  3. تتفق نتائج هذه النظرية مع انطباع الآخرين عنك. فإذا سألت والدتك ورفيقك في العمل واستاذك في الجامعة عن انطباعهم عنك، ستتداخل إجاباتهم إلى حد كبير، وستتفق مع موقفك من الصفات الخمس.

الاختلاف الثاني: الذكاء

الذكاء هو العامل الثاني الذي يحدد الاختلافات بين البشر، لكنه -على عكس الشخصية- يصعب تعريفه. لأنه ليس محدود بصفات معينة يمكن اختبارها.

عندما استقطبت أحد الدراسات ألف خبير وسألتهم عن تعريفهم للذكاء، اشتركت إجابات معظهم في بعض النقاط مثل: القدرة على حل المشكلات، والتعلم، والتفكير المجرد. وجاءت بعض الإجابات الأخرى مثل: الذاكرة، وسرعة البديهة، والإبداع، واللغات.

لذا نستنتج من هنا أن تعريف الذكاء أمر يصعب الاتفاق عليه. فما هو الأمر الذي نتفق عليه عند حديثنا عن الذكاء؟ الأمر الذي نتفق عليه أن تصنيفنا للذكاء أمر بديهي، بمعنى أنك تملك حسًا داخليًا عنه. فتعرف أن آينشتاين مثلًا شديد الذكاء، وأستاذك في الجامعة ذكي أيضًا، بينما “بسيط نجم” (شخصية من عرض سبونج بوب) ربما ليس الأنبغ!

سبيرمان وأنواع الذكاء

والآن سنناقش أنواع الذكاء تبعًا لاثنين من المفاهيم الهامة. هذان المفهومان يرتبطان بـ «نظرية الذكاء ثنائية العامل-Two factors theory of intelligence» لعالم النفس «تشارلز سبيرمان-Charles Spearman» أشار سبيرمان إلى نوعين من الذكاء عند البشر:

  • النوع S: أي الذكاء الخاص، الذي يتحدد بنتائجك المختلفة في كل اختبار ذكاء منفرد مثل: اختبار القراءة، والحساب، والقدرة المكانية.
  • النوع G: أي الذكاء العام، الذي يتحدد بنتائجك في هذه الاختبارات جميعها بشكل عام.

وما توصل إليه سبيرمان هو نوع من الارتباط بين نوعي الذكاء، فلا ينفصل النوع G عن النوع S وإنما يؤثر بشكل كبير عليه. فبينما تمدنا الاختبارات المنفردة بنتائج مختصة بمهارة ما تحديدًا، إلا أنها تدلنا أيضًا على نوع من الأداء المشترك/ الذكاء العام بينهم جميعًا.

ولفهم ذلك بشكل أوضح سنشبه الأمر بامتلاكك صالة رياضية، هناك عدد من الاختبارات التي يقوم بها المشاركون، أحدها لاختبار سرعة الجري، أو السباحة، أو التسلق، ثم آخر لتقدير الأداء بشكل عام. عند مراجعة نتائج المشاركين ستجد أن هؤلاء الذين يحرزون نتائج مرتفعة في كل اختبار منفصل يأتي تقديرهم العام مرتفعًا أيضًا، والعكس صحيح. لذا يمكننا القول أن نتائج هذه الاختبارات مهما كانت منفصلة إلا أنه هناك نوع من الأداء المشترك بينها. فلا ينفصل الذكاء العام عن الذكاء الخاص مطلقًا!

أهمية اختبارات الذكاء

لاختبارات الذكاء أهمية كبرى في حياتنا اليومية، فتتأثر الحالة الاجتماعية للأشخاص في المجتمع، ومدى نجاحهم وثرائهم بمعدل ذكائهم الذين يحصلون عليه من اختبارات الذكاء

هكذا أشار هيرنستين وموراي في كتابهم «منحنى الجرس-The Bell Curve».

كتاب منحنى الجرس لهيرنستين وموراي (حقوق الصورة: wikipedia)

ويمكنك أن تتخيل الجدل الذي أثاره هذا التصريح في المجتمع العلمي، فظهرت على إثره عدد من الأبحاث المشوقة. قامت جمعية علم النفس الأمركية بواحد من هذه الأبحاث، حيث طلبت من خمسين من كبار الباحثين كتابة تقرير عن معدل الذكاء، هل يؤمنون بأهمية اختبارات الذكاء؟ وهل ترتبط نتائجها بالذكاء الفعلي؟

جاءت النتائج باتفاق واسع على أهمية معدل الذكاء، وأشاروا أن معدل الذكاء -أكثر من أي صفة بشرية أخرى قابلة للقياس- مرتبط بالعديد من الانجازات التعليمية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية.

  • في بعض الحالات يكون الارتباط قويًا جدًا مثل: النجاح في الدراسة.
  • أو معتدلًا مثل: الكفاءة الاجتماعية.
  • أو طفيفًا مثل: احترام القوانين.

إذًا نستنتج من هنا أن معدل الذكاء مهم، خاصة في مواضع التحصيل الاجتماعي والوظيفي، لكن تظل هناك بعض الشكوك!

لدى بعض العلماء تخوفًا أن يكون تأثير معدل الذكاء مثل نبوءة ذاتية التحقق، حيث أدت نظرة المجتمع الجدية لاختبارات الذكاء في المقام الأول إلى زيادة أهميته.

لذا نعم، يتأثر نجاحك بمعدل ذكائك لأن نجاحك/التحاقك بجامعة مرموقة يعتمد على نتيجتك في اختبارات القبول (SAT) وهي شكل من أشكال اختبارات الذكاء.

لفهم ذلك بشكل أوضح تخيل معي أننا نعيش في عالم يشترط ألا يقل طولك عن 170 سم لكي تلتحق بالجامعة، هنا يؤثر الطول على نجاحك، وبمرور الوقت لن نتعجب ربط أحد العلماء بين الطول والإنجاز العلمي!

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

والآن بعد أن تعرفنا على جهود العلماء في فهم الفروقات بين المجموعات البشرية، ومحاولة إيجاد الطرق المبتكرة والموثوقة لقياسها ومن ثم المقارنة بينها. بداية من اختبار رورشاخ لفهم الشخصية وانتهاءًا باختبار معدل الذكاء الاعتيادي الذي نراه دائمًا. يتبقى لنا أن نعرف أسباب هذه الاختلافات، ما أصلها؟ جيني موروث أم بيئي مكتسب أم خليط بين الاثنين؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.

اقرأ أيضًا: ما الابتسامة؟ وما فوائدها؟ وهل تصف دائمًا السعادة؟

المصادر

  1. verywellmind
  2. verywellmind
  3. simplypsychology
Exit mobile version