نظرية التعلق وأنماطه

لا يمكننا أن ننكر بعد الآن أن البيئة الأولى التي يعيش فيها الطفل بكل ما فيها من مقدمي الرعاية تساهم بتشكيل النسبة الأكبر من شخصيته مستقبلاً. فعلاقات البالغ المقربة تعكس طريقة تواصله مع أهله في سنوات حياته الأولى، وهذا ما استنتجه الباحثون وفسرت نظرية التعلق جزءاً منه.

تعريف نظرية التعلق

تولد مع الإنسان حاجة لتشكيل رابطة عاطفية قوية مع مقدم الرعاية، تتطور هذه الرابطة وتتشكل خلال الستة أشهر الأولى في حياة الطفل في حال كانت استجابة مقدم الرعاية مناسبة. ويخدم نمط التعلق هذا حاجتين أوليتين أساسيتين: 1. حماية الأشخاص الضعفاء من الأذى والتهديدات المحتملة 2. تنظيم المشاعر السلبية التي تلي تلك الحوادث. كما تحدد الطريقة التي يتلقى بها الفرد الرعاية والدعم أهدافه، نمط عمله وطريقة تعامله مع المواقف التي تثير أي نوع من المشاعر في علاقاته. [1]

وضعت نظرية التطور لأول مرة من قبل المحلل النفسي «جون بولبي- John Bowlby». وقد درس فيها تأثير الفصل بين الأطفال الرضع وآبائهم.

افترض بولبي أن السلوكيات المبالغ فيها والتي يلجأ إليها الرضيع عند فصله عن أحد والديه أو إعادته إليهم كالصراخ والبكاء والتشبث بهم ما هي إلا آليات تطورية. أي أن هذه السلوكيات قد تطورت من خلال الانتقاء الطبيعي وعززت فرص الأطفال بالبقاء على قيد الحياة، وتعد هذه السلوكيات استجابات غريزية اتجاه أي تهديد محتمل مصاحب لابتعاد مقدم/ي الرعاية واهتمامهم، وبالتالي تقليل فرص بقاء الطفل. وبما أن فرص البقاء ترتفع لدى الأطفال الذين يلجؤون إلى هذه السلوكيات فقد تم انتقاء هذه الغرائز وتعزيزها على مر الأجيال. [2]

هذا ما أطلق عليه بولبي «نظام التعلق السلوكي- attachment behavioural system» وهو ما يحدد لنا أنماط تشكيل علاقاتنا وبنائها وإصلاحها. فتجربة الطفل الأولى مع والديه واستجابتهم له ونمط الرعاية الذي يتلقاه في سنوات حياته الأولى تحدد نمط علاقاته المستقبلية كشخص بالغ، ولا يقتصر هذا الأثر على الوالدين فيمكن أن يشمل علاقة الطفل مع باقي أفراد العائلة أو مربية الطفل وغيرهم من الأشخاص الذين يكونون على تماس مباشر مع احتياجات الطفل. [2]

تاريخ نظرية التعلق

بدأ اهتمام بولبي بالسلوك التطوري للأطفال من تجربته التطوعية في مدرسة للأطفال غير المتكيفين. وقد أثار فضوله سلوك ولدين، الأول مراهق منعزل لم يكن لوالدته شخصية مستقرة خلال حياته وقد تم طرده مؤخراً لاتهامه بالسرقة. أما الثاني فهو طفل بعمر7 أو 8 سنوات يتسم بطبعه القلق، حيث كان يلاحق بولبي أينما ذهب، وبذلك اكتسب لقب ظل بولبي.

من خلال تجربته مع الأطفال أصبح لبولبي معتقد راسخ بتأثير البيئة التي نشأ منها الطفل على سلوكه وعواطفه. كما اقترح على المحللين النفسيين الذين يعملون مع الأطفال دراسة جميع الجوانب المتعلقة بحياة الطفل كالبيئة التي يعيش فيها وعائلته وتجاربه بالإضافة إلى التصرفات التي يبديها الطفل نفسه. وهذا ما أدى لخلق استراتيجية لمساعدة الأطفال تتضمن مساعدة ذويهم أيضاً.

وفي ذات الوقت كانت «ماري آنسورث- Mary Ainsworth» تنهي مرحلة تخرجها وتدرس النظرية المتعلقة بالأمان، والتي تنص على أن الأطفال بحاجة لتطوير علاقة اعتمادية آمنة مع أهلهم قبل الخوض في بيئات خارجية غير مألوفة.

في عام 1950 اجتمع طريق العالمين باشتراك آنسورث في وحدة بولبي البحثية في عيادة تافيستوك في لندن. وبعد تنسيق وجمع وحذف العديد من الأبحاث والدراسات توصلا لتطوير وإثباتات تخص نظرية التعلق. [2]

نظرية التعلق عند الأطفال

تتطور العلاقة بين الطفل ومقدمي الرعاية الأساسيين خلال الثماني عشرة أشهر الأولى حسب بولبي وآنسورث. بدءاً من التصرفات الغرائزية كالبكاء والصراخ والتي سرعان ما تتوجه نحو واحد أو أكثر من مقدمي الرعاية بشكل خاص. وفي عمر 7 أو 8 أشهر يبدأ الطفل بالاحتجاج وإظهار حزنه عند ابتعاد مقدم الرعاية عنه. بمجرد وصوله لمرحلة المشي يبدأ الطفل بتشكيل نموذج ارتباط داخلي لعلاقاتهم، ويحدد هذا النموذج الإطار الذي يستمد منه الطفل معتقداته حول قيمته الذاتية ومقدار اعتمادهم على الآخرين لتلبية احتياجاتهم. [2]

يتطور لدى الأطفال أربعة أنماط تعلق بشكل أساسي. إذا كان الطفل أثناء نموه يستطيع الاعتماد على أهله بشكل كامل لتلبية احتياجاته، فسيتطور لديه نمط تعلق آمن. وسيرى العلاقات مع الآخرين كمكان آمن للتعبير عن مشاعرهم.

وفي المقابل إذا كانت علاقة الطفل بوالديه متوترة تتشكل لديه أنماط تعلق غير آمنة. وعندها يعتاد الطفل على فكرة عدم قدرته على الاعتماد على الآخرين لتحقيق راحته وحاجاته الأساسية. [3]

أنماط التعلق عند البالغين

إن أنماط التعلق التي تشكلت في مرحلة الطفولة نتيجة طريقة التواصل بين الطفل ومقدم الرعاية تظهر فيما بعد في علاقاته مع الآخرين، وخاصة العلاقات الحميمية والمقربة:

 نمط التعلق الآمن

يتمتع أكثر من نصف البالغين بنمط تعلق آمن. يمتاز أصحاب هذا النمط بالقدرة على تشكيل علاقات آمنة ومريحة، حيث تتصف علاقاته بوجود ثقة وحب متبادلين حيث يستطيع الاعتماد على الآخرين دون أن يكون اتكالياً بشكل كامل. كما يستطيع أن يكون قريباً من الآخرين بسهولة نسبياٌ، ولا يشعر بالخوف والتهديد عندما يحتاج شريكه مساحته الخاصة. يعتبر هذا النمط صحياً وكل ما عداه غير صحي أو غير آمن. [4]

بعض صفات نمط التعلق الآمن: [3]

– القدرة على تنظيم المشاعر.
– القدرة على طلب الدعم العاطفي.
– الثقة بالآخرين بسهولة.
– عدم الانزعاج من البقاء وحيداً أو من التواجد في علاقات مقربة مع الآخرين.
– تقييم عالي للذات.
– القدرة على أن يكون متاحاً عاطفياً.
– لديه مهارات تواصل جيدة.

نمط التعلق القلق

وهو نوع من أنماط التعلق غير الآمنة. يميزه خوف شديد من الهجران أو التخلي. يبقى فيها الفرد في حالة خوف دائم من تخلي الآخرين أو شريكه عنه وبحاجة دائمة للتقدير. غالباً ما يرتبط هذا النمط بالحاجة للآخر والتصرفات التي تدل على تعلق شديد كالشعور بالقلق والانزعاج إذا لم يتم الرد على رسائله بسرعة والشعور الدائم بأن شريكه لا يهتم به بشكل كافٍ. [4]

يتطور هذا النمط نتيجة علاقة متقلبة مع الأهل لا تنسجم مع حاجات الطفل. حيث لا يستطيع الطفل توقع استجابة أهله، فمرة يكونون داعمين وملبيين لحاجاته ومرة أخرى يقومون بعكس ذلك. [3] إليك بعض صفات نمط التعلق القلق: [3]

– ميل شديد للتشبث بالآخرين.
– حساسية عالية من الانتقاد.
– الغيرة.
– الخوف من الرفض.
– صعوبة البقاء وحيداً.
– ضعف تقدير للذات.
– الشعور بعدم استحقاق الحب.
– صعوبة الوثوق بالآخرين.

نمط التعلق المتجنب

نمط آخر من أنماط التعلق غير الآمنة يشكل نسبة أكبر من نمط التعلق القلق. يميزه الخوف من الحميمية والتقرب من الآخرين. حيث يواجه الفرد صعوبة في التقرب من الآخرين والوثوق بهم، لأنه يعتقد أن هذه العلاقات لن تتمكن من تلبية احتياجاته. فيبقي مسافة بينه وبين شريكه أو يكون غير متاح عاطفياً بشكل كبير.

ويمكن أن يجد العلاقات العاطفية خانقة ومزعجة فيتجنبها كلياً، ويفضل أن يكون مستقلاً ويعتمد على نفسه. [4] يتطور هذا النمط نتيجة لوجود مقدمي رعاية صارمين أو بعيدين عاطفياً لا يلبون احتياجات الطفل ويدفعونه للاعتماد على نفسه كثيراً، ويصدونه في حال تعبيره عن مشاعره. [3] بعض صفات نمط التعلق المتجنب: [3]

– تجنب الحميمية الجسدية والعاطفية.
– عدم الراحة عند التعبير عن العواطف.
– صعوبة الوثوق بالآخرين.
– الشعور بالتهديد من أي شخص يحاول التقرب منه.
– قضاء الوقت وحيداً أكثر من التفاعل مع الآخرين.
– الإيمان بأنه لا يحتاج إلى الآخرين في حياته.
– «مشاكل في الالتزام – commitment issues»

نمط التعلق غير المنتظم

أو النمط الخائف المتجنب- Fearful-avoidant attachment style، ويعد نمطاً نادراً نسبياً، يتشكل من مزيج من كلا النمطين السابقين القلق والمتجنب. حيث يتوق الفرد للحصول على العاطفة والمودة ويسعى لتجنبهما بأي طريقة ممكنة. كما يكره صاحب هذا النمط العلاقات الرومنسية وفي نفس الوقت يريد أن يشعر بحب الآخرين له. [4]

بالإضافة لذلك يتصف بسلوك متضارب وصعوبة الوثوق بالآخرين، وغالباً ما يرتبط بمشاكل وأمراض الصحة النفسية لدى البالغ. يتطور هذا النمط نتيجة لصدمات الطفولة، الإهمال أو الإساءة بشكل أساسي والخوف من الأهل (غياب الشعور بالأمان معهم). [3] إليك بعض صفات نمط التعلق غير المنتظم: [3]

– الخوف من الرفض.
– عدم القدرة على تنظيم المشاعر.
– سلوك متضارب.
– مستويات عالية من القلق.
– صعوبة الوثوق بالآخرين.
– علامات كلا النمطين القلق والمتجنب.

نظرية التعلق في الحداد والصدمات

لاحظ بولبي وزميلته كولين مري باركس- Colin Murray Parkesعند العمل على نظرية التعلق أربع مراحل للحداد، سبقت المراحل الخمس المعروفة: [2]

  1. الصدمة وفقدان الحس: يشعر الشخص في هذه المرحلة بأن الفاجعة ليست حقيقية أو أنها مستحيلة. وقد يتعرض لكرب جسدي وعدم القدرة على فهم مشاعره والتعبير عنها.
  2. الحنين والبحث: وهنا يعي الشخص الفراغ الذي أصبح في حياته، ويمكن أن يحاول سداده.
  3. الاختفاء والفوضى: وهنا يقبل الشخص بأن ما حصل غير قابل للتراجع. كما يمكن أن يواجه اليأس والغضب والتساؤلات حيث يحاول جاهداً إعطاء معنى لهذه الحالة. كما يمكن أن ينسحب ويتجنب الآخرين في هذه المرحلة.
  4. إعادة التنظيم والتعافي: يعود للشخص إيمانه بالحياة، ويبدأ بإعادة وضع أهداف وعادات جديدة في حياته. وتعود له الثقة ويتراجع الحزن عنده.

بالطبع فإن نمط التعلق الخاص بالفرد سيؤثر على تجربته مع الحداد. فالشخص ذو نمط التعلق الآمن سيتجاوز هذه المراحل بسرعة نسبياً، بينما قد يعلق الآخر ذو نمط التعلق المتجنب أو القلق في أحد هذه المراحل.

كيف نستطيع تغيير نمط التعلق

  1. حدد نمط علاقاتك: ابدأ بعلاقتك مع والديك كطفل، سيساعدك ذلك على معرفة ما الذي شكل نمط تعلقك اليوم. وحاول أن تتعرف أيضاً على النمط الذي تتبعه في اختياراتك وعلاقاتك السابقة.
  2. اعمل على رفع تقديرك لذاتك: تعلم أن تقدر وتحب وتحترم نفسك أولاً.
  3. اعرف ماهي حاجاتك: تعلم أن تكون صارماً وتضع حدوداً، تقدر ما تشعر به، وعبر عما تريده بكلمات واضحة وصريحة.
  4. لا تخف من طلب العلاج النفسي: يقوم المعالج النفسي الخبير بمعرفة نمط تعلقك، والخوض في جراحك السابقة بالإضافة لمساعدتك في وضع حدود مناسبة ودعم علاقة صحية.

إن نظرية التعلق كغيرها من النظريات المتعلقة بسلوكيات الإنسان تثبت أهمية البيئة الأولى التي عاش فيها الإنسان في تكوين شخصيته وسلوكياته والطريقة التي يرى بها العالم ويتواصل بها مع الآخرين. لذلك علينا دائماً خلق بيئة صحية وسليمة للأطفال كي نتفادى قدر الإمكان الآثار السلبية في المستقبل.


المصادر:

1.Britannica| Attachment Theory
2. PositinePsychology| What is Attachment Theory? Bowlby 4 Stages Explaine
3. PsychCentar| Here Is How to Identify your Attachment Style
4. mbg| The 4 Attachment Styles in Relationships + How to Find Yours

صعوبات التعلم: ما هو عسر الحساب، وكيف للمعلم أن يتعامل معه؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

حتمًا قابلت ذلك الصديق الذي لا يستطيع حساب ثمن الإفطار، ولا يستطيع حساب المتبقي. كما أنه لا يستطيع تقدير المسافات، فتكون له مسافة خمسة كيلوات “قريبة بالطبع!”، أو مسافة الخمسين متر غير مفهومة ومُتصوّرة. وبالتأكيد تعرف ذلك الطفل الذي يكره الحساب بشدة؛ لأنه يعاني بشدة في فهم المسائل الرياضية ويأخذ الكثير من الوقت لحلها، ولا أعني هنا القسمة المطولة على وجه الخصوص! بل يكون هذا نمطًا على البسيط من المسائل في هذه السن مثل معرفة أي رقم أكبر من الآخر. يعرّف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية هذه الظاهرة باسم عسر الحساب (بالإنجليزية: Dyscalculia)، وهو ضعف عدديّ يصنّف ضمن صعوبات التعلم [1]. يؤثر عسر الحساب على القدرة على تعلم الحساب والرياضيات في شخص يتمتع بذكاء عادي. يٌشار إلى عسر الحساب كذلك بأسماء مثل: “صعوبة تعلم الحساب”، “القلق من الحساب”، “عسر قراءة الحساب”. [5] [2] [1]

أعراض عسر الحساب

على الرغم من أن عسر الحساب يظهر جليًا في مرحلة الطفولة، إلا أنه لا يُشخّص ويستمر للبلوغ. ويبقى السؤال: كيف نعرف أن الطفل يعاني من عسر الحساب؟ 

تتطور الأعراض في حدتها مع كل مرحلة عمرية ينتقل إليها الطفل.  [3][2]

في مرحلة الطفولة المبكرة:

  1. صعوبة في تعلم العد.
  2. صعوبة في ربط ما يمثله الرقم مع الرقم ذاته، فيكون الرقم فكرة مجرّدة. إذ لا يربط بين الرقم 5 و 5 تفاحات، أو 5 أقلام مثلا.
  3. صعوبة في تقدير الأكبر والأصغر، أو الأطول والأقصر. [5]

في مرحلة الدراسة الابتدائية:

  • صعوبة أداء العمليات الحسابية مثل: جمع الأرقام، أو طرحها، أو ضربها، أو قسمتها، أو عملها بطريقة خاطئة مؤدية لنتائج غير متسقة.
  • صعوبة تذكر روابط الأرقام المعروفة، حتى التي تعرّض لها مئات المرات مسبقًا، مثل: 3+2=5.
  • الحاجة المستمرة إلى الاعتماد على الأصابع عند الحساب، في السن الذي يتوقف أقرانه عن القيام بذلك.
  • صعوبة في أداء الحساب العقلي.
  • صعوبة في فهم قواعد الرياضيات، أو حفظ الحقائق والصيغ الرياضية مثل جدول الضرب.
  • صعوبة تذكر/إدراك أن 2+3 هي نفسها 3+2 أو أن 3/6 هي نفسها 1/2.
  • صعوبة في ترجمة الأرقام إلى قيمها المكانية، فلا يعرف أيهما أكبر: خمسمائة ألف أم مليونان.

في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية:

  1. صعوبة قراءة الساعة ذات العقارب.
  2. صعوبة في فهم المعلومات في المخططات البيانية.
  3. صعوبة في تذكر طرق مختلفة لإيجاد الحل لنفس المطلوب، فلا يستطيع مثلًا ضرب طول ضلع المربع × 4 ليأتي بالمحيط، فتراه يجمع كل أطول أضلاع المربع، وهي الطريقة البدائية.
  4. صعوبة حل المعادلات والمسائل التي تتطلب خطوات متعددة.
  5. صعوبة تخيل الأوزان والأحجام في مواد بسيطة مثل السوائل.

عند البالغين:

  1. صعوبة تطبيق الحساب في الحياة العامة.
  2. بطء في أداء العمليات الحسابية الذهنية، وغالبًا ما ينتهي الأمر بأبسطها، كالجمع مثلًا.
  3. ضعف في مهارات الحساب العقلي.
  4. صعوبة تقدير المسافات بالأرقام.
  5. صعوبة تحديد الاتجاهات.

الأسباب

لا يعرف الباحثون بعد على وجه اليقين سبب عسر الحساب. ولكن كما هو الحال مع صعوبات التعلم الأخرى، يعتقَد أن مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية تلعب دورًا مؤثرًا في الإصابة بهذا العسر. يواصل الخبراء محاولة إيجاد الفروق بين أولئك الذين تنشأ مشاكلهم مع الرياضيات من عسر في عمليات المعالجة الدماغية، وأولئك الذين ترتبط مشاكلهم بعوامل مثل سوء التدريس أو الفقر والحرمان. وقد يصاب شخص ما بعسر الحساب نتيجة إصابة في الدماغ أو سكتة دماغية. ينشأ هذا النوع من الاضطراب عادةً من تلف الفص الجداري للدماغ (بالإنجليزية: acalculia).[2]

وبالتأكيد يزيد القلق من الحساب من صعوبة التعلم هذه إن وجدت، ولكن لا يُشخص الشخص القَلِق من الحساب باضطراب عسر الحساب. وقد يكون القلق من الحساب خطرًا، بل من الممكن أن يؤدي إلى تجنّب الشخص لكل الأنشطة التي تتضمن مسائل حسابية/رياضية؛ إذ يحفّز هذا النوع من القلق المراكز الدماغية المسؤولة عن الشعور بالألم الجسدي والتهديد. [4] [2]

كيف للمعلم أن يتعامل مع المصابين بعسر الحساب؟

تتدرج حدة صعوبة التعلم هذه حسب السن. تختلف طرق التعامل مع المصاب بعسر الحساب داخل الصف وخارجه؛ إذ تتباين المرونة العقلية حسب التطور العمري. وهناك العديد من التطبيقات التي يستطيع المعلم استخدامها لتساعده في التغلب على هذا العسر.

في مرحلة الطفولة المبكرة

  • إحدى الأفكار العملية للمعلمين لمعالجة عسر الحساب هي استخدام أساليب التعلم الحسية، والتي تشرك حواسًا مختلفة لمساعدة الطلاب على فهم المفاهيم الرياضية. فمثلًا، يمكن أن يستخدم المعلم كرات الخزف أو الخرز أو المعدادية (الأباكوس) لمساعدة الطلاب على العد، وبذلك يساعدهم في تصور وفهم الأرقام والعمليات.
  • للعمليات الحسابية، أطلب منهم عد العصافير/القطط بالخارج، واطلب منهم كذلك استخدام أصابعهم في العد. وبينما هم يعدون، اسألهم كم عصفورًا حتى الآن؟ وإن طار عصفورًا، اسألهم: كم تبقى من العصافير على الشجرة؟ واطلب منهم استخدام الأصابع لعملية الطرح هذه. وهكذا.
  • تقسيم الموضوع/المفهوم في صورة وحدات مع التطبيق على كل وحدة لتثبيت المفهوم المطلوب.

في مرحلة الدراسة الابتدائية

  • ساعد الطالب على تصور الأشياء في سياق واقعي، فإذا كان الطفل يتعلم الكسور مثلًا، فالأفضل أن تمثلها بتقطيع تفاحة مثلًا، للنصف ثم للربع، ثم لثمانية قطع، ليفهم أن 4/8 هي نفسها 1/2.
  • وفي تعلم الهندسة مثلًا، فيمكنك أن تسألهم إيجاد الأشكال الهندسية التي يرونها حولهم، وفي الكتاب، أو في الغرفة، أو في بيوتهم.
  • إذا كان يتعلم العمليات الحسابية، فيمكن أن يؤدي هذه العمليات عمليًا في الأموال بشكل عام، ومصروفه الشخصي بشكل خاص.
  • التدرب على نفس نوع المسائل الحسابية مرات متكررة، مثل الجمع، والطرح، والضرب، والقسمة.

للمرحلة المتوسطة والثانوية

  • على المعلم تمثيل المعادلة الرياضية بشتى الطرق، فيكتبها ليتخيل الطلاب العلاقة بين العناصر، ويرسمها ليساعدهم في استيعاب المفاهيم التي تحتويها.
  • ربط هذه المفاهيم باهتماماتهم وتخيلاتهم عما حولهم.
  • تقسيم المعادلات لخطوات أصغر مع التأكد أنهم استوعبوها. بالإضافة إلى ضمان الانتقال السلس بين الخطوات. فلا يتفاجؤ بكونه في الخطوة الأخيرة بينما هو مازال مركّزًا فيما كان يجري في أول خطوة.

نصائح عامة:

  • استخدم الألعاب الإلكترونية في تيسير الحل والتطبيق لجعله شيقًا وحيويًا. ومن ضمن المواقع التي توفر مثل هذه الألعاب: Mathsframe، وadaptedmind، وmathgames
    يوفر موقع ماث جيمز، لوحة تحكم للمعلم ليتابع تطور طلابه، بالإضافة إلى الواجبات المنزلية.
  • على المعلم توفير وقت إضافي للطلاب لإكمال مهام الرياضيات، والسماح باستخدام التكنولوجيا المساعدة مثل الآلات الحاسبة أو برامج الرياضيات.
  • ننصح بتخصيص ألعاب مثل: «بينجو» حسب المرحلة الدراسية. فيمكن مثلا أن يلعبوا بينجو بالضرب والطرح لتعزيز السرعة، ويمكن أن يلعبوها بالجذور التربيعية والتكعيبية في المرحلة المتوسطة.
  • كما يمكن تخصيص لعبة مثل «بوم» لتطبيق مضاعفات الأعداد. في لعبة بوم، يقف الطلاب في دائرة ويصفقون على أيدي بعضهم بالدور وهم يعدون 1، 2، 3.. فإذا كانت اللعبة على مضاعفات العدد ثلاثة، فإن على من دوره العدد 3 أو مضاعفاته أن يقول «بوم»، هكذا: 1، 2، بوم، 4، 5، بوم

المصادر:

  1. The dyslexia Association
  2. Dyscalculia
  3. When 1 + 1 = 5: Dyscalculia and Working Memory
  4. When math hurts: Math anxiety predicts pain network anticipation of doing math
  5. Dyscalculia: A Specific Learning Disability Among Children
  6. Twinkle
  7. Dyscalculia.org
  8. Mathematics and Learning Disabilities

صعوبات التعلم: قصور الانتباه وفرط الحركة وكيف تتعامل معه؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

ذلك الطالب كثير الحركة، لا يطيق جلسة الصف الطويلة. وإذا مرت أمامه فراشة يتبعها ببصره ويتشتت ذهنه عما كان يركز عليه. تحتاج دومًا للفت انتباهه وتذكيره بالمعلومات والمهام لأنه حتمًا سينسى. يوسَم غالبًا بالـ”اللعبي” لأنه لا يركز أبدًا على الكتاب، ويوصف كثيرًا بـ”الفاشل” لأن أداءه يخذله ويخذل معلميه وذويه. أيذكرك ذلك بأحدهم؟

يشخَّص هذا الطالب بقصور الانتباه وفرط الحركة (بالإنجليزية: Attention-Deficit / Hyperactivity Disorder، واختصاره: ADHD) ويسمى أيضًا «اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط»، وهو اضطراب عصبي سلوكي يترافق بالسهو، وفرط الحركة، والسلوك الاندفاعي. وإذا ترِك الاضطراب دون علاج، يمكنه التسبّب بآثار جانبيّة على الأداء الأكاديميّ، والنجاح المهنيّ، والعلاقات، والنموّ الاجتماعيّ العاطفيّ على المدى البعيد.

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسيّة تبلغ نسبة الأطفال المشخّصين باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط في سنّ التمدرس حوالي (5%). علمًا أن هذا الاضطراب أكثرُ شيوعًا عند الفتيان منه عند الفتيات [1][3][4]. يشخَّص قصور الانتباه مع فرط الحركة عامة في مرحلة مبكرة من الحياة؛ إذ يظهر جليًّا في المشاكل السلوكية في المدرسة، وفي صعوبة فهم المواد، أو صعوبة إنجاز المهامّ، أو في التشتت بسهولة من قبل الآخرين.

أعراض قصور الانتباه وفرط الحركة لدى البالغين

تنقسم الأعراض إلى قسمين، أعراض قصور الانتباه، وأعراض فرط الحركة. ويشَّك في إصابة الطالب بهذا الاضطراب عند ظهور هذه الأعراض بإفراط بالغ مقارنة بزملائه في نفس المرحلة العمرية، بحيث يحدِث له إعاقة حقيقية، ولا يشخَّص به إلا بظهور هذه السلوكيّات في سياقَين أو أكثر، مثل المدرسة، وداخل الصف الدراسي، وبالمنزل. [2][3]

أعراض قصور الانتباه

  • ارتكاب أخطاء جرّاء الاستهتار وإغفال التفاصيل.
  • صعوبة المحافظة على التركيز أثناء المهام والمحادثات.
  • سهولة التشتّت.
  • صعوبة اتّباع التعليمات.
  • صعوبة تنظيم المهام والأنشطة ونمطٌ متكرر من تجاوز المواعيد النهائيّة.
  • صعوبة فهم العمليات التي تتطلب اتباع خطوات معينة، كحل مسألة حسابية معقدة أو حل معادلة كيميائية ذات عدة تفاعلات.
  • تجنّب الأنشطة التي تتطلّب انتباهًا متواصلًا، أو رفضها، مثل: الواجبات المدرسية.
  • إضاعة الأشياء بشكل متكرّر.

أعراض فرط الحركة والاندفاع

  • الانخراط في القتال، والتلوّي، والخبط بشكل متكرّر.
  • صعوبة الثبات لفترة طويلة من الوقت والتململ المفرط، وترك المقعد مرارًا حين يكون البقاء جالسًا أمرا مطلوبًا.
  • صعوبة الانخراط في أنشطة ترفيهيّة.
  • التحدّث كثيرًا ومقاطعة الآخرين في أوقات غير مناسبة.
  • الإجابة على الأسئلة من دون تفكير.
  • صعوبة انتظار الدور.
  • مقاطعة الآخرين أو التطفّل عليهم.

أسباب قصور الانتباه وفرط الحركة

يتساءل كثيرون عن سبب المشاكل المرتبطة بالانتباه، والصعوبات المتعلّقة بالاندفاع والتململ. لا يزال اختصاصيّو الصحة يبحثون عن سبب قصور الانتباه وفرط الحركة. إذ إن قصور الانتباه وفرط الحركة ليس وليد العوامل الاجتماعية أو طرق تنشئة الطفل فقط؛ بل يبدو أن معظم الأسباب المثبتة حتى الآن تندرج ضمن مجالات علم الأعصاب وعلم الوراثة. بالإضافة إلى ما سبق، يمكن للعوامل البيئيّة التأثير على حدّة الاضطراب.

تميل الأبحاث عن الأسباب إلى التركيز على الأطفال الأصغر سنًّا. من ناحيةٍ جينية، يعاني (25%) من أقارب الطفل المصاب بقصور الانتباه وفرط الحركة من هذا الاضطراب أيضًا؛ ما يعني أن الجينات تلعب دورًا هامًّا في تطوّره [5]. وقد وجدت دراسة أنّ الأطفال المصابين بقصور الانتباه وفرط الحركة يظهِرون انكماشًا بمعدّل (3% – 4%) في مناطق هامّة من الدماغ (الفصّ الجبهيّ، والمادّة الرماديّة المؤقّتة، ونواة المذنبات، والمخيخ) مقارنةً بالأطفال غير المصابين بالاضطراب. تؤدّي هذه المناطق دورًا محوريًّا في مهارات حل المشكلات، والتخطيط للمستقبل، والتحّكم بالاندفاعات، وفهم سلوك الآخرين.

يمكن للعوامل البيئيّة الإسهام في تطوّر قصور الانتباه وفرط الحركة. فقد ظهر ارتباط بين تدخين السجائر والكحول في فترة الحمل، وخطر الإصابة بقصور الانتباه وفرط الحركة. كما تسهم معدلات الرصاص العالية في المباني القديمة والتعرّض للرصاص من مصادر المياه في تطور الاضطراب. ويشير المنظّرون الاجتماعيّون والأطبّاء أحيانًا إلى اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة باعتباره وباء العصر الحديث؛ ما يعني ضمنًا أنّ نمط الحياة السريع والاستهلاكيّ الذي يُغرقنا في عالم من المراسلات الفوريّة، وألعاب الفيديو، والبرامج التلفزيونيّة يؤدّي دورًا في تطوّر الاضطراب.

علاج قصور الانتباه وفرط الحركة

يمكن معالجة قصور الانتباه وفرط الحركة بنجاح عن طريق العلاج النفسيّ والعلاج الدوائيّ بعد التشخيص. يوفّر العلاج النفسيّ المهارات اللازمة لمساعدة الطالب على توجيه نفسه نحو مهامّه، والتعرّف على سلوكياته بشكل أفضل حتى يتحكم بها بفعالية. إذ يساعد العلاج المعرفيّ السلوكيّ في معرفة التحيّز السلبي في التفكير الذي يقلّل من الدافعيّة، ويفاقم سلوكيّات التجنّب. كما يساعد في زيادة السلوكيّات التكيّفيّة ويركز على ضبط الانفعالات، والتحكم فيها، وإدارة الضغط. أمّا التدريب على تأمل اليقظة الذهنيّة فبإمكانه تحسين الانتباه المتواصل أثناء المهام، والقدرة على التعامل مع المشاكل. وفي الوقت نفسه، يساعد العلاج الدوائيّ على تعزيز التركيز، وقمع التململ، وتحسين التطوّر الناتج عن المهارات الاجتماعية التي يتعلمها أثناء جلسات العلاج النفسي.

كيف للمعلم أن يتعامل مع الطالب المصاب بقصور الانتباه وفرط الحركة في الصف؟

هناك العديد من الأنظمة التي قد تتبناها المؤسسات العلمية للتعامل مع طلابها من المصابين بقصور الانتباه وفرط الحركة. ولكننا سنحاول عكس هذه التطبيقات على نطاق الفصل الدراسي لنساعد المعلم في استخدامها قدر ما يستطيع.

للتغلب على قصور الانتباه

  1. للتغلب على مشكلة قصور الانتباه، عليك أن تقلل المشتات في مجال بصره، فلا تجلسه أبدًا أمام/بجانب نافذة أو بجانب/أمام الباب.
  2. يمكن أن تساعده على وضع نظام لوني لأدواته. فإن كان ينسى دائمًا دفاتره، فلتتفقوا أن كل دفتر أخضر للصف، وكل أزرق هو دفتر للدراسة في البيت. وأي شيء مكتوب بقلم أحمر يعني أنه بحاجة للمراجعة، وكل ما هو مكتوب بقلم أسود فهو مفهوم جيدًا [6]. أو بناء نظام كودي عند المذاكرة وأخذ الملاحظات، فرمز النجمة (*) يعني مهم، ورمز علامة الاستفهام (؟) يعني أنه بحاجة لتوضيح، وهكذا.
  3. خلال تحضيرك للدرس، قسّم الشرح إلى وحدات. وامنحه فاصلًا صغيرًا بين سيل المعلومات المقدمة[7].
  4. لا تعط التعليمات دفعة واحدة أو وسط جملة مركبة.
    فبدلًا من أن تقول: “الآن يا طلاب أريدكم أن تفتحوا الصفحة 60 من الكتاب، ثم اقرأوا الفقرة الثالثة وأخبروني ماذا فهمتم قل: “افتحوا من الكتاب الصفحة 60.” واكتب رقم الصفحة على السبورة وضع الكتاب على صدرك على الصفحة المرادة. ثم قل: “اقرأوا الفقرة الثالثة” وأشر بيدك على مكان الفقرة وتابع الطلاب وتأكد أنهم قد وصلوا للفقرة. وامنحهم وقتًا ليطبقوا هذه التعليمات. وعليك الانتباه ألا تعطيهم سؤالًا عامًا طويل الإجابة، بل عليك أن تكون محددًا، وليكن مثلًا: “وأجيبوا عن السؤال التالي: عمن نتحدث في العبارة؟”، أو “ما هي المراحل المذكورة؟”. وتأكد أن السؤال مكتوب على السبورة ليرجعوا إليه في حالة نسيانه، لأنهم حتمًا سيسهون عنه. إن كان بالإمكان، شجعهم على الإجابة باستخدام الرسم مثلًا. ثم بعد ذلك حدد الزمن بما يتناسب مع المهمة المطلوبة: وليكن: “معك 3 دقائق”. وقبيل انتهاء الوقت، ذكرهم بالوقت الباقي.
    يتم تطبيق الشئ نفسه عند إجراء أي نشاط حركي. اشرح النشاط في صورة خطوات، وأجر محاولة تجريبية، ثم راجع التعليمات في صورة أسئلة: “كم دورا للفريق؟”، “كم من الوقت لديكم؟”، “هل عليكم تجميع الكرات الحمراء أم الخضراء؟”، “هل ستكتبون أم ستتحدثون؟”.
  5. إذا كانوا مدمنين على شاشات الهاتف، فستكون الأدوات التكنولوجية خير معين. إذ يمكنك استخدام المنصات التفاعلية مثل Padelt ليمكنهم كتابة إجابة السؤال على Padelt بدلًا من قوله بصوت عالٍ.
  6. امنح الطلاب وقتًا أطول في الاختبارات إن كان بينهم طالب مصاب بقصور الانتباه وفرط الحركة [7].
  7. علّق على التصرف والسلوك الإيجابي وشجعه. [7]
  8. ركّز دائمًا على مشاعرهم مثل: مشاكل الثقة بالنفس أو صعوبة ضبط بوصلة مشاعرهم. [7]
  9. أعط توجيهات كافية قبل الانتقال من نقطة لأخرى أو عند تغيير الروتين. كأن يقلب الصفحة، أو أن يغلق الكتاب، أو أن يترك القلم، أو أن يغير جلسته.
  10. إن كان سيعمل في مشروع طويل المدى، فعليك الإشراف مباشرةً على تقدمه مقدمًا أجوبة لأسئلته، وآذانًا مصغية لقلقه وشعوره.
  11. قدم له الخيارات: “أنقرأ أولًا أم نراجع التعريفات؟” أو “أتحبون أن يكون واجب تسلسل أحداث القصة رسمًا أم كتابة أم تسجيل فيديو؟”، أو “أتحبون أن تكون تجربة الكيمياء مشروعًا أو واجبًا منزليًا؟”
  12. الإدارة السلوكية للصف.
    في تجربة لهذا النهج، وجِد أنه يشجع السلوك الإيجابي للطالب، ويتم ذلك من خلال نظام مكافأة يعتمد على النقاط مثلًا [7]. فإن أتى إلى الصف في معاده له 5 نقاط، وإن أحضر أدواته كلها يستحق 10 نقاط، وإن استمع لزميله دون مقاطعة يأخذ 20 نقطة، وهكذا. ويتم جمع هذه النقاط في نهاية الصف ويستبدلها بهدية صغيرة.  لا تنس أن تجدد نوعية المكافآت باستمرار لتجنب شعور الطالب بالملل.
  13. إذا أعطيته واجبات، احرص ألا تكون متكررة أو طويلة، فأن تكون قصيرة وتشكل تحديًا صغيرًًا خير من أن تكون مكررة؛ وبالتالي غير مفيدة.
  14. عيّن معه صديق دراسة، ليساعده فيما ينقصه أو ليذكره بما نسيَ. [8]

للتغلب على مشكلة فرط الحركة

  1. بما أن هذا الطالب حركيّ وبصريّ بامتياز، فعليك أن تدعم كل ما تقول بصور أو بوسائل إيضاح أو بحركة تمثل الكلمة، كأن تفتح ذراعيك على وسعهما لتمثيل كلمة “كبير” مثلًا، وأن تريهم الأحجار حقيقةً ليفهموا أنواعها، وأن تريهم صورًا للتضاريس الجغرافية المختلفة ليفهموا الاختلاف بينها.
  2. كما عليك أن تشركه في الأنشطة التي تتطلب حركة، فلا تشرح له التجربة شفهيًا مثلًا، بل عليك إشراكه في القيام بها. كما عليك استخدام الألعاب الحركية والمسابقات والمنافسات السريعة.

وتذكر دائمًا أن إشراك الطالب في عملية التغلب على صعوبة التعلم ببناء العادات يجعل من عملية العلاج أكثر فاعلية، ومن العملية التعليمية أكثر كفاءة.

المصادر:

  1. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition
  2. What’s ADHD (and What’s Not) in the Classroom
  3. ADHD Symptoms and Diagnosis
  4. Attention-Deficit/Hyperactivity Disorder, Adult
  5. Family-genetic and psychosocial risk factors in DSM-III attention deficit disorder. (Journal of the American Academy of Child and Adolescent Psychiatry)
  6. Q: “My Disorganized Teen Hates Checklists and Charts”
  7. ADHD in the Classroom: Helping Children Succeed in School
  8.  Simple School Strategies for Students With ADHD
  9. النموذج البديل لاضطرابات الشخصية كمنبئ باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى المراهقين

هل أساليب التعلم حقيقة أم خرافة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 18 في سلسلة مقدمة في التدريس للبالغين

تناولنا سابقًا أساليب التعلم المعرفية الحسية، كما تناولنا نموذج نولز لأساليب التعلم الشخصية. ويبقى السؤال، كم نموذج تعرف من نماذج أساليب التعلم؟ اثنين؟ ثلاثة؟ عشرة؟ يفاجئنا تطور نظرية أساليب التعلم بتقديم ما يتعدى أكثر من سبعين نموذجًا يفسر نظريات أساليب التعلم المعرفية منها والشخصية. وكمعلمين، نتساءل دائمًا: إلى أي مدى يشكل هذا فارقًا في الدرس؟ وبالطبع نتطرق إلى أن الموضوع نسبي تمامًا، فالفيزياء والكيمياء تجرّب تطبيقيًا، واللغات تحاضر نظريًا. وهو بالضبط ما يشكل الفارق. ولذلك نسأل، هل أساليب التعلم حقيقة أم خرافة؟ نقدم في هذا المقال 5 أسباب دليلًا على أنها خرافة.

1. نقص الأدلة

بالرغم من تعدد الأبحاث والدراسات المنشورة في هذا الصدد، إلا أن هناك العديد منها كذلك يدحض هذه النظرية. مثل الدراسة التجريبية التي أجراها لورا ماسا ووريتشارد مايور، أساتذة بقسم علم النفس بجامعة كاليفورنيا. وتكونت التجربة من ثلاث مجموعات، دُرّست مجموعتين بنفس أسلوب التعلم، والثالثة تنوعت في تدريسها أساليب التعلم؛ ووجد أن كلتا المجموعتين ذوات أسلوب التعلم المنفرد حققتا أداءً أفضل من تلك المجموعة التي تنوعت فيها أساليب التعلم [1].
وهذا منطقي تمامًا، لأن كل منا فريد في ذاته؛ ولا تعتمد الطريقة المثلى لتعلمنا على تفضيلاتنا الفردية، بل على طبيعة ما نتعلم. فقط تخيل تعلم النحو بالصور لأنك متعلم بصري! أو الكيمياء بالمحاضرة الكلامية لأنك متعلم سمعي!

2. هناك العديد من الطرق لوصف أساليب التعلم

في مراجعة لنظريات أساليب التعلم نشرت في مجلة علم النفس التربوي (بالإنجليزية: Educational Psychology) في مقال بعنوان «أساليب التعلم: نظريات، ونماذج، وطرق القياس»، ذكر سيمون كاسيدي، أستاذ بجامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، 71 نموذجًا لأساليب التعلم [2]. وقد شرح كل من بول كريشنر وجيروين مرينبوير، أساتذة التعليم والتطوير التربوي بجامعة ماسترخيت بهولندا المشكلة المشتركة بين كل نماذج أساليب التعلم في مقالة بعنوان «هل المتعلم فعلًا أدرى؟ –أساطير الحضر في التعليم»[3]. وقد وضحا قائلين أنه إذا نظرنا إلى كل أسلوب تعلم على أنه ثنائي متناظر (مثل البصري مقابل السمعي، أو الحركي مقابل القرائي والكتابي) فهذا يعني أن هناك 2  أس 71 (271) مجموعة من أساليب التعلم المحددة – وهو ما يساوي 23,6118324143,4822606848، أي أكثر من عدد الناس على وجه الأرض!

وحتى إذا قبلنا مخططًا معينًا لقياس أساليب التعلم مثل الـVARK، فإن الأدلة تظهر أن الأسئلة الموجودة في الاستبيانات المستخدمة غير موثوقة أصلًا، وأن تفضيلات الأشخاص التي صنفوا بها أنفسهم ذاتيًا لا ترتبط بالضرورة ارتباطًا وثيقًا بأدائهم الفعلي. فيعتقد المتعلم أنه متعلم سمعي مثلًا، ويبين أداؤه أنه متعلم بصري!

وحقيقة، طريقة تعلم الشخص الرياضيات مثلًا وأداؤه فيها لا يرتبط بمدى توافق أسلوب تعلمه مع تدريس المعلم، وإنما يرتبط بأدائه في اختبارات الرياضيات السابقة.

3. ليس الأمر حقًا بهذه الدقة والتحديد

بالحديث عن قطبية مجموعات النماذج هذه –في معظم النماذج- وتقابلها، عادةً ما تكون النماذج كيانات ثنائية القطب (تأملية مقابل اندفاعية، أو عشوائية مقابل تسلسلية) كما ذكرنا، وكما هو الحال في نموذج كولب وغيره. فيشرح دورني هذه المعضلة في كتابه «سيكولوجية متعلم اللغة» قائلًا أن هذه الكيانات تمثل طرفي نقيض لسلسلة واسعة. يتأرجح المتعلم في السلسلة المتصلة بين الطرفين؛ لأن لكل طرف مزايا وعيوب محتملة [4]. وبالرغم من أنه قد يكوّن الأشخاص بعض التفضيلات والميول الجلية في أسلوب التعلم، إلا أن أساليب التعلم ليست أنماطًا ثابتة للسلوك. وبناءً على المواقف والمهام المختلفة، يمكن تعديل هذه التفضيلات والأنماط. ومع ذلك، فإن المدى الذي يمكن للأفراد أن يعدلوا أو يغيروا فيه أساليبهم لتلائم وضعًا معينًا يختلف من شخص لآخر. [5]

4. أحقًا تحفز مهاراته الموجودة أم تقضي على تطوره؟

يعتقد العديد من الخبراء أن هذه النظرية ليس فقط بالمفهوم المغلوط، بل يعتقدون كذلك أن هذا المفهوم يشكل ضررًا أكثر منه نفعًا. يشرح مقال لليلنفيد وزملاؤه بعنوان «50 خرافة في علم النفس الشعبي» أن اتباع هذا النهج يدفع المعلمين لاستخدام نقاط القوة العقلية -حصرًا- في التدريس، عوضًا عن المفروض وهو معالجة نقاط الضعف. ويلقون بجزء من المسؤولية على الطلاب ويقولون إنه «على الطلاب تعويض نواقصهم ونقاط ضعفهم ومعالجتها بدلًا من محاولة تجنبها» [6].

5. تكلفة خرافة أساليب التعلم عالية

تمثّل العديد من استبيانات أساليب التعلم والبرامج التدريبية تكلفة كبيرة جدًا. فيكتب روهرر وباشلر في مقالهم بعنوان «أساليب التعلم: أين الدليل؟» أنه بالنظر إلى تكاليف قياس أساليب التعلم –المزعومة- للطلاب، وطرق التدريس التي سيتم تصميمها بما يلائم هذه الأساليب، سيتفاجئ معلمو جميع المراحل بعدم كفاية الأدلة المقدمة لدعم نظرية أساليب التعلم [التي يستهلكون فيها وقتًا وجهدًا] [7].

عزيزي المعلم، قد يشكل هذا المقال منطقًا مقنعًا، وإن كان لديك ما تجيب به عن هذه النقاط؛ فستسعدنا المناقشة في التعليقات. ولكن وقبل إنهاء هذا المقال، فعلينا أن نتفق سويًا على ثلاث نقاط:

  1. أننا بشر مختلفين في ميولنا وثقافاتنا واهتماماتنا؛ وبالتالي تختلف طرق فهمنا وتفكيرنا. وبالقياس على الصف الدراسي، فهذا الاختلاف صحي جدًا، والحل الأمثل هو توظيفك لذلك الاختلاف فيما بين الطلاب بما يخدم جميع الكيانات بالموارد المتاحة.
  2. كما علينا أن نتفق على أن المهم بعد كل شيء هو وصول المعلومة للطالب بالشكل الأكثر فاعلية، وأن على المعلم تطوير الطالب واستخدام نقاط قوته في معالجة نقاط ضعفه.
  3. وأخيرًا، الثابت الوحيد في الحياة هو التغيير، وجميعنا نخضع لقاعدة التغير الفكري والمعرفي والشخصي. كذلك ميولنا وأنماطنا؛ قد تتغير بسبب كل التجارب التي مرت علينا حياتيًا أو دراسيًا. وليس بالضرورة أن يكون هذا التغيير على أوقات كبيرة، قد يكون الاختلاف من تعلم مادة لأخرى، أو حتى من درس لآخر، وبالتبعية؛ من مرحلة لأخرى.
  1. Testing the ATI hypothesis: Should multimedia instruction accommodate verbalizer-visualizer cognitive style?
  2. Learning styles: An overview of theories, models, and measures
  3. Do Learners Really Know Best? Urban Legends in Education
  4. The Psychology of the Language Learner | Individual Differences in Sec (taylorfrancis.com)
  5. Learning styles by Sarvenaz Hatami
  6. 50 Great Myths of Popular Psychology: Shattering Widespread Misconceptions about Human Behavior | Wiley
  7. Learning styles: where’s the evidence?

كيف يدخل الواقع الافتراضي في العلاج النفسي؟

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تؤثر الاضطرابات النفسية في واحد من كل ثمانية أشخاص في العالم. [1] مما يجعل الاضطرابات النفسية أكثر القضايا أهمية في يومنا هذا. إذ أدى انتشار الحروب وعدم الاستقرار الاقتصادي والتوترات الاجتماعية وحالات العنف العشوائي في جميع أنحاء العالم إلى زيادة الاضطراب النفسي وتأثيره على الكثيرين. فهل يقدم الواقع الافتراضي أملًا جديدًا في علاج الاضطرابات النفسية؟  

ما هو الواقع الافتراضي؟  

قد لا يعَدُّ مفهوم الواقع الافتراضي حديثًا، فقد اعتاد البشر على خلق عوالم مختلفة في مخيلتهم. فجميعنا -ربما- نخفي عوالم كاملة في مخيلاتنا ولكنها غير ملموسة أو مرئية. ولكن ليس هذا ما نعنيه عند التحدث عن الواقع الافتراضي. قد يكون التفكير في ألعاب الكومبيوتر و«الأفاتار – avatar»  (الذي هو تجسيد افتراضي في العوالم الرقمية)، الأقرب لماهية الواقع الافتراضي. حيث لا يختلف كثيرًا عن العوالم التي يمكننا صنعها في خيالنا، لكنه يجعل منها عوالم مرئية وأحيانًا ملموسة. 

فالواقع الافتراضي هو تقنية حاسوبية تحاكي الواقع وتوفر بيئة ثلاثية الأبعاد. تمكًن المستخدم من العيش فيها والتفاعل معها من خلال أدوات كالنظارات وسماعات الرأس والقفازات وبدلات الجسم.  

تاريخ الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

لا يعتبر العلاج النفسي باستخدام الواقع الافتراضي تقنية جديدة. إذ بدأ المعالجون النفسيون باستخدامها منذ بداية التسعينيات. وفي عام 1995، قدمت عالمة النفس «باربرا روثباوم – Barbara Rothbaum» وعالم الكومبيوتر «لاري هودجز – Larry Hodges» أول دراسة لاختبار فاعلية علاج الاضطرابات النفسية بالواقع الافتراضي. وقد أجريت الدراسة على شاب في ال19 من العمر كان يعاني من رهاب المرتفعات – الخوف من المرتفعات – وخاصًة المصاعد. أظهرت نتائج الدراسة أن الواقع الافتراضي يمكنه مساعدة المرضى في التغلب على مخاوفهم. حيث استطاع الشاب في النهاية ركوب مصعد زجاجي في أحد الفنادق حيث أقام في الطابق الثامن. [2]

وفي عام 1996، نشر عالما النفس «ألبرت كارلين – Albert Carlin» و«هنتر هوفمان – Hunter Hoffman» دراسة نشِرت في مجلة Behavior Research and Therapy. اختبرت الدراسة فاعلية العلاج بالواقع الافتراضي في رهاب العناكب. وقد أظهرت هذه النتائج أيضا أن الواقع الافتراضي يمكن أن يساعد المرضى في علاج رهاب العناكب. [3] 

بالرغم من أنه تم تصميم الواقع الافتراضي في البداية لعلاج الرُهاب، إلا أنه توسع ليستخدَم في الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الطعام والوزن والتوحد وغيرها. فمنذ إجراء الدراسة الأولى منذ ما يقرب 30 عامًا، تم نشر أكثر من 300 دراسة لاختبار استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي. وقد أظهرت نتائج الدراسات أن استخدام الواقع الافتراضي فعّال في اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة. وهناك أدلة متزايدة فيما يتعلق باضطرابات الطعام والوزن والإدمان. كما تعَد نتائج الدراسات حول استخدام الواقع الافتراضي في الذهان واضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واعدة. [4] 

مجالات استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

العلاج بالتعرض – Exposure Therapy  

العلاج بالتعرض هو نوع من أنواع العلاج النفسي. يساعد المرضى في التغلب على الأشياء أو الأنشطة أو المواقف التي تسبب الخوف أو القلق لديهم، من خلال دفعهم وتعريضهم بشكل تدريجي لمخاوفهم. عادة يكون العلاج بالتعرض من خلال مواجهة المرضى لمخاوفهم في الحياة الواقعية مع وجود الدعم العاطفي من المعالج. أو إذا كان قلقهم مرتبطًا بذكرى مؤلمة، فعادة ما يعيدون بناء الحدث في مخيلاتهم.

لا يختلف الواقع الافتراضي عن طرق العلاج بالتعرض التقليدية من حيث المبدأ. ويعد وسيلة تحاكي المخاوف والذكريات. وقد أجريت الدراسات على أنواع الرهاب المختلفة مثل رهاب الأماكن المغلقة، ورهاب القيادة، ورهاب المرتفعات، ورهاب الطيران، ورهاب العناكب. 

القلق الاجتماعي

في الآونة الأخيرة، اختبر الباحثون الواقع الافتراضي في مساعدة الأشخاص الذين لديهم مخاوف أكثر تنوعًا، مثل القلق الاجتماعي أو اضطراب الوسواس القهري. اختبر «ستيفن بوشارد – Stéphane Bouchard» وزملاؤه استخدام الواقع الافتراضي في القلق الاجتماعي من خلال وضع المرضى بمواقف اجتماعية افتراضية تدعوهم للتوتر مثل مقابلة عمل.

قام الباحثون بتقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات كالآتي: 17 شخصًا للعلاج بالواقع الافتراضي. و22 آخرين للعلاج بالتعرض التقليدي، الذي يتضمن تمارين مثل التحدث إلى الغرباء في الأماكن العامة. أما المجموعة الثالثة فتم تخصيصها لقائمة الانتظار ولم تحصل على علاج.

عبّر المشاركون في البداية عن درجة قلقهم وتجنبهم للمواقف الاجتماعية من 0 إلى 144، حيث 144 هي أعلى درجة للقلق. وقد تراوحت الدرجات بين 75 و85. بعد 14 جلسة علاج أسبوعية، انخفضت درجات القلق عند المشاركين الذين حصلوا على العلاج بالواقع الافتراضي بمتوسط 33 نقطة. بينما انخفضت عند المشاركين في العلاج التقليدي بمعدل 19 نقطة. بينما بقيت المجموعة الأخيرة على حالها تقريبًا. تشير هذه النتائج التي نشِرت في المجلة البريطانية للطب النفسي في أبريل 2017، إلى أن الواقع الافتراضي فعّال في معالجة القلق الاجتماعي. [5] 

اضطراب ما بعد الصدمة

بينما كرّس عالم النفس «ألبرت ريزو Albert Rizzo» الكثير من حياته المهنية لتطوير الواقع الافتراضي لعلاج قدامى المحاربين الذين يعانون من «اضطراب ما بعد الصدمة – PTSD». في عام 2004، تعاون ريزو مع روثباوم لبناء واقع افتراضي يمثل العراق وأفغانستان. حيث تكون البيئة الافتراضية مليئة بالصحاري والجبال ومدن الشرق الأوسط.

كان الهدف هو محاكاة تجارب قدامى المحاربين في زمن الحرب من أجل مساعدتهم على مواجهة تلك الأحداث الصادمة. يمكن للمعالجين تحسين محتوى هذه السيناريوهات الافتراضية. وذلك عبر التحكم في الوقت واليوم وعدد الأشخاص والأصوات المحيطة، وغير ذلك بما يتجاوز ما يمكن للمرضى استحضاره بدقة في تخيلاتهم أثناء علاج التعرض التقليدي. اختبر فريق ريزو النظام بدراسة أجريت على 162 فردًا عسكريًا. وتم تصنيفهم إما لقائمة انتظار، أو 10 جلسات علاجية تتضمن استخدام الواقع الافتراضي للعراق وأفغانستان، أو 10 جلسات من العلاج التقليدي. بالنسبة للعلاج التقليدي، قام المعالجون بتعريض المشاركين للذكريات المؤلمة في مخيلتهم وساعدوهم على وضع أنفسهم في المواقف اليومية التي يخشونها بسبب صدماتهم، مثل الأماكن العامة المزدحمة. وقد أظهرت النتائج فاعلية الواقع الافتراضي في معالجة اضطراب ما بعد الصدمة. [6] 

اضطرابات الطعام والوزن  

استُخدم الواقع الافتراضي في معالجة عدة أنواع من اضطرابات الطعام والوزن. حيث قدم الواقع الافتراضي على مدار الـ 25 عامًا الماضية حلولًا مبتكرة لمعالجة اضطرابات الطعام والوزن. عن طريق تقليل الرغبة الشديدة في تناول الطعام. وزيادة الرضا والقبول عن صورة الجسم. بالإضافة إلى تحدي مخاوف الأكل والشكل والوزن وممارسة استراتيجيات تناول طعام أكثر فاعلية. وأظهرت نتائج العديد من الدراسات المحكّمة أن الواقع الافتراضي أكثر فعالية في علاج اضطرابات الطعام والوزن من العلاج السلوكي المعرفي الذي يعَدّ الأفضل في هذا المجال. 

قدم مجموعة من الباحثين في «جامعة كنت-University Of Kent» و «جامعة قبرص-University Of Cyprus» دراسة نشِرَت في مجلة (Human–Computer Interaction).  تم فيها دخول كل من المعالجين والمرضى إلى عالم افتراضي بصورة أفاتار. وتم التعارف فيما بينهم من خلال الواقع الافتراضي ولم يتم التعارف بالواقع الحقيقي. وسمِح للمرضى بتصميم الأفاتار الخاص بهم بالطريقة التي يفضلون الظهور فيها من حيث مظهر الجسد وحجمه ولون البشرة ومظهر الشعر ولونه. وقد اعتمدت الدراسة طريقة العلاج بالتعرض للمرآة ولكن باستخدام الواقع الافتراضي.

واجه المرضى الأفاتار الذي قاموا بتصميمه. وتمت عملية التعرض تدريجيًا عن طريق التقليل التدريجي في ملابس الأفاتار حتى تم ترك الأفاتار في الملابس الداخلية فقط. خلال هذه العملية، يطلَب من المريض النظر بعناية في كل جزء من أجزاء الجسم وإجراء التعديلات المناسبة عليه. ويتخلل ذلك وصف مشاعره وأفكاره واهتماماته ومناقشتها مع المعالج. ويتم هذا التدرج بناءً على التسلسل الهرمي للمخاوف التي سجلها المريض في بداية الجلسة. 

أظهرت نتائج الدراسة أن كلًا من المعالجين والمرضى وجدوا أن هذا النوع من العلاج النفسي مفيد. إذ أتاح للمرضى الكشف على نحو مريح أكثر عن المشاعر والأفكار حول شكل الجسم والوزن، وقبول المناقشة حولها.  كما أظهرت نتائج العديد من الدراسات الأخرى أن الواقع الافتراضي تقنية فعَالة في معالجة اضطرابات الطعام. ولكن ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لدعم هذه النتائج. [7] 

الواقع الافتراضي في علاج مشكلات الوزن

التوحد 

تم استخدام الواقع الافتراضي في تقييم وعلاج الأطفال المصابين بالتوحد منذ عام 1996. وذلك لتحسين المهارات الاجتماعية والعاطفية والتواصل. حيث استخدِمت عمليات محاكاة اجتماعية تكرر أحداث الحياة الواقعية، كمحاكاة مقهى افتراضي أو حافلة أو طريق عبور. وذلك لتدريب الأطفال المصابين بالتوحد على إدارة سيناريوهات مختلفة.  تشير النتائج المتاحة إلى أن الواقع الافتراضي هو أداة واعدة لتحسين المهارات الاجتماعية والإدراك عند مرضى التوحد. ومع ذلك، لا توضح الدراسات الحالية ما إذا كان المصابون بالتوحد قادرين على تطبيق المهارات المكتسبة من الواقع الافتراضي في الحياة الواقعية. 

تشخيص المرضى  

لا يتوقف الواقع الافتراضي عند كونه وسيلة للعلاج فقط. إنما يساعد أيضًا أثناء تقييم المرضى وتشخيصهم، حيث يسمح الواقع الافتراضي بإجراء تقييم أكثر دقة. على سبيل المثال، عوضا عن محاولة المريض وصف الرُهاب من الأماكن المغلقة يمكن للمعالج أن يقيّم هذا الرهاب باستخدام مواقف افتراضية. 

بالإضافة لذلك، يساعد الواقع الافتراضي في تقييم المرضى من خلال إمكانية الكشف عن معلومات وتفاصيل قد لا يتذكر المريض حدوثها. 

3 مزايا للواقع الافتراضي في العلاج النفسي

  • الشعور حقيقيّ 

تكمن قوة العلاج بالواقع الافتراضي في حقيقة أن الإنسان يتفاعل تلقائيًا مع مسببات الخوف، حتى لو كانت في بيئة يعرف بالأصل أنها ليست حقيقية. وذلك لأن مركز التحكم العاطفي في الدماغ يستجيب للضغوط في أجزاء من الثانية أسرع بكثير مما يمكن أن يبدأه المنطق، ما يجعل ردود الفعل والاستجابات بدورها حقيقية وقابلة للتقييم والقياس. 

  • يمكن أن تكون مواجهة المخاوف أسهل في الواقع الافتراضي.  

على سبيل المثال، يمكن للمريض الذي يعاني من رهاب الطيران أن يقلع ويهبط عدة مرات في جلسة واحدة باستخدام الواقع الافتراضي دون تكلفة ومتاعب تجربة الرحلات الواقعية. كما يمكن للمحاربين القدامى الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة والذين لا يستطيعون تذكر ذكرياتهم المؤلمة بتفاصيل كبيرة، إعادة تمثيل الوقائع في بيئة افتراضية للحصول على تجربة علاجية أكثر فاعلية. 

  • إمكانية التحكم في بيئة الواقع الافتراضي  

يتيح الواقع الافتراضي إمكانية التحكم في إعدادات البيئة الافتراضية. مما يعني القدرة على تخصيص عالم افتراضي اعتمادًا على المريض. وذلك يساعد في معرفة مخاوف المريض بدقة كما يمكن أيضًا التحكم في المشاهد والأصوات والروائح مما يمكّن المعالج من معرفة ما يسبب أعلى مستوى قلق عند المريض. 

مثلًا لاستعادة المريض لذكرى مؤلمة باستخدام الواقع الافتراضي. أولًا يختار المريض المكان كنقطة تفتيش على الطريق أو مستشفى. ويبدأ بسرد الذكرى بصوتٍ عالٍ، بينما يقوم المعالج بإعداد المشهد. فإذا كان المريض يقول: أنا أقود سيارتي على الطريق وقت الظهيرة، يقوم المعالج بضبط الساعة الافتراضية وفقًا لذلك. إذا كان المريض يتذكر صوت قرقعة السيارة، يرفع المعالج صوت السيارة وهكذا. 

عوائق استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي  

  • التكلفة  

حتى وقتٍ قريب، حدّت تكلفة وتعقيدات معدات الواقع الافتراضي، التي قد تصل قيمتها إلى عشرات الآلاف من الدولارات، من استخدام الواقع الافتراضي. واقتصر استخدامه في عدد قليل من العيادات والمختبرات البحثية. أما الآن، ومع تزايد الإقبال نحو استخدام الواقع الافتراضي. توفرت معدات لا تكلف سوى بضع مئات من الدولارات مثل النظارات من شركة Oculus أو نظارات Samsung Gear التي تحول الهواتف الذكية إلى شاشات واقع افتراضي مقابل حوالي 100 دولار. 

  • الاعتبارات الأخلاقية  

تتضمن الاعتبارات الأخلاقية الخصوصية والسرية وملكية البيانات عندما يتضمن جمع المعلومات الشخصية والوصول إليها عبر الإنترنت. وهناك اعتبار آخر وهو الخوف من الخلط بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي. و يعد ذلك مهمًا لحالات خاصة مثل الذهان، حيث يمثل تشويه الواقع تحديًا بالفعل، وذلك لشدة واقعية الواقع الافتراضي.

كما علق البعض على خطورة إتاحة الوصول المستمر إلى الواقع الافتراضي من قبل المرضى. إذ يحتمَل أن يتسبب الأمر في إدمان الهروب من الإزعاج والتوتر في العالم الحقيقي.

  •  المخاطر الصحية  

المرضى الذين يعانون من نوبات هلع أو أمراض القلب أو الصرع، يمكن أن يكونوا معرضين لخطر الإصابة بالضرر النفسي من استخدام الواقع الافتراضي. بالإضافة إلى إجهاد العين والغثيان عند المصابين بدوار الحركة. 

بالنسبة للمرضى الذين يعانون من دوار الحركة، قد ينتهي بهم الأمر بالتقيؤ. كما حدث مع عالمة النفس روثباوم في بداية دراساتها، وما زال إلى الآن دوار الحركة مشكلة تواجه استخدام الواقع الافتراضي. وجدت روثباوم وزملائها حلًا لهذه المشكلة في دراساتهم اللاحقة من خلال إعطاء المرضى استراحة بعد حوالي 40 دقيقة. وكذا تحذيرهم من عدم تحريك رؤوسهم كثيرًا. 

المصادر:

1- Mental disorders (who.int)
2- Virtual reality graded exposure in the treatment of acrophobia: A case report – ScienceDirect
3- Virtual reality and tactile augmentation in the treatment of spider phobia: a case report – ScienceDirect
4- Virtual Reality Therapy in Mental Health | Annual Review of Clinical Psychology (annualreviews.org)
5- Virtual reality compared with in vivo exposure in the treatment of social anxiety disorder: A three-arm randomised controlled trial | The British Journal of Psychiatry | Cambridge Core
6- APA PsycNet
7- Full article: “Now i can see me” designing a multi-user virtual reality remote psychotherapy for body weight and shape concerns (tandfonline.com)
8- Full article: Virtual reality as a clinical tool in mental health research and practice (tandfonline.com)

كيف تتجلى أهمية السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل في بناء شخصيته وما هي عواقب إهمالها؟

تعتبر كل سنة من سنوات حياة الطفل الأولى سنة ثمينة ومهمة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالنمو، فالسنوات الخمس الأولى هي الأكثر أهمية. والتي قد تحدد ما سيغدو عليه الطفل عندما يكبر.

أهمية السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل

للسنوات الخمس الأولى من حياة الطفل تأثير بالغ الأهمية على مستقبل الطفل، فهي المرحلة التي تحدث فيها تغيرات في النمو البدني لطفلك. بالإضافة إلى تغيرات في مهارات طفلك الاجتماعية والعاطفية والسلوكية والتفكير والتواصل. كل مجالات النمو هذه مرتبطة ببعضها البعض، ويعتمد كل منها على الآخر ويؤثر عليه.

تحفز التجارب والعلاقات في هذه المرحلة نمو الأطفال، مما يؤدي إلى إنشاء ملايين الروابط العصبية في أدمغتهم كل ثانية. حيث تطور أدمغة الأطفال في السنوات الخمس الأولى الروابط بمعدل أسرع من أي وقت آخر في حياتهم. وبالتالي هي المرحلة التي يتم فيها وضع أسس التعلم والصحة والسلوك طوال الحياة. [1]

كيف ينمو دماغ الطفل في السنوات الخمس الأولى؟

تتأثر أدمغة الأطفال بكل من الجينات والبيئة التي ينشأون بها. ويولد الأطفال وهم جاهزون للتعلم، حيث ينمو الدماغ بنسبة تعادل حوالي 90 ٪ في السنوات الخمس الأولى من حياتهم. [3]

تتطور مسارات الرؤية والسمع أولًا، وتليها المهارات اللغوية المبكرة والوظائف الإدراكية العليا. وغالبًا ما تتضاعف مفردات الطفل أربع مرات بين سن الثانية والرابعة. وتصبح هذه الروابط أكثر تعقيدًا مع النمو. وتؤثر على نمو الدماغ لخلق سلوكيات تعليمية إيجابية في سن مبكرة. [3]

تتأثر كيفية نمو الدماغ بشدة مع ما يحدث في بيئة الطفل وتفاعلاته مع الأشخاص من حوله. ومع كل عناق وكل قبلة، مع كل وجبة مغذية ولعبة تلعبها معه، فأنت تساعد في بناء دماغ طفلك.

بناء دماغ الطفل

* بوسع 15 دقيقة من اللعب أن تصنع آلاف الوصلات الدماغية في دماغ طفلك.

* توجه نسبة تعادل حتى 75% من كل وجبة يأكلها طفلك إلى بناء دماغه.

* يكتمل ما يزيد عن 80% من دماغ طفلك عند بلوغه 3 سنوات. [4]

ما دور العلاقات والتواصل في نمو الطفل؟

يتعلم الطفل معلومات أساسية عن عالمه من خلال العلاقات. مثل تعلمه ما إذا كان العالم آمنًا، وما إذا كان محبوبًا، ومن يحب ومن لا يحب، وماذا يحدث عندما يبكي أو يضحك، وغيرها الكثير.

يتعلم الطفل أيضًا من خلال علاقته مع والديه وأشقاءهِ وأقرانه ومن مراقبة العلاقات بين الآخرين ورؤيته كيف يتصرف الوالدين مع أفراد الأسرة والآخرين. هذا التعلم هو أساس تنمية مهارات التواصل والسلوك والمهارات الاجتماعية وغيرها لدى الطفل. [1]

كيف يمكن لآلية اللعب أن تساهم في تنمية الطفل وتعلمه في المراحل المبكرة؟

بالإضافة إلى كون اللعب أمرًا ممتعًا للطفل فهو يمنحه أيضًا فرصًا لتطوير خياله وقوته الجسدية والمعرفية والعاطفية. ويسمح اللعب له بالاستكشاف والمراقبة والتجربة وبالتالي يساعده على إدراك عالمه الخارجي وتطوير كفاءات جديدة تؤدي لتعزيز الثقة والقدرة على التكيف التي سيحتاج لها في مواجهة تحديات المستقبل.

وبالطبع، يلعب التشجيع والدعم والمشاركة من قبل الآباء ومقدمي الرعاية دورًا هامًا، ولكن من المهم الموازنة بين دعم الطفل والسماح له بتجربة الأمور بنفسه وارتكاب الأخطاء أحيانًا، حيث يعد استكشاف كيفية عمل العالم بنفسه جزءًا كبيرًا من تعلمه.[1]

كما ويساعد اللعب الطفل على النمو من الناحية الاجتماعية، حيث يتعلم الطفل النظام والإيمان بروح الجماعة واحترامها. ويصبح الطفل أنانيًا إذا لم يمارس اللعب مع الأطفال الآخرين. كما قد يميل إلى العدوانية وكره الآخرين. ولكنه يستطيع إقامة علاقات جيدة ومتوازنة معهم عن طريق اللعب، وحل ما يعترضه من مشكلات.

أثر الشدائد والضغوط النفسية والحرمان

يوفر مقدمو الرعاية الداعمين للأطفال درعاً قوياً للحماية من الإجهاد والضغوط. لذلك فإن تقوية العلاقات المستقرة في السنوات الأولى من الحياة يمكن أن تمنع التنشيط المفرط لهرمونات التوتر. كما تحمي الأطفال من الآثار الضارة المحتملة بشكل فعال. ويمكن أن تساعد العلاقات الداعمة والتنشئة السليمة على تطوير قدراتهم الخاصة للتعامل مع آثار ضغوط الحياة المبكرة أيضاً. مما يساعد على التخفيف من آثارها المدمرة على سعادتهم.

يمكن أن تؤدي استجابات الإجهاد السامة إلى إعاقة النمو بتأثيرات تستمر مدى الحياة. فعندما نكون في وضع خطر، تختلف تهيئنا لأجسامنا للاستجابة، عن طريق زيادة معدل ضربات القلب، وضغط الدم، والتفاعل الالتهابي، ومستويات السكر في الدم. تحدث هذه التغييرات عن طريق الانتشار السريع لهرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول. وتعد استجابة “القتال أو الهروب” هذه منقذة للحياة في مواجهة تهديد جاد. ولكن يمكن أن يؤدي حدوثها المستمر إلى تخريب مجموعة واسعة من الوظائف البيولوجية المهمة. لذلك يعد تعلم كيفية التعامل مع الشدائد جزءاً هاماً من نمو الطفل الصحي.

إذا كانت استجابة الإجهاد شديدة وطويلة الأمد، ولم تتوفر الحماية المؤقتة من شخص بالغ، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى تعلم الخوف بسرعة. والتحول إلى الوضع الدفاعي عند وجود القليل من الاستفزاز. أو التفاعل بقوة حتى عند عدم الحاجة إلى ذلك. ويمكن أن يكون لهذا الأمر تداعيات سلبية مدى الحياة، مما يتطلب حلولاً أكثر شدة وتكلفة لاحقاً.[5]

دراسات حديثة

كشفت دراسة تم نشرها في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم عن احتمالية أن تؤدي هذه الضغوط النفسية إلى تغيرات دائمة في الجهاز العصبي. فالأمر لم يعد قاصرًا على المستوى النفسي فقط وإنما العضوي أيضاً. ما يعني تغيراً في حجم المخ، بحيث يصبح أصغر منه بالنسبة لمن لم يتعرضوا إلى مثل هذه الظروف. وتغير حجم المخ يتبعه بالضرورة تأثير سلبي على معامل ذكاء الطفل IQ.

جاءت هذه النتائج بناء على مسح تم إجراؤه على مجموعة من الشباب الذين يقيمون في إنجلترا. وكانوا في الأصل أطفالاً يتامى من رومانيا تم تبنيهم من قبل عائلات إنجليزية في بدايات تسعينات القرن الماضي. وقد أوضح الخبراء أن هؤلاء الشباب وعلى الرغم من نشأتهم في عائلات تحيطهم بالحب والاهتمام، فإن الإهمال الذي تعرضوا له أثناء طفولتهم قد ترك أثره على نمو المخ وتطوره. وهو الأمر الذي أدهش الفريق البحثي من جامعة كينغز كوليدج لندن! خصوصاً مع وجود كثير من الدراسات السابقة التي تم إجراؤها على أطفال الملاجئ والتي تشير إلى قدرة الأطفال على تجاوز تراجع القدرات الإدراكية أثناء فترة الحرمان لاحقاً إذا تحسنت ظروفهم الحياتية.

كما أوضح الباحثون أن الذكريات السيئة قد تكون غير قابلة للعلاج حتى في ظل أفضل الظروف والرعاية لاحقاً. وأكدوا على لعب عدة عوامل أدواراً هامة في حدوث التغيرات الدائمة في المخ، ومنها سوء التغذية في الملاجئ، والعزلة الاجتماعية، وغياب الرعاية الكافية. ما أدى إلى إصابة بعضهم بأمراض عصبية مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD). كما عانوا في البلوغ من القلق والاكتئاب. [6]

تجربة الشباب الرومانيون والتغيرات في نمو وحجم الدماغ

مسح الباحثون عن طريق استخدام أشعة الرنين المغناطيسي صور الأشعة لـ 67 شاب روماني ممن قضوا فترة من طفولتهم في الملاجئ والإصلاحيات في بلادهم وقت الديكتاتورية. وتتراوح أعمارهم الآن بين 23 و28 عاماً. وجميعهم قضوا فترات مختلفة في الملاجئ تتراوح بين 3 شهور وحتى 41 شهراً، قبل أن يتم تبنيهم جميعاً للأسر الإنجليزية.

وفي المقابل، قام الباحثون بمقارنة هذه الأشعة مع 21 من البالغين الآخرين من أصول إنجليزية. وتتراوح أعمارهم بين 23 و26 عاماً (الفئة العمرية نفسها)، وكان هؤلاء أيضاً قد تم تبنيهم من قبل أسر في المملكة المتحدة حينما كانوا في عمر 6 شهور. ولذلك لم يتعرضوا لمثل الظروف الصعبة في الملاجئ في بداية حياتهم. فكانت النتيجة أن حجم المخ في الشباب ذوي الأصول الرومانية أقل بنسبة 8.6 % من أقرانهم الإنجليز.

النتائج

كانت الملاحظة تبعاً للأشعة أنه كلما زادت الفترة التي قضاها الأطفال الرومانيون في الملاجئ كان حجم المخ أقل من أقرانهم الذين قضوا فترات أقل. وفي المتوسط، كان قضاء شهر أكثر في الملجأ يسهم في خفض حجم المخ بنسبة بلغت 0.27 %. وهو الأمر الذي يعني أن كل يوم من الحالة النفسية السيئة يمر على الطفل، له أثر عضوي بالغ على حجم المخ حتى لو كان طفيفاً. وهذه التغيرات العضوية تبعتها تغيرات إدراكية وقدرات عقلية تمثلت في خفض معدلات الذكاء. ما يعني أن المعاملة السيئة للطفل يمكن أن تؤثر على مصيره الدراسي وتفكيره وقرارته المستقبلية حتى بعد التعافي بفترة طويلة.

 

دراسات أخرى مشابهة

بيّنت أيضاً دراسات أخرى وجود ارتباطات بين الدخول المبكر إلى دور الرعاية والبنية/الوظيفة العصبية.

تم قياس أحجام المادة الرمادية والبيضاء باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الهيكلي في دراسة تمت على المتبنين الإنجليزيين والرومانيين. [7]

لوحظ صغر حجم المادة البيضاء والرمادية لدى 14 مراهقاً ممن دخلوا إلى دور الرعاية سابقاً وتم تبنيهم من رومانيا إلى المملكة المتحدة بالنسبة إلى 11 شخصاً لم يتم إدخالهم إلى دور الرعاية تم تبنيهم من المملكة المتحدة بشكل ملحوظ، حيث كان يعادل عمر المجموعتين 16 سنة عند التصوير. [7]

أشارت هذه الدراسة أيضاً إلى حجم حُصين أيسر غير مصحح أصغر (بالنسبة لحجم الدماغ الكلي) وحجم جسم لوزي أيمن أكبر بين الأطفال الذين تم إدخالهم إلى دور الرعاية سابقاً. [7]

أشارت دراسة أخرى تمت على 34 طفلاً تم إدخالهم إلى دور الرعاية وتبنيهم في الولايات المتحدة (متوسط عمر يعادل 8.4 سنة) و28 طفلاً يعيشون في الولايات المتحدة مع عائلاتهم الحقيقية بالولادة (متوسط عمر يعادل 9.4 سنة) إلى عدم وجود حُصين أصغر أو جسم لوزي أكبر بين هذه المجموعات، ومع ذلك، فإن حجم الجسم اللوزي كان أكبر عند الأطفال الذين تم تبنيهم بعد عمر 15 شهراً بالنسبة إلى الحجم الكلي للدماغ. [7]

هل تبقى الشخصية عالقة في مرحلة الطفولة المبكرة؟

على الرغم من اقتراب أبحاث علم النفس التنموي وطب الاطفال وعلم الأعصاب من استنتاج مفاده أن السنوات الخمس الأولى كانت حاسمة بشكل خاص في تكوين شخصية الفرد وذكائه، إلا أنه لا يوجد موعد نهائي حاسم للتطور الاجتماعي أو المعرفي البشري. إذ أن الدماغ يكون في حالة تتطور طوال حياة الفرد. حيث يمكن للأطفال الذين نشأوا في منازل مسيئة على سبيل المثال أن ينموا ويكبروا ليصبحوا أصحاء عاطفيًا. ويمكن للبالغين الذين عانوا من القلق والتوتر ومشكلات أُخرى لفترة طويلة أن يتعلموا التغيير من خلال العلاج النفسي والعلاج السلوكي المعرفي. [2]

بالنهاية فإن رعاية الطفل في سنواته الخمس الأولى تعد أمر جوهري ليصبح فردًا صالحًا يتمتع بصحة جيدة وشخصية سليمة متوازنة ومستعدة لمواجهة العالم. فقدموا كل ما أوتيتم من حب وعطف ودفء لطفلكم. واجعلوه يشعر دائما أنكم هنا بجانبه، وشاركوه اللعب والأنشطة. امنحوا أطفالكم وقتكم وانخرطوا معهم بشكل مثمر. اهتموا بغذاء صحي ومتوازن لطفلكم من أجل نمو سليم وجسم صحي. قدروا طفلكم وكافئوه على كل مساعيه، فذلك يشجع الطفل على مواجهة تحديات أكبر في الحياة. وحافظوا على بيئة آمنة سليمة ومتوازنة لينشأ ويترعرع في أحضانها.

المصادر

1- Raising Children Network

2- Psychology Today

3- NSW Government

4 – Unicef

5- Harvard

6 – Columbia University

7 – The Rockefeller University

ما هي الشخصية المنفتحة Extroverted وما صفات أصحابها؟

ما هي الشخصية المنفتحة Extroverted وما صفات أصحابها؟

تعرف جمعية علم النفس الأمريكية الشخصية المنفتحة أو المنطلقة (extroverted) على أنها النوع الذي تكون فيه اهتمامات الفرد وطاقاته متجهة نحو العالم الخارجي المتمثل بالأشخاص والأشياء، بدلاً عن العالم الداخلي المؤلف من التجارب الذاتية. وتتمثل الشخصية المنفتحة بسلسلة من المواقف والسلوكيات تعكس سمات صاحبها [1].

أنماط الشخصية عند كارل يونغ

في كتاب Psychological Types (1921)، تحدث عالم النفس السويسري كارل يونغ (Carl Jung) عن أنماط الشخصية المختلفة وما يميزها عن بعضها. وميز بين الشخصية المنفتحة (extroverted) والشخصية الانطوائية (introverted). كما ميز بين وظائف نفسية أربعة يستخدمها المرء في طريقة تعامله مع العالم، أو على الأقل يستخدم إحداها. وهذه الوظائف هي التفكير (thinking) والمشاعر (feeling) والحس (sensation) والحدس (intuition). وبالنتيجة، يؤدي التقاء الوظيفة/الوظائف التي يتبناها الفرد مع نمط شخصيته – إن كان منفتحاً أو انطوائياً – إلى ظهور أنواع شخصيات أكثر وفقاً لميول أصحابها وطريقة استخدامهم للوظائف [2].

بالنسبة للاختلاف بين الشخصيتين الانطوائية والمنفتحة، يعود هذا إلى اختلاف موقف الشخص من الحياة. فكما قلنا سابقاً، تتركز اهتمامات ذوي الشخصية المنفتحة إلى الخارج والأفراد والأشياء التي يضمها العالم المحيط، مما يعني اختلاف رد فعل الشخص المعني للحياة حسب نمط شخصيته. يعزو يونغ الفرق بين نمطي الشخصية إلى الاختلاف بتوجه الليبيدو لدى الشخص، أو طاقته النفسية [3].

يمكن الاطلاع على الفرق بين مفهوم الليبيدو عند سيغموند فرويد (Sigmund Freud) وعند يونغ من هنا. وباختصار، يعرّف يونغ الليبيدو بأنه الطاقة النفسية التي تحرك الأفراد من خلال مجالات متعددة، منها روحية وإبداعية وفكرية.

سمات الشخصية المنفتحة

يتمتع أًحاب الشخصية المنفتحة برغبتهم بإقامة العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع الناس، لأن هذا ما يشحنهم بالطاقة. وعادة ما يكونون محبوبين لدى أقرانهم. يرغب هؤلاء بجذب الانتباه أينما ذهبوا، كما يكون لديهم العديد من الأصدقاء. وفي مجال العمل، عادة ما يستمتعون بالعمل الجماعي، ويفضلون التواصل بالكلام بدلاً من الكتابة [4].

وبالعودة إلى الوظائف النفسية التي شرحها يونغ، يتميز أصحاب الشخصية المنفتحة باستخدامهم لها كما يلي. يعتبر التفكير لديهم وسيلة لاتخاذ القرارات، وعلى عكس الانطوائيين، يميلون إلى الحقائق أكثر من الأفكار المجردة. وفي وظيفة المشاعر، يهتم الأشخاص المنفتحون بالعلاقات الشخصية والانسجام مع المحيط، مما يجعل من السهل عليهم أن يعيشوا حياة عائلية واجتماعية. بالنسبة لوظيفة الحس، فلا تبدو عميقة هنا، إذ يميل الأشخاص من هذا النوع إلى عيش التجارب التي يمرون بها باللحظة التي تأتي بها وكما هي، لا أكثر ولا أقل. وعادة ما يتسمون بالهدوء والقليل من العقلانية، ويسعون للوصول إلى مواقع تمكّنهم من الحصول على القوة والفاعلية. وأخيراً، في وظيفة الحدس، لا يحب هؤلاء الأشخاص الأشياء المألوفة والآمنة، ويتمتعون بقدرتهم على خلق الأمل في المواقف الميؤوس منها. لكن عندما يخطئ حدسهم، من المحتمل أن يقودوا الآخرين إلى مشاكل كبيرة [2].

ويبرع أصحاب الشخصية المنفتحة في مهن محددة كأن يصبحوا سياسيين ودبلوماسيين وعلماء ووزراء وقياديين. ونذكر من المنفتحين الذين تركوا أثرهم في العالم ليوناردو دافينشي وهو العالم والرسام الإيطالي من عصر النهضة، وبيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق، ومارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا في الثمانينيات، وماري أنطوانيت ملكة فرنسا قبل الثورة الفرنسية، ومارتن لوثر كينغ المناضل الحقوقي [5، 6].

ماذا يعني أن تكون ذو شخصية منفتحة؟

تبين بعض الأبحاث ارتباط هذا النوع من الشخصية بنتائج إيجابية في الحياة. حيث يتصف أولئك الأشخاص بأنهم أكثر سعادة ونجاحاً، ويزيد احتمال تسلمهم مناصب قيادية أكثر من أقرانهم الانطوائيين. كما أن معاناتهم مع الصحة العقلية غالباً ما تكون أقل من غيرهم.

ولكن هذا لا يعني أن هذا النوع هو الأفضل! غالباً ما يركز الأفراد من كل نوع على سماتهم الإيجابية، ولكن هذا لا ينفي وجود سمات سلبية لدى كل من الشخصية المنفتحة والانطوائية. ويرى بعض الباحثين أن الأشخاص المتوازنين (ambivert) الذين يقعون في المنتصف تقريباً ويتمتعون بسمات من كلا الطرفين هم الأفضل بشكل عام [7].

هل من الممكن تغيير نوع الشخصية؟

قد يرغب العديد من الناس بتغيير شخصياتهم، إما عن طريق اكتساب المزيد من السمات الإيجابية أو التقليل من السلبية. وترى بعض الأبحاث أن هذا التغيير ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب عملاً ومتابعة. في دراسة حديثة، استطاع المشاركون تحسين سماتهم المنفتحة واستقرارهم العاطفي ودرجة تقبلهم لدى الغير، لكن بعد بذل مجهود كبير لعدة أشهر [7].

المصادر

  1. APA
  2. Philosophy Lander Edu
  3. Psychological Types – Carl Jung
  4. Simply Psychology
  5. Time
  6. Ranker
  7. Psychology Today

ما هو التواصل اللا عنفي وكيف يؤثر علينا وعلى أطفالنا؟

ما هو التواصل اللا عنفي؟

ظهرت فكرة اللا عنف لدى عالم النفس السريري الأمريكي الحائز على الدكتوراة؛ «مارشال برترام روزنبرج- «Marshall Bertram Rosenberg (1934 – 2015) في السبعينات [1] وذلك بتأثير من أفكار عالم النفس «كارل روجر -«Carl Ransom Rogers (1902 – 1987) حول الاستماع التعاطفي، والتقدير الإيجابي غير المشروط. حيث تعاون كارل مع «إبراهام ماسلو – Abraham Harold Maslow» (1908 – 1970) على تأسيس علم النفس الإنساني.

وفكرة «التواصل اللا عنفي – NonViolent Communication» بحد ذاتها ليست بجديدة، وإنما ظهر نشاط اللا عنف بشكل واضح في الوعي والسلوك السياسي الذي تبناه غاندي ومارتن لوثر كينج.

“اللاعنف لا يعني تجنّب العنف الجسدي الخارجي فحسب، بل أيضاً العنف الداخلي ضد الروح، أنت لا ترفض إطلاق النار على الرجل فحسب، بل ترفض أن تكرهه” [2] .

مارتن لوثر كينج

والتواصل اللا عنفي هو عملية تحويل الكلمات وردود الأفعال التلقائية إلى استجابات واعية تعتمد على إدراكنا لما نلاحظه، ونشعر به، ونريده[1] .


والإيمان بعملية التواصل اللا عنفي يقوم على استحضار أمرين:
الفارق بين “احتياجي” الأعمق وبين “ما أريده الآن” كأداة أخدّم بها احتياجي. ثم إن البشر جميعاً لديهم احتياجات أساسية، غير مشروطة بمكان أو شخص، ولا حتّى وقت، أو شيء، مثل: الاحترام، والاتصال، والتفهّم، وأن يكون مسموعاً ولديه استقلال وحريّة [1].

الخطوات الأربعة لعملية التواصل اللا عنفي

“فليكس، عندما أرى بعضًا من جواربك المتسخة مكوّرة وملقاة أسفل مائدة السفرة، والبعض الآخر منها بجوار التلفزيون. أشعر بالضيق والغيظ، لأنني أحتاج لمزيد من النظام في حجرات البيت التي نتشاركها جميعا، فهل تتكرّم بوضع جواربك المتسخة في الغسالة!”

  • ماذا ألاحظ؟

علي أن أنتبه إلى صياغة الملاحظة والتعبير عنها دون حكم أو تقييم. “فليكس، عندما أرى بعضًا من جواربك المتسخة مكوّرة وملقاة أسفل مائدة السفرة، والبعض الآخر منها بجوار التلفزيون.”

  • كيف أشعر؟

“أشعر بالضيق والغيظ” تحديد المشاعر التي نشعر بها إزاء هذا التصرف.

  • ماذا أحتاج؟

علي أن أعرف أن فهمي لشعوري هو الذي يحدد حاجتي. “لأنني أحتاج لمزيد من النظام في حجرات البيت التي نتشاركها جميعاً”

  • الطلب المحدد بدقة.

“فهل تتكرّم بوضع جواربك المتّسخة في الغسالة” [3].
وبتفكير مستمد من علم النفس، يمكننا استخدام هذا الأسلوب ليس فقط عندما نريد أن نقول شيئاً ما، بل في وإعادة صياغة طلب الشخص الآخر حسب الخطوات (ملاحظة، شعور، احتياج، طلب).

ملاحظة: “هناك نصف ساعة قبل بدء العرض وأرى أنك تتصبب عرقًا”، شعور تخميني: “هل أنت متوتر؟”، في حال أجاب بنعم نسأله عن حاجته: “هل يمكنني عمل شيء لتخفيف التوتر؟” [3].

معوقات التواصل اللا عنفي

  1. الأحكام الأخلاقية التي تصنّف الناس وأفعالهم إلى فئتين خيّر وشرّير، سوي وشاذ، ذكي وجاهل. ويحدث ذلك من قبيل؛ “مشكلتك أنك أناني جداً”، “إنه أحمق”، “إنهم منحازون”، “هذا أمر لا يليق”. وغير هذه من الإهانات والتحقير والانتقاد والشخصنة. يقول الشاعر جلال الدين الرومي: “هناك وراء أي أفكار عن الخطأ والصواب، ميدان؛ سألاقيك عنده”. بل ويعتقد روزنبرج أننا عندما نصادف شخصيات أو سلوكيات لا تعجبنا أو لا نفهمها نسارع إلى اتّهامها أو اتّهام أنفسنا، وذلك لأننا لا نفكر بالطريقة اللا عنفية وإنما نصب تركيزنا على التصنيف والتحليل والحكم والتقييم.
  2. عقد المقارنات بين أنفسنا والآخرين، ويشير روزنبرج إلى أن هذا الأمر طريقة مضمونة إلى إتعاس النفس وتدمير التعاطف.
  3. إنكار المسؤولية حيث أننا جميعاً مسؤولون عن أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا. وأي تعبير نستخدمه نحمّل الآخر فيه مسؤولية عما نشعر به أو نفكّر به أو نسلكه يعتبر مثالاً عن إنكارنا لمسؤوليتنا الشخصية كما في قول: “أنت تشعرني بالذنب”. أو قول “ما فعلته ليس سوى تنفيذ للأوامر العليا”. وكثيرًا ما نقوم بعزو أسباب أفعالنا إلى شمّاعات مثل: (1) قوى مبهمة مجرّدة. (2) حالتنا النفسية. (3) تصرفات الآخرين. (4) أوامر السلطة. (5) ضغط الجماعة. (6) القوانين والقواعد والسياسات المؤسساتية. (7) الأدوار الاجتماعية والعمرية. (8) رغبات لا يمكن السيطرة عليها.[3] .

أنواع القوة واستخداماتها في التواصل غير العنيف

ربما نحتاج إلى القوة في المواقف الحسّاسة ذات الخطر الوشيك على الحياة وحقوق الأفراد والتي يتعذّر معها الحوار. إلا أن هذا يتطلّب منا التفريق بين الاستخدام الوقائي والعقابي للقوة.

تهدف القوة الوقائية إلى منع أذى أو ظلم، أما القوة العقابية فهي تهدف إلى جعل المذنب يعاني ويدفع ثمن فعلته.

وتتمثّل القوة الوقائية في الواقع العملي حين نمسك طفلاً يجري في الشارع لمنعه من التعرض للأذى. أما العقابية تأتي على شكل صفعة أو توبيخ أو تأنيب كأن تقول للطفل: “كيف تكون بهذا الغباء؟! عليك أن تخجل من نفسك!”[3].

ويأتي تأثير القوة العقابية بشكل عكسي يدمّر الدافعية الذاتية للإنسان نحو الأشياء لأنه لا يتوقف عن القيام بها لأسباب وجيهة وإنما تفادياً للعقاب الذي ينتظره فيما لم يفعلها. هذا بدوره يقلل من تقديره لذاته، ولربما يجب أن تستدعي دائماً خطورة ما. نحن مقبلين عليه وعواقبه على الصحة النفسية لأطفالنا عندما تتأتّى لذهننا فكرة استخدام القوة العقابية [3] .

المصادر
[1] Society For Conversation Biology
[2] Journal of History Culture and Art Research
[3] التواصل غير العنيف لغة حياة، د.مارشال بي. روزنبرج. 

 

 


 

ما هو التحفيز الذاتي؟ وكيف تحفز نفسك وطفلك ذاتيًا؟

يعرّف التحفيز الذاتي على أنه دافع داخلي لتحقيق شئ ما. عندما لا يتعلق الأمر بمكافأة خارجية بل بمتعة يجدها المرء في العمل نفسه. فيكون الحافز الوحيد للشخص ما تنطوي عليه المهمة من تحدٍ وما تتركه من رضا، دون انتظار مردود من أي شخص أو مؤسسة[1].

الشعور بالكفاءة كوقود للتحفيز الذاتي

وجدت بعض الدراسات أن الشعور بالكفاءة جزء لا يتجزأ من التحفيز الذاتي. فعندما تُتم مهمة صعبة أو تكتسب مهارة جديدة تشعر بالإنجاز. وتتقد فيك الرغبة لبدء مهام أخرى وإكمالها والبحث عن هدف جديد لاختبار ذات الشعور مرة أخرى[1].

ولنا في ألعاب الفيديو آية. عندما ينتقل لاعب من مستوى لمستوى أعلى يتعاظم تصميمه على إنهاء اللعبة، ما يجعل لعبة الفيديو الجيدة إدمانًا لدى المستخدمين. يلعب المستخدمون للاستمتاع وتجاوز المستويات دون انتظار مكافأة خارجية. 

عوامل تؤثر على التحفيز الذاتي

  • الإرادة الحرة.
  • درجة الأُلفة مع المحيط.

يعمل التحفيز الذاتي تحت ظروف معينة؛ تحدده معرفة الفرد بأنه يمتلك الإرادة وحرية الاختيار لأداء العمل من عدمه.

في دراسة سابقة، طلب الباحثون من بعض طلاب الجامعة حل أحجية. على أن يُكافأ نصف المشاركين بجائزة مالية أما النصف الآخر فعملهم تطوعي تمامًا. بعد حل الأحجية، تُرك المشاركون في التجربة للتمتع بوقت مستقطع. لنجد أن نصف العينة، وهم الذين لم يعطهم الباحثون جائزة مالية، رحّبوا بحل أحجية جديدة. أما أاولئك الذين جنوا مالًا مقابل عملهم، لم يضيعوا وقتهم في أحجية أخرى[1]

لن يصبح اختيارك نابعًا من داخلك بعد أن تقف مكافأة خارجية في المتناول على بعد خطوتين منك.

من العوامل المؤثرة أيضًا درجة الألفة مع المحيط. فعندما يشعر الشخص بالأمان والاحترام ويختبر اهتمام من حوله، يتحفز لإنجاز المهمة. فالطفل الذي يتصل بأمه أكثر ويستشعر اهتمامها يبدي رغبة أكبر في الاستكشاف. 

وفقًا لإحدى الدراسات، عندما يعمل الأطفال على مهمة مثيرة في وجود شخص غريب، يتضاءل حماسهم بمجرد أن يشيح الغريب بوجهه. وربما يتوقف الطفل عن اللعب إذا لمس التجاهل بقية من حوله[1].

آباء يعيقون التحفيز الذاتي

واحدة من أكثر الطرق شيوعًا لمكافأة الأبناء هي الجوائز. سواء كانت جائزة مادية كلعبة يحبها أو مال يشتري به الحلوى، أو معنوية كوقت إضافي على جهاز الآيباد.

يأمل الآباء أن يربط أطفالهم بين السلوك الجيد والمكافأة، ويُنمّون -بغير قصد- الإشراط الاستثابي لديهم[2].

يتمثل الإشراط الاستثابي في ربط السلوك بالمكافأة (الثواب) وعليه يرى الباحثون أن تلك الجوائز تضعف التحفيز الذاتي لدى الأطفال تحديدًا. فقد يقلع الفرد عن نشاط يحبه بعد تلقيه مكافأة مقابل هذا العمل. لأنه ينسى سببه الحقيقي (الداخلي) وتتفلت منه ما كانت يومًا دوافعه[3].

سبع خطوات تقودك إلى التحفيز الذاتي:

  • جد الجزء الممتع الذي قد يبقيك مستغرقًا في العمل.
  • ابحث عن المعنى من وراء ما تفعل، مثل قيمة العمل وغرضه الأسمى وكيف يمكن أن يساعد الآخرين.
  • تحدى نفسك، وركز في ذلك التحدي على اكتساب المهارات كنتيجة نهائية لا مكافآت خارجية.
  • ساعد شخصًا.
  • اكتب قائمة بأشياء تريد فعلها وحقق واحدًا كلما خبى عزمك.
  • اشترك في مسابقة وركز على روح الفريق ومستوى اللعب أكثر من النتيجة.
  • قبل أن تبدأ في مهمة، تخيل آخر وقت أنجزت فيه وكيف كنت فخورًا بنفسك حينها، وأبق هذه الصورة نصب عينيك.

هكذا يصبح الإنجاز الأول وقودًا تتبعه سلسلة من الإنجازات حتى نقطة الرضا عن النفس. يذكرنا التحفيز الذاتي بقدراتنا اللامحدودة على فعل أي شيء طالما أردناه حقًا. وأن السر وراء الإنجاز داخلي تمامًا، فمن يملك دواخله، يملك العالم.

المصادر:

1- Parenting for Brain
2- verywell mind
3- verywell mind

ما هي أكثر الآليات الدفاعية استخدامًا؟

ما هي أكثر الآليات الدفاعية استخدامًا؟

نظرية فرويد للشخصية

لعل أحد أبرز منتجات سيجموند فرويد الفكرية هي نظريته للشخصية (1923) التي يوضح بها بنية النفس البشرية. تنص النظرية على أن النفس مكونة من ثلاثة أجزاء:
«الهوية-id» و «الأنا-ego» و «الأنا العليا-superego».
كل جزء يمثل كيان مستقل بذاته ويملك مميزات فريدة تميزه عن باقي الأجزاء. ومن خلال تفاعل تلك الأجزاء مع بعضها البعض يساهم كل جزء بدوره في تكوين السلوك البشري.
تعرّف النظرية «الهوية-id» على أنها الجزء البدائي والغريزي في النفس البشرية الذي يبحث عن تلبية الغرائز الجنسية والدوافع العدوانية. أما «الأنا العليا-superego» فتعمل كالضمير الأخلاقي وتهتم بالامثتال للأخلاق والمثل العليا. ولكن «الأنا-ego» هي الجزء الواقعي من النفس، والذي ينصب اهتمامه بشكل أساسي على متغيرات الواقع والتوسط بين رغبات الهوية الغريزية البدائية وعالم المثاليات للأنا العليا. [1]

تعد الدوافع الغريزية للهوية هي المحرك الجوهري للسلوك للبشري، حيث أن غاية الهوية هو تلبية تلك الدوافع. ولكن الهوية ليس لديها أي اتصال بالواقع ولذا فمحاولاتها لتبية الدوافع تتسم بالبدائية الشديدة ولا يمكن تطبيقها في العالم الواقعي المليء بالقواعد الاجتماعية. لذا يأتي هنا دور الأنا في التوسط بين الواقع ودوافع الهوية. حيث تسعى الأنا أيضًا لتبية تلك الغرائز ولكن في إطار واقعي وبشكل عقلاني.

في خلال تعاملات الأنا مع الواقع لتلبية الغرائز تحتك بالكثير من التحديات والصعوبات فتنجح أحيانًا وتفشل أحيانًا أخرى. وفي ذلك السياق، عندما تفشل الأنا في تلبية أحد الدوافع وتجد نفسها محاطة بمشاعر سلبية من القلق والتوتر تلجأ إلى استخدام أحد الآليات الدفاعية للتخفيف.

تعرّف الآليات الدفاعية على أنها عمليات نفسية غير واعية تعمل على حماية الشخص من القلق والتوتر الناتجين عن عوامل داخلية أو خارجية. [2]
تتنوع تلك الآليات الدفاعية وتأخذ العديد من الأشكال والصور المختلفة. والتالي قائمة بأشهر تلك الصور للآليات الدفاعية.

«الإنكار-denial»

يعد الإنكار أشهر الآليات الدفاعية استخدامًا وأكثرها شهرة. يتضمن الإنكار حجب الأحداث الخارجية عن الوصول إلى الوعي. عندما يوجد حدث صعب التعامل معه أو استيعابه يرفض الشخص مواجهته.

مثال:
بعض المدخنين يرفضون الاعتراف لأنفسهم بأن التدخين ضار بالصحة.

«الكبت-repression»

يعد أيضًا الكبت من الآليات الدفاعية المشهورة. حيث يستخدم الكبت لإبعاد الأفكار المقلقة أو المزعجة من التواجد في الوعي.

مثال:
عندما يتعرض أحد الأشخاص للدغة عنكبوت في صغره فإنه يطور فوبيا من العناكب في وقت لاحق من حياته بدون تذكر سبب تلك الفوبيا. حيث أن ذكرى اللدغة كُبتت بشكل لا واعي.

«الإسقاط-projection»

يتضمن الإسقاط بأن يقوم الفرد بشكل لا واعي بإسناد أفكاره أو مشاعره السلبية الخاصة إلى شخص آخر. أو بالأحرى، إسقاط مشاعره الغير مرغوبة على شخص آخر لا يملك تلك المشاعر.

مثال:
عندما يغضب أحد الأزواج على زوجته بسبب أنها لا تستمع، في حين أنه الزوج الغاضب نفسه هو من لا يستمع.

«الإحلال-displacement»

الإحلال هو تحويل الأفكار أو المشاعر الموجهة نحو شخص أو شيء ما إلى شخص أو شيء آخر. عادةً ما يستخدم الفرد الإحلال عندما لا يمكن له التعبير عن مشاعره للشخص المُراد بطريقة صحية.

مثال:
عندما يغضب أحد الموظفين من مديره في العمل ولا يستطيع التعبير عن غضبه له فيلجأ إلى تفريغ غضبه على شخص أو شيء آخر. مثل اختلاق الشجار مع زوجته أو ركل حيوانه الأليف.

«نكوص-regression»

النكوص هو عودة إلى مرحلة مبكرة من التطور النفسي عند مواجهة مشاعر أو أفكار غير مقبولة أو ضاغطة.

مثال:
قد يقوم المراهق الغارق بمشاعر الخوف والغضب والدوافع الجنسية المتزايدة بالعودة إلى سلوكيات الطفولة المبكرة مثل التبول اللاإرادي.

«التسامي-sublimation»

يعد التسامي أحد الآليات الدفاعية الراشدة حيث يتضمن تلبية الدوافع الغريزية ولكن بشكل لائق اجتماعيًا وأكثر تحضرًا.

مثال:
عندما يختبر الفرد مشاعر الغضب فيلجأ إلى ممارسة الرياضة لتفريغ غضبه. حيث تم هنا تحويل أو استثمار إحدى الدوافع البدائية السلبية في نشاط بنّاء.

«رد الفعل العكسي-reaction Formation»

رد الفعل العكسي هو تحويل الأفكار أو المشاعر أو الدوافع الغير مرغوب بها إلى عكسها.

مثال:
عندما يغضب أحد الموظفين من مديره كثيرًا ولا يستطيع مواجهة نفسه بتلك المشاعر يصبح على النقيض تمامًا عطوف وكريم بشكل مبالغ فيه نحو مديره.
[3]

«عقلنة-rationalization»

تتضمن العقلنة تبرير شعور صعب أو غير مُتقبل بحجج وتفسيرات تبدو منطقية.

مثال:
عندما يتعرض أحد الطلاب إلى الرفض من الجامعة التي يحلم بدخولها يبرر ذلك بأنه سعيد بدخول جامعة أخرى تتمتع بجو منافسة أقل وأكثر ترحبيًا.

يوجد الكثير والكثير من الحيل الدفاعية الأخرى التي تتنوع ويتم استخدامها في سياقات مختلفة في حياتنا اليومية. بعضها بدائي والبعض الآخر أكثر نضجًا. وليست الآليات الدفاعية شيئًا سلبيًا بالضرورة، فبعض الآليات مثل التسامي مثلًا تعد من أهم مكونات التحضّر والنضج. وتساعد المعرفة بمختلف الآليات الدفاعية على فهم أنفسنا ومن حولنا بشكل أفضل وبالتالي، إمكانية أفضل في مواجهة المشكلات.

مصادر:


[1] simplypsychology.
[2] Wikipedia.
[3] psychCentral.

هل تيأس الحيوانات؟

يناقش الكاتب البرتغالي الكبير الحائز على جائزة نوبل للأدب – جوزيه ساراماجو – فكرة العجز واليأس في العديد من رواياته. ويفتتح أحد فقرات رواية الطوف الحجري معقبًا على شعور أحد شخصيات الرواية باليأس، فيقول

“اليأس كما نعرف جميعًا، سلوك بشري، لا نعرف خلال التاريخ الطبيعي أن الحيوانات تيأس. لكن الإنسان نفسه لا ينفصم عن اليأس، اعتاد على الحياة فيه، ويحتمله حتى آخر الحدود”.

الطوف الحجري – جوزيه ساراماجو

ورغم كون هذه الافتتاحية جميلة على المستوى الأدبي فإنها عندما توضع تحت عدسة العلم فهي ليست بالدقيقة وتحتاج إلى تصحيح.

فتابع معنا المقال التالي لتتعرف كيف يؤثر اليأس على الحيوانات بشكل عام وما هو تأثيره على البشر؟

تجربة سيليغمان وماير

شرح التجربة

في ستينيات القرن الماضي، قام عالما علم النفس «مارتن سيليغمان – Martin Seligman» و «ستيفن ماير – Steven F. Maier» بإجراء تجربة تتضمن تعليم ثلاث مجموعات مختلفة من الكلاب القفز فوق عقبة صغيرة من جانب واحد من الصندوق إلى الجانب الآخر للهروب من صدمات كهربائية. كانت المجموعة الأولى تتعرض للصدمات لأول مرة في حياتها. أما المجموعة الثانية فقد تعلمت الهروب من صدمات كهربائية ولكن في ظروف مختلفة عن ظروف التجربة. وبالنسبة للمجموعة الثالثة، فقد تعرضت للصدمات الكهربائية من قبل أيضًا. ولكن تلك الصدمات كانت مستمرة ولا يمكن الهروب منها بأي شكل.

نتائج التجربة

توقع سيليغمان وماير أن المجموعة الثانية ستكون أسرع مجموعة تتعلم الهروب من الصدمة الكهربائية ثم تليها المجموعة الأولى ثم المجموعة الثالثة. وبالفعل تعلمت المجموعة الثانية أسرع من المجموعة الأولى. ولكن ما لم يكن متوقع هو أن المجموعة الثالثة لم تحاول الهرب من الصعقات الكهربائية على الإطلاق. لقد أصبحت المجموعة الثالثة سلبية تمامًا. أصبحت الكلاب في المجموعة الثالثة تتلقى الصدمات الكهربائية ولا تقوم بأي رد فعل، حتى قام العلماء بإنهاء التجربة بدافع الرحمة.

اكتشاف العجز المتعلم

اقترح سيليغمان وزملاؤه أن الكلاب في المجموعة الثالثة تعلمت من التعرض لصدمات لا مفر منها أن لا شيء يمكن أن يفعلوه يمكن أن يحدث فرقًا. لقد كانت المجموعة الثالثة «عاجزة – helpless» عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على مصيرهم. فقد نقلت المجموعة الثالثة ما تعلموه من تجاربهم السابقة إلى هذه التجربة مثل المجموعة الثانية، ولكن في حالتهم فقد نقلوا «العجز المتعلم – learned helplessness» أو اليأس المتعلم. لقد كانت الكلاب تفتقر إلى إحساس التحكم في مصيرها. ولعل ذلك الافتقار إلى التحكم هو ما جعل هذه الكلاب تظهر مؤشرات الحزن والإكتئاب.

علاج العجز المتعلم

حاول سيليغمان فيما بعد علاج الكلاب التي أصبحت عاجزة ولا تحاول الهروب من الصعقات الكهربائية. وقد قال سيليغمان فيما بعد أنه يبدو أن علاجًا واحدًا فقط يعالج العجز في الكلاب. فقد أفترض أن الكلب لا يحاول الهروب لأنه يتوقع أن محاولة الهروب ستكون بلا جدوى. ولكن عندما تم إجبار الكلاب على معرفة أن هناك تغيير يمكن أن يحدث فرقًا عندها بدأت الكلاب القفز من تلقاء نفسها لإنهاء الصعقات الكهربائية. فقد قام سيليغمان بربط الكلاب بحبل وإجبارها على عبور العقبة حتى تتوقف الصعقات الكهربائية. وقد لاحظ سيليغمان أن القوة المطلوبة لتحريك الكلاب كانت تقل مع الوقت. فقد كانت الكلاب في البداية تقاوم الحركة بشكل كبير ولكن مع مرور الوقت كانت مقاومتها تقل، حتى أنها في النهاية كانت تكفي مجرد وخزة لجسم الكلب حتى يبدأ في عبور العقبة وإيقاف الصعقات.

ما بعد تجربة سيليغمان وماير

أعيد إجراء تجربة سيليغمان وماير على حيوانات عديدة وعلى البشر بطرق مختلفة وأعطت نفس النتائج. فقد أعيدت التجربة على الفئران والقطط والأسماك وأظهرت هذه المجموعات دائمًا عجزًا متعلمًا.

ولعل أشهر التجارب المشابهة المتعلقة بالعجز المتعلم أجريت على الفئران. ففي العادة عندما يتم الإمساك بفأر وإلقاءه مباشرة في خزان مياه فإنه يستطيع السباحة لمدة ستين ساعة قبل أن يغرق. ولكن عندما قام العلماء بالإمساك بالفئران حتى تتوقف عن المقاومة تمامًا فإنها تقاوم الغرق لمدة ثلاثين دقيقة فقط قبل أن تغرق. ولعلاج هذه الفئران من العجز المتعلم فإن العلماء قاموا بإخراج الفئران العاجزة من الماء لمدة بسيطة ثم معاودة إلقاءها في الماء مرة أخرى عدة مرات. وقد قاومت تلك الفئران التي تم إخراجها من الماء وإلقاءها فيه مرة أخرى الغرق لمدة ستين ساعة كما الفأر العادي تمامًا. لقد كانت عملية إخراج الفأر من الماء وإلقاءه فيه مرة أخرى تعطي الفأر إحساسًا بالتحكم بمصيره. ورغم كون إحساس الفأر بالتحكم بمصيره مزيفًا، إلا أنه جعله يقاوم الغرق لفترات أطول.

العلاقة بين العجز المتعلم والاكتئاب

على ما يبدو فهناك علاقة بين العجز المتعلم الذي تم وصفه أول مرة في تجارب سيليغمان وماير وبين السلوك البشري الناتج عن سوء التكيف. فعلى سبيل المثال، يعد «اضطراب الاكتئاب الشديد – Major Depressive Disorder» -الذي ينتج في الغالب نتيجة العيش في ظروف مرهقة وصعبة – مرتبط بشكل ما بالعجز المتعلم. فعلى سبيل المثال، تتشابه أعراض اضطراب الاكتئاب الشديد وأعراض العجز المتعلم في أن المصاب بأي منهما يظهر تأخر في الاستجابة للمحفزات الخارجية. كما يتشابها أيضا في أن المصاب بأي منهما يجد صعوبة في تصديق في أن محاولاته سوف تنجح.

في إحدى الدراسات المتعلقة بأعراض الاكتئاب، فقد تم تصنيف الشعور باليأس والعجز وانعدام القيمة كأعراض أساسية لمرضى الاكتئاب. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن نضوب «النورإبينفرين – norepinephrine» الناتج عن الصعقات التي لا يمكن التحكم بها يطابق الفرضية القائلة بأن نضوب النورإيينفرين أحد مسببات الإكتئاب لدى البشر.

المصادر

[1] Annual review of medicine

[2] Journal of experimental psychology

[3] Medical News Today

[4] psychiatry online

ما هو تأثير البيئة على المشاعر؟

يختبر كل شخص على هذا الكوكب العواطف، حيث تمثل العواطف كل المشاعر أو الأفكار التي تنشأ بشكل تلقائي على العكس من التفكير الواعي المنظم، عندما ننظر إلى هذا الأمر من منظور عالمي؛ هناك العديد من الاختلافات في كيفية تفسيرنا للتعبير عن المشاعر عندما تختلف البيئة والثقافة المجتمعية.

قد يعتقد المرء أنه إذا كان الشخص سعيدًا في الصين، فسوف تظهر هذه السعادة على الأمريكي بنفس الطريقة. حيث أنه من منظور عالمي للسلوك التنظيمي تبيّن في الحقيقة الثقافات المختلفة تفسر المشاعر وتعبر عنها وتختبرها بشكل مختلف.
هل هناك علاقة بين المشاعر واللغة؟ وكيف يتصرف البشر بشكل فردي أو اجتماعي؟

ما هي فكرة ريتشارد نيسبت عن المشاعر؟

ورد في كتاب «جغرافية الفكر لريتشارد نيسبت_the geography of thought Richard Nisbett» أنه من المهم فهم كيفية قراءة الفروق الدقيقة بين مشاعر الأشخاص الذين يأتون من بيئات مختلفة؛ لا سيما أنه من المستحيل تقريبًا بناء فريق دولي ناجح من العمال إذا لم يتمكن الأفراد التقاط أو فهم مشاعر أعضاء فريقهم.

حيث أنه مثلًا قد يكون شعور شخص من البرازيل بالعواطف يؤثر على كيفية تفسير أو تلقي شخص آخر من تايوان لمشاعر هذا الشخص. ويأتي هذا التفسير من الإشارات التي قد يرسلها كتعابير الوجه ولغة الجسد التي يلتقطها الآخرون ثم يفسرونها.

قد لا يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين ما يشعر به شخص ما في بلد ما وكيف يفسر هذا الشعور الآخر لكن افي الواقع هناك فرق؛ حيث قرر الباحثون في إحدى الدراسات أن يعرضوا صورًا لمجموعة من الأفراد من دول مختلفة لأشخاص أظهروا مشاعر مختلفة، مثل السعادة أو الحزن أو القلق أو المفاجأة.

قام الباحثون ببعض الدراسات على أشخاص من أمريكا وتشيلي والبرازيل والأرجنتين واليابان. المدهش أن الجزء الأكبر منهم خمّنوا المشاعر التي كانوا يشاهدونها بشكل صحيح.

لكن كانت هناك نسبة كبيرة من الأفراد الذين أخطئوا في التعرف على بعض المشاعر. على سبيل المثال، خمن 32٪ من الأرجنتينيين مشاعر الخوف بشكل خاطىء. كما أخطأ 37٪ من المشاركين اليابانيين في تخمين شعور الغضب.

تثبت هذه التجربة البسيطة أنه لا يمكننا تفسير المشاعر عالميًا بنفس الطريقة،إذ يمكن للأشخاص من البلدان الأخرى إساءة تفسير المشاعر التي يمرون بها؛ مما قد يؤدي بهم إلى التفاعل مع المحيط بطريقة خاطئة.

كما أنه من الشائع مثلًا أن يحضر الأفراد جنازة ويظهروا حزنهم. بينما يجب في بعض البلدان أن يكون الشخص رزينًا وألا يُظهر الحزن في الجنازات.[1]

 كيف تؤثر اللغة على فهمنا للمشاعر؟

تبقى اللغة هي أساس الوجود، حيث أنها ليست مجرد تجربة فاللغة تلخص كامل معرفتنا وخبراتنا. كما أنها تشكل كل ما نشعر به وأيًا كان ما نقوم بمعالجته. وفي نفس الوقت، تقوم بوضع علامات على تلك المعلومات وتصنفها عاطفياً. الفكرة هي أن اللغة تشكل المشاعر وفي نفس الوقت تشكل الإدراك.

في القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام الحقيقي بكيفية وصف اللغة لثقافة المجتمعات. وفي القرن العشرين، تم إنشاء فرضية «سابير وورف_sapir-whorf» لوصف كيفة تأثير بنية اللغة على الطريقة التي يرى بها متحدثو هذه اللغة العالم؛ لذلك يمكننا أن نرى ونستطيع فهم تلك اللغة أو إنتاج طرق محددة لمعالجة المشاعر وتنظيم هذه المشاعر والتعبيرات اللغوية بطريقة نحوية.

الحقيقة هي أنه وفقًا لكل الطرق المختلفة للدراسات في الأنثروبولوجيا؛ فإن المشاعر هي دراسات اجتماعية ولغوية وتطورية. تثبت جميع الدراسات الاثنوجرافية أن العواطف هي مجرد تعبير ثقافي واحد للتعامل مع المشاكل المستمرة للعلاقة الاجتماعية. لذا فإن العواطف أيديولوجية، على الرغم من العواطف الجسدية أو الطبيعية الواضحة جدًا قبل الثقافة.

كيف تختلف مشاعر العار والذنب في الثقافات المختلفة؟

تفرض بعض الثقافات على أفرادها أن يشعروا بطريقة معينة خلال حدث ما. على سبيل المثال، تعتبر مشاعر الذنب في الدول الغربية فردية على الرغم من أنواع من العلاقات الاجتماعية والعائلات؛ والحقيقة هي أن الترابط العائلي ومن ثم الترابط الاجتماعي أضعف بكثير من ذلك الموجود بالفعل في المجتمعات الشرقية التي يعتبرونها أكثر ترابطًا. لذلك، في المجتمعات الغربية الناس أكثر عرضة للشعور بالذنب

على العكس من ذلك؛ يميل البشر في البلدان الشرقية إلى الشعور بالعار أكثر نتيجة أفعالهم، وذلك لأنهم أكثر وعيًا بالتفاعل الاجتماعي الذي يتم فيه تقييم أفعالهم. لذا نستطيع القول أن اللغة تشكل الطرق التي نشعر بها وتحدد الاستراتيجيات الاجتماعية والعاطفية.[2]

المصادر

  1. the geography of thought Richard Nisbett
  2. COURSERA

أن تكون عاقلًا في أكثر الأماكن جنوناً! ما هي تجارب روزينهان؟

الأمراض النفسية ما زالت غامضة حتى عصرنا هذا، وهذا ما يجعل الأطباء عمومًا، والأطباء النفسيين خصوصًا، عرضة للوقوع في الخطأ خلال التشخيص للمريض. وهناك العديد من المحاولات للتأكد من صحة التشخيصات، ولمحاولة فهم ماهية السلوك “الغير طبيعي”. من خمسينات القرن الماضي بدأ النهج الطبي باستخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders). الذي استخدِم بغرض تحديد السلوك الطبيعي عن غير الطبيعي. ولكن في ستينيات القرن الماضي بدأ العديد من الأطباء بنقد النهج الطبي. أحدهم كان دايفيد روزينهان الذي قام بدراسة لإثبات انتقاده لهذا النهج. [1]

تجربة روزينهان

كانت تجربة روزينهان من التجارب التي أجريت لتحديد صحة التقييم النفسي. تظاهر المشاركون فيها بالهلوسة لدخول المستشفيات النفسية، ولكنهم تصرفوا بشكل طبيعي بعد ذلك. وبالرغم من هذا، تم وصف أدوية مضادة للذهان لهم. أجرى الدراسة البروفسيور دايفيد روزنهان ونشر دراسته في مجلة العلوم عام 1973 بعنوان “أن تكون عاقلًا في أكثر الأماكن جنونًا.

الفرضية التي استندت عليها التجربة

هدف هذه الدراسة كان اختبار الفرضية التي تقول بأن الأطباء النفسيون لا يستطيعون التمييز بشكل موثوق بين العقل والجنون. كان يهدف بشكل رئيسي إلى معرفة ما إذا كانت الخصائص الظاهرة التي تؤدي للتشخيص تكمن في المرضى أنفسهم، أم في البيئات والظروف المحيطة التي يوجد المريض فيها. كما أراد أيضًا أن يرى المشفى من وجهة نظر المريض. [1]

مراحل التجربة

وقسم روزينهان دراسته إلى مرحلتين.

الدراسة الأولى: المريض الزائف

حاول مجموعة من الأشخاص الغير مريضين نفسيًا، وبلغ عددهم 8 أشخاص، الدخول إلى 12 مستشفى مختلفًا في خمس ولايات مختلفة. تنوعت المستشفيات من القديم إلى الجديد، بعضه يملك نسبًا جيدة من الموظفين والبعض الآخر يعاني من نقص في الموظفين. كما تنوع المرضى الزائفون في الجنس و الأعمار والمهن، وكان من بينهم روزينهان نفسه.
اتصل المشاركون بالمستشفى لتحديد مواعيدهم .وذكروا في التقييم النفسي الأولي أنهم يسمعوون أصوات غريبة من نفس جنسهم تقول كلمات مثل (فارغ، أجوف) .اختيرت هذه المفردات بعناية لتشابهها مع أعراض الأزمات الوجودية (انعدام المعنى للحياة). قاموا بإعطاء المستشفى أسماء مستعارة ومهن مختلفة وأعراض وهمية، ولم يكن لأي منهم تاريخ سابق في السلوك المرضي. [2]
تم توجيه المشاركين ليتصرفوا بشكل طبيعي في حال تم قبولهم، وتم قبول الجميع في المستشفيات جميعها. وبالرغم من أن أعراضهم متطابقة، تم تشخيص سبعة منهم بالفصام، وواحد مصاب بالذهان الهوسي الاكتئابي، وهو التشخيص الذي حصل عليه في المستشفى الخاص وهو مرض أخف وطئًا من الفصام “الشيزوفرينيا”. بقي المشاركون مدة تتراوح بين 7 أيام إلى 52 يومًا، وخرجوا جميعًا عدا شخص واحد، بتشخيص الفصام ولكنه بحالة هدوء. الأمر الذي اعتبره روزينهان دليلًا على أن المجتمع ما زال ينظر للمرض العقلي على أنه حالة لن يتعافلى فيها المريض، وسيكون وصمة عار له طول حياته. [2]

الدراسة الثانية: تجربة المحتال الوهمي

في الدراسة الثانية استخدم روزينهان مستشفى مشهور في مجال البحث العلمي كان قد سمع مسبقًا بنتائج دراسة روزينهان الأولى وادعى طاقمه أنه لن يحصل سوء التشخيص في هذا المشفى. ولذلك اتفق معهم روزينهان بأنه سيقوم خلال الشهور الثلاثة القادمة بإدخال مرضى وهميين إلى هذا المشفى، وسيقوم الموظفون بتقييم الشخص إن كان مريضًا حقيقيًا أم محتالًا. من بين 193 مريضًا، تم اعتبار 41 مريضًا محتالين، و42 آخرين كانوا مشتبه بهم. في الواقع لم يرسل روزينهان أي مريض محتال بينهم، أي جميع الذين اشتبه بهم الموظفون بأن يكونوا محتالين كانوا مرضى عاديين. واستنتج بأن أي عملية تشخيص تقودنا لارتكاب أخطاء جسيمة مثل هذه لا يمكن الوثوق بها. [2]

نتائج التجربة

تفكك الشخصية Depersonalisation

في التجربة التي شارك بها المرضى الوهميون، لاحظ جميع المشاركين بأن الأطباء والموظفون بالكاد أعاروهم أي اهتمام. قام ستة مشاركين بقياس مدى تفاعل الموظفون معهم خلال مدة 129 يومًا من الدراسة، وتراوح التواصل اليومي بين المرضى والموظفين بين 3 إلى 25 دقيقة. إن غياب التواصل البصري والحوار مع المرضى يبين مدى تجاهل الموظفين للمرضى، وبالتالي يرفع من احتمالات وقوعهم في خطأ التشخيص. [3]
من أسباب تعرض الفرد لتفكك الشخصية أولًا الطريقة التي يعامل بها الموظف المريض، بالسلوك الخائف أو غير الواثق أو المتعالي على المريض سيقود به نحو التجنب وبالتالي لتفكيك الشخصية. ثاني الأسباب هو الترتيب الطبقي للمشفى العقلي، فالإدارة هي الأقل تفاعلًا مع المرضى، وهذا ما يقود الموظفين الأقل منهم إلى اتباع سلوكهم وتجاهل المرضى بدورهم. [2]

الشعور بالعجز وغياب الإنسانية

يقول روزينهان بأن ” الشعور الساحق بالعجز يغزو الفرد خلال تعرضه باستمرار لتفكيك شخصيته بسبب المصح العقلي” بالإضافة للتجاهل وغياب الثقة بين طاقم المشفى والمريض يتملك المريض شعور بأنه عاجز أمام أي شيء ومجبر على اتباع الأوامر. كما أفاد جميع المرضى الوهميين من تجربة روزينهان بأنه تملكهم شعور بغياب انسانيتهم وعجزهم عن مواجهة ذلك. [2]

الوصم

أكد روزينهان بأن الوصم بالمرض ، كأن نقول “مجنون” أو مصاب بالشيزوفرينيا، هو ما يتعرض له المريض حتى بعد خروجه من المشفى يبقى موصومًا بمرضه وكأنه عار لمدى حياته. [2]

نقد التجربة

تم انتقاد التجربة من قبل العديد من العلماء والباحثين، قال سيمور كيتي بأن تصرف الموظفين هو السلوك الطبيعي لأي عامل في هذا القطاع. كما أشار آخرون أن اتفاق 7 من أًصل 8 حالات في التشخيص هو دليل الموثوقية للمشافي. [4]

يبقى لنا أن نتساءل بعد دراسات روزينهان كم من المرضى تم تشخصيهم بشكل خاطئ وكم من الأصحاء تم إدخالهم للمشافي العقلية التي تؤدي لجنونهم.

حفرة اليأس: تجارب هاري هارلو لتصنيع أعراض الاكتئاب السريري

تعتبر تجارب هارلو مع القردة حدثًا مهمًأ في علم النفس السلوكي، حاول من خلالها البرهنة على أن الارتباط بين الطفل والأم ليس فقط ارتباطًا تنبع أهميته عن تقديم الأم للغذاء> بل يمتد للعطف والحنان وتعلم السلوك الاجتماعي. ساد في خمسينيات القرن الماضي الفكرة بأن العلاقة بين الطفل والأم علاقة مبنية على تقديم الأم للطعام للطفل فقط. وأدت سيطرة علماء السلوك والمحللون النفسيون في الولايات المتحدة على انتشار هذه الفكرة. جادل هارلو بأن هذه الأفكار تغفل جانبًا مهمًا من العلاقة بين الطفل والأم، وهي غير مقتصرة على الغذاء فقط. حاول البرهنة على ذلك من خلال تجارب على القردة قام بتسميتها “حفرة اليأس”، وذلك كما يرى هارلو بأن الاكتئاب يشبه كثيرًا “الغرق في بئر من اليأس”.

المصدر

الفرضية التي استندت عليها التجربة:

طور هذه التجربة عالم النفس المقارن هاري هارلو، وذلك كان في سبعينات القرن الماضي في جامعة ويسكونسن، في الولايات المتحدة. كرد على علماء السلوك الذين يقولون بأن العلاقة بين الأم والطفل علاقة بيولوجية تنبع أهميتها من تقديم الأم للغذاء للطفل. وساد الاعتقاد حينها بوجوب ترك الطفل قدر المستطاع، وذلك لأن الاستجابة لكل احتياجات الطفل قد تسبب مشاكلُا نفسية له لاحقًأ. برهن هارلو على خطأ هذه النظرة السائدة، وبدأ سلسلة تجارب على القردة تشمل فصل القرد الرضيع وعزله عن أمه، ووضعهم في ما سماه “حفرة اليأس”.
الهدف من هذه التجربة كان خلق أعراض الاكتئاب السريري لدى القرد الرضيع، وإنتاج نموذج حيواني للاكتئاب. وذلك بهدف الوصول لفهم أكبر لهذه الحالة النفسية ومنشأها. [1]

مراحل التجربة:

المصدر

العزل الأولي:

تضمنت مراحل التجربة الأولى لدراسة تأثيرات الوحدة عزل قرد في قفص محاط بجدران فولاذية فيها مرآة تسمح بالرؤية من جهة واحدة. يستطيع الباحث رؤية القرد لكن القرد لا يرى أي شيء. والتواصل الوحيد للقرد من العالم الخارجي من خلال رؤية يدين الباحث عند تقديمه للطعام والشراب له.
تم وضع صغار القردة فيها بعد ولادتهم بفترة قليلة، أربعة منهم لثلاثين يومًا، وأربعة لستة أشهر، وأربعة لمدة عام. بعد ثلاثين يوم وجد أن القردة مضطربة للغاية، رفض اثنان منهما الطعام وجوعها نفسيهما حتى الموت. بعد العزل لعام كانت القرود بالكاد تتحرك، لم تسكتشف، ولم تلعب، ولم تكن قادرة على ممارسة الجنس. كما وجدت صعوبة في التكيف مع القردة الأخرى عند وضعها في مجموعات كبيرة. وتعرضت للتعنيف الشديد من قبل القردة الأخرى التي لم تتعرض لللفصل والعزل. [2]

تجربة الأم السلكية:

المصدر

التجربة الأولى:

قام فيها هارلو بفصل القردة الرضيعة في زنزانات فولاذية تضمنت وجود أمين بديلتين قام بتصميمهما. الأولى كانت مصنوعة من الأسلاك والخشب، والثانية صنعت من قماش ناعم ولطيف الملمس بالنسبة للقرد الرضيع. المجموعة الأولى قدمت الأم السلكية الطعام ولم تقدم القماشية ذلك، والمجموعة الثانية معاكسة قدت فيها القماشية الطعام. تبين أن القرود تميل لإمضاء الوقت مع الأم القماشية أكثر من السلكية في الحالتين حتى لو كانت السلكية تقدم الحليب. حيث كان الرضيع يذهب إلى الحديدية عند الجوع وسرعان ما يعود للقماشية.
هذا الأمر يدعم النظرية التطورية للتعلق، حيث أن الاستجابة الحساسة والشعور بالأمن من مقدم الرعاية “الأم” هو المهم عند الرضيع، لا الطعام. [3]

التجربة الثانية:

عدل هارلو التجربة وقام بفصل القردة إلى مجموعتين الأولى لديها أم سلكية تقدم الطعام، والأخرى لديها أم قماشية لا تقدم الطعام. تم تقديم نفس الكمية من الطعام والشراب للأطفال ونموا بشكل متساوي. لكنهم كانوا مختلفين في السلوك، فكانت القردة التي تملك أمًا قماشية تتصرف بطريقة مغايرة عن القردة ذات الأم السلكية. ومغايرة أيضًا مقارنة بالقردة التي عاشت مع أمها الطبيعية. فكانت تلك القردة أكثر عنفًا وغير قادرة على سلوك نفس سلوك القرد الطبيعي، هذه السلوكيات لوحظت على القردة التي أمضت أكثر من 90 يومًا مع الأم البديلة، حيث كان بالإمكان عكس السلوك قبل 90 يومًأ إذا تم وضعها في بيئة طبيعية وتوفير العناية اللازمة لها. [3]

التجربة الثالثة:

كانت هذه المرحلة أقسى مراحل التجربة وأكثرها وحشية، أشار لها هارلو باسم “الأم الشنيعة” وقام بها باستخدام الأم البديلة القماشية الناعمة التي أحبها القردة، لكن هذه الأم القماشية تم تجهيزها بآليات وحشية تهاجم الرضيع، منها ما قام بصعق الرضيع فجأة أو مهاجمته، ومنها ما كان مجهزًا بإبر معدنية تهاجم الرضيع عندما يعانق الدمية. ابتعدت القردة عند مهاجمة الدمية لها واستخدام أساليب الرفض هذه، ولكنها عادت لتحاول إيجاد الأمن عند الدمية ذاتها عندما تلاحظ القردة أن الدمية قد “هدأت”. [1]

حفرة اليأس:

المصدر

تصميم حفرة اليأس

كان الاسم التقني لغرفة الاكتئاب الجديدة هو “جهاز الغرفة التقني” لكن هارلو سماها حفرة اليأس، أو زنزانة اليأس، لأنه رأى أن الاكتئاب يشبه الشعور في غرق في بئر من اليأس والوحدة، يمتص المصاب إلى داخله. وقام بتصميم جهاز معدني بشكل حجرة صغيرة صممت كهرم مقلوب يوضع القرد في أسفله وهو في عمر ثلاثة أشهر وكانت هذه القردة قد أندمجت مع أقرانها وشكلت روباط اجتماعية وعاطفية معها، كان الهدف كسر هذه الروابط لخلق أعراض الاكتئاب السريري لدى القرد.
كانت حواف الهرم زلقة ومائلة، حاول القردة تسلقها في أيامهم الأولى ولكنها سرعان ما استسلمت. [2]
كانت هذه التجربة رابع التجارب على القردة وشكلت أعراض اليأس وفقدان الأمل لدى القرد خلال فترة وجيزة. القردة التي أمضت فترة طويلة في العزل أبدت فقدان تام للقدرة على التفاعل الإجتماعي، وتدمرت هذه القردة بشكل تام ولم يمكن إصلاحه. [2]

التزاوج عند القردة المعزولة

عجزت القردة المعزولة عن إتمام أي علاقة اجتماعية مع أبناء جنسها ومن بين ذلك كانت العلاقات الجنسية، أراد هارلو فهم هذا الموضوع فقام بإجبار القردة على القيام بالعملية، وذلك من خلال ابتكاره لما سماه “رف الاغتصاب” قام فيه بربط الإناث اللاتي تم عزلهن بالوضعية التي تتخذها القردة عند عملية التزاوج، فلم يكن التلقيح الاصطناعي قد تطور حينذاك.
تبين أن القردة لم تكن فقط عاجزة عن التفاعل الاجتماعي والجنس، بل تجاهلت نسلها بشكل تام ولم تكن قادرة على التعامل مع الرضيع، إحدى القردة حطمت رأس رضيعها، أخرى قامت بمضغ أقدام رضيعها. هذه القردة ببساطة لم تكن قادرة على الأمومة أو الاهتمام بمخلوق آخر. [2]

نتائج التجربة:

3استنتج هارلو أنه ليتمكن القرد من التطور بشكل طبيعي، يجب أن يحصل على التفاعل مع كائن آخر يؤمن له الرعاية والعطف خلال مراحله الأولى من حياته أو المراحل الحرجة، ويتمكن من التشبث به. وهذا التشبث هو استجابة طبيعية في أوقات الإجهاد يلجأ إليه القرد عند شعوره بالخوف وفقدان الأمان، فيتشبث بها ليقلل من حالة الإجهاد.
كما استخلص إلى أن الحرمان المبكر من الأم يؤدي لضرر عاطفي، لكن هذا الضرر يمكن عكسه في المراحل الأولى قبل نهاية المرحلة الحرجة من حياة الرضيع. ولكن بعد انتهاء هذه المرحلة لا يمكن تصحيح الحالة بغض النظر عن تعريض الرضيع لبيئة ملائمة ووضعه تحت رعاية، الضرر لا يمكن عكسه بعدها.
ووجد أيضًا أن الحرمان الاجتماعي هو ما عنى منه القردة وليس فقط الحرمان من الرعاية الأمومية، فعندما أحضر هارلو القرد ليلعب مع أقرانه لمدة 20 دقيقة يوميًا وجد أن القرد نما بشكل طبيعي دون وجود مشاكل اجتماعية لديه. [3]

مشاكل التجربة الأخلاقية:

ساعدت تجربة هارلو الأخصائيين الاجتماعيين على فهم مخاطر إهمال الأطفال وتعرضهم للتعنيف وافتقارهم للراحة، وبالتالي فهم ضرورة التدخل لمنع ذلك. كما أن استخدام الحيوانات لفهم كيفية تشكل الروابط الاجتماعية والتعلق يسهل دراسة أوضاع الأطفال المعرضين للخطر.
لكن عمل هارلو تم انتقاده بشدة لكونه شديد القساوة والوحشية في التعامل مع الحيوانات، ولكون هارلو استمر في القيام بعمله بالرغم من وضوح نتائج التجربة له، وكانت هذه وحشية بلا جدوى. [3]
بالرغم من فوائد هذا البحث إن معاناة هذه القردة الرضع تفوق فوائده. وما من فوائد قد تخفف من وحشية هذه التجارب. شجع هذا البحث العديد من الناشطين والعلماء على النظر إلى موضوع استخدام الحيوانات للتجارب، والنظر في أخلاقية الموضوع.

المصدر

الشخصية الانطوائية وسماتها

الشخصية الانطوائية وسماتها

تعرف جمعية علم النفس الأمريكية الشخصية الانطوائية (introverted) على أنها ميل الشخص نحو العالم الخاص الداخلي لنفسه وأفكاره ومشاعره بدلاً من التوجه نحو العالم الخارجي، عالم الأشخاص والأشياء. ويعد نمط الشخصية الانطوائية من السمات التي تظهر في نطاق واسع من السلوكيات والمواقف [1].

الشخصية الانطوائية عند كارل يونغ

تحدث عالم النفس السويسري كارل يونغ (Carl Jung) عن نمط الشخصية الانطوائية في كتاب Psychological Types (1921). وقارنها مع نمط آخر، نقيض لها، وهو الشخصية المنفتحة (extroverted) [2].

يشرح يونغ أن وراء هذين النمطين المختلفين يكمن موقفان مختلفان من الحياة. وهذا يعني أن طبيعة رد فعل الشخص للظروف والعوامل المحيطة تختلف باختلاف نمط شخصيته. وتبدأ هذه الأنماط بالتكوّن في مرحلة مبكرة من حياة الشخص. كما يحدد يونغ الفرق بين نمطي الشخصية هذين عن طريق الاختلاف بتوجه الليبيدو، أو الطاقة النفسية للشخص [2].

وهنا يجب توضيح الفرق بين مفهوم الليبيدو عند سيغموند فرويد (Sigmund Freud) وعند يونغ. فقد عرف فرويد الليبيدو على أنه الطاقة الجنسية التي تقود كافة رغبات البشر واندفاعاتهم وغرائزهم. حتى وإن لم يعلموا ذلك أو يدركوه، فهذه الطاقة هي الدافع الذي يتشكّل منذ مراحل الطفولة المبكرة.

لكن يخالف يونغ فرويد هنا في توصيف الليبيدو، فلا يحصر هذا المفهوم في الطاقة الجنسية وحسب. بل يصفه بشكل أعم على أنه الطاقة النفسية التي تحفّز الأفراد عبر العديد من الطرق المهمة. وتتضمن هذه الطرق المجالات الروحية والفكرية والإبداعية. كما يرى يونغ أن الليبيدو هو مصدر إلهام الأفراد للسعي وراء المتعة والحد من النزاعات، ويعمل على تحفيز العديد من السلوكيات [2] [3].

سمات الشخصية الانطوائية ومواطن الضعف فيها

إذاً، ما هو دور الليبيدو في تحديد نوع الشخصية سواء الانطوائية أم المنفتحة؟

في الواقع، يمثل اتجاه هذه الطاقة العامل الفارق في تمييز الشخصية الانطوائية عن المنفتحة. إذ يتسم الأشخاص الانطوائيون بتوجه طاقتهم النفسية نحو الداخل. فيكون التركيز على عوامل شخصية وذاتية، لا خارجية. وهذا عكس المنفتحين الذين تتوجه طاقتهم النفسية نحو العالم الخارجي [4].

يجد الأشخاص الانطوائيون السعادة في وحدتهم، ويتميزون بامتلاك خيال خصب. كما يفضلون التفكير والتأمل على القيام بالأنشطة الفعلية. فتراهم منعزلين وهادئين، ويميلون إلى الانسحاب عن المجموعات. كما يتحفظون في التعبير عن أفكارٍ أو مشاعر أو انطباعات ذات تأثيرٍ إيجابي. بل يغلب الشك على مواقفهم وآرائهم، ويفضلون العمل منفردين. وقد تكون هذه من مواطن الضعف لديهم. ويضاف إليها عدم ثقتهم بالأشخاص عموماً، واتسامهم بالخجل والتردد، وتجنب الحياة الاجتماعية [1] [4].

تدفع هذه السمات ومواطن الضعف إلى تشكيل صور نمطية أو أفكار مغلوطة عن الانطوائيين. فيراهم المجتمع، وخاصة الأفراد من ذوي الشخصيات المنفتحة، على أنهم أنانيون ومملون، وأن حياتهم تتمحور حول ذواتهم. وهذا غير دقيق، فطبيعة تعامل المرء مع عالمه تختلف باختلاف شخصيته، على الرغم من تشابه الطرق المستخدمة في مقاربة هذا العالم، بنوعيه الداخلي والخارجي [4].

تعامل الشخصية الانطوائية مع العالم

يتحدث يونغ عن أربع وظائف نفسية يمكن للمرء – الانطوائي أو المنفتح – أن يستخدمها، أو إحداها، في تعامله مع العالم. وهذه الوظائف هي التفكير (thinking) والمشاعر (feeling) والحس (sensation) والحدس (intuition). وينتج عن بروز إحدى هذه الوظائف لدى الشخص، وتقاطعه مع نمطي الشخصية الانطوائية أو المنفتحة، أنواع أكثر للشخصيات حسب ميل أصحابها وطريقة استخدامهم للوظائف [4].

بالنسبة للتفكير، يهتم الانطوائيون بالأفكار المجردة بدلاُ من الحقائق بحد ذاتها. فالغرض من التفكير لديهم لا يتمثل بجمع المعلومات، ولا بفهم العلاقة مع العالم الخارجي. أما من ناحية وظيفة المشاعر، فيغلب المظهر البارد على من يعتمد هذه الوظيفة من الانطوائيين. إلا أنهم في الواقع أشخاص متعاطفون ومتفهمون لأصدقائهم. كما أنهم قادرون على التضحية بالذات عندما يتطلب الأمر ذلك. وفيما يتعلق بوظيفة الحس، فالانطوائيون هنا يكونون حساسين وذوي خيال واسع لدرجة قد يصعب فهمهم أحياناً. ولديهم القدرة على تخيل أشياء غير موجودة، وهذا ما يجعل منهم مهندسين أو فنانين ناجحين. وأخيراً، عندما تكون وظيفة الحدس هي السائدة، يرتفع مستوى الإبداع لدى الشخص الانطوائي، والذي يكون قادراً باللاوعي على بناء احتمالات مستقبلية متعلقة بالظروف المحيطة بتجارب موجودة في الحاضر [4].

جوانب أخرى

تشير الدراسات إلى أن عدد الأشخاص الانطوائيين يوازي عدد المنفتحين، ولكنهم بالطبع أقل ظهوراً وأكثر هدوءاً. ويعزى هذا الميل في الشخصية إلى عوامل وراثية وبيئية. ولكن يمكن أن يتعلم الانطوائيون التصرف بطريقة أكثر انفتاحاً إذا اتبعوا خطة لتغيير بعضٍ من أنماط سلوكهم. مثلاً، يمكنهم التدرب على المبادرة ببدء حديث مع أحد ما بدلاً من انتظار الشخص الآخر ليتحدث أو الانسحاب من الموقف الاجتماعي [5].

ولكن هذا لا يعني أن الشخصية الانطوائية هي أمر سلبي. بل على العكس، يتسم هذا النمط بجوانب إيجابية في طريقة تعامله مع العالم. إذ يستمتع الانطوائيون بأحاديث غنية وعميقة بدلاً من المواضيع السطحية التي لا طاقة لهم عليها. كما يمكن للانخراط بالعالم الداخلي أن يزيد من مستوى الابتكار والإنتاج الإبداعي لدى المرء. ونرى أمثلة لفنانين أو مؤلفين انطوائيين أغنوا العالم بنتاجهم الفكري كالكاتبة جي كي رولينغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، والعلماء أمثال ألبرت أينشتاين وإسحق نيوتن، والقادة كالرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن والناشطة الحقوقية روزا باركس. ولا تخلو حياة الانطوائيين من الأصدقاء. فمع أن دائرة صداقاتهم قد تكون ضيقة، إلا أنها عميقة ومنتقاة بعناية بعيداً عن العلاقات الاجتماعية العابرة أو المؤقتة [5] [6].

اقرأ أيضاً: مقدمة في علم النفس

المصادر

  1. جمعية علم النفس الأمريكية
  2. Psychological Types – Carl Jung
  3. Simply Psychology
  4. Philosophy Lander Edu
  5. Psychology Today
  6. Happier Human
Exit mobile version