التصنيفات المختلفة لمحركات السيارات

التصنيفات المختلفة لمحركات السيارات. خصائص المحرك ومدى فاعليته هما أول ما يخطر في أذهان هواة المركبات وسباقات السيارات، إلا أن الأمر ليس سيان بالنسبة للمواطن العادي، بل وربما قد يكون هذا الأمر آخر ما يشغل بال الأخير، وهذه مشكلة بحد ذاتها!
فقلب أي سيارة، أي المحرك، هو أعجوبة الهندسة الميكانيكية،  ومركز القوة الذي يدفعنا إلى الأمام، ويحوّل الوقود إلى حركة ليجعل عالمنا العصري السريع ممكنًا. لكن قبل أن نفترض أن معدلات القوة، والمسافة المقطوعة هي الخصائص الوحيدة المهمة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب لمعرفة المزيد عن المحرك في السيارة. فحسن اختيار المحرك يمكن أن يحدث الفرق في اختيار السيارة المناسبة وتوفير تكاليف الصيانة. لذا مبدأيًا سنتعرف على أنواع المحركات المختلفة الموجودة، كالتالي:

محرك الاحتراق الداخلي《ICE》:

إن محرك الاحتراق الداخلي《ICE》هو النوع الأكثر شيوعًا، بحيث يعمل على تشغيل غالبية السيارات منذ أكثر من قرن.  يعمل هذا المحرك على مبدأ إشعال خليط من الوقود والهواء داخل أسطوانة لتوليد غاز عالي الضغط يقوم بدفع المكبس ويولد طاقة ميكانيكية.
بطبيعة الحال تأتي محركات الاحتراق الداخلي بأشكال متعددة، بما في ذلك التصاميم المضمنة، و ذات شكل V، والمسطحة؛ ويمكن أن تعمل على أنواع مختلفة من الوقود مثل البنزين والديزل، والبروبان. كما يمكن أن تختلف أيضاً في عدد الأشواط، إلا أن أكثرها شيوعًا هو المحرك رباعي الأشواط. على الرغم من انتشار استخدامها على نطاق واسع، إلا أن مصنعي محركات الاحتراق الحراري ICE باتوا يتعرضون لحملات انتقاد واسعة، وذلك يعود للتأثيرات التي تحدثها هذه المحركات على البيئة. كون نسبة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري منها تُعتبر عالية، بالإضافة لعدة ملوثات أخرى، جميعها تساهم في تسريع التغيرات المناخية، وتلوث الهواء بشكل دائم. ومن هنا بدأ يتغير التوجه نحو إيجاد بدائل أكثر استدامة، مثل المحركات الكهربائية والهجينة، والتي بفضل التكنولوجيا المتقدمة الحالية تسارعت عملية تطويرها، وبالتالي زيادة الإقبال عليها. من جانب آخر، أدت التطورات في مجال التكنولوجيا إلى زيادة كفاءة محركات الاحتراق الداخلي وتقليل الانبعاثات الناتجة من احتراق الوقود فيها، مما يجعل السوق الاستهلاكي غير مستعدًا البتة للتخلي عنها بعد. فعملية الاستغناء عن هذه المحركات ليس بالسهولة بما كان. تبقى هذه المحركات جزءًا أساسيًا من صناعة السيارات، فهي تعمل على تشغيل كل شيء بدءًا من السيارات المدمجة إلى الشاحنات الثقيلة، وتستمر في التطور استجابًة للمتطلبات البيئية ومتطلبات الكفاءة المطلوبة.

محركات الديزل:

يُعتبر محرك الديزل، الذي سُمّي على اسم مخترعه رودولف ديزل، أحد أشكال محركات الاحتراق الداخلي التي صنعت لنفسها مكانة خاصة بها في عالم السيارات. على عكس محركات البنزين، التي تستخدم شمعات الإشعال “فتيل” لإشعال خليط الوقود والهواء، تعمل محركات الديزل على مبدأ الاشتعال بالضغط. وهذا يعني أن الهواء يتم ضغطه أولاً في الأسطوانة، مما يرفع درجة حرارته، ثم يتم حقن وقود الديزل في الأسطوانة، حيث يشتعل بسبب ارتفاع درجة حرارة الهواء. تشتهر محركات الديزل بكفاءتها ومتانتها. فهي تميل إلى أن تكون كفاءتها الحرارية أعلى من محركات البنزين، مما يعني أنها تستطيع استخلاص المزيد من الطاقة من كمية وقود أقل. يجعلها هذا مناسبة خصيصًا للمنظومات المخصصة للاستخدامات الشاقة مثل الشاحنات، والحافلات، والآلات الصناعية. مما يجب الإشارة إليه هو أن هذه المحركات على حد السواء  واجهت أيضًا انتقادات بسبب تأثيرها على البيئة. فكمية الانبعاثات التي تطلقها من الجسيمات وأكاسيد النيتروجين تتجاوز النسب من نفس كمية الوقود المستهلكة في محركات البنزين. على الرغم من هذه التحديات، تهدف التطورات المستمرة في تكنولوجيا تطوير محركات الديزل إلى تقليل هذه الانبعاثات وتحسين الأداء البيئي للمحرك.

المحرك الهجين:

كما يوحي الإسم، يجمع المحرك الهجين بين محرك احتراق داخلي، أو ICE، ومحرك كهربائي. صُمم هذا النوع من المحركات للاستفادة مما يميز كلا مصدري الطاقة، بهدف تحقيق التوازن بين الأداء، وكفاءة استهلاك الوقود، وتقنين الأثر البيئي السلبي.
يمكن استخدام محرك الاحتراق الداخلي للقيادة بسرعة عالية عند الحاجة إلى المزيد من الطاقة، بينما يمكن للمحرك الكهربائي التعامل مع القيادة بسرعة منخفضة لتوفير طاقة إضافية. هذا بحد ذاته، يمنح السيارة كفاءة أفضل في استهلاك الوقود مقارنًة بالسيارة التقليدية التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي، حيث يمكن للمحرك الكهربائي أن يتولى القيادة في الحالات التي يكون فيها محرك الاحتراق الداخلي أقل كفاءة في حالة معينة. تقلل المحركات الهجينة أيضاً من الانبعاثات، حيث لا ينتج المحرك الكهربائي أي انبعاثات من العادم. وهذا يجعلها خيارًا أكثر استدامة بيئيًا مقارنًة بالسيارات التقليدية التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي فقط. يمكن أن تكون المحركات الهجينة أكثر تعقيداً وتكلفة في التصنيع والصيانة. وعلى الرغم من هذه العيوب، فإن المحرك الهجين يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في السعي نحو وسائل نقل أنظف وأكثر كفاءة.

المحرك الكهربائي:

يمثل المحرك الكهربائي، المعروف أيضًا بإسم الموتور الكهربائي، تحولاً كبيراً في تكنولوجيا السيارات. وخلافًا لمحركات الاحتراق الداخلي التقليدية التي تحرق الوقود لتوليد الحركة، تقوم المحركات الكهربائية بتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميكانيكية تدفع عجلات السيارة. تشتهر المحركات الكهربائية بجودة أدائها، وملاءمتها للبيئة. فهي تحوّل نسبة مئوية أعلى من الطاقة الكهربائية إلى طاقة محركة، مما يجعلها أكثر كفاءة من نظيراتها التي تعمل بالبنزين. لا ينتج عن المحركات الكهربائية أي انبعاثات من العوادم، مما يساهم في تقليل نسب غازات الاحتباس الحراري التي تُطلق بشكل يومي على البيئة. من المزايا الأخرى للمحركات الكهربائية أيضًا عزم الدوران الفوري. حيث يمكنها توفير أقصى عزم دوران من الثبات، مما يؤدي إلى تسارع مذهل. بالإضافة لكونها تتسم المحركات الكهربائية بالبساطة، حيث تحتوي على عدد أقل من الأجزاء المتحركة، مما يؤدي إلى انخفاض تكاليف الصيانة. بالرغم من أنها تأخذ خطواتها الأولى نحو السوق الإستهلاكية، إلا أن المحركات الكهربائية أصبحت ذات أهمية في عالم السيارات، مما يمهد لمستقبل واعد لوسائل النقل الخضراء والمستدامة.

كيف يعمل محرك السيارة؟

عندما نقوم بتشغيل مفتاح السيارة، يعمل المحرك. لكن هل تساءلت يوماً كيف يعمل المحرك؟ تعمل المحركات الحديثة على توليد الطاقة عن طريق الاحتراق الداخلي، أو الانفجارات المتحكم بها. ويتم ذلك عن طريق إشعال خليط الهواء والوقود داخل أسطوانات المحرك. تسمى هذه العملية دورة الاحتراق، وتتكرر العملية آلاف المرات في الدقيقة الواحدة لدفع السيارة. تتكون دورة الاحتراق من أربع أشواط (خطوات)، وتنسب لها تسمية المحركات الحديثة بالمحركات رباعية الأشواط تباعًا لهذه العملية. تشمل الأشواط الأربعة السحب، والضغط، والاحتراق، والعادم. وفيما يلي نستعرض شرح مفصل لكل شوط.

السحب:

في هذا الشوط، يتحرك المكبس لأسفل، وينفتح صمام السحب عبر حركة عمود الكامات، ليُسمح لخليط الهواء والوقود بالدخول إلى غرفة الاحتراق. يفتح الصمام ويغلق بمساعدة عمود الكامات.

الضغط:

كما يوحي الإسم، يتحرك المكبس لأعلى ويضغط خليط الهواء والوقود داخل حجرة الاحتراق في هذا الشوط.

الاحتراق (توليد الطاقة):

تنتج شمعة الإشعال شرارة خلال هذا الشوط وتشعل خليط الهواء والوقود الساخن المضغوط. ويتسبب ذلك في حدوث انفجار صغير، وتدفع الطاقة الناتجة عنه المكبس إلى أسفل لتوليد الطاقة الميكانيكة اللازمة لدفع المركبات.

العادم:

بمجرد تحرك المكبس لأسفل، ينفتح صمام العادم. وعندما يتحرك المكبس لأعلى، يدفع الغازات الناتجة عن الانفجار إلى الخارج عبر صمام العادم. تتكرر الدورة آلاف المرات في الدقيقة الواحدة.

تصنيف المحركات بحسب طريقة ترتيب أسطوانات المحرك:

حينما يتم شراء السيارة سنجد كتيب مرفق به مخططات تصميمية توضح لنا تفصيلًا المحرك الخاص بها باستخدام أبسط المصطلحات. يشير بالعادة الرسم إلى ترتيب وعدد الأسطوانات في المحرك. يوجد لدينا عدة تصميمات معتمدة للمحرك إلا أننا سنستعرض أهمها، هي ثلاثة تصميمات رئيسية:

المحرك ذو التصميم الخطي، والمضمن/التتابعي《Inline & Stright Engine》:

المحرك التتابعي: يعتبر الأكثر استخدامًا. فكما يوحي الإسم، تُوضع الأسطوانات عموديًا في خط متوالي، أي واحدًا تلو الآخر. يمكن وضع هذا النوع من المحركات بشكل متوازي أو عمودي في السيارة بحسب عدد الأسطوانات. المحرك الخطي: عند وضع المحرك بالتوازي مع السيارة، يُعرف تصميم المحرك بأنه مستقيم وعند وضعه بشكل عمودي على السيارة، يكون تصميمًا مضمنًا أو تتابعي. تستخدم المحركات الخطية/المضمنة على نطاق واسع نظرًا لسهولة التصنيع والتركيب، وانخفاض التكاليف التصنيعية. يمكن رؤية المحركات المضمنة في السيارات العائلية مثل هاتشباك نظرًا لبنيتها المدمجة وقدرتها على استيعاب مكونات عديدة أخرى مقارنة بالسيارات الأخرى. من ناحية أخرى، يمكن أن تحتوي المحركات المستقيمة/الخطية على المزيد من الأسطوانات ونتيجة لذلك تتمتع بقوة أكبر.

المحرك المسطح《Flat Engine》:

على عكس المحرك المستقيم/ الخطي، يتم وضع أسطوانات المحرك المسطح أفقيًا. يعرف هذا المحرك أيضًا بإسم محرك الملاكم بسبب حركة المكبس التي تحاكي الملاكمين الذين يثقبون قفازاتهم قبل القتال. محرك الملاكم هو محرك متوازن، ونعني بذلك توازن الاهتزازات المنخفضة بسبب القوة الناتجة عن حركة المكابس. جانب آخر يميز المحرك المسطح هو مركز كتلته المنخفض مسهلًا بهذا عملية القيادة. أيضًا، نظرًا لمساحة السطح الكبيرة، يتم تبريد جميع الأسطوانات بالهواء بالتساوي.
بالمقارنة مع المحركات المستقيمة، فإن المحركات المسطحة باهظة الثمن في التصنيع، وبسبب شكلها الذي يأخذ مساحة أكبر لا يفضلها العديد من مصنعي السيارات. فشركات صناعة السيارات الوحيدة التي تتميز بمحرك الملاكم في تشكيلاتها هي بورش وسوبارو.

محرك بتصميم V:

يُعتبر المحرك على شكل V، والذي أُسمّي بهذا الاسم نظراً لتصميمه الفريد، نوعاً شائعاً من محركات الاحتراق الداخلي حيث تصطف الأسطوانات والمكابس في مستويين أو “ضفتين” منفصلتين، لتشكل تصميماً يشبه حرف V عند النظر إليه من النهاية. يوازن هذا التصميم بين مزايا صغر حجم المحرك المسطح، وقوة المحرك المضمن، بالإضافة لذلك تتميز هذه المحركات بحجمها الصغير بالنسبة لعدد أسطواناتها، مما يجعلها خيارًا مطلوبًا للسيارات الفاخرة عالية الأداء. يوفر تصميم محرك V أيضًا مزايا من حيث السلاسة والتوازن. يتوازن ضفتي الأسطوانات بشكل مرن مع بعضهما البعض، مما يقلل من اهتزاز المحرك، ويُسهل قيادة السيارة. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي تعقيد تصميم المحرك على شكل حرف V إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وصيانة أكثر صعوبة. وعلى الرغم من هذه التحديات، يبقى محرك V مرغوبًا بسبب قوته، وصغر حجمه، وسلاسة تشغيله. تتواجد محركات V بعدة أنواع، تختلف بحسب عدد الأسطوانات المستخدمة، والأكثر شيوعًا منها هي محركات V6 و V8، على الرغم من وجود تشكيلات متعددة تمتد من V2 إلى V16.

محرك بتصميم W:

محرك W هو نوع مميز من محركات الاحتراق الداخلي، سمي بهذا الاسم نظرًا لتصميمه الفريد، حيث يتم ترتيب الأسطوانات في ثلاثة بنوك بطريقة تشبه حرف W. يُستخدم هذا التصميم بشكل واسع في المركبات عالية الأداء، حيث يكون الزيادة في عدد الأسطوانات أمرًا مرغوباً فيه، ولكن المساحة المتاحة محدودة. إن أشهر استخدام لمحرك W هو محرك بوجاتي فيرون، الذي يستخدم محرك W16 رباعي الشاحن التوربيني(التوربو). يجمع هذا المحرك بين صغر حجم محرك V وقوة أكبر بكثير مما ينتجه هذا الأخير، مما يجعله مثاليًا لسيارة خارقة عالية الأداء.

تمثل إحدى المزايا الرئيسية لمحرك W في حجمه الصغير مقارنة بعدد الأسطوانات. وهذا يتيح المزيد من القوة في مساحة أصغر، مما يجعله خيارًا مطلوبًا أيضًا للسيارات عالية الأداء والسيارات الفاخرة. يؤدي تعقيد تصميم محرك W عمومًا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والصيانة. وعلى الرغم من هذه التحديات، يُعدّ محرك W دليلًا على الروح الابتكارية لهندسة السيارات، حيث يتخطى حدود القدرة الفعالة مقارنة بالحجم.

المحركات الدوارة(وانكل):

يدور دوّار مثلث الشكل داخل حجرة بيضاوية الشكل في المحركات الدوارة التي تسمى أيضاً محركات وانكل. إن صغر الحجم، والقدرة العالية على التسارع، وسلاسة توصيل الطاقة كلها ميزات لهذا التصميم. وعلى الرغم من أنها أقل استخدامًا في السيارات اليومية، إلا أن المحركات الدوارة كثيرًا ما تُستخدم في السيارات الرياضية عالية الأداء.

تصنيف المحركات بحسب عدد الأسطوانات:

دعونا نلقي نظرة على تصنيفات المحرك بحسب عدد أسطوانات المحرك القياسية المستخدمة بشكل شائع.

محرك مزدوج الأسطوانات:

نادرًا ما توجد محركات ذات أسطوانات مزدوجة في السيارات، والسبب هو انخفاض إنتاج الطاقة. ومع ذلك، ستجد هذا التصميم في الكثير من الدراجات النارية، مثل رويال إنفيلد 650 و كاواساكي نينجا 300. في السيارات من جهة أخرى، تاتا نانو الشهيرة لديها محرك أسطوانة مزدوجة تحت غطاء محرك السيارة.

محرك ثلاثي الأسطوانات:

تشتهر المحركات ثلاثية الأسطوانات بصوتها الشبيه بالقرقرة. يحدث هذا بسبب تسلسل إطلاق النار المختلف والاهتزاز الذي ينتج من هذه العملية. ومع ذلك فهي أقوى من المحرك مزدوج الأسطوانات، ومع إدراج الشاحن التربيني (التوربو) الذي أعطى زيادة إنتاج للطاقة مع الحفاظ على الكفاءة. تستخدم محركات ثلاثية الأسطوانات في سيارات الهاتشباك وحتى في سيارات الدفع الرباعي المدمجة مثل ماروتي سوزوكي سيليريو وتاتا نيكسون.

المحرك رباعي الأسطوانات:

هذا التصميم هو الأكثر شيوعًا للسيارات بسبب القوة العالية الذي يُنتجها، وارتفاع الكفاءة. يُمكن العثور على هذا النوع من التصميم في الغالب مع التصميم المضمن جنبًا إلى جنب مع الشاحن التوربيني (التوربو)، مما يرفع من فعالية السيارة بشكل عام. سيارات مثل هوندا سيتي، وماروتي سوزوكي، وسويفت، وهيونداي إلنترا هي أمثلة على السيارات التي تستخدم التصميم رباعي الأسطوانات.

المحرك خماسي الأسطوانات:

تصميم آخر نادرًا ما تلقاه، فبالعادة يُمكن رؤية المحركات ذات خمسة أسطوانات على موديلات لشركات تصنيع السيارات الفاخرة مثل أودي، وفولفو. نظرًا للعدد الفردي للأسطوانات، يصدر التصميم المكون من خمسة أسطوانات صوتًا غريبًا، والذي يعرف بإسم تغريد.

المحرك سداسي الأسطوانات:

يتم استخدام تصميم الأسطوانات الست في معظم السيارات الرياضية، وهي محركات معروفة بصوتها عالي النبرة. يمكن أن يستخدم تكوين الأسطوانات الست تصميمًا مستقيمًا، أو بشكل V بحسب اختلاف نوع السيارة. سيارات السيدان الفاخرة مثل بي ام دبليو 5، ومرسيدس بنز سي كلاس تُستخدم فيها التصميم سداسي الأسطوانات. بشكل رئيسي، يتم إقران المحركات ذات 6 أسطوانات بشاحن توربيني (توربو)، أو شاحن فائق لمنحهم قدرة هائلة.

محرك ثماني الأسطوانات وما فوق:

إذا لم تكن ست أسطوانات كافية، فإن التصميم ثماني الأسطوانات ينقلك إلى فئة السيارات الخارقة. يتم استخدام التصميم ثماني الأسطوانات وما فوق في الغالب في تصميم المحرك V. تحتوي السيارات الخارقة مثل بوجاتي تشيرون على محرك دبليو 16، أي 16 أسطوانة بتصميم دبليو W مثلًا. السيارات ذات هذا التصميم  قادرة على الأداء تحت سرعات عالية، ولها عزم دوران هائل. وتختلف أصوات هذه المحركات من هدير إلى صرير عالي النبرة ينبعث من الشاحن الفائق المرفق به.

تصنيف المحركات بحسب طريقة سحب الهواء:

تستخدم بعض المحركات تقنيات طورتها عبر الزمن لإجبار المزيد من الهواء على الدخول وتوليد المزيد من الطاقة. يتيح ذلك للمحركات الأصغر حجمًا توليد طاقة مماثلة للمحركات الأكبر حجمًا مما يزيد من الكفاءة.

المحرك الذي يعمل بالسحب الطبيعي:

وهو محرك احتراق داخلي، ويسمى أيضاً المحرك الذي يستنشق الهواء طبيعيًا أو NA. يعتمد سحب الهواء في هذا النوع من المحركات على الضغط الجوي، ولا يستخدم الحث القسري للهواء في مدخل الهواء إلى المحرك. وبالتالي يُنتج طاقة أقل من محركات الحث القسري للهواء (الشاحن التوربيني/الشاحن الفائق). يُعتبر هذا المحرك بسيط التصميم، إلا أنه أكثر ضمان من محركات حث الهواء القسري.

محرك الشحن التوربيني《Turbocharged》:

يتألف الشاحن التوربيني من عمود مع توربين في أحد طرفيه وضاغط هواء في الطرف الآخر. يتم وضع المكونات في غطاء على شكل حلزون مع منفذ للإدخال، بحيث تدخل غازات العادم المهدرة بضغط عالٍ عبر هذا المنفذ، لتمر عبر التوربين، مما يؤدي لتدوير الضاغط. يمتص ضاغط الهواء المزيد من الهواء الذي يتم ضغطه ويمر عبر منفذ مخرج الهواء، ليتم تغذية الهواء إلى الأسطوانات عبر مبرد داخلي يقوم بتبريد الهواء قبل وصوله إلى الأسطوانات. وبما أن ضغط الهواء أعلى من الضغط الجوي وكمية الأوكسجين أعلى، ينتج المحرك طاقة أكبر. بدأ استخدام التوربينات في السيارات الرياضية كوسيلة لتوليد المزيد من الطاقة، إلا أنها شقّت طريقها مؤخرًا إلى السيارات الأصغر حجمًا لزيادة كفاءتها.

الشحن الفائق《Supercharged》:

تعمل الشواحن الفائقة بطريقة مشابهة للشواحن التوربينية، حيث أنها تقوم بضغط الهواء الداخل إلى المحرك لإحداث انفجار أكبر. الفرق هو أن الشاحن الفائق يعمل بواسطة حزام يأتي من المحرك. وجود الشاحن الفائق أقل شيوعاً بكثير مقارنة بالشاحن التوربيني، ولا يظهر حاليًا إلا في السيارات الفاخرة مثل رينج روڤر.

المصادر:

Types of Car Engines Car Engines Air Intake Methods Automotive Engine

الرفاهية الرقمية في عالم مدفوع بالتكنولوجيا

نجحت التكنولوجيا والخبرات التي أتاحتها في تشكيل مجتمعنا بطرق متعددة. ويمكن أن يُنظر لهذه القدرة على التشكيل بالإيجاب أو بالسلب في نظر المستخدمين وبيئتهم. فمؤخرا؛ وُجِهت العديد من الانتقادات لصناعة التكنولوجيا نظرا للنتائج السلبية التي يمكن أن انعكست على البعض.

في وسائل الإعلام؛ أبرزت العناوين بعض التأثيرات الضارة للتكنولوجيا على عافيتنا وعلاقاتنا والديموقراطية والخصوصية. وهناك العديد من المخاوف التي تتسلل إلى تفكير المستهلك تجاه التكنولوجيا. [4]

وإيمانًا منا بقوة التكنولوجيا؛ نرى أننا يجب علينا مناقشة ما يجب فعله حينما تدور حياتنا حول الأجهزة الذكية حتى أصبحت تشكل تهديدا، وهو ما سنناقشه في تلك المقالة. إذ تنحصر إجابتنا في مصطلح الرفاهية الرقمية، فما هي؟

"من الواضح أنه يمكن للتكنولوجيا أن تكون قوة إيجابية، ولكن من الواضح أيضا أننا لا يمكننا الوقوف منبهرين فقط أمام الابتكارات التي تنتجها التكنولوجيا. فهناك أسئلة حقيقية وهامة عن أثر هذا التقدم والدور الذي سيلعبه في حياتنا. لذلك نعلم أن الطريق للأمام يجب أن يُوَجَه بحرص وتأنّ. ونشعر بإحساس عميق بالمسؤولية للقيام بهذا بصورة صحيحة.”

«سوندار بيتشاي-Sundar Pichai» المدير التنفيذي لشركة جوجل. [2]

ما هي الرفاهية الرقمية؟

يعود مصطلح “الرفاهية الرقمية” إلى تأثير التقنيات الرقمية على ما يعنيه أن نعيش حياة جيدة للبشر في مجتمع المعلومات. [1] وتهدف الرفاهية الرقمية إلى حياة صحية منظمة تتفادى السلوكيات غير العقلانية، كما تهدف إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة. تُقدَم الرفاهية الرقمية كوسيلة لإعطاء المستخدمين الأدوات اللازمة لاستعادة التحرر من التكنولوجيا والعيش بحرية وأمان في العالم الرقمي. [2]

إن الانتشار السريع للتقنيات الرقمية واستهلاك المجتمع لها قد غيَّر علاقاتنا بأنفسنا وبعضنا البعض وبيئتنا. لذلك؛ أصبحت الرفاهية الفردية والمجتمعية مرتبطة بحالة بيئتنا المعلوماتية والتقنيات الرقمية وتفاعلاتنا معها. مما يَطرح أسئلة أخلاقية مُلحَّة حول تأثير التقنيات الرقمية على رفاهيتنا، والتي وردت في تقرير للأكاديمية البريطانية «British Academy» والجمعية الملكية «Royal Society»، حيث جعل تعزيز ازدهار الإنسان هو المبدأ الرئيسي لتطوير أنظمة التحكم في المعلومات. [1]

هناك أيضا العديد من التقارير التي ذكرت أن التقنيات الرقمية ستبشر بعصر جديد من الإنتاجية المتزايدة. وستساعد في تقليل التفاوت الاجتماعي عن طريق إتاحة الوصول إلى خدمات تُعد مكلفة في الوقت الحالي مثل خدمات الرعاية الصحية. كما ركزت بعض التقارير الأخرى على كيفية استخدام التقنيات الرقمية في تعزيز الرفاهية ودعم القوى البشرية عن طريق رفع القدرات العقلية بالعلوم المعرفية والسلوكية الخاصة بتحفيز الإنسان. [1]

وعلى صعيد آخر؛ فهناك أضرار تحدث عندما يفقد الناس السيطرة على استخدامهم للأجهزة الرقمية لتصبح جزء طبيعي من حياتهم اليومية. فالطريقة التي نستخدم بها الأجهزة الرقمية يمكن أن تشكل تهديدا على وجودنا. على سبيل المثال؛ تستحوذ الهواتف الذكية على أيدينا وعيوننا، فالنظر إلى الشاشات يجعل من الصعب التركيز مع ما يحيط بنا. [2] وهنا يأتي دور الرفاهية الرقمية إذ تساعد الأفراد في إيجاد التوازن، ورفع الوعي تجاه السلوكيات الناتجة عن استخدام التكنولوجيا.

المجالات الاجتماعية للرفاهية الرقمية

هناك العديد من المجالات التي تستخدم فيها التكنولوجيا بصورة كبيرة، لذلك أصبح من المهم تطبيق الرفاهية الرقمية في تلك المجالات. مثل: الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف والحوكمة والتنمية الاجتماعية والإعلام والترفيه. [1]

الرفاهية الرقمية والرعاية الصحية

تعد كل من الصحة الجسدية والصحة النفسية محاور أساسية لرفاهية الأفراد،كما أن توفيرها هام لتحقيق الرفاهية الاجتماعية. تركّز الأبحاث التي تتطرق إلى تأثير ودور التقنيات الرقمية في مجال الصحة والرعاية الصحية على عدة أفكار رئيسية مثل: تأثير التكنولوجيا على مفهومنا عن الصحة والرعاية الصحية. كما تهتم بالتحديات الأخلاقية مثل خصوصية المعلومات واستقلالية المريض. ذلك بالإضافة إلى بعض المخاوف الخاصة بالتقنيات الحديثة مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي التي تتضمن بعض الأسئلة مثل من المسؤول عن الرعاية الصحية؟ وكيف نضمن معقولية القرارات الآلية؟ وكيف نضمن فرص متساوية للحصول على خدمات الرعاية الصحية الرقمية؟

تُعرَّف الرفاهية في مجال الرعاية الصحية بأنها جودة حياة الفرد، وكيف يمكن أن تؤثر عليها التكنولوجيا. ويتسع المصطلح أحيانا ليشمل ما هو أكثر من الصحة الجسدية والنفسية للفرد مثل زيادة أمان البيئة المنزلية، وجودة الأوضاع الصحية، والتلاحم الاجتماعي للأفراد. [1]

ستستمر التقنيات الرقمية في تشكيل التطور في الأبحاث والممارسة الطبية في المستقبل القريب. على سبيل المثال؛ تتيح الابتكارات في التكنولوجيا الصحية تدفقات جديدة من المعلومات التي تستطيع أن تحسن من قدرات المريض وتخفف من المشاكل مثل عدم الالتزام بالدواء. بالإضافة إلى تقنيات التعلم الآلي التي تقدم طرق موثوقة وفعالة في تشخيص الأمراض مثل ألزهايمر. كما توفر التطورات في تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز و أجهزة الربط بين الدماغ والكمبيوتر طرق بحث جديدة في مجال إعادة التأهيل البدني، كما توفر طرق علاج جديدة للعلاج السلوكي المعرفي. [1]

مجال التعليم والتوظيف

بينما يمكن الفصل بين القضايا الأخلاقية المتعلقة باستخدام التقنيات الرقمية في مجال التعليم ومجال التوظيف. إذ يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس في مراقبة وتشكيل سلوك الأطفال مخاوف أخلاقية مختلفة عن المخاوف الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة وتشكيل سلوك الموظفين البالغين. [1]

لكن هناك بعض الأسباب التي تجعل من الأفضل التعامل مع مجالي التعليم والتوظيف كأجزاء موحدة لمجال واحد. أولاً؛إن استخدام أجهزة المراقبة والإشراف الإلكترونية بهدف الإنتاجية والرفاهية يُطبق في الفصول الدراسية وأماكن العمل مما قد ينتج عنه مخاوف بخصوص الصحة النفسية مثل خطر زيادة التوتر والقلق. ثانيا؛ تغير التطورات التكنولوجية من طبيعة العمل مما يتطلب تغييرا في المناهج التعليمية لتركز أكثر على الثقافة الرقمية وكذلك يتطلب من الموظفين التأقلم المستمر مع التغير التقني بتعلم مهارات جديدة أو تحسين المهارات التي لديهم. [1]

ورد في تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي عن مستقبل الوظائف كيف أن برامج التشغيل التكنولوجية مثل الإنترنت عالي السرعة والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات والحوسبة السحابية «تأجير وحدات تخزين بيانات عبر الإنترنت» ستغير أسواق العمل العالمية. تعتمد فرص الازدهار الاقتصادي والتطور المجتمعي والتقدم الفردي على قدرة أصحاب المصالح على القيام بإصلاحات في أنظمة التعليم والتدريب وسياسات سوق العمل وطرق تنمية المهارات وترتيبات العمل والعقود الاجتماعية. [1]

كما توضح العديد من التقارير مدى تأثير تنوع التقنيات الرقمية مثل تكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز. ويمكن لتلك التقنيات أن تحسن التعلم الدائم وتحقيق الذات والانفتاح على الفرص الجديدة. وهناك بعض الدراسات التي وضحت كيف تلاحظ الهواتف الذكية الحالة المزاجية للطلاب، وكيف تساعد في تقليل عبء العمل عن طريق رفع الوعي بالإجهاد والاضطراب العاطفي الناتج عن العمل. [1]

مجال الحوكمة والتنمية الاجتماعية

أصبحت العديد من الحكومات تهتم بعلوم الرفاهية وتأثيرها على السياسة. لذلك ازداد الاهتمام باستخدام التقنيات الرقمية مثل البيانات الضخمة والتعلم الآلي للمساعدة في مراقبة المؤشرات الوطنية للرفاهية وتطوير مدن ذكية تساعد في تنمية الرفاهية الاجتماعية.

إن تطوير مدن ذكية يعد عامل هام في تحسين الأوضاع غير البيولوجية والبيئية والاجتماعية التي تشكل رفاهية المواطن. ويمكن أن يمتد إلى الرعاية الصحية عن طريق إيجاد تيارات بيانات إضافية تنعكس بصورة أكثر دقة على الطبيعة متعددة الأبعاد للصحة والرفاهية. [1]

دور الرفاهية الرقمية في الإعلام والترفيه 

إن التقنيات الرقمية المرتبطة بوسائل الإعلام والترفيه تقدم فرص جديدة لتحسين الرفاهية. فتكنولوجيا الواقع الافتراضي والواقع المعزز قد تساعد في زيادة الوصول للموارد العامة مثل المعارض الفنية والمتاحف. إضافة لذلك الألعاب عبر الإنترنت التي تساعد في فهم الذات والرفاهية النفسية عن طريق توفير فرص للاعبين للمشاركة في نماذج قصصية مختلفة للتعبير عن الذات عن طريق صورهم في الألعاب. [1]

كما تعد وسائل التواصل الاجتماعي من أهم المؤثرات على الرفاهية الفردية والاجتماعية. إذ تساعد الأفراد في فهم أفضل لحدود رفاهيتهم النفسية وتنمية مهارات تقرير مصيرهم من خلال إعدادات الإنترنت بطريقة تشبه ما يحدث في الألعاب عبر الإنترنت.

كما تساعد وسائل التواصل الاجتماعي مقدمي الرعاية غير الرسميين مثل آباء الأطفال المصابين بالتوحد، على تحسين شعورهم بالانتماء الاجتماعي. كما تمدهم بمعلومات متعلقة بظروفهم. ويمكن أيضا أن تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بهدف توكيد الذات عن طريق الآراء الاجتماعية الداعمة لهم خاصة عند التعرض لمواقف سلبية. [1]

وفي الختام إذا كانت بعض أوجه التكنولوجيا تشكل تهديدا على رفاهيتنا واستقلاليتنا، فهناك أوجه أخرى تستطيع أن تحسن منهما أيضا. فلا نعني بالرفاهية الرقمية الانفصال عن التكنولوجيا ولكن نعني ضبطها وتنظيمها بما يتناسب مع حاجات البشر. [2]

المصادر

The Ethics of Digital Well-Being: A Thematic Review

2- Digital wellbeing, according to Google

3- Time spent on digital devices and sadness: The mediating outcome of boredom

4- When the Good Turns Ugly: Speculating Next Steps for Digital Wellbeing Tools

لغز أشعة جاما المميتة المتسللة بين الغيوم!

تطلق العواصف الرعدية عصفات قوية من أشعة جاما علي شكل انفجارات قوية يقاس طولها بالملليِ ثانية وتسمي ومضات أشعة جاما الأرضية. [1] وتنتج هذه الانفجارات أيضا أشعة من الإلكترونات وحتي من المادة المضادة التي تستطيع السير نصف الطريق حول الكرة الأرضية. إن جميع التفسيرات المقترحة تتضمن مجالات كهربائية قوية مطلقة للإلكترونات مندفعة بقوة إلي داخل السحب الرعدية، ولكن لايوجد تفسير يفسر تماما الطاقات المنحدرة عموديا لأشعة جاما. ولكن، ربما تحل هذا اللغز المهمات الفضائية الموجهة حديثًا والطائرات البحثية، إضافة إلى بحثها عما إذا كانت الومضات تعرض رحلات خطوط الطيران لأخطار إشعاعية.

هل سبق أن رأيت وميضًا من الضوء الأزرق اللامع في السماء أثناء عاصفة رعدية؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنت قد حضرت دفقة مماثلة من أشعة جاما الأرضية. أشعة جاما هي شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي لها طاقة عالية جدًا. عادة ما يتم إنتاجها من مصادر خارج الأرض، مثل انفجارات المستعر الأعظم أو أشعة الشمس. ولكن في الواقع، يمكن أيضًا إنتاجها داخل الغلاف الجوي للأرض أثناء العواصف الرعدية.

ومضات أشعة جاما الأرضية هي أحداث قصيرة العمر للغاية، تستمر عادةً لبضع مللي ثانية فقط. إنها قوية جدًا أيضًا، حيث يمكن أن تصل طاقتها إلى مليارات الإلكترون فولت. فما الذي يسبب ومضات أشعة جاما الأرضية؟ لا يزال العلماء غير متأكدين من الإجابة، ولكن هناك عدد من النظريات المحتملة. إذن، فما هي أهمية ومضات أشعة جاما الأرضية؟ لا تزال العلوم تدرس هذه الظاهرة، ولكن هناك عددًا من الإمكانات المحتملة أيضًا. على سبيل المثال، يمكن استخدام ومضات أشعة جاما الأرضية لدراسة كيفية عمل العواصف الرعدية، ويمكن أن تساعدنا أيضًا على فهم المزيد عن الإشعاع الكوني.

في السنوات الأخيرة، بذلت الجهود لدراسة ومضات أشعة جاما الأرضية بشكل أكبر. وتم إطلاق العديد من المهمات الفضائية لدراسة هذه الظاهرة، كما تم تطوير تقنيات جديدة للكشف عن ومضات أشعة جاما الأرضية. ومع استمرار البحث في ومضات أشعة جاما الأرضية، نتعلم المزيد عن هذه الظاهرة الغريبة والمذهلة. فهل أنت مستعد لمعرفة المزيد عن ومضات أشعة جاما الأرضية؟

رصد محير بالقرب من الأرض

في عام 1991، أدرك “فيشمان” من مركز ناسا مارشال لرحلات الفضاء، بواسطة المرصد الجديد “كومبتون” أن هناك شيئا غريبا يحدث. المرصد كومبتون المطلق إلي مدار الكرة الأرضية من سفينة الفضاء أتلانتس مصمم للكشف عن أشعة جاما المنبعثة من الأجسام الفيزيائية الفلكية البعيدة. كتلك التي تنبعث من النجوم النيترونية وبقايا النجم المستعر. وقد نجح المرصد بالفعل في تسجيل انفجارات ساطعة طولها ملِلي ثانية من أشعة جاما، ولكن هذه المرة -على غير العادة- تأتي الآشعة من الأسفل، أي من الأرض، وليست من الفضاء الخارجي!

مثلت تلك الحادثة صدمة لعلماء الفيزياء الفلكية. فلقد اعتقد علماء الفيزياء الفلكية أن الظواهر الغريبة مثل التوهجات الشمسية والثقوب السوداء والنجوم المتفجرة تسرع الإلكترونات وغيرها من الجسيمات إلي طاقات عالية للغاية. ومن ثم تستطيع هذه الجسيمات الفائقة الشحن بث أشعة جاما، وهي الفوتونات الأكثر طاقة في الطبيعة. وفي الأحداث الفيزيائية الفلكية، تتسارع الجزيئات خلال الحركة الحرة -أو الحرة تقريبا- في الفراغ. فكيف إذن, تستطيع الجزيئات في الغلاف الجوي للأرض من فعل الشئ نفسه ؟ [3]

قادت البيانات الأولية إلي الاعتقاد مبدئيا أن ما يدعى بومضات أشعة جاما الأرضية قد نشأت على ارتفاع 40 ميلا فوق السحب. والمدهش أنها تنبعث على ارتفاع أقل من مكان نشأتها بكثير بواسطة التفريغ الكهربائي داخل السحب الرعدية المتنوعة. وخلال ذلك، تسعى الكثير من النظريات المتطورة إلى تفسير أشعة جاما الأرضية تلك بما يتوافق مع المشاهدات. فمرة بعد أخري، تكشف التجارب عن طاقات كان يستحيل من قبل تخيل وجودها في الغلاف الجوي. وحتي المادة المضادة حققت ظهورا مفاجئا.

الشروع في وضع أولي التصورات

ظاهرة سبرايتس ( عفاريت البرق) Sprites

في البداية، تساءل العلماء عما إذا كانت لأشعة جاما علاقة بأعجوبة أخرى من عجائب الغلاف الجوي المكتشفة قبل سنوات قليلة فقط. إذ التقطت الكاميرات الموجهة فوق السحب الرعدية صورا ضوئية لومضات قصيرة لامعة من الضوء الأحمر على ارتفاع 50 ميلا فوق سطح الأرض وعلى مسافة عدة أميال، وكانت هذه الصور وكأنها لقنديل بحر عملاق. هي ليست قنديلًا بالطبع ولكن تفريغ كهربي، وسمي هذا التفريغ الكهربي المذهل تسمية غريبة وهي “سبرايتس” sprites العفاريت، ولأن سبرايتس تصل تقريبا إلى حدود الفضاء، فيبدو الأمر مقنعا أنها ربما هي من أطلق أشعة جاما، التي قد يراها مسبار ما يدور حول الأرض كمرصد كومبتون. [2]

بعد وقت قصير، قام الفيزيائيون النظريون بأولى المحاولات لشرح كيف يمكن لسبرايتس إنتاج أشعة جاما المرتبطة بالفضاء. ويعتقد أن سبرايتس هي عبارة عن تأثيرات جانبية للبرق الطبيعي الحادث في السحب على ارتفاع منخفض جدا. والبرق هو عبارة عن قناة موصلة كهربائيا، تفتح مؤقتا في الهواء، الذي يكون عازلا كهربائيا في تلك الحالة. وتحمل الصاعقة الإلكترونات بين مناطق الغلاف الجوي أو بين الغلاف الجوي والأرض، ويحدث هذا بسبب عدم اتزان الشحنات الكهربائية التي تنطلق بواسطة المجالات الكهربائية الناتجة، والتي يزيد فرق جهدها على 100 مليون فولت.

تصور جيوريفتش لومضات جاما بواسطة السحب الرعدية

إن الاندفاع العنيف للإلكترونات يعيد الاتزان الكهربائي جزئيا، مثلما يحدث عندما نشد سجادة من أحد أطرافها، فإنه غالبا ما يؤدي إلى نتوء باتجاه معاكس فى مكان آخر. أي أنه غالبا ما ينبثق عن التفريغ الكهربائي داخل السحب مجال كهربائي فى مكان آخر، بما فى ذلك سطح الأرض. حيث يمكن أن يؤدي لاحقا إلي برق صاعد من أسفل الغلاف الأيوني للأرض حيث قد تنشأ سبرايتس.

في عام 1992 استطاع “جيوريفيتش” من معهد ليبديف الفيزيائي فى موسكو ومعاونوه أن يبينوا أن المجالات الكهربائية الثانوية بالقرب من الغلاف الأيوني للأرض يمكن أن تنتج كما هائلا من الإلكترونات عالية الطاقة، والتي عند اصطدامها بالذرات، تنطلق منها فوتونات أشعة إكس ذات الطاقة العالية، بالإضافة إلى أشعة جاما، بالتوهج الأحمر المميز لظاهرة سبرايتس.

هذه الآلية التي جري افتراضها مستنتجة من قبل العالم “ويلسون” في عام 1920 الحائز على جائزة نوبل. وعند الطاقات الصغيرة، تتصرف الإلكترونات المندفعة كالبحارة المخمورين، حيث تتدافع من جزئ إلي آخر فاقدة طاقتها مع كل تصادم. أما عند الطاقات العالية، فتسير الإلكترونات فى خط مستقيم، مكتسبة طاقة عالية من المجال الكهربائي، مما يقلل من تأثير أي تصادم فى اضطراب مسارها وهكذا. و تختلف هذه النتيجة مع خبراتنا اليومية، حيث كلما أسرعنا فى الحركة، زادت معاناتنا مع القوة العكسية، تماما مثل ما يعانيه سائق دراجة بسبب مقاومة الهواء. [4]

تستطيع تلك الإلكترونات الهاربة التسارع إلي سرعة الضوء تقريبا وتسير إلي أميال قبل توقفها بدلا من المسافة الصغيرة التي يتحركها الإلكترون عادة فى الهواء. وقد أرجع فريق “جيوريفيتش” إلى أن اصطدام الإلكترون الهارب بجزيء الغاز فى الهواء، يمكنه من تحرير إلكترون آخر، ويتسارع هذا الإلكترون. والنتيجة تشبه تفاعل متسلسل، حيث تندفع الإلكترونات عالية الطاقة بشكل هائل وتتزايد لوغاريتميا مع المسافة المقطوعة فتقطع مسافات بعيدة مع امتداد المجال الكهربائي. وتأثير الاندفاع الهائل للإلكترونات طبقا لحسابات “جيوريفيتش”، من الممكن أن يزيد إنتاج أشعة إكس وأشعة جاما بمقادير مضاعفة. ويبدو هذا التصور لبرهة مقبولا بشدة بسبب قدرته على توحيد ظاهرتين جويتين منفصلتين، وهما ومضات أشعة جاما وظاهرة السبرايتس. ولكن كما سوف نري، اتضح أن الواقع أكثر تعقيدا.

مزاعم ربط أشعة جاما بظاهرة سبرايتس

خلال السنوات العديدة اللاحقة ابتداء من عام 1996، ظهرت العديد من الفرضيات الدقيقة للنظرية التي تصورت سبرايتس كاندفاعات هائلة من الإلكترونات منتجة أشعة جاما. ودليل واحد هو الذي دعم هذا النموذج الشبحي، وهو طيف الطاقة لأشعة جاما. فأشعة جاما ذات الطاقة العالية تسير مسافات أبعد في الهواء أكثر من الأشعة الأقل طاقة، ومن ثم فهي الأكثر احتمالا لفعل ذلك في الفضاء. وبحساب عدد فوتونات أشعة جاما التي تصل إلى سفينة الفضاء عند كل مستوى طاقة، يستطيع العلماء استنتاج ارتفاع مصدرها. وقد أشارت أولى اختبارات الطاقة لأشعة جاما، كما جرى رصدها بواسطة المرصد CGRO، إلى وجود مصدر على ارتفاع عال جدا، وهذا متناسق مع ظاهرة سبرايتس، ولكن في عام 2003، أخذت الأحداث منحى غير متوقع!

فخلال العمل في موقع أبحاث البرق في فلوريدا وقياس الانبعاثات من أشعة إكس التي تصل الأرض من برق الصاروخ المنطلق، اكتشف “وَير” -فيزيائي فلكي وأستاذ في معهد فلوريدا للتقانة- ومعاونوه ومضة لامعة من أشعة جاما تخرج من سحابة رعدية، ثم غمرت المنطقة من حولهم. هذا الوميض المسجل على الأجهزة شابه تماما إحدى ومضات أشعة جاما الأرضية التي اعتقد الجميع أنها نشأت عن مكان أكثر بعدًا، وذلك لأن الأشعة لها الطاقة نفسها والفترة الزمنية ذاتها، وهي نحو 0.3 مللي ثانية.

اعتقد الجميع أن هذه الومضات آتية من ارتفاعات عالية يتعذر رؤيتها من الأرض. وقد أوحى التشابه أنه ربما تكون الصواعق البرقية في داخل السحب الرعدية من المصادر المباشرة لأشعة جاما الواصلة إلى المرصد CGRO، ولكن في الوقت نفسه بدت الفكرة ضربا من الهوس. إذ يتعين أن يكون الضوء شديدا للغاية للحصول على أشعة جاما كافية للخروج إلى الفضاء عبر كل الغلاف الجوي.

مصور التحليل الطيفي RHESSI ودحض الادعاء

بعد وقت قصير، استطاعت تطورات أخرى إبطال المزاعم المرتبطة بين سبرايتس وأشعة جاما. ففي عام 2002 أطلقت ناسا NASA مصور التحليل الطيفي الشمسي العالي الطاقة RHESSI لدراسة أشعة إكس وأشعة جاما من الشمس، ولكن مجسات الجرمانيوم الكبيرة الخاصة بالمرصد RHESSI كانت ممتازة لقياس أشعة جاما القادمة من الغلاف الجوي بكفاءة عالية. وقام “سميث” -فيزيائي فلكي في جامعة كاليفورنيا ضمن فريق المرصد RHESS- بتوظيف “أ.لوبيز” التي كانت حينئذ طالبة في المرحلة الجامعية الأولى بجامعة كاليفورنيا، لتنظر في سيل البيانات المسجلة من قبل المرصد RHESSI لسنوات، بحثا عن أي دليل لأشعة جاما المنبعثة من ارتفاعات منخفضة من الأرض.

وفي هذا الوقت، كان يُعتقد أن ومضات أشعة جاما الأرضية نادرة جدا، ولكن كان الحظ حليف لوپیز التي صادفت اكتشافا نفيسا. كان المرصد RHESSI يسجل ومضة مرة كل بضعة أيام أكثر بعشر مرات من المعدل الذي جرى رصده من قبل المرصد CGRO. لقد قاس المرصد RHESSI طاقات فوتونات أشعة جاما في كل ومضة بشكل أفضل بكثير مما فعله مرصد CGRO. ويبدو طيف أشعة جاما الضوئي مماثلا تماما لما هو متوقع من الإلكترونات الهاربة. وبمقارنة تلك القياسات بالقياسات النظرية المتوقعة، استُنتِج أن أشعة جاما مرت عبر الكثير من الهواء، ومن ثم يجب أن تكون قد نشأت عن ارتفاع  تقريبي يتراوح بين تسعة أميال وثلاثة عشر ميلا، وهي مسافة مساوية تماما لأعالي العواصف الرعدية ولكنها أقل بكثير من ارتفاع الخمسين ميلا حيث توجد ظاهرة سبرايتس.

تجمعت سريعا أدلة مستقلة إضافية تؤيد منشـأ الارتفاع المنخفض لأشعة جاما. وأوضحت القياسات الإشعاعية التي أجريت بواسطة “کومر” -من جامعة ديوك- للبرق المرتبط ببعض سجلات المرصد RHESSI أن هذه الومضات البرقية أضعف بكثير مما يتطلب لعمل ظاهرة سبرايتس. وتبدو خريطة المرصد RHESSI لومضات أشعة جاما حول العالم مشابهة تماما للبرق الطبيعي، الذي يتركز في المناطق الاستوائية وأقل بكثير من محاولات مقاربتها بخريطة ظاهرة سبرايتس، التي تتجمع غالبًا على ارتفاعات أعلى من السهول العظمى بالولايات المتحدة الأمريكية.

حجة تعيد الشكوك

بقيت حجة واحدة لتفضيل ظاهرة سبرايتس كمنشأ، وهي أن طيف الطاقة طبقا لأرصاد CGRO يشير إلى مصدر عالي الارتفاع. يتفق ذلك أكثر مع ظاهرة سبرايتس عن العواصف الرعدية. فقد بدأ الكثيرون في الاعتقاد بأن من المحتمل وجود نوعين من ومضات أشعة جاما، منخفضة وعالية الارتفاع، ولكن التأكيد النهائي لفكرة سبرايتس جاءت عندما أدركنا أن ومضات أشعة جاما الأرضية كانت أكثر إضاءة مما كان يعتقد سابقا.

في الواقع، أثناء العمل فيما بعد مع طالب دراسات عليا  “جريفينستيت” في عام 2008، وجد أن هذه الومضات كانت شديدة السطوع حتى إن المرصد CGRO كان معمى جزئيا بسببها، ولم يستطع قياس الشدة الكلية الحقيقية لها. هذا التشبع أثّر أيضا في المرصد RHESSI ولكن بدرجة أقل. وعندما أعاد الباحثون في جامعة بيركن بالنرويج تحليل البيانات في عام 2010، وجدوا أن بعد أخذ تشبع أجهزة الرصد في الاعتبار، قد جعل النتائج متوافقة مع المصادر الأقل ارتفاعًا. وبعد أقل من سنتين، هبط الارتفاع المزعوم في البيانات المسجلة لومضات جاما أكثر من 30 ميلا. [6]

مسببات المادة المضادة

إذا كانت سبرايتس ليست هي المسؤولة عن إنتاج ومضات أشعة كاما، فمن المسؤول إذن؟ وهل العملية لا تزال تتضمن الاندفاعات العنيفة للإلكترونات الهاربة؟ لقد ثبت في النهاية أن طريقة الاندفاعات العنيفة للإلكترونات، كما تمت صياغتها وتصويرها بواسطة “جيوريفيتش” ومعاونيه، مع أنها شديدة الطاقة لتفعل أي شيء مع سبرايتس، لكنها ليست قوية لدرجة تكفي لتوليد الإضاءات الكبيرة المرئية بواسطة المرصد RHESSI أو عن طريق التحليلات الجديدة لبيانات المرصد CGRO. كما أن الحسابات التي أجريت من قبل “وَير” قد أوضحت أن طريقة الاندفاعات الشديدة للإلكترونات العالية الطاقة جدا تستطيع إطلاق طاقة أكبر بتريليونات المرات أكثر مما نتصور. وتستطيع عمل الشيء نفسه داخل سحابة رعدية، والمذهل أن هذه الطريقة تتضمن وبكل تأكيد إنتاج الكثير من المادة المضادة.

وإذا كان المجال الكهربائي داخل السحب الرعدية قويا بالقدر الكافي، فإن الإلكترونات الهاربة – المفترض تكونها بطريقة ما – تتسارع إلى سرعة الضوء تقريبا، فعندما تلتقي الذرات في جزيئات الهواء، فسوف تبعث أشعة جاما. وبالتبعية، فإن فوتونات أشعة جاما تستطيع التصادم بنوى الذرات لإنتاج زوج من الجزيئات: إلكترونات ومضاداتها التوائم “بوزيترونات“. فالبوزيترونات سوف تندفع أيضا، مكتسبة طاقة المجال الكهربائي. ولكن بينما تندفع الإلكترونات إلى الأعلى فإن البوزيترونات التي تحوي شحنة معاكسة سوف تندفع إلى الأسفل. وعندما تصل البوزيترونات إلى أسفل المجال الكهربائي، سوف تصطدم بذرات الهواء فتنتج منها إلكترونات جديدة تندفع إلى الأعلى مرة أخرى.

آلية الاسترجاع النسبي للتفريغ الكهربائي

 بهذه الطريقة، فإن الإلكترونات الصاعدة سوف تنتج بوزيترونات متجهة إلى الأسفل والتي بالتبعية سوف تنتج إلكترونات أكثر صعودا إلى الأعلى وهكذا. وإذا كان اندفاع واحد للإلكترونات يؤدي إلى إنتاج العديد منها، فإن التفريغ الكهربائي سوف ينتشر سريعا فوق مساحة واسعة للسحابة الرعدية، تصل في اتساعها إلى أميال عديدة. والأعداد المتنبأ بها بهذا النموذج – يسمى نموذج التفريغ الكهربائي الاسترجاعي النسبي – تتلاءم تماما مع الشدة والفترة الزمنية وطيف الطاقة لأشعة جاما، كما جرى رصدها بالمرصدين CGRO و RHESSI.

يشبه الاسترجاع  الإيجابي من البوزيترونات الصوت المزعج الذي نحصل عليه عند الإمساك بالميكروفون من فوق سماعة. وهذا المنطق هو وراء تفسير آخر محتمل وإن لم يجر التحقق منه رياضياتيا بشكل كامل بعد، وهو أن هذه الومضات من أشعة جاما هى النسخة الأكثر طاقة من أشعة إكس المنبعثة بواسطة البرق عند اقترابه من الأرض.

لسنوات عديدة، قام الباحثون في معهد فلوريدا ومعهد نيومكسيكو للتعدين والتقانة بقياس أشعة إكس هذه، سواء تلك الناتجة من البرق الذي ينبعث صناعيًا من إطلاق الصواريخ أو من البرق الطبيعي الذي يضرب الأرض. وقد أوضحت أفلام أشعة إكس من كاميرا أشعة إكس السريعة في ولاية فلوريدا أن الانفجارات تنبثق من قمة قناة البرق خلال سريانها من السحب إلى الأرض. ويعتقد معظم العلماء أن أشعة إكس تتولد عن طريق الإلكترونات الهاربة، المعجلة بواسطة المجالات الكهربائية القوية أمام البرق. وربما لأسباب لم تعرف بعد، فإن البرق الذي يتحرك في المجال الكهربائي داخل السحب الرعدية يقوم بوظيفة أفضل لإنتاج هذه الإلكترونات الهاربة. إذا صحت هذه الفكرة، فإن الومضات المرصودة من سفينة فضاء على بعد مئات الأميال ربما تكون مجرد نوع – مكبر ببعض الطرق غير المعروفة بعد – من أشعة إكس المتولدة من البرق والتي جري رؤيتها على الأرض بواسطة مجسات على بعد مئات الأقدام من الصاعقة.

اكتشاف من الصحراء الكبري علي حين غرة

مع نهاية عام 2005 كان “سميث” ومعاونوه واثقين من أن معظم ومضات أشعه جاما الأرضية تنشأ من داخل أو قريبا من أعالي السحب الرعدية، بغض النظر عما إذا كانت المادة المضادة أو سهام البرق المقوى متضمنة معها. وقبل أن يتقبلوا هذا الطرح بشغف، ظهر شيء وضع فهمهم محل تساؤل من جديد. إذ أن إحدى الظواهر المرصودة من المرصد RHESSI كانت دويا شديدا في وسط الصحراء الكبرى في أواسط إفريقيا Sahara Desert في يوم مشمس ومن دون سحب رعدية في المشهد!

قضي “سميث” وطلبته شهورا يناضلون على تفسير هذا الحدث. تشكلت السحب الرعدية هذا اليوم بالفعل، ولكن ليس في المكان الذي كانت تبحث فيه السفينة الفضائية. كانت السحب الرعدية على بعد آلاف الأميال إلى الجنوب، على الأفق من المرصد RHESSI. ولكن يجب أن تسير أشعة جاما لهذه السحب كجميع أشكال الضوء في خط مستقيم، لكنها لم تصل إلى السفينة الفضائية.

ومن ناحية أخرى، يجب أن تسير الجسيمات المشحونة مثل الإلكترونات طبيعيا في مسارات منحنية ملتفة حلزونيا حول الخطوط المنحنية للمجال المغنطيسي للأرض. وقد كانت العواصف الرعدية موجودة تماما على الطرف الآخر لخط المجال المغنطيسي المار بالسفينة الفضائية، وتستطيع الإلكترونات التي وصلت إلى ارتفاعات عالية جدا السير حول الكوكب والاصطدام في مجسات المرصد RHESSI، مكونة في هذه العملية أشعة جاما. ومع ذلك،  يبدو من المستحيل على الإلكترونات المتحررة داخل سحابة رعدية عمل ذلك خلال الكثير من الأميال في الغلاف الجوي إلى هذا الارتفاع في الفضاء حيث تسير حول خطوط المجال. وقد بدت تلك الملاحظة الجديدة بأنها تحتاج إلى مصدر عالي الارتفاع.

تيليسكوب فيرمي

وفي عام 2011 لاحظ تليسكوب فيرمي FERMI الفضائي لأشعة جاما العديد من هذه الأشعة التي تدور حول الكوكب محققا بذلك اكتشافا مذهلا، وهو أن جزءا كبيرا من الأشعة يتكون من بوزيترونات. وهكذا فإنه يبدو أن الظواهر الجوية لا تستطيع فقط إطلاق إلكترونات وأشعة جاما إلى الفضاء وإنما أيضا جزيئات المادة المضادة. وبإدراك متأخر، كان يجب أن يُتوقع رؤية هذه البوزيترونات نظرا لمدى طاقة أشعة جاما. ومع ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار كم هو غريب ملاحظة المادة المضادة في الطبيعة، فإن ما اكتشفه تليسكوب فيرمي كان مذهلا. [5]

إن تفسير مشاهدات الصحراء الكبرى، الذي أدركه فريق “سميث” عاجلا، لم يكن أن أشعة جاما قد جاءت من ارتفاع عال، وإنما على الأرجح أنها نتجت داخل السحب الرعدية بأعداد هائلة أكثر مما كان متوقعا. واصطدم البعض المتجه منها إلى الفضاء بجزيئات الهواء العَرَضية على ارتفاع يتجاوز الـ25 ميلا تقريبا منتجة أزواجا  ثانوية من الإلكترونات والبوزيترونات التي تركب عندئذ خطوط المجال المغنطيسي حول الأرض. وفي المرة القادمة عندما ترى سحابة رعدية طويلة، توقف لتتذكر أنها قادرة على أن تطلق إلى الفضاء جزيئات عالية الطاقة يمكن كشفها على الجانب الآخر من الكوكب.

الطيران مباشرة داخل السحب الرعدية

 إن الحسابات الأولية توضح أنه إذا ما حدث أن اصطدمت رحلة خطوط طيران مباشرة بإلكترونات عالية الطاقة وأشعة جاما داخل عاصفة رعدية، فإن الركاب وأعضاء طاقم الطائرة – من دون الشعور بأي شيء – من الممكن أن يتلقوا جرعة إشعاعية في جزء من الثانية تصل إلى الجرعة الإشعاعية الطبيعية التي يمكن أن يتعرض لها المرء طوال حياته. لكن من الأخبار الحسنة أننا لا نحتاج إلى تحذير الطيارين للبقاء بعيدا عن العواصف الرعدية، لأنهم يفعلون ذلك بالفعل. فالعواصف الرعدية هي أماكن يكون الوجود فيها شديد الخطورة سواءًا في وجود أشعة جاما أو غيابها.

إلى حد ما، استكملت دراسة ومضات أشعة جاما الأرضية عمل “بنجامين فرانكلين”، الذي يزعم أنه أرسل طائرة ورقية إلى سحابة رعدية لرؤية مدى إمكانية توصيلها للكهرباء. ومن ثم أوضح فرانكلين منذ قرون أن البرق هو عبارة عن تفريغ كهربائي، والمفاجأة أنه وبعد قرنين ونصف من تجربته للطائرة الورقية، لا يزال لدى العلماء فهم غير كامل، ليس فقط حول كيفية تكوّن ومضات أشعة جاما بواسطة السحب الرعدية بل وحتى تكون البرق البسيط.

المصادر

1- GAMMA Rays

2-Sprite (Lightning)

3-Discovery of Intense Gamma-Ray Flashes of Atmospheric Origin

4-Runaway Breakdown and the Mysteries of Lightning

5-Electron-Positron beams from terrestrial lightning observed with Fermi GBM

6-Thunderclouds Make Gamma Rays—and Shoot Out Antimatter, Too

Show affiliations

سفيان تايه، جريمة إسرائيلية في حق العلم وليست الأخيرة!

نشأة سفيان تايه

وُلد سفيان عبد الرحمن عثمان تايه وكنيته أبو أسامة؛ في أغسطس 1971 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. تلقى تعليمه المدرسي في مدارس وكالة الأونروا بالمخيم. التحق بقسم الفيزياء بالجامعة الإسلامية وتخرج في عام 1994 ليصبح معيدًا في العام نفسه. 

تعليمه

سجل للدكتوراة في عام 2004 وحصل عليها من جامعة عين شمس في مصر عام  2007. عمل أستاذًا مساعدًا في قسم الفيزياء بالجامعة الإسلامية بغزة في الفترة بين 2008 و2013، ثم أصبح أستاذًا مشاركًا في الفيزياء من 2013 إلى 2018، ثم أستاذًا متفرغًا للفيزياء النظرية في تخصص الإلكترونيات الضوئية بالقسم. كما عمل مساعدًا لنائب رئيس الجامعة للشئون الأكاديمية لعدة سنوات. قرر مجلس أمناء الجامعة الإسلامية بقطاع غزة مع مطلع العام الدراسي في 2023 تعيين الأستاذ الدكتور سفيان عبد الرحمن تايه رئيسًا للجامعة الإسلامية خلفًا للأستاذ الدكتور ناصر إسماعيل فرحات.

«أدركت منذ أولى لحظاتي في الجامعة الإسلامية أن مهمة الجامعة لا تقتصر على التدريس وتخريج الأجيال، وإنما تضطلع بثلاث مهام رئيسية وهي البحث العلمي وخدمة المجتمع ثم التدريس. يحل التدريس ثالثًا وليس مهمة أساسية، فالمهمة الرئيسية هي البحث العلمي.»

سفيان تايه

امتنان ورسالة

عزى تايه الفضل في مسيرته إلى الفريق البحثي التابع لقسم الفيزياء في الجامعة الإسلامية. ركزت اهتماماته البحثية على مجالات البصريات المتكاملة لتطبيقات أجهزة الاستشعار، والأدلة الموجية، والقياس الإهليلجي، والصمام الثنائي العضوي الباعث للضوء (OLEDs)، والتقنيات الرقمية، والبصريات غير الخطية، وتطبيقات البلورات الفوتونية. نشر قرابة 150 دراسة في مجلات دولية محكمة. كما شارك في العديد من المؤتمرات الدولية والمحلية. وقد بلغت اقتباسات أبحاث تايه 3721 اقتباسًا وحصل على 33 على مؤشر إتش H index (المستخدم لقياس الانتاجية والتأثير الانتشاري للباحث أو المؤلف) و 116 على مؤشر آي تن. [1][2]

احتفاء دولي

مُنح سفيان تايه جائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان في الأردن عام 2012. كما مُنح جائزة البنك الإسلامي الفلسطيني للبحث العلمي لعام 2019 و2020. وأعلنت عمادة البحث العلمي والدراسات العليا في الجامعة الإسلامية اسمه، في 3 مارس 2022، ضمن الفائزين بجائزة الجامعة للبحث العلمي للعام 2021.
وقع الاختيار على تايه، الذي ترأس أكبر جامعة في غزة، ليكون ضمن أفضل 2% من الباحثين حول العالم بناءً على دراسة أجرتها دار النشر العالمية إلسفير وجامعة ستانفورد في الولايات المتحدة في أغسطس 2021. كما عُين حاملًا لكرسي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» لعلوم الفلك والفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء منذ 28 مارس 2023، بعد تجديد الجامعة الإسلامية في غزة وجامعة الأزهر والأقصى الاتفاقية الموقعة مع المنظمة. [3] 

عطاء لا ينقطع

واصل تايه نشر الأبحاث حتى أثناء القصف المستمر على غزة، إذ نشر عدة أبحاث في خضم الحرب في شهري أكتوبر ونوفمبر:

  • نشر في أكتوبر 2023 دراسة بعنوان «التحليل العددي للمستشعر الحيوي المبني على ألياف البلورات الفوتونية للكشف عن بكتيريا ضمة الكوليرا والإشريكية القولونية في نظام التيراهرتز» (Numerical Analysis of a Photonic Crystal Fiber‐Based Biosensor for the Detection of Vibrio cholera and Escherichia coli Bacteria in the THz Regime) ودراسة بعنوان «خصائص الامتصاص لبلورة فوتونية ثنائية معيبة تتكون من مادة فائقة وثاني أكسيد السيليكون وورقتين من الجرافين» (Absorption Properties of a Defective Binary Photonic Crystal Consisting of a Metamaterial, SiO2, and Two Graphene Sheets) وأخرى بعنوان «تصميم متعدد الطبقات من التيتانيوم والسيليكون لامتصاص الطاقة الشمسية على أساس مادة التنغستن لتحويل الطاقة الحرارية الشمسية» (Multi-layered Ti–Si solar absorber design based on tungsten material for solar thermal energy conversion)
  • نشر في نوفمبر 2023 دراسة بعنوان «الكشف المباشر عن الدوبامين باستخدام مستشعر رنين البلازمون السطحي المعتمد على أسلاك أكسيد الزنك» (Direct detection of dopamine using zinc oxide nanowire-based surface plasmon resonance sensor)

يبرز من أبحاث تايه انشغاله بتطبيقات الفيزياء في المجالات الطبية للدمج بين المجالين، فيقول معلقًا على اختياره ضمن الباحثين البارزين دوليًا: «أعد تصنيفي وتصنيف أخي الدكتور بسام نقطة إيجابية في سبيل الرقي بجامعتنا»

عائلة علمية مميزة

يعمل بسام تايه -شقيق سفيان- أستاذًا متفرغًا في الجامعة الإسلامية بغزة في فلسطين، ونائبًا لعميد البحث العلمي والدراسات العليا. تتلخص اهتماماته البحثية في مجال البناء والتشييد. صُنف وفقًا لتقرير جامعة ستانفورد لشهر أكتوبر 2021 ضمن أفضل 2% من الباحثين عالميًا في مجال البناء والتشييد. حصل على الدكتوراه من جامعة العلوم الماليزية. وشغل منصب مدير مركز «إيوان» للتراث الثقافي في الجامعة الإسلامية بغزة منذ عام 2015 حتى الآن. اهتم بمجالات الاستفادة من خرسانة الألياف فائقة الأداء (UHPFC) ومواد البناء الصديقة للبيئة. شارك في عدة أبحاث حول إعادة استخدام النفايات الصناعية باستبدال الأسمنت أو غيره من محتويات الخرسانة لإنتاج خرسانة صديقة للبيئة. [4]

مقتل سفيان تايه

صرحت وزارة التعليم العالي الفلسطينية، يوم السبت الموافق 2 ديسمبر، إن هجومًا إسرائيليًا على الفالوجة شمال قطاع غزة، وغرب مخيم جباليا، أسفر عن استشهاد سفيان تايه وعائلته. جاء ذلك في أعقاب الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع ردًا على عملية طوفان الأقصى التي بدأت في 7 أكتوبر 2023. [5]

علماء آخرون قتلهم الاحتلال

لم تفرق القذائف بين امرأة وطفل، فكيف بها أمام علماء القطاع البارزين؟ تسبب القصف الإسرائيلي في العدوان الأخير على غزة في مقتل عدد من العلماء والأكاديميين وهم كالتالي:

  • قتل الاحتلال الشاعر والأكاديمي رفعت العرعير وهو أبرز الناطقين باسم القضية باللغة الإنجليزية. حصل العرعير على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة بوترا في ماليزيا. كان أول من أطلق عبارة «نحن لسنا أرقامًا».
  • استهدف الاحتلال محمد شبير، أستاذ الأحياء الدقيقة في الجامعة الإسلامية بغزة. ترأس شبير الجامعة ل12 عامًا، أسس فيها قسم العلوم الطبية المخبرية وأسهم في افتتاح برنامج ماجستير التحاليل الطبية.
  • أودت غارة جوية إسرائيلية بحياة سعيد طلال الدهشان، الخبير في القانون الدولي والشأن الفلسطيني، وارتقى مؤلف كتاب «كيف نقاضي إسرائيل» مع أسرته.
  • قتلت إسرائيل إبراهيم الأسطل، عميد كلية التربية في الجامعة الإسلامية، مع عائلته بالكامل. وقد حصل الأسطل على درجة أستاذ منذ 2015 وله مؤلفات في طرق التدريس.
  • ارتقى تيسير إبراهيم، الذي وُصف بأنه «رئيس القضاء الحركي»، وهو العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، إثر غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط القطاع.
  • قُتل مدحت صيدم، شيخ الجراحين، بغارة جوية استهدفت منزله وارتقت معها العائلة بأكملها. كان جراحًا مخضرمًا في مستشفى الشفاء. وأُطلق عليه لقب «طبيب المهام الصعبة» وتدرب على يديه العديد من الأطباء الشباب.

نرى كيف يستهدف الاحتلال قامات المجتمع الفلسطيني وأعلامه، مغيِّبًا عن المنطقة العربية والعالم أجمع أمهر الباحثين والأكاديميين. ننعي شهداء وُضعوا على قائمة الأهداف غير المعلنة. طالما كانت الاغتيالات ديدن المحتل لوقف الإنتاج العلمي والثقافي للشعب الفلسطيني صاحب الأرض وتبديد روايته.

المصادر

1- ResearchGate

2- Google Scholar

3- UNESCO

4- Google Scholar

5- Reuters

هل يمتلك الفراغ كتلة؟

علي جزيرة سردينيا -والتي تعد أكثر المناطق استقرارًا في البحر الأبيض المتوسط إلى عمق 110 أمتار تحت الأرض- يقودنا الظلام الدامس عبر نفق ضيق نحو غرفة حيث تسجل أجهزة قياس الزلازل الحركات الدقيقة للأرض المحيطة. ويظهر على الجانب الأيسر من هذا النفق كهف. حيث اختاره الفيزيائيون لإنشاء تجربة أرخميدس التي تتطلب عزلة شديدة عن البيئة الخارجية للتحقيق في أسوأ تنبؤ نظري في تاريخ الفيزياء – مقدار الطاقة في الفضاء الفارغ الذي يملأ الكون. أو بالمعنى الأصح، لقياس كتلة الفراغ ، فما هي تجربة أرخميدس؟ ولماذا سميت بتلك الاسم؟ وما الهدف منها؟

ما هو الفراغ؟

الفراغ في الفيزياء هو مفهوم مهم يُشير إلى المنطقة التي تفتقر إلى المادة. يمكن وصف الفراغ ببساطة على أنه المنطقة الخالية تمامًا من المادة والذرات. على الرغم من أن الفراغ قد يبدو فارغًا تمامًا بالنسبة لنا، إلا أنه يحمل مفاهيم معقدة وأثر كبير على العلوم الفيزيائية. و هناك نوعان رئيسيان من الفراغ في الفيزياء:

1. الفراغ الكلاسيكي

 يعتبر الفراغ الكلاسيكي هو الفراغ الذي نتخيله بشكل عام، حيث يُفترض أنه ليس فيه أي شيء. ومع ذلك، في الفيزياء الكلاسيكية، تمثل الفكرة الأساسية للفراغ الكلاسيكي الفراغ الذي يحتوي على مجموعة من الحقول المتعلقة بالمجالات الفيزيائية مثل الجاذبية والكهرومغناطيسية. هذه الحقول تكون موجودة حتى في الفراغ الكلاسيكي ويمكن أن تنتقل عبره.

2. الفراغ الكمومي

 في الفيزياء الكمومية، ندرك أن الفراغ ليس بالضرورة خاليًا من أي شيء. بالعكس، الفراغ الكمومي يمكن أن يكون مليئاً بتذبذبات وجسيمات صغيرة تنشأ على مستوى الكم. هذه التذبذبات والجسيمات الظاهرية تسمى “الجسيمات الافتراضية”، وتنشأ بموجب مبدأ عدم اليقين. في الفراغ الكمومي، يمكن للجسيمات الافتراضية أن تظهر وتختفي دون سبب ظاهر، وهذا ما يعكس مبدأ عدم اليقين في الفيزياء الكمومية. [1]

بالإضافة إلى الفراغ الكمومي والكلاسيكي، هناك العديد من النظريات والمفاهيم الأخرى التي تتعلق بالفراغ في الفيزياء مثل مفهوم الطاقة المظلمة والفراغ الفضائي في نظرية النسبية الخاصة والعامة. يجد العلماء أن الفراغ هو مفهوم معقد يمكن أن يؤثر على الكون ويشكل جزءًا مهمًا من البحث والاستكشاف في الفيزياء الحديثة.

الجسيمات الافتراضية والتذبذبات الكمومية

لنتخيل الفراغ كما لو أنه ليس فعلا فارغًا بالمعنى التقليدي الذي نستخدمه في حياتنا اليومية. ولكنه بيئة دقيقة مليئة بالنشاط والحركة على المستوى الأدنى. في هذا الفراغ الكمومي، ينشأ اهتزاز وحركة دائمة لجسيمات صغيرة جداً تعرف بـ “الجسيمات الافتراضية”، والتي يفترض وجودها بناءً على مبادئ الفيزياء الكمومية. فلو كنت تراقب هذا الجو الكمومي بعين مكبرة، ستلاحظ وجود حركة مستمرة لهذه الجسيمات الافتراضية. لكن عندما تحاول أن تلتقط إحداها أو تقيس موقعها أو سرعتها بدقة، ستجد نفسك في مواجهة مفهوم عدم اليقين الكمومي. هذا يعني أنه لا يمكنك أبدًا معرفة مكانها بدقة تامة في أي لحظة معينة، فقد تكون هنا أو هناك أو في أي مكان آخر في نفس الوقت!

 يمكن للباحثين حساب طاقة الفراغ بطريقتين. حيث يمكنهم استخدام معادلات ألبرت أينشتاين في النسبية العامة لحساب مقدار الطاقة اللازمة لتفسير حقيقة أن الكون يتوسع بمعدل متسارع. ويمكنهم أيضًا العمل من الأسفل إلى الأعلى، باستخدام نظرية المجال الكمي للتنبؤ بالقيمة بناءً على كتل جميع “الجسيمات الافتراضية” التي يمكن أن تنشأ لفترة وجيزة ثم تختفي في الفضاء “الفارغ”. تٌنتج هاتان الطريقتان أرقامًا تختلف بأكثر من 120 مرة (1 متبوعًا بـ 120 صفرًا). حيث يعتبر هذا تناقض سخيف إلى حد محرج وله آثار مهمة على فهمنا لتوسع الكون، وحتى مصيره النهائي. ولمعرفة أين يكمن الخطأ، يقوم العلماء بنقل غرفة مفرغة أسطوانية يبلغ طولها مترين ومعدات أخرى إلى منجم قديم في سردينيا، حيث يحاولون إنشاء فراغ خاص بهم ووزن “اللاشيء”_ كتلة الفراغ _ بداخله.

كيف يؤثر مبدأ عدم اليقين على فهمنا للعالم الصغير؟

ينص المبدأ على أنه لا يمكنك تحديد موضع الجسيم وسرعته في نفس الوقت بأي دقة. فكلما زادت دقة معرفتك لقيمة واحدة، قلّت قدرتك على معرفة القيمة الأخرى. وينطبق هذا المبدأ أيضًا على قياسات أخرى، مثل تلك التي تتضمن الطاقة والوقت. وهذا يعني أن الطبيعة يمكنها “استعارة” الطاقة لفترة زمنية قصيرة للغاية. هذه التغيرات في الطاقة، والمعروفة باسم تقلبات الفراغ Vacuum fluctuation، غالبا ما تأخذ شكل جسيمات افتراضية، والتي يمكن أن تظهر من العدم وتختفي مرة أخرى على الفور. [2]

يجب أن تحترم تقلبات الفراغ بعض القواعد. على سبيل المثال، لا يمكن لشحنة كهربائية واحدة أن تظهر فجأة في حالة عدم وجودها (فهذا من شأنه أن ينتهك قانون حفظ الطاقة). وهذا يعني أن الجسيمات المتعادلة كهربائيًا مثل الفوتونات فقط هي التي يمكنها الخروج من الفراغ من تلقاء نفسها. يجب أن تظهر الجسيمات المشحونة كهربائيًا مقترنة بمطابقاتها المضادة للجسيمات. على سبيل المثال، يمكن للإلكترون أن يظهر مع البوزيترون ذي الشحنة الموجبة؛ حيث تلغي الشحنتان بعضهما البعض للحفاظ على الشحنة الإجمالية صفر. والنتيجة هي أن الفراغ يمتلئ بشكل مستمر بتيار من الجسيمات قصيرة العمر.

تأثير كازيمير

وحتى لو لم نتمكن من التقاط هذه الجسيمات الافتراضية في أجهزة الكشف، فإن وجودها قابل للقياس. أحد الأمثلة على ذلك هو “تأثير كازيمير”، الذي تنبأ به الفيزيائي الهولندي هندريك كازيمير في عام 1948. ووفقا لحساباته، يجب أن تتجاذب لوحتان معدنيتان موجهتان ناحية بعضهما البعض في الفراغ، حتى من دون الأخذ في الاعتبار قوة الجاذبية الطفيفة التي يمارسها كل منهما على الآخر. ويرجع سبب ذلك التجاذب إلي الجسيمات الافتراضية.

إن وجود الصفائح يفرض حدودًا معينة يمكن أن تخرج عندها الجسيمات الافتراضية من الفراغ. فعلى سبيل المثال، لا يمكن للفوتونات (جسيمات الضوء) ذات طاقات معينة أن تظهر بين الألواح. وذلك لأن الصفائح المعدنية تعمل كالمرايا التي تعكس الفوتونات ذهابًا وإيابًا. وبالتالي، ستنتهي الفوتونات ذات الأطوال الموجية المحددة بتداخل قيعان الموجات مع قمم الموجات، مما يؤدي إلى إلغاء نفسها بشكل فعال. وسيتم تضخيم الأطوال الموجية الأخرى إذا تداخلت قمتي موجيتين. والنتيجة هي تفضيل طاقات معينة، وقمع طاقات أخرى كما لو أن تلك الفوتونات لم تكن موجودة أبدًا. وهذا يعني أن الجسيمات الافتراضية التي لها قيم طاقة معينة هي فقط التي يمكنها التواجد بين الصفائح. ولكن خارجها، يمكن لأي جسيمات افتراضية أن تظهر. [3]

والنتيجة هي أن هناك احتمالات أقل -وبالتالي عدد أقل من الجسيمات الافتراضية – بين الصفائح مقارنة بما حولها. و تمارس الوفرة النسبية للجسيمات في الخارج ضغطًا على الصفائح، مما يؤدي إلى ضغطها معًا. وهذا التأثير، رغم غرابته، قابل للقياس. وأكد الفيزيائي ستيفن لامورو هذه الظاهرة تجريبيا في جامعة واشنطن في عام 1997، بعد مرور 50 عاما تقريبا على تنبؤ كازيمير. ويأمل الفيزيائيون الآن في استخدام تأثير كازيمير لقياس كتلة الفراغ.

ولهذه الطاقة عواقب مهمة على الكون ككل. تخبرنا النسبية العامة أن الطاقة (على سبيل المثال، في شكل كتلة) تؤدي إلى انحناء الزمكان. وهذا يعني أن الجسيمات الافتراضية، التي تغير طاقة الفراغ لفترة قصيرة، لها تأثير على شكل الكون وتطوره. و عندما أصبح هذا الارتباط واضحًا لأول مرة، أمل علماء الكونيات أن يحل لغزًا كبيرًا في مجالهم، وهو قيمة الثابت الكوني، وهي طريقة أخرى لوصف طاقة و كتلة الفراغ في الفضاء.

تأثير الطاقة الفراغية على القوانين الكونية

الثابت الكوني

نشر أينشتاين نظريته النسبية العامة في عام 1915، لكنه سرعان ما أدرك أن لديه مشكلة. يبدو أن النظرية تتنبأ بتوسع الكون. لكن علماء الفلك في ذلك الوقت اعتقدوا أن كوننا كان ساكنًا، أي أن الفضاء له حجم ثابت وغير متغير. وبعد ثلاث سنوات من نشر النظرية، وجد أينشتاين أنه يستطيع إضافة مصطلح يسمى الثابت الكوني إلى معادلاته دون تغيير القوانين الأساسية للفيزياء. وبالنظر إلى القيمة الصحيحة، فإن هذا المصطلح سيضمن عدم توسع الكون أو انكماشه.

ومع ذلك، في عشرينيات القرن الماضي، استخدم عالم الفلك إدوين هابل أكبر تلسكوب في ذلك الوقت، تلسكوب هوكر في مرصد ماونت ويلسون في كاليفورنيا، لملاحظة أنه كلما كانت المجرة بعيدة عن الأرض، بدا أنها تنحسر بشكل أسرع. وكشف هذا الاتجاه أن الفضاء كان في الواقع يتوسع. وتجاهل حينها أينشتاين الثابت الكوني، ووصفه بأنه “حماقة”.

وبعد أكثر من نصف قرن، حدث تطور آخر. فمن خلال مراقبة المستعرات العظمي البعيدة، أثبت فريقان من الباحثين بشكل مستقل أن الكون لا يتوسع فحسب، بل إنه يفعل ذلك بمعدل متسارع. القوة التي تدفع الفضاء بعيدًا سُميت منذ ذلك الحين بالطاقة المظلمة. إنها بمثابة نوع من النظير للجاذبية، حيث تمنع جميع الأجسام الضخمة من الانهيار في نهاية المطاف في مكان واحد. ووفقا للتنبؤات النظرية، تمثل الطاقة المظلمة حوالي 68% من إجمالي الطاقة في الفضاء. عند هذه النقطة، عاد الثابت الكوني إلى الساحة كتفسير محتمل لهذا الشكل الغامض من الطاقة. ويعتقد أن الثابت الكوني بدوره يحصل على طاقته من الفراغ. [4]

في البداية، كان المجتمع العلمي سعيدًا، إذ بدا أن ثابت النسبية العامة هو نتيجة لطاقة الجسيمات الافتراضية في الفضاء الفارغ. لكن الفرحة لم تدم طويلا. عندما أجرى العلماء الحسابات، تبين أن طاقة الفراغ المستندة إلى نظرية المجال الكمي أكبر بكثير ( أكبر 120 مرة من حيث الحجم ) من قيمة الثابت الكوني المستمدة من قياس توسع الكون. وأفضل طريقة لحل هذا التناقض هي قياس الطاقة الموجودة في الفراغ مباشرة، عن طريق تقييم كتلة الفراغ . أي وزن الجسيمات الافتراضية.

تجربة أرخميدس لقياس طاقة الفراغ

ليست فراغ كما كان يعتقد

إذا كانت طاقة الفراغ المستمدة من نظرية الكم صحيحة، فلا بد أن هناك شيئًا ما يكبح تأثيرات هذه الطاقة على توسع الفضاء. لو كانت هذه القيمة هي القوة الحقيقية للطاقة المظلمة، لكان الفضاء يتضخم بشكل أسرع بكثير. ومن ناحية أخرى، إذا كانت القيمة المستمدة من علم الكونيات صحيحة، فإن الفيزيائيين يبالغون إلى حد كبير في تقدير مقدار الطاقة التي تساهم بها الجسيمات الافتراضية في الفراغ.

إن وجود تقلبات الفراغ والجسيمات الافتراضية قد تم قبوله على نطاق واسع على الأقل منذ ظهور تأثير كازيمير. كما أن القوة المتوقعة لنظرية الكم بالنسبة للتقلبات لا يمكن أن تختفي تمامًا، لأن التجارب المعملية تؤكد النظرية بدقة كبيرة. ولكن هل من الممكن أن الجسيمات الافتراضية لا تنجذب فعليًا بالطريقة التي نفكر بها، وبالتالي لا تؤثر على كتلة الفراغ كما نتوقع؟

حتى الآن لم يتم إجراء قياسات مباشرة لكيفية تصرف الجسيمات الافتراضية فيما يتعلق بالجاذبية. واقترح بعض العلماء أنها قد تتفاعل مع الجاذبية بشكل مختلف عن المادة العادية. على سبيل المثال، في عام 1996، قام الفيزيائيان ألكسندر كاجانوفيتش وإدواردو غندلمان من جامعة بن غوريون بوضع نموذج نظري لا يكون لتقلبات الفراغ فيه أي تأثير جاذبية. قد يكون هذا هو الحال إذا كانت هناك أبعاد إضافية تتجاوز الأبعاد الثلاثة المعتادة للمكان وواحدًا للزمان التي نعرفها. قد تؤدي هذه الأبعاد الخفية إلى تعديل سلوك الجاذبية على مقاييس صغيرة جدًا. ومع ذلك، لا يمكن تفسير الاختلافات الكتلية في النوى الذرية لعناصر مثل الألومنيوم والبلاتين إلا إذا ساهمت تقلبات كمية معينة _ كتلة الفراغ _ في وزنها. ولهذا السبب فإن العديد من علماء الفيزياء مقتنعون بأن الجسيمات الافتراضية تتفاعل مع الجاذبية تمامًا كما تفعل الجسيمات العادية. [5]

مخطط تجربة أرخميدس

للتحقق من أن الجسيمات الافتراضية تتفاعل مع الجاذبية مثل المادة العادية، يريد أعضاء فريق أرخميدس استخدام تأثير كازيمير لقياس كتلة الفراغ بميزان شعاع بسيط. سيوضع الميزان داخل حجرة مفرغة من الهواء، وهي عبارة عن حاوية أسطوانية تحتوي على “لا شيء”. وسيتم وضعها في عدة طبقات من العزل لإبقائها شديدة البرودة ومحمية من البيئة الخارجية. وهذه الطبقات، بدورها، ستستقر عميقًا داخل كهف سردينيا، لتحمي الجهاز الدقيق من كل تأثير محتمل للعالم الموجود فوق الأرض. هذه الحواجز ضرورية لأن العلماء يبحثون عن إشارة دقيقة، وهي الحركة الطفيفة للميزان عند تشغيل تأثير كازيمير، مما يؤدي إلى تغيير وزن مادة العينة عن طريق تغيير عدد الجسيمات الافتراضية بداخلها. [6]

في عام 1929، تساءل الفيزيائي ريتشارد تولمان عما إذا كان من الممكن وزن أشكال معينة من الطاقة (وركز على الحرارة). وبعد سبعة عقود فكر كالوني ( قائد مشروع أرخميدس) في دفع الفكرة إلى الأمام. بعد قراءة ورقة فنية كتبها الفيزيائي الراحل ستيفن واينبرغ. حيث تصور طريقة لقياس كتلة الفراغ باستخدام مبدأ أرخميدس، الذي ينص على أنه عندما يكون الجسم مغمورًا في السائل، فإنه يتعرض لقوة طفو لأعلى تساوي وزن السائل. إذا كانت الجسيمات الافتراضية لها وزن، فإن تجويف الصفائح المعدنية في الفراغ يجب أن يواجه قوة طفو. ويقوم التجويف بشكل أساسي بإزاحة الفراغ العادي، بجسيماته الافتراضية الوفيرة، بفراغ أخف يحتوي على عدد أقل من الجسيمات الافتراضية. وبالتالي فإن تحديد قوة الطفو، التي تعتمد على كثافة الجسيمات الافتراضية، سيكشف عن وزنها!

ولقياس هذه القوة داخل الأنبوب المفرغ، علق الباحثون عينتين مصنوعتين من مواد مختلفة من ميزان يبلغ طوله مترين وعرضه 1.50 متر، ويحفزون تأثير كازيمير داخل واحدة. و للقيام بذلك، قاموا بتسخين كلتا المادتين على فترات منتظمة بحوالي أربع درجات مئوية ثم تبريدهما مرة أخرى. يعد هذا الاختلاف في درجة الحرارة كافيًا لواحدة من العينات للتبديل ذهابًا وإيابًا بين مرحلة التوصيل الفائق (عندما تتدفق الكهرباء بحرية داخل المادة) ومرحلة عازلة (عندما لا يمكن للكهرباء التدفق بسهولة). أما المادة الأخرى فتظل دائمًا عازلًا.

مع تغير الموصلية في العينة الأولى، فإنها تعمل مثل النموذج الكلاسيكي المكون من لوحتين (تأثير كازيمير السابق ذكره)، ويختلف عدد الجسيمات الافتراضية المحتملة داخلها. وبالتالي فإن قوة الطفو تزداد وتنخفض بشكل دوري على الوزن الأول. من المفترض أن يؤدي هذا الاختلاف إلى تأرجح الميزان على فترات منتظمة، مثل الأرجوحة التي يجلس عليها طفلان.

أثناء التخطيط للتجربة، كان العلماء بحاجة إلى العثور على مادة مناسبة يمكن تسخينها وتبريدها بشكل منتظم وسريع، وتظهر تأثير كازيمير قويًا. وبعد النظر في عدة خيارات، اختار الفريق بلورات فائقة التوصيل تسمى النحاسات Cuprates. والعينات الناتجة عبارة عن أقراص يبلغ قطرها حوالي 10 سنتيمترات ولا يزيد سمكها عن عدة ملليمترات. حتى الآن، لم يثبت أحد أن تأثير كازيمير يعمل في الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة العالية، لكن العلماء يراهنون على ذلك.

قام الباحثون بضبط الميزان بحيث يتم تعليقه بحرية في الفضاء داخل حجرته المفرغة، والتي سوف تبرد الجهاز بأكمله إلى أقل من 90 كلفن (أقل بقليل من -180 درجة مئوية). سيتم تعبئة الغرفة نفسها في حاويتين معدنيتين أكبر – علبة مملوءة بالنيتروجين السائل، داخل حاوية أخرى خالية من الهواء، والتي تعمل مثل (الترمس). ويبلغ ارتفاع الهيكل بأكمله حوالي ثلاثة أمتار وعرضه وعمقه ويزن عدة أطنان.

تكنولوجيا متقدمة للكشف عن القوة الصغيرة

بدأ كالوني العمل مع زملائه في عام 2002 لتطوير نموذج نظري لحساب قوة الطفو لمختلف النماذج التجريبية. ووجدوا أن القوة في تجربة واقعية ستكون حوالي 10-16 نيوتن. إن قياس مثل هذه القوة الصغيرة يشبه محاولة وزن الحمض النووي في الخلية. في الواقع، يمكن للتكنولوجيا المستخدمة في أجهزة كشف موجات الجاذبية اليوم، والتي رصدت هدفها لأول مرة في عام 2015، أن تساعد في الكشف عن إشارات الجاذبية الصغيرة التي تبحث عنها تجربة أرخميدس. شارك كالوني نفسه في بناء كاشف موجات الجاذبية الإيطالي VIRGO.

ولكي تكون تجربة أرخميدس قادرة على اكتشاف الانحرافات الصغيرة التي تسعى إليها، فإنها ستستخدم نظامين ليزر يشتركان في بعض أوجه التشابه مع إعدادات الليزر والمرايا داخل كاشفات موجات الجاذبية. الأول يقسم شعاع الليزر إلى قسمين عن طريق توجيهه من خلال مقسم الشعاع إلى طرفي المقياس، حيث ينعكسان بواسطة المرايا المرفقة. ثم يتم إعادة تجميع الحزم بواسطة المزيد من المرايا وتنتقل إلى الكاشف. إذا كان الشعاع متوازنًا، فإن الشعاعين سيسافران بنفس المسافة  تمامًا. إذا كانت الذراع مائلة قليلاً في اتجاه واحد، فإن الحزم ستغطي مسافات مختلفة. في هذه الحالة، ستلتقي قمم وقيعان موجات شعاع الليزر في جهاز القياس بطريقة متداخلة، مما ينتج عنه شدة مختلفة Different intensities. ويمكن لهذا النظام اكتشاف حتى أصغر الانحرافات عن التوازن.

تقوم مجموعة ثانية من أجهزة الليزر بقياس اتجاه الميل إذا كانت هناك حركة كبيرة. إن النموذج الأولي المبسط للتجربة، والذي يتم إجراؤه في درجة حرارة الغرفة، حساس بالفعل بشكل ملحوظ، وهو ما يبشر بالخير لأداء جهاز أرخميدس النهائي. ولكن حتى مع أنظمة القياس المتطورة هذه، فإن تنفيذ التجربة سيكون صعبًا ولحماية التوازن من العالم الخارجي، احتاج الفيزيائيون إلى موقع به أقل قدر ممكن من النشاط الزلزالي، ومن هنا جاءت سردينيا. الجزيرة لديها مزايا أخرى، فهي ليست مكتظة بالسكان، مما يبقي الضوضاء التي يسببها الإنسان منخفضة. كما أن لديها أكثر من 250 منجمًا مهجورًا، لم يعد الكثير منها قيد الاستخدام، وهو أمر جذاب نظرًا لوجود عدد أقل من الاهتزازات تحت الأرض ولأن درجة الحرارة داخل المنجم مستقرة بشكل خاص.

تم الانتهاء مؤخرًا من الإصدار النهائي لإعداد الميزان وشحنه إلى سردينيا. توجد غرفة الفراغ في موقع الاختبار، لكن غلافيها الخارجيين لا يزالان قيد الإنتاج. عندما يصل الغلافان، سيصبح الكهف جاهزًا، وسينقل العلماء النموذج بأكمله إلى هذه الغرفة المظلمة الموجودة تحت الأرض، ويبدأون في كشف النقاب عن مقدار كتلة الفراغ.

المصادر

1-Virtual Particles
2-Vacuum Fluctuations of Energy Density can lead to the observed Cosmological Constant
3-Science and technology of the Casimir effect
4-A new generation takes on cosmological effect
5-Relativity versus quantum mechanics: the battle for the universe
6-?How Much Does ‘Nothing’ Weigh

ماهي عملية تسجيل الصور؟ وما هي تطبيقاتها؟

ما تسجيل الصور(Image Registration)؟

يعَرَّفُ تسجيل الصور على أنه عملية نقل عدة صور، أخذت في أوقات مختلفة أو من زوايا مختلفة أو باستعمال معدات تصوير مختلفة، لنفس المشهد إلى نظام إحداثيات موحد. فعلى سبيل المثال، إذا أخذنَا صورة لكتاب على طاولة من زاويتين مختلفتين (كما في الشكل 1)، فإن عملية تسجيل الصور تحدِد عدة مواضع تتطابق في الصورتين، ثم تحوَّل الصورة الأولى إلى إحداثيات الثانية لتتلاءما، فتبدوان وكأنهما التُقِطتا من نفس الزاوية [1] [2] [3].

الشكل 1: النقطة الحمراء ذات الإحداثيات (x1, y1)  في الصورة على اليسار تطابق النقطة الحمراء على اليمين ذات الإحداثيات (x2, y2). يهدف تسجيل الصور إلى تحويل إحدى الصورتين، بحيث تصير النقطة الحمراء بنفس الإحداثيات في كلتا الصورتين.

كيف يتم تسجيل الصور؟

تستخدَم عدة طرق من أجل تسجيل الصور من أشهرها «النهج القائم على السمات-Feature based approaches ». يتبع هذا النهج أربع مراحل من أجل الحصول على صور متوائمة. في البداية، يتم الكشف عن السمات المميزة  في كلتا الصورتين وتوصيفها. ثم تتم مطابقة هذه السمات مع مثيلاتها في الصورة الأخرى لتُستخدم في حساب معاملات التحويل الهندسي بين الصورتين. في النهاية، تتم مواءمة الصورتين باستخدام معاملات التحويل التي تم حسابها، والتي تربط بين إحداثيات الصورتين[1][4].

الكشف عن السمات وتوصيفها

في المرحلة الأولى، يتم الكشف عن السمات المميزة لكلتا الصورتين ثم توصيفها، أي وصف المنطقة المحيطة بهذه السمة. وتعَدُّ «السمات – keypoints» نقاطاً مميزة في الصور، كالزوايا والحواف والبقع، يمكِن توظيفها لإجراء عملية تسجيل الصور. ومن أهم الخصائص التي تتميز بها هذه السمات، أنها ثابتة أمام التغييرات التي قد تخضع لها الصورة من إزاحة أو تكبير أو تصغير أو دوران. فزاوية منزل، مثلا، تظل ملحوظة ومميزة مهما طبقنا عليها من تحويلات. في عملية التوصيف، يتم إلحاق موَصِّف لكل سمة تم كشفها. يحمل هذا الموصف وصفاُ دقيقاٌ للمساحة المحيطة بالسمة من أجل معرفة موقع السمة من الصورة [1][2].  

مطابقة السمات

بعد تحديد السمات وتوصيفها، تتم مطابقة سمات الصورتين، حيث تربَط كل سمة في إحدى الصورتين بمثيلتها في الصورة الأخرى. ويتِم هذا بمقارنة موصِّفات كل سمة في إحدى الصور بموصفات السمات في الصورة الأخرى. ثم بربط السمتين ذات الموصفات المتشابهة [1].

الشكل 2: مطابقة السمات

حساب معاملات التحويل الهندسي بين الصورتين

تستعمَل السمات المتطابقة في حساب معاملات التحويل الهندسي بين الصورتين، التي تجتمِع في مصفوفة تدعى مصفوفة التحويل. تصف هذه المصفوفة التشوهات الهندسية التي ينبغي تطبيقها على إحدى الصورتين لتوائم الأخرى. ويتم حساب معاملاتها بحل نظام من المعادلات الخطية [2].

الشكل 3: مثال لمصفوفة تحويل تدعَى الهوموغرافية، ويمثِّل كل عنصر من عناصرها معاملا لتحويل هندسي كالدوران والإزاحة والتحجيم (التكبير أو التصغير) وغيرها.
الشكل 4: العلاقة التي تربط إحداثيات سمة من الصورة الأولى بإحداثيات مثيلاتها من الصورة الثانية.

تحويل الصورة وإعادة تشكيلها

بعد الحصول على مصفوفة التحويل، تصير عملية تحويل صورة وإعادة تشكيلها لتلائم الأخرى ممكنة. في هذه المرحلة، يتم تطبيق مصفوفة التحويل على جميع نقاط الصورة الأولى لتتواءم مع الأخرى [3].   

الشكل 5: عملية تسجيل الصورتين (أ) و(ب)، حيث تمَثِّل (ج) و(د) السمات التي تم كشفها في الصورتين، وتبرِز (هـ) عملية مطابقة السمات، بينما تمثل (و) الصورة الناتجة عن عملية التسجيل.

تطبيقات تسجيل الصور

تتسع دائرة تطبيقات تسجيل الصور لتَسَعَ التطبيقات الطبية والعسكرية وغيرها الكثير. ففي مجال التصوير التشخيصي الطبي، مثلا، يحتاج الطبيب إلى مواءمة صور الرنين المغناطيسي بالصور المقطعية المحوسبة للمريض من أجل تشخيص حالته بشكل دقيق. أما عسكرياً، فيمكن استخدام تسجيل الصور من أجل التعرف التلقائي على الأهداف. وفي المجال البيئي، يستخدم العلماء تسجيل الصور في تتبع حركة الأنهار الجليدية، وقياس مدى سرعة تحركها لمعرفة مدى تأثير تغير المناخ على الأنهار الجليدية[5][6].

الشكل 6: استخدام تسجيل الصور في مجال التصوير التشخيصي الطبي

المصادر

[1] Image Registration: From Scale-invariant feature transform to Deep Learning

[2] How to speed up Image Registration with OpenCV by 100x

[3] Feature Based Image Alignment using OpenCV (C++/Python)

[4] Geometric registration for digital images by using Speeded Up Robust Features Algorithm under Android

 [5] Image alignment and registration with OpenCV

 [6] Observing glacier change from space

لم حازت النقاط الكمومية على جائزة نوبل للكيمياء لعام 2023؟

تخيل بلورة نانوية صغيرة جدًا لدرجة أنها تتصرف مثل الذرة. هذا ما حصل بسببه كل من مونجي جي. باوندي، ولويس إي. بروس، وأليكسي إيكيموف على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2023. إذ اكتشف الثلاثي فئة من هذه الأعاجيب الدقيقة، المعروفة الآن باسم “النقاط الكمومية”، وقد حصلوا على الجائزة عن تطويرهم طريقة دقيقة لتركيبها. فما هي النقاط الكمومية؟

نبذة موجزة عن النقاط الكمومية

تسمى النقاط الكمومية أحيانًا بالذرات الاصطناعية، فهي عبارة عن بلورات نانوية دقيقة مصنوعة من السيليكون ومواد شبه موصلة أخرى. يبلغ عرض النقطة الكمومية بضعة نانومترات فقط، وهي صغيرة بما يكفي لإظهار خصائص كمومية تمامًا كما تفعل الذرات الفردية، على الرغم من أن حجمها يصل إلى مائة أو بضعة آلاف من الذرات. ونظرًا لإمكانية احتجاز الإلكترونات عند مستويات معينة من الطاقة داخلها، فإن البلورات النانوية قادرة على أن تبعث أطوال موجية معينة من الضوء. ومن خلال التحكم في حجم الجسيمات، يستطيع الباحثون برمجة اللون الدقيق الذي ستومض به النقاط الكمومية عند تحفيزها.

أوضح هاينر لينكه، عضو لجنة نوبل للكيمياء وأستاذ فيزياء النانو، أن ميكانيكا الكم تتنبأ بأنه إذا أخذت إلكترونًا وضغطته في مساحة صغيرة، فسيتم ضغط الدالة الموجية للإلكترون. وكلما صغرت المساحة، زادت طاقة الإلكترون، مما يعني أنه يمكن أن يعطي المزيد من الطاقة للفوتون.

في جوهر الأمر، يحدد حجم النقطة الكمومية اللون الذي ستتلون هي به. وتلمع الجسيمات الصغيرة باللون الأزرق، بينما تلمع الجسيمات الأكبر باللونين الأصفر والأحمر.[1]

سباق تجاه عالم النانو

لفترة طويلة، اعتقد الناس أنه من المستحيل تصغير الجسيمات لهذه الدرجة، لكن الفائزين هذا العام نجحوا في ذلك. ففي عام 1981 في معهد فافيلوف الحكومي للبصريات في الاتحاد السوفييتي، كان إيكيموف أول شخص ينجح في ذلك من خلال إضافة النحاس والكلور إلى الزجاج. وقد أظهر كلوريد النحاس قدرة على التشكّل في هيئة بلورات نانوية على يدي إيكيموف، وبدا لون الزجاج مرتبط بحجم الجزيئات.

وفي عام 1983، في مختبرات بيل، كشف بروس ثاني أسرار هذه الجسيمات، التي طفت بحريّة في محلول سائل أثناء تجاربه على استخدام الضوء لتحفيز التفاعلات الكيميائية. وقد لاحظ بروس، أن الحجم يغير الخصائص البصرية للجسيمات النانوية. أثارت هذه الخاصية الكثير من الاهتمام! ولم تغب الفائدة الإلكترونية الضوئية المحتملة لمثل هذه الجسيمات عن خبراء التكنولوجيا، الذين حذوا حذو مارك ريد من جامعة ييل في الإشارة إليها باسم “نقاط كمومية”. لكن على مدار العقد التالي، ناضل الباحثون للتحكم بدقة في حجم وجودة هذه الجسيمات.

وفي عام 1993، اخترع باويندي طريقة كيميائية بارعة لصنع جسيمات نانوية مثالية. لقد كان قادرًا على التحكم في اللحظة الزمنية المحددة التي تتشكل فيها البلورات. ثم تمكن من التحكم في إيقاف واستئناف نمو حجم تلك البلورات. وقد أكسبت اكتشافاته النقاط الكمومية فوائد كبيرة على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من التطبيقات.

نموذج الصندوق ذو البئر الجهدي اللانهائي

على مدى العقود الماضية، عندما أصبحت أجهزة أشباه الموصلات أصغر حجمًا، استاء الفيزيائيون بشكل متزايد من ميكانيكا الكم. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن بعض الأفكار البسيطة حول الذرات والجزيئات تفسر الخصائص التي تبدو غريبة لأجهزة أشباه الموصلات المصنعة صناعيًا. أحد هذه الأجهزة هو هيكل “النقطة الكمومية”. هذا الهيكل هو في الأساس صندوق صغير يحتوي على عدد صغير قابل للزيادة والنقصان من الإلكترونات. بسبب صغر حجمه وطاقته المنخفضة، يمكن لصندوق الإلكترونات هذا أن يحمل خصائص ذرية. على سبيل المثال، تغيير عدد الإلكترونات في النقطة الكمومية بواحد يكلف طاقة محدودة وقابلة للقياس، وهي مماثلة لطاقة التأين للذرة.

ولشرح ما المقصود بالسابق علينا شرح مايسمي ب الجسيم داخل صندوق ذو بئر جهدي لا نهائي” أو “Confined motion: particle in a box”. هو مفهوم يستخدم في ميكانيكا الكم لوصف حركة جسيم داخل مجال محصور ضيق ومحاط بحائط غير قابل للنفاذ. ويستخدم هذا النموذج لشرح الفارق بين ميكانيكا الكم والميكانيكا الكلاسيكية. حيث تتناسب الأولى مع الأنظمة الكمومية متناهية الصغر، مثل الذرات والجسيمات الأساسية. في حين تنطبق الثانية على الأشياء الكبيرة.

في النظم التقليدية، يمكن للجسيم الحركة بأي سرعة داخل الصندوق، واحتمال وجوده في أي مكان داخله متساوٍ. ولكن عندما يكون الصندوق متناهي الصغر بأبعاد نانومترية، تصبح التأثيرات الكمومية مهمة، وتحدد تصرفات الجسيم. ويبدأ الجسيم في اتخاذ مستويات طاقة معينة داخل الصندوق.

تكوين النظام وشروطه

في هذا السياق، نتحدث عن جسيم مثل الإلكترون. هذا الجسيم يمكن أن يكون محاصرًا داخل منطقة معينة ومحددة تسمى “صندوق”. هذا الصندوق يكون ذا أبعاد محددة، مثل مربع أو مستطيل. و يتألف النظام من نموذج بئر أحادي الأبعاد ويحتوي على جسيم يتحرك بحرية. على سبيل المثال، يمكن أن نتخيل الإلكترون محبوسًا بين جدران ذات جهدين عاليين و يمكن التنقل بينهما.

في الرسم التوضيحي، يُمثل الجدران بوضوح بوجود حائطين، أحدهما عند الموقع x=0 والآخر عند الموقع x=L، والحائطان متوازيان. يفترض هذا النموذج أنه لا توجد قوى داخل الصندوق تؤثر على الجسيم، مثل قوة الجاذبية أو المجال الكهرومغناطيسي، وأن عرض الصندوق هو L. و بما أن الجهد خارج الصندوق كبير لا نهائي، فإن الجسيم لا يمكنه مغادرة الصندوق. وبناءً على ذلك، سيتحرك الجسيم داخل الصندوق بسرعة ثابتة v وقد يصطدم بالجدران وينعكس دون فقدان أي جزء من طاقته.

لغز الإلكترون

الآن، لنتخيل أننا نراقب الإلكترون داخل الصندوق ونقوم بقياس طاقته، هنا سنكتشف شيئًا مدهشًا! الإلكترون لا يمكنه أن يأخذ أي قيمة حُرة للطاقة. بالأحرى، يمكنه فقط أخذ بعض القيم المعينة والمحددة للطاقة. هذا يعني أنه عندما نقوم بقياس طاقة الإلكترون في الصندوق، سنجد أن الإلكترون يمكنه أن يمتلك قيم معينة فقط، مثل 1 و 2 و 3 وهكذا. ولا يمكن للإلكترون في هذه الحالة أن يأخذ أي قيمة طاقة بين هذه القيم، مثل 1.5 أو 1.9. أي أن القيم محددة Quantized وليست متصلة، و هذا ما يسمى بـ “تقانات الطاقة المتجانسة” في ظاهرة الجسيم في صندوق.

بناءً على ذلك، يتخذ الجسيم مواضع محددة داخل الصندوق. حيث يكون عرض الصندوق L مساويًا لمضاعفات نصف طول الموجة، مما يؤدي إلى انعكاس الموجة على الجدران بحيث تتشكل موجة ثابتة. أما إذا كانت L ليست مضاعفة لنصف طول الموجة، فعند انعكاس الموجة، ستتداخل الموجات بشكل هدّام وتتلاشى. هذه نتيجة من نتائج ميكانيكا الكم، حيث يتخذ الجسيم داخل الصندوق مستويات طاقة معينة تعتمد على عدد رئيسي n.

بسبب وجود الجسيم داخل صندوق ذو جهد محدد، يكون لزامًا عليه اتخاذ حالات معينة مرتبطة بعدد صحيح n. وعلى ذلك، يكون للجسيم القدرة فقط على اعتماد مجموعة محددة من الطاقات تعتمد على القيم المحددة لـ n. فإذا أثير الجسيم – مثلما يحدث للإلكترون عند إثارته في الذرة عن طريق امتصاصه لطاقة من الخارج – فإن الإلكترون يقفز من مستوي طاقة الموجود فيه إلى مستوى طاقة أعلى، فيما يسمى قفزة كمومية. وعندما يقفز الإلكترون من مستوى طاقة عالي إلى مستوى طاقة منخفض فإنه يطلق الطاقة الزائدة في شكل فوتون له طاقة موجية محددة (لون محدد). وهذا يظهر لنا كيف تتصرف الجسيمات على مستوى النانومتر في عالم الكمومية، حيث يكون لها قيم معينة ومحددة للطاقة. وتلك الدوال الموجية والطاقات المحددة تلعب دورًا مهمًا في فهم النقاط الكمومية أو Quantum dots.

ما هي النقاط الكمومية أو Quantum Dots؟

إنها جسيمات نانوية من صنع الإنسان صغيرة جدًا بحيث تخضع خصائصها لميكانيكا الكم السابق ذكرها. فمن الممكن اعتبار النقط الكمية بأنها مثل تلك الصناديق ذو البئر الجهدي السابق وصفها. وبناءًا على حجم الصندوق، لا ينبعث منها سوى أطوال موجية محددة تبعًا لإثارتها. وتشمل هذه الخصائص انبعاث الضوء، حيث يعتمد الطول الموجي للضوء المنبعث فقط على حجم الجسيمات. وتمتلك الإلكترونات الموجودة في الجسيمات الأكبر طاقة أقل فتبعث ضوءًا أحمر، في حين أن الإلكترونات الموجودة في الجسيمات الأصغر لديها طاقة أكبر، فتصدر ضوءًا أزرق.

لويس بروس وسحر الألوان الكمية

اكتشف لويس بروس هذا التباين اللوني أثناء عمله في مختبرات بيل في الولايات المتحدة. حيث استهدف بروس إجراء تفاعلات كيميائية باستخدام الطاقة الشمسية. ولتحقيق ذلك، لجأ بروس لجزيئات كبريتيد الكادميوم، التي يمكنها التقاط الضوء، ومن ثم استخدم طاقته لتحفيز التفاعلات.

وضع بروس الجسيمات في محلول ليجعلها صغيرة جدًا، فتعطيه مساحة أكبر لإحداث التفاعلات الكيميائية فيها. وأثناء عمله على هذه الجسيمات الصغيرة، لاحظ بروس شيئًا غريبًا! لقد تغيرت الخصائص البصرية للجسيمات بعد أن تركها على طاولة المختبر لفترة من الوقت! خمن بروس أن نمو الجسيمات قد يكون السبب، ولتأكيد شكوكه، أنتج جسيمات كبريتيد الكادميوم التي يبلغ قطرها حوالي 4.5 نانومتر فقط. بعد ذلك، قارن بروس الخصائص البصرية لهذه الجسيمات المصنوعة حديثًا مع تلك الخاصة بالجسيمات الأكبر حجمًا، والتي يبلغ قطرها حوالي 12.5 نانومتر. امتصت الجسيمات الأكبر الضوء بنفس الأطوال الموجية التي يمتصها كبريتيد الكادميوم عمومًا. لكن الجسيمات الأصغر كان لها امتصاص تحول نحو اللون الأزرق.

أدرك بروس حينها أنه لاحظ تأثيرًا كمّيًا يعتمد على الحجم، فنشر اكتشافه في عام 1983. ثم بدأ في فحص الجزيئات المصنوعة من مجموعة من المواد الأخرى، وكان النمط هو نفسه. فكلما كانت الجسيمات أصغر، كلما كان الضوء الذي تمتصه أكثر زرقة.

يمكن للباحثين أن يحددوا بدقة لون الضوء الذي سينبعث من النقاط الكمومية ببساطة عن طريق تنظيم حجمها. وهذا يوفر ميزة كبيرة مقارنة باستخدام الأنواع الأخرى من جزيئات الفلوروسنت، والتي تتطلب نوعًا جديدًا من الجزيئات لكل لون مميز. ولا تقتصر هذه الميزة في إمكانية التحكم على لون النقاط الكمومية فحسب. فبجانب إمكانية ضبط حجم الجسيمات النانوية، يمكن للباحثين أيضًا ضبط تأثيراتها الكهربائية والضوئية والمغناطيسية. كل ذلك بالإضافة إلى خصائصها الفيزيائية مثل نقطة انصهارها أو كيفية تأثيرها على التفاعلات الكيميائية. [3]

كيف جعل عمل باوندي النقاط الكمومية عملية؟

في عام 1993، طوّر باوندي وفريقه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا طريقة لإنتاج النقاط الكمومية بشكل أكثر دقة وبجودة أعلى مما كان ممكنا. لقد وجدوا طريقة لتنمية البلورات النانوية في لحظة عن طريق حقن سلائفها الكيميائية في مذيب شديد الحرارة. كما تمكن الباحثون من إيقاف نمو البلورات بشكل فوري عن طريق خفض درجة حرارة المذيب، مما أدى إلى تكوين “بذور” بلورية متناهية الصغر. ومن خلال إعادة تسخين المحلول ببطء، تمكنوا من تنظيم عملية نمو البلورات النانوية. أنتجت طريقتهم بلورات بالحجم المطلوب، وكانت قابلة للتكيف مع أنظمة مختلفة.

فيم تستخدم النقاط الكمومية؟

بعد مرور ثلاثين عامًا، أصبحت النقاط الكمومية الآن جزءًا مهمًا من مجموعة أدوات تكنولوجيا النانو، وهي موجودة اليوم في عدد من المنتجات التجارية.

يتم استخدام الخصائص المضيئة للنقاط الكمومية في شاشات الكمبيوتر والتلفزيون بناءً على تقنية QLED، حيث يرمز حرف Q إلى النقطة الكمومية Quantum dots. في هذه الشاشات، يتم توليد الضوء الأزرق باستخدام “الدايودات الموفرة للطاقة” والتي تم منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2014 عنها بالفعل. وتستخدم النقاط الكمومية لتغيير لون بعض الضوء الأزرق، وتحويله إلى اللون الأحمر أو الأخضر. هذه القدرة على التحكم قادرة على إنتاج الألوان الأساسية الثلاثة للضوء RGB (الأحمر والأخضر والأزرق) المطلوبة في شاشة التلفزيون.

يمكن أيضًا استخدام الضوء الصادر عن النقاط الكمومية في الكيمياء الحيوية والطب. حيث يربط علماء الكيمياء الحيوية النقاط الكمومية بالجزيئات الحيوية لرسم خريطة للخلايا والأعضاء. كما بدأ الأطباء في دراسة إمكانية استخدام النقاط الكمومية لتتبع أنسجة الورم في الجسم.

يستخدم الكيميائيون بدلاً من ذلك الخصائص التحفيزية للنقاط الكمومية لدفع التفاعلات الكيميائية. وبالتالي فإن النقاط الكمومية تحقق فائدة عظيمة للبشرية، وقد بدأنا للتو في استكشاف إمكاناتها. ويعتقد الباحثون أن النقاط الكمومية يمكن أن تساهم في المستقبل في الإلكترونيات المرنة، وأجهزة الاستشعار الصغيرة، والخلايا الشمسية الأقل حجما، وربما الاتصالات الكمومية المشفرة. هناك شيء واحد مؤكد، وهو أنه لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن الظواهر الكمومية المذهلة.

المصادر:

1-Nobel Prize
2-Particle in a box
3-Quanta Magazine

لماذا كانت النبضات الضوئية القصيرة السبب في الفوز بجائزة نوبل للفيزياء 2023؟

نال كل من الفرنسي بيير أغوستيني والمجري النمساوي فيرينك كراوس والفرنسية آن لويلير جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2023، وذلك لإسهاماتهم في دراسة حركة الإلكترونات باستخدام التحليل الطيفي فائق السرعة (بالأتوثانية أي 10-18 ثانية). فلماذا استحق هؤلاء العلماء جائزة نوبل للفيزياء وكيف يمكن أن تؤثر إسهاماتهم في تطور علم الفيزياء؟

النبضات الضوئية القصيرة سر تتبع حركة الإلكترونات والجزيئات

عندما خط هايزبرغ مبدأه المشهور عن عدم اليقين، كان من المستحيل تتبع حركة الإلكترونات داخل الذرات. فالإلكترونات تتحرك بمقدار يفوق النبضة الضوئية بمليون مرة. لذلك، فقد رجَّح العديد من الفيزيائيين استحالة رصد حركة الإلكترونات في ذرات. ومع التطور التكنولوجي، صار بالإمكان إنتاج نبضات أقصر، مهدت لدراسة أعمق لحركة الجزيئات والتفاعلات الكيميائية، والتي نال بسببها العالم المصري أحمد زويل جائزة نوبل للكيمياء سنة 1994. لكن حركة الإلكترونات تحتاج إلى نبضات أتوثانية من أجل رصدها.

النبضات الأتوثانية

في سنة 1980، قامت عدة بحوث لتفسير ظاهرة التأين متعدد الفوتونات. وفي أحد هذه التجارب، سلّط فريق بحثي ليزرًا للموجات تحت الحمراء نحو غاز خامل. لاحظ العلماء نمطًا غريبًا للتوافقيات (الإشارات) العالية المحصل عليها، إذ كانت شدة التوافقيات تنخفض بشكل حاد في البداية، ثم تستقر في حد معين، قبل أن تبدأ مجدداً في الانخفاض (الشكل 1). حاول بعض الباحثين استغلال هذا النمط في تحديد النطاق الترددي الذي يجب استخدامه من أجل الحصول على نبضات أتوثانية. لكن فكرة استحالة ذلك مبدئياً، كانت لا تزال تطغى على الأجواء.

الشكل 1: نمط التوافقيات العالية المحصل عليها أثناء التجربة

 في سنة 1991، وضعت آن لويلير مع فريقها البحثي الأسس النظرية لفهم كيفية إنتاج التوافقيات العالية وتوقعت على نحو دقيق أنماطها. ثم ظهر بعدها نموذج يشرح كيفية إنتاج نبضات أتوثانية اعتمادًا على التوافقيات العالية والذي قامت آن باستغلاله وتطبيقه في أواخر التسعينيات. يقسم النموذج مراحل إنتاج النبضات الأتوثانية إلى ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، يعمل المجال الكهرمغناطيسي لليزر على تأيين ذرات الغاز، المسلط عليه، عن طريق ظاهرة النفق الكمومي. بعدها، يسرع هذا المجال الكهرمغناطيسي الإلكترون بعيدًا عن مداره. ثم يعيده مرة أخرى إلى مكانه الأصلي مع تحرير طاقة على فوتون فوق بنفسجي، والذي يمثل نبضة أتوثانية -كما موضح بالصورة أدناه-.

الشكل2: إنتاج نبضة أتوثانية عبر ثلاث مراحل

مدة النبضات الأتوثانية

بعد إنتاج النبضات الأتوثانية، صار اهتمام العلماء منصبًا حول تطوير طرق لقياس مدة النبضة. فطور كل من أغوستيني وكراوس طريقتين مختلفتين لقياس هذه المدة. وفي سنة 2001 نجح كلاهما بإنتاج نبضات أتوثانية، حيث أنتج أغوستيني حزمة من النبضات مدتها 250 أتوثانية. بينما نجح كراوس في إنتاج أول نبضة معزولة مدتها 650 أتوثانية. بالإضافة إلى هذا، كان لهذا الأخير السبق في استخدام النبضات الأتوثانية في دراسة حركة الإلكترونات.

دراسة التأثير كهرضوئي بالنبضات الأتوثانية

منذ تفسير أينشتاين لظاهرة التأثير الضوئي، دأب العلماء على الاعتقاد أن هذه الظاهرة آنية. لكن مع ظهور النبضات التوثانية، تمكن العلماء من ملاحظة تأخر زمني للإلكترونات المنبعثة لوسط ما عند امتصاصه لأشعة الليزر. وقد تمكن كل من فيرينس كراوس وآن لويلييه من ملاحظة هذا التأخر، حيث وجدوا أن الإلكترونات التي تنبعث من المدارات الخارجية للذرات تتأخر عن تلك التي تنبعث من المدارات الداخلية.

في الختام، بفضل الإسهامات التي  قدمها هؤلاء العلماء، صار بالإمكان اكتشاف ظواهر فيزيائية جديدة، يمكن أن تغير نظرتنا لهذا العالم.

المصادر

Nobel Prize

مقدمة مبسطة لفهم جائزة نوبل في الفيزياء 2023 وسبب الفوز بها

ذهبت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023 إلى الفرنسي بيير أغوستيني والمجري النمساوي فيرينك كراوس والفرنسية آن لويلير وذلك عن إنجازهم في توليد نبضات قصيرة للضوء بسرعة الأوتوثانية. إنجاز العلماء الثلاثة سيفتح أمامنا أفق جديدة في فهم ما يحدث بداخل عالم الذرة وأخذ لقطات لحركة الإلكترونات السريعة للغاية، إذ اكتشفت آن لويلير تأثيرًا جديدًا من تفاعل ضوء الليزر مع ذرات الغاز ووضح كل من بيير أغوستيني وفيرينك كرواس إمكانية استخدام التأثير السابق في إنشاء نبضات ضوئية شديدة القصر. فكيف فعلوا ذلك؟ هذا ما سنوضحه في مقالنا لمقدمة مبسطة لفهم جائزة نوبل في الفيزياء 2023 وسبب الفوز بها.

فهم ما يحدث داخل عالم الذرة السريع ليس مستحيلًا بعد الآن!

حينما تشاهد فهدًا يلحق فريسته بسرعة تصل إلى 64 ميلًا في الساعة، لا يمكنك لمح حركة جسده بالتفصيل بل ستراه كالطيف يمر أمامك. كذلك حينما ترى مقاطع فيديو في الأصل هي عبارة عن بضع صور ثابتة ولكن تم استخدام أحد البرامج لتسريع مرور تلك الصور أمام عيونك.

لا يمكن لحواسنا البشرية ملاحظة الحركات شديدة السرعة هذه، لذا نحن بحاجة للتكنولوجيا وحيلها كالالتقاط وتصوير اللحظات القصيرة التي تحدث، لفهم ما يحدث في عالمنا. يتيح لنا التصوير الفوتوغرافي عالي السرعة والإضاءة التقاط صور تفصيلية للكثير من الظواهر. وكلما كان حدوث الظاهرة أسرع، لابد أن تكون سرعة التقاط الصورة أسرع. وينطبق هذا المبدأ على جميع أساليب القياس أو تصوير أي عملية تحدث بسرعة، فإذا كان النظام سريع، يجب أن يكون القياس بسرعة أكبر من سرعة النظام وذلك لالتقاط الأحداث التي تحدث داخل هذا النظام.

يُعد المقياس الزمني الطبيعي للذرات قصير للغاية. فيمكن للذرات في الجزيء أن تتحرك وتتحول في جزء من مليون من مليار من الثانية (الفيمتوثانية). وقد كان أقصى ما يمكننا فهمه هو التفاعلات الكيميائية بين الجزيئات باستخدام نبضات الليزر في زمن قدره فيمتوثانية والتي فاز عنها العالم المصري أحمد زويل بجائزة نوبل سابقًا، لكن العلم لم يتوقف عند ذلك الحد بل مستمر. لذا كان اهتمام العلماء مصوب حول فهم ما هو أدق، أي عالم الذرات هائلة السرعة! وقد ساهم العلماء الثالثة في تصميم تجارب توضح طريقة لإنتاج نبضات ضوئية شديدة القصر، لالتقاط صور للعمليات داخل الذرات والجزيئات.

ولأن حركة الإلكترونات داخل الذرات والجزئيات سريعة للغاية، وتفوق سرعتها الفيمتوثانية، فتتغير مواقع وطاقات الإلكترونات بسرعة تتراوح بين واحد وبضع مئات من الأوتوثانية، والأوتوثانية هي جزء من مليار من مليار من الثانية! فهي قصيرة لدرجة أن عددها في الثانية الواحدة هو نفسه عدد الثواني التي مضت منذ ظهور الكون أي ما يقارب 13.8 مليار سنة. بمعنى أخر، الأوتو ثانية الواحدة فقط تعادل ثانية من عمر الكون.

كشف أسرار عالم الذرة باستخدام نبضات الأوتوثانية!

يتكون الضوء من موجات، اهتزازات في المجالات الكهربائية والمغناطيسية، تتحرك تلك الاهتزازات مع بعضها في الفراغ على نحو سريع، أسرع من أي شيء. كما أن لها أطوال موجية مختلفة وبألوان مختلفة. فمثلًا يبلغ طول موجة الضوء الأحمر حوالي 700 نانومتر، أي جزء من مائة من عرض شعرة الرأس، وتدور بمعدل أربعمائة وثلاثين ألف مليار مرة في الثانية تقريبًا. فلا يمكن للأطوال الموجية المستخدمة في أنظمة الليزر العادية أن تقل عن الفيمتو ثانية، لذا في الثمانينيات، كانت أقصر نبضات ضوئية ممكنة هي تلك التي تصدر في زمن قدره فيمتوثانية، ولا يمكن خرق ذلك. كان اختراق الفيمتوثانية تحدٍ هائل، فماذا يفعل العلماء؟

بالرياضيات، سنحصل على أقصر الموجات!

توضح الرياضيات لنا أنه يمكننا أن نشكل موجة من أمواج أصغر متراكبة، لذا إذا استُخدم عدد من الموجات ذات الأحجام والأطوال الموجية القصيرة في نطاق الأوتوثانية والسعات الصحيحة (المسافات بين القمم والقيعان)، وتراكبت تلك الموجات، ستنشأ لدينا موجات قوية وشديدة القصر في نطاق الأوتوثانية. وإذا تمكننا من رصد تلك الموجات، فبإمكاننا اكتشاف عالم الذرات والجزيئات.

لم يقتصر الأمر على استخدام الليزر فقط لإضافة أطوال موجية جديدة للضوء، حيث مفتاح الوصول إلى أقصر لحظة تمت دراستها هو باستخدام الظاهرة التي تنشأ عند مرور ضوء الليزر عبر الغاز. إذ يتفاعل الضوء مع ذرات الغاز ويسبب موجات انعكاسية تكمل عددًا من الدورات الكاملة لكل دورة في الموجة الأصلية. يمكن مقارنة ذلك بالنغمات المختلفة التي تعطي الصوت طابعه الخاص، مما يسمح لنا بسماع الفرق بين نفس النغمة التي يتم عزفها وتمييزه ما بين الجيتار والبيانو. وفي عام 1987، نجحت آن لويلر وزملاؤها في أحد المختبرات الفرنسية بإنتاج وإظهار النبضات بتسليط أشعة الليزر تحت الحمراء على ذرات غاز خامل.

مساهمة العلماء الثلاثة في جائزة نوبل في الفيزياء 2023

عندما يسلّط ضوء الليزر على الغاز، يؤثر على ذراته ويحدِث اهتزازات كهرومغناطيسية تشوه المجال الكهربائي الذي يحمل الإلكترونات حول نواة الذرة. مما يمكّن الإلكترونات بعد ذلك من الهروب من الذرات، لكن ما يمنعها من الهروب هو المجال الكهربائي الذي ينشأ عنه قوة جذب تحبسها. وعند تسليط الأشعة كما ذكرنا، يحدث بالقوة اضطراب لفترة زمنية صغيرة جدًا فتتمكن بعض الإلكترونات من الهرب أي تتأين طبقًا لميكانيكا الكم حيث ينشأ نفق كمي. من ثم تكتسب تلك الإلكترونات طاقة من المجال الكهربي لأشعة الليزر. لكن حينما يتغير اتجاه المجال الكهربي لأشعة الليزر، تعود الإلكترونات حول الذرة وتطلق الطاقة التي اكتسبتها سابقًا على شكل موجات ضوء في نطاق الأشعة فوق البنفسجية ذات الطول الموجي الصغير في نطاق الأوتوثانية الزمني. وعندما تحدث تلك الظاهرة من عدد كبير من الإلكترونات التي ستكتسب طاقات مختلفة، سيكون لدينا أمواج فوق بنفسجية مختلفة الترددات، تتراكب معًا وتنشأ موجة قوية قابلة للرصد طولها الموجي في نطاق الأوتوثانية.

هذا ما فعلته آن لويلير في 1987 وبيير أغوستيني ومجموعته البحثية في فرنسا عام 2001 في إنتاج ودراسة سلسلة من النبضات الضوئية المتتالية. توصل الباحثان إلى أن نبضة تستمر 250 أوتوثانية. في الوقت نفسه، كان فيرينك كراوس ومجموعته البحثية في النمسا يعملون على تقنية يمكنها اختيار عربة واحدة تشبه النبض يتم فصلها عن القطار وتحويلها إلى مسار آخر واستمرت النبضة التي نجحوا في عزلها لمدة 650 أوتوثانية.

أظهرت هذه التجارب أنه يمكن ملاحظة وقياس نبضات الأوتوثانية، ويمكن استخدامها أيضًا في تجارب جديدة. إن هذه النبضات الضوئية القصيرة يمكن توظيفها لدراسة حركة الإلكترونات، إذ أصبح من الممكن الآن إنتاجها ورصدها بسرعات تصل إلى بضع عشرات من الأوتوثانية فقط، وهذه التكنولوجيا تتطور طوال الوقت.

أقرأ أيضًا: لماذا كانت النبضات الضوئية القصيرة السبب في الفوز بجائزة نوبل عام 2023؟

المصدر: بيان موقع نوبل.

كيف تكشف تقنية حيود الأشعة السينية عن التركيب البلوري للمواد ؟

تُستخدم تقنية حيود الأشعة السينية ـــX-ray diffraction (XRD) لفهم بنية المواد على المستوى الذري والجزيئي. الامر مثل امتلاك قوة خارقة تتيح لنا النظر داخل المواد ورؤية بنيتها المخفية. يمكننا فهم خصائص المواد، وتطوير مواد جديدة ذات خصائص مخصصة، كما يمكننا حل بعض أكبر الألغاز في العلوم, عبر تطبيقات في مجموعة واسعة من المجالات، بدءًا من علوم المواد والكيمياء وحتى الجيولوجيا والبيولوجيا. وقد تم استخدام قتنية حيود الآشعة لدراسة كل شيء من المعادن والفلزات إلى البروتينات والفيروسات. فكما تحدثنا في المقالات السابقة عن إمكانية استخدام المجهر الإلكتروني الماسح (SEM) لدراسة سطح العينة، وإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد. يشيع استخدام (SEM) لدراسة شكل سطح المواد، وكذلك استخدام المجهر الإلكتروني النافذ (TEM) لتكوين صورة للبنية الداخلية للعينة. ويشيع استخدامه لدراسة بنية المواد، والعيوب في المواد. سنتحدث في هذا المقال عن استخدام تقنية XRD لدراسة بنية المواد في الظروف القاسية، مثل الضغوط العالية ودرجات الحرارة. أحد أكثر تطبيقات XRD إثارةً هو دراسة المواد النانوية.

ما هي تقنية حيود الأشعة السينية وكيف تعمل؟

الأشعة السينية هي نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي بطول موجي يشبه المسافة بين الذرات في البلورات. عندما يتم تسليط الأشعة السينية على البلورة، فإنها تتناثر بواسطة الذرات الموجودة في البلورة. من ثم تتداخل الأشعة السينية المتناثرة مع بعضها البعض، ويسمى النمط الناتج من الأشعة السينية المتناثرة نمط الحيود. يحتوي نمط الحيود على معلومات حول المسافات بين الذرات الموجودة في البلورة والزوايا التي انحرفت عندها الأشعة السينية.

للحصول على نمط الحيود، توضع بلورة في مسار شعاع الأشعة السينية، ويتم وضع الكاشف لالتقاط الأشعة السينية المنحرفة. يتم تدوير البلورة، ويسجل الكاشف شدة الأشعة السينية المنحرفة بزوايا مختلفة. من خلال تحليل نمط الحيود الناتج، يمكن للعلماء إعادة بناء بنية البلورة. يُعتبر تحليل XRD بصمة للمواد. وكما أن كل شخص لديه بصمة فريدة، فإن كل مادة لها نمط XRD فريد. ومن خلال مقارنة نمط XRD لمادة ما بقاعدة بيانات للأنماط المعروفة، يمكننا التعرف على المادة وتحديد خصائصها. أهم ما يميز تقنية XRD أنها تقنية غير مدمرة، مما يعني أنها لا تلحق الضرر بالعينة التي يتم تحليلها. هذا يجعلها مفيدة بشكل خاص لدراسة المواد الحساسة أو القيمة. كما يمكن استخدامها لتحليل مجموعة واسعة من المواد [1] .

ما هي استخدامات تقنية حيود الأشعة السينية في علم المواد؟

أحدث حيود الأشعة السينية ثورة في فهمنا للمواد ولا تزال أداة حيوية في البحث العلمي والتطوير، حيث أنها تقنية تحليلية قوية يمكن استخدامها لتحديد التركيب البلوري لمجموعة واسعة من المواد. كما تستخدم على نطاق واسع في البحث العلمي، وخاصة في مجالات علوم المواد والكيمياء والجيولوجيا والفيزياء. فيما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها استخدام تقنية XRD في علم المواد [2] :

  • توصيف المواد Material characterization: يمكن استخدام XRD لتحديد التركيب البلوري وتركيب المواد، بما في ذلك المعادن والفلزات والسيراميك والبوليمرات. حيث تستخدم هذه المعلومات لفهم الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمادة. وكذلك تستخدم لتطوير مواد جديدة ذات خصائص محددة والتي يمكن أن تكون مفيدة في مجالات البصريات، وعلوم المواد.
  • مراقبة الجودة: يمكن استخدام XRD لضمان جودة المواد واتساقها، كما هو الحال في تصنيع الأدوية وأشباه الموصلات والسيراميك.
  • تحليل المرحلة Phase analysis: يمكن استخدام XRD لتحديد المراحل الموجودة في المادة، بما في ذلك كمياتها النسبية وبنيتها البلورية. يمكن استخدام هذه المعلومات لدراسة التحولات الطورية، مثل الذوبان، وتفاعلات الحالة الصلبة، والتحولات متعددة الأشكال.
  • التحليل الهيكلي Structural analysis: يمكن استخدام XRD لتحديد التركيب البلوري للمادة، بما في ذلك أبعاد خلية الوحدة، والمجموعة الوظيفية، والمواقع الذرية. مما يساعد على فهم الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمادة، وكذلك لتطوير مواد جديدة ذات خصائص محددة.
  • الدراسات الحركية Kinetics studies: يمكن استخدام XRD لدراسة حركية التحولات الطورية، مثل نمو البلورات أو تكوين أطوار جديدة في المواد، مثل الذوبان، وتفاعلات الحالة الصلبة، والتحولات متعددة الأشكال.

تسلط هذه التطبيقات الضوء على تنوع وأهمية XRD في علم المواد، مما يمكّن الباحثين من تطوير مواد جديدة ذات خصائص مخصصة وفهم سلوك المواد الموجودة في التطبيقات المختلفة.

ما هي تطبيقات XRD في المجالات المختلفة؟

حيود الأشعة السينية عبارة عن تقنية متعددة الاستخدامات تجد تطبيقات في مجالات مختلفة تتجاوز علم المواد. فيما يلي بعض الأمثلة على تطبيقات XRD في مجالات أخرى [3] :

  • الجيولوجيا: يستخدم XRD لدراسة التركيب البلوري وتكوين المعادن. حيث يساعد في تحديد وتصنيف الصخور والمعادن. ويمكنه أيضًا تقديم نظرة ثاقبة للعمليات الجيولوجية، مثل تكوين المعادن والصخور.
  • علم الأحياء: يُستخدم XRD لتحديد التركيب البلوري للبروتينات والجزيئات البيولوجية الأخرى، مما يساعد في فهم وظيفتها وتفاعلاتها. ويمكن استخدامه أيضًا لدراسة بنية DNA و RNA.
  • الكيمياء: يستخدم XRD لتحديد التركيب البلوري للجزيئات الصغيرة، لفهم خصائصها وسلوكها. ويمكن استخدامه أيضًا لدراسة بنية المحفزات والمواد الأخرى المستخدمة في التفاعلات الكيميائية.
  • علم الآثار: يستخدم XRD لدراسة التركيب البلوري وتكوين القطع الأثرية لتحديد هويتها وتاريخها.
  • الطب الشرعي: يستخدم XRD لدراسة التركيب البلوري وتكوين المواد الموجودة في مسرح الجريمة، مما يساعد في تحديد الأدلة وتحليلها.
  • المستحضرات الصيدلانية: يستخدم XRD لدراسة التركيب البلوري للأدوية والمستحضرات الصيدلانية الأخرى، مما يساعد في فهم خصائصها وسلوكها. ويمكن استخدامه أيضًا لدراسة هيكل أنظمة توصيل الدواء.
  • علم النانو: يستخدم XRD لدراسة التركيب البلوري للمواد النانوية، وهي مواد ذات أبعاد أقل من 100 نانومتر. تتمتع المواد النانوية بخصائص فريدة تجعلها مفيدة لمجموعة متنوعة من التطبيقات، مثل الحفز الكيميائي والإلكترونيات والطب. يعد حيود الأشعة السينية أداة قوية لدراسة التركيب البلوري للمواد النانوية، وهي مواد ذات أبعاد أقل من 100 نانومتر. تتمتع المواد النانوية بخصائص فريدة تجعلها مفيدة لمجموعة متنوعة من التطبيقات، مثل الحفز الكيميائي والإلكترونيات والطب. فيما يلي بعض الطرق التي يتم من خلالها استخدام XRD لدراسة المواد النانوية.

بشكل عام، تعد تقنية XRD قوية تجد تطبيقات في مجالات مختلفة، مما يساعد في فهم بنية وخصائص المواد والجزيئات البيولوجية والمواد الأخرى.

ما هي أساسيات التركيب البلوري؟

التركيب البلوري هو ترتيب متكرر للذرات أو الأيونات أو الجزيئات في المادة. يلعب التركيب البلوري للمادة دورًا حاسمًا في تحديد خواصها الفيزيائية والكيميائية، مثل سلوكها الميكانيكي والكهربائي والحراري والبصري.

يتم وصف التركيب البلوري للمادة من خلال وحدة الخلية ـــ Unit Cell الخاصة بها، وهي أصغر وحدة متكررة في الشبكة البلورية. تُعرف خلية الوحدة من خلال معاملاتها الشبكية ـــ lattice parameters، والتي تشمل طول حوافها (a, b, c) والزوايا بينها (α, β, γ). تتكون الشبكة البلورية عن طريق تكرار خلية الوحدة في ثلاثة أبعاد، مما يؤدي إلى ترتيب دوري للذرات أو الجزيئات كما موضح بالشكل التالي.

يعتمد نوع التركيب البلوري على تماثل وحدة الخلية وترتيب الذرات أو الجزيئات داخلها. هناك عدة أنواع من الهياكل البلورية، بما في ذلك التركيب البلوري:

  • المكعبي ـــ cubic
  • الرباعي الزوايا ـــ tetragonal
  • الثلاثي الزوايا ـــ Trigonal
  • السداسي الشكل ـــ hexagonal
  • معيني تقويمي ـــ orthorhombic
  • الأحادي الميل ـــ monoclinic
  • الثلاثي الميل ـــ triclinic

ومن البديهي أن نتسائل كيف يساعد الترتيب المختلف للذرات في خلية الوحدة والشبكة في تحديد التركيب البلوري للمركب؟ إن اختلاف ترتيب الذرات في الخلية الواحدة يؤدي إلى حيود الأشعة السينية بأنماط مختلفة. حيث يحتوي كل هيكل على نمط حيود الأشعة السينية الفريد (المشابه لبصمات الأصابع البشرية) الذي يعطي معلومات حول الترتيب المكاني المحدد للذرات في وحدة الخلية والشبكة. وهذا بدوره يعطي معلومات حول التركيب البلوري [4] .

كيفية تفسير أنماط حيود الأشعة السينية ؟

توفر أنماط حيود الأشعة السينية معلومات قيمة حول البنية البلورية للمادة، بما في ذلك حجم وشكل البلورات الموجودة في المادة. فيما يلي الخطوات الأساسية لتفسير نمط الحيود [2] :

  • تحديد القمم: يتكون نمط XRD من سلسلة من القمم، والتي تتوافق مع حيود الأشعة السينية بواسطة الشبكة البلورية. يتوافق موضع كل قمة مع زاوية الحيود (2θ) والتباعد بين المستويات البلورية ـــ d-spacing.
  • تحديد البنية البلورية: يمكن استخدام موضع وكثافة القمم لتحديد البنية البلورية للمادة. ويتم ذلك عن طريق مقارنة القمم المرصودة مع القمم المتوقعة للهياكل البلورية المختلفة، باستخدام قواعد بيانات مثل المركز الدولي لبيانات الحيود ـــ International Centre for Diffraction Data (ICDD)
  • تحليل شكل وعرض الذروة: يمكن أن يوفر شكل وعرض القمم معلومات حول حجم وشكل البلورات في المادة. حيث تشير القمم العريضة إلى أحجام بلورية صغيرة أو عيوب بلورية، بينما تشير القمم الضيقة إلى أحجام بلورية أكبر.
  • حساب حجم البلورات: يمكن حساب حجم البلورات في المادة باستخدام معادلة شيرير، التي تربط عرض الذروة بحجم البلورات. ويمكن استخدام هذه المعلومات لفهم الخواص الفيزيائية والكيميائية للمادة.
  • تحليل شدة القمم: يمكن أن توفر شدة القمم معلومات حول اتجاه البلورة والملمس في المادة. على سبيل المثال، تشير القمم القوية إلى اتجاه بلوري مفضل، بينما تشير القمم الضعيفة إلى اتجاه عشوائي.

تعد XRD أداة رئيسية في تطوير مواد جديدة ذات خصائص محددة. من خلال فهم البنية البلورية للمادة، يمكننا تصميم مواد جديدة ذات خصائص محددة، مثل زيادة القوة، أو تحسين التوصيل، أو النشاط التحفيزي المعزز. يُستخدم حيود XRD أيضًا في مراقبة الجودة، مما يضمن اتساق المواد وجودتها العالية.

لا شك أن XRD تقنية رائعة وقوية تسمح لنا برؤية العالم غير المرئي للذرات والجزيئات. ولها تطبيقات في مجموعة واسعة من المجالات، وهي أداة رئيسية في تطوير مواد جديدة ذات خصائص مخصصة. باستخدام XRD، يمكننا كشف أسرار المواد وحل بعض أكبر الألغاز في العلوم. لكن المستقبل ما زال مفتوحًا أمامها لكشف المزيد من الأسرار العلمية.

المصادر

  1. Crystal structure basics | LibreTexts Chemistry
  2. X-ray Powder Diffraction (XRD) | MSU
  3. X-Ray Diffraction Applications | ThermoFisher
  4. Bravais Lattice | tutorix
  5. Crystallography Basics | Lowa State University

كيف استطاع الذكاء الاصطناعي تحويل الأفكار إلى كلام؟

أحدث تطور الذكاء الاصطناعي ثورة في علم الأعصاب. فبإدماجه في «واجهات الدماغ والحاسوب- brain–computer interfaces (BCIs)»، وهي أنظمة تستعمل في وصل الدماغ بأجهزة الحاسوب، صار من الممكن قراءة النشاط الدماغي وتحويله إلى كلام. فهل تنجح هذه الواجهات في تمكين العاجزين عن النطق من الكلام؟ وما العوائق التي تقف أمام استخدام هذه الواجهات في المجال الطبي؟

استخدام الذكاء الاصطناعي في تحويل الأفكار إلى كلام

بفضل التطور الهائل لقدرة الحواسب، أصبح تطبيق الذكاء في مختلف المجالات، بما في ذلك علم اللأعصاب، الوجهة المفضلة للعديد من الباحثين. وقد نشرت عدة دراسات حول طرق تحويل الأفكار إلى كلام باستخدام الذكاء الاصطناعي وواجهات الدماغ والحاسوب [1–3]. في هذا المقال، سنعرض آخر النتائج التي تم الحصول عليها بدمج الذكاء الاصطناعي مع واجهات الدماغ والحاسوب من أجل تحويل الأفكار إلى كلام، والتي توصلت إليها دراستان نشرتا في صيف 2023.

الدراسة الأولى: فك شفرة الإشارات العصبية لمنطقة النطق في الدماغ

في الدراسة الأولى، قام فريق بحثي من جامعة ستانفورد بتطوير جهاز يُزرع في المنطقة المسؤولة عن النطق في الدماغ. يقوم الجهاز بالكشف عن الإشارات العصبية التي ينتجها الدماغ أثناء محاولة النطق ببعض العبارات والجمل. ثم يربط بين الإشارات الدماغية والمفردات المنطوقة باستخدام الذكاء الاصطناعي [1][2][4].

التجربة

أثناء تجربته للواجهة المطَورة، قام الفريق البحثي بزرع رقائق من االسيليكون بالجزء المسؤول عن النطق في دماغ متطوعة عاجزة عن النطق. تعاني المريضة من مرض التصلب الجانبي الضموري، الذي يؤثر بشدة في قدرتها على التحكم بعضلات اللسان. تقوم الرقائق باستقبال الإشارات العصبية للدماغ أثناء محاولة المريضة نطق عبارات معينة تعرض عليها. واعتماداً على هذه البيانات، تقوم خوارزميات للتعلم العميق بالربط بين الإشارات العصبية، التي ينتجها دماغ المريضة، ومفردات الجمل والعبارات، التي تحاول نطقها، بفك تشفير كل فونيم (الوحدة الصوتية الصغرى) على حدة، أي بمحاولة إرفاق كل فونيم بإشارته العصبية التي تناسبه [2][4].

اعتمدت الدراسة على نموذج للتعلم العميق يدعى «الشبكة العصبية المتكررة-(recurrent neural network (RNN». والذي يأخذ بعين الاعتبار الفينومات التي سبق فك تشفيرها من أجل فك تشفير الفينوم اللاحق في عبارة ما. يقوم النموذج، خلال محاولة المريضة النطق بعبارة ما، بالتنبؤ باحتمالية نطق كل فونيم. ثم يقوم بتركيب الكلمات الأكثر احتمالية وترتيبها بمساعدة نموذج لغوي للغة الإنجليزية. وهكذا، تبني خوارزمية التعلم العميق نموذجاً قادراً على تفسير الإشارات العصبية للمريضة وترجمتها إلى نص [2].

نتائج التجربة

أظهرت واجهات الدماغ والحاسوب التي طورها الفريق نتائج واعدة. قد تعطي أملاً للأفراد العاجزين عن النطق باستعادة تواصل طبيعي وسلس مع المجتمع. فلم تتجاوز نسبة الكلمات الخاطئة 9% من مجموع الكلمات التي تنبَّأ بها عند استعمال 50 مفردة في تدريب الخوارزمية. بينما، ارتفعت هذه النسبة إلى 23.8% عند تدريب الخوارزمية ب 125 ألف مفردة. ووصلت سرعة التنبؤ إلى معدل متوسط قدره 62 كلمة في الدقيقة في مقابل 160 كلمة بالنسبة للكلام الطبيعي. رغم هذا،  تبقى هذه النتائج مشجعة لبذل مزيد من الجهد في تحسين واجهات الدماغ والحاسوب لجعلها أكثر كفاءة في إنتاج كلام سلس وطبيعي [2][4].

الدراسة الثانية: ربط النشاط الدماغي بالجمل والعبارات

في الدراسة الثانية، قام فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا بمحاولة ربط النشاط الدماغي بالجمل والعبارات المنطوقة. وتختلف هذه الدراسة عن سابقتها بكونها لا تقتصر على النشاط الدماغي للمناطق المسؤولة عن النطق، بل تتعداه لتغطي القشرة الدماغية كلها. بالإضافة إلى هذا، نجح الفريق في خلق محاكاة شبه طبيعية للمريضة وهي تتحدث، وذلك بمساعدة أفاتار يحاكي تعابير وجهها ونبرة صوتها أثناء الكلام [1][4].

التجربة

في هذه التجربة، قام فريق البحث بزرع 253 قطبا وتوزيعها على القشرة الدماغية لمريضة فقدت قدرتها على النطق إثر سكتة دماغية. تقوم الأقطاب بالتقاط النشاط المشترك لآلاف الخلايا العصبية أثناء محاولة المريضة نطق عبارات تتكون بمجملها من 1024 مفردة. ويتم تدريب خوارزمية للتعلم العميق على التعرف على أنماط النشاط الدماغي الناتج عن نطق كل مفردة. ثم يتم تحويل الكلمات إلى صوت وتعبيرات وجه اصطناعية بواسطة أفاتار طوره الفريق [1][4].

نتائج التجربة

حققت واجهات الدماغ والحاسوب في هذه التجربة نتائج مشجعة وملهمة في تحسين التواصل بين العاجزين عن النطق مع العالم الخارجي. ورغم أن نسبة الخطإ في هذه الدراسة فاقت 25 بالمئة، يبقى توفير طريقة تواصل بتعابير الوجه ونبرة الصوت طفرة نوعية قدمتها هذه الدراسة. بالإضافة إلى هذا، تفوق سرعة فك التشفير (ترجمة النشاط الدماغي إلى كلمات) في هذه الدراسة تلك التي حققتها الدراسة السابقة، حيث تصل إلى 78 كلمة في الدقيقة. ورغم أن هذه السرعة لا تزال بعيدة عن السرعة الطبيعية للكلام، فإن الدراسة تفتح آفاقاً واسعة أمام استخدام واجهات الدماغ والحاسوب في استعادة الكلام للعاجزين عن النطق [1][4]. 

عيوب الدراستين

رغم الاهتمام الهائل الذي لاقته كلتا الدراستين، لا تزال واجهات الدماغ والحاسوب في حاجة إلى مزيد من التحسين والتطوير من أجل إدماجها في مراكز الرعاية الصحية لمساعدة العاجزين عن النطق على الكلام. ومن أبرز العيوب التي تعاني منها الدراستان، وجود أسلاك تربط رأس المريض بالحاسب الآلي أثناء عملية التواصل. مما يحُدُّ من حصول تواصل طبيعي وفعال. أضف إلى هذا أن هذه التقنية تعتمد بشكل كلي على وجود مناطق دماغية سليمة عند المريض من أجل فك تشفيرها. وهذا ليس حال كل المرضى، دون أن ننسى الآثار الجانبية والمسائل الأخلاقية التي قد يثيرها زرع واجهات الدماغ والحاسوب بأدمغة المرضى [1][2][4].

في النهاية، من أجل انتشار واسع لهذه التقنية، يجب التركيز على تحسين دقة وسرعة فك التشفير. بالإضافة إلى تطوير أنظمة قابلة للزرع بالكامل دونما حاجة إلى أسلاك موصلة مع الأخذ بعين الاعتبار لمختلف الآثار الجانبية [4].

المصادر

[1] A high-performance neuroprosthesis for speech decoding and avatar control
[2] A high-performance speech neuroprosthesis 
[3] High-performance brain-to-text communication via handwriting
[4] Brain-reading devices allow paralysed people to talk using their thoughts

ما التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 15 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تتحول المدن الذكية بسرعة إلى حقيقة واقعة في العديد من أجزاء العالم. وتتبنّى الحكومات والبلديات الفوائد المحتملة المترتّبة على التقنيات المتقدّمة، والبيانات، بهدف تحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق التنمية الشاملة. بيد أن تطوير وإدارة المدن الذكية ليس بالأمر السهل، ولا يخلو من التحديات. فما هي التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

إدارة المدن الذكية

لا يوجد تعريف محدّد وموحّد حتى الآن للمدينة الذكية، لأنها مفهوم جديد نسبيًا. فتقترح الجهات الفاعلة تعريفاتها الخاصة التي تتناسب مع آلية عملها، بالرغم من ذلك يوجد بعض المبادئ العامة التي تتبعها الحكومات لإدارة المدن الذكية. ومن المهم ملاحظة أن إدارة المدن الذكية هي عملية مستمرّة تتطلّب تكيُّفًا وإبداعًا، وتختلف الاستراتيجيات والنهج المتّبعة من حكومة إلى أخرى. [1]

عمومًا تتبع الحكومات نهجًا لإدارة دورة الحياة الحضرية. يتضمّن تصميم، وصيانة التفاعلات بين الأنظمة الفرعية وذلك لإنشاء نظام بيئي شامل ومستدام داخل المدينة. كما تلعب دورًا حاسمًا كعامل تكامل بين الوظائف المختلفة المكونة للمدينة. فهي تنسّق، وتشرف على تنفيذ مختلف مبادرات المدن الذكية، وتضمن الأداء السلس للأنظمة.[1]

تشارك الحكومات مختلف أصحاب المصلحة في إدارة المدن الذكية بما في ذلك المواطنين، والشركات، والأوساط الأكاديمية. من أجل ضمان مشاركتهم النشطة في تنمية المدينة وقيادتها. وتدخل التقنيات الذكية في أنظمتها مثل الذكاء الاصطناعي AI، وأجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء IoT. كما تعتمد على تحليل البيانات في صنع القرار، إذ يتمكّن أصحاب القرار بفضل الرؤى المستنيرة للبيانات من تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. من ثم تخصيص الموارد على النحو الأمثل، وتقديم الخدمات المطلوبة.[2]

لكن تواجه الحكومات تحديات صعبةً في إدارة المدن الذكية، بسبب العديد من المشكلات التقنية وغير التقنية. نتيجةً لذلك يتعيّن على صنّاع القرار دراسة هذه التحديات من أجل وضع الخطط اللازمة للتغلّب عليها.

تحديات البنية التحتية

يتطلّب التطبيق الفعّال للتقنيات الذكية بنيةً تحتيةً قويةً وموثوقةً، غير أن العديد من المدن تفتقر إلى البنية التحتية المطلوبة. وقد تفتقر إلى الهياكل الأساسية المادية (مثل أجهزة الاستشعار، وشبكات الاتصالات)، أو الهياكل الأساسية المؤسسية (مثل السياسات، واللوائح التنظيمية الداعمة). ويشكّل نقص البنية التحتية تحديًا حقيقيًا للحكومات في إدارة المدن الذكية، إذ تعوق تكامل البيانات الضخمة التي تسهم في تنمية المدينة.[3]

تعتبر المدينة موطنًا لسكان متنوعين ذوي احتياجات وتوقعات مختلفة. مما يجعل من الصعب تصميم وتنفيذ بنية تحتية تلبي احتياجات الجميع، وتوفر فرصًا متكافئةً للحصول على الخدمات الذكية. لذلك تحتاج الحكومات تخطيطًا وتنسيقًا دقيقًا لضمان استفادة الجميع من التقنيات الحديثة بمن فيهم كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة.[3]

تحديات خصوصية البيانات والأمن

تتعرض إدارة المدن الذكية للعديد من التحديات المتعلّقة بخصوصية البيانات والأمن، لأنها تنطوي على جمع البيانات الحسّاسة، وتخزينها، ومعالجتها. وتولّد المدن الذكية كميةً هائلةً من البيانات من أجهزة مختلفة كالكاميرات، والمستشعرات. وإذا استخدمت هذه البيانات بشكل غير مسؤول، أو مدروس، أو بسوء نيّة فقد تؤدي إلى آثار سلبية مثل انتهاك حقوق الإنسان، والمبادئ الأخلاقية. على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي خرق البيانات إلى نشر معلومات حساسة كالبيانات الشخصية، والمعلومات المالية، والبيانات التجارية السرية. مما يؤدي إلى سرقة الهوية، أو الاحتيال، وغيرها من الأنشطة الخبيثة. كما يؤدي انتهاك البيانات إلى انتهاك الخصوصية حين تعرض المعلومات الشخصية لأطراف غير مصرح لها. الأمر الذي يسبب فقدان الثقة بنظام المدينة، ويخفض مشاركة المواطنين.[4][5]

يكثر التهديد السيبراني مع زيادة رقمنة المدن مما يخلق مخاوف أمنيةً مختلفةً. حيث يمكن للمخترقين استغلال نقاط الضعف في نظام المدينة لشنّ هجمات إلكترونية على الأجهزة والأنظمة. [4]

تحديات سياسية في إدارة المدن الذكية

تنطوي مشاريع المدن الذكية على نقل الوظائف العامة الحاسمة إلى أنظمة الحاسوب. نتيجةً لذلك من المهم ضمان أن يكون للجمهور رأي في اقتناء البنية التحتية الرقمية، والتحكم بها. بالرغم من ذلك غالبًا ما تُستبعد المنظمات المجتمعية من عمليات اتّخاذ القرار بشأن تنفيذ المدينة الذكية. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث توترات سياسية.[6]

إضافةً إلى ذلك، قد تخلق المدينة الذكية تحديًا للأشخاص المستبعدين، بسبب ذلك تتشكّل مشكلة الإدماج الاجتماعي. يعني ذلك أن مشاريع المدن الذكية قد لا تكون متاحةً أو مفيدةً لجميع أفراد المجتمع، ولاسيما أولئك المهمشون، أو المستبعدون. يزيد التوتر بين مختلف الفئات، وتتعقد المشكلات المرتبطة بالإدماج الاجتماعي بسبب الأبعاد الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية للبلدان. لذلك يحتاج الخبراء إيجاد حلول مصممة خصيصًا لكل نظام ذكي.[7]

تواجه الحكومات كذلك مشكلة الإنصاف الرقمي. ويشير المصطلح إلى أن جميع الأفراد والمجتمعات لديهم إمكانية متساوية للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات المطلوبة للمشاركة في الحياة الرقمية. وأبرزت الأبحاث التي أجريت مؤخرًا أن كوفيد-19 يزيد أوجه عدم المساواة القائمة، ويزيد تفاقم الفجوة الاجتماعية ذات الصلّة بالتكنولوجيا. ولا سيما بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من العنصرية بما في ذلك المهاجرين الجدد، واللاجئين، والأقليات العرقية. ويعني ذلك أن بعض الناس قد لا يحصلون على التقانة اللازمة للمشاركة في المشاريع الذكية. فيؤدي ذلك إلى حدوث صراع بين أفراد المجتمع. [8]

صعوبة تقبل المواطنين لمبادرات المدن الذكية

تواجه إدارة المدن الذكية عدّة تحديات متعلّقة بتقبل المواطنين، ومشاركتهم بمبادرات المدن الذكية ومنها:

قلّة الفهم

تتمثل إحدى المشكلات في عدم فهم البلديات والقطاعات العامة لمفهوم المدن الذكية بشكل كامل. فينعكس ذلك بدوره على جودة تنفيذ الحلول الذكية. ويرجّح سبب المشكلة لنقص الخبراء القادرين على تقديم حلول شاملة للبلديات. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة أجريت في سلوفاكيا، وإيطاليا، ولتوانيا، والدنمارك أن فهم البلديات لفكرة المدينة الذكية كان منخفضًا. ويؤثر ذلك على تقبُّل المواطنين للمدينة الذكية، لأن صانعي القرار لا يفهمون تمامًا آثار تنفيذ الحلول الذكية على بيئتهم. [9]

عدم مشاركة المواطنين

غالبًا ما تحدث مشاركة المواطنين في المدن الذكية من خلال منصات مشاركة مخصصة. حيث يمكن للمواطن عن طريقها التصويت، والمناقشة، وتقديم الأفكار. بالرغم من ذلك ، قد لا تكون المنصات الحالية فعّالةً في إشراك المواطنين إذ قد لا يدركون وجودها، أو قد لا يشعرون بأن مشاركتهم ستحدث فرقًا. وهذا النقص في المشاركة يمكن أن يُصعب على الحكومات إدراك ما يريده المواطن، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة. [10]

الإحجام عن خلق القيمة بشكل مشترك

غالبًا ما ينظر المواطنون إلى المراقبة من قبل السلطات على أنها قمعية. بالتالي يظهرون تردّدًا في المشاركة في خلق القيمة من الخدمات الذكية، إذ تحتاج عملية صنع القيمة تعاونًا بين السكان والحكومة معًا. مع ذلك قد لا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في هذه العملية إذا شعروا بأن خصوصياتهم تنتهك. على سبيل المثال؛ إذا استخدمت الحكومة كاميرات لمراقبة الأماكن العامة، ربما يشعر السكان بعدم ارتياح، ولا يكونون على استعداد للمشاركة في المبادرات التي تتطلّب منهم مشاركة معلوماتهم الشخصية.[11]

استياء السكان

يشير ذلك إلى عدم رضى المواطن عن التقنيات الذكية، والعملية الديموقراطية، والتأثير المجتمعي للمدينة الذكية. مثلًا قد يشعر السكان بأن التقانة لا تخدم احتياجاتهم، وأنه لا يجري استشارتهم على النحو الملائم في عملية صنع القرار، وقد يساورهم القلق أيضًا بشأن قضايا الخصوصية. ويمكن أن يؤدي هذا السخط، والاستياء إلى مقاومة تنفيذ مبادرات المدن الذكية.[12] على سبيل المثال؛ خطّطت شركة Sidewalk labs وهي تابعة لشركة Alphabet inc -الشركة الأم لGoogle- مع مؤسسة تنشيط واجهة تورونتو البحرية لإنشاء حي ذكي على الواجهة البحرية للمدينة ويدعى المشروع Sidewalk Toronto. لكن واجه المشروع مشاكل بسبب المخاوف بشأن الخصوصية، وجمع البيانات، والشفافية. وألغي في نهاية المطاف عام 2020. [13]

الاختلافات الثقافية

تؤثر الاختلافات الثقافية على قبول، واعتماد التقانة الذكية في المجتمع ومن المهم النظر في هذه العوامل قبل تنفيذ مبادرات المدن الذكية. على سبيل المثال؛ قد يعزى سبب نجاح الأنظمة الذكية لإدارة النفايات SWMS إلى العديد من العوامل، بما في ذلك الدور الثقافي للمجتمع. حيث ينظر في بعض الثقافات إلى إدارة النفايات على أنها مسؤولية جماعية، ويرجح مشاركة السكان في الأنشطة التي تعزّز النظافة كاليابان. لكن في نفس الوقت، ينظر إلى إدارة النفايات في ثقافة أخرى على أنها مسؤولية فردية، وقد ولا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في الأنشطة التي تتطلّب منهم تغيير سلوكهم. [14]

تحديات التمويل

تعد إدارة المدن الذكية مهمةً مكلفةً للغاية، حيث يلزم تنفيذ بنية تحتية جديدة تعهدًا ماليًا كبيرًا، بالتالي يشكل عقبةً وخصوصًا بالنسبة للبلدان النامية. ويرى الكثيرون أن الاعتماد على الهياكل، والبنى الأساسية القائمة هو المفتاح لمعالجة مشكلة التكلفة، إلا أنها لا تخلو كذلك من صيانة، وتشغيل، ومعالجة مما يجعلها مكلفةً أيضًا.[15]

يعتبر تأمين التمويل مهمةً شاقةً تتطلب حلولًا إبداعيةً لسدّ الفجوة بين رأس المال الأولي الذي تقدّمه الحكومة، والأموال اللازمة لإتمام المشاريع. مثلًا قدّمت بعثة المدن الذكية في الهند تمويلًا لمدن مختلفة على أساس مقترحات مشاريعها. فحصلت كل مدينة على رأس مال أولي من الحكومة لتحويل حوالي 22 مليون يورو إلى المقترحات الواعدة. مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى حوالي 88 مليار يورو على مدى السنوات العشرين المقبلة، أي حوالي 4.5 مليار يورو سنويًا. وبذلك سيشكل تمويل جميع المشاريع تحديًا أمام الحكومة في المقام الأول لأنها تعتمد على الاستثمار الخاص، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.[16]

تحديات لا تنتهي

تواجه إدارة المدن الذكية تحديات أخرى كثيرة مثل التنسيق بين القطاع العام والخاص، ونقص القدرة على تنفيذ مبادرات المدن الذكية، وتحديات الخدمات العامة كتقديم خدمات مبتكرة تعالج المشاكل الحضرية الملحّة، وغيرها الكثير أيضًا.

عمومًا لن يتحقّق تعظيم إمكانات المدن الذكية إلا من خلال ثقة المواطنين، جنبًا إلى جنب مع تعاون أصحاب المصلحة الرئيسيين في البلديات والقطاع الخاص. إذ ينبغي على الجهات الفاعلة النظر إلى هذا المشروع باعتباره مشروعًا طويل الأجل بدلًا من التعامل مع الحاجات الملحة، والحلول قصيرة الأمد.

المصادر

  1. SSRN
  2. Semantic scholar
  3. Emerald insight
  4. Semantic scholar
  5. Semantic scholar
  6. ACM digital library
  7. AIS eLibrary
  8. National library of medicine
  9. MDPI
  10. Science direct
  11. Emerald insight
  12. Science direct
  13. Frontiers
  14. international journals of industry & sustainable development
  15. Semantic scholar

كيف استخدمت الموصلية الفائقة في صناعة المجسات الفوتونية ؟

تعمل عيوننا كمجسات للضوء شديدة الحساسية، حيث تعينان شدة الأشعة الساقطة عليهما ولونها وانتشارها في الفضاء. وتمتلك شبكية العين البشرية من (البكسلات) أكثر مما تمتلكه آلة تصوير رقمية. ففي الشبكية نحو ستة ملايين من الخلايا المخروطية التي تتحسس باللون وأكثر من 100 مليون من الخلايا الأسطوانية المسؤولة عن الرؤيا في الظلام. والعيون حساسة جداً، حيث أن خلية واحدة أسطوانية معتادة على الظلام يمكن أن تطلق إشارة إلي الدماغ عند امتصاصها جسيما واحداً من جسيمات الضوء (فوتوناً). والفوتون هو أصغر وحدة كمومية من موجة كهرومغناطيسية. وتلزم ست فقط من إشارات الفوتون الواحد لكي يري الدماغ ومضة. لكن العيون وآلات التصوير التجارية بعيدة عن أن تكون مثالية للعديد من المهمات. لأنها لا تستطيع أن تكشف سوى تلك الفوتونات التي تقع تردداتها في المدي المرئي الضيق. وأكثر من ذلك فإن قدراتها اللونية لا تتضمن قياس التردد المضبوط  لكل فوتون. ومن هنا أتى احتياجنا الكبير لمجسات فوتونية علمية وصناعية قادرة على كشف المجالات الكهرومغناطيسية التي تقع خارج مدي الضوء المرئي. نريد مجسات فوتونية قادرة على التقاط عوالم الأشعة تحت الحمراء والموجات الميكروية، حيث الترددات منخفضة (الأطوال الموجية طويلة، والطاقة منخفضة).

يفتقر العلماء بصورة خاصة، بالنسبة إلي الأطوال الموجية المرئية والأطول منها، إلي أجهزة قادرة علي رؤية فوتون منفرد وعلي تمييز تردده، ومن ثم طاقته بأي دقة كانت. حيث إن تعيين تردد الفوتونات يفتح الباب أمام ثروة من المعلومات حول المادة المصدرة لهذه الفوتونات. إن كشف الفوتونات بابتكار مجسات أساسها الموصلية الفائقة، بإمكانها القيام بمثل تلك القياسات الدقيقة وبأمور أخرى غير عادية. إذ أن هذه الأدوات الجديدة تحسن حساسية القياسات على مدى الطيف الكهرومغناطيسي من الموجات الراديوية إلي الضوء المرئي إلي أشعة جاما تحسينا مذهلا.

هشاشة الموصلات الفائقة ودورها في صناعة مجسات فوتونية

من الغريب أن تكون خاصية التوصيلية الفائقة التي نتج عن استخدامها في تطبيقات مثل نقل القدرة الكهربائية، هي بالضبط الميزة التي احتاجها العلماء لصناعة مجسات للفوتونات. فالموصلية الفائقة التي هي سريان التيار الكهربي من دون مقاومة، وتنشأ حين ترتبط الإلكترونات فى مادة مناسبة بعضها ببعض لتشكل ما يسمي أزواج كوبر Cooper pairs.

تسري أزواج كوبر عندئذ كمائع فائق. وهناك تأثير ميكانيكي كمومي مفاده أن الموصلية الفائقة لا تحدث فى المادة إلا حين تُبَرد هذه المادة إلي درجة حرارة منخفضة جداً، وتدعي حرارة التحول الحرجة لتلك المادة. وتبريد المادة ينقص اهتزاز ذراتها. فإذا ارتفعت درجة الحرارة فوق حرارة العتبة (Threshold)، أبعدت الطاقة الحرارية للتصادمات الإهتزازية الإلكترونين الشريكين في أزواج كوبر أحدهما عن الآخر. وأزالت بذلك الموصلية الفائقة. وبسبب هذه الحساسية للحرارة لا بد من تبريد العديد من الموصلات الفائقة إلي درجات قليلة فقط فوق الصفر المطلق ( درجة 0 كلفن تساوي 273.15-). وتحتاج بعض الأنواع إلي درجات حرارة منخفضة لا تتجاوز أجزاء قليلة من المئة من الكلفن.

هشاشة مفيدة

ولكن هشاشة الموصلية الفائقة بحد ذاتها هي الصفة التي تجعلها مناسبة بصورة مثالية للاستخدام فى المجسات الحساسة. وتعتمد مجسات الفوتونات فائقة الموصلية علي مقدرة طاقة فوتون منفرد علي تمزيق الآلاف من أزواج كوبر. عندئذ يمكن قياس التغير في حالة الموصلية الفائقة بعدة طرق بهدف الكشف عن الطاقة التي أعطاها الفوتون أي لصناعة المجسات الفوتونية. ولما كانت طاقة الفوتون متناسبة مع تردده، فإن هذا القياس يدل علي تردد الفوتون. وهذا هو المفتاح للحصول على معلومات عن الجسم الذي أتى الفوتون منه. [1]

تعمل المجسات شبه الموصلة العاملة عند درجة الحرارة العادية، مثل الأجهزة ذات الشحنات المقترنة Charged-coupled devices الموجودة في آلة تصوير رقمية، بواسطة تشويش حالة كمومية في المادة. ففي حالة الجهاز CCD، يصدم فوتون الضوء المرئي إلكترونا فيخرجه من نطاق طاقة في بلورة شبه موصلة. ولكن الإلكترونات مرتبطة ارتباطا قويا فى هذه النطاقات، لدرجة أن كل فوتون لا يحرر عادة سوي إلكترونا واحد. وهذا التحرير قليل جداً لدرجة أنه لا يكفي لتحديد تردد الفوتون. ونتيجة لذلك لا يستطيع الجهاز CCD تعيين لون الفوتون مباشرة. أما الآلات الرقمية فتشكل صوراً ملونة باستخدامها مجموعة مرشحات، أحدهما أحمر والآخر أخضر والثالث أزرق، ولا تمرر سوى الفوتونات التي تقع تردداتها في هذه المجالات. وعلي النقيض من ذلك، فإن بإمكان فوتون مرئي واحد فصل الآلاف من أزواج كوبر فى الموصل الفائق. ويتيح تكوين آلاف الإثارات قياس الطاقة قياسا دقيقا.

أنواع المجسات الفوتونية فائقة التوصيل

تصنف المجسات التي تعمل علي تحسس تمزق الموصلية الفائقة فى صنفين رئيسيين. النوع الحراري الذي يبرد حتي درجة حرارته الانتقالية بالضبط، وعندها لا يكون إلا جزئيا في حالة الموصلية الفائقة وتكون الإثارات الحرارية علي وشك أن تخرب الموصلية الفائقة كليا. وأي طاقة تُودَع فى الموصل الفائق ترفع درجة حرارته وتسبب ارتفاع مقاومته الكهربائية ارتفاعا ملموسا. أما النوع الأخر، المجسات الفاصلة للأزواج Pair-breaking فهو علي العكس من ذلك، إذ يُبَرد إلى درجة حرارة أخفض من درجة حرارة الانتقال ويكون فى حالة الموصلية الفائقة كليا. ويقيس هذا المجس عدد أزواج كوبر التي تحطمت عند إيداع الطاقة فيه.[2]

المجسات ذات الحافة الانتقالية (TES)

يعتمد النوع الحراري من المجسات الفوتونية علي حقيقة أن المقاومة الكهربائية للموصل الفائق ترتفع بشكل حاد من الصفر إلي قيمتها الاعتيادية فى المدى الضيق جداً من درجة الحرارة الذي تتحول فيه المادة من حالتها فائقة الموصلية إلي حالتها العادية. ويتيح التغير الفجائي فى المقاومة للموصل الفائق أن يعمل عمل ميزان حرارة بالغ الحساسية. ويدعي المجس الذي يستخدم الانتقال الطوري الفائق الموصلية بهذه الطريقة مجساً ذا حافة انتقالية Transition-edge sensor. وحين يمتص المجس TES فوتوناً، تتحول طاقة الفوتون إلي طاقة حرارية ترفع درجة الحرارة ومن ثم تزيد مقاومة المادة بصورة متناسبة مع الطاقة المودعة. ويمكن تبعا للمادة التي تمتص الفوتونات، أن يٌستخدم المجس TES مثل مقياس طيف لقياس طاقة الأشعة السينية وأشعة جاما أو مثل عداد فوتونات عند الأطوال الموجية تحت الحمراء أو حتى المرئية.[3]

تم تطوير أوائل المجسات TES فى الأربعينيات لكنها لم تكن عملية. وكانت المشكلة في أن مدى الانتقال إلي الموصلية الفائقة غالبا ما يكون أقل من جزء من ألف من الدرجة. ولذلك كان من الصعب إبقاء درجة حرارة الجهاز ضمن هذا المدى. وفى عام 1993، تم اكتشاف حيلة بسيطة أمكنت من حل هذه المشكلة. وهي تطبيق جهد كهربي ثابت، وهي تقنية تدعى انحياز الفلطية Voltage biasing. يؤدي الجهد المطبق إلي مرور تيار كهربي عبر المجس TES، وهو ما يرفع درجة حرارته للتسخين. وعند ارتفاع درجة حرارة الانتقال ترتفع المقاومة، و ينقص التيار الكهربي ويتوقف التسخين. وهكذا يعمل التسخين الذاتي ارتجاع Feedback سالب، فيبقي درجة حرارة الغشاء ضمن مجاله الانتقالي. كما أن الارتجاع السلبي يسرع استجابة المجسات. وقد أدي إدخال انحياز الفلطية إلي نمو هائل فى تطوير المجسات الفوتونية TES فى العالم كله.

مجسات الوصلة النفقية فائقة الموصلية Superconducting tunnel junctions

لا يمكن للمجسات الفاصلة لأزواج كوبر أن تعتمد علي التغير فى المقاومة الكهربائية لكي تعطي إشارة امتصاص فوتون. فبخلاف المجس الحراري، يحطم الفوتون الوارد أزواج كوبر ويُكَوِن أشباه جسيمات يمكن اعتبارها بمثابة إلكترونات حرة فى مادة أخري فائقة الموصلية. ويكون عدد أشباه الجسيمات الناتجة متناسبةً مع طاقة الفوتون. ولكن لما كان المجس مبرداً إلي ما دون درجة حرارته الانتقالية بكثير، فلا يزال ثمة بحر من أزواج كوبر السليمة. ولذا تبقي المقاومة الكهربية معدومة. وينبغي أن يحتفظ المجس الفاصل للأزواج بقدرته علي التمييز بين أزواج كوبر وأشباه الجسيمات.

إن أحد الأجهزة القادرة علي القيام بتلك المهمة هو الوصلة النفقية الفائقة الموصلية Superconducting tunnel junctions، المؤلفة من غشائين فائقي الموصلية تفصلهما طبقة رقيقة من مادة عازلة. فإذا كان العازل رقيقا لدرجة كافية (نحو 2 نانومتر)، أمكن للإلكترونات أن تعبر من أحد جانبي الحاجز إلي الجانب الآخر بواسطة خاصية تعرف بالعبور النفقي الكمومي quantum-mechanical tunneling. ويؤدي تطبيق مجال مغناطيسي صغير إلي منع أزواج كوبر من العبور النفقي عبر الوصلة فلا يستطيع العبور إلا أشباه الجسيمات. بعد ذلك يمكن تطبيق جهد كهربي علي الجهاز، فلا يمر تيار إلا حين يمتص أحد الغشائين فائقي التوصيلية فوتوناً يولِد أشباه جسيمات. وتكون نبضة التيار الناتجة متناسبة مع عدد أشباه الجسيمات المستحدثة وإذاً مع طاقة الفوتون وتردده.[4][5]

تطبيقات المجسات فائقة الموصلية

إن المجسات فائقة الموصلية المتاحة اليوم أكثر حساسية 100 إلي 1000 مرة من المجسات العادية التي تعمل عند درجة حرارة الغرفة. وهذه الأجهزة تحسن القياسات فى مدي واسع من المجالات.

منع انتشار الأسلحة النووية والدفاع الوطني

إن إحدي الأولويات الدولية هي مراقبة انتشار المواد النووية التي يمكن أن تستخدم فى هجوم يقوم بيه إرهابيون. وتحتوي المواد النووية على نظائر غير مستقرة تصدر أشعة السينية وأشعة جاما. وتوفر الطاقات المميزة لهذه الفوتونات بصمة تكشف عن ماهية تلك النظائر الموجودة. ولكن لسوء الحظ تصدر بعض النظائر الموجودة فى تطبيقات شرعية وعادية هي الأخرى أشعة جاما ذات طاقات شبيهة بتلك التي تصدرها مواد تستخدم في الأسلحة النووية. وهذا يؤدي إلى تحديد ملتبس وتحذيرات مزيفة. فعلى سبيل المثال، تتمثل الطاقة المميزة لليورانيوم العالي التخصيب فى أشعة جاما ذات طاقة 185.7 كيلو إلكترون فولت الصادرة من يورانيوم 235. لكن أشعة جاما هذه لها نفس الطاقة تقريبا التي تصدر عن الراديوم 226 الموجودة فى الطين فى الحاويات المخصصة للقطط وفى مواد أخري. وهذا يجعل التمييز بين الاثنتين صعبا جدا.

وقد تم تطوير مجسات من قبل مختبر لوس ألاموس الوطني لأشعة جاما مبنية علي أساس تقانة TES وتتمتع بقدرة تمييز طاقية تفوق أكثر من عشر مرات تلك التي للمجسات العادية. إذ تستطيع تلك المجسات فصل عدد أكبر من الخطوط فى أطياف أشعة جاما المعقدة للمواد النووية. وتستطيع التفريق بين اليورانيوم والراديوم والقضاء علي التحذيرات الزائفة.

الكوسمولوجيا (علم الكون)

في السنوات الأخيرة، أتت بعض أهم الاكتشافات حول فهمنا للكون من قياس اشعاع الخلفية الكونية من الموجات الميكروية Cosmic microwave background (CMB). فالفوتونات فى الخلفية الكونية هي صورة لحظية للكون بعد نحو 400000 سنة من الانفجار الأعظم. وهذا بسبب مرور معظم الفوتونات عبر الكون أثناء ال 13 بليون سنة الماضية من دون أي تغير، وأحدثت الموجات الصوتية في بلازما الكون المبكر نماذج إشعاع خلفية CMB يراها الفلكيون اليوم. وقد أظهرت قياسات تلك النماذج، أن 5% من الكون الحالي فقط يتألف من المادة والطاقة العاديتين المألوفتين بالنسبة لنا. وأن نحو 22% هي مادة خفية Dark matter و73% هي حقل غامض يعرف بالطاقة الخفية Dark energy. وقد ساعدت المجسات فائقة الموصلية العلماء علي الوصول إلي طاقات لا يمكن الوصول إليها أبدا بالتجارب الأرضية.

صارت المجسات الفائقة بالإضافة إلي ما تم ذكره من تطبيقات، تستخدم أيضا فى السنكروترونات للتحليل الكيميائي للمعادن في البروتينات وفي عينات أخري. كما ساعدت أيضًا في الكشف الفعال عن بوليمرات بيولوجية كبيرة من شظايا ال DNA، واكتشاف الأدوية وتحليل المركبات الطبيعية. بالإضافة إلي عد الفوتونات عند أطوال موجية تحت الحمراء، المستخدم في الاتصالات.

المصادر

1- Low Temperature particle detectors|
2-Superconducting nanowire single-photon detector
3-Transition-edge sensor
4-Quantum Tunneling
5-Superconducting tunnel junction

ما هو الثلج الجاف واستخداماته في التخزين البارد؟

الثلج الجاف هو ثاني أكسيد الكربون الصلب المتجمد (CO2)على عكس الثلج العادي الذي يكون عبارة عن ماء متجمد. كما يوحي الاسم، فإن الثلج الجاف لا يذوب عند تعرضه لدرجة حرارة الغرفة أو الحرارة. وبدلًا من ذلك، يتحول مباشرة إلى غاز، المعروف أيضًا باسم “التسامي – sublimation “. يتجمد ثاني أكسيد الكربون ويظل متجمدًا عند درجة حرارة أقل من 78.5- درجة مئوية (109- درجة فهرنهايت). من ناحية أخرى، يتجمد الجليد العادي عند درجات حرارة أقل من 0 درجة مئوية (32 درجة فهرنهايت). هذا الاختلاف الهائل في درجة حرارة التجمد هو ما يجعل استخدام الثلج الجاف للتخييم طريقة رائعة للحفاظ على طعامك باردًا لفترة أطول. كما أنه لن يترك طعامك يفسد في السائل عندما يذوب. وكمكافأة مثيرة للاهتمام، يمكن أيضًا أن يبعد البعوض عن خيمتك لأن البعوض ينجذب إلى غاز ثاني أكسيد الكربون. ولكن لماذا لم يعد هذا الشكل البديل الرائع من الجليد شائعًا بعد؟ حسنًا، ذلك لأن الثلج الجاف ليس مثاليًا – ناهيك عن أنه خطير بعض الشيء إذا تم استخدامه بشكل غير صحيح. في هذا المقال، سنتعرف على الثلج البارد ومخاطره وكذلك استخداماته في الصناعات المختلفة.

ما هو الثلج الجاف وكيف تم اكتشافه؟

الثلج الجاف هو الشكل الصلب لثاني أكسيد الكربون (CO2) الذي يستخدم عادة للتبريد المؤقت حيث أن ثاني أكسيد الكربون لا يحتوي على حالة سائلة عند الضغط الجوي العادي ويتصاعد مباشرة من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية. تم ملاحظة الجليد الجاف لأول مرة في عام 1835 من قبل الكيميائي الفرنسي تشارلز ثيلورييه عندما فتح أسطوانة تحتوي على كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون السائل لمراقبته في شكل سائل. تبخر ما يكفي منه لترك كتلة ثلج جافة صلبة في قاع الحاوية. وعلى مدار الستين عامًا التالية، تمت ملاحظته في مختبرات الجامعة ولكن لم يتم استخدامه في أي تطبيقات عملية. وحتى اليوم، يمكن لأي شخص أن يأخذ أسطوانة معدنية من ثاني أكسيد الكربون السائل (مثل طفاية حريق ثاني أكسيد الكربون)، ويفتح الصمام، ويلاحظ سحابة الغاز المتسربة مع تحول جزء منها إلى ثلج جاف وثلج مسحوق. ومع ذلك، لم يكن هناك أي استخدام عملي فوري لهذه المادة حتى عشرينيات القرن العشرين عندما وجدت أخيرًا منزلًا تجاريًا حقيقيًا مع شركة Perst Air Devices. منذ ذلك الحين، تم استخدامه في مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك الأغذية والزراعة والترفيه والشحن والتعبئة والتغليف [1].

ما هو الفرق بين الثلج الجاف والثلج العادي؟

يتم استخدام الثلج الجاف والثلج العادي للتبريد، لكن لديهم بعض الاختلافات الرئيسية. فيما يلي بعض الاختلافات الرئيسية بين الثلج الجاف والثلج العادي [2] :

ثلج جاف:

  • مصنوع من ثاني أكسيد الكربون المتجمد وهو أبرد بكثير من الجليد العادي، حيث تبلغ درجة حرارته حوالي 109.3- درجة فهرنهايت (78.5- درجة مئوية).
  • لا يذوب مثل الجليد العادي، ولكنه يتسامى مباشرة من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية، مما يعني أنه لن يجعل الأشياء مبللة.
  • أخف من الثلج العادي مما يسهل نقله.
  • يمكن أن يكون أكثر تكلفة من الثلج العادي، ويتطلب معالجة خاصة وتهوية لتجنب التعرض لمستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون.
  • يمكن استخدامه مع الثلج العادي لإطالة عمره.

الثلج العادي:

  • مصنوع من الماء المتجمد وهو أرخص ويمكن الوصول إليه على نطاق أوسع.
  • يذوب بمرور الوقت، مما قد يجعل الأشياء مبللة.
  • أثقل من الثلج الجاف، مما قد يزيد من صعوبة نقله.
  • متوفر بسهولة ويمكن شراؤه من العديد من محلات البقالة.
  • يمكن استخدامه مع ثلج جاف للحفاظ على برودة العناصر لفترات أطول من الوقت.

باختصار، الثلج الجاف أبرد بكثير من الثلج العادي، ولا يذوب، وأخف وزنًا، لكنه قد يكون أكثر تكلفة ويتطلب معالجة خاصة. الثلج العادي أرخص ومتاح على نطاق أوسع، لكنه يذوب ويمكن أن يجعل الأشياء مبللة. كلا النوعين من الجليد لهما إيجابيات وسلبيات، ويتم استخدامهما في ظروف مختلفة حسب الموقف.

ما هي مخاطر استخدام الثلج الجاف بدلًا من الثلج العادي؟

قد يؤدي استخدام الثلج الجاف بدلاً من الثلج العادي إلى بعض المخاطر بسبب خصائصه الفريدة. فيما يلي بعض المخاطر المرتبطة باستخدام الثلج الجاف [3]:

الحروق: لمس الثلج الجاف بالجلد العاري يمكن أن يسبب حروقًا، كما أن التعرض له لفترة طويلة يمكن أن يسبب قضمة الصقيع.

قضمة الصقيع: لا تلمسه ببشرتك لكن استخدم الملقط أو القفازات المعزولة (السميكة) أو قفاز الفرن. نظرًا لأن درجة حرارته باردة جدًا، ويمكن أن يسبب قضمة صقيع شديدة إذا لامس الجلد.

الانفجار: يمكن أن يتسبب في انفجار الحاويات إذا تم تخزينه في حاوية محكمة الإغلاق أو إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. لا تقم أبدًا بتخزينه في حاوية محكمة الإغلاق. عندما يذوب يتحول من مادة صلبة مباشرة إلى غاز، ومن ثم يتراكم الغاز في الحاوية حتى ينفجر. سوف تتطاير القطع الحادة من الحاوية في كل مكان. تأكد من تهوية الحاوية الخاصة بك. أفضل مكان لتخزينه هو في صندوق من الستايروفوم مع غطاء فضفاض.

التعرض لثاني أكسيد الكربون والاختناق: يمكن للثلج الجاف أن يطلق غاز ثاني أكسيد الكربون أثناء تساميه، مما قد يحل محل الأكسجين ويؤدي إلى الاختناق في المناطق سيئة التهوية مما يسبب ويسبب فقدان الوعي أو حتى الموت.

تشقق الأسطح: لا يُوضع مباشرة على أسطح العمل. يمكن أن تتسبب درجة الحرارة الباردة في تشقق السطح.

وأيضًا، لا تقم بتخزينه في الفريزر الخاص بك. سيؤدي ذلك إلى أن يصبح الفريزر الخاص بك باردًا جدًا وقد يتم إيقاف تشغيل الفريزر الخاص بك. ومع ذلك، إذا فقدت الطاقة لفترة طويلة من الزمن، فإن الثلج الجاف هو أفضل وسيلة للحفاظ على برودة الأشياء. من المهم التعامل بعناية واتباع احتياطات السلامة المناسبة لتجنب هذه المخاطر. ويشمل ذلك ارتداء القفازات والنظارات الواقية، واستخدامه في مناطق جيدة التهوية، وتخزينه في حاوية جيدة التهوية.

ما هي تطبيقات الثلج الجاف في مختلف الصناعات؟

فيما يلي بعض الاستخدامات الأكثر شيوعًا للثلج الجاف [4,5]:

التبريد والحفظ: يُستخدم بشكل شائع للحفاظ على برودة العناصر أثناء النقل، مثل المواد الغذائية والإمدادات الطبية والعينات البيولوجية.

التنظيف السريع: يمكن استخدامه لتنظيف الأسطح، مثل إزالة الطلاء أو تنظيف المعدات الصناعية.

المؤثرات الخاصة: يمكن استخدامه لإنشاء تأثيرات الضباب أو الدخان في العروض المسرحية والحفلات الموسيقية وغيرها من الأحداث.

التطبيقات الطبية: يُستخدم كذلك في الصناعة الطبية لتخزين العينات البيولوجية ونقل الإمدادات الطبية الحساسة لدرجة الحرارة.

تركيب الانكماش: يمكن استخدامه لتقليص الأجزاء المعدنية معًا.

التجميد السريع: يُستخدم لتجميد المنتجات والمأكولات البحرية وغيرها من الأطعمة بسرعة.

إزالة بق الفراش: يمكن استخدامه لجذب بق الفراش وإزالته.

جعل النباتات تنمو بشكل أسرع: يمكن استخدامه لزيادة مستوى ثاني أكسيد الكربون في الصوبة ـــ greenhouse، مما يمكن أن يعزز نمو النباتات.

التبريد أثناء عمليات الصناعة الكيميائية: في بعض التطبيقات، من المفيد أن تكون قادرًا على تبريد أو تبريد أو تجميد مادة بسرعة أثناء العملية. يمكن استخدام طاقة التبريد والبرودة الشديدة للثلج الجاف لإبطاء أو حتى إيقاف بعض التفاعلات الكيميائية. كما أنه يُستخدم أيضًا لتحييد القلويات وإنتاج “نقاط ـــ Traps” باردة توفر أسطحًا ذات درجة حرارة منخفضة جدًا يمكن للجزيئات أن تتكثف عليها.

هذه مجرد أمثلة قليلة على الاستخدامات العملية العديدة للثلج الجاف. إن تنوعها وخصائصها الفريدة تجعلها أداة قيمة في مجموعة متنوعة من الصناعات.

الثلج الجاف مادة متعددة الاستخدامات ولها استخدامات عديدة. من المهم استخدامه بشكل آمن ومسؤول، لأنه يمكن أن يسبب قضمة الصقيع وإصابات أخرى إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. ومع ذلك، عند استخدامه بشكل صحيح، يمكن أن يكون أداة قيمة لمجموعة متنوعة من الأغراض. وإذا كنت تستخدمه لأول مرة، فمن الجيد استشارة أحد المتخصصين للحصول على مزيد من المعلومات حول التعامل والاستخدام الآمن.

المصادر

  1. Dry Ice History | Dry Ice Info
  2. Dry Ice vs Regular Ice: Pros and Cons
  3. Dry Ice Safety | National Weather Services
  4. Dry Ice Applications | Dry Ice UK
  5. 17Uses of Dry Ice – Commercial, Industrial, & Scientific Uses | TechieScientist

المجهر الإلكتروني النافذ: الكشف عن عالم النانو

كما ذكرنا في المقال السابق يستخدم المجهر الإلكتروني الماسح (SEM) شعاعًا من الإلكترونات لمسح سطح العينة، وإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد. ويشيع استخدامه لدراسة مورفولوجية سطح المواد، مثل الحجم والشكل وتوزيع الميزات على السطح. بينما يستخدم المجهر الإلكتروني النافذ (TEM) شعاعًا من الإلكترونات للمرور عبر عينة رقيقة، مما يؤدي إلى تكوين صورة للبنية الداخلية للعينة. ويشيع استخدامه لدراسة بنية المواد، مثل ترتيب الذرات والجزيئات، والعيوب في المواد.

يعد المجهر الإلكتروني النافذ (TEM) بمثابة أداة لا غنى عنها في مجال علم النانو ويوفر رؤى لا تقدر بثمن حول بنية وخصائص المواد على المستوى الذري. بفضل قدرته على تصور العينات وتحليلها بتفاصيل لا مثيل لها، أصبح TEM تقنية أساسية للباحثين في مختلف التخصصات العلمية. في هذه المقالة، سنستكشف أساسيات المجهر الإلكتروني النافذ وتطبيقاته والصور المذهلة التي ينتجها.

ما هو المجهر الإلكتروني النافذ؟

المجهر الإلكتروني النافذ هو تقنية تستخدم شعاعًا من الإلكترونات عالية الطاقة للتفاعل مع العينة، والكشف عن بنيتها على المستوى الذري. يتكون الجهاز من مصدر إلكتروني وعدسات كهرومغناطيسية وحامل عينة وكاشفات. وهو يعمل على مبدأ ازدواجية الموجة والجسيم للإلكترونات، حيث يتصرف شعاع الإلكترون عالي الطاقة كموجة وكشعاع من الجسيمات [1].

كيف يعمل المجهر الإلكتروني النافذ؟

يتكون المجهر الإلكتروني النافذ من عدة مكونات رئيسية تعمل معًا لإنشاء صور عالية الدقة للعينات. تشمل هذه المكونات [1,2]:

1. مصدر الإلكترون: عادة ما يكون مصدر الإلكترون في TEM عبارة عن فتيل ساخن أو مسدس انبعاث مجال (FEG). تنبعث منها شعاع من الإلكترونات التي تعمل كمصدر أساسي لإضاءة العينة.

2. العدسات الإلكترونية: يمر شعاع الإلكترون عبر سلسلة من العدسات الكهرومغناطيسية التي تركز الشعاع وتشكله. وتشمل هذه العدسات عدسات مكثفة، والتي تركز الشعاع على العينة، والعدسات الشيئية، التي تركز الإلكترونات المنقولة على نظام التصوير.

3. حامل العينة: يحمل حامل العينة العينة الرقيقة في مكانها ويسمح بوضعها بشكل صحيح داخل المجهر. يجب تحضير العينة كقطعة رفيعة للسماح للإلكترونات بالمرور عبرها.

5. نظام التصوير: يتكون نظام التصوير في TEM من مجموعة من العدسات والفتحات وأجهزة الكشف. تركز العدسة الشيئية الإلكترونات المرسلة على العدسة المتوسطة، مما يزيد من تكبير الصورة. تقوم العدسة المتوسطة بعرض الصورة المكبرة على شاشة الفلورسنت أو الكاميرا الرقمية.

6. شاشة أو كاميرا الفلورسنت: يتم تشكيل الصورة النهائية على شاشة الفلورسنت أو يتم التقاطها بواسطة كاميرا رقمية. في أجهزة TEM القديمة، يتم استخدام شاشة الفلورسنت، حيث تتسبب الإلكترونات التي تضرب الشاشة في انبعاث ضوء مرئي، مما يؤدي إلى إنشاء صورة مرئية. في أجهزة TEM الحديثة، تُستخدم الكاميرات الرقمية بشكل شائع لالتقاط إشارة الإلكترون وتحويلها إلى صورة رقمية.

7. نظام الفراغ: تعمل TEM في ظل ظروف فراغ عالية لمنع تشتت الإلكترون والتفاعل مع جزيئات الهواء. يقوم نظام التفريغ بإزالة الهواء والغازات الأخرى من حجرة المجهر لضمان بيئة نظيفة ومستقرة للتصوير الإلكتروني.

8. برامج التحكم والتحليل: تم تجهيز TEM ببرامج تسمح للمستخدمين بالتحكم في معلمات مختلفة للمجهر، مثل كثافة الشعاع والتركيز وأوضاع التصوير. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تحتوي أجهزة TEM المتقدمة على أدوات تحليل مدمجة لقياس المسافات والزوايا وتنفيذ مهام معالجة الصور.

كيف يتم إعداد عينة لـ TEM؟

يتطلب إعداد عينة للمجهر الإلكتروني النافذ خطوات دقيقة لضمان جودة التصوير المثالية. فيما يلي نظرة عامة على عملية إعداد العينة [3] :

  • اختيار العينة: اختر جزءًا تمثيليًا من المادة أو العينة محل الاهتمام. يمكن أن يكون مقطعًا رفيعًا من عينة بيولوجية، أو طبقة رقيقة، أو قطعة صغيرة من مادة صلبة.
  • التثبيت (للعينات البيولوجية): في حالة العمل مع العينات البيولوجية، غالبًا ما يكون التثبيت ضروريًا للحفاظ على البنية ومنع التدهور. تشمل المثبتات الشائعة الجلوتارالدهيد أو الفورمالديهايد أو مزيج من الاثنين معًا.
  • الجفاف: يجب تجفيف العينة لإزالة الماء، لأن الماء يمكن أن يتداخل مع انتقال الإلكترون. يتم ذلك عادةً عن طريق استبدال الماء تدريجيًا بالمذيبات العضوية، مثل الإيثانول أو الأسيتون، من خلال سلسلة من محاليل التركيز المتزايدة.
  • التقسيم الرقيق: يتم تقطيع العينة المضمنة إلى أقسام رفيعة للغاية باستخدام مشراح فائق الدقة. يبلغ سمك هذه المقاطع عادةً حوالي 50-100 نانومتر. يتم جمع المقاطع على شبكة أو حامل عينة TEM.
  • التلوين (اختياري): التلوين بالمعادن الثقيلة، مثل خلات اليورانيل أو سترات الرصاص، يمكن أن يعزز تباين العينة ويكشف عن هياكل أو مكونات محددة. التلوين مفيد بشكل خاص للعينات البيولوجية.
  • التجفيف بالفراغ: يتم إخضاع العينة للتجفيف بالفراغ لإزالة أي مذيبات أو رطوبة متبقية. وهذا أمر بالغ الأهمية للحفاظ على بيئة الفراغ داخل TEM ومنع القطع الأثرية الناجمة عن بخار الماء المتبقي.
  • تصوير: تصبح العينة المجهزة جاهزة للتصوي، حيث يتم تحميل حامل العينة في المجهر، ويتم تعيين معلمات التصوير المناسبة، مثل كثافة الشعاع والتركيز. يتم بعد ذلك وضع العينة ومسحها ضوئيًا للحصول على صور بتكبيرات مختلفة.

من المهم ملاحظة أن إعداد العينة لـ TEM يمكن أن يختلف وفقًا للمتطلبات المحددة للعينة وأهداف التصوير. قد تتضمن التقنيات المتخصصة، مثل تقنية التصوير المقطعي الإلكتروني للتصوير ثلاثي الأبعاد، خطوات إضافية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري اتباع بروتوكولات السلامة المناسبة والتعامل مع العينات بعناية لتجنب التلوث أو الضرر.

ما هي مميزات المجهر الإلكتروني النافذ؟

  • دقة عالية: يسمح TEM بالتصوير بدقة ذرية، مما يوفر تفاصيل لا يمكن الوصول إليها بواسطة تقنيات الفحص المجهري الأخرى.
  • تحليل العناصر: باستخدام التحليل الطيفي للأشعة السينية المشتتة من الطاقة، يستطيع TEM تحديد العناصر الموجودة في العينة، مما يساعد الباحثين على فهم تركيبها.
  • علم البلورات: TEM لا يقدر بثمن في دراسة التركيب البلوري للمواد. يمكن لأنماط الحيود الناتجة عندما يتفاعل شعاع الإلكترون مع البلورة أن تكشف معلومات حول ترتيب شبكتها.
  • الهياكل النانوية والجسيمات النانوية: يتيح TEM تصور وتوصيف الجسيمات النانوية والأنابيب النانوية وغيرها من الهياكل النانوية، مما يجعله ضروريًا لأبحاث تكنولوجيا النانو.

ما هي تطبيقات المجهر الإلكتروني النافذ؟

يحتوي المجهر الإلكتروني النافذ على مجموعة واسعة من التطبيقات في مجالات مختلفة، بما في ذلك [4-6] :

  • علم المواد: يستخدم TEM لدراسة بنية وخصائص المواد على المستوى الذري والجزيئي. يتم استخدامه لتحليل البنية المجهرية للمعادن والسيراميك والبوليمرات، وكذلك لدراسة خصائص المواد النانوية والمواد المركبة. يستخدم TEM أيضًا لدراسة التركيب البلوري للمعادن والصخور.
  • علم الأحياء والطب: يستخدم TEM لدراسة بنية ووظيفة العينات البيولوجية، بما في ذلك الخلايا والأنسجة والفيروسات. يتم استخدامه للتحقيق في بنية البروتينات والأحماض النووية والجزيئات الحيوية الأخرى، وكذلك لدراسة التفاعلات بين الخلايا وبيئتها مما يساهم في تحقيق اختراقات في فهم الأمراض وتوصيل الأدوية. وأيضًا في أبحاث السرطان لدراسة بنية وسلوك الخلايا السرطانية.
  • تقنية النانو: يستخدم TEM لدراسة خصائص المواد النانوية، بما في ذلك حجمها وشكلها وتركيبها. يتم استخدامه لدراسة بنية الجسيمات النانوية والأنابيب النانوية وغيرها من المواد النانوية، وكذلك لدراسة خصائصها الإلكترونية والبصرية.
  • صناعة أشباه الموصلات: يُستخدم TEM في صناعة أشباه الموصلات لتحليل وإنتاج رقائق الكمبيوتر والمكونات الإلكترونية الأخرى. يتم استخدامه للتحقيق في بنية وخصائص المواد شبه الموصلة، وكذلك لتحديد العيوب والمشكلات الأخرى التي يمكن أن تؤثر على أداء الأجهزة الإلكترونية.
مقطع عرضي لبكتيريا [7]
البكتيريا ذات الأسواط (البقعة السلبية) [7]
الشعيرات الدموية داخل العضلات، وتظهر البطانة وخلايا الدم الحمراء [7]
ألياف العضلات والميتوكوندريا [7]
جسيمات الفضة النانوية [7]
صور المجهر الإلكتروني النافذ (TEM) للجسيمات النانوية وكبيرة الحجم في شكل مسحوق جاف [8]. (A) الجسيمات النانوية TiO2؛ (B) جزيئات TiO2 كبيرة الحجم؛ (C) جسيمات أكسيد الزنك النانوية؛ (D) جزيئات أكسيد الزنك كبيرة الحجم؛ (E) الجسيمات النانوية للفضة؛ و (F) الجسيمات النانوية لأكسيد السيريوم CeO2.

مستقبل التصوير الميكروسكوبي النافذ TEM

  • TEM في الموقع: يسمح TEM في الموقع بمراقبة العمليات الديناميكية في الوقت الفعلي، مثل نمو المواد النانوية أو سلوك العينات البيولوجية في ظل ظروف مختلفة. أصبحت هذه التقنية ذات شعبية متزايدة، ومن المتوقع أن تؤدي التطورات في حاملي العينات وأنظمة التصوير إلى زيادة توسيع قدراتها.
  • تقنية Cryo-TEM: هي تقنية تسمح بتصوير العينات في درجات الحرارة المبردة، مع الحفاظ على حالتها الأصلية وبنيتها. هذه التقنية مفيدة بشكل خاص لدراسة العينات البيولوجية، ومن المتوقع أن تؤدي التطورات في تقنية cryo-TEM إلى تحسين دقة التصوير وسرعته.
  • التصوير متعدد الوسائط: يجمع التصوير متعدد الوسائط بين تقنيات التصوير المختلفة، مثل TEM والمجهر الإلكتروني الماسح (SEM)، لتوفير فهم أكثر شمولاً لبنية المواد وخصائصها. من المتوقع أن تؤدي التطورات في التصوير متعدد الوسائط إلى تحسين دقة التصوير وتوفير رؤى جديدة للمواد المعقدة.

باختصار، يعد TEM أداة قوية لدراسة بنية وخصائص المواد على المستوى الذري والجزيئي. تطبيقاتها متنوعة وتتراوح من علوم المواد وعلوم الحياة إلى تكنولوجيا النانو وتحليل الطب الشرعي. لقد أحدث TEM ثورة في فهمنا للعالم من حولنا ولا يزال أداة أساسية للبحث العلمي والابتكار.

يفتح المجهر الإلكتروني النافذ عالمًا من التفاصيل والدقة المذهلة، مما يمكّن العلماء من التعمق في عالم الذرات والجزيئات. بفضل قدرته على تحليل المواد المختلفة، يلعب TEM دورًا أساسيًا في مجالات علمية متعددة، مما يساعد الباحثين على تطوير حلول مبتكرة ودفع حدود المعرفة. مع استمرار التقدم التكنولوجي، سيظل المجهر الإلكتروني النافذ بلا شك أداة لا تقدر بثمن لعقود قادمة.

المصادر

  1. Transmission Electron Microscope | Britannica
  2. Electron Microscopy Techniques for Investigating Structure and Composition of Hair-Cell Stereociliary Bundles | Frontiersin
  3. TEM sample preparation techniques | The University of Gothenburg
  4. Transmission Electron Microscope | Micrscopemaster
  5. Transmission Electron Microscope | Nanoscience
  6. transmission electron microscope | Science Direct
  7. Galleries | UNIVERSITY OF ALBERTA
  8. Assessment of cultured fish hepatocytes for studying cellular uptake and (eco)toxicity of nanoparticles | Environmental Chemistry
Exit mobile version