مدينة سامراء العباسية؛ وجوامعها ذات المآذن الملويّة

مدينة سامراء القديمة، الواقعة في العراق حاليًا، هي كنز تاريخي وثقافي يمثل شهادة على براعة وإبداع العالم الإسلامي. تأسست مدينة سامراء خلال الخلافة العباسية في القرن التاسع، وسرعان ما أصبحت مركزًا سياسيًا وثقافيًا مهمًا يشتهر بهندسته المعمارية الفريدة وإنجازاته الفنية. وفي هذا المقال، سوف نتعمق في التاريخ الغني والأهمية الثقافية لمدينة سامراء القديمة، واستكشاف عجائبها المعمارية ودراسة تأثيرها على الثقافة الإسلامية.

الشكل 1: صورة جوية لمدينة سامراء ويظهر في مقدمة الصورة جامع سامراء الكبير

إنشاء مدينة سامراء وتطوّرها

تأسست مدينة سامراء عام 836 م على يد الخليفة العباسي المعتصم بالله كمعسكر لحماية الخلافة من التهديد المتزايد لسلالة الطاهريين في الشرق [1]. ومع ذلك ، سرعان ما تطورت لتصبح مدينة رئيسية ، وقد وصل عدد سكانها إلى 600000 نسمة في ذروة ازدهارها [3]. تميّزت المدينة بمخطط شطرنجي ذي شوارع متعامدة، وبأحياء سكنية منظمة حول الأفنية المركزية والمساجد [4]. وتتميز العمارة في مدينة سامراء باستخدامها القرميد والجص ، والتي كانت تستخدم لإنشاء أنماط هندسية تزيينية معقدة. [1]

الشكل 2: صورة جوية لمدينة سامراء

أساليب الزخرفة والتزيين في مدينة سامراء

تشتهر الهندسة المعمارية لمدينة سامراء بزخارفها الغنية من الجص والبلاط والزجاج. الزخارف الجصّية، والتي تمّ إنجازها بخليطٍ من الجص والرمل والماء، وتم استخدامها بكثرة في زخرفة مباني سامراء، وخاصةً القصور والمباني الحكومية. وغالبًا ما تم تشكيل الجص بأنماط هندسية ونباتية معقدة، ثم تم طلاؤها بعد ذلك بألوان زاهية [1]

الشكل 3: زخارف جصية في أحد منازل مدينة سامراء
الشكل 4: مثال عن زخارف جصية نباتية من مدينة سامراء القديمة

كما تميزت مباني سامراء بالبلاط الملون المصنوع من مجموعة متنوعة من المواد مثل الطين والحجر والزجاج ، والتي تم ترتيبها في تصميمات معقدة داخل المباني وخارجها [1].

الشكل 5: قطع من بلاطات ملوّنة

استخدم الزجاج الملون في سامراء على نطاق واسع، والذي تم استخدامه لإنشاء أنماط معقدة ومتعددة الألوان في نوافذ المساجد والمباني الأخرى [1].

الشكل 6: قطع زجاجية

جامع سامرّاء الكبير

أمر ببنائه الخليفة العباسي المتوكل عند توليه للحكم [6] وبدأ بناءه عام 848 م واكتمل عام 851 م بمساحة 38000 متر مربع تقريباً [5]. بُني المسجد في موقع قصر سابق دُمِّر إبان الحرب الأهلية التي ميزت نهاية عهد الخليفة السابق الواثق [7].

وتقع على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه برج حلزوني يعرف باسم (الملويّة) أو المئذنة الملتوية، بارتفاع 52 متراً، وبقطر 33 متراً عند القاعدة. وتقع على بعد 27 متراً تقريباً من الجدار الشمالي وتتصل بالجامع بواسطة جسر.

تم بناء هذه المئذنة التي تميّز مدينة سامرّاء باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق أسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة. [6]

يمكنكم معرفة المزيد حول جامع سامراء الكبير في المقال التالي: جامع سامرّاء الكبير ومئذنته الملويّة.

الشكل 7: مئذنة جامع سامراء الكبير

جامع أبي دُلَف

يقع جامع أبي دُلف حوالي 15 كيلومتراً شمال مدينة سامراء في قلب الصحراء، ويحمل مئذنة مشابهة لمئذنة سامراء الملتوية بتصميم حلزوني مشابه [6].

تم بناء المسجد في القرن التاسع وسمي على اسم أبي دُلَف؛ المحارب العربي الذي تم دفنه في باحة المسجد [7]. وهو مستطيل الشكل بأبعادٍ تساوي حوالي 30 × 20 مترًا ، ويتميز بقبة مركزية كبيرة محاطة بقباب أصغر وفناء (صحن) مربع. تدعم القبة المركزية أربعة مجازات تقسم المساحة الداخلية إلى ثلاثة أقسام متساوية. جدار القبلة ، الذي يواجه مكة ، مصمت ولا يوجد فيه محراب ، وهي سمة غير شائعة في العمارة الإسلامية. الصحن مربع به رواق من ثلاثة عشر قوسًا مدببًا على كل جانب من الجوانب الأربعة. المسجد مبني من الطوب والحجر ويتميز بزخارف وتصميمات معقدة تزين الجدران والسقوف. [8]

على الرغم من تشابه مئذنة جامع أبي دُلّف مع مئذنة جامع سامراء الكبير بشكلها الحلزوني، إلا أن مئذنة هذا الجامع ليست نسخة مطابقة لمئذنة جامع سامراء. فمئذنة أبي دلف أصغر حجماً بثلاث دورات فقط يدورها المنحدر حتى يصل إلى القمة مقارنةً بالدورات الخمس التي يدورها مثيله في مئذنة جامع سامراء. [6]

الشكل 8: مسقط جامع أبي دُلّف
الشكل 9: مئذنة جامع أبي دُلف

أهمية مدينة سامراء بالنسبة للعالم الإسلامي

تنعكس أهمية مدينة سامراء كمركز ثقافي وفكري في العديد من المكتبات والمدارس ومراكز التعلم التي استقطبت العلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي [4]. كانت المدينة موطنًا لعلماء مشهورين مثل الجاحظ والمتنبي ، ولعبت دورًا رئيسيًا في تطوّر الفلسفة الإسلامية وآدابها وعلومها [3].

نهاية مدينة سامراء القديمة

لم يدم مجد مدينة سامراء طويلاً ، حيث نهب المغول المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي وبدأت في الانهيار. تم التخلي عن المدينة في وقت لاحق ونسيانها إلى حد كبير حتى أعاد علماء الآثار اكتشافها في القرن العشرين. اليوم ، سامراء معترف بها كموقع ثقافي وتاريخي مهم وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. على الرغم من أن نهوض المدينة وسقوطها امتد عبر قرون ، إلا أن إرثها لا يزال قائمًا كدليل على التراث الثقافي الغني للعالم الإسلامي.

اقرأ أيضاً: مقياس النيل وجماليات العمارة الإسلامية: الشكل والوظيفة

المصادر

  1. Samarra – SmartHistory
  2. Samarra Archaeological City-  UNESCO World Heritage Centre
  3. Samarra – Barakat Trust
  4. Samarra – Archnet
  5. Dictionary of Islamic Architecture
  6. The origins and functions of the spiral minaret at the great mosque of Samarra (Academia.edu)
  7. Minaret of the Abu Dulaf Mosque. Samarra Archaeological City (Iraq) – UNESCO
  8. “Abu Dulaf Mosque.” Academia.edu.

الحدائق المعلقة لغز يشغل علماء الآثار

من منّا لم يسمع من قبل عن عجائب الدنيا السبع القديمة وحدائق بابل المعلقة؟ والتي تعدُّ لغزًا حتى اليوم، إذ لا يزال الخبراء يناقشون ما قد يعنيه مصطلح معلق. كيف كان شكل الحدائق؟ وما آليّة الري المتّبعة؟ باختصار هل وجدت أصلًا؟

الحدائق المعلقة في النصوص اليونانية والرومانية

وصفت العديد من النصوص اليونانية والرومانية صورًا حيّةً لحدائق بابل المعلقة. على الرغم من أنّ بعض المصادر اختلفت حول من قام ببنائها، إلّا أنّها اتّفقت حول موقعها بالقرب من القصر الملكي، وأنّها بنيت على مصاطب حجريّة. نتيجةً لذلك رجّحوا أنّهم استخدموا مواد مثل القصب والقار والرصاص لمنع تسرّب مياه الري من خلال المصاطب. كما وصفوا النباتات الخصبة المتنوعة بأنها تساقطت مثل الشلّالات على مدرّجات الحدائق التي يبلغ ارتفاعها 23م. وانتشرت كذلك التماثيل والأعمدة الحجريّة الشاهقة.

وقيل أنّ الملك البابلي نبوخذ نصّر الثاني بنى الحدائق المعلقة في القرن 6 ق.م كهديّة لزوجته التي كانت تحنُّ إلى موطنها في بلاد فارس.

تصور تخيلي لحدائق بابل المعلقة

وأمضت مجموعة من علماء الآثار الألمان عقدين من الزمن في مطلع القرن ال20 في محاولةٍ لاكتشاف أعجوبةٍ قديمة دون أن يحالفهم الحظ. وهو ما دفعهم في نهاية المطاف إلى الشك حول إمكانيّة وجودها من الأساس. [1][2]

الحدائق المعلقة في بابل

كشف عالم الآثار الألماني «روبرت كولدفاي-Robert Koldewey» عن هيكل قوي في الزاوية الشمالية الشرقية من القصر الجنوبي في بابل. وهو عبارة عن سلسلة غير مألوفة من الغرف والخزائن. ويتّخذ الموقع شكل المستطيل (30×42) م2 وأرضيّته أخفض من أرضيّة القصر. ويحتوي على 14 غرفة متماثلة (2.2×3) م2، موزّعة على جانبي ممر ضيق. وقد صُنعت الغرف من الحجر المنحوت ممّا جعلها أكثر مقاومةً للرطوبة من الطوب الطيني. وشكّلت جدرانها السميكة البنية المثالية لدعم البنية الفوقيّة. إضافةً إلى ذلك فقد عثر على بئر مع 3 فتحات في إحدى الغرف الوسطى، ووضعت طبقة سميكة من التربة على أسقف هذه الغرف. ورجّح الخبراء أنّها وضعت لأغراض زراعيّة، لذلك يعتقد البعض أنّها ربّما كانت جزءًا من البنية التحتيّة للحدائق المعلقة.[3]

أمّا اليوم فيتّفق معظم العلماء أنّ الهيكل كان على الأرجح مستودعًا، إذ عثروا في الموقع على عدّة جرار تخزين. لكن أقوى دليل هو وجود لوح مسماري يعود تاريخه إلى زمن نبوخذ نصّر الثاني، يحتوي على تفاصيل عن توزيع الزيت والحبوب والتوابل وغير ذلك.[4]

البحث عن إجابات

واجه الخبراء نقصًا كبيرًا في الأدلّة الوثائقيّة والأثريّة المتعلّقة بالحدائق المعلقة. لهذا السبب اختار بعضهم إعادة صياغة جذرية للبحث عنها، أي ماذا لو لم تكن الحدائق المعلقة في بابل على الإطلاق؟

لا تعتبر هذه الفرضية مستحيلة كما تبدو لأوّل وهلة. حيث أنّ المصادر اليونانية والرومانية التي تشير إلى الحدائق المعلقة تميل إلى تقديم تفاصيل تاريخية متشابكة مع الأساطير والخرافات. وفي روايتها عن حضارات بلاد الرافدين غالبًا ما تخلط بين آشور وبابل. على سبيل المثال؛ يحدّد المؤرّخ اليوناني ديودور موقع مدينة نينوى الآشورية قرب نهر الفرات بينما تقع المدينة على ضفاف نهر دجلة. وفي فقرة أخرى يصف أسوار بابل بوجود مشهد صيد -الملكة تقذف رمحًا على نمر، وزوجها بالقرب منها وهو يرمي رمحه على أسد- ولكن لم يُعثر على مشهد صيد كهذا في بابل. بالمقابل يتوافق المشهد مع نقوش الصيد الآشورية المحفورة على جدران القصر الشمالي في نينوى. [4]

حدائق نينوى المعلقة؟

تناقش عالمة الآثار «ستيفاني دالي-Stephanie Dalley» في دراسة حديثة أن الملك نبوخذ نصّر لم يبنِ الحدائق المعلقة، بل بناها الملك الآشوري سنحريب على بعد 483 كم شمال بابل في نينوى. وتعتمد دالي في أطروحتها على سجلّات حكم الملك سنحريب التي وُجدت منقوشةً على أحجار، ويصف فيها حديقته العالية التي تحاكي جبال الأمانوس. واكتشف العلماء بالقرب من مدينة الموصل أدلّةً على وجود نظام قناة واسعة لنقل المياه من الجبال مع نقش للملك سنحريب. وعلى عكس المناطق المسطّحة المحيطة ببابل، فقد جعلت التضاريس الأكثر وعورةً حول العاصمة الآشورية تحدّيات رفع المياه إلى الحدائق أسهل بكثير. [1]

علاوةً على ذلك، عثر المنقّبون على نقش يعود لزمن الملك آشور بانيبال -حفيد الملك سنحريب- يصف حدائق ذات أشجار موزّعة عبر منحدر، وتتدفّق المياه من قناة لتغذية سلسلة من القنوات المملوءة بالأسماك. وتعزّزت هذه الفرضية بسبب سمعة الملك سنحريب في مجال الابتكار الهندسي، حيث تذخر المحفوظات في عهده بالإشارة لأنظمة الري البارعة التي ابتكرها.[4]

فإذا ما كانت هذه الفرضية صحيحة فستحلّ لغزًا أثريًا كبيرًا. ولكنّنا لا نستطيع الجزم حتى الآن بموقع الحدائق المعلقة. وأنت هل تعتقد بأن الحدائق موجودة بالفعل، أم ليست سوى سراب تاريخي؟

المصادر

  1. History
  2. Britannica
  3. ResearchGate
  4. National geographic

استخدام الفسيفساء في الفترة المبكرة للعمارة الإسلامية

يعدّ فن الفسيفساء أو الموزاييك أحد أقدم وأشهر الفنون والحرف التي استخدمت عبر التاريخ لتزيين المباني المختلفة في العالم القديم. فمن مصر القديمة إلى بلاد فارس وإلى الإمبراطورية البيزنطية، لا تزال الكثير من المباني تحمل آثار استخدام هذا الفنّ. ونتيجةً للتأثير المتبادل بين الحضارات وانعكاس ذلك على العمارة والفنون انتقل هذا الفن إلى البلدان الإسلامية المجاورة وتطوّر في العالم الإسلامي لتزيين المباني المختلفة حسب وظائفها.

أصل استخدام الفسيفساء في العالم الإسلامي

استُمِدّ فنّ الفسيفساء أو الموزاييك في الإسلام بشكل مباشر من العمارة البيزنطية والرومانية. حيث استُخدمت بشكل أساسي في تزيين الكنائس والمباني العامّة. [1] فاستخدام الفسيفساء والرخام معًا في تزيين المباني يعدّ من صفات العديد من المباني الدينية البيزنطية التي تعود للقرن السادس الميلادي كآيا صوفيا في إسطنبول-تركيا وسان فيتال في رافينا-إيطاليا. [2]

ويعرف أن العديد من لوحات الفسيفساء في الفترة الإسلامية المبكرة قد تمّ تنفيذها من قبل فنانين وحرفيين بيزنطيين. [1]

نوعان مختلفان

يمكن تمييز نوعين رئيسيين؛ النوع الأول يستخدم لتزيين الجدران، والذي كان يتكون من قطع مصنوعة بشكل خاص من الزجاج يتم تركيبها وتنسيقها كمناظر ولوحات فنية.

والنوع الثاني يستخدم لتزيين الأرضيات، والذي كان يتألف من قطع ملونة من الحجارة أو الرّخام يتم ترتيبها غالباً بشكل أنماط تزيينية متكررة. [1]

أرضيات مغطاة بالفسيفساء

تم العثور على أمثلة على استخدام الفسيفساء في تزيين الأرضيات في العديد من المباني التي تعود للفترة الإسلامية المبكرة في سوريا وفلسطين، والتي كان العديد منها مبانٍ بيزنطية سابقة تم تحويلها إلى مبانٍ إسلامية. ولا تحتوي لوحات الفسيفساء التي تغطي الأرضيات عادةً على أي تصوير لبشر أو حيوانات. لكنّ بعض القصور الأموية الخاصة كقصري الحير الغربي والشرقي في البادية السوريّة وخربة المفجر في فلسطين قد احتوت على تصوير لحيوانات على الأرضيّات. [1]

الشكل 1: فسيفساء تغطي أرضية خربة المَفجَر [4]
الشكل 2: فسيفساء تصوّر أسداً وغزلان في أرضية خربة المفجر [4]

كما تمّ العثور على فسيفساء بزخارف هندسية في الحمّام الخاص بقصر الخليفة في مدينة عنجر الأمويّة في لبنان. [3]

الشكل 3: الفسيفساء التي تغطي أرضية الحمّام في قصر الخلفية في عنجر

زينة للجدران

هناك العديد من الأمثلة على استخدام الفسيفساء لتزيين الجدران في الفترة المبكرة للعمارة الإسلامية، لكن سنكتفي بذكر أبرز مثالين:

قبة الصخرة في القدس

أقدم الأمثلة هي جدران قبة الصخرة في القدس. وتضمّ الزخارف التي تزيّن جدرانها زخارف ذات أصل ساساني (تيجان مجنّحة) وبيزنطي (مزهريات مرصعة بالجواهر)، وتربط بين الزخارف المختلفة زخارف نباتية. [1]

الشكل 4: قبة الصخرة
الشكل 5: نموذج من الزخارف التي تزيّن قبة الصخرة من الداخل (الزخارف الساسانية والبيزنطية المنشأ)

الجامع الأموي في دمشق

ثاني أشهر الأمثلة هو الجامع الأموي، والذي تظهر في الفسيفساء الخاصة به بيوت وقصور وحدائق بالقرب من نهر بدون تصوير لأي بشر أو أية حيوانات. [1]

ويقال إن الخليفة قد استقدم مئتي حرفي من الإمبراطورية البيزنطية لتزيين الجامع. [3]

الشكل 6: الواجهة الرئيسية لحرم الجامع الأموي

إن أكبر قسم لا يزال محافظًا على شكله الأصلي يوجد في الرواق الغربي لصحن الجامع ويدعى بـ “لوح بردى”. ويعتقد أنّ الجامع قد احتوى على أكبر لوح فسيفساء ذهبي في العالم. لكن بسبب الحرائق العديدة التي تعرّض لها، والتي كان آخرها عام 1893م، فقد تضرر الجامع بشدة وضاعت الكثير من لوحات الفسيفساء، إلا أن بعضاً منها قد تمّ ترميمه واستعادته منذ ذلك الحين. [3]

الشكل 7: جزء من لوح بردى في الرواق الغربي لصحن الجامع الأموي . المصدر

وقد ألهمت فسيفساء الجامع الأموي أعمالًا أخرى لاحقة في دمشق، أبرزها قبة الخزنة التي تقع في صحن الجامع الأموي والتي تعود فسيفساؤها إلى أعمال ترميم تعود للقرن الـ13 أو الـ14م. [3]

قلّت أهمية الفسيفساء في العالم الإسلامي بعد القرن العاشر الميلادي. [1] وقد تمّ الحصول على تأثيرات مشابهة باستخدام البلاطات الملوّنة، والتي قد تكون صغيرة بزخارف هندسيّة (الزلّيج في شمال إفريقيا)، أو بلاطات أكبر حجمًا ملوّنة لتكوّن أجزاءً من رسوم أو زخارف كبيرة الحجم (القاشاني شرقًا في بلاد فارس وتركيا). [3]

المصادر

  1. Dictionary of Islamic Architecture (PDF)
  2. Precious marbles and gold-ground mosaics _ The Great Umayyad Mosque in Damascus
  3. Islamic mosaic art
  4. – academia.edu – The Mosaics of_Khirbet el Mafjar Hishams Palace by Hamdan Taha

مدينة عنجر المهجورة: تخطيط روماني وبناء لم يكتمل

من الآثار الأموية القليلة الموجودة في لبنان، مدينة كاملة أُنشِئت لتكون مركزًا تجاريًا على نقطة تقاطع للطرق التجارية من بيروت إلى دمشق، ومن حمص إلى طبريا مرورًا بالبقاع، فلنتعرف على مدينة عنجر الأثرية.

موقع وتقسيم مدينة عنجر

الشكل 1: مدينة عنجر كما تظهر على خرائط Google
الشكل 2: مخطط المدينة ويظهر به: 1- قصر الخليفة الكبير، 2- المسجد، 3-القصر الثاني، 4-حمام ومسجد ثاني، 5-منطقة سكنية، 6-شارع رئيسي، 7- شارع ثانوي، 8-تقاطع الشارعين والتترابيل، 9-بوابات المدينة [3]

تقع المدينة على بعد 58كم شرق بيروت، [1] في نقطة التقاء طريقين تجاريين مهمين. أحدهما يصل بين بيروت ودمشق، والآخر يقطع البقاع واصلًا بين حمص وطبريّا.

تم اكتشاف هذه المدينة في أربعينات القرن ال20، حيث أظهرت عمليات التنقيب مدينة مستطيلة الشكل بأبعاد (350×385م) مسوّرة محاطة بجدران وب40 برج (36 برج نصف دائري متصل بالجدران بالإضافة إلى برج في كل زاوية من الزوايا الزوايا الأربعة). [2]

يقطع مدينة عنجر شارع في كلّ من محوريها، محور شمالي-جنوبي رئيسي، ومحور أقل أهمية شرقي-غربي يقسمانها إلى أربع أقسام متساوية. يقع قصر الخليفة الكبير والمسجد في الربع الجنوبي-الشرقي من المدينة ويشغلان القسم الأكثر ارتفاعاً منها. في حين تقع القصور الأصغر والحمامات في الربع الشمالي-الشرقي. وتوزّع الوظائف الثانويّة والمناطق السكنية في الربعين الشمالي-الغربي والجنوبي-الغربي. [3]

الشكل 3: واجهة قصر الخليفة بعد أن تم ترميمها بشكل جزئي

تخطيط وتقنيات بناء رومانية

يعد الشارعان الرئيسيان اللذان يقطعان المدينة مثالًا على تخطيط الشوارع في المدن الرومانية. حيث يوجد المحور الرئيسي (شمال جنوب) الذي يسمى «كاردو ماكسيموس – Cardo Maximus» بعرض 20م والذي كان محاطًا بالمتاجر من الجهتين. ويتقاطع في منتصفه مع الشارع الثانوي الذي يسمى «ديكومانوس ماكسيموس – Decumanus Maximus» الذي كان محاطًا بالمتاجر والدكاكين من الجهتين أيضاً. تم اكتشاف 600 متجرًا أو دكانًا بالمجمل، [4] مما يجعل مدينة عنجر مثالًا على المراكز التجارية الداخلية. [2]

الشكل 4: احد الشارعين الرئيسيين لمدينة عنجر وتظهر في الصورة الأعمدة التي تم بناؤها بشكل جزئي والمتاجر المحيطة بالشارع من الجانبين

نلاحظ في نقطة تقاطع الشارعين وجود أربعة «تترابيلات – Tetrapylons» على الزوايا الأربعة لمفترق الطرق هذا. وقد تمت إعادة بناء أحد التترابيلات بشكل كامل بأعمدته الأربعة. ونلاحظ الكتابات الإغريقية على القواعد والتيجان الكورنثية التي تتميز بأوراق نبات «الأكانتوس – Acanthus» المنحنية. [4]

الشكل 5: التترابيل

كما نلاحظ استخدام تقنية بناء ذات أصل بيزنطي تتألف من صفوف من الحجارة المنحوتة والتي تتناوب مع صفوف من القرميد. هذه التقنية التي استخدمها البيزنطيون للتخفيف من آثار الزلازل. [4] (وتطوّرت لاحقًا في العالم الإسلامي لتعرف باسم “الأبلق“).

الشكل 6: صورة مقرّبة لأحد الجدران في مدينة عنجر تظهر استخدام تقنية صفوف الحجارة المتناوبة

يمكننا رؤية قواعد أعمدة ذات أبعاد متساوية عن بعضها على جانبي الشارعين والعديد من الأعمدة المنهارة والتي كانت جزءًا من رواق كان ممتدًا على جانبي الشارعين. تم إعادة بناء قسم من أعمدته من أجل إعادة تخيّل المشهد. [4]

بناء لم يكتمل

تم تأسيس مدينة عنجر من قبل الخليفة الأموي الوليد الأول (الوليد بن عبد الملك (705-715م)) في بداية القرن 8 الميلادي، ولم يكتمل بناؤها حيث لم تحظَ إلا بفترة قصيرة من الازدهار. إذ هزم الخليفة الأموي ابراهيم بن الوليد في عام 744م ، وبعدها، تم هجر المدينة شبه المدمّرة ليعاد اكتشافها من قبل علماء الآثار في أربعينات القرن ال20 م. أضيفت المدينة إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1984م. [2] وتعدّ عنجر مثالًا على تأثّر الحضارات ببعضها من خلال تخطيطها وأسلوب بنائها، ومثالًا على قيام الأمويين بإعادة استخدام الآثار الموجودة والمتوفرة في بناء مبانٍ جديدة.

المصادر

  1. Anjar – Umayyad Route
  2. Anjar – UNESCO World Heritage Centre
  3. phoenician-anjar (pdf)
  4. Aanjar – middleeaast.com

ماذا نعرف عن بطارية بغداد؟

أصبحت البطاريات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. تتشعب استخداماتها من أصغر تقنية؛ كساعة يدك وهاتفك المحمول، إلى وجودها في أكبر المنشآت حجمًا وتأثيرًا. ليس للبطاريات تاريخ طويل ومثير للاهتمام وحسب. بل يُتنبأ في المستقبل القريب والبعيد بدخول البطاريات إلى عصر جديد، من الممكن أن يتغلب على معاناة الطاقة في الوقت الحاضر. سنسلط الضوء على بطارية بعينها في هذا المقال باعتبارها أول بطارية في التاريخ، وهي بطارية بغداد. فماذا نعرف عنها؟

ما هي البطارية؟

يمكننا تعريف البطارية بأنها عبارة عن جهاز صغير أو أداة تعمل على حفظ الطاقة الكيميائية. ويمكن أن تتحول إلى صورة أخرى لها وهي الطاقة الكهربائية. بمعنى آخر؛ البطاريات عبارة عن مفاعلات كيميائية صغيرة. تحدث داخلها تفاعلات تعمل على إنتاج إلكترونات طاقة، مستعدة لتنتقل إلى جهاز آخر.

تاريخ موجز للبطاريات

لدى البطاريات تاريخ طويل وحافل عمل على تغيير حياتنا بشكل استثنائي. إلا أننا ما زلنا غير متأكدين تمامًا من تاريخ ظهور أول بطارية. سيجادل الكثيرون بأن أول بطارية ظهرت في عصر التنوير. لكن ظهور البطارية الحديثة التي نعرفها لا تشير بدقة إلى أن فكرة عمل البطاريات بحد ذاتها شيء حديث. فقد وجد مشرف متحف بغداد عام ١٩٣٨ ما يشار إليه الآن ببطارية بغداد.

التحليل للعيّنة أشار إلى أنها تعود إلى أحد الحضارات الرافدينية، حوالي ٢٥٠ سنة قبل الميلاد. واستطردت الافتراضات بأن استخداماتها قد تتضمن طلاء المعادن بالكهرباء، ومسكنات للآلام، وكذلك استخدامها أثناء تأدية الشعائر الدينية.

أول استخدام لمصطلح بطارية

استخدم العالم الأميركي والمخترع بنجامين فرانكلين مصطلح بطارية عام ١٧٤٩. وذلك عندما كان يقوم ببعض التجارب الكهربائية باستخدام مجموعة من المكثفات المرتبطة ببعضها البعض. إلا أن أول بطارية حقيقة اخترعت كانت من صنع الفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولت عام ١٨٠٠. قام فولت برص أقراص من النحاس والزنك، تفصل كل قرص عن الآخر قطعة قماش مبتلة بماء مالح. لتتصل مجموعة من الأسلاك بنهاية الأقراص المرصوصة من الجهتين، فيتولد نتيجة لهذا تيار مستمر ثابث. تنتج كل خلية جهدًا كهربائيًا بمعدل 0.76 فولت، مضاعفته تتم عبر زيادة عدد الخلايا الداخلة في التقنية.

بطارية حمض الرصاص

تعتبر بطارية حمض الرصاص أحد أطول البطاريات عمرًا نسبيًا، والتي اخترعت عام ١٨٥٩. وهي التكنولوجيا التي ما زالت تُستخدم لبدء عملية الاحتراق الداخلي في السيارات. وتعتبر أقدم نموذج للبطاريات التي يمكن إعادة شحنها.

نستطيع الآن إيجاد بطاريات بجميع الأحجام والسعات. من البطاريات ذات القدرة التي تتجاوز الميجاواط، والمستخدمة لخزن الطاقة الآتية من مزارع الألواح الشمسية. أو كبديل يضمن الضخ المستقر للطاقة لقرى كاملة أو جزر. حتى البطاريات الصغيرة والمستخدمة في الساعات الإلكترونية.

مبدأ عمل البطاريات

تعتمد البطاريات على تفاعلات مختلفة، والتي تسبب بدورها جهد خلية بسيط يتراوح ما بين ١ إلى ٣.٦ فولت. تعمل عملية الرص للخلايا بطريقة متوالية على زيادة جهد الخلايا، بينما تعمل عملية الرص المتوازي على تحسين التيار. يُعتمد على هذا المبدأ الأساسي لتوليد طاقة كهربائية من خلايا البطاريات من أصغر استخداماتها إلى القدرات العالية التي تصل إلى عدة ميجاوات.
نشهد حاليًا دخولنا إلى مرحلة أخرى من تطوير نماذج ذات سعات كافية لخزن الطاقة المتولدة من الألواح الشمسية أو أنظمة الرياح. والتي ستعمل على مد المنازل بالطاقة اللازمة خصوصًا في أوقات غياب الشمس لأيام متتالية.

بطارية بغداد

في عام ١٩٣٨، وفي وسط عملية مراجعة فيليهم كونيش؛ المشرف على الآثار القديمة في متحف العراق في بغداد. وسط مراجعته للمكتشفات الحديثة من الحفريات في الموقع الأثري الذي وجد بالقرب من مشروع خط السكة الحديدية، فُتن كونيش بمجموعة تتكون من أربع أوعية من السيراميك غير المطلي. عثر على تلك الأوعية داخل مقبرة أُرّخت وتنتمي إلى عهد الاستعمار الفرثي للمنطقة ما بين ٢٤٨ قبل الميلاد إلى ٢٢٦ بعد الميلاد.

محتويات مجموعة بطارية بغداد

كانت مجموعة بطارية بغداد نحاسية، متوجة بالنحاس الملحم بالرصاص حتى قاع الأسطوانات. بينما وُجد مسمار حديدي يحتوي على بقايا ما بدا أنه شمعة اشتعال من الإسفلت، داخل أحد هذه الأسطوانات النحاسية في وعائها. لم يحتو الوعاءان الآخران على أي مسمار، ولكن تواجد بضع مسامير أخرى في القبر جعلت الاكتشاف أكثر إثارة. بينما لم يحتو وعاء السيراميك الرابع إلا على أسطوانات نحاسية. وكان بداخل الأسطوانات النحاسية بقايا مادة تشبه ورق البردي.

استنتاج كونيش عن بطارية بغداد

خلص كونيش إلى أن هذه الأوعية تشبه إلى حد كبير الخلايا الجلفانية. ومن هنا انطلق الجدل حول هذا الاكتشاف ما بين مؤيد ومعارض لهذا الاعتقاد.

ذكر كونيش في تقريره أن صائغي المجوهرات في العراق، المعاصرين للوقت الذي قضاه هناك، كانوا يستخدمون خلية جلفانية بدائية مماثلة إلى حدٍ ما لهذا الاكتشاف. بحيث أن الخلية تتكون مما يطلق عليه المختصون في هذا المجال “وعاء مسامي يحتوي على محلول السيانيد الذهبي”. يوضع الوعاء في قدر يحتوي على محلول كلوريد الصوديوم. ثم يتم وضع قطعة من الزنك في محلول كلوريد الصوديوم مربوطة بسلك إلى القطعة المراد طليها بالذهب. وأخيرًا يتم وضع العنصر المراد طلاؤه في وعاء مسامي يحتوي على محلول سيانيد الذهب. يُنتج الجهد الجلفاني المتولد ما بين الزنك والعنصر المراد طلاؤه طاقة كافية للتأثير على عملية ترسيب الذهب كهربائيًا. ما يساعد بشكل أكبر على هذا الطبيعة المسامية للوعاء الداخلي الذي يرفع من معدل التوصيل الكهربائي.

تباين الآراء حول بطارية بغداد

يعرض مؤرخون آخرون نظريات أخرى لتاريخ بطارية بغداد. فقدم بعضهم تاريخا موجزا ​​للمنطقة التي تم العثور فيها على هذه القطع. ثم وضح أن الخلية التي تماثل تلك التي وجدها كونيش يمكن أن تنتج حوالي 0.5 فولت، ويمكن بالفعل تحقيق الترسيب الكهربائي للذهب من محلول سيانيد الذهب. واستعرض ليثبث نظريته بعض الأمثلة، كأبواق النبيذ القديمة المذهلة المطلية بالذهب من عصر الفرثي. وافترض أن الطلاء بالكهرباء فقط هو الذي يمكنه تفسير رواسب الذهب الموجودة عليها.

من جهة أخرى، استعرض كورزمان نظريته التي تعتبر أن الفرثيين ليس لديهم معرفة بالبطاريات. ويشير إلى أن الأوعية من هذا النوع وُجدت في ثلاثة مواقع مختلفة على الأقل ـ بعضها بقضبان من البرونز والبعض الآخر بقضبان حديدية ـ ويستفيض باستعراضه للمعاني والدلالات الروحانية التي ألحقتها المجتمعات القديمة ببعض المعادن. ويشير إلى أن القصد من الأواني هو أنها مقتنيات يتم إنزالها مع الموتى لمنحهم قوى سحرية. بالإضافة إلى أن الأظافر المصنوعة من الحديد والبرونز، والمزينة بخاتم في النهاية، قد تحمل معاني خاصة للقدماء، مشيرًا بهذا إلى النقوش على ورق البردي المعثور عليها داخل الأوعية المغلقة. وصرح أيضًا أن مدير متحف الفن الإسلامي في برلين اقترح بأن الأوعية قد تكون أساسات رمزية لزوايا القبر.

فن طلاء الذهب قديمًا

يدلي أودي بوجهة نظر أخرى عبر الإشارة إلى أن الفن القديم لطلاء الذهب على الفضة والنحاس يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. فقد استخدم القدماء ثلاثة أساليب للطلاء: التذهيب بالرقائق المعدنية، ولصق الورق الذهبي، والتذهيب النحاسي. وقد استخدمت هذه الطرق حتى الاختراع الأخير ـ إعادة اختراع، كما يسميها ـ للطلاء الكهربائي. يتم التذهيب بالرقائق عبر دس رقائق ذهبية رقيقة في حواف أي عمل فني، أو ببساطة إلصاقها باستخدام غراء على القطعة المراد طليها. أما طريقة لصق الورقة الذهبية فتتم عبر سحق شرائح الذهب وإلصاقها بالعمل. أخيرًا، كان التذهيب بالنحاس عملية مشهورة في وقت مبكر من القرن الثالث قبل الميلاد، وانطوى على استخدام الذهب في خليط مع الزئبق. ومن هنا نستطيع استعراض نوعين من التذهيب الزئبقي؛ الأول يستخدم الزئبق كغراء، والثاني يعمل على تفكك الذهب، ثم تطبيق الناتج بشكل انتقائي على المناطق المرغوبة. بعد ذلك يُطرد الزئبق بالحرارة، ويمكن التعرف بسهولة على كلا النوعين من التذهيب بالزئبق من خلال وجود آثار من الزئبق في طلاء الذهب.

اللغز

تتباين الآراء حول بطارية بغداد، لكن مجرد وجودها يطرح العديد من التساؤلات. هل كانت حقًا أول مبدأ عمل لبطارية؟ وما الذي كان يرجوه مصمموها منها؟ في المقال القادم سنستعرض أكثر دور السماكرة في بلاد ما بين النهرين، ونحلل تقنياتهم لمعرفة ما كانوا يرجونه من اختراع هذه القطعة المثيرة للاهتمام.

المصادر

The UnMuseum – Bagdad Battery
Electricity in the Ancient World | Gates of Nineveh: An Experiment in Blogging Assyriology (wordpress.com)
Galvanotechnik: Grundlagen, Verfahren und Praxis einer Schlüsseltechnologie (hanser-elibrary.com)
Oberflächenvorbehandlung von Metallen | SpringerLink
The touchstone: the oldest colorimetric method of analysis – ScienceDirect
The history and development of batteries (phys.org)

ما هي الذاكرة الثقافية وكيف تؤثر علي العمران؟

تتكون المناظر الطبيعية الحضرية والتاريخية من طبقات من السمات الملموسة وغير الملموسة مثل الذكريات الثقافية، كذكريات جماعية لسكان المدينة. إذ يمكن للذكريات الثقافية أن تؤثر علي تشكيل هوية المكان، ونوعية الحياة الاجتماعية مثل الصحة والرفاهية، وهوية المجتمع، وإدراك المكان، والمشاركة الاجتماعية. ويشير هذا المقال إلى قيمة استدعاء ميزات الذاكرة الثقافية التي يمكن استخدامها لتحقيق التنمية الاجتماعية.

ما هي الذاكرة الثقافية بتعريف الباحثين؟

الذاكرة الثقافية هي عملية تذكر الأحداث التي تتعلق بالأشياء والأماكن والتي يصادفها الأشخاص في إطار اجتماعي. ويُنظر إلى الذاكرة الجماعية على أنها مستودع للثقافة، وأحيانًا تؤدي هذه النظرة إلى استخدام مصطلح “الذاكرة الثقافية” [1]. ظهر مصطلح الذاكرة الثقافية لأول مرة في الأدب على يد «موريس هالبواكس-Maurice Halbwachs» في كتابيه “الأطر الاجتماعية للذاكرة” وكتاب “الذاكرة الجماعية”.

تأسس فهم هالبواكس للذاكرة الثقافية على التمييز بين الذاكرة الفردية والجماعية. فوصف الذاكرة الفردية بأنها “شخصية” و”سيرة ذاتية” للفرد. في حين أن الذاكرة الجماعية “اجتماعية” و”تاريخية” [2]. وبعد تقديم هالبواكس للمفهوم، درس «بيير نورا-Pierre Nora»الذاكرة الجماعية المكانية. وكان نورا مهتمًا بشكل خاص بالبيئة الجغرافية والعمرانية.  وناقش نورا كيف يمكن لأماكن معينة التقاط مشاعر مختلفة وتجسيد الذكريات الوطنية [3].

وبناءًا على مساهمات هالبواكس، أسس «الدو روسي-Aldo Rossi» مفهوم “الذاكرة الحضرية” في كتابه “هندسة المدينة”. وقد سمح روسي بإدخال مفهوم الذاكرة الجماعية في الهندسة المعمارية والتصميم الحضري. ويجادل ألدو روسي في هذا الكتاب بأن الحفاظ على المواقع التراثية يعادل الاحتفاظ بالذكريات الثقافية للناس وحماية هوياتهم الوطنية [4].

أضافت «كريستين بوير-Christine Boyer» إلى هذه المناقشة في كتابها “مدينة الذاكرة الجماعية” أن الهندسة المعمارية للمدينة تعبر عن الذاكرة الثقافية، وهي تحمل آثار الأشكال المعمارية السابقة، إلى جانب التخطيط والمعالم الأثرية للمدينة. وتوضح كريستين أنه على الرغم من أن أسماء المدن قد لا تتغير، فإن عناصرها المادية قابلة للتغيير دائمًا، ويتم نسيانها وتعديلها لتلائم المتطلبات الجديدة، أو حتى قد تختفي في السعي وراء أغراض مختلفة.

“إن مطالب وضغوط الواقع الاجتماعي تؤثر دائمًا على النظام المادي للمدينة”. 

كريستين بوير

ومع ذلك يمكن لذكرياتنا الجماعية والفردية أن تخبرنا بالتغييرات التي تحدث، وتساعدنا على تمييز مدينتنا عن مدن الآخرين من خلال التعرف على شوارعها ومعالمها وأشكالها المعمارية وآثارها [5].

يشير كل هؤلاء المنظرين إلى الصلة المهمة بين الذاكرة الثقافية والأماكن التي لا تُنسى في المدن، والتي تستحضر صورًا وتصورات جماعية.

مثال يوضح أثر التقدم الحضاري والصناعي على الذاكرة الثقافية

شهدت الإسكندرية “الميناء الرئيسي لمصر” مؤخرًا معدلًا متسارعًا من التحضر والتصنيع لتلبية احتياجات سكانها المتزايدين. وقد أدى ذلك إلى ظهور تهديدات حضرية واجتماعية وبيئية للمناظر الطبيعية الحضرية التاريخية للمدينة. ويعد سوق الشارع التاريخي “زنقة الستات” (المعروف أيضًا باسم “زنة الستات”) أحد أهم الأماكن التي لا تنسى في الإسكندرية، وهي تواجه حاليًا التدهور المادي والتلوث البيئي، وهي قضايا تهدد ارتباط المكان، والذكريات، وصورة المكان، والاستخدام، والتفاعل الاجتماعي لمستخدميه  [6].

زنقة الستات بمنطقة المنشية، المصدر: F. Hussei

كيف تحافظ الذاكرة الثقافية على الهوية؟

 تساهم الذاكرة الثقافية في تحديد الهوية من خلال حماية مواقع الأحداث المهمة (مثل المعالم أو المباني الأثرية). وتعزز تلك المواقع مشاعر الاستمرارية والتميز. وأظهرت تعليقات المشاركين في الدراسة أن تفرد هذا الموقع واستمراريته باعتباره “فريدًا من نوعه” في الإسكندرية، وحقيقة أنه لم يشهد أي تحول تخطيطي كبير، أوجد مشاعر اليقين والمتعة التي حمت هوية المكان وخبرته.  ويدعم هذا فهم «أنطون ولورانس-Anton and Lawrence» للمواقع التي تمتلك هوية مكان، ويقترحا أن الأماكن التي من المرجح أن يتم استيعابها في بنية الهوية هي تلك التي يمكن أن تجعلنا نشعر بأننا فريدون، ومسؤولون، وراضون عن أنفسنا، وتتوافق مع إدراكنا الذاتي لمن نحن [7].

 كان من الملاحظ أن جميع المشاركين كانوا على دراية كاملة بالخلفية التاريخية للسوق، بدءًا من حملة نابليون الفرنسية. حيث أعطت اسطبلات الخيول الخاصة بالجنود اسم السوق الرئيسي (شارع فرانساه). وكان الوجود اللاحق للمدينة التركية منعكس في النسيج العمراني (الأزقة الضيقة). بينما تم استحضار القصص عن جرائم ريا وسكينه. أدى هذا الوعي بتاريخ الموقع إلى تكرار الذكريات الثقافية، وخلق مشاعر جماعية بالمسؤولية والفخر المدني. وتتفق هذه العلاقة بين القيمة التاريخية والذاكرة الثقافية.

“الذاكرة الثقافية تتكون من المعالم القيمة في تاريخ الأمة، فهذه المعالم هي القادرة على تعزيز الشعور بالانتماء على المستوى الوطني، وكذلك التأثير على الحاضر والمستقبل. “[8].

كاريس أنطون وكارمن لورانس

تشير النتائج إلى أن الذاكرة الثقافية، والتعلق بالمكان، والقيمة التاريخية له، جميعها تضيف إلى الإحساس بالمكان من خلال تكوين علاقة تجاهه والارتباط المجتمعي به.

كيف نحافظ على الذاكرة الثقافية؟

نأمل أن تقوم سلطات التخطيط العمراني الوطنية ومصممي ومخططي المدن في العموم بالتعرف على المناظر الطبيعية الحضرية التاريخية كمستودعات للذكريات الثقافية. كما أن التأكد من تطوير تلك الأماكن وإدارتها يعكسان القيم التاريخية من خلال تذكر الأنشطة والأحداث التي حدثت هناك وإحياء ذكراها. ويوصى بشدة بأن تشتمل هذه الأعمال على تمثيل للذكريات الثقافية جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على النسيج المادي التاريخي. ويمكن أن يحدث هذا من خلال التخطيط التشاركي، حيث ستحتاج الحكومات إلى الانخراط مع المجتمع، وتخصيص وقت كافٍ لجمع البيانات الواقعية، مما يجعل من الممكن مراعاة الذكريات والعواطف والآراء الثقافية. كما يمكن أن تشارك المجموعات الاجتماعية بشكل أكبر في التخطيط التشاركي من خلال إجراء مقابلات شخصية مع المستخدمين للموقع. وسيعمل هذا النهج على تحديد الذكريات التي يريدون الحفاظ عليها لهم وللأجيال القادمة، من أجل خلق التماسك الاجتماعي الضروري وحماية هوية الموقع والتجربة والشعور بالمكان.

يمكن للذاكرة الثقافية أن تربط الأجيال بأماكن الأحداث المهمة، بحيث تظل هذه الأحداث في ذهن الأشخاص المرتبطين بالمناظر الطبيعية الحضرية التاريخية. ويعد الحفاظ على التراث الثقافي والمادي للأجيال القادمة أمرًا مهمًا، ويجب التعامل معه بنفس الاعتراف الذي تتمتع به الأجيال الحالية لتعميم الاستدامة والتنمية االاجتماعية.

المصادر

  1. Kate Darian-Smith & Paula Hamilton, Memory and History in Twentieth-Century Australia – PhilPapers
  2. On Collective Memory, Halbwachs, Coser (uchicago.edu)
  3. Between Memory and History: Les Lieux de Mémoire | Representations | University of California Press (ucpress.edu
  4. Methods and Techniques in Using Collective Memory in Urban Design: Achieving Social Sustainability in Urban Environments | Semantic Scholar
  5. The City of Collective Memory: Its Historical Imagery and Architectural … – M. Christine Boyer – كتب Google
  6. Urban Science | Free Full-Text | Cultural Memories for Better Place Experience: The Case of Orabi Square in Alexandria, Egypt | HTML (mdpi.com)
  7. The Image of the City (mit.edu)
  8. (1) (PDF) Home Is Where the Heart Is: The Effect of Place of Residence on Place Attachment and Community Participation (researchgate.net)

دماء للآلهة، لماذا قدم القدماء القرابين البشرية؟

القرابين البشرية، وتقديم القرابين عمومًا، طقس قديم واسع الانتشار، حيث أن معظم الأديان القديمة والمعاصرة تمارس هذا الطقس بطرق مختلفة. إلا أن الأديان والحضارات القديمة مارست طقس تقديم القرابين البشرية للآلهة، فما هي هذه الطقوس، وما أهميتها بالنسبة لهذه الحضارات؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.

حقوق الصورة

ما هو طقس تقديم الأضاحي البشرية للآلهة؟

طقس تقديم القرابين البشرية، أو ما يعرف بالقتل الطقسي Ritual Murder، هو ‘طقس ديني يتم فيه قتل شخص أو مجموعة أشخاص. غالبًا ما يرتبط تقديم القربان بإرضاء الآلهة المعبودة في المجتمع. أو تجنب غضب هذه الآلهة الذي يتجسد على هيئة كوارث طبيعية. يقوم بهذا الطقس الكاهن الأعلى أو رجل الدين، وقد تكون عملية التضحية طوعية من الأضحية فيتبرع الشخص لتقديم نفسه كقربان. أو إجبارية يتم فيها التضحية بأسرى الحرب أو العبيد بشكل قسري. تتميز هذه القرابين بالوحشية في القتل بشكل عام، كما تتصف بأنها منظمة. وتتم خلال طقس محدد، وإلا فقدت الأضحية معناها وقيمتها. [1] [4]
انتشر طقس تقديم الأضاحي البشرية حول العالم من الإغريق القدماء، وحضارة اليابان القديمة، وحضارات الإنكا والأزتك في أميركا الجنوبية والعديد من الحضارات القديمة. وأهم ما يميز هذه العملية أنها ليست عملية قتل عشوائي أو بدون هدف، إنما هي عملية ذات غاية وهدف واضحين وبالغي الأهمية، ويكون هدفها في معظم الأحيان درء غضب الآلهة، لتفادي ثوران بركان، أو فيضان نهر، أو شح الأمطار. أو بهدف الحصول على بركة الإله في معركة ما أو في المحاصيل. في حالات أخرى تكون الغاية من الأضحية الاحتفال بمناسبة دينية، أو حدادًا على زعيم قبيلة، كما هو الحال لدى القبائل الجرمانية التي تضحي بعدد من العبيد مع وفاة زعيمها، وذلك ليتمكنوا من خدمته حتى في الحياة الآخرة. [2][1]

أنواع القرابين المقدمة في الطقوس

لم تقتصر الأضاحي المقدمة للآلهة على الأضاحي البشرية بالتأكيد، بل كان هنالك عدة من القرابين المقدمة للآلهة. منها الحيواني، أو النباتات، أو يختلف تقديم الإنسان كقربان بحسب الديانة والمناسبة التي يتم تقديم فيها الأضحية.
كتب المؤرخ هيرودوتس عن القرابين غير البشرية في مصر القديمة عن تقديم الأضاحي الحيوانية، وذكر الثيران كمثال عن هذه القرابين. حيث يتم اختيار الثور وفق خصائص معينة واختباره ليكون أضحية تليق بالآلهة، حيث تذبح الأضحية ويقطع رأسها مع وجود الكهنة وقراءة الصلوات على رأس الأضحية الذي يتم التخلص منه لاحقًا. [5]
أما في الحضارة اليونانية التي تلزم ديانتها البشر بالتقديم المستمر للعطايا للحصول على رضى الآلهة، قدم اليونانيون العديد من الذبائح الحيوانية والمحاصيل والهدايا لآلهتهم. الذبائح الحيوانية هي الأكثر شيوعًا، ومعظمها من الثيران والماعز والأغنام. وكان يعتقد أن الآلهة تفضل أنواعًا معينة، حيث أن أثينا كانت تفضل الأبقار كقرابين على سبيل المثال. وتتم التضحية على المذبح في معبد الإله، وتوجب أن يكون الحيوان بصحة ممتازة، وكان يتم تزيينه ورشه بالماء كرمز للنقاء. يضرب الحيوان على رأسه قبل نحر عنقه من قبل الكاهن، ثم يتم طبخه وتوضع العظام ودهن الحيوان كقربان للإله أمام المذبح. [6]

حقوق الصورة

أهمية طقس تقديم القرابين البشرية في الحضارات القديمة

بالرغم من أن طقس تقديم القرابين البشرية يبدو للإنسان المعاصر طقسًا وحشيًا ومرعبًا. إلا أنه كان في المجتمعات القديمة حدثًا بالغ الأهمية وطبيعي جدًا وضروري حتى. وهو طقس سنوي أو نصف سنوي طبيعي جدًا، حتى أن بعض علماء الأنثروبولوجيا أشاروا إلى أن هذا الطقس يتم في مجتمعات مستقرة وطبيعية، وحتى أنه يزيد من الوحدة والتماسك الاجتماعيين في المجتمع. حيث أن هذه المراسم كانت أحداثًا مجتمعية يتجمع فيها كافة أفراد المجتمع، لذلك كانت التضحية حدث ذو أهمية دينية وانخراط مدني، يتم التخطيط له بعناية وتوقيتها بشكل دقيق، وتصمم التفاصيل في المراسم لإرضاء الآلهة لتكون المناسبة جديرة بالاهتمام. [6]
وفقًا لتظرية تطورية دينية تسمى “فرضية التحكم الاجتماعي” فإن هذه الأضاحي البشرية تمتلك فوائد غير متوقعة، مثل الحفاظ على السلطة الحاكمة، وتعزيز مكانة الحاكم كونه حصل على مباركة الآلهة. كما أن هناك أدلة غير مؤكدة أنها كانت تستخدم للحفاظ على السكان والسيطرة عليهم. لدراسة هذا الموضوع قام واتس وآخرون بتحليل 93 مجتمعًا محليًا في أسترونيزيا، المستوطنون في نيوزيلاند، ومن خلال الدراسات التاريخية والإثنوغرافية وجد الباحثون أن المجتمعات التي مارست تقديم القرابين البشريةتتصف بأنها طبقية بشكل معتدل، ولم تنتقل فيها الرتبة والقوة عبر الأجيال كما هو الحال في المجتمعات شديدة الطبقية. أي لا وجود لطبقات اجتماعية واضحة في هذه المجتمعات المدروسة. لكن من جهة أخرى هنالك العديد من المجتمعات التي تميزت بطبقيتها الشديدة التي تمارس الطقس ذاته، التي تتميز بتركيب اجتماعي معقد. أشار الباحثون إلى أن الثقافات كانت عرضة للانقسام الصارم في الطبقات الاجتماعية في حال تضمنت تقاليدها طقوسًا دينية مثل الأضاحي البشرية. [2]

حضارات قديمة مارست تقديم القرابين البشرية

مارست العديد من الحضارات والمجتمعات تقديم القرابين البشرية بهدف إرضاء الآلهة أو درء غضبهم أو الحصول على بركتهم. أو كان لهم أسباب أخرى في التضحية، نذكر أهم هذه الطقوس في تقديم الأضاحي البشرية لدى مجتمعات كبرى مثل الإغريق القدماء والمصريون وحضارة الأزتك في جنوب أمريكا.

القرابين البشرية عند اليونانيين القدماء

حقوق الصورة

ترتبط الحضارة اليونانية بالفن والفلسفة، وبالرغم من أن الإغريق قدموا العديد من الأضاحي لآلهتهم. إلا أن هنالك القليل من الدلائل على الانخراط في تقديم الأضاحي البشرية. توضح الللقى الأثرية وجود دلائل على تقديم القرابين البشرية في منطقة جبل ليكايون بعد العثور على رفاة مراهق تعود لعام 3000 قبل الميلاد. وعثر عليها في مذبح تقدم فيه الأضاحي لكبير الآلهة زيوس. والذي يؤكد أنها أضحية بشرية هو وجود العظام في المذبح الذي يعتبر مكانًا مقدسًا، وليس مقبرة ليدفن فيها أي شخص. يعارض بعض الباحثين فكرة أن الإغريق كانوا قد انخرطوا في تقديم الأضاحي البشرية لأنها لا تتماشى مع ثقافتهم. ولكن من جهة أخرى فإن الأساطير اليونانية تحتوي بعض القصص عن الأضاحي البشرية. مثال على ذلك قصة الملك أغاممنون الذي كان سيضحي بابنته ايفجينيا وقدمت الإلهة أرتميس بديلًا عن الفتاة غزال ليتم التضحية به. وقصة أخرى عن جبل ليكايون تروي قصة الملك الأول لأركاديا الذي ضحى بأحد ابنائه لإرضاء زيوس، الذي غضب عليه وحوله وابنائه لذئاب. وتحول هذا الموضوع لطقس سنوي يتم ذبح صبي مع الحيوانات كأضحية. وطهي لحمه مع باقي اللحوم ومن أكل من لحمه تحول لذئب، ومن لم يأكل سمح له بالبقاء بشكله الطبيعي. وهذه هي القصة الوحيدة التي تؤكد وجود الرفاة في مذبح زيوس في ليكايون. [7] [8] [4]

طقس القرابين البشرية عتد المصريين القدماء

حقوق الصورة

هناك نظريات حول قيام المصريين القدماء بالقيام بالتضحية البشرية حوالي 2950 قبل الميلاد. حيث كان رجال الحاشية أو كبار المسؤولين يضحون بأنفسهم لخدمة الفرعون ما بعد الموت. تستند هذه النظريات إلى الللقى الأثرية في المقابر الفرعية الملحقة بالمقابر الملكية للأسرة الأولى. تم العثور على مدافن لرجال البلاط، وبعض الدلائل أن هؤلاء تمت التضحية بهم لهذا الغرض. [10] في حالات أخرى كانت التضحية البشرية عقوبة استهدفت مخالفي القوانين. وكانت تتضمن سلخ الشخص ثم التقطيع وحلق الرأس وقطعه. [9]

تقديم الأضاحي البشرية في حضارة الأزتك

حقوق الصورة

تعد حضارة الأزتك التي نشأت وازدهرت في وسط المكسيك في القرن 15 من أكثر الحضارات شهرة في تقديم القرابين البشرية لآلهتهم. وتعزز ذلك اللقى الأثرية في مدنهم وكتابات المستعمرين الإسبان الذين شهدوا بعض طقوس الشعوب. ويعد برج الجماجم البشرية من أبرز الدلائل على عملية التضحية بالبشر في هذه الحضارة. ومن طرق التضحية البشرية التي مارسها شعب الأزتك نزع القلب النابض من ضحية ما زالت حية، وقطع الرأس، والجلد، والتقطيع، ثم الرمي من أعلى هرم المعبد. وهذه العملية بنظرهم ذات شرف كبير ويقوم بها الكاهن الأعلى. وهي بمثابة سداد دين على التضحيات التي قامت بها الآلهة من أجل البشر. كما كانت الأضاحي البشرية بمثابة غذاء لبعض الآلهة. ومنها كان سكب الدماء على تماثيل الآلهة وحرق الطعام أمام هذه التماثيل. ومثال على ذلك أسطورة إله الشمس تزكاتليبوكا المسؤول عن الاحتفالات ومحاربة الظلام، تقول الأسطورة أنه بحاجة ليتغذى على هذه الأضاحي ليمتلك القوة على رفع الشمس كل يوم وضمان عدم سيادة الظلام على المملكة. [11]

في معايير البشر الحديثة، طقس تقديم القرابين البشرية يبدو مرعبًا وقاسيًا، ونرى بوضوح استمرار الروابط بين القربان البشري واستمرارية طاعة الناس للسلطة والحكم المستقر في المجتمع. فالمشاهد المروعة هذه تبقي الناس تحت السبيطرة، وليست من المبالغة أن نقارن ما تم تقديمه كقربان بشري وذبحه لإرضاء الآلهة، بما يتم اليوم من عقوبات إعدام في مجتمعاتنا الحديثة.

المصادر:
1- theatres of Human Sacrifice
2- science
3- scientificamerican
4- wikipedia
5- worldhistory
6- classroom.synonym
7- smithsonianmag
8- biblicalarchaeology
9- fairlatterdaysaints
10- rationalwiki
11- worldhistory
12- historyextra

ما هي كنوز مقبرة توت عنخ آمون ؟

حكم الملك توت عنخ آمون في الأسرة الثامنة عشر من عصر الدولة الحديثة ، وكان في التاسعة من عمره عندما اعتلى العرش بعد وفاة نائب الملك أخناتون سمنخ كا رع. وكانت كنوز مقبرة توت عنخ آمون واحدة من العلامات الفارقة في تاريخ علم المصريات لما فيها. سنعرف في هذا المقال المزيد عن تفاصيل كنوز مقبرة توت عنخ آمون.

مقبرة توت عنخ آمون

كان توت عنخ آمون ضمن أشهر ملوك مصر القديمة؛ ليس بسبب فترة حكمه؛ بل بسبب مقبرته التي كشفت بكامل محتوياتها. حيث كانت هذه المقبرة مختبئة عن أعين اللصوص قديمًا وحديثا قبل يوم اكتشافها.
احتوت المقبرة على أكثر من 5000 قطعة أثرية من بين التماثيل والمجوهرات الرائعة والصناديق والقوارب المزخرفة والمركبات المفككة. كما احتوت أيضًا على علامات للحياة اليومية مثل أرغفة الخبز وقطع من اللحم، وسلال من الحمص والعدس والتمر وأكاليل من الزهور.

تاريخ اكتشاف المقبرة

بدأ فريق برئاسة عالم المصريات البريطاني هيوارد كارتر في حفر مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر. وكان ذلك في يوم 4 نوفمبر عام 1922، فوجدوا الخطوة الأولى من السلم. وفي اليوم التالي كشفوا الدرج بأكمله، وبنهاية نوفمبر تم الكشف عن غرفة الانتظار والخزانة وباب القبر نفسه. وفي يوم 26 نوفمبر، بعد إحداث ثقب صغير؛ رأى كارتر غرفة مليئة بالكنوز الذهبية.

كنوز الملك توت عنخ آمون

كان بالمقبرة العديد من كنوز الملك توت عنخ آمون المتنوعة المبهرة، والتي تعبر عن إبداع المصري القديم ومنها:

1. التابوت الذهبي


 

من كنوز توت عنخ آمون التابوت الذهبي. وهو عبارة عن وعاء يشبه الصندوق. يتكون التابوت من ثلاثة توابيت متداخلة لحمل جسد الملك. صُنع التابوتان الخارجيان من الخشب المغطى بالذهب المرصع بالأحجار شبه الكريمة مثل اللازورد والفيروز، أما التابوب الداخلي فكان مصنوعًا من الذهب الخالص.

2. القناع الذهبي

 قناع الموت الذهبي وهو إحدى أشهر كنوز توت عنخ آمون و يعد من روائع الفن المصري القديم. كان في الأصل موضوع على أكتاف المومياء داخل التابوت. وصوّر هذا القناع توت مرتديا غطاء الرأس المخطط؛ وهو غطاء كان يرتديه الفراعنة في مصر القديمة؛ مع الإلهة نخبت والإلهة واجيت لحماية جبينه.

كما ارتدى لحية مستعارة تربطه بصورة الإله، وارتدى طوق عريض ينتهي بأطراف على شكل رأس صقر. ظهر هذا القناع مغطى بتعويذة من كتاب الموتى ليستخدمها الملك في الطريق للحياة الآخرة. حيث تحميه التعويذة أثناء انتقاله إلى العالم السفلي.

3. مجوهرات الجعران

 تحتوي هذه المجوهرات على خنفساء الجعران، وهي مصنوعة من اللازورد. واللازورد هو حجر شبه كريم، لونه أزرق. وكان الجعران مقدسًا في مصر القديمة، فقد كان يرمز للإله خبري ذو وجه الجعران للشمس المشرقة؛ حيث مثّل الولادة من جديد.

4. الصندل الذهبي

هذا الصندل مصنوع من الذهب الخالص، وكان يستخدم في الجنائز. كان يوضع على قدمي الفرعون قبل أن يلف بشرائط من الكتان للتحنيط. وكانت تشبه الصنادل الجلدية والصنادل التي كان الملك يرتديها في الحياة الدنيا. كما ظهر دور حامل الصندل الفرعوني كأحد أهم المناصب في المجتمع المصري القديم.

وقد وجد مع الملك توت عنخ آمون في مقبرته حوالي 90 زوجا من الصنادل، المصنوعة من ورق البردي أو من الجلود.

5. الجسد الخالد

اعتقد المصريون القدماء أن الجسد ضروريًا في الحياة الآخرة، حيث يصبحون بعد الموت بمثابة آلهة. لذا وضعت أغطية من الذهب مثل تلك على أصابع اليدين والقدمين للحفاظ على شكلها. كما كان للذهب قيمة خاصة؛ لأنه مثل الآلهة المصرية القديمة لا يصدأ ولا يتغير ويستمر إلى الأبد.

6. رموز القوة الفرعونية


كان من بين كنوز توت عنخ آمون المحتال والمذبة كرموز أساسية للملكية في مصر القديمة. فقد كان محتال الراعي يمثل الملكية، والمذبة تمثل خصوبة الأرض. وعثرعليها داخل أغلفة مومياء توت عنخ آمون. كما أن العقارب المتقاطعة مصنوعة من الذهب والزجاج، بينما العصا والمذبة لهما قلب فضي.

7. الحماية الإلهية


كانت المجوهرات المتقنة المعروفة باسم الصدريات تشبه القلائد الكبيرة، وتم ارتدائها فوق الصدر، مثل الصقر الذهبي الإله حورس الذي حمل علامة الأبدية (شين) في مخالبه. حيث يعتقد أن الإله حورس هو الخالق والحامي للفراعنة.

8. التسلية والألعاب

بجانب الطعام والملابس والأسلحة، اكتشف الفريق العديد من الألعاب بما في ذلك لعبة السينيت للاستمتاع بها في الحياة الآخرة. وكانت سينيت لعبة شائعة في مصر القديمة بين كل طبقات المجتمع.

9. أدوات الصيد

استخدم الملك توت عنخ آمون هذه الأدرع، وقد كان أشهر تصوير لها في الاستخدام الخاص بها في صيد الطيور، وخاصة في منطقة الدلتا.

10. القوت الروحي

احتوت هذه الأوعية الخشبية على بطة محنطة، واحتوى بعضها أيضًا على قطع من لحم البقر والماعز، حيث عثر على حوالي 48 من مومياوات اللحوم في مقبرة توت عنخ آمون. وقد لفت قطع اللحم بالكتان، ووضعت داخل الأوعية لدعم الفرعون أثناء رحلته إلى العالم الآخر.

11. الموسيقى السحرية

مثلت هذه الآله الموسيقية جزءًا من كنوز توت عنخ آمون، والتي كانت تحمل باليد. يبلغ ارتفاعها حوالي 20 بوصة، واطلق عليها اسم السيستروم. وربما استخدمت خلال طقوس دفن توت عنخ آمون.

ولم تكن السيستروم مجرد آله موسيقية، بل لها معنى مقدس وديني لأنها مرتبطة بالإلهه حتحور وتحبها. كانت حتحور إلهه حامية للفراعنة بمعبد دندرة، حيث كان المغنون يعزفون موسيقى السيستروم. واعتقدوا أن الأصوات الهائلة التي تصدرها السيستروم تعيد الحياة إلى الجسد.

12. القلب فى الأواني الكانوبية

كانت عملية إزالة أعضاء الجسم الداخلية جزءًا حيويًا من عملية التحنيط. وكانت هذه الأعضاء تخزن في أواني كانوبية غالبًا ما كانت تحتوي على سدادات متقنة مثل هذه المصنوعة من الكالسيت.

كان القلب هو العضو الوحيد الذي يترك في الجسد دون إزالة؛ إإذ اعتقدوا أنه يتم وزنه في الآخرة مقابل ريشه ماعت رمز العدالة والحقيقة. وكان يعتقد أن الإله أزوريس هو من يحدد ما إذا كان المتوفي قد ارتكب أعمالاً صالحة على الأرض؛ وبالتالي يستحق حياة أبدية في الحياة الآخرة أم لا.

13. الدروع الخشبية

يصور هذا الدرع الخشبي، وهو واحد من ثمانية عثر عليها في ملحق المقبرة؛ آمون على هيئة أبو الهول. ويدوس آمون على أعدائه. كما يجلس صقر فوق تمثال أبو الهول، ليرمز لإله الحرب مونتو.

صمم الدرع لأغراض احتفالية وليس للمعارك أي كان رمزيًا فقط. كما صور الدرع الفرعون كقائد قوي يحمي مصر من الفوضى بطرد أعدائهما.

14. أيادي الملك

هذه القفازات، هي واحدة من العناصر القليلة التي اعتقد الخبراء أن الملك توت عنخ آمون استخدمها بالفعل في حياته. وهذه القفازات المصنوعة من الكتان؛ وربما كان يرتديها توت عنخ آمون خلال فصل الشتاء، أثناء ركوبه لعربته الحربية في منف عاصمة مصر القديمة.

كانت كنوز توت عنخ آمون تعبيرًا عن الفن المصري القديم ومدى الإبداع الذي تميز به في العالم القديم. وقد أبهرت المقبرة العالم في العصر الحديث والمعاصر وامتدت تأثيراتها إلى العالم أجمع.

المصادر

CNN
Smart History
History Extra
National Geographic
Britannica
National Geographic
BBC

هوس توت ولعنة الفراعنة وأثر اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على العالم

هوس توت ولعنة الفراعنة وأثر اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على العالم

حكم الملك توت عنخ آمون في عصر الدولة الحديثة، وهو ابن الملك أخناتون (أمنحتب الرابع) حسب تحليل DNA. حكم توت وهو لم يبلغ 9 أعوام، ومات بسبب الملاريا حسب دراسة نشرت عام 2010 بجانب بعض الالتهابات العظمية، حيث كان عمره وقت وفاته 19 عامًا.

معنى هوس توت

هوس توت Tutmaniaهو نوع من الهوس ظهر في العالم بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 بواسطة عالم الآثار البريطاني هيوارد كارتر. واكتشفت هذه المقبرة بكامل محتوياتها التي أبهرت العالم من كنوز ذهبية رائعة، كما ارتبط الملك توت بخرافة لعنة الفراعنة.

هوس المصريات

كان هوس توت على غرار هوس المصريات Egyptomania موجودًا قبل اكتشاف المقبرة. ويعني ذلك الهوس الحماس لكل ما يتعلق بمصر القديمة، وقد ظهر منذ حكم اليونان والرومان لمصر في العصر القديم.

هوس توت المتحفي وكنوز الملك

عرضت أكبر مجموعة من كنوز توت عنخ آمون في معارض العالم. حيث عرضت في معرض ساتشي في لندن عام 2019، بعد أن حققت نجاحًا بأرقام قياسية في لوس أنجلوس وباريس. من الواضح أن هذا الاكتشاف لا يزال يتمتع بجاذبية عالمية في القرن ال21.

توت عنخ آمون ومعرض متحف أشموليان

ركز معرض متحف أشموليان للفنون والآثار في أكسفورد على قصة اكتشاف المقبرة، وكيف تسببت في حدوث حالة هوس الملك توت في جميع أنحاء العالم. فقد كان للمقبرة تأثيرًا كبيرًا على الثقافة الشعبية في جميع أنحاء العالم.

كان اكتشاف هذه المقبرة من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين بحق، إذ ظل هذا القبر مختبئ لأكثر من 3000 عام. وحدث الكشف بعد سنوات من الحفريات غير المثمرة مولها اللورد كارنارفون.

عند الاكتشاف، سأل اللورد كارنارفون كارتر: “هل ترى شيء؟” فأخبره كارتر: “أرى أشياء رائعة!”

تلك الكلمات التي لا تُنسى منقوشة على الحائط في مدخل معرض (اكتشاف توت عنخ آمون) في متحف أشموليان في أكسفورد. ولكن يبدو أن كارتر نظر إلى الذهب فقط ولم ينتبه لما يعنيه الكشف حينها وفق «بول كولينز- Paul Collins»، أمين قسم الشرق الأدنى القديم في متحف أشموليان بجامعة أكسفورد، وأمين المعرض.

صراع صحفي لتغطية الكشف الأثري

دفعت صحيفة ذا تايمز The Times)) إلى اللورد كارنارفون 5000 جنيه استرليني لمنحها أسبقية المعلومات عن تنقيب المقبرة. ولم تكن الصحف المنافسة سعيدة بذلك بالتأكيد، إذ كانت هناك منافسة شرسة بين المراسلين على نقل القصة وألغازها ووضع بعض المبالغات الصحفية مثل لعنة الفرعون الشهيرة لجلب المزيد من الإثارة والمبيعات.

ضم المعرض صورًا كثيرة من صور «هاري بيرتون- Harry Burton » لصحيفة ذا تايمز، بالإضافة إلى السجلات الأصلية والرسومات والصور الفوتوغرافية لكارتر. وكان هاري بيرتون مصور فني بريطاني، وكان يعمل في متحف متروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك الأمريكية. تميز هاري بتصوير الأشياء بدقة من زواياه المتعددة وسط إضاءة متخصصة.

كما عرض المعرض العديد من العناصر التي وضحت كيف أثر هوس توت على الفنون الثقافية في عشرينات القرن الماضي. فقد ظهرت الزخارف المصرية على الملابس والمجوهرات، كما ترك أثرًا في تسريحات الشعر والأقشمة والأثاث والعمارة.

قلادة فرعونية، وقفازات جلدية، من عشرينيات القرن الماضي.
إعلان لشركة Johnston Fruit Company في كاليفورنيا عن ماركة ليمون الملك توت، في عشرينيات القرن الماضي.
ملصق للمسرح، للساحر كارتر العظيم في عام 1923، و قبلة من الفرعون: قصة حب توت عنخ آمون، بقلم ريتشارد جوين.
بروش كارتييه من الماس، حوالي عام 1923

أصبح توت عنخ آمون و اللورد كارنارفون وكارتر كأنهم من نجوم السينما. كما حدث تدفق غير مسبوق للألعاب والسيراميك والأزياء والملصقات المتأثرة بالملك توت.

جاء اكتشاف المقبرة في بدايات العشرينات من القرن الماضي عقب الاضطرابات العالمية للحرب العالمية الأولى. فتمكنت وسائل الإعلام الجماهيري من نقل الأخبار عما يتم نقله من المقبرة إلى جمهور أوسع وأسرع من أي وقت مضى.

أصبحت أمريكا بشكل خاص مهووسة بالملك توت عنخ آمون، وأصبح الملك توت مشهور للغاية. حتى الرئيس الأمريكي هربرت هوفر سمى كلبه الأليف توت، كما سمى ساحر المسرح الأمريكي تشارلز كارتر نفسه بكارتر العظيم في إعلاناته ذات الطابع المصري القديم.

أغنية الملك القديم توت

وحقق مؤلف الأغاني «هاري فون تيلزر-Harry Von Tilzer » نجاحًا كبيرًا بأغنية بعنوان “الملك القديم توت” عام 1923، وعرضت هذه الأغنية في المعرض. وأصبحت أغنية الملك القديم توت أحد أعظم الأغاني في ذلك الوقت.

حتى اليوم، لا يزال توت عنخ آمون أيقونة ورمزًا؛ حتى في الثورة المصرية، في التحرير. فعلى الجدران، أظهرت الكتابات قناع توت عنخ آمون كرمز للهوية المصرية.

الفتاة المعاصرة وهوس توت

تأثرت الفتاة المعاصرة بعد الحرب العالمية الأولى بالإلهة إيزيس التي كانت واحدة من أربعة تماثيل تحرس كل ركن من الأواني الكانوبية الخاصة بالملك توت عنخ آمون. فكانت مصدر إلهام بالنسبة لهن، وتأثرن أيضًا بالملكة كليوباترا؛ فقلدن تسريحة البوب الخاصة بها، وكانت رمزا للسلع التجميلية مثل أحمر الشفاة ومساحيق الوجه والعطور وكريمات الوجه. ظهر ذلك التأثر عبر استخدام شركات المستحضرات لأسامي جذابة مثل منتجات نايل كوين ((Nile Queen التي تصنعها شركة .Kashmir chemical company

المومياء ولعنة الفراعنة في السينما

كان لفكرة المومياوات التي تنهض من الموت سحرها الخاص؛ حيث استخدمت في صناعة الأفلام الجديدة آنذاك. وكان الصحفي «جون بالديرستون – John Balderston» أول صحفي يرى وجه الملك توت، فألهمه الأمر بكتابة سيناريو فيلم رعب عالمي باسم المومياء، وصدر عام 1932.

خرافة لعنة الفراعنة

من ناحية أخرى، انتشرت خرافة لعنة الفراعنة أو لعنة المومياء في العالم.

“تسبب موت اللورد كارنارفون بعد 6 أشهر من أفتتاح المقبرة في اعتقاد بعض الناس بوجود لعنة ما واقعة على المقبرة وكل من دخلها.”

زاهي حواس

وقد نشرت الصحف أن موته كان غامضًا، وكان فكه للمومياء ولفائفها نذير شؤم. لكن يعتقد أن اللورد كارنارفون مات نتيجة تسمم في الدم بسبب الحلاقة بموس ملوث.

ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك عبر سوء ترجمة نص مكتوب على طوب طيني عُثر عليه أمام مقصورة الإله أنوبيس يقول “فأقتل كل هؤلاء الذين عبروا هذه العتبة إلي الفناء المقدس للملك الذي يعيش للأبد”. وفي الحقيقة، يقرأ النص »أنا هو الذي يعوق الرمال من أحجار الحجرة السرية« وفق ترجمة ديفيد سيفرمان David Silverman.

لعنة الفراعنة لم تصب الآخرين

ومن ضمن الذين دخلوا المقبرة وعاشوا حياة جيدة «آرثر ميس» الذي مات عام 1928، ولم يكن مريضًا لفترة طويلة، كما مات «برستد» عام 1935، ومات «هيوارد كارتر» 1939 أي بعد 20 عاما من افتتاح المقبرة. وعاش «جاردنر» حتى 1963، وماتت «إيفلين» ابنة اللورد كارنارفون عام 1980 عن عمر يناهز 79 عامًا. كما أن هناك كتاب مترجم باسم “اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون” من تأليف كلًا من هيوارد كارتر وآرثر ميس بإمكانك الاطلاع عليه للتأكد من أن لعنة الفراعنة ليست سوى خرافة.

فيديو عن حقيقة لعنة الفراعنة

المصادر

BBC
BBC
National Trust
Scientific American
Reuters
زاهي حواس، الملك الذهبي: عالم توت عنخ آمون، (ص 151-154

ما هي أهمية النمذجة ثلاثية الأبعاد في علم الآثار؟

يدرس علم الآثار البقايا التي خلفّها أسلافنا، ومن خلالها نتعرف على تطورهم وهجراتهم وحضارتهم. يمكن أن تكون هذه البقايا عبارة عن كسر فخارية أو هياكل عظمية أو بقايا معمارية.

ورغم الفكرة الشائعة في الإعلام عن استخدام علماء الآثار للخرائط المهترئة والفرشاة في أعمال التنقيب، إلا أن الواقع مختلف تمامًا. حيث يعتمدون في دراسة المكتشفات على العديد من العلوم كالكيمياء العضوية والجيولوجيا والبيولوجيا والأنثروبولوجيا. [1]

لقد ساعدت العلوم والتقنيات الحديثة في حصولنا على نتائج مذهلة لم نكن نتخيلها في العقود الماضية، فمن خلال التعاون ما بين علماء الآثار وعلماء الوراثة استطعنا الحصول على الحمض النووي للنياندرتال والذي ساعدنا على فهم الكثير عن حياة النياندرتال واحتماليات انقراضه. [2]

أهمية النمذجة ثلاثية الأبعاد في علم الآثار

كانت «النمذجة ثلاثية الأبعاد-3D Modeling» واحدة من المجالات التي استخدمها علماء الآثار، فاستعملوا أدوات وبرامج مطوري ألعاب الفيديو أو مختصي الرسوم المتحركة. سمحت النمذجة ثلاثية الأبعاد بتوثيق وتحليل الماضي بطرق لم تكن ممكنة من قبل. إذا نستطيع اليوم من خلف شاشات حواسيبنا مشاهدة القطع والحفريات أو القيام بجولات افتراضية في المتاحف العالمية. [1]

توثيق الحفريات الأثرية

تهدف أعمال التنقيب إلى فهم الطبقات الموجودة في الموقع، وتأريخ القطع المكتشفة ودراستها ضمن سياقها التاريخي. ولكن قد يضطر علماء الآثار لإزالة الطبقات من الفترات الأحدث لاكتشاف الطبقات من الفترات الأقدم. وإن إزالة أي طبعة دون توثيقها بشكل دقيق يعني ضياعها إلى الأبد.

ساعدت النمذجة ثلاثية الأبعاد على توثيق الحفريات الأثرية بدقة من خلال منهجية «البنية من الحركة-Structure from Motion»، والتي تعتمد على التقاط سلسلة من الصور المتداخلة. ومن خلال استخدام البرامج يمكننا تجميع الصور ومعالجتها للحصول على نموذج ثلاثي الأبعاد عالي الدقة ومحدد جغرافيًا للحفريات. [1]

توثيق القطع الأثرية

بعد الانتهاء من الحفريات الأثرية يقوم علماء الآثار بإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للعديد من النماذج المهمة، لمساعدة الباحثين والمؤرخين ومختصي اللغات القديمة على دراسة القطع دون الحاجة إلى السفر لمعاينة القطع. ويوثق علماء الآثار القطع الأثرية من خلال كاميرات الديجتال أو «الماسحات الليزرية-3D laser scanners»، ومن ثم يتم إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد لدراستها من قبل المتخصصين أو طباعة نماذج منها أو حتى رفعها على مواقع الويب مثل موقع Sketchfab.

يمكن للمهتمين مشاهدة هذه النماذج وتحميل المتوفر منها بشكل مجاني على حواسيبهم، بالإضافة لإمكانية تعديل أبعادها وطباعتها بالطابعات ثلاثية الأبعاد. [1]

أهمية النمذجة ثلاثية الأبعاد في توثيق التراث الثقافي

أصبحت النمذجة ثلاثية الأبعاد للقطع والمواقع الأثرية جزءًا مهمًا لتثقيف وتوعية المجتمعات بالتراث الثقافي المحلي والعالمي. من الأمثلة الناجحة في هذا السياق هو ما قدمه علماء آثار وطلاب جامعة نورث كارولينا في أمريكا، إذ عملوا منذ عام 2015 على إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد لقطع وحفريات بالإضافة إلى القطع الأثرية المحفوظة في متحف الجامعة. هذه النماذج متاحة للعامة بشكل مجاني على موقع Sketchfab، وموجودة في متحف افتراضي على موقع الجامعة. [1]

إن الجهود المتزايدة لتوثيق الحفريات والقطع كنماذج ثلاثية الأبعاد ستساعد المختصين والمهتمين بعلم الآثار حول العالم بالحصول على هذه المعلومات القيّمة، كما أنها ستحفظ تراثنا الثقافي للأجيال القادمة. [5]

يمكنك قراءة إعادة بناء لوجه طفل حيث كشفت النمذجة مدى دقة لوحات المومياوات المصرية.

المصادر

[1] The Pipettepen
[2]medlineplus
[3] sketchfab
[4] ancientnc
[5] unesco

أوبول شارون: ثمن الدخول لعالم الموتى

هذه المقالة هي الجزء 7 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

طالما أذهلت البشر فكرة ما بعد الموت، أين ستذهب أرواحنا؟ لقد حاول قدماء الإغريقيين تقديم وصفًا مميزًا لتصورهم عن رحلة ما بعد الموت، لكن الميت عليه أن يدفع رشوة لعبور النهر الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات. النهر الذي يحرسه شارون، فما هي رشوته؟

الموت في الميثولوجيا اليونانية

شارون وسايكه، لوحة للفنان جون رودام سبينسر
المصدر

المفهوم الإغريقي عن الحياة الآخرة ومراسم الدفن كان مبنيًا بشكل كبير على كتابات هوميروس، الذي وصف العالم السفلي في الإلياذة. اعتقد الإغريقيون بأن الروح “سايكه” تغادر الجسد بلفظ الشخص لآخر أنفاسه. لطالما اعتقدوا أن راحة الميت تعتمد على تذكر أقربائه له، وإحياء ذكره وإقامة طقوس دفن تليق به.
كانت قضية نسيان الأحياء للميت أمرًا شديد السوء في المجتمع الإغريقي، فالذكرى هي ما تجعل الميت ينعم بالسكينة في الحياة الآخرة. كما جسدت معظم شواهد القبور اليونانية افي الأكروبوليس، أو المتاحف، مشاهدًا طبيعية من حياة المتوفي، مثل رجل تقدم له زوجته الطعام، امرأة ترعى طفلها الرضيع، وذلك ليس إلا تذكيرًا للأحياء بأن الأموات لم يفنوا بعد، وإنما هم مستمرين في حياة ضبابية أخرى، وبهذا رأى الإغريق أنهم هزموا الموت بإبقاء الذكرى حيّة. [1]

مملكة هيديس، عالم الأموات

العالم السفلي في الأسطورة اليونانية مكان ضبابي، مظلم، ومخيف. مخبأ في أعماق الأرض، وخفيّ على الأحياء. تدخله الأرواح بعد خروجها من الجسد لتأخذ شكلًا يشبه الشخص الميت، ويرحل لعالم الأموات. تعد مملكة هيديس النقيض التام لجبل أوليمبوس، جبل الآلهة العظمى التي يحكمها زيوس وتمثل النور، بينما هيديس الظلام.
يحكمها سيد الأموات، الإله “هيديس” وهو شقيق الإله الأعظم في الميثولوجيا اليونانية “زيوس”، الذي نُفي إلى العالم المظلم وأصبح سيدًا للظلال والموتى. سُميت مملكته باسمه، ويُشار لهيديس كأنها الجحيم. حكمها هيديس وزوجته بيرسفوني. [2]

مملكة هيديس أو العالم السفلي في الميثولوجيا الإغريقية، اللوحة للفنان جان بريغيل الأكبر
المصدر

التقسيم الجغرافي للعالم السفلي

مدخل العالم السفلي

على أبواب الجحيم يتجسد القلق، الحزن، الأمراض، الشيخوخة،الخوف، الجوع، الحاجة، العذاب، الموت، والملذات المحرمة. في الجهة المقابلة لهؤلاء تتجسد الحرب، الانتقام، الشقاق. تحرس الأبواب العديد من الوحوش المريعة منها السينتور “نصف إنسان ونصف ثور”، السكيلا؛ وهي نصف امرأة ونصف أفعى ذات أسنان مرعبة، الهايدرا وهي ثعبان عملاق بثلاث رؤوس، والعديد من الوحوش الأخرى. في منتصف هؤلاء توجد شجرة دردار، تتمثل فيها الأحلام الزائفة والأوهام تحت كل ورقة منها. يوجد بعدها نهر “ستيكس” الذي يحمل خلاله شارون الأرواح لبوابة الجحيم التي يحرسها سيربيروس الكلب ذو الرؤوس الثلاثة. بعد اجتياز البوابة يقف قضاة العالم السفلي ليقرروا مصير أرواح الموتى، إلى الجزر المباركة “إليزيوم” أو إلى “تارتاروس”. [3]

تارتاروس

بالرغم من أنها ليست جزءًا بشكل مباشر من الجحيم، بل هي أبعد من ذلك، فتتوضع تحت الجحيم، كتب هوميروس عنها بأن الظلام فيها شديد لدرجة أن الليل ينسكب حولها في ثلاثة صفوف والأشجار تنمو فيها بشكل مرعب. وهو المكان الأكثر ظلامًا في هيديس ويوجد فيها أسوأ الأشخاص عقابًا على خطاياهم، وكت أيضًا أن الإله كرونوس حكمها لاحقًا [3]

المروج الزنبقية

وهي الأماكن التي يذهب إليها الناس العاديون، الذين لم يرتكبوا خطايا كبرى، ولكنهم لم يحققوا أي عظمة في حياتهم ليستحقوا الدخول للحقول الإليزية، وهذه المروج هي التي يرسل إليها الناس الذين ليس لديهم مكان آخر في الجحيم. [3]

حقول الحداد

المكان المخصص من الجحيم للعاشقين الذين ضيعوا حبهم دون مقابل.

الإيليزيوم

وهو أفضل الأماكن في الجحيم، يذهب إليها أنصاف الآلهة، الأبطال، الفلاسفة، كل من قام بعمل عظيم ومشرف، والأشخاص الذين كانوا على مقربة من الآلهة ومستقيمين في حياتهم تنعموا بوجودهم في الإيليزيوم.

الأنهار في الجحيم

يعتبر نهر ستيكس أهم هذه الأنهار وأشهرها، وهو نهر الكراهية، سُمي تيمنًا بالإلهة ستيكس ويدور حول الجحيم سبع مرات. أما النهر الثاني نهر أشيرون، نهر الألم. وهناك “ليثه” نهر النسيان، ونهر فليجيثون الناري الذي يقود لأعماق تارتاروس، وكوكيتوس نهر النحيب. ,وأخيرًا أوشينوس وهو المحيط بالعالم بأكمله. [3]

مهمة شارون في العالم السفلي

شارون هو إله ابن الإلهين اربوس، ونيكس “ربة الليل”، كانت مهمته نقل أرواح الموتى الذين تم دفنهم بشكل لائق فقط عبر نهري ستيكس وأشيرون خلال عبارة كان يقودها هو. ولكن ذلك لم يكن مجانيًا؛ فكان يتوجب على الروح دفع عملة معدنية “الأوبول” كانت توضع في فم المتوفي خلال طقوس الدفن.
يمثل شارون كرجل متجهم، مروع، ومهيب. هكذا صوره معظم أدباء الإغريق مثل فيرجل في كتابه الإنيادة. في الأساطير الأتروية كان يعرف باسم تشارون وظهر بهيئة شيطان الموت ومسلح بمطرقة. في الفلكلور اليوناني الحديث أصبح يمثل ملاك الموت، أو الموت بحد ذاته. [4]

شارون يوصل أرواح الموتى عبر نهر ستيكس للدخول للعالم السفلي، اللوحة للفنان أليكسندر ليتوفتشينكو
المصدر

طقوس الدفن عند قدماء الأغريق

تحضير الجسد

يتم وضع الجسد وعرضه أولًا وغلق أقرب الأقرباء عيني الميت وفمه، ثم توضع عملة معدنية في الفم بين الأسنان لتكون دفعة لشارون ليوصله عبر نهر ستيكس. بعد ذلك تُغسل الجثة من القريبات غالبًا ويلبس الميت ما يليق بمكانته في الحياة، وبعدها توضع الجثة على سرير ليتمكن الأقرباء من تقديم وداعهم النهائي. [6]

الحداد الرسمي

تبدأ بعدها فورًا مرحلة الحداد الرسمي، وبشكل عام كان المفروض من الرجال ألا يظهروا مشاعرًا وحزنًا على الميت ويتصفون بشكل رسمي. غالبًا ما يكون رب الأسرة واقفًا بقرب الجثة لتحية الضيوف. في المقابل كانت النساء ينتحبن ويعلى صراخهم حزنًا على الميت. وتكون رئيسة المعزين والدة أو زوجة المتوفى، تقف بجانب الجثة وتمسك الرأس بيديها حزنًأ. [6]

الإكفورا

بعد عرض الجثة وبداية الحداد الرسمي تنقل الجثة إلى المدفن في موكب جنائزي يسمى إكفورا، يجري الموكب ليلًا ويشمل توقفات متعددة خلاله حتى يجذب الموكب الانتباه وذلك تكريمًا للمتوفى. في البداية كان المشيعون من أفراد الأسرة فقط، لكنهم استبدلوا لاحقًا بأشخاص مختصين وفناني أداء محترفين، واشتمل على الغناء والموسيقى.
عند الوصول للقبر يتم ممارسة الحرق أو الدفن، وهنالك معلومات قليلة عن طرق الدفن لأنها لم تمثل في الأدبيات الإغريقية، ولكنها تفاوتت بين الحرق والدفن وذلك تبعًا للموقع الجغرافي والفترة الزمنية. [6]

طقوس ما بعد الحداد

يعقب الدفن مأدبة جنائزية تسمى بريديبينيون، تتم في منزل المتوفى. كان اليونانيون لا يعتقدوا بأن الموتى سيشاركونهم في أعيادهم أي أنهم رحلوا بشكل تام، والمأدبة لمجرد الذكرى. تقدم القرابين في القبر في اليوم الثالث والتاسع والثلاثين بعد الوفاة، وفي الذكرى السنوية للوفاة. وكانت هذه القرابين منظمة للغاية. وتضمنت التضحية بالحيوانات، والتبرع بالثياب والأشياء الثمينة. [6]

رشوة شارون للعبور

إحدى العملات المستخدمة ك “أوبول” لدخول العالم السفلي، يظهر فيها الملك ديمتريوس
المصدر

ثمن العبور، أو ما يشار له باسم أوبول هو عبارة عن عملة معدنية صغيرة فضية توضع في فم المتوفي. لاحقًا تم إطلاق اسم أوبول على أي عملة معدنية. كانت هذه العملات أخف وزنًا بشكل عام. يجادل علماء الأثار في رمزية العملة في فم الميت، هل هي أجرة العبور في نظر الإغريقيين القدماء، أم هي سداد لجسد الميت بعملة من نحاس، لمنع عودة الأموات إلى أجسادهم؛ كونهم يؤمنون أن الروح تلفظ من الفم مع الأنفاس الأخيرة. [5]

المصادر:

1- worldhistory
2- greekmythology
4- britannica
5- coinweek
6- classroom.synonym

تاريخ المسرح وتطوره

لم يكن المسرح في بداياته كحاله اليوم، بل كان مرتبطًا بالطقوس الدينية. حيث كانت تُقدم مسرحيات بدائية للإله “ديونيسوس” –إله الخمر والخصوبة- عند اليونانيين القدماء. فكانت الجوقات تقوم بأداء بعض التراتيل المكتوبة كطقوس دينية. ثم تطور الأمر بالتدريج فبدأ مؤدوا الطقوس بارتداء ملابس مخصصة وأقنعة. ورغم ذلك الحين لم يكن المسرح في ذلك الوقت بالشكل الذي نعرفه اليوم.

المسرح في اليونان القديمة

 لم يكن المسرح موجودًا حتى القرن السادس قبل الميلاد. وكان ذلك تحت حكم “بيسستراتوس” حاكم أثينا، الذي أقام الكثير من المهرجانات الشعبية. تمحورت تلك المهرجانات حول الموسيقى، والرقص، والشعر.

وبحسب ما ورد في التاريخ اليوناني القديم، ألقى رجلُ يُدعى “ثيسبيس” قصيدةً شعريةً عفوية في أحد تلك المهرجانات. فأصبح له جمهوره الخاص الذي لا يبحث عن المتعة فقط بل عن الإلهام أيضًا. من هذه النقطة بالتحديد بدأ المواطنون الأثرياء بالتبرع بالمال من لدعم الفن. ولم يكن ذلك من أجل الفن فقط، بل من أجل المصالح السياسية أيضًا. ومن هنا ظهرت ضريبة خاصة لرعاية الفن، فمكنت هذه الضريبة من إنشاء العديد من المسارح المميزة ذات المقاعد الحجريةبعد أن كانت خشبية وتستند إلى تلة طبيعية في البداية.

أدى كل هذا إلى ظهور العديد من الكُتاب المسرحيين. وسرعان ما بدأوا في كتابة مسرحيات أطول بكثير، مضيفين شخصيات أكثر مع حوارٍ أطول. أدت زيادة مدة عرض المسرحيات مع جلوس الجمهور على تلك المقاعد الحجرية المزعجة لساعاتٍ طويلة إلى تألم الجمهور وتذمرهم من طول المسرحيات. ولكن ما سببته المقاعد من ضرر عوضه المسرح اليوناني بجودة الصوت.

لم يكن لدى الإغريق رفاهية مكبرات الصوت التي تجعل الصوت واضحًا لأبعد المشاهدين بالمسرح وأقلهم سمعًا، ولكن على الرغم من ذلك، كان لديهم نظام صوتي متقدم “مثيرُ للإعجاب” في حقيقة الأمر. فقد تعمّد المهندسون الإغريق تصميم مقاعد المسارح بشكل مرتفع عن عمد لتوفير رؤية واضحة للجميع أيًا كانت أماكنهم، فضلاً عن تصميم المقاعد لتعكس وتضخم الأصوات القادمة من المسرح. نتيجة لذلك، حضر آلاف الأشخاص هذه العروض، وكان معظمهم قادرًا ليس فقط على رؤية الحركة على المسرح، بل وأيضًا قادرًا على سماعها!

في نهاية المطاف، انتشرت الكلاسيكيات اليونانية عبر ثقافات وحضارات متعددة نتيجة العديد من الغزوات التي قاموا بها.

المسرح الروماني

مشهد عام يتضمن الكولوسيوم

بداية من القرن الثالث قبل الميلاد تم تقديم المسرح الروماني على غرار المسرح اليوناني، إذا وضع الممثلون الأقنعة على وجوههم، كما لم يسمحوا للإناث بالتمثيل أيضًا. ولمع نجم العديد من الكتاب المسرحيين مثل بلوتو.

انتشرت المسارح الرومانية في جميع المستعمرات اليونانية، وكان مسرح بومبي هو أول مسرح كبير بُني في روما. وتنوعت النشاطات التي استضافتها هذه المسارح كالتمثيل الإيمائي والخطب والمصارعات. وكان الكولوسيوم من أشهر المسارح الرومانية التي أُقيمت المصارعات فيها .

الصين والمسرح البدائي

أقامت الحضارة الصينية المبكرة – كالحضارة اليونانية- مهرجانات تتألف من الرقص والموسيقى. كان يحتفل بعضهم بالانتصارات العسكرية، وأقام البعض الآخر طقوسًا دينية على هيئة احتفالات راقصة، لكن هذه النسخة من المسرح بالتحديد كانت أقوى بكثير في الحضارة الصينية من نظيرتها اليونانية.

كان الاختلاف بين الحضارتين في مكان العرض نفسه. حيث لم يكن للجمهور أي مقاعد للجلوس خلال هذه المهرجانات الصينية، لذلك كان عليهم إما الوقوف أو الجلوس طوال العروض. فلم يكن هناك ما يشبه مكان يمثل المسرح كما هو معتاد عليه حتى ولو بشكلٍ بدائي. ولكن هذه النقطة كانت سببًا لانتشار هذه العروض في جميع أنحاء الصين دون الحاجة إلى بناء مسارح في أماكن محددة أو مخصصة لهذا الغرض.

انحدار المسرح في العصور الوسطى في أوروبا

على عكس الوضع الحاليّ الآن، كان معدل معرفة القراءة والكتابة في أوروبا في العصور الوسطى منخفضًا للغاية. لذا فإن السجلات المسرحية/العلمية كانت قليلة ومتباعدة في ذلك العصر.

خفت قبضة الكنيسة تدريجيًا على المسرح حيث وافقت الكنيسة على بعض العروض المسرحية. وخصوًصا المسرحيات المتعلقة بالديانة المسيحية. وذلك من أجل نشر التعاليم المسيحية بين غير المتعلمين. فقامت الكنيسة عن طريق الرهبان بأداء قصصٍ من الكتاب المقدس مباشرة أو بناءً على حياة قديسين أو شهداء.

إلى جانب ذلك، عارضت الكنيسة بعض العروض المسيئة، لذلك ضاعت بعض المسرحيات مع مرور الوقت أو تم أداؤها سراً.

كانت أماكن مشاهدة تلك العروض بطبيعة الحال في الكنائس، لذلك لم تكن أماكن مشاهدتهم أفضل بكثير من أسلافهم اليونانيين والصينيين. فكان من الممكن استمرار العروض لساعات، بينما الجمهور جالس في المقعد الخشبي الصلب المُرهق!

إن أحد أهم التطورات في الكوميديا المسرحية في تلك الفترة، هو ظهور عيد سُميّ بعيد “الحمقى” The Feast of fools. وهو مهرجان شعبي مشهور في القرون الوسطى. كانت كل فحواه هو الغناء والرقص والسخرية من رجال الدين والسياسة. اعتُبر ذلك المهرجان النواة والبذرة الأساسية للكوميديا المسرحية. وقد كان يتميز بالعربات المتنقلة، أي أن المسرح نفسه كان متنقلاً أيضًا، وكان يُقام في الهواء الطلق وبالأماكن المفتوحة فكان يجلس المشاهدون أو يقفون على الأرض.

ظهور مسرح “برودواي” بأمريكا

إذا انتقلنا في الزمن إلى أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. نجد في تلك الفترة وفي أمريكا بالتحديد، أن الميلودراما كانت تحظى بشعبية جارفة.

والميلودراما هي عمل درامي تكون فيه الحبكة عادةً مثيرة ومصممة لجذب المشاعر بقوة. وتكون مُركزة بشكل أكبر على الحوار العاطفي بدلاً من الحركات.

كانت الأعمال المسرحية الميلودرامية هي الأساس لأي عمل مسرحي في تلك الفترة. فظهر مسرح «برودواي_ Broadway» الشهير على الساحة في القرن التاسع عشر. واستمر هذا المسرح في تقديم عروضه ونجومه حتى بعد دخول السينما إلى الأجواء الأمريكية. وما يزال مسرح “برودواي” منذ ذلك الحين علامة فارقة ومستمرة إلى يومنا هذا!

تميزت المسارح في تلك الفترة بالرفاهية، وقلة سعة المسرح مقارنة بالمسرح اليوناني. فكان المسرح يسع حوالي خمسمائة متفرج فقط! ولكنهم خمسمائة متفرج سعيد وغير مُرهق نتيجة رفاهية المسرح وتوافر كافة وسائل الطعام والشراب والرفاهية التي بالتأكيد لم تكن متوفرة لدى الجانب اليوناني القديم. فكانت المسارح باهظة التكاليف وغير متاحة للمواطن العادي البسيط بل لعلية القوم!

دخول السينما وتراجع دور المسرح

شعرت العديد من الشركات المسرحية بالتهديد مع ظهور السينما في أوائل القرن العشرين. ففي البداية، عندما كان لديهم فقط أفلام صامتة للتعامل معها، كانت هناك ميزة واضحة بالتأكيد لمشاهدة مسرحية بدلاً من فيلم. ولكن، ظهرت المشكلة لعشاق المسرح مع دخول الصوت إلى عالم السينما و ذلك بالتحديد عام 1927م.

من هنا، انتشرت دور السينما في جميع أنحاء البلاد. وقدموا نفس المقاعد الفخمة مثل برودواي، ونفس مستوى الرفاهية والطعام والشراب. بل وعلاوةً على ذلك قدمت دور السينما أيضًا إمكانية رؤية أعجوبة تكنولوجية. وهي شاشة السينما!

عصر جديد مع ظهور التلفاز

مع مرور الوقت، انتقلت الأفلام من المسرح والسينما إلى منازلنا. ولم يعد يتعين على الناس الخروج لمشاهدة هذه القصص والمغامرات. بل يمكنهم البقاء في منازلهم مرتاحين بدلاً من ذلك. ففي الوقت الحاضر، يتم تشغيل الأفلام على القنوات التلفزيونية ، أو على مواقع مثل نيتفليكس حيث تسمح للجمهور بمشاهدة الفيلم داخل منازلهم.

لقد تطورت طريقة تأدية القصص مع كل عصر، من المسارح اليونانية المكشوفة وحتى صالات السينما الحديثة. ورغم ظهور التقنيات الحديثة في التصوير والمؤثرات السينمائية، إلا أن المسرح لا يزال يمتلك سحرًا يجذبنا دائماً.

المصادر:

A Brief History of Theater

nationaltheatre

الشتاء قادم، كيف نجا الإنسان العاقل من جليد الشمال القارص

قبل 40 ألف سنة في أوروبا لاحق الإنسان العاقل الحيوانات واصطادها، واستكشف غابات أوروبا ومراعيها لأول مرة. لكن مع تقدم الزمن بدأ كل شيء يتغير. فبحلول عام 28 ألف ق.م بدأت الطبقات الجليدية تتقدم وتنهي كل شيء في طريقها. معظم أوروبا الشمالية أصبحت تحت الجليد ولكن على عكس المتوقع بقي الإنسان العاقل في أوروبا، اصطاد وعاش في المناطق الجليدية. طور عادات وسلوكيات خاصة كانت أساسًا لحضارتنا اليوم. وتمكن من النجاة من أخر عصر جليدي مدمر ضرب الأرض.

صيادو الشمال المتجمد

ظهرت الحضارة <<الكرافيتية-Gravettian culture>> في أوروبا بدايتًا من سنة 28 ألف قبل الميلاد. و  الكرافيتيين هم مجموعة من الصيادين الذين تمكنوا من الصمود والاصطياد في الظروف الجليدية الصعبة. فأوروبا بين 28 و20 ألف ق.م كانت ترزح تحت طبقات الجليد السميكة حتى عدة كيلومترات. دول مثل إنجلترا والدنمارك والنرويج اليوم كانت وقتها عبارة عن طبقات من الجليد السميك.

لا نعلم بالضبط اليوم ماذا نادى الكرافيتيون بعضهم. لكن اليوم أعطاهم علماء الآثار هذا الإسم نسبة للمواقع الأثرية التي وجدو أثرًا لهم فيها. لقد سكنوا بشكل عام على طول طريق تنقل الحيوانات الكبيرة. ففي تلك الفترة كانت أوروبا تعج بحيوان الماموث مثلًا. ومع أن فروه كثيف إلا انه كان يكره البرد. لذلك كان عندما تشتد برودة الطقس ينتقل نحو جنوب القارة الأوروبية وعلى طول مسار تنقله وجدت آثار الكرافيتيين. (1)

أول معطف في التاريخ

رسم تخيلي يظهر معطف من الثقافة الكرافيتية(مواقع التواصل)

بشكل أو بأخر يمكننا اعتبار أن صناعة الملابس للتدفئة هي اختراع يعود للثقافة الكرافيتية. فمع ازدياد البرودة أخذ الكرافيتيان الفرو والجلد وصنعوا ملابسًا اهم. يعتبر العلماء اليوم أن أول من بدأ الخياطة بإبر مصنوعة من العظام مع نوع من الخيوط هم الكرافيتين. بالإضافة إلى الملابس صنع الكرافيتيان الأحذية. لكن الخياطة كانت عمل نسائي ولم تكن بالشيء السهل. فكان على النساء اختيار أنواع الجلد ثم مضغها لتنعيمها ثم ثقبها ، بالأسنان على الأرجح، من أجل خياطتها في النهاية.

لكن ما يلفت نظر العلماء اليوم ليس فكرة اختراع الملابس بالتحديد. فالكرافيتيين لم يرتدوا الملابس بغرض التدفئة فقط وعلى الأرجح كان لها بعدٌ أخر عندهم. ففي أحد الكهوف وجد هيكل عظمي مدفون بجانبه صخرة المغرة. في الغالب كان لرجل وكان يرتدي رداء مميز من الجلد. مزين بكريات صغيرة من عظام الماموث مثقوبة في المنتصف. وووجدت أربطة على الرأس لم نعلم بالتحديد إذا كان لشاب أو عجوز. لكن من الواضح ان الرداء هذا ليس مجرد لباس اعتيادي للتدفئة. فصنعه استغرق عملًا لأكثر من سنة. لذلك يعتقد العلماء أنه يرمز لشيء أخر.

في مجتمع صيادين وفي هذه الظروف الجليدية كان الانضمام للمجموعات مهمًا للغاية. فالأمر ليس كما في الجنوب الدافئ تأتي الفريسة اليك. في التندرا الباردة تكون المعركة أكثر شراسة والمخاطر أعلى. لذلك نرى من الواضح ظهور نوع من المركزية في البنى الاجتماعية شيء قريب من فكرة زعيم القبيلة كما نعرفها اليوم.(2)

فينوس العصر الحجري

لم تقتصر الرمزية عند صيادي أوروبا الأوائل على السلطة. بل ظهر في هذه الفترة واحد من أكثر الرموز المثيرة للاهتمام وقد أشتهر وانتشر بشكل كبير وهو تمثال فينوس. المرأة العارية بالطبع ليس له علاقة بإلهة الحب في اثينا بل كان مرتبطًا أكثر بالخصوبة والحماية. لا نعلم تحديدا هدفه، هذا النوع من التماثيل لنساء أكثر ما يبرز فيها هو صدرها الكبير وحوضها وبطنها الكبير. وكانت هذه التماثيل صغيرة الحجم. نعلم انها كانت تدفن بجانب النار في الرمل ربما كان الهدف منها اعطاء القوة والحماية للكوخ. وجد الكثير منها بمختلف الاشكال والاحجام فقد تم صناعتها بأعداد كبيرة نوعًا ما.

وهذه التماثيل مع اختلافها تظهر نوعًا من الجمالية. فالأمر ليس فقط بأنهم يخيطون ملابسهم او يصنعون تماثيل بل يحاولون في الواقع خلق نوع من الموضة. نوع من التمثيل لفكرة الأنثى البشرية المجردة وفكرة الخصوبة بشكل عام.

إقرأ أيضًا: البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

الشامان، ساحر الشمال الأول

جلست عائلة من الكرافيتيين في وسط كوخهم المصنوع من الاخشاب والجلود وعظام الماموث. يتسع الكوخ ل 12 إلى 15 شخص وهم متحلقين حول النار التي تشتعل في وسطه. تروي لهم الجدة والجد حكايات عن أسلافهم واساطيرهم القديمة عن الماموث العملاق والروح المقدسة والدب العظيم لمئات المرات قبل أن ينتهي الشتاء. وكانت هذه القصص تنقل عبر الأجيال مما جعل هذه الاكواخ ليست فقط للاحتماء بل لها دور  احتفالي مقدس أيضًا. فعند سرد تقاليد العشيرة مرارًا وتكرارًا ينتج نوع من التماسك. فتصبح هذه الاكواخ اماكن شبه مقدسة.

جزء من العالم الخارجي الذي يحتمي منه الكرافيتيين هو عالم مليء بالحيوانات القوية الشرسة. وبما أن عبادة الأسلاف صفة مشتركة مع شعوب السافانا فإن لها دورًا حقيقيًا في الصيد. المشكلة في الأراضي الجدليدية المفتوحة لن تأتي الفريسة إلى الصياد أبدًا. لذلك كان عليه أن يطور فكرة أخرى عن عبادة الأسلاف. لذلك طوروا علاقة خاصة مع الحيوانات التي تبنى بعض الصيادين شخصياتها.

فإذا أخذنا الدببة كمثال عند سلخه يبدو كالإنسان. جلد أبيض لديه يدين وقدمين يشبه الانسان فاعتبره الكرافيتيون انه انسان ضخم. وعندما ترتدي جلد الدب ستصبح أنت أيضًا دب. لذلك وجدت علاقة بين الدب والانسان الذي يخرج مع الانسان ويتشارك معنا ذات انواع الطعام. لذلك كان هنالك نوع من الطقوس تحدث من اجل اصطياد الدب فكانت العلاقة والطقوس كنوع من طلب الانسان من الدب ان يضحي بنفسه لأجل حياة الانسان. فبمخيلة الكرافيتيين ربما كان هذا الدب روح احد الأسلاف.

من هنا ظهرت الحاجة لوجود الشامان. وهو ساحر قادر على التواصل مع عالم الأرواح. انتشر بشكل واسع في معظم المجتمعات الشمالية. وساعد الانسان بالتواصل مع عالم الارواح التي كانت تنتشر في كل مكان حسب ظنهم. وكانوا غالبًا يحملون معه أدوات كالطبول لتساعدهم في مهمتهم.

هناك رسم يظهر العالمين عالم البشر وعالم الارواح مفصولين يمكن للشامان ايضا ان يشفوا فهم يعرفون الكثير عن النبات

مهد الحضارة

بحلول سنة 10 الاف قبل الميلاد كانت الأراضي المفتوحة الجليدية في أوروبا قد اختفت وحلت مكانها الأعشاب والأشجار والمراعي مرة أخرى. اختفت ثقافة الكرافيتية معها وحلت مكانها ثقافة أخرى تسمى بالمجدلية. أعادت الحياة إلى الكهوف في أوروبا وجعلتها من أجمل الأعمال الفنية التي مرت على التاريخ البشري. لم ينتهي العصر الجليدي كما بدأ بل خلاله تعلم البشر وطوروا سلوكياتهم وقدراتهم العقلية وتمكنوا من الصمود. أن حصيلة معارفنا او تطورنا الفكري والاجتماعي ليس كما هو شائع قد حدث عندما خرج البشر من الكهوف وبنوا أولى القرى. بل إن جذورها أقدم من ذلك بكثير فهي تعود إلى أخر عصر جليدي مر علينا. (3)

المصادر

  1. The Gravettian on the Middle Danube
  2. The Eastern Gravettian “Kostenki Culture” as an Arctic adaptation
  3. Climate Change in Prehistory: The End of the Reign of Chaos

البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

تخيل معي أنك تقف الان أمام أقدم ملجئ سكنه البشر الأوائل (العقلاء). كيف يمكن أن تتخيل حياتهم؟ كيف تصرفوا؟ ماذا أكلوا؟ ما هو شكل علاقتهم الاجتماعية؟ سلوكهم سويًا ومع باقي الأنواع الحية، حياتهم الروحية وهل كان لهم واحدة أصلًا؟ في هذا التقرير سنطرح أمامكم كل ما نعرفه ونفترضه عن حياة الإنسان العاقل في مراحلها المبكرة. وسنناقش نشوء سلوكه الاجتماعي في أحد أهم المواقع التي عثر فيها على أقدم الآدلة الآثرية المرتبطة به. وهو كهف بلومبوس في جنوب إفريقيا.

نقف الان على الساحل الجنوبي لقارة إفريقيا، تسمى هذه المنطقة بالسافانا وتعتبر حارة جدًا اليوم لدرجة أنها باتت تشبه الصحاري. لكن الأمر لم يكن كذلك في المئة ألف سنة الماضية، كان مناخها ألطف وأكثر مطرًا وبرودة مما هو عليه اليوم. انتشرت في هذه المنطقة الهضاب والسهول. وكانت تحتوي مئات البحيرات التي لا تزال قيعانها الرملية تظهر على خرائط غوغل كنقاطٍ بيضاء اليوم. وحسب توزع هذه البحيرات وبما أن العديد من الكهوف تظهر في هذه المنطقة قسمها علماء الآثار إلى بقعتين: الأولى وهي منطقة البحيرات والثانية هي منطقة الكهوف والملاجئ الصخرية.(1)

ومباشرة قبالة الشاطئ على سفح التل القريب يقع <<كهف بلومبوس-Blombos cave>>. المسافة بين الكهف والبحر صغيرة نسبيًا وغير مناسبة لأعمال الصيد والمعيشة، لكنها لم تكن كذلك قبل الخمسة ألاف سنة الماضية. فقد كان مستوى مياه البحر أكثر انخفاضًا بنسبة 50 الى 100 متر مما هو عليه اليوم. ولكن عند بحلول سنة 5000 قبل الميلاد بدأت معدلات الحرارة بالإرتفاع عالميًا فارتفع معها مستوى المياه ووصل إلى ما هو عليه اليوم. إذا فقد كان أمام الكهف مساحات شاسعة للصيد وأعمال الحياة اليومية للبشر الأوائل.(1)

كهف بلومبوس
By Vincent Mourre / Inrap – Own work, CC BY-SA 3.0,

ماذا أكل البشر الأوائل؟

إن ما يميز كهف بلومبوس هو أنه سكن من فترات العصر الحجري القديم والوسيط. وهي فترة ممتدة من 125 ألف الى 75 ألف قبل الميلاد. وخلال هذه الفترة تغيرت أنواع الطرائد التي اصطادها البشر. فبين سنة 125 و 82 ألف قبل الميلاد. اعتاد البشر على أكل الحيوانات صغيرة الحجم إجمالًا كالأسماك <<والوبريات-Hyraxes>> وهي حيوانات بحجم الأرانب بالإضافة لحيوان <<الخلد الشحمي- dune mole>> وحيوانات الماشية الصغيرة. ومع تقدم الفترات الزمنية وازدياد قدرات الإنسان ومعرفته تمكن من اصطياد الحيوانات الأكبر. فحوالي سنة 75 الف قبل اليوم كان قد تمكن من اصطياد أنواع الماشية الكبيرة وأكلها.

في الغالب فإن عملية الصيد هذه لم تكن تعتمد فقط على جودة وفعالية الأسلحة وأدوات الصيد. بل على معرفة الإنسان لفسيولوجيا هذه الحيوانات التي أراد صيدها. وفهمه أن أحجامها الكبيرة تعطيها سرعة أكبر لكنها بعد بضع ساعات ستحتاج للتوقف عندما ترتفع حرارة اجسادها وإلا ستموت. لذلك كان يتم اختيار أسرع الرجال لهذه المهمة وبعد 3 إلى 4 ساعات من مطاردة الحيوان كان يقع ميتًا. ويتحول لوجبة لذيذة على العشاء.(2)(3)

ماذا صنع البشر الأوائل؟

في الحقيقة، إن دراستنا للأسلحة والأدوات التي صنعها البشر الأوائل إن كان في جنوب إفريقيا أو في أي مكان أخر من العالم. لا تساعدنا فقط على فهم أنواع الحيوانات التي اصطادوها. بل على تحديد مستوى التطور الفكري للإنسان ومدى تطور سلوكه الاجتماعي.

نحن لسنا مجرد مفترسين صانعين للأدوات وصناعة الأدوات لا تعتمد فقط على تقنية التصنيع. فالبشر الأوائل كانوا بحاجة لمعرفة أنواع الصخور التي يجب استخدمها وأين يمكن أن توجد هذه الأنواع. بالإضافة لطريقة استخراجها ومن ثم تقنية ضربها لتتحول لسلاح قاتل. ومع ذلك كان يوجد حاجة لمعرفة المسافات وطرق التنقل. فليس من السهل نقل الصخور دائمًا لتصنع في المساكن وفي بعض الأحيان كان من الأسهل صنعها قرب مكان استخراجها.(4)

وبعد ذلك حافظ الإنسان على هذه التنقية ونقلها من جيل لجيل فهي لم تكن مكتوبة في كتاب بل كان الأب يعلمها لابنه ويدله على طريق الصخور المناسبة.

بعض الأدوات التي وجدت في الكهف
By Katja Douze Sarah Wurz Christopher Stuart Henshilwood CC BY 4.0,

المغرة

الصيد والطعام ليسا الجانب الوحيد في حياة الإنسان العاقل. في كهف بلومبوس أيضًا عثر على <<صخرة المغرة-Ochre>>. وهي نوع من الصخور الهشة التي لا تصلح ليصنع منها سلاحًا، بل كان استخدامها مختلف كليًا عن هذا.

لا يمكن أن نعرف بالتحديد ما الذي كانت تعنيه المغرة لسكان كهف بلومبوس الأوائل. لكن بعض القبائل الإفريقية اليوم التي ما زالت تعيش حياة بدائية تخبرنا عن معنى المغرة بالنسبة لها. إنها تعني الدماء عند بعضهم نظرًا للونها الأحمر والخصوبة إذا ربطنها بدماء الدورة الشهرية عند النساء. في ؛<ناميبيا-Namibia>> في إفريقيا ما زالت عدة قبائل تستخدم المغرة. والنساء هي المسؤولة عن استخراجها وتصنيعها. تقوم بعد ذلك بمزجها مع الدهون والاعشاب المطيبة ثم تدهن الجسد بها فيصبح كأن لونهن أحمر. وللأسف إذا اخذنا مثلًا أقرب سنجد أن السكان الأصليين لأميركا أيضا كانوا يطلون أنفسهم باللون الأحمر. قبل الحرب أو الطقوس الدينية والجنائزية وهذا ما سبب تسميتهم بالهنود الحمر.(5)

لكن لنفهم معظم أبعاد استخدام هذا النوع من الصخور عند البشر الأوائل، لا بد من ذكر سكان جزيرة <<أندامان-Andaman>> شرقي الهند وهو يعتبرون من أقدم البشر الذين ما يزالون يعيشون حياة بدائية هي الأقرب لأسلافنا الأوائل. فعند هذا الشعب لاستخدام المغرة معنى أخر بعيد جدًا عن اللون الأحمر وهو مرتبط بشكل كبير بالرائحة.

إن الفرد من هذه المجموعة، وهذا التعبير خطأ فهم لا يعترفون بالانا كفرد بل إن الفرد منهم هو كل أسلافه مجتمعين بشخصه. كان يجب عليه أن يطلي جسده بالمغرة لكي تتمكن أرواح أسلافه، الغير مادية،من التعرف عليه بعد وفاته عن طريق رائحته المميزة. بشكل أو بأخر بالنسبة لهم فإن مسألة عبادة الأسلاف هذه كانت تستحق كل هذه الطقوس. فالأسلاف بنظرهم كانوا قادرين على مساعدتهم بالصيد والشؤون الحياة اليومية وليتمكن الفرد منهم من الاجتماع مع اسلافه كان لزامًا عليه أن يستعمل المغرة.

إقرأ أيضًا: تاريخ الإنسان العاقل، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؟

أول الرموز الفنية

صخرة المغرة المحفورة برموز إكس
By https://originalrockart.wordpress.com/ – https://originalrockart.wordpress.com/, CC BY-SA 4.0,

ان جميع ما تحدثنا عنه في هذا التقرير هو فرضيات مبنية على أدلة أثرية مستخرجة من كهف بلمبوس. وقد عثر في الكهف أيضا على صخرة حفر عليها رموز إكس “X” متشابكة وهو أمر غريب جدًا. ويعتبر بداية للشيء لم يكن معروف سابقًا على الأرض وهو الفن.(5)

بالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا فإيجاد تفسير لهذه الصخرة كان أمرًا صعبًا، لكن الأقرب إلى الواقع كان فرضية أنها تمثل إرث العائلة. كان يتم الاحتفاظ بها داخل العائلة الواحدة وتسلم من جيل إلى جيل كمفتاح سحري يربط العائلة ببعضها. أما إذا ضاعت فكانت تحل الكوارث عليهم.

لقد وجد في الكهف أيضًا رمز أخر لا يقل أهمية عن هذه الصخرة وهو عقد من الصدف. بالطبع قد اختفى الخيط منه لكن لا تزال علامات الحفر في وسط الأصداف ظاهرة. ومن الواضح أن مادة لامعة قد وضعت داخل هذه الأصداف. ومن الشائع قديمًاأإن كل ما يلمع يعتبر بوابة بين عالم الأحياء وعالم الروح. لكن لا نعلم اليوم بالضبط من كان يرتدي هذا العقد. ولو أن أغلب أغلب أنه يعود لرجل وهو رمزٌ لسلطته على أفراد جماعته.(6)

الرقص

يعد الرقص للبشر الأوائل من أهم طرق التواصل الاجتماعي وليس مجرد طقوس للتسلية. وكانت بعض الرقصات تدوم لأسابيع وشهور. الغرض من الرقص هو لقاء الشبان بالفتيات والزواج، وخصوصا إن كان يتم بين عدة جماعات مختلفة. ومن الأمور التي كان للرقص دور فيها هو تبادل الأغراض. فالجماعة التي تملك الكثير من الأسماك كانت تلتقي خلال طقوس الرقص مع جماعة تملك الصخور وهكذا يتم التبادل مثلًا.

اذًا كان الرقص وغيره العديد من العادات الاجتماعية المرتبطة بالبشر الأوائل تشكل جزئًا كبيرًا من حياتهم اليومية. أكثر من 60% من يومهم قضوه بالرقص وممارسة العادة الفنية المتعلقة بالأجداد كالرسم الرمزي على جدران الكهوف. والذي وجدنا منه الألاف في شتى انحاء العالم اليوم وهو رسم للطبيعة والحيوانات كنوع من الطقوس السحرية ربما كانت تتم لجلب الحيوانات أو للمساعدة على الصيد.

بشكل أو بأخر من غير العادل أن نطلق على البشر الأوائل صفة الصيادين الجامعين فقط لكون جزء من حياتهم اليومية تتعلق بالصيد. واذا أردنا ذلك لا يجب أن ننزعج إذا ما أطلق علينا بشر المستقبل صفة رواد المتاجر أو المتسوقين. فقط لأننا نزور المتاجر لنتسوق حاجاتنا اليومية منها.

المصادر

  1. Climate, Environment and Early Human Innovation: Stable Isotope and Faunal Proxy Evidence from Archaeological Sites (98-59ka) in the Southern Cape, South Africa
  2. Blombos Cave, Southern Cape, South Africa: Preliminary Report on the 1992–1999 Excavations of the Middle Stone Age Levels
  3. Identifying the Collector: Evidence for Human Processing of the Cape Dune Mole-Rat,Bathyergus suillus, from Blombos Cave, Southern Cape, South Africa
  4. Early Use of Pressure Flaking on Lithic Artifacts at Blombos Cave, South Africa
  5. Engraved ochres from the Middle Stone Age levels at Blombos Cave, South Africa
  6. Nassarius kraussianus shell beads from Blombos Cave: evidence for symbolic behaviour in the Middle Stone Age

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

Exit mobile version