تاريخ المسرح وتطوره

لم يكن المسرح في بداياته كحاله اليوم، بل كان مرتبطًا بالطقوس الدينية. حيث كانت تُقدم مسرحيات بدائية للإله “ديونيسوس” –إله الخمر والخصوبة- عند اليونانيين القدماء. فكانت الجوقات تقوم بأداء بعض التراتيل المكتوبة كطقوس دينية. ثم تطور الأمر بالتدريج فبدأ مؤدوا الطقوس بارتداء ملابس مخصصة وأقنعة. ورغم ذلك الحين لم يكن المسرح في ذلك الوقت بالشكل الذي نعرفه اليوم.

المسرح في اليونان القديمة

 لم يكن المسرح موجودًا حتى القرن السادس قبل الميلاد. وكان ذلك تحت حكم “بيسستراتوس” حاكم أثينا، الذي أقام الكثير من المهرجانات الشعبية. تمحورت تلك المهرجانات حول الموسيقى، والرقص، والشعر.

وبحسب ما ورد في التاريخ اليوناني القديم، ألقى رجلُ يُدعى “ثيسبيس” قصيدةً شعريةً عفوية في أحد تلك المهرجانات. فأصبح له جمهوره الخاص الذي لا يبحث عن المتعة فقط بل عن الإلهام أيضًا. من هذه النقطة بالتحديد بدأ المواطنون الأثرياء بالتبرع بالمال من لدعم الفن. ولم يكن ذلك من أجل الفن فقط، بل من أجل المصالح السياسية أيضًا. ومن هنا ظهرت ضريبة خاصة لرعاية الفن، فمكنت هذه الضريبة من إنشاء العديد من المسارح المميزة ذات المقاعد الحجريةبعد أن كانت خشبية وتستند إلى تلة طبيعية في البداية.

أدى كل هذا إلى ظهور العديد من الكُتاب المسرحيين. وسرعان ما بدأوا في كتابة مسرحيات أطول بكثير، مضيفين شخصيات أكثر مع حوارٍ أطول. أدت زيادة مدة عرض المسرحيات مع جلوس الجمهور على تلك المقاعد الحجرية المزعجة لساعاتٍ طويلة إلى تألم الجمهور وتذمرهم من طول المسرحيات. ولكن ما سببته المقاعد من ضرر عوضه المسرح اليوناني بجودة الصوت.

لم يكن لدى الإغريق رفاهية مكبرات الصوت التي تجعل الصوت واضحًا لأبعد المشاهدين بالمسرح وأقلهم سمعًا، ولكن على الرغم من ذلك، كان لديهم نظام صوتي متقدم “مثيرُ للإعجاب” في حقيقة الأمر. فقد تعمّد المهندسون الإغريق تصميم مقاعد المسارح بشكل مرتفع عن عمد لتوفير رؤية واضحة للجميع أيًا كانت أماكنهم، فضلاً عن تصميم المقاعد لتعكس وتضخم الأصوات القادمة من المسرح. نتيجة لذلك، حضر آلاف الأشخاص هذه العروض، وكان معظمهم قادرًا ليس فقط على رؤية الحركة على المسرح، بل وأيضًا قادرًا على سماعها!

في نهاية المطاف، انتشرت الكلاسيكيات اليونانية عبر ثقافات وحضارات متعددة نتيجة العديد من الغزوات التي قاموا بها.

المسرح الروماني

مشهد عام يتضمن الكولوسيوم

بداية من القرن الثالث قبل الميلاد تم تقديم المسرح الروماني على غرار المسرح اليوناني، إذا وضع الممثلون الأقنعة على وجوههم، كما لم يسمحوا للإناث بالتمثيل أيضًا. ولمع نجم العديد من الكتاب المسرحيين مثل بلوتو.

انتشرت المسارح الرومانية في جميع المستعمرات اليونانية، وكان مسرح بومبي هو أول مسرح كبير بُني في روما. وتنوعت النشاطات التي استضافتها هذه المسارح كالتمثيل الإيمائي والخطب والمصارعات. وكان الكولوسيوم من أشهر المسارح الرومانية التي أُقيمت المصارعات فيها .

الصين والمسرح البدائي

أقامت الحضارة الصينية المبكرة – كالحضارة اليونانية- مهرجانات تتألف من الرقص والموسيقى. كان يحتفل بعضهم بالانتصارات العسكرية، وأقام البعض الآخر طقوسًا دينية على هيئة احتفالات راقصة، لكن هذه النسخة من المسرح بالتحديد كانت أقوى بكثير في الحضارة الصينية من نظيرتها اليونانية.

كان الاختلاف بين الحضارتين في مكان العرض نفسه. حيث لم يكن للجمهور أي مقاعد للجلوس خلال هذه المهرجانات الصينية، لذلك كان عليهم إما الوقوف أو الجلوس طوال العروض. فلم يكن هناك ما يشبه مكان يمثل المسرح كما هو معتاد عليه حتى ولو بشكلٍ بدائي. ولكن هذه النقطة كانت سببًا لانتشار هذه العروض في جميع أنحاء الصين دون الحاجة إلى بناء مسارح في أماكن محددة أو مخصصة لهذا الغرض.

انحدار المسرح في العصور الوسطى في أوروبا

على عكس الوضع الحاليّ الآن، كان معدل معرفة القراءة والكتابة في أوروبا في العصور الوسطى منخفضًا للغاية. لذا فإن السجلات المسرحية/العلمية كانت قليلة ومتباعدة في ذلك العصر.

خفت قبضة الكنيسة تدريجيًا على المسرح حيث وافقت الكنيسة على بعض العروض المسرحية. وخصوًصا المسرحيات المتعلقة بالديانة المسيحية. وذلك من أجل نشر التعاليم المسيحية بين غير المتعلمين. فقامت الكنيسة عن طريق الرهبان بأداء قصصٍ من الكتاب المقدس مباشرة أو بناءً على حياة قديسين أو شهداء.

إلى جانب ذلك، عارضت الكنيسة بعض العروض المسيئة، لذلك ضاعت بعض المسرحيات مع مرور الوقت أو تم أداؤها سراً.

كانت أماكن مشاهدة تلك العروض بطبيعة الحال في الكنائس، لذلك لم تكن أماكن مشاهدتهم أفضل بكثير من أسلافهم اليونانيين والصينيين. فكان من الممكن استمرار العروض لساعات، بينما الجمهور جالس في المقعد الخشبي الصلب المُرهق!

إن أحد أهم التطورات في الكوميديا المسرحية في تلك الفترة، هو ظهور عيد سُميّ بعيد “الحمقى” The Feast of fools. وهو مهرجان شعبي مشهور في القرون الوسطى. كانت كل فحواه هو الغناء والرقص والسخرية من رجال الدين والسياسة. اعتُبر ذلك المهرجان النواة والبذرة الأساسية للكوميديا المسرحية. وقد كان يتميز بالعربات المتنقلة، أي أن المسرح نفسه كان متنقلاً أيضًا، وكان يُقام في الهواء الطلق وبالأماكن المفتوحة فكان يجلس المشاهدون أو يقفون على الأرض.

ظهور مسرح “برودواي” بأمريكا

إذا انتقلنا في الزمن إلى أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. نجد في تلك الفترة وفي أمريكا بالتحديد، أن الميلودراما كانت تحظى بشعبية جارفة.

والميلودراما هي عمل درامي تكون فيه الحبكة عادةً مثيرة ومصممة لجذب المشاعر بقوة. وتكون مُركزة بشكل أكبر على الحوار العاطفي بدلاً من الحركات.

كانت الأعمال المسرحية الميلودرامية هي الأساس لأي عمل مسرحي في تلك الفترة. فظهر مسرح «برودواي_ Broadway» الشهير على الساحة في القرن التاسع عشر. واستمر هذا المسرح في تقديم عروضه ونجومه حتى بعد دخول السينما إلى الأجواء الأمريكية. وما يزال مسرح “برودواي” منذ ذلك الحين علامة فارقة ومستمرة إلى يومنا هذا!

تميزت المسارح في تلك الفترة بالرفاهية، وقلة سعة المسرح مقارنة بالمسرح اليوناني. فكان المسرح يسع حوالي خمسمائة متفرج فقط! ولكنهم خمسمائة متفرج سعيد وغير مُرهق نتيجة رفاهية المسرح وتوافر كافة وسائل الطعام والشراب والرفاهية التي بالتأكيد لم تكن متوفرة لدى الجانب اليوناني القديم. فكانت المسارح باهظة التكاليف وغير متاحة للمواطن العادي البسيط بل لعلية القوم!

دخول السينما وتراجع دور المسرح

شعرت العديد من الشركات المسرحية بالتهديد مع ظهور السينما في أوائل القرن العشرين. ففي البداية، عندما كان لديهم فقط أفلام صامتة للتعامل معها، كانت هناك ميزة واضحة بالتأكيد لمشاهدة مسرحية بدلاً من فيلم. ولكن، ظهرت المشكلة لعشاق المسرح مع دخول الصوت إلى عالم السينما و ذلك بالتحديد عام 1927م.

من هنا، انتشرت دور السينما في جميع أنحاء البلاد. وقدموا نفس المقاعد الفخمة مثل برودواي، ونفس مستوى الرفاهية والطعام والشراب. بل وعلاوةً على ذلك قدمت دور السينما أيضًا إمكانية رؤية أعجوبة تكنولوجية. وهي شاشة السينما!

عصر جديد مع ظهور التلفاز

مع مرور الوقت، انتقلت الأفلام من المسرح والسينما إلى منازلنا. ولم يعد يتعين على الناس الخروج لمشاهدة هذه القصص والمغامرات. بل يمكنهم البقاء في منازلهم مرتاحين بدلاً من ذلك. ففي الوقت الحاضر، يتم تشغيل الأفلام على القنوات التلفزيونية ، أو على مواقع مثل نيتفليكس حيث تسمح للجمهور بمشاهدة الفيلم داخل منازلهم.

لقد تطورت طريقة تأدية القصص مع كل عصر، من المسارح اليونانية المكشوفة وحتى صالات السينما الحديثة. ورغم ظهور التقنيات الحديثة في التصوير والمؤثرات السينمائية، إلا أن المسرح لا يزال يمتلك سحرًا يجذبنا دائماً.

المصادر:

A Brief History of Theater

nationaltheatre

تاريخ الخرسانة

يقضي مُعظم الناس حياته عليها. سواء بالمنزل، أو بالشارع، أو بمقر العمل، أو بأي مبنى آخر يدخله المرء، فهي موجودة لا محالة. وبدونها سيبدو العالم المتقدم والمتطور الذي نعيش به مختلفًا اختلافًا جذريًا.

فهل علمت ما هي؟

-إنها الخرسانة.

على الرغم من أهميتها في حياتنا، إلا أنّ معظم البشر لا يعرفون كيف وأين صُنعت.

فهل هي قديمة؟ أم اختُرعت حديثًا مثل التلفاز أو الهاتف؟ ومن قام بابتكارها؟ وأين؟

تعالوا معي لنكتشف بعض المعلومات المثيرة عن تلك المادة الفارقة في تاريخنا.

ما هي الخرسانة؟

قبل الخوض في تاريخ الخرسانة وكيف وأين صُنعت، يجب أولاً تصحيح مفهوم خاطئ: وهو أن الخرسانة هي الإسمنت.

على الرغم من أن الكلمتين غالبًا ما يتم الخلط بينهما، إلا أن هناك فرقًا رئيسيًا واحدًا: وهو أن الإسمنت مكون من مكونات الخرسانة.[1][2][3]

يُصنع الإسمنت من مجموعات مختلفة من الحجر الجيري، والطين، والحصى، والطباشير، والصخر الزيتي، والأردواز، ورمل السيليكا. يتم سحق/طحن هذه المكونات ثم تسخينها في درجات حرارة عالية للغاية لإنتاج مادة تسمى الكلنكر-وهي مادة أسمنتية صلبة للغاية- ثم يُضاف الجبس إلى الكلنكر، ويُطحن الخليط بالكامل جيدًا لإنتاج مسحوق الإسمنت.[1][2][3]

يُضاف الماء بعد ذلك، فتقوم جزيئات الماء بعمل روابط كيميائية مع المعادن الموجودة في مسحوق الإسمنت، وهذه المعادن هي: الكالسيوم، والسيليكون، والألمنيوم، والحديد، وغيرها. مع انتهاء هذه العملية، يتبخر الماء ويجف المعجون، تاركًا وراءه هذه الروابط في مادة تشبه الصخور. وحينها: نحصل على الخرسانة.[1][2][3]

نعلم ممّا سبق أن الخرسانة هي عبارة عن خليط من عجينة الإسمنت والماء وركام الرمل والصخور.

الأنباط هم أول من استخدموا الخرسانة!

يوجد تاريخ طويل ومثير للإعجاب لهذه المادة منذ آلاف السنين. وعلى الرغم من صعوبة تصديق أن وجودها يرجع إلى ذلك العصر القديم -نظرًا لصعوبة تقنية تصنيعها وتشغيلها- إلا أنها قد استُخدمت بالفعل من قبل النبطيين الذين احتلوا وسيطروا على سلسلة من الواحات في مناطق جنوب سوريا وشمال الأردن منذ حوالي 6500 قبل الميلاد. وهم الذين قاموا ببناء مدينة البتراء بالأردن،التي تُعد أحد أكثر الأماكن الأثرية شهرةً في العالم. وكان كل هذا بسبب اكتشافهم لمزايا الجير الهيدروليكي. -أي الإسمنت الذي يتصلب تحت الماء-

كان النبطيون بحلول عام 700 قبل الميلاد يقومون ببناء منازل ذات جدران، وأرضيات خرسانية، وصهاريج/خزانات مقاومة للماء تحت الأرض. ظلت الصهاريج في طي الكتمان وكانت أحد الأسباب التي أدت إلى ازدهار الأنباط في الصحراء.[1][3][4]

أدرك النبطيون الحاجة إلى الحفاظ على المزيج جافًا بحيث يكون المحتوى المائي بأقل نسبة ممكنة. لأن الماء الزائد يؤدي إلى إحداث فراغات ونقاط ضعف في الخرسانة. ولذلك كانوا يقومون بدكّ الخرسانة والتي بدورها تقوم بتثبيت وربط المكونات بشكل أكبر.[1]

بناء أهرامات الجيزة وسور الصين العظيم بالخرسانة!

تم العثور عند الفراعنة على دلائل-تعود إلى أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد- من عينات تم أخذها من أهرامات الجيزة. تشير إلى استخدامهم لمونة من الجبس ومونة من الجير والطين الممزوج بالقش لترتبط أكثر بالحجارة المُستخدمة في البناء. ويُقدّر حجم المونة المستخدمة في بناء الهرم الأكبر بحوالي 500,000 طن من المونة![1][3][4]

وفي نفس هذا التوقيت وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، كان الصينيون يستعملون الأرز كمادة لاصقة كالإسمنت مع عيدان الخيزران لتثبيت قواربهم. وقد استعملوه أيضًا في بناء سور الصين العظيم أحد عجائب الدنيا السبع![1][3][4]

براعة الهندسة الرومانية في البناء

اكتشف الإغريق -منذ 600 قبل الميلاد- مادة البوزلان-وهي مادة بركانية سوداء مثل الحصى تستخدم في تصنيع الإسمنت- لكنهم لم يستفيدوا منها شيئًا. وعلى النقيض منهم كان الرومان-منذ 200 قبل الميلاد- يبنون الكثير من المباني باستخدام الخرسانة. لكنها لم تكن مثل الخرسانة التي تستخدم اليوم، بل كانت أشبه بركام أسمنتي. وقد بنى الرومان معظم هياكلهم عن طريق تكديس الأحجار ذات الأحجام المختلفة وملء الفراغات بين الأحجار يدويًا بالمونة.[1][3][4]

قد يُعتبر”البانثيون”-ويعني معبد كل الآلهة- أشهر مُنشأة تم بناءها من قبل الرومان. وقد تم بناءه في عصر الإمبراطور “هادريان” عام 124 بعد الميلاد. وتوجد به أشهر قبة غير مسلحة -أي لا يوجد بها حديد تسليح لتقويتها من إجهادات الشد-. وظلت القبة صامدة حتى الآن أي ما يقارب2000 سنة رغم كل الزلازل التي تعرّضت لها المنشأة، والكفيلة بهدم المُنشأة كاملة وليس القبة فقط![1]

قام علماء وباحثون بجامعة كاليفورنيا في عام 2013 بدراسة عينات من الخرسانة الرومانية المأخوذة من ميناء بالقرب من نابولي بإيطاليا. أثبتت تلك الدراسة أن الخرسانة التي استخدمها الرومان منذ أكثر من 2200 سنة أقوى من الخرسانة التي نستعملها حاليًا في البناء![5]

وجد الباحثون أيضًا أن العملية الرومانية لإنشاء الخرسانة تُطلق كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالطريقة الحالية. حيث يتطلب الإسمنت البورتلاندي الحالي كمية كبيرة من الحرارة لإنتاجه. بينما استخدم الرومان مادة طبيعية، وهي الرماد البركاني.[5]

وعلى الرغم من أن الخرسانة الرومانية أقوى وأقل تأثيرًا على البيئة، فمن غير المُرجح أن تحل محل نسختنا الحديثة. لأنها تستغرق وقتًا أطول في عملية الجفاف أكثر من الخرسانة الحالية. مما يعني إهدار الكثير من الوقت، وكلنا نعلم أن الوقت هو المال في مشاريع الإنشاءات وبالتالي هذا يجعل الخرسانة الحالية مفضلة في الاستخدام.[5]

إعادة اكتشاف الخرسانة بالعصور المظلمة

خلال العصور الوسطى المظلمة، تراجع استخدام الخرسانة في البناء. فبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية عام 476 بعد الميلاد، فُقدت تقنيات صناعة الإسمنت البوزولاني بالطريقة الرومانية.إلى أن تم اكتشاف مخطوطات رومانية قديمة -تعود لعام1414م- تصف تلك التقنيات. فأدى الأمر إلى إعادة تنشيط الاهتمام بالبناء بالخرسانة.[1][3][4]

ولم يكن حتى عام 1793 ميلاديًا عندما قفزت التكنولوجيا قفزة كبيرة إلى الأمام عندما اكتشف “جون سميتون” طريقة أكثر حداثة لإنتاج الجير الهيدروليكي (المونة) للإسمنت. حيث استخدم الحجر الجيري في مزيجٍ يحتوي على الطين ثم قام بتسخين هذا المزيج حتى تحول إلى الكلنكر -وهي مادة أسمنتية صلبة للغاية- ثم قام بطحن هذا الكلنكر حتى تحول إلى مسحوقٍ. ثم قام باستخدام هذه المادة في إعادة البناء التاريخي لمنارة إديستون في كورنوال، إنجلترا. والتي هُدمت بعد 126 عامًا بعد تآكل الصخرة التي كانت قد بُنيت عليها من أمواج البحر![1][3][4]

أخيرًا، وفي عام 1824 ميلادي، اخترع رجل إنجليزي يُدعى “جوزيف أسبدين” الإسمنت البورتلاندي عن طريق حرق الطباشير المطحون جيدًا في مزيجٍ مع الطين في فرن حتى يتم إزالة ثاني أكسيد الكربون من المزيج. وسُمي بأسمنت “بورتلاند” لأنه يُشبه أحجار البناء عالية الجودة الموجودة في بورتلاند بإنجلترا.[1][3][4]

ومن هنا، كانت بداية طريق طويل للغاية في عملية تطوير الخرسانة كما نعرفها حاليًا، حيث تم ابتكار خرسانة مُضيئة في الليل لتنير للمارين بسياراتهم ليلاً بدلاً من عواميد الإنارة التي تستهلك الكهرباء![6]

إن الخرسانة التي تبدو كخرسانة عادية ذات لون رمادي أثناء النهار. ستولد – عند حلول الليل- توهجًا مضيئًا يستمر طوال الليل دون الاتصال بأي مصدر طاقة. على الرغم من أن هذا قد يبدو كتكنولوجيا لاتوجد إلا في كتب وروايات الخيال العلمي، إلا أنه في الواقع شيءٌ ممكنٌ هذه الأيام![6]

بين هذا وذاك، تبقى الخرسانة أحد أهم ابتكارات الانسان على مر العصور. وإن كنت لا تتفق معي في هذا يا صديقي، فأنصحك أن تتخيل العالم بدون تلك المادة. كيف كان يمكن أن يكون حاله؟!

المراجع

  1. The Inter­national Association of Certified Home Inspectors: History of Concrete
  2. Concrete Network: What is Concrete?
  3. Big Rentz: The history of Concrete
  4. GiatecScientific: The history of Concrete
  5. Concrete Network: Roman Concrete study
  6. Concrete Network: Glow in the dark

كيف نشأت موسوعة ويكيبيديا؟

منذ أن تعلم الانسان القراءة والكتابة، رغب البشر في تدوين أفكارهم وعلومهم وفلسفتهم، فظهرت الكتب، ومع انتشار الكتب ظهرت الحاجة إلى إنشاء مكانًا ما يجمع كل تلك الكتب والعلوم والثقافات من جميع أنحاء العالم، فجاءت من هنا مكتبة الإسكندرية العريقة بأوائل القرن الثالث قبل الميلادي على يد بطليموس الثاني. [1]

تلك الفكرة ظهرت مرة أخرى إلى الحياة بعدها بأكثر من 22 قرنًا من الزمن بفضل «جيمي ويلز» و «لاري سانجر». [3] [2]

فما الذي فعلاهُ إذًا؟!

بداية الفكرة بمساعدة الإنترنت!

لا يُخفى على أحد المساوئ العديدة للشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، ولكن في نفس الوقت لا يستطيع أحد أن يُنكر المميزات المهولة التي أعطاها الإنترنت إلى العالم، وكيف أنه جعل العالم قريةً صغيرةً، وكان سببًا أساسيًا بالعديد من الإكتشافات وكل تلك الأشياء التي يعرفها الجميع ولكنها لا تهم قصتنا الحالية.

ما يهمنا هو ما فكر به بطل قصتنا الحالية “ويلز” عندما استغل أكبر ميزة لتلك الشبكة العنكبوتية لإنشاء أول موسوعة رقمية مجانية تجمع كل معارف العالم، وذلك عن طريق متطوعين يساهمون في إثراء محتوى الموسوعة بجميع اللغات. [3]

راودت فكرة إنشاء الموسوعة ببال “ويلز” عندما كان ما يزال يدرس كطالب جامعي بجامعة إنديانا، حيث وصفها داخل عقله كـ”جرثومة ويكيبيديا”، وقد تأثر كثيرًا بما قدمهُ المتطوعون الذين قاموا بإنشاء برمجيات/برامج حاسوبية حرة بشكل مجاني بمستوى احترافي يُضاهي تلك البرمجيات التي تُدفع لها الأموال. [3]

موسوعة نوبيديا، البذرة الأولى

لم تكن ويكيبيديا هي البذرة الأولى التي وضعها “ويلز”، بل كانت موسوعة سُميت بـ “نوبيديا Nupedia” هي ما بدأ بها ويلز فكرته، فأسسها على متطوعين مؤهلين تأهيلاً على أعلى مستوي، فكانوا يقومون بعملية المراجعة بشكل مُعقد للغاية ليضمنوا دقة المعلومة التي ستُنشر. [3] [2]

ولكن على الرغم من جودة المتطوعون المتوفرون، ووجود رئيس تحرير متفرغ وهو “لاري سانجر” طالب دراسات عليا بالفلسفة وظّفه “ويلز”، لم يكن ذلك بالكافي لتكون عملية كتابة المقالات سريعة، بل كانت بطيئة للغاية فتم إنتاج 12 مقال فقط بالسنة الأولى. [3] [2]

ومن هنا جاءت فكرة إنشاء موقع إلكتروني للموسوعة سُمىّ بويكيبيديا Wikipedia كمُكمل او كتابع لنوبيديا Nupedia. ولكن وسط اعتراضات كثيرة من مجلس المتطوعين الاستشاري، أصبح لويكيبيديا كيانًا مستقلاً خارج نوبيديا، وذلك يوم الإثنين الموافق الـ 15 من شهر يناير لعام 2001، فكانت أول رسالة على الصفحة الرئيسية للموقع بحسب ويلز هي: “أهلاً بالعالم Hello World“.

انتشار الموسوعة وتطورها

حصل الموقع على مقالته رقم 1000 يوم الاثنين الموافق الـ 12 من فبراير لعام 2001، ووصل إلى المقالة رقم 10000 في حوالي الـ 7 من سبتمبر في نفس العام. [3]

في السنة الأولى من وجودها، تم إنشاء أكثر من 20000 مقالة للموسوعة بمعدل أكثر من 1500 مقالة في الشهر. وفي يوم الجمعة الموافق الـ 30 من أغسطس لعام 2002، وصل عدد المقالات إلى 40000 مقالة. [3]

أما اليوم، فالمقالات المكتوبة بالإنجليزية فقط تحتوي على أكثر من 6,326,591 مقالة، وتتجاوز ويكيبيديا مجتمعة لجميع اللغات الأخرى حجم ويكيبيديا بالإنجليزية، مما يعطي أكثر من 29 مليار كلمة في 55 مليون مقال في 309 لغة! [4]

ما تزال الموسوعة الرقمية الأشهر في تطورٍ مستمرٍ، وذلك رغم توفرها بشكل مجاني دون وجود أي إعلاناتٍ بداخل صفحها، بل تعتمد إعتمادًا كليًا على تبرعات المؤسسات والأفراد والمتطوعين الداعمين لمحتوى حر. [3] [2]

فإن كنت صغيرًا أم كبيرًا، تقوم بعمل بحثٍ مدرسيٍ او رسالة دكتوراة، فأظن أن موسوعة ويكيبيديا قد أفادتك بشئٍ ما يومًا ما.

فشكرًا لهم.

المصادر

  1. Britannica: History of the Library of Alexandria
  2. Wikipedia
  3. Wikipedia: History of Wikipedia
  4. Wikipedia: Size comparisons

كيف نشأت كرة القدم؟

اللعبة الشعبية الأولى في العالم! فبحسب تقريرٍ نشره الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قدر أنه في مطلع القرن الحادي والعشرين كان هناك حوالي 250 مليون لاعب، وأكثر من 1.3 مليار شخص “مهتمين” بكرة القدم.[١]
وفي عام 2010، تابع أكثر من 26 مليار مشاهد البطولة الأولى في نهائيات كأس العالم التي تقام كل أربع سنوات.[١]

فكيف بدأت إذًا؟

كرة القدم في الحضارات القديمة

أول الأمثلة المعروفة للعبة جماعية بالكرة جاءت من حضارات أمريكا الوسطى القديمة منذ أكثر من 3000 عام. وكانت الكرة مصنوعة من الصخر وكانت تُسمى ب «تشاتالي Tchatali».[٢]
فكانوا يمارسوها في المناسبات الطقسية، حيث ترمز الكرة للشمس، التي كان لا بد من السيطرة عليها من أجل تأمين حصاد وافر. فكان لابد من دفع الكرة حول الحقل أو عبره حتى تزدهر المحاصيل. وفي النهاية تتم التضحية بقائد الفريق الخاسر من أجل الآلهة![٢][٣]
وفي القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، مورست كرة القدم في الصين أيضًا تحت اسم «كوچو cuju».[٢]
تم لعب Cuju بكرة مستديرة (كرة من الجلد وبداخلها فراء أو ريش). ثم انتشر شكل معدل من هذه اللعبة لاحقًا إلى اليابان وكان باسم «كيماري kemari» وتم ممارسته أيضًا تحت أشكال احتفالية.[٢]

بريطانيا مهد كرة القدم الحديثة

بدأت كرة القدم كما نعرفها اليوم في بريطانيا في القرن الثامن عشر، ثم استمرت بالتطور حتى القرن التاسع عشر. وتميزت بمجموعة كبيرة ومتنوعة من القوانين وطرق اللعب باختلاف الأقاليم والجزر البريطانية. تم تقسيمها لاحقًا إلى عدة رياضات مختلفة، ككرة القدم كما نعرفها الآن، وكرة الرجبي، وفي أيرلندا، كرة القدم الغالية.[٢][٣]
حيث كانت هناك مدرستين مهيمنتين، مدرسة «رجبي Rugby» ومدرسة «إيتون Eton».[٢]
فكان القانون الأساسي بمدرسة “رجبي” هو إمكانية الاستيلاء على الكرة باليدين فجاءت اللعبة التي نعرفها اليوم باسم الرجبي من هنا.[٢]
وأما في مدرسة “إيتون” تم الإقتصار على لعبها بالأقدام، فكانت بذلك البداية الفعلية للعبة كرة القدم بشكلها الحديث. وكانت الرجبي تُسمى بـ “لعبة الجري”، بينما سميت إيتون بـ “لعبة المراوغة”.[٢]

شكل اللعبة في عصورها الأولى

كانت كرة القدم في بدايتها أكثر عنفًا وعفوية، حيث كان ركل الخصم مسموحًا، ويمكن استخدام أي وسيلة لإيصال الكرة إلى هدفها باستثناء القتل والقتل غير العمد. وعادة ما يلعبها عدد غير محدد من اللاعبين. وفي كثير من الأحيان، كانت الألعاب تتخذ شكل مسابقة عنيفة بين قرى بأكملها، وذلك عبر الشوارع والميادين والحقول، فلم يكن هناك ملعب محدد بمساحة معلومة. وكان العنف والدمار الناتج من هذه اللعبة سببًا في حدوث أضرار بالمدينة/بالقرية وأحيانًا موت المشاركين. ومن هنا ظهرت العديد من الآراء المناهضة للعبة والأصوات المطالبة بحظرها، فتم حظرها في النهاية لعدة قرون. ولكنها عادت مرة أخرى إلى شوارع لندن في القرن السابع عشر، ثم منعوها مرة أخرى عام 1835م، حتى عادت أخيرًا ولكن بداخل المدارس بين الطلاب.[٢][٣]

ومن الغريب أنه لم يتم تحديد حجم ووزن الكرة إلا بعد تسع سنوات من وضع قواعد اللعبة لأول مرة في عام 1863. فحتى ذلك الحين، كان يتم التوصل عادة إلى اتفاق حول هذه النقطة من قبل الأطراف المعنية عندما كانوا يرتبون المباراة. كما كان الحال بالنسبة لمباراة بين فريقي لندن وشيفيلد في عام 1866. وكانت هذه المواجهة أيضًا هي الأولى من حيث تحديد مدة المباراة مسبقًا فكانت أول مباراة مدتها 90 دقيقة.[٢][٣]
بالإضافة إلى ذلك، تم منع حمل الكرة باليد، فنتج عن ذلك تقسيم اللعبة إلي لعبتين: كرة القدم والرجبي.[٢]

يمكن ملاحظة اختلاف مهم آخر في هذه المرحلة بين أساليب اللعب لدى الفرق الإنجليزية والفرق الاسكتلندية. حيث فضلت الفرق الإنجليزية الجري إلى الأمام فرديًا بالكرة بطريقة الرجبي أكثر، أما الاسكتلنديون اختاروا تمرير الكرة بين لاعبيهم. وسرعان ما أصبح النهج الاسكتلندي هو النهج السائد.[٢]
أقيمت أيضًا مسابقات بين الرجال المتزوجين والعازبين فسادت لقرون في بعض أجزاء إنجلترا. وبالمثل، أقيمت مباريات بين النساء المتزوجات وغير المتزوجات في بلدة إنفيريسك الاسكتلندية في نهاية القرن السابع عشر والتي فازت به فرق النساء المتزوجات بشكل مستمر، ومن هنا نستنتج أن كرة القدم النسائية ليست بجديدة كما يعتقد البعض.[٢]

انتشارها وتطورها

أصبحت كرة القدم في وقتٍ قصيرٍ الوسيلة الترفيهية الأولى للطبقة العاملة البريطانية، فشهدت المباريات عددًا غير مسبوقًا من المتفرجين، وصل إلى 30000 متفرج، وخاصة في المباريات الكبيرة بأواخر القرن التاسع عشر. [٢]
وسرعان ما توسعت اللعبة من قبل البريطانيين الذين سافروا إلى أجزاء أخرى من العالم، خاصة في أمريكا الجنوبية والهند وبذلك أصبح الاهتمام بكرة القدم كبيرًا في جميع أنحاء العالم.[٢]

ثم استمرت في التوسع والتطور، فلم يكن هناك سوى عدد قليل من منتخبات كرة القدم الوطنية بنهاية القرن التاسع عشر، ولم تكن هناك منتخبات وطنية سوى في إنجلترا واسكتلندا، بينما يوجد الآن 211 منتخبًا وطنيًا تم إدراجهم في الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA).[٢][٣]

قسمت مناطق العالم إلى ستة اتحادات: الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (CAF) ، الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC) ، اتحاد الاتحادات الأوروبية لكرة القدم (UEFA) ، اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي لكرة القدم (CONCACAF) ، اتحاد أوقيانوسيا لكرة القدم (OFC) ، واتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم (CONMEBOL).[٢][٣]

مرت كرة القدم بالعديد من المحطات التي طورت من شكل اللعبة، ولكن لم يحدث بأي شكلٍ من الأشكال أن تراجعت شعبية تلك اللعبة، بل على العكس تزداد شعبيتها بمرور الزمن، فسواء كنت مشجعًا لكرة القدم أو لم تكن فلن تستطيع أن تنكر أنها كانت ومازالت واعتقد ستظل هي الرياضة الأولى في العالم من حيث الشعبية أو المتعة.

أقرأ أيضَا: ماعلاقة كرة القدم بالرياضيات

المصادر

  1. Britannica
  2. Football history website
  3. Fifa History of Football

كيف بدأت موسوعة جينيس؟

من رجلٍ يجر شاحنة تزن طنين تقريبًا وهو سائرًا على يديه مقلوبًا، إلى آخر كسر 122 ثمرة جوز هند في دقيقة واحدة بقبضة يده،[1] إلى عجوزًا يبلغ الـ 82 ربيعًا أطال أظافره لـ 66 عامًا حتى بلغت أكثر من 900 سنتيمترًا،[2] أو تلك السيدة البريطانية صاحبة الرقم القياسي كأول سيدة بلحية كاملة! [3]

كل تلك الأرقام لم نكن لنعرفها لولا وجود موسوعة سُميت بـ «موسوعة جينيس للأرقام القياسية»، فكيف بدأت إذًا؟!

بداية موسوعة جينيس بحفلة صيد!

من اليسار لليمين، السير “هيو بيفر”، أول إصدار لموسوعة جينيس، التوأمان “ماكويرتر”، وأخيرًا “نوريس ماكويرتر”
حقوق الصورة: https://www.guinnessworldrecords.com/Images/Our-History-collage-4_tcm25-478379.jpg

في أوائل عام 1950، وفي حفلة صيد بإحدى مقاطعات إيرلندا، تجادل السير “هيو بيفر” المدير التنفيذي لشركة “جينيس للجعة” مع مضيفي الحفلة حول أسرع طائر يتم اصطياده من بين كل الطيور، وكانت المشكلة هي عدم وجود أي مرجع به معلومة موثوق بها حول هذا الأمر لتسوية الجدال بينهم، ومن هنا شرع “بيفر” في إيجاد حل لتلك المشكلة. [5] [4]

ولأنه رجل أعمال بالمقام الأول، لم يُنشئ “بيفر” الموسوعة شخصيًا، بل كلف أحد موظفيه ويُدعى “كريستوفر شاتواي” بإيجاد من يُنشأ له تلك الموسوعة. وبالفعل رشح “شاتواي” التوأمان “نوريس وروس ماكويرتر” حيث كانا محبان لتجميع الحقائق والأرقام، بالإضافة لعملهما في مجال الصحافة الرياضية. [5] [4]

مرحلة تأليف الموسوعة

ومن هنا بدأت عملية تأليف الكتاب، فبعد مرحلة بحث أولية، بدأ التوأمان في تجميع الأرقام القياسية والحقائق بالكتاب. ولم يكن هذا الأمر بالهين، بل استغرقهم تأليف الكتاب حوالي 13 أسبوع بمعدل 90 ساعة عمل لكل أسبوع، وبعطلات نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية. [5] [4]

ولم يعلم التوأمان حينها أن هذه الموسوعة ستصبح من أكثر الكتب مبيعًا على الإطلاق، وواحدة من العلامات التجارية الأكثر شهرة بل وموثوقية في كل العالم. فبحلول عام 1955، نُشرت أول نسخة من الموسوعة، فطُبعت 50 ألف نسخة منها، وببداية عيد الميلاد “الكريسماس” لم تتبقى نسخة واحدة منها. [5] [4]

تطور الموسوعة على مدار التاريخ

ومن النسخة الأولى تقريبًا، وحتى النسخ التي نُشرت بمنتصف القرن الماضي، ركز الناشرين على تجميع الأرقام القياسية المرتبطة بالطبيعة والطيور خاصةً بالموسوعة. ثم بعد ذلك، انتقل الناشرين إلى التركيز على الإنجازات الفردية للبشر. [7] [6]

صورة توضح طول “روبرت وادلو” الخارق!
https://www.guinnessworldrecords.com/assets/516297?width=780&height=497

فعلى سبيل المثال، تجد الأمريكي “روبرت وادلو” صاحب الرقم القياسي لأطول رجل بالعالم، حيث وصل طوله إلى 272 سنتيميترًا. وبعمر الـ 9، كان يحمل أباه -الذي كان طوله 180 سنتيمترًا ووزنه 77 كيلو جرامًا- ويصعد به سلم المنزل.

ولكنه توفى وهو في سنٍ صغيرٍ عن عمر ناهز الـ 22 عامًا، ودُفن في نعشٍ بلغَ طوله 3 أمتار ونصف. [8]

واستمرت الموسوعة في مجاراة التطور، فتغيرت أحجام وتنسيقات كتب الموسوعة، فتحولت إلى مجلد كبير ملئ بالصور الملونة، فأصبحت أكثر جاذبيةً للأطفال، بل ولنا نحن الكبار أيضًا، فبين أشياء نريد أن نعرفها مثل، أكبر بيتزا إيطالية تم صُنعها بمساحة 1262 مترًا مربعًا أي كمساحة حمام سباحة! [9]

وبين أشياء لا نريد أن نعرفها مثل، شخصًا ألمانيًا يُدعى ” فرانز هيوبر” ابتلع 28 سيفًا مرةً واحدةً! [10]

وبين هذا وذاك، استمرت الموسوعة كأفضل الكتب مبيعًا رغم اختلاف العصور، والثقافة، ودخول التكنولوجيا، إلا أنها لا تفشل أبدًا في مفاجأتنا وإشباع فضولنا.

المصادر

  1. Guinness World Records channel on YouTube
  2. Guinness World Records page on Facebook
  3. Guinness World Records website
  4. BBC UK The Witness History podcast (Audio)
  5. Guinness World Records history
  6. Guinness World Records history timeline
  7. Guinness World Records Through the years
  8. GWR Tallest man ever
  9. GWR Largest Pizza
  10. GWR Most swords swallowed

٤ محطات مهمة في تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

٤ محطات مهمة في تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

لم يكن تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية مفروشًا بالورود، على العكس تمامًا. تخيل نفسك طفلاً يعيش في عصر الثورة الصناعية. أيقظك أباك في الخامسة فجرًا كي تنزل معه للعمل في المصنع. دورك في المصنع يتلخص في القيام بحركة بسيطة في غرفة المحرك الضيقة، لكنك ستقوم بها طوال اليوم. الرافعة التي تحركها يوميًا تحافظ على سرعة العمل وزيادة الإنتاج، ولم يلجؤوا إليك كطفل إلا لضيق المساحة المطلوب إدخال يدك فيها، فالتروس ستقطع يد الشخص البالغ بسبب حجمها، بينما تنساب ذراعك في خفة يمينًا ويسارًا في أمان خادع. الحقيقة أن ذراعك على بعد خطوة من القطع داخل التروس، لكن لا يوجد قوانين تحميك من التواجد في هذا المكان في ذلك العصر. ولهذا سنتحدث عن تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

مرحلة الثورة الصناعية ببريطانيا

صورة “غداء على قمة ناطحة سحاب” الأيقونية في مانهاتن، نيويورك عام 1932، للمصور الأمريكي “تشارلز إيبيت” على إرتفاع 260 متر.
credit: http://cdn.historydaily.org/content/52330/b8dc6778f5b0763dc4cf3b8df95af767.jpg

دعنا نرجع إلى عام 1760 م، هذا العام المحوري في تاريخ بريطانيا خاصةً، فقبل هذا العام، كان من المعتاد كسب العيش من خلال العمل في الزراعة، أو من خلال العمل اليدوي عن طريق صنع المنتجات اليدوية بالمنازل ثم بيعها. ولكن بعد هذا العام بالتحديد بدأت الثورة الصناعية ببريطانيا، حيث ظهرت الماكينات البخارية.

بدأت بريطانيا باستبدال العمل اليدوي بالماكينات، فتوافد الفلاحون إلى المدن، هاربين من استعباد الإقطاعيين لحياةٍ ظنوا أنها رغدة وبها الحرية والمال. ولكن أدى العدد الهائل من الأشخاص الباحثين عن عمل مع وجود رغبة من أصحاب العمل إلى العمالة الرخيصة كعادة الأمر.

نتيجة لذلك، تدهورت حالة الأجور بشدة أكثر مما كانت، ولم ينتهي الأمر على هذا الحد بل تدهورت مستويات الأمان في المصانع، وزيادة عدد ساعات العمل لتصبح أكثر من 12 ساعة في اليوم [1] [2]، -ولك أن تتخيل أن كل هذا لم يكفي- بل وتم استخدام الأطفال من سن 4 سنوات لصغر حجمهم، فكانوا يستخدمونهم في الدخول إلى المناطق الضيقة الصغيرة بالآلات، والتي لا يستطيع الشخص البالغ بأن يصل إليها. فكان من الطبيعي أن يخسر الكثير منهم أطرافهم، بل وخسارة حياتهم حتى! [2]

أصيبت العديد من الفتيات اللواتي عملن في مصانع الكبريت بمرض “الفك الفوسفي”، تسبب التعرض المباشر للغازات الناتجة عن الفسفور بدون أقنعة لضمور عظام الفك. [3]

كل تلك الحوادث هي أمثلة فقط وليست للحصر، حتى تأخذ فكرةً عن طبيعة الحياة والعمل في هذه الفترة.

“قانون المصنع”، بذرة نظام السلامة وحقوق العاملين

كان الرأي السائد حينها أنه إذا وقعت حادثة وكان المُصاب سببًا فيها فإن صاحب العمل لا يلتزم بأية مسئولية على الإطلاق، وحينما زادت الحوادث بشكل مفزع وأصبح الكل يتحدث عنها وخاصة بعض المُحسنين من أرباب العمل، ظهر أخيرًا شخصٌ يُدعى السير “روبرت بيل” -وهو نفسهُ كان مالكًا لأحد المصانع-.
أنشأ السير “روبرت” قانوناً لحماية صحة العاملين دُعيّ بـ«قانون المصنع»، ثم قدمه إلى البرلمان البريطاني بهدف تحسين وتنظيم ظروف العمل. [1] [2]
نصّ هذا القانون على:

  • وجود نوافذ كافية وفتحة للتهوية، مع تنظيفهم مرتين سنويًا على الأقل بالجير الحي والماء.
  • تحديد ساعات العمل بما لا يزيد عن 12 ساعة في اليوم، مع التوقف عن العمل ليلاً
  • توفير ملابس مناسبة وأماكن نوم لكل عامل (توفير سرير واحد لكل اثنين على الأكثر!).
  • تعليم وإرشاد العاملين على تعلم القراءة، والكتابة، ومبادئ الديانة المسيحية.

وفي حالة مخالفة هذا القانون، كانت تُطبق غرامات تتراوح بين 2 -5 جنيهات إسترلينية. ولكن على الرغم من هذا فشل هذا القانون؛ حيث كان يُسند القضاء والحكم في هذه المحاكمات إلى بعض الزوار/الغرباء عن المنطقة التي بها المحكمة، والذين كانوا بدورهم من أصحاب المصانع في أماكن أخرى، ولذلك لك أن تتخيل الحُكم النهائي![2]

وأيضًا، تم تطبيقه على نطاق محدود للغاية سواء من حيث شدة القوانين وفائدتها الفعلية للعاملين، أو من حيث الأماكن التي طُبق بها. حيث كان يُطبق فقط بمصانع المنسوجات القطنية، إلا أنه قد اعتُبر البداية الفعلية لتنظيم وتقنين نظام السلامة والصحة للعاملين.

“نيكسون” وقانون السلامة والصحة المهنية

والآن فلنترك بريطانيا بثورتها الصناعية، ونذهب سريعًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا إلى أواخر الستينات.

حيث كانت فترة مضطربة في أمريكا، ظهرت خلالها مخاوف جدية خارج البلاد أو داخلها. فكانت هناك العديد من القضايا التي تطلبت اهتمام البلاد مثل: الحقوق المدنية للمواطنين، حقوق المرأة، البيئة، وخارجيًا كان الاهتمام ينصب على فيتنام.

في الوقت ذاته، كانت الإصابات والأمراض المهنية تتزايد من حيث العدد والخطورة. حيث زادت إصابات الإعاقة بنسبة 20 في المائة خلال العقد، وكان 14000 عامل يموتون أثناء العمل كل عام. [4]

ومثلما ظهر في بريطانيا السير ” روبرت بيل”، ظهر أيضًا في هذا التوقيت في أمريكا عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيو جيرسي السيد “هاريسون ويليامز جونيور”، حيث طالب وضغط من أجل تمرير سريع لتشريعات السلامة والصحة في مكان العمل، وعاونهُ أيضًا من مجلس النواب: النائب السيد “ويليام أ. ستايغر”، حيث نوه أيضًا إلى أن الإصابات/الوفيات الناتجة عن العمل تودي إلى خسارة مليارات الدولارات من حيث الأجور والإنتاج الضائع. [4]

كل هذا شجع الرئيس “ريتشارد نيكسون” إلى توقيع قانون السلامة والصحة المهنية لعام 1970. المعروف أيضًا باسم قانون “ويليامز-ستايغر” تكريمًا للرجلين الذين ضغطا بشدة من أجل إقراره. [4]

أنشأ قانون السلامة والصحة المهنية ثلاث وكالات دائمة:

  • إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) Occupational Safety and Health Administrationوكانت داخل وزارة العمل لوضع وإنفاذ معايير السلامة والصحة في مكان العمل؛
  • المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية (NIOSH) The National Institute for Occupational Safety and Healthفيما كان يُعرف آنذاك بوزارة الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية لإجراء أبحاث حول السلامة والصحة المهنية؛
  • لجنة مراجعة السلامة والصحة المهنية (OSHRC) Occupational Safety & Health Review Commissionوهي وكالة مستقلة للفصل في إجراءات الإنفاذ التي يطعن فيها أصحاب العمل.
  • وقد كلف قانون الصحة والسلامة المهنية، المعروف في البداية باسم “قانون حقوق السلامة”، إدارة السلامة والصحة المهنية “الأوشا” بضمان ظروف آمنة وصحية للرجال والنساء العاملين.

دور منظمة “الأوشا” في وقتنا الحالي

منذ أيامها الأولى، كانت “الأوشا” وكالة صغيرة ذات مهمة كبيرة، فعندما افتتحت الوكالة أبوابها للعمل في أبريل 1971، غطت إدارة السلامة والصحة المهنية 56 مليون عامل في 3.5 مليون مكان عمل. [4]

أما اليوم، يتطلع 105 مليون عامل من القطاع الخاص وأرباب العمل في 6.9 مليون موقع إلى OSHA للحصول على إرشادات حول قضايا السلامة والصحة في مكان العمل. [4]

في الوقت نفسه، انخفضت الوفيات في أماكن العمل إلى النصف، وانخفضت معدلات الإصابة والأمراض المهنية بنسبة 40٪.[5]

بالإضافة إلى ذلك، يُترجم انخفاض أيام العمل الضائعة وتكاليف تعويض العمال إلى وفورات كبيرة لأصحاب العمل، وتستفيد الشركات أيضًا من معنويات وإنتاجية الموظفين المحسّنة.

وبقدر ما تبدو هذه الإحصائيات مثيرة للإعجاب، إلا أنها لا تنقل بشكل كامل حجم نجاح إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) خلال الثلاثين عامًا الماضية، حيث أن انخفاض الوفيات والإصابات والأمراض تعني عددًا أقل من الرجال والنساء المصابين أو المعوقين في العمل وعدد أقل من العائلات التي تُحزن على فقدان أحد أحبائها. وهذا يعني عودة المزيد من العمال إلى منازلهم بشكل كامل وبصحة جيدة كل يوم. لا يمكن أن يكون هناك مقياس أفضل للنجاح من هذا.

المصادر

  1. History of OSH
  2. History of OSH by David Eves
  3. The Royal College of Surgeons of England
  4. OSHA
  5. OSHA
Exit mobile version