مساحات خضراء حضرية حول العالم

منذ تشكّل أول مدينة في العالم –أوروك– حوالي 4000 سنة قبل الميلاد وحتى الآن يزداد التحضر أكثر فأكثر على حساب الريف. وأصبحت الحاجة إلى المساحات الخضراء الحضرية ذات أهمية متزايدة، إذ لا توفر قيمة جمالية فحسب بل تساهم أيضًا في صحة السكان ورفاهيتهم. وقد تتخذ المساحات الخضراء الحضرية أشكالًا مختلفةً من الحدائق العامة إلى الجدران الخضراء، والمنتزهات والأسطح الخضراء. وسوف نستكشف في هذا المقال بعض الأمثلة عن المساحات الخضراء مع التركيز على تصميمها، وتنفيذها، وتأثيرها على البيئة والمجتمع.

حديقة بنجاكيتي في بانكوك

تقع حديقة «بنجاكيتي-Benjakitti» في بانكوك عاصمة تايلاند، وهي منتزه متاح للجميع. وتعاني تايلاند بشكل عام من الرياح الموسمية، والفيضانات، والجفاف. نتيجةً لذلك، صمّمت الحديقة لتعمل كإسفنجة تحتفظ بمياه الأمطار في موسم الأمطار، من ثم تصرف المياه في موسم الجفاف بسعة مائية تبلغ 128 ألف متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الحديقة في تنقية مياه قناة مجاورة لها ملوثة بالجريان السطحي، ومياه المجارير. مما ينتج حوالي 1600 متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا.[1]

حديقة بنجاكيتي في بانكوك عاصمة تايلاند.

احتوى موقع الحديقة على مستنقعات مع مستويات عالية من المياه الجوفية. واستخدمت طريقة الزراعة التقليدية التايلاندية للحفاظ على جذور الأشجار أعلى من المستنقعات من أجل تجنب الفيضانات. وتمتلك أيضًا مسارات تساعد على تصريف المياه، وقنوات الري. وقد قام المشروع بتحويل التربة السطحية الطينية إلى موئل رطب وإسفنجي مما سمح بنمو النباتات المحلية بأقل قدر من الري. فزرع حوالي 5600 شتلة من 360 نوع وهي أشجار أصلية نادرة في حوض النهر المركزي، مختلطةً مع نباتات صغيرة ومتوسطة الحجم توفّر الظل. كما تم الحفاظ على جميع الأشجار الموجودة سابقًا في الموقع، وأدمجت في تصميم الحديقة.[1]

مسطّح تاينان

تقع مدينة تاينان في تايوان، وتميّزت أساسًا في الصناعات البحرية وصيد الأسماك منذ القرن ال17. لكن شهدت المدينة في الثمانينيات خروجًا عن هذا النهج الحضري التاريخي، فبني مركز تسوّق الصين-تايوان على قمة الميناء القديم عام 1983. وبعد مرور الوقت أصبح عبارة عن هيكل تجاري كبير لم يعد يخدم الغرض المقصود منه. لذلك سعت المدينة إلى إزالة المركز وإعادة تدويره بدقة. فقامت شركة MVRDV المعمارية بتصميم وتنفيذ مشروع Spring Tainan.

Spring Tainan في تايوان.

حوّلت الشركة موقف السيارات تحت الأرض إلى ساحة عامة يهيمن عليها حمام سباحة، ومناطق خضراء تحيط بها ممر مظلّل. وخطّطت بعناية لجعلها بقعة تجمّع مثالية لجميع الفصول، إذ يرتفع منسوب المياه، وينخفض استجابةً لمواسم الأمطار والجفاف. كما يقلّل الرذاذ من درجة الحرارة في الطقس الحار، ويقلّل من استخدام التكييف في أشهر الصيف. ويضم الموقع ملاعب، ومساحات تجمّع، ومسرح للعروض. كما يحتوي على مناطق يمكن تحويلها لاحقًا إلى محلات تجارية، وأكشاك، وأمور إضافية.[2]

Spring Tainan في تايوان.

سعى المشروع إلى جلب الخضرة إلى المدينة، وإدخال مساحات واسعة مزروعة بالنباتات المحلية. وأثّر بالمجمل على المنطقة فانخفضت حركة المرور في الشوارع. وفي حين تعذّر إزالة عناصر البنية التحتية السابقة للمشروع، فطُليت بلون موحّد في محاولة للتقليل من وجودها البصري. من ثم اختارت المدينة عددًا من الفنانين المحليين لتزيين هذه الهياكل. كما كشف عن جزء من هيكل الطابق السفلي الثاني باستخدام أرضية زجاجية مما يسمح للناس فهم تاريخ الموقع، وتقديره كجزء مهم من تاريخ المنطقة.[2]

Spring Tainan في تايوان.

ساحة الوحدة في ليتوانيا

أرادت مدينة كاوناس في ليتوانيا إعادة تصميم ساحة الوحدة المغمورة بالتاريخ بمبانيها المنتمية لعصور مختلفة. واستقر المشروع على شركة 3DELUXE ودعي باسم V-plaza. أرادت الشركة خلق مساحة حيوية تفاعلية تواكب احتياجات الشباب المتغيرة.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

طورت الشركة مستويين من التصميم أحدهما خطي ويشكل السياق التاريخي، حيث تؤخذ محاور الرؤية والحركة الموجودة سابقًا في الاعتبار. بينما صمّمت المستوى الثاني ليكون عضويًا، ومائعًا، ويعكس التدفقات الطبيعية لحركة المارة. وتضم البنية بالإضافة إلى الممرات أماكن لسير الدراجات الهوائية والنارية، وقسم المقاهي، والمطاعم. إضافةً إلى مسطّحات مائية، وأماكن خاصة بالتزلج، وأضيف مدرج جديد يمكن استعماله للعروض.[3]

ساحة V-Plaza في ليتوانيا.

تحتوي الساحة على مسطّحات خضراء مائلة بلطف، وأحواض مائية تربط مستويات الساحة المختلفة. ويستند اختيار النباتات على الأنواع المحلية بسبب ذلك يكثر الصنوبر والبتولا مع الأعشاب، والشجيرات الصديقة للحشرات. وقد نفّذت الساحة بمواد الجرانيت الخفيف، والخشب، والخرسانة البيضاء لخلق جو مرحب بالزوار. وتستخدم الساحة اليوم للاحتفالات، والمهرجانات، والأسواق، وتعد عمومًا موقعًا مناسبًا كمنطقة ترفيهية يومية للسكان.[3]

الحديقة الأسترالية

اكتملت الحديقة الأسترالية عام 2012، وهي أكبر حديقة نباتية مخصّصة للنباتات الأسترالية المحلية. تتيح للزوار أن يتابعوا عبر مسار مائي المناظر الطبيعية للبلاد من الصحراء إلى الطرف الساحلي، ويجمع هذا المشهد التكامل بين البستنة، والهندسة المعمارية، والبيئة، والفن.[4]

الحديقة الأسترالية.

يضم الجانب الشرقي من الحديقة معارض الحدائق والمناظر الطبيعية، ومصفوفات الغابات بطريقة توضّح ميل الشعب إلى ترتيب المساحات الخضراء الحضرية بطريقة رسمية. بينما يضم الجانب الغربي الحدائق التي تستلهم من الدورات الطبيعية، وأشكال الزهور غير المنتظمة. ويلعب الماء دور الوسيط بين الجانبين.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعد المشي في المشهد الأسترالي رحلةً من التحولات والقفزات المستمرة، فالمرء لا يسافر أبدًا في خط مستقيم. وتعترض النباتات الطريق كثيرًا، وتتغير المسارات وفقًا للمشهد الطبيعي، وأحيانًا لا يبقى المسار ظاهرًا حتى. نتيجةً لذلك لا يحمل كل زائر إلى بيته الرسالة نفسها، إذ يختبر كل شخص تجربةً مختلفةً وفريدةً.[4]

الحديقة الأسترالية.

يعتبر هذا المشروع أكبر حديقة نباتية مكرّسة لعرض النباتات الأسترالية، كما تلعب دورًا مهمًا في حماية التنوع البيولوجي. وتستخدم كذلك لأغراض علمية وتعليمية، بالإضافة إلى التسلية من خلال حلقات العمل التفاعلية، والسينما، والأسواق، والمقاهي.[4]

سنترال بارك في نيويورك

دفع التوسع الحضري المتزايد في أربعينيات القرن ال19 في مانهاتن الأمريكية إلى الدعوة لبناء حديقة جديدة كبيرة. وانتهى شراء الأراضي حوالي عام 1856 وبدأ بناء حديقة «سنترال بارك- Central park» وتعتبر اليوم أكبر وأهم حديقة في مانهاتن. فتبلغ مساحتها 340 هكتارًا، وهي واحدة من أوائل الحدائق الأمريكية المطوّرة باستخدام مبادئ هندسة المناظر الطبيعية.[5]

Central park في نيويورك.

نُقل خلال بناء الحديقة ملايين عربات الأتربة والتربة السطحية لتنفيذ التضاريس. وزرع حوالي 5 مليون شجرة وشجيرة، كما وضع نظام إمدادات المياه، وشيّد العديد من الجسور والأقواس والطرق.[5]

افتتحت سنترال بارك رسميًا عام 1876 ولاتزال واحدةً من أعظم الإنجازات في المناظر الطبيعية الاصطناعية. حيث تتنوّع تضاريسها ونباتاتها بشكل كبير وتتراوح من منحدرات عشبية مسطحة إلى وديان صخرية حادة، ونوافير و3 بحيرات صغيرة. وتحتوي الحديقة على العديد من الحصون التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن ال19، وإبرة كليوباترا وهي مسلة مصرية قديمة.[5]

منتزه سيرينغيتي الوطني في تنزانيا

تأسس منتزه «سيرينغيتي- Serengeti» الوطني عام 1951 في شمال وسط تنزانيا، ويغطي مساحة 14.763 كم. ويعد من أفضل المراعي في أفريقيا، ويشتهر بقطعانه الضخمة من الحيوانات. حيث يعتبر المكان الوحيد في أفريقيا الذي لايزال يجري فيه هجرات واسعة للحيوانات البرية.[6]

منتزه Serengeti الوطني في تنزانيا.

يضم المنتزه أنواع كثيرة من الحيوانات مثل الغزلان، والأفيال، والزرافات، والحمير الوحشية، والأسود، والضباع، والنمور، والفهود، والتماسيح. كما يسجّل أكثر من 350 نوعًا من الطيور بما فيها النعام والنسور. بلا شك يمتلك المنتزه أهميةً بيئيةً كبيرةً، ويساعد في حماية التنوع الحيوي، وقد أُدرج ضمن قائمة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي.[6]

يمكننا ضمان حياة كريمة للأجيال القادمة من خلال العناية بالاستدامة، والاستثمار في المساحات الخضراء الحضرية. وسواء كنت تتمتع بنزهة قصيرة في حديقة مجاورة أو أعجبت بمنتزه ضخم فإن هذه المساحات الخضراء تذكرنا دائمًا بأهمية الطبيعة في حياتنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. MVRDV
  3. 3DELUXE
  4. Archdaily
  5. Britannica
  6. Britannica

ما دور المساحات الخضراء في العمارة المستدامة؟

يسيطر الفولاذ، والخرسانة، والزجاج على أفق مدننا الصاخبة، وقد يبدو الزحف العمراني أحيانًا بلا نهاية. وتبرز في زحمة المباني الكثيرة المساحات الخضراء كرئتين حيويّتين لمدننا، فتربطنا مع الطبيعة. ولا شك أن العشب والأزهار يثيران مشاعر البهجة والراحة لدينا، فما أهمية المساحات الخضراء في التخطيط العمراني؟

ارتفاع درجات الحرارة في المدن

امتلأ ثلث مركز فينيكس أريزونا للحروق بالمصابين بحروق شديدة إثر سقوطهم على شوارع المدينة الإسفلتية في تموز سنة 2023. وصدرت تنبيهات عامة تحذّر السكان من مخاطر الحرارة المرتفعة للأسفلت والتي قد تصل إلى 82 درجة مئوية في فترة ما بعد الظهر. وقد حدثت هذه الحروق بسبب التعثر العرضي في الشوارع، أو من حالات الإغماء الناجمة عن الحرارة الشديدة. وقد أثبتت أغلب مدننا أنها لا تستجيب للتغيّر المناخي، والاحتباس الحراري الحاصل، لذلك قدّم المخططون العمرانيون المساحات الخضراء كحل محتمل للتخفيف من شدة الإجهاد الحراري في الأماكن العامة. [1]

ماذا يقصد بالمساحات الخضراء؟

خلقت عملية التحضّر السريع بيئةً غير طبيعية، ويتّفق اليوم المخططون، وعلماء البيئة، والاقتصاد، والاجتماع على ضرورة وجود مساحات خضراء تتخلّل المدينة. وتضم المساحات المفتوحة العامة والخاصة التي تغطيها النباتات في المقام الأول، وتشمل المنتزهات، والحدائق، والمزروعات بين فواصل الطرق وعلى جوانب الشوارع، وغيرها من المسطّحات الخضراء.[2]

مستويات المساحات الخضراء

تصنّف المساحات الخضراء عادةً في 3 مستويات؛ على المستوى الإقليمي، ومستوى المدينة، ومستوى الحي، وتختلف نسبتها ومساحتها بحسب مستواها. وتمتلك عمومًا شخصيتين رئيسيتين تميّزها وهما البنية والنمط. فالبنية هي الخصائص الرأسية للمناظر الطبيعية بما في ذلك أنواع النباتات المزروعة، وأنواع الموائل، والأشكال البيئية. بينما النمط هو الخصائص الأفقية مثل الترتيب المكاني للمزروعات، وأحجامها، وربط المناطق البيئية ببعضها.[2]

فوائد المساحات الخضراء

على مستوى البيئة

يعد تلوث الهواء والضوضاء ظاهرةً شائعةً في المناطق الحضرية، وينتجان عن وجود العديد من الآليات التي تطلق أول وثاني أكسيد الكربون، وبسبب انبعاث الغازات من المصانع مثل ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النتروجين التي تعتبر شديدة السميّة للبشر والبيئة على حد سواء. ويمكن أن يقلّل تخضير المناطق الحضرية من ملوثات الهواء عندما تحتجز النباتات جزيئات الغبار والدخان. وقد أظهرت الأبحاث أنه في المتوسط يمكن ترشيح حوالي 85% من ملوثات الهواء في الحدائق. ويمكن كذلك أن تقلّل المسطّحات الخضراء من مستويات الضوضاء اعتمادًا على كميّتها، ونوعيتها، وبعدها عن مصدر التلوث.[2]

تعمل المساحات الخضراء كمركز حماية لتكاثر الأنواع، والحفاظ على النباتات، والتربة، ونوعية المياه. على سبيل المثال؛ تخفّف المساحات الخضراء من مياه العواصف مما يشكّل تدبيرًا جيدًا لتقليل حدّة الفيضانات. كما تعد صلة وصل بين المناطق الريفية، والحضرية فهي تشعر سكانها بالتغيّر الموسمي، وتربط المدن بعالم الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المسطّحات الخضراء للمدن خدمات النظام البيئي التي تتراوح من الحفاظ على التنوع البيولوجي إلى تنظيم المناخ.[2][3]
تحدث في المدن ظاهرة الجزر الحرارية إذ تمتص الأسطح البيتونية والزجاجية الحرارة، وتحتفظ بها، وتعكسها. نتيجةً لذلك، ترتفع درجات الحرارة في المدن بمقدار 5 درجات مئوية تقريبًا عن محيطها. وتستطيع الغابات، والغطاء النباتي، والمسطحات المائية تخفيف حدة هذه الظاهرة.[2]

على مستوى الاقتصاد

تُحسّن النباتات دوران الهواء، وتوفّر الظل مما يساعد على التبريد، وخفض درجات الحرارة بالتالي تقليل تكلفة الطاقة اللازمة لتبريد المباني. على سبيل المثال؛ كشفت دراسة في شيكاغو أن زيادة مساحة الغطاء النباتي بنسبة 10% يمكن أن يخفّض إجمالي الطاقة اللازمة للتدفئة والتبريد بنسبة 5-10%. [2]

كما تدل المؤشرات أن المساحات الخضراء تزيد من قيم العقارات، وإعادة التحوّل المالي لمطوّري الأراضي بنسبة تتراوح بين 5-15% بحسب نوع المشروع . فمثلًا أدى تجميل سنغافورة وماليزيا، والاهتمام بالغطاء النباتي إلى جذب استثمارات أجنبية كبيرة ساعدت على النمو الاقتصادي.[2]

على مستوى المجتمع

يلبّي الناس معظم احتياجاتهم الترفيهية داخل المنطقة التي يعيشون فيها، وتوفّر المساحات الخضراء مكانًا مناسبًا لهم. على سبيل المثال؛ أشارت دراسة أجريت في هلسنكي عاصمة فنلندا إلى أن أغلب السكان -حوالي 97% منهم- يشاركون في أنشطة ترفيهية في الهواء الطلق خلال العام. ويقوم نصف النزلاء بزيارات في الهواء الطلق على أساس يومي أو كل يومين. أيضًا تستقطب حديقة Chapultepec في المكسيك 3 ملايين زائر في الأسبوع يستمتعون بمجموعة واسعة من الأنشطة الترفيهية.[2]

حديقة Chapultepec في المكسيك.

يؤثر الغطاء النباتي على الصحة البدنية للإنسان، ويقلّل عمومًا مستوى الإجهاد والضغط. وقد أظهرت دراسة أن المرضى الذين واجهت غرفهم الحديقة في المستشفيات، كان شفاؤهم أسرع بنسبة 10% واحتاجوا إلى 50% دواء أقل قوة لتخفيف ألمهم مقارنةً مع المرضى الذين واجهت غرفهم جدار المبنى.[2]

يؤثر تدهور البيئة في الأحياء السكنية سلبًا على شعور السكان بالأمن، وقد يزيد من احتمال حدوث الجرائم. وتفيد دراسة أمريكية أن تخضير المدن قد يقلّل ذلك، ويرافق ذلك زيادة في النشاط البدني حيث يميل الناس إلى ممارسة الرياضة في بيئة أكثر نظافةً، واخضرارًا، وأمانًا. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المساحات الخضراء فرصًا للتفاعلات الاجتماعية مما يساعد في الحد من العزلة، ويعتبر هذا العامل مهمًا بشكل خاص لفئات المسنين.[3]

لماذا يقصد الناس المساحات الخضراء؟

يهتم المخطّطون لفهم سبب ذهاب الناس إلى المساحات الخضراء، وهي أسباب متنوعة على نحو لا يثير الدهشة. وغالبًا ما يكون الغطاء النباتي مكانًا لممارسة الرياضة والنشاط البدني سواءً على أساس فردي أو جماعي. وتشمل الاستخدامات الأخرى الاسترخاء، والحد من الإجهاد أو التواصل مع الطبيعة، أو طريق للتنقّل. ولا يرى جميع المستخدمين المساحات الخضراء بنفس الطريقة، نتيجةً لذلك يستوجب على المخطّطين دراسة تنوّع الأسباب من أجل الوصول إلى التخطيط العمراني الفعّال.[3]

أشارت دراسة أسترالية أن الفئات المختلفة للمستخدمين تمتلك متطلبات مختلفة من المساحات المفتوحة. على سبيل المثال؛ قد يجد البعض أن المسطّحات المائية هادئة، وجذابة في حين قد ينظر إليها آباء الأطفال الصغار على أنها خطر على سلامة أطفالهم.[3]

محدّدات استخدام المساحات الخضراء العامة

تعتبر محدّدات استخدام المساحات الخضراء العامة معقدةً، ومترابطةً، ومتغيرةً كما يحدد حجمها كيفية استخدامها حيث أن المساحات الأكبر تكون عرضةً أكثر للاستخدام في الرياضة. بينما تستخدم المساحات الأصغر في المقام الأول من أجل الراحة والتفاعل الاجتماعي. ذكرت بعض الدراسات كذلك أهمية الوصول إلى المساحات الخضراء، واعتبرت أن المسافة المثلى للوصول تكون أقل من 0.5 كم أو 5 دقائق للمشي. كما أن سهولة الوصول مهمة مثل وجود مسارات للدراجات، والحد الأدنى من العوائق كعدم الحاجة إلى عبور طرق مزدحمة. مثلًا أظهرت دراسة في أودنسي في الدنمارك أن 46% من المستطلعين لم يستخدموا المسطّح الأخضر الأقرب إليهم، بينما وجدوا أن الذين أنجبوا طفلًا دون 6 سنوات، أو يرعون كلبًا، أو يعانون من صحة سيئة هم أكثر احتمالًا لاستخدام أقرب مساحة خضراء إليهم.[3]

تعد مفاهيم النظافة، والأمن، والسلامة محدّدات مهمة، إذ غالبًا ما ترتبط المساحات العامة المهجورة بأنشطة بغيضة مثل القمار غير القانوني، والتشرد، والبغاء فضلًا عن الجريمة، والتخريب. مما ينعكس سلبًا على بعض فئات المستخدمين ولاسيما النساء، والأطفال، والمسنين. بالإضافة إلى ذلك، تلعب مشاعر التماسك الاجتماعي دورًا مهمًا في لجوء الأفراد إلى الحدائق العامة، وقد تكون المجموعات العرقية والأقليات أقل احتمالًا لاستخدامها. [3]

مستقبل مستدام للمدن

في إطار السعي إلى تحقيق التنمية الحضرية المستدامة يبرز الدمج بين الهندسة المعمارية والمساحات الخضراء كأداة قوية لإنشاء مدن فعّالة، ونابضة بالحياة، وشاملة للجميع. فلا يكمن مستقبل العمارة في المباني الشاهقة، وناطحات السحاب فحسب بل في التكامل السلس للطبيعة مع المنشآت المبنية.

المصادر

  1. Archdaily
  2. Research Gate
  3. National Library of medicine

ما أهمية مراعاة الضوء الطبيعي في العمارة؟

يتمتع الناس بثمار الحضارة مع تقدّم العلم والتقنيات الذكية، بينما يعانون في نفس الوقت من العقوبات الطبيعية مثل أزمة الطاقة والاحتباس الحراري والتغيّر المناخي. نتيجةً لذلك، نشأت فكرة العودة إلى الطبيعة ويثير هذا النوع من التفكير رغبة الإنسان في إعاده بناء بيت أخضر. إلا أن الأضرار التي تلحق بالبيئة في تزايد مستمر، وأصبح الناس يبتعدون أكثر فأكثر عن الشمس، والهواء. بسبب ذلك يفكر المعماريون اليوم في كيفية دمج العمارة مع الطبيعة، وإدخال الضوء الطبيعي في العمارة.

أهمية الضوء الطبيعي في العمارة

يعتبر الضوء الطبيعي في العمارة عاملًا أساسيًا للرفاهية البصرية، والصحية، ويعزز كذلك الاستهلاك الرشيد للطاقة. وقد أبرزت بعض الدراسات أهمية ضبط، وتصميم الضوء الطبيعي للحد من استهلاك الكهرباء، وضمان توفر ظروف الإنارة المناسبة لمختلف الأنشطة، والوظائف ولاسيما في المدارس من أجل نهج تصميم أكثر استدامة.[1]

الإشعاع الضوئي والاستضاءة

يعد الإشعاع الضوئي، والاستضاءة المفهومين الأولين الذين يجب النظر فيهما من أجل مراعاة إدخال الضوء الطبيعي في العمارة. ويشير مصطلح الإشعاع إلى الطاقة الكلية التي يعكسها، أو ينقلها، أو يستقبلها سطح ما لكل زاوية في كل منطقة. وهو مقياس يُقيّم مستويات معينة من الضوء في يوم ووقت محددين مسبقًا محاكيًا ظروف السماء المحلية.[2]

من ناحية أخرى، تقيس الاستضاءة كمية الضوء المنبعث من مصدر ما، والمستقبل من سطح ما. أي التدفق الضوئي في وحدة المساحة، وتقاس باللوكس (لومن لكل متر مربع). [2]

نمذجة ضوء النهار

يعتمد المهندسون المعماريون اليوم على برامج محاكاة 3D متقدمة لتصميم مشاريعهم. وتقدّم بعضها خيارات تسمح بنمذجة ضوء النهار من خلال تحديد موقع المشروع بدقة، والعوامل المحيطة. ويستطيع المعماريون تقييم، ومقارنة خيارات التصميم المختلفة، مثل توجه المبنى، أو حجم النوافذ ومواقعها، أو مواد البناء. وتمكّنهم كذلك من التحقق من مستويات الإنارة في المساحات، أو حتى التنبؤ بمصادر الوهج المفرط، والتي تكون غير سارة للشاغلين.[2]

تقدّم أنظمة تقييم المباني الخضراء GBRSs أيضًا لوائح تتعلق بالضوء الطبيعي في العمارة لمنح درجات الاستدامة مثل BREEAM، وLEED، وCHPS.

مقاييس الإضاءة الرئيسية

الإضاءة النهارية المفيدة UDI

يحسب المقياس النسبة المئوية للمساحة التي تقع في مستوى الاستضاءة المطلوب خلال أكثر من نصف الوقت المدروس. وتعد عمومًا مستويات لوكس التي تكون أقل من 100 غير كافية لمعظم المهام. في حين أن 200-300 لوكس كافية لكن قد تتطلب إضاءة اصطناعية إضافية. ويقع مستوى الاستضاءة المطلوب في نطاق 300-3000 لوكس، بينما تجاوز هذا الحد قد يؤدي إلى عدم الراحة البصرية والحرارية.[2]

صورة توضح مقياس UDI على مسقط مبنى.

استقلالية حيز ضوء النهار SDA

يقيس SDA كمية الضوء الطبيعي النهاري على مدار السنة، والتي تتجاوز الاستضاءة فيها المستوى المطلوب. على سبيل المثال 300 لوكس في منطقة معينة خلال 10 ساعات في اليوم على مدار السنة.[2]

صورة توضح مقياس SDA على مسقط مبنى.

التعرض السنوي للضوء ASE

يساعد ASE على الحد من التعرض المفرط لضوء الشمس، والذي يمكن أن يسبب الوهج، وزيادة الحرارة. ويمثل المقياس النسبة المئوية للمساحة التي يتجاوز فيها التعرض المباشر لأشعة الشمس مستوى استضاءة محدد مسبقًا. على سبيل المثال، 1000 لوكس لعدد معين من الساعات خلال السنة.[2]

صورة توضح مقياس ASE على مسقط مبنى.

احتمال الوهج البصري DGP

يساعد هذا المقياس على تحديد مناطق الوهج التي تعتبر مصدر قلق وخاصةً في مجالات العمل، والدراسة. وتتراوح درجاته من ملاحظ إلى اضطراب، وغير محتمل.[2]

صورة توضح مقياس DGP على مسقط مبنى.

ضرورة وجود الضوء الطبيعي في العمارة

يعتبر الضوء الطبيعي في العمارة مصدرًا آمنًا، ونظيفًا للإنارة إذ يسمح للناس بإدراك الحجوم، والأشكال، والنسب، والألوان، وما إلى ذلك. ويتميز بخصائص الإضاءة الموحدة، وإمكانية الوهج المنخفض، واللون الجيد. بالإضافة إلى ذلك، يوفر الضوء الطبيعي الموارد والطاقة. فبدأ المزيد من المعماريين باستخدام الإنارة الطبيعية من أجل تحسين راحة المستخدمين، والحد من استهلاك الكهرباء. ووفقًا لإحصاء اللجنة الدولية للإضاءة، يستهلك العالم حوالي 23.398 مليار كيلو واط ساعة من الكهرباء سنويًا، منها أكثر من 15% على الإضاءة الاصطناعية. وسوف يطلق هذا أكثر من 10 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأكثر من 10 ملايين طن من الغازات الضارة مثل ثاني أكسيد الكبريت. [3]

لطالما أساء الناس فهم الضوء الطبيعي بسبب تأثيره الحراري لأنه يُسخن الفراغ. لكن في الواقع، إذا تم توفير نفس الاستضاءة من منبع طبيعي وآخر صناعي، فستكون الحرارة الناتجة عن الضوء الطبيعي أقل من معظم منابع الضوء الاصطناعي. نتيجةً لذلك، تساعد النسبة الفعّالة من الضوء الطبيعي في العمارة على تقليل حمل تكييف الهواء. لذلك يعتبر التأثير الحراري للضوء سيف ذو حدين، فقد تختلف نتائجه بسبب اختلاف زاوية الإشعاع الشمسي، أو الوقت، أو التوجيه. بينما يستطيع توفير حرارة مجانية للمبنى في المناطق المعتدلة، والباردة.[3]

التأثير السلبي للضوء الطبيعي في العمارة

  • التلوث الضوئي: تشرق الشمس بقوة فتعكس الجدران الزجاجية، وجدران الطوب والرخام المصقول الضوء الأبيض الساطع مما يبهر أعين الناس. ووجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعملون، ويعيشون في بيئة التلوث الضوئي الأبيض لفترة طويلة سيعانون من درجات متفاوتة من تلف شبكية العين والقزحية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتلوث الأبيض أن يعرض الناس للدوخة، والقلق، والأرق، وحتى انخفاض الشهية، والاكتئاب.
  • الإشعاع المفرط: يسبب آثارًا سلبيةً ولاسيما في مناطق الصيف الحار والشتاء البارد. حيث تستمر درجة الحرارة العالية لفترة طويلة في الصيف، ويدخل الإشعاع الشمسي المباشر الغرفة ويتداخل بشكل كبير مع جهود أجهزة التبريد. كما يفاقم الزجاج أحادي الاتجاه هذه المشكلة.
  • الجزر الحرارية الحضرية: تحدث عندما تحل المدن محل المساحات الخضراء، فتزداد الأرصفة، والمباني البيتونية التي تمتص الحرارة وتحتفظ بها. وتخزن المباني الزجاجية كذلك المزيد من الحرارة، وينعكس هذا الإشعاع الحراري بين المباني فترتفع درجات الحرارة.[3]

اعتبارات تصميمية مهمة

ينبغي عند دراسة الإنارة الطبيعية النظر في عوامل مثل وظيفة المبنى، والمناخ، واتجاه الرياح السائد، والطبوغرافيا. ويمكن التعامل مع كل اتجاه من المنشأة بشكل مختلف مثل اختيار النوافذ، والشرفات، والكاسرات الشمسية المناسبة.[1]

يجب عند تصميم غرفة ما توزيع الاستضاءة بشكل متساوٍ لتجنب التعب البصري وتداخل الوهج. وتلعب أبعاد الغرفة وارتفاعها عاملًا رئيسيًا في عملية التصميم، واختيار حجم، واتجاه، وأبعاد النوافذ. على سبيل المثال؛ تتطلب غرفة القراءة نسبة استضاءة عالية، ويجب أن تمثل النوافذ بين 1/4-1/6 من مساحة الغرفة. بينما تمتلك غرفة المعيشة متطلبات منخفضة نسبيًا للاستضاءة، وتحتاج النوافذ فقط إلى 1/8-1/10 من مساحة الغرفة.[3]

لا يتطلب تصميم الضوء الطبيعي الناجح بالضرورة نوافذ واسعة النطاق، إذ تعتبر الموازنة بين المتطلبات الوظيفية، والمناخ المحلي العامل الأهم للتصميم الجيد. ويمكن كذلك الاعتماد على نوافذ السقف لإنارة المساحات الكبيرة والعميقة مثل قاعات العرض، والمصانع، والمباني العامة. كما قد تحتاج إلى مناور وباحات مكشوفة.[3]

التأثير البصري للضوء الطبيعي في العمارة

يؤثر الضوء الطبيعي على كيفية إدراكنا وتفاعلنا مع الفراغ من حولنا. مثلًا صمم ستيفن هول مهجع الطلاب في جامعة MIT في أمريكا على شكل هيكل مسامي ليعمل كإسفنجة تمتص الضوء من خلال سلسلة من الفتحات الكبيرة. وأشار إليها في رسوماته الأصلية على أنها رئتا المبنى لأنها ستجلب الضوء الطبيعي، والتهوية. لكن لسوء الحظ لم يُنفذ التصميم الأولي بسبب لوائح مكافحة الحرائق، إلا أن هول حافظ على المفهوم الأساسي بالاعتماد على نوافذ أصغر، فخلقت النوافذ وميضًا مستمرًا من الضوء. [4]

مهجع جامعة MIT في بوسطن بأمريكا.

تحتوي كل غرفة سكن على 9 نوافذ قياس كل منها حوالي 60*60 سم، ويمكن فتحها بشكل منفصل. فيستطيع الطلاب بهذه الطريقة اختيار النافذة وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة.[4]

داخل غرفة سكن في جامعة MIT.
فراغ داخلي منار من مهجع جامعة MIT.

يتمكن المعماريون من جذب انتباه الناس عن طريق كسر وحدة الفضاء المتجانس، والضوء هو أفضل طريقة لخلق الاختلاف. فيمكن تشكيل تباين بصري بين اللون الفاتح والداكن عن طريق إضاءة نقطة معينة، وغالبًا ما يضاء الجزء الذي يحتاج المعماري إلى إبراز أهميته وتأكيده. على سبيل المثال؛ كنيسة جامعة MIT في أمركيا من تصميم إيرو سارينين، حيث صنع سارينين فتحةً دائريةً فوق المذبح مباشرةً من أجل السماح للضوء الطبيعي بالسقوط رأسيًا على المذبح.[3]

فتحة السقف في كنيسة جامعة MIT.

بالإضافة إلى ذلك، فقد علّق العديد من العاكسات المصنوعة من الأسلاك الحريرية الرفيعة كحاملات للضوء. وعند مقارنة المذبح مع محيطه المعتم فهو واضح جدًا، وإيجابي، ومليء بالسحر.[3]

كنيسة جامعة MIT في أمريكا.

بشكل عام يعد الضوء الطبيعي قضيةً يجب الاهتمام بها، حيث ينبغي وزن الإيجابيات، والسلبيات وفقًا لعوامل شاملة مثل وظيفة المبنى، والبيئة، والاقتصاد، من ثم اختيار التصميم المستدام الأفضل.

المصادر

  1. sustainable buildings journal
  2. Archdaily
  3. Research Gate
  4. Archdaily

كيف تحصل المباني على شهادة LEED؟

نال أكثر من 80 ألف مبنى بحلول عام 2015 على شهادة LEED في أنظمة تقييم المباني الخضراء GBRSs، وعمل أكثر من 100 ألف من المهنيين المعتمدين معهم. فما هي شهادة LEED؟ وما المباني التي تستحقها؟

ماذا يقصد بشهادة LEED؟

تستخدم «الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة- LEED» برنامج لإصدار شهادات البناء الأخضر في جميع أنحاء العالم. وقد بدأ تطوير تلك الشهادات عام 1993 بدعم من «مجلس المباني الخضراء الأمريكي غير الربحي- USGBC». وتشمل مجموعةً من أنظمة التصنيف من أجل تصميم، وبناء، وتشغيل، وصيانة المباني، والمنازل، والأحياء الخضراء. ويسعى البرنامج عمومًا إلى مساعدة مالكي المباني، والمشغلين ليكونوا مسؤولين بيئيًا، لاستخدام الموارد المتاحة بكفاءة.[1]

كيف يعمل نظام تقييم LEED؟

يحصل كل مشروع على تقييم نقاط، ويبلغ الحد الأقصى الممكن تحقيقه 100 نقطة، عبر 6 فئات وهي: المواقع المستدامة، وكفاءة المياه، والطاقة والغلاف الجوي، والمواد والموارد، وجودة البيئة الداخلية IEQ، وابتكار التصميم.[2]

فئات تصنيف نظام LEED.

وتشمل كل هذه الفئات بعض المتطلبات الإلزامية التي يجب تحقيقها لكن لا يحصل المشروع على أية نقاط عليها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الحصول على ما يصل إلى 10 نقاط إضافية: 4 نقاط للائتمانات الإقليمية ذات الأولوية، و6 نقاط للابتكار في التصميم. بينما يعترف LEED المخصّص للمنازل بفئات إضافية خاصة مثل سهولة الوصول إلى وسائل النقل، والأماكن المفتوحة، والأنشطة البدنية في الهواء الطلق، وحاجة المباني إلى توعية شاغلي المساكن.[1][2]

ويوجد 4 مستويات من الشهادة وهي:

  1. شهادة مصدقة: بمجموع نقاط 40-49 نقطة.
  2. شهادة فضية: بمجموع نقاط 50-59 نقطة.
  3. شهادة ذهبية: بمجموع نقاط 60-79 نقطة.
  4. شهادة بلاتينية: بمجموع نقاط من 80 وما فوق.[2]
مستويات شهادة LEED.

تطوّر نظام التقييم

تطوّرت شهادة LEED منذ عام 1998لتمثيل، ودمجت تقنيات البناء الأخضر الناشئة بشكل أكثر دقة. وتضم:

LEED v3

طوّر LEED v3 عام 2009 ويشمل 10 أنظمة تصنيف، وتصميم ومنها عمليات صيانة المباني الخضراء، وتنمية الأحياء الخضراء، وتصميم وتشييد الإنشاءات الجديدة كالمدارس، ومرافق الرعاية الصحية وغيرها الكثير. وقام هذا الإصدار بمواءمة اعتمادات تقييم LEED مرجّحًا الأولوية البيئية مع برنامج شهادة طرف ثالث منقّح. [1]

قبل تقييم واعتماد أي مشروع للحصول على شهادة LEED v3 يجب أن يمتثل المبنى للقوانين واللوائح البيئية، وحدود الموقع ونسبة البناء وغيرها من الخطط. كما يجب على صاحب المشروع أن يتبادل البيانات عن كيفية استخدام المبنى للطاقة والمياه لمدة 5 سنوات بعد تشغيله وذلك للإنشاءات الجديدة، أو بعد تاريخ التصديق في حالة المباني الموجودة سابقًا.[1]

LEED Canada

حصل مجلس المباني الخضراء الكندي عام 2003 على إذن لإنشاء نظام LEED. وتحصل العديد من المباني في كندا على شهادة معتمدة بسبب ممارساتها في تجميع مياه الأمطار. [1]

LEED v4

طُوّر LEED v4 عام 2014 وفيما يتعلّق بالاعتماد في معيار LEED BD+C أي بتصميم وتشييد المباني الخضراء، فتتناول فئة جودة البيئة الداخلية كل من الراحة الحرارية، والبصرية، والصوتية، فضلًا عن جودة الهواء في الأماكن المغلقة. بالإضافة إلى ذلك، فقد ربطت البحوث رضاء السكان وأداءهم بالظروف الحرارية للمبنى. [1]

LEED v5

يعتبر v3 آخر إصدار، ويسعى لمواءمة البيئة المبنية مع أهداف اتفاق باريس للمناخ لعام 2030 و2050. ويتناول قضايا بالغة الأهمية مثل العدالة، والصحة، والأنظمة البيئية، والمرونة. وأطلق من الإصدار نظام تصنيف المباني القائمة والصيانة فقط، إذ ظهر لأول مرة في مؤتمر Greenbuild، ومعرض expo عام 2023. ولا تزال باقي التصنيفات تخضع للدراسة.[3]

ما خطوات الحصول على شهادة LEED؟

تُمنح شهادة LEED من قبل معهد شهادة المباني الخضراء GBCI والذي يرتّب عملية تحقيق امتثال المشروع لمتطلبات النظام من قبل طرف ثالث. وتتألف عملية التصديق من طلب التصميم، وطلب التشييد. فيقع طلب التصميم ضمن اختصاص المعماري، ويوثق في المخططات الرسمية للتنفيذ. أما طلب التشييد فهو من اختصاص مقاول البناء، ويوثق أثناء تشييد المبنى، وبدء تشغيله. ويلزم دفع رسوم لتسجيل المشروع، وتقديم طلبات التصميم والتشييد. وتقدر الرسوم الإجمالية على أساس مساحة المبنى، لكن تتراوح عمومًا بين 2,900 دولار كحد أدنى، وأكثر من مليون دولار لمشروع كبير. وتحدث مراجعة الطلبات وعملية التصديق من خلال الإنترنت.[1]

أداء الطاقة وجودة البيئة الداخلية

لا تحتاج المباني المصدقة من LEED إلى إثبات كفاءة الطاقة أو المياه في الممارسة العملية للحصول على نقاط. لكن بدل من ذلك، يعتمد النظام على برنامج نمذجة للتنبؤ باستخدام الطاقة في المستقبل. وقد أدى ذلك إلى انتقاد قدرة النظام على تحديد كفاءة المباني بدقة.[1]

على سبيل المثال؛ في عام 2013 حلّل باحث 21 مبنى معتمد من LEED في نيويورك، ووجد أن المباني الحاصلة على شهادة ذهبية تستهلك طاقة مصدرية أقل بنسة 20%. في حين أن المباني الحاصلة شهادة فضية تستهلك طاقة أكثر بنسبة 11-15% في المتوسط من نظيرتها التقليدية. بينما دراسة أخرى أجريت عام 2003 وجدت عند تحليل 60 مبنى معتمد من LEED أن المباني كانت في المتوسط أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة بنسبة 25-30%. بالإضافة إلى ذلك ظهرت فوائد أخرى كبيرة مثل زيادة الإنتاجية بسبب تحسين التهوية، وضبط درجة الحرارة والإضاءة، والتلوث.[1]

أما عند النظر في جودة البيئة الداخلية فتشمل الدراسات عدّة عوامل مثل الصوتيات، ونظافة المبنى وصيانته، والألوان والتركيبات، وارتفاع السقف، وإمكانية الوصول إلى النوافذ وتظليلها، وغيرها من الأمور. وقد توفر المباني المعتمدة رضًا أعلى في الأماكن المفتوحة عن المكاتب المغلقة، وفي المباني الصغيرة عن المباني الكبيرة. كما يختلف الأمر بالنسبة للسكان والمستأجرين والعاملين في المكاتب التجارية ومدة عملهم ضمن البناء إذ تلاحظ الدراسة أن رضاهم في مباني LEED قد يميل إلى الانخفاض مع مرور الوقت. [1]

مشاريع LEED من منظور مالي

ترتفع تكلفة التصميم الأولي والبناء في أغلب الأحيان عند السعي للحصول على شهادة LEED. مثلًا يوجد نقص في توافر مكوّنات المبنى التي تلبي المواصفات المطلوبة. توجد كذلك تكاليف إضافية لمراسلة مجلس المباني الخضراء الأمريكي، ومستشاري مساعدي تصميم LEED. والتي لا تعتبر ضروريةً في حد ذاتها من أجل تنفيذ مشروع مسؤول بيئيًا. لكن يجادل المؤيدون أن هذه التكاليف يمكن تخفيفها من خلال الوفورات المتكبدة مع مرور الوقت بسبب التقنيات المستدامة. وقد يأتي كذلك عائد اقتصادي إضافي في شكل مكاسب إنتاجية الموظفين نتيجة العمل في بيئة أكثر صحية.[1]

وجدت عدة دراسات أجريت عام 2008 أن المباني المعتمدة من LEED تفرض عمومًا أجارًا وأسعار بيع، ومعدلات إشغال أعلى من المباني العادية، ومعدلات رسملة أقل، مما يعكس مخاطر استثمارية أقل. علاوةً على ذلك، فقد اعتمدت العديد من الحكومات المحلية برامج تحفيزية في هذا المجال. ويمكن أن تشمل إعفاءات ضريبية، أو مكافآت، أو رسوم منخفضة، أو قروض منخفضة الفائدة وغيرها الكثير. على سبيل المثال؛ اعتمدت سينسيناتي في أوهايو تدبيرًا ينص على إعفاء تلقائي من ضريبة الممتلكات العقارية بنسبة 100% من قيمة الممتلكات المقدرة التجارية أو السكنية المشيدة حديثًا أو المعاد تأهيلها، والتي تحصل على الحد الأدنى من شهادة LEED. كما أعلن مجلس المباني الخضراء الأمريكي عن حملة اسمها LEED Earth والتي ترد فيها رسوم التصديق على أول مشروع معتمد من LEED في بلد لا يوجد فيه مشاريع معتمدة سابقًا.[1]

انتقادات كثيرة

لا يختلف نظام التقييم بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالظروف البيئية المحلية. مثلًا سيحصل مبنى في ولاية ماين على نفس النقاط لمبنى في ولاية أريزونا للحفاظ على المياه على الرغم من أن الظروف البيئية مختلفة جدًا. بالإضافة إلى ذلك، يشتكي الكثيرون من أن تكاليف التصديق يمكن استعمالها على نحو أفضل لجعل المشروع أكثر استدامةً.[1]

تهدف المباني المعتمدة من LEED إلى استعمال الموارد بكفاءة أكبر مقارنةً مع الهياكل التقليدية. بالرغم من ذلك، يبين تحليل بيانات استخدام الطاقة والمياه في نيويورك أن شهادة LEED لا تجعل بالضرورة المبنى أفضل ففي النهاية LEED هي أداة تصميم، وليست أداة قياس الأداء. وأظهر استعراض أجري في صحيفة USA Today أن 7100 مشروع تجاري معتمد استهدف نقاطًا خضراء رخيصةً، وسهلةً مثل توفير مساحات صحية أو توفير عروض تعليمية. بينما اعتمد عدد قليل من المشاريع على الطاقات المتجددة بسبب التكلفة الأولية المرتفعة.[1]

أطلق باحثون ما يدعى بدماغ LEED والذي لا يأخذ في الحسبان الموقع الذي يتواجد فيه المبنى المعتمد. على سبيل المثال؛ أنشأت شركة Gap inc في سان براون في كاليفورنيا مبنى العرض الأخضر. يعد المبنى في حد ذاته نموذجًا صديقًا للبيئة لكن بموقعه على بعد 26 كم من مقر الشركة في وسط مدينة سان فرانسيسكو، و24 كم من حرم شركة Gap في ميشن باي، أصبح المبنى ضارًا بالبيئة. بسبب إجبار موظفي الشركة على قيادة المزيد من المسافات وكذلك بسبب إضافة حافلات بين الأفرع المختلفة.[1]

في مثال آخر عن دماغ LEED، نقلت وكالة حماية البيئة الفيدرالية مقرها من وسط مدينة كانساس إلى مبنى معتمد على بعد 32 كم من المدينة. مما تسبب في جعل موظفي الوكالة البالغ عددهم 627 شخص يقودون مسافات إضافية من وإلى العمل. وقدر باحث أن انبعاثات الكربون المرتبطة بالأميال الإضافية المقطوعة ازدادت 3 أضعاف على ما كانت عليه سابقًا. نتيجةً لذلك يعد الكربون الذي وفره المبنى الجديد جزءًا صغيرًا من الكربون المنبعث بسبب الموقع الحديث.[1]

مبانٍ حصلت على شهادة LEED

مدرسة TBS في إسبانيا

بنيت مدرسة TBS في برشلونة عام 2022 لاستيعاب أكثر من 1100 طالب. وهي مبنىً مدرج مع واجهة خزفية تضم فتحات كبيرة. يهدف التصميم إلى إنشاء مساحات تعليمية فعّالة وعالية الجودة مرتبطةً بالغطاء النباتي. وقد حصلت المدرسة على شهادة LEED الذهبية.[4]

مدرسة TBS في برشلونة.
مدرسة TBS في برشلونة.

مركز John A.volpe الوطني لأنظمة النقل

بني المركز في كامبريدج عام 2023 من تصميم الشركة المعمارية SOM. ويبتعد عن الجوار من جميع الجوانب مسافة 22 م تقريبًا لأغراض أمنية تاركًا مساحةً لأماكن خضراء عامة في الهواء الطلق. وتقع كامبريدج في أحد المناخات الأكثر برودةً في البلاد، حيث تبقى الشمس منخفضةً معظم السنة. وفيما يتعلق بالمشروع فقد استهدف شهادة LEED البلاتينية، إذ تلعب الواجهة والتوجه دورًا رئيسيًا في تحقيق ذلك. فقد وجّهوا المركز لتعظيم الإضاءة النهارية بالكامل.[5]

مركز John A.volpe الوطني لأنظمة النقل.

فتواجه الواجهات ذات المساحة الأقل الشرق والغرب حيث يكون الوهج أقوى في الصباح والمساء، وتغطى بالزجاج مع ألواح الألمنيوم الرأسية التي تمتد إلى الخارج لمنع الوهج والإشعاع الشمسي. بينما تمتد الواجهة الجنوبية على أكثر مساحة، وتحميها الألواح الأفقية، فتتلقى معظم أشعة الشمس المباشرة في ساعات ما بعد الظهر. أما بالنسبة للجانب الشمالي، فيتلقى أشعة الشمس غير المباشرة على مدار السنة مما جعل من الممكن تحسين الإضاءة الطبيعية مع جدار ساتر بسيط من الزجاج والألمنيوم. بالإضافة إلى ذلك، يملك المبنى تقنيات أخرى تساعد على تحقيق الاستدامة مثل المضخات الحرارية، وتقنيات جمع مياه الأمطار والري وغيرها الكثير. [5]

مركز John A.volpe الوطني لأنظمة النقل.

مكاتب A111 في إسبانيا

تقع مكاتب A111 في برشلونة، وبنيت عام 2022 بمواد بناء طبيعية تذكرنا بطوب الإنشاءات القديمة فينسجم المشروع مع المشهد الحضري للحي. وتنطوي خطته على إدراج المحاور الخضراء مما يسمح بالتفاعل مع الطبيعة. كما يعزز التصميم صحة وراحة المستخدمين، ويضع مسطح مائي عند مدخل المبنى لتلطيف الجو وتعزيز الفائدة. يركز المشروع على التنوع البيولوجي، بحيث تحتوى جميع المكاتب على مساحات خارجية وفيرة من النباتات يبلغ مجموعها 1380 متر مربع من الشرفات. نتيجةً لكل ذلك، حصل المبنى على شهادة LEED البلاتينية.[6]

مكاتب A111 في إسبانيا.
مساحة داخلية من مكاتب A111 في إسبانيا.

برج TAIPEI 101 في تايوان

يعد برنامج TAIPEI 101 من أطول الأبراج في العالم مع 101 طابق، وقد نال شهادة بلاتينية بعد جمعه 82 نقطة. مثلًا يستخدم البرج أنظمة إدارة الطاقة والتحكم EMCS لتعديل درجات الحرارة وجداول تشغيل التكييف وفقًا لاحتياجات المستأجرين الفعلية. انخفض استهلاك الطاقة عمومًا، ويتم توفير أكثر من 2 مليون دولار أمريكي سنويًا. ورُكبت كذلك مصابيح تحتوي على كميات قليلة من الزئبق، أو لا تحتوي على زئبق في جميع أنحاء المبنى للحد من مستويات التلوث السام المحتمل. بالإضافة إلى ذلك، فقد أدخلت تركيبات مياه منخفضة التدفق إلى جانب نظم مخصصة لإدارة المياه. فأدى ذلك إلى خفض استهلاك المياه دون تعريض رضى المستأجرين للخطر. وساعد على تقليل استخدام مياه الشرب بنسبة 30% على الأقل مقارنةً مع متوسط استهلاك البناء سابقًا، مما يوفر حوالي 28 مليون لتر من مياه الشرب سنويًا.[7]

برج TAIPEI 101 في تايوان.

فهل برأيك تلعب أنظمة تقييم المباني الخضراء دورًا إيجابيًا في تعزيز الاستدامة وتشجيع العمارة الخضراء، أم أنها لا تشكّل أي تغيير مهم بل تزيد من التكلفة الإجمالية فقط؟

المصادر

  1. Scholarly community encyclopedia
  2. USGBC
  3. USGBC
  4. Archdaily
  5. Archdaily
  6. Archdaily
  7. USGBC

كيف تعمل أنظمة تقييم المباني الخضراء؟

يعتبر التحرك نحو العمارة الخضراء الهدف الأساسي للعمارة في عصرنا. ويبدو للبعض أن استخدام الأجزاء الخضراء لوحدها هي الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق ذلك، لكن في الحقيقة الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. نتيجةً لذلك ظهرت «أنظمة تقييم المباني الخضراء – Green Building Rating Systems»، لقياس الاستدامة الفعلية للمباني. فماذا يقصد بأنظمة تقييم المباني الخضراء؟

تصنيف المباني الخضراء

لكي نفهم الفكرة التي تجمع بين عنصرين مختلفين وهما المبنى الأخضر، ونظام التصنيف، علينا فحصهما بشكل منفصل أولًا. حيث يعتبر المهندسون المبنى الأخضر مفهومًا متعدد الأوجه، يشير إلى مجموعة واسعة من القضايا. ويعرفه المجلس العالمي للبناء الأخضر World GBC على أنه مبنى يقلل، أو يزيل التأثيرات السلبية، ويمكن أن يخلق تأثيرات إيجابية على مناخنا وبيئتنا الطبيعية، كما يحافظ على الموارد الطبيعية الثمينة، ويحسّن نوعية حياتنا. وتعالج العمارة الخضراء مواضيع متكررة وهي الاستخدام الكفء للطاقة والمياه والموارد الطبيعية، والحد من التلوث، وإدارة النفايات، والمعايير الجيدة في الأماكن المغلقة، وصحة ورفاهية الساكنين. وبرز نهج أكبر للبناء الأخضر مع توسع أهداف الاستدامة بشكل متزايد. فأصبح مراعيًا للتنمية المستدامة من حيث جوانبها الرئيسية الثلاثة -الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية- مع الالتزام بمتطلبات الأداء التقني والوظيفي.[1]

ويقصد بنظام التصنيف : أداة لتصنيف المباني على أساس امتثالها لواحد أو أكثر من المتطلبات التي تؤثر على أداء المبنى الذي يهدف النظام إلى تحديد مستواه. ويقيّم نظام التصنيف، أو يكافئ المستويات النسبية لأداء المنشآت.[1]

أهمية مراعاة البيئة في قطاع البناء

تسهم البيئة المبنية في القضايا الاجتماعية- الايكولوجية بشكل رئيسي، ولاسيما تغير المناخ. واعتبر الباحثون أن اعتماد نهج مراعٍ للبيئة، والمجتمع في قطّاع الإنشاءات أمرًا بالغ الأهمية منذ عقود. وينبع ذلك في المقام الأوّل من التأثير الكبير الذي تحدثه البيئة المبنية من حيث استهلاك الطاقة، والموارد، وكذلك الانبعاثات.[1]

يمثل قطّاع البناء في المواقع على الصعيد العالمي 31% من مجمل الاستعمال النهائي للطاقة، 54% من الطلب النهائي على الكهرباء، و23% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة. ويأتي ثلثها من الاستهلاك المباشر للوقود الأحفوري. وحتى في أوروبا حيث بُذل جهد كبير للحدّ من تأثير البناء، لكن لا تزال المباني مسؤولةً على نحو 40% من استهلاك الاتحاد الأوروبي للطاقة، وعن 36% من إجمالي انبعاث غازات الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى ذلك، تستهلك صناعة البناء أكثر من 40% من المواد الخام للاقتصاد العالمي سنويًا، ومعظمها غير متجدّد. وتنتج أكثر من 35% من النفايات العالمية. ولا يمكننا أن ننسى المياه، إذ تستخدم 17% من المياه العذبة لتشييد المباني وتشغيلها.[1]

الحاجة إلى أنظمة تقييم المباني الخضراء

تبرز أنظمة تقييم المباني الخضراء كوسيلة لتقدير ومكافأة المنظمات والأفراد الذين يشيدون، ويديرون مبانٍ خضراء، بالتالي تشجيعهم على دفع حدود الاستدامة إلى الأمام. وقد تطوّرت هذه الأنظمة باستمرار بسبب الحاجة إلى التعامل مع التحدّيات العالمية المتنامية مثل نوعية البيئة المبنية، والتي تؤثر بدورها على صحة ورفاهية السكّان. على سبيل المثال، انبعاثات المركبات العضوية المتطايرة في الأماكن المغلقة، وعدم الراحة بسبب الرطوبة، أو الافتقار إلى المساحات المفتوحة.[1]

ورغم أن الطلب على الطاقة في قطاع البناء أعلى منه في قطاعي الصناعة والنقل، إلا أن التشييد ينطوي على أعلى إمكانات خفض الانبعاثات، وذلك لأنه يمتلك ميزة المرونة. ويعتقد الخبراء أن اعتماد ممارسات بناء أكثر استدامة يستطيع تحسين ظروف الحياة. ويقودنا هذا بدوره إلى مفهوم البناء الصديق للبيئة، الذي أخذ بالانتشار تدريجيًا.[1]

أنظمة تقييم المباني الخضراء

يقصد «بأنظمة تقييم المباني الخضراء – GBRSs» المعايير التي تقيس مستوى استدامة المباني من خلال تقييم متعدد المعايير، وتشجع على تبني ممارسات مستدامة بيئيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا في تصميم وبناء، وتشغيل، المنشآت. وتهدف هذه النظم إلى توجيه المشروع وتقييمه طوال دورة حياته مما يحد من الأثر السلبي على البيئة، وكذلك على صحة شاغلي المبنى ورفاهيتهم، بل ويقلل من التكاليف التشغيلية أيضًا.[1]

أنواع مختلفة لأنظمة تقييم المباني الخضراء

تتنوع أنظمة تقييم المباني الخضراء حول العالم، وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بينها، لكنها تلتزم بنفس هيكل التقييم العام. وهو قياس أداء المشاريع باستخدام مجموعة من المؤثرات ذات الصلة مجمّعةً حسب المواضيع. مثل إدارة المياه، واستخدام الطاقة ومواد البناء، وخصائص الموقع. ويخصص لكل متطلب درجة أو حكم معين، من ثم يحدد مجموع الدرجات النهائي مستوى الاستدامة التي حققها البناء. ويرجع سبب تنوع الأنظمة إلى حاجة كل بلد إلى التكيُّف مع نظام معين بحسب خصوصيته. مثل الأولويات المناخية والبيئية، ونوع البناء السائد، والموارد المحلية، والثقافة، وقوانين البناء المحلية. نتيجةً لذلك اعتمد كل نظام وحدات ومقاييس مختلفة مما يجعل أي مقارنة أو تعاون بينها أمرًا صعبًا إلى حد ما. [1]

أمثلة عن أنظمة تقييم المباني الخضراء

نظام LEED

تأسس LEED عام 1993 وهو برنامج اعتماد ابتكره مجلس المباني الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية. ويهدف إلى تشجيع، وتطوير الممارسات المستدامة عن طريق أدوات ومعايير قياس الأداء. ويتعامل النظام مع العديد من أنواع الأبنية كالمدارس، والمكاتب، ومرافق الرعاية الصحية، والمساكن الخاصة، وغيرها. ويركز على 5 مجالات وهي: التنمية المستدامة للموقع، وتوفير المياه، وكفاءة الطاقة، واختيار المواد، وجودة البيئة في الأماكن المغلقة. ويرتب LEED المباني على أساس عدد النقاط المخصصة للمجالات الخمسة السابقة، من ثم يمنح شهادات معتمدة وهي الفضة، والذهب، والبلاتين.[2]

نظام BREEAM

يقيس «طريقة التقييم البيئي لمؤسسة أبحاث البناء- BREEAM» ويحدد أداء استدامة المباني، ويضمن تلبية المشاريع لأهداف الاستدامة، ومواصلة الأداء الأمثل مع مرور الوقت. أطلقتها مؤسسة أبحاث البناء BRE عام 1990، ويتيح إدماج تدابير الاستدامة في أبكر مرحلة ممكنة من المشروع باستخدام BREEAM خفض تكاليف دورة الحياة، وزيادة قيمة الأصول، وتخفيف المخاطر، وغيرها الكثير من الفوائد. ويوفر النظام إطارًا شاملًا لتقييم المبنى، ويقيس القيمة المحققة في سلسلة من الفئات. وهي: الإدارة، والمياه، والطاقة، والنقل، والصحة والرفاهية، والمصادر، والمرونة، واستخدام الأراضي والبيئة، والتلوث، والمواد، والنفايات، والابتكار. وتتناول كل فئة العوامل المؤثرة بما في ذلك التصميم منخفض التأثير، وانبعاثات الكربون المنخفضة، والتصميم المتين والمرونة، والتكيف مع تغير المناخ، والقيمة الإيكولوجية، وحماية التنوع البيولوجي. ويسجل كل معيار محقق من ثم يضرب في المتراجحة. وتتراوح تصنيفات BREEAM من مقبول إلى متفوق، وتنعكس في سلسلة من النجوم كما هو موضح في الجدول. [3]

جدول تقييم BREEAM.

نظام Green Star

أسس مجلس المباني الخضراء في أستراليا Green Star عام 2003، وهو نظام تصنيف معترف به دوليًا يضع معايير للمباني والأماكن الصحية والمرنة والإيجابية، والتي تتطور باستمرار لتراعي البيئة الأسترالية. ويتألف النظام من 4 أدوات قياس، وهي المباني، والمجتمعات، والأداء، والتصميم الداخلي.[4]

أطلق تصنيف Green Star Building عام 2020 لمواجهة تحدّيات العقد المقبل، ويضم 8 فئات تتيح العمل على مجالات الاستدامة كما هو موضح في الصورة.

تصنيف Green Star Building لعام 2020.

ويشمل التصنيف مسار المناخ الإيجابي، وهو مجموعة واضحة من الأهداف المتوائمة مع توصيات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ. بهدف مساعدة المهندسين على تقديم مبنى مناخي إيجابي.

مسار المناخ الإيجابي.

يمنح التصنيف نوعًا واحدًا من الشهادات، وهي شهادة Green Star مع 3 مستويات من التقدير: 4 نجوم أو 5 نجوم، أو 6 نجوم. [4]

نظام CASBEE

طُوّر «نظام التقييم الشامل لكفاءة البيئة المبنية- CASBEE» من قبل لجنة أبحاث أنشئت عام 2001 بالتعاون مع الأوساط الأكاديمية، والحكومات المحلية في اليابان. ويقيس النظام الأداء البيئي للمباني والبيئة المبنية من منزل واحد إلى مدينة بأكملها. وهو قياس شامل لجودة المبنى ويصنف المشاريع في 5 درجات.[5]

يتألف النظام من عدّة أدوات تعرف مجتمعةً باسم عائلة CASBEE، وهي CASBEE للإسكان وتُطبق على المنازل والمباني الفردية. بينما يُستعمل CASBEE للإدارة الحضرية من أجل تقييم الأداء البيئي للكتل الحضرية وتنمية المدن. إضافةً إلى ذلك يستخدم CASBEE للمدن من أجل تقييم الأداء البيئي على نطاق الحكومة المحلية ككل.[5]

أدوات عائلة CASBEE.

تختلف أنظمة تقييم المباني الخضراء لكنها تسعى إلى هدف مشترك وهو تذكيرنا بالاستدامة من أجل غد أفضل. فربما علينا التوقف للحظة وإعادة تقييم أسلوب بنائنا، وعمارتنا، ومدننا.

المصادر

  1. scholarly community encyclopedia
  2. Britannica
  3. Bre group
  4. Green building council Australia
  5. CASBEE

ما هي الجدران الخضراء في العمارة؟

تقدر وكالة حماية البيئة أن الأمريكيين يقضون 90% من وقتهم في الداخل. يجعلنا إنفاق هذا القدر من الوقت في الداخل بالانفصال عن العالم الخارجي مما يؤثّر في كل شيء من إنتاجنا إلى صحتنا العقلية، ناهيك عن المخاوف الصحية البدنية أيضًا. أحد الطرق لإعادة بناء صلتنا بالطبيعة هي استخدام العناصر الحية مثل الجدران الخضراء، والأسطح الخضراء.[1] فما الذي تعرفه عن الجدران الخضراء وما أهمّيتها في العمارة؟

دور النظم الخضراء في الاستدامة

منذ وقت ليس ببعيد لم تعتبر استدامة المباني أولويةً في التصميم على الرغم من أنها أُخذت في الاعتبار إلى حدّ ما. لكن ارتفع مستوى الاستدامة المطلوب ارتفاعًا حادًا في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت المباني ذكيةً، وأكثر اكتفاءً ذاتيًا، وأكثر ملاءمةً للبيئة. وبدأ الخبراء البحث عن حلول جديدة للاستدامة مثل استخدام الأسطح العمودية والأفقية للمبنى.[2]

أصبح من الشائع في ممارسات البناء الحالية رؤية المبنى كهدف كامل، والتركيز كذلك على جوانب مثل المجال الاقتصادي، والتأثير البيئي، وتكامل نظام التدفئة والتكييف. على الرغم من ذلك، لا يعد التفكير في الأنظمة الخضراء كمفهوم شامل من الممارسات الراسخة حتى الآن، إذ ينبغي النظر إليها على الصعيد العالمي خلال عملية التشييد برمّتها. بتعبير آخر ينبغي النظر إليها باعتبارها جزءًا من دورة حياة البناء بأكملها وليس مجرّد تطبيق إضافي قصير الأجل.[2]

ماذا يقصد بالجدران الخضراء؟

يستخدم المؤلّفون العديد من التسميات عند الإشارة إلى جميع أنواع الجدران الخضراء، فيستخدم البعض مصطلح الحديقة الرأسية في حين يدعوها آخرون نظم التخضير الرأسية أو نظم الخضرة الرأسية. يشير مفهوم الجدران الخضراء في الواقع إلى جميع الأنظمة التي تسمح بخضرنة سطح عمودي مثل الواجهات، أو الجدران، أو القواطع مع مجموعة مختارة من أنواع النباتات بغرض زراعة النبات على أو أعلى أو داخل جدار المبنى.[3]

بدأت الجدران الخضراء الخارجية في الظهور باعتبارها جزءًا مخطّطًا ومرغوبًا به من السكان في فترة «الفن الجديد-Art Nouveau» أي في مطلع القرن ال19 والقرن ال20. حيث كان من المفترض أن تكون النباتات وسيلة اتصال طبيعية بين الحديقة والمنزل.[4] والمدهش أن الجدران الخضراء مفهوم جديد نسبيًا فيرجع البعض انتشار هذه الفكرة لأوّل مرّة إلى عالم النبات الفرنسي باتريك بلانك في الثمانينيات.[5]

أنواع الجدران الخضراء

تنقسم الجدران الخضراء عادةً إلى «جدران حية-Living walls» و«واجهات خضراء-Green facades» ومزيج منهما.[4] يكمن الفرق الرئيسي بين الجدران الحية والواجهات الخضراء في هيكلها، والطريقة التي تدمج بها الغطاء النباتي في تصميم المبنى. فتغطّى الجدران الحية بالنباتات التي تنمو على التربة أو الزراعة المائية، وتعد مكتفيةً ذاتيًا، وتشمل مجموعةً متنوعةً من أنواع النباتات.[3]

بينما تعتمد الواجهات الخضراء على تسلّق النباتات أو تعليقها على طول الجدار. فيمكن للنباتات أن تنمو إلى أعلى السطح العمودي مثل الأمثلة التقليدية، أو تنمو إلى الأسفل في حالة تعليقها على ارتفاع معيّن. ويمكن تصنيف الواجهات الخضراء إلى نوعين: مباشرة وغير مباشرة. والواجهات الخضراء المباشرة هي تلك التي تعلّق النباتات مباشرةً على الجدار في حين تشمل الواجهات الخضراء غير المباشرة بنيةً داعمةً للنباتات.[3]

تردّ اختلافات أساسية أخرى بين أنواع الجدران الخضراء يمكن ملاحظتها في الجدول التالي[4]

يوضح الجدول الاختلافات القائمة بين الواجهات الخضراء والجدران الحية.

دورة حياة الجدران الخضراء

تنقسم دورة حياة الجدران الخضراء إلى 4 فئات رئيسية وهي:

مرحلة المشروع

وتعد بداية دورة حياة الجدران الخضراء، وتلقي أكبر عبء على العملية بأكملها من حيث إنتاج الغازات الدفيئة. وتشمل إنتاج المواد بما في ذلك الجزء النباتي الحي، والهيكل الداعم، ويجب بناء نظام الدعم قبل الجزء النباتي بكثير. ويوجد مجموعةً واسعةً من أنظمة الدعم في السوق لمختلف أنواع الجدران الخضراء بعضها مصنوع من البلاستيك، والبعض الآخر من هياكل فولاذية. وعند الاختيار من الضروري الأخذ في الاعتبار إمكانيّة إعادة تدويرها.[2]

مرحلة عملية البناء

تضمّ هذه المرحلة تركيب الأنظمة لإنشاء جدار أخضر مستدام مثل نظام توصيل المياه. وتعد مياه الأمطار الأكثر شعبيةً للري إذ يوصى بشدّة الري بمياه الأمطار لأن المعادن المذابة طبيعيًا الموجودة في المطر تزوّد النباتات بالمواد المغذية مما يقلّل من كمية السماد اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، يكتسب استعمال المياه الرمادية للري المزيد من الشهرة. وتتحدث بعض الأبحاث عن الإمكانات الكبيرة لتصميم الجدران الخضراء كنظم لمعالجة المياه الرمادية، لكن يوجد نقص حاليًا في المؤلفات العلمية التي تخصّ الموضوع.[2]

مرحلة الاستغلال

تتكوّن هذه المرحلة من عدّة أجزاء وهي المرحلة الأولية التي تقاس مدّتها بالسنوات والعقود. وتشمل استخدام الجدار الأخضر، والصيانة، والإصلاح، والاستبدال، والتجديد. ويعتمد طول الحياة عمومًا في المقام الأول على أنواع النباتات المختارة.[2]

مرحلة الإغلاق

وهي نهاية عمر الجدار الأخضر، والتخلّص السليم من النفايات. وقد يتأخّر العمر الافتراضي بسبب الصيانة، والتصميم الملائمين إلا أنه لا يمكن تجنّبه. ويمكن استخدام نفايات النباتات الميتة ككتل حيوية. وتشمل المرحلة أيضًا هدم الجدار الأخضر، والآثار البيئية المرتبطة بالتخلص من المكوّنات، أو إعادة تدويرها، أو استعمالها.[2]

خيارات متنوعة للنباتات

يؤثر نوع النبات على عمر الجداران الخضراء، بسبب ذلك يتطلّب اختيارها أكبر قدر من الاهتمام. مثلًا تتمتع المتسلقات بطول العمر، ويمكن للشجيرات العيش لعدّة سنوات مع الصيانة المناسبة، فيجب إزالة الأجزاء القديمة من أجل توفير مساحة للأجزاء الجديدة. وتعد الحوليات الأفضل من الربيع إلى الخريف، وثنائيات الحوليات من الخريف إلى الربيع. ويمتد عمر النباتات المعمرة بين 3-10 سنوات، بينما تتجدّد النباتات المزهرة، وتتغيّر باستمرار.[2]

المزايا البيئية المرتبطة بالجدران الخضراء

تضيف الجدران الخضراء قيمةً جماليةً بصريةً إلى المدن لا يمكن إنكارها، إذ تجعل المدن أكثر اخضرارًا وأجمل للعيش فيها. وينظر إليها على أنها وسيلة لزيادة استهلاك غاز ثاني أكسيد الكربون إلى أقصى حد دون التضحية بالمساحة الأرضية القيمة. ففي حين أن الشجرة تمتص حوالي 5.5 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، يُعتقد أن 1 متر مربع من الجدار الأخضر يمكن أن يمتص ما يصل إلى 2 كغ. كما يحسن نوعية الهواء عن طريق القضاء على السموم الضارّة.[5]

تعطي الجدران الخضراء طبقةً من التظليل، وتمدّد عمر الواجهات عن طريق الحماية من الأشعة فوق البنفسجية. كذلك تظهر دراسة قدرتها على الحد من فقدان الحرارة بنسبة تزيد على 30%. نتيجةً لذلك توفر أنظمة الغطاء النباتي العمودي الطاقة من خلال تقليل الكمّية المطلوبة لتبريد أو تدفئة المبنى. وتمتلك النباتات الخضراء عمومًا القدرة على خفض درجة الحرارة في المدن، والحد من تأثير الجزر الحرارية. علاوةً على ذلك من المعروف أن تخضير المناطق الحضرية يعزّز التنوع البيولوجي.[5]

اعتبارات تصميمية يجب مراعاتها

يجب مراعاة العديد من الاعتبارات أثناء تصميم الجدران الخضراء، وخاصةً الظروف المناخية مثل التيارات الهوائية، ودرجات الرطوبة. ويلزم ضمان التعرّض الكافي لأشعة الشمس لتجنب خطر الاحتفاظ بالرطوبة أو الأوراق. ومن المهم اختيار نوع النباتات بما يتناسب مع الموقع على سبيل المثال؛ زرع نباتات تتحمّل الجفاف في الأماكن التي تفتقر إلى مياه الأمطار. ويلزم كذلك وضع نظم فعّالة لإدارة المياه لتجنب الري اليدوي، والإفراط في الري. ويجب صيانة النباتات كالتنظيف، والتشذيب لتبقى على قيد الحياة أطول فترة ممكنة.[5]

طحالب على الجدران

تعد الطحالب من أكثر النباتات قدرةً على الصمود حيث تفتقر إلى الجذور مما يتطلّب منها البحث عن كل المواد المغذية من الهواء. وتنمو على أي سطح تقريبًا، ويمكنها البقاء على قيد الحياة في حالة سبات لسنوات من ثم تنتعش مجددًا عند تعرّضها للرطوبة.[1]

جدار طحلب.

يعتبر جدار الطحالب في البيئة الداخلية مثاليًا لإضافة مساحة خضراء صحية، فقد تبيّن أنه يقلل من الإجهاد، ويحسن المزاج، ويرفع التركيز، والوظائف المعرفية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، توفّر الطحالب نظامًا إضافيًا لتنقية الهواء، حيث تمتص الملوثات أثناء إنتاج الأكسجين. وأظهرت بعض الأبحاث التي أجريت عام 2018 أنه بعد 3 أيام من تركيب جدار الطحلب انخفض مستوى ثاني أكسيد الكربون. ويقدّم جدار الطحالب بديلًا أرخص من أشكال الجدران الحية الأخرى. على عكس الأنواع التقليدية، لا تحتاج جدران الطحالب صيانةً مستمرةً، أو استبدالًا منتظمًا للنبات، أو المبيدات الحشرية. ويتوقّع الخبراء ازدياد شعبيتها في العمارة البيئية.[1]

جدار حي مصمم للفيضانات

كشف فندق The palace في لندن عن أكبر جدار حي في المدينة، يتألّف من 16 طنًا من التربة، و 10 آلاف نبتة. ويستغرق بناء وتغطية مساحة 32.5 متر مربع شهرين، وسيعمل الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 21 مترًا على تجميل المدينة على مدار العام مع الزهور الموسمية، والعتلة المائية، وإبرة الماء.[6]

أكبر جدار حي في لندن في فندق The palac.

يكافح الجدار الفيضانات في المنطقة الحضرية مع صهاريج تخزين المياه الخاصة. فيمكن تخزين ما يصل إلى 10 آلاف لتر من المياه. من ثم توجّه بعد ذلك لري النباتات فيحافظ الجدار على الشوارع المحيطة خاليةً من الفيضان.[6]

انتقادات كثيرة تطال الجدران الخضراء

لم تحصّن الجدران الخضراء ضد الانتقادات لذلك لم تكتسب مكانةً راسخةً من وجهة نظر الاستدامة. يجادل البعض على سبيل المثال بأن المزايا الرئيسية التي تجلبها المساحات الخضراء الأفقية إلى المدن كالتظليل، أو تصريف التربة تُفقد عند رفع النبات عن الأرض. بعبارة أخرى يجب أن تركّز المدن على تحسين، أو خلق المزيد من المساحات المفتوحة بدلًا من النظم الخضراء الرأسية.[5]

يرى آخرون أن الجدران الحية يجب أن تعتبر عناصر بصرية فقط، لأنها على الرغم من أنها تقلل درجات الحرارة، وتعزل المباني إلا أن نجاحها محدود بسبب الظروف المناخية والمحيطة التي قد تضرّ بالهيكل والنبات. وينتشر نقد آخر يتعلق بالاستهلاك المفرط للمواد كالمياه، والمواد، والطاقة والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إبطال المزايا البيئية.[5]

بطبيعة الحال لا تعني بالضرورة هذه التحديات، والشكوك أنه لا ينبغي استعمال، أو تشجيع المساحات الخضراء الرأسية. بل إنها لا تكفي وحدها لتعزيز مدن أكثر صحةً وخضرةً. فلا بد من أن تأتي الجدران الخضراء جنبًا إلى جنب مع جهود ومبادرات أخرى مثل الأسطح الخضراء، والمنتزهات من أجل إحداث تأثير جماعي كبير.[5]

المصادر

  1. Archdaily
  2. IOP science
  3. Research Gate
  4. MDPI
  5. Archdaily
  6. Archdaily

ماذا تعرف عن الأسطح الخضراء؟

هل مللت من النظر إلى أسطح المباني التقليدية، وهل تريد إضافة بعض الخضرة إلى مدينتك؟ إليك الحل إنها الأسطح الخضراء.

[iframe src=”https://app.powerbi.com/view?r=eyJrIjoiMGY4YzVjZmItNzJiNi00ZWViLWE5MjktYWNhYTY1ZTg2NTUxIiwidCI6ImRmODY3OWNkLWE4MGUtNDVkOC05OWFjLWM4M2VkN2ZmOTVhMCJ9″ width=”800″ height=”600″]

تكتسب مشكلة التلوث البيئي أهميةً كبيرةً في الوقت الراهن، وتبرز العمارة البيئة كطريقة جديدة للحياة والتفكير. وسنتحدث في هذا المقال عن السطح الأخضر ودوره في البناء.

ما هي الأسطح الخضراء

تعني الأسطح الخضراء زراعة الخضرة على الأسطح، أي ملء السطح بشكل جزئي أو كامل بالنباتات الحية. وتزرع النباتات مباشرةً في التربة، حيث تُثبّت طبقة غشائية مقاومة للماء بينها وبين والسقف.[1]

مكونات السطح الأخضر.

انتشرت هذه التقنية مؤخرًا لكن الأسطح الخضراء لديها بالفعل تاريخ قديم، إذ استخدمت قبل عدّة قرون. لأنها تمتلك خصائص عزل حراري ممتاز، فساعدت على إبقاء المنازل دافئةً في البلدان الباردة كإسكندنافيا أو آيسلندا. بينما أبقت على الغرف باردةً في البلدان الحارة مثل تنزانيا. ظهرت تقنيات الزراعة الحديثة في الستينيات في ألمانيا بسبب تدهور الوضع البيئي في المدينة. وانتشرت في العقود التالية في جميع أنحاء العالم، وتعد اليوم هذه التقنية الأكثر شعبيةً في المدن الضخمة. إذ تنتشر فوق مراكز التسوق، والمباني المكتبة والسكنية العالية.[1]

أهمية الأسطح الخضراء في المدن

من المتوقّع أن يعيش حوالي 6.68 مليار شخص في المناطق الحضرية بحلول عام 2050، وهو ما يمثِّل 68% من سكان العالم. وقد أدى هذا التوسّع الحضري السريع مقترنًا بتغير المناخ إلى عدّة آثار سلبية مثل الفيضانات، والجزر الحرارية، وفقدان التنوّع البيولوجي، وتلوث الهواء. مما يترتّب نتائج سلبيةً على الصحة البدنية، والعقلية لسكان الحضر.[2] على سبيل المثال؛ تمتص أسطح المباني الإشعاع الشمسي، وتعيد إشعاعه بسبب ذلك تكون متوسط درجات الحرارة في هذه المناطق أعلى دائمًا من المناطق الطبيعية المحيطة مما يخلق تأثير الجزر الحرارية. وتضمّ المدن ما يقارب 50% من الأسطح غير المستخدمة، نتيجةً لذلك يسعى الخبراء لتحويل السطح إلى مساحة متعددة الوظائف في المدن باستخدام النباتات. وقد انتشرت هذه الممارسة على نطاق واسع في ألمانيا لأكثر من 30 عام، وفي عام 2002 احتوت أكثر من 12% من أسطح المنازل المسطّحة في ألمانيا على النباتات.[3]

أنواع الأسطح الخضراء

تنقسم الأسطح الخضراء عادةً إلى فئتين رئيسيّتين، وهما الواسعة والكثيفة. تحتوي «الأسطح الخضراء الواسعة-Extensive green roofs» على طبقة ركيزة رقيقة (5-15)سم، وأنواع نباتات محددة. لكنها تتطلّب تكاليف أقل نسبيًا، وتمتلك أوزانًا في الحدود الدنيا. ينتشر هذا النوع في ألمانيا ويمثل أكثر من 80% من جميع الأسقف الخضراء.[3]

على النقيض من ذلك، يشار إلى «الأسطح الخضراء الكثيفة-Intensive green roofs» أحيانًا باسم حدائق الأسطح. إذ تحتوي على ركيزة أعمق، أكبر من 15 سم، مما يتيح إمكانيةً أكبر لزيادة تنوع النباتات. لكنها تأتي مع زيادة في الوزن، وارتفاع التكلفة، ومتطلّبات الصيانة.[3]

تُصنِّف بعض الدراسات نوعًا ثالثًا من الأسطح وهو «السطح الأخضر نصف الكثيف- Semi-intensive green roofs». ويعتبر هذا النوع متوسّطًا بين النوعين، فيملك خيارات أكثر من السطح الواسع بسبب ازدياد عمق التربة، لكنه لا يتناسب مع الأشجار والشجيرات الطويلة.[4]

تصنيف الأسطح الخضراء وفق بعض الدراسات.

فوائد متعددة

تنظيم دراجات الحرارة: يمكن للسطح الأخضر خفض درجات حرارة الهواء المحيط، وحرارة السطح نتيجةً لذلك يقل تأثير الجزر الحرارية في المناطق الحضرية. يقلل هذا بدوره الحرارة المنتقلة إلى المباني مما يؤدي إلى تقليل كمّية الطاقة اللازمة للتبريد. بسبب ذلك تنخفض تكاليف الكهرباء فضلًا عن الحد من تلوث الهواء الناتج عن محطّات توليد الطاقة.[5]

كفاءة البناء: توفّر التربة والنباتات العزل والظل، فيقل انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل من خلال السقف. يؤدي ذلك إلى انخفاض الحاجة إلى التكييف، والتدفئة. إضافةً إلى ذلك، تقل الضوضاء، فيعد هذا السقف مثاليًا للأبنية الواقعة قرب خطوط السكك الحديدية، والمطارات، والطرق السريعة. [5][1]

تحسين جودة الهواء: يقلل السطح الأخضر تركيز ملوّثات الهواء لأن النباتات تنقي الهواء، وتحتفظ بنحو 20% من الشوائب الضارّة.[1]

إدارة مياه الأمطار: تحتفظ الأسطح الخضراء بمياه الأمطار لفترة كافية، من ثم تطلّقها من خلال التبخر النتح مما يساعد على منع الجريان السطحي من مياه الصرف الصحي، وتقليل كمية المعالجة. كما تجهّز بعض الأسطح لتجميع مياه الأمطار كبديل لاستعمالها في وقت لاحق. وعادةً ما تستخدم للري، وتدفّق المراحيض، وغيرها من الأغراض غير الصالحة للشرب.[5]

الاستجمام، والترفيه: تمكّن حدائق السطح سكان المدن الوصول إلى الطبيعة فتتحسن نوعية حياة الناس عن طريق تخفيف الضغط، وزيادة الترفيه. كما تؤدي عناصر التصميم الأخضر في مكان العمل إلى خفض الإجهاد، والتوتّر، وزيادة الإنتاجية.[5]

مقارنة بين السطح الأخضر والسطح التقليدي.

تحديات وعوائق

تجدر الإشارة أيضًا إلى مساوئ السطح الأخضر، فيمكن أن يشكل الوزن الإضافي للسقف حاجةً إلى الدعم الهيكلي، وتعزيز هيكل المبنى. كما يصعب إقامة هذا النوع في المناطق المعرّضة للزلازل. علاوةً على ذلك، يحتاج السقف الأخضر تكلفةً أوليةً عاليةً حيث ذكرت شركة Green roofs for healthy cities أن تركيب متر مربع من السطح الأخضر قد يكلّف حوالي 120-180 دولار، ولا يشمل السعر المادة المقاومة للماء. وتتوقّف تكلفة التركيب بشكل مباشر على نوع النباتات، ومواد العزل، ومدى تعقيد تركيب الهياكل الداعمة. كما يعد من الضروري إنفاق المال على إزالة الأعشاب الضارة سنويًا من النباتات، وتخصيب التربة.[1]

اعتبارات تصميمية

ينبغي الأخذ بعين الاعتبار عدّة عوامل عند تصميم الأسطح الخضراء ومنها:

  • تحليل الموقع: وهو العامل الأكثر أهميةً، إذ يجب النظر في النطاق الإقليمي، والمناظر الطبيعية المحيطة بالموقع. من أجل اختيار النوع المناسب من السطح الأخضر.[6]
  • اختيار النبات: تستعرض أنواع النباتات على أساس متطلّبات ضوء الشمس، والماء، والقدرة على تحمّل البرد. وينبغي اختيار النباتات، ونوع الركيزة، وعمقها اعتمادًا على المبادئ التوجيهية المتاحة محليًا. ويعتمد الاختيار عمومًا على ظروف الموقع، وأهداف التصميم. وتعد المعرفة الواسعة بانتقاء النباتات العامل الحاسم أثناء تصميم السطح الأخضر وبقائه على قيد الحياة.[6]
  • خصائص إنشائية: يجب دراسة الخصائص الهيكلية الجديدة أو القائمة للمبنى الذي ستوضع النباتات عليه. فينبغي دراسة حجم، وانحدار الركيزة، ومقدار الحمل الذي تُحدّثه. وبحسب الميزانية، والتحميل قد تتاح فرصةً لدمج الألواح الشمسية مع السطح. كما يجب النظر في إمكانية الوصول، والصيانة طويلة الأجل.[6]
  • الصيانة، والمياه: يلزم صيانة المحطّات، وشبكات الري، والصرف الصحي، والنظر في الجوانب المتعلّقة بالمياه من تسريب، وري، وتصريف.[6]

أسطح خضراء حول العالم

مدرسة نانيانغ للفنون Nanyang school of art

تتكوّن المدرسة من 5 طوابق على شكل قوسين منحدرين محدّدي الشكل يتشابكان مع قوس ثالث أصغر. تمنع الأسطح المنحنية فقدان المساحة المفتوحة، كما تقدّم فوائد بيئية عديدة. على سبيل المثال؛ تزيد الأعشاب الكثيفة الممزوجة بعشب Voysia matrella من كفاءة المدرسة البيئية من خلال المساعدة على امتصاص أشعة شمس سنغافورة الشديدة. في نفس الوقت عزّز العشب الأخضر كمساحة تجمع خارجية الإبداع لدى الطلاب، وقدم مساحات تزيد التفاعل بينهم.[7]

Nanyang school of art في سنغافورة.

متحف موسغارد Moesgaard museum

يقع متحف موسغارد في آرهوس في الدنمارك، وصممه المعماري هينينغ لارسن. وصنع سطحه منحدرًا لاستخدامه في النزهات الصيفية، والتزلّج في فصل الشتاء.[8]

متحف موسغارد في الدنمارك.

أكاديمية كاليفورنيا للعلوم

صمم الأكاديمية رينزو بيانو، واتّبع سطح المبنى شكل مكوّناته، ويغطى ب 1,700,000 نبتة محلية. السطح مسطح في محيطه، لكنه يصبح متموجًا على نحو متزايد عند الابتعاد عن الحافة ليشكّل مجموعةً من القباب مختلفة الأحجام. وحصل المشروع في النهاية على شهادة لييد البلاتينية.[9]

أكاديمية كاليفورنيا للعلوم.
قباب أكاديمية كاليفورنيا للعلوم.

شعبية متزايدة

ازدادت شعبية الأسطح الخضراء في الآونة الأخيرة، وأخذت بالانتشار على نطاق واسع. فصدر قانون في فرنسا يقضي بتغطية أسطح المباني التجارية إما بالنباتات أو بالألواح الشمسية. واعتمدت مدينة سيدني عام 2014 سياسة السقف، والجدران الخضراء.[6]

كذلك أصبح تركيب السطح الأخضر إلزاميًا في بعض البلديات الألمانية تحت عقوبة الغرامة لجميع مالكي الأسطح المسطحة. مثلًا في محيط شتوتغارت تغطى حتى المخازن الضخمة بالعشب. بينما بدأت تنتشر في روسيا في المدن الكبرى مثل موسكو، وسانت بطرسبرغ، وكالينينغراد وغيرها. خلاصة القول، تنفيذ هذا النوع من المشاريع ليس مهمةً سهلةً، لكن إذ حسب حساب كل شيء بشكل صحيح ستكون الاستثمارات مبررةً تمامًا.[1]

المصادر

  1. IOP Science
  2. Science direct
  3. Research Gate
  4. MDPI
  5. United States environmental protection agency
  6. Scholarly community encyclopedia
  7. Archdaily
  8. The guardian
  9. Archdaily

تعرف على أشهر مواد البناء المستدامة

بالتأكيد سبق ورأيت منازل مصنوعةً من القش، أو الفلين، أو غيرها من المواد الغريبة في قصص الأطفال. لكنك ربما ستستغرب إذ قلنا لك أن هذه المنازل قد تكون مستدامةً، ومريحةً، وتمتلك خصائص حراريةً، وسمعيةً، وهيكليةً جيدةً. حيث تعتبر مواد بناء مستدامة ذات تأثير إيجابي على البيئة، فدعونا نتعرّف سويًا على أشهر مواد البناء المستدامة حول العالم.

دور مواد البناء التقليدية في العمارة المستدامة

تطوّر شكل العمارة بشكل مستقلّ في كل قارّة من العالم. فمثلًا، تشير الأدلّة الأثرية أن أوّل مدينة حضرية في بلاد الرافدين استخدمت الطين لبناء مساكن متواضعة، من ثم استخدمت القرميد المشوي، وسرعان ما تطوّر أسلوب البناء في المنطقة. ومع استمرار نمو المدن وتقدّمها عانت أساليب البناء التقليدية، وانخفضت تدريجيًا بينما ازدهرت المواد الصناعية. لكن أثارت أزمة المناخ، والاحتباس الحراري اهتمامًا متجدّدًا بمواد البناء التقليدية والمستدامة بين المهندسين. إذ تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق الاستدامة البيئية العالمية.[1]

اللبن

يعتبر اللبن من أقدم وأشهر مواد البناء المستدامة في العالم، كونه مادةً يسهل الحصول عليها. واعتبره المعماري حسن فتحي الحل لتحسين ظروف فقراء الريف في مصر إذ يتطلّب القليل من المعالجة الصناعية، أو النقل مما يسمح بتوفير الطاقة والموارد. كما يمكن تجفيفه تحت الشمس بدلًا من حرقه في أفران، من ثم نستطيع إعادة تدويره بسهولة. إضافةً إلى ذلك، يمتلك اللبن خصائص حراريةً ممتازةً في المناخات الجافة. أثّرت هياكل فتحي الطينية على العمارة حول العالم، وانتشرت مبادئه في جميع أنحاء أفريقيا، والشرق الأوسط، ونيومكسيكو، وفرنسا.[1]

نموذج بناء طيني من تصميم حسن فتحي.

حزم القش

يصنع القش من بقايا إنتاج الحبوب عادةً القمح، أو الأرز، أو الشعير، وبعد حصاد الجزء الصالح للأكل من الحبوب تلقى السيقان في النهاية، أو تحرق في أغلب الأحيان. لكن بدلًا من تبديدها يمكن ضغط السيقان، وتكديسها، واستخدامها كحشوات أو حتى جدران ذاتية الدعم في تقنية تعرف بأسلوب نبراسكا. والتي استخدمت على نطاق واسع في القرن ال19 في سهول ولاية نبراسكا الأميركية. [2]

منزل مستدام مبني من القش.

من الشائع استخدام القش كمادة عزل إلى جانب المواد الإنشائية الأخرى عوضًا عن استخدامه بمفرده. ولأنه يتكوّن أساسًا من الهواء فهو يوفّر عزلًا حراريًا ممتازًا. ويقدّر أن بيتًا مصنوعًا من القش يوفّر نحو 75% من تكاليف التدفئة والتبريد. لكن يرافق البناء بالقش مشكلتين رئيسيتين وهما الرطوبة، والعفن. فإذا تعرّض القش للماء يمكن أن يمتصّه ويتمدّد حتى يسبّب شقوقًا في الجدار. نتيجةً لذلك يجب ألا يتّصل القش مباشرةً مع رطوبة الأرض، ولتجنُّب ذلك يجب رفعه عن الأرض 20 سم على الأقلّ.[2]

منزل مستدام مبني من القش.

عندما تتهالك مباني القش وتحتاج إلى هدم تتحلل في التربة دون مشاكل كونها قابلةً للتحلّل بنسبة 100%. لكن من المهم توافرها محلّيًا، إذ تعتبر أكثر ملاءمةً للمناطق الريفية ولا سيما تلك القريبة من مزارع الحبوب.[2]

الخيزران

ينمو الخيزران بوفرة في الغابات الاستوائية المطيرة. واستعمل سابقًا في البيوت التقليدية لكنه أصبح بعد العصر الصناعي في تصوّر الأفراد مادة بناء عفا عليها الزمن. إلا أنه ظهر كمادة بناء مستدامة بعد قضايا الاحتباس الحراري، وازدادت شعبيته بين المعماريين لأنه متجدد وسريع النمو، فيمكن حصاده ما بين 3-4 سنوات. كذلك نستطيع الاستفادة منه بعدّة طرق مثل بناء الأرضيات، والجدران، والأسقف. ويعد مقاومًا للآفات، والرطوبة، وهو خفيف الوزن كما يمكن معالجته لزيادة قوته ومتانته.[3]

على خلاف الشائع، يمكن تقديم هياكل لم يسبق لها مثيل بواسطة الخيزران، مثل الحل الذي قدّمته شركة IBUKU. فبنت قوس في حرم المدرسة الخضراء في إندونيسيا صنع قفزةً في العمارة العضوية، وأصبح مرجعًا في الهياكل خفيفة الوزن.[4]

القوس في حرم المدرسة الخضراء في إندونيسيا.

يعدّ القوس الأوّل من نوعه على الإطلاق، ويتكوّن من سلسلة أقواس من الخيزران المتقاطعة بطول 14م والتي تمتدّ على 19م. وتتداخل مع بعضها بواسطة قشرة شبكية مضادّة للتحلّل، والتي تستمد قوتها من الانحناء في اتّجاهين متعاكسين. يخلق القوس مساحةً كبيرةً مع الحدّ الأدنى من الهيكل، مما يشكّل صالة ألعاب استثنائيةً للمدرسة.[4]

صوف الخراف Sheep’s wool

يعد صوف الخراف مادةً طبيعيةً، ومستدامةً، ومتعددة الاستعمالات، ويمكن الاستفادة منه في مجال مواد البناء. إذ لا تُحدث الألياف الصوفية أي خطر على صحة الإنسان. وينمو الصوف باستمرار، ويلزم قصّه على الأقل مرّةً واحدةً في السنة.[5]

أجرى الخبراء دراسات على صوف الخراف لاستعماله كمادة عزل، وبيّنت النتائج أن العزل الحراري المصنوع من صوف الأغنام يوفّر خصائص مماثلةً للعزل المصنوع من المواد التقليدية، بل ويؤدي أداءً أفضل من بعض المواد. ويتميّز الصوف بقدرته على امتصاص الرطوبة دون خفض الأداء الحراري مما يجعله مادة عزل مثالية. ويقلّل كذلك مستوى الضوضاء، ولا يدعم الاحتراق إذ ينطفئ في حالة نشوب حريق. ويبدو أن استخدام صوف الخراف مع موارد متجدّدة أخرى هو أحسن حل بديل لخفض الاحتياجات الأوّلية من الطاقة لمبنى ما، بالتالي تلبية متطلّبات كفاءة الطاقة، والاستدامة.[5]

خرسانة نبات القنب

يعتبر نبات القنب سهلًا وسريع النمو، ويتطلّب كمّيةً أقل من المياه، والمبيدات الحشرية، والأسمدة مقارنةً مع محاصيل أخرى. يشاع استخدامه كمخدرات، لكنه قد يدخل في صناعات عديدة أخرى كالأدوية، ومنتجات التجميل العضوية، والملابس، وحتى الخرسانة .و«خرسانة القنب-Hempcrete» هي خرسانة ركام حيوي، تُخلط فيها قطع صغيرة من خشب نبات القنب مع الجير، أو الأسمنت الطيني، والماء للحصول على معجون سميك. والذي يتجمّد بدوره، ويخلق مادة بناء متينةً وصديقةً للبيئة.[6]

شكل خرسانة القنب Hempcrete.

تتميّز خرسانة القنب بوزنها الخفيف، ويمكن صبّها إما في الموقع، أو تصنيعها مسبقًا في المعامل، وبمجرد صبها تحتاج معالجتها إلى كمّية مياه أقلّ بكثير من الأسمنت التقليدي. كما تمتلك خصائص عزل حراري فعّال، وتقاوم العفن والآفات.[6]

استخدام خرسانة القنب Hempcrete في البناء المستدام.

يحدث التباس لدى الناس بسبب ارتباط نبات القنب بالماريجوانا، والمخدرات، ويتساءل الكثيرون حول ما سيحدث في حال اشتعال خرسانة القنب. بخلاف ما قد تتخيلون، أظهرت الاختبارات سلوكًا ممتازًا للمادة ضدّ النار. على سبيل المثال؛ وُثّق اختبار في أستراليا لمحاكاة هجمات الجمر خلال حرائق الغابات -التي تحدث كثيرًا في المنطقة- ولم يلاحظ أي ضرر على جدران الخرسانة القنب والتي يبلغ سمكها 20 سم عندما تعرّضت للهب يبلغ ارتفاعه 60سم ويحترق مباشرةً أمام الجدار لمدة 60 دقيقةً. وتشير البيانات إلى إمكانية زيادة مقاومة الحريق إلى 90 أو 120 دقيقة عند إحداث تغييرات في المواصفات. بالرغم من ذلك، لا يزال القنب نباتًا موصومًا بالعار في العديد من المجتمعات، وتحيط به العديد من التحديات كالقوانين والرقابة مما يفرض قيودًا على زراعته ومعالجته.[7]

أسمنت الحديد Ferrock

يطلق مقابل صناعة كل طن من الأسمنت أكثر، أو أقلّ من 8 أطنان من ثاني أكسيد الكربون نتيجةً لذلك يدرس الخبراء صناعة أسمنت بوسائل مستدامة. ويجري اليوم تطوير مادة تدعى «فيروك-Ferrock» كبديل للأسمنت، ويعد غبار الحديد العنصر الرئيسي لصناعة الفيروك. وهو نفايات مطحون الحديد التي تذهب عادةً إلى مكبّ النفايات من دون إعادة تدويرها، لأن عملية استعادة الحديد من المسحوق غير اقتصادية ومكلّفة إلى حدّ ما. ويتفاعل غبار الحديد مع ثاني أكسيد الكربون، والصدأ مما يخلق مصفوفة كربونات الحديد، والتي تجفّ لتصبح الفيروك. يستخدم أيضًا مواد مثل الميتاكوالين، والحجر الجيري، والرماد المتطاير مع غبار الحديد من أجل الربط المناسب.[8]

تظهر التجارب أن عيّنات الفيروك المعالجة هي سلبية الكربون، على عكس الأسمنت البورتلاندي الذي يعد مصدرًا رئيسيًا لتلوث الهواء. كما أظهرت التجارب على خرسانة الفيروك نسبًا جيدةً لمقاومة الانضغاط، والشد، والثني عند مقارنتها مع الخرسانة التقليدية. ويمكن الاستفادة منها في تطبيقات مماثلة للخرسانة التقليدية، أي في المباني، والجسور. كما تعتبر مفيدةً جدًا في المواقع الصناعية الملوثة.[8]

الفلين

«الفلين-Cork» هو لحاء شجرة البلوط الخارجي، ويتكون من طبقات من خلايا صغيرة غير منتظمة الشكل مغلّفة بالشمع. ينمو شجر البلوط بكثرة في البرتغال، وإسبانيا، ويبلغ طوله حوالي 18م. ونحصل على الفلين بإزالة اللحاء الخارجي للشجرة فهو لا يلعب دورًا مهمًا في بقاء الشجرة، بل يحميها فقط من الحر والرياح الجافة في فصل الصيف. من ثم يصنع اللحاء الداخلي نسيجًا جديدًا، فيتشكّل 2.5-5 سم من غمد جديد في فترة بين 3-10 سنوات. بسبب ذلك يعد الفلين مادةً مستدامةً. ويستمدّ الفلين تفرٌده بفضل تركيبة خلاياه المملوءة بالهواء، فكل خلية تعمل كحجرة مرنة مانعة للماء. وتشكّل الخلايا وسيطًا عازلًا فعّالًا للغازات والسوائل، إضافةً إلى عزلها للحرارة، والصوت، والاهتزازات. ويعد الفلين بين المواد الأخفّ وزنًا حيث لا يزيد ثقله عن خمس ثقل الماء.[9][10]

Cork study في لندن.

يستخدم الفلين في تطبيقات متعددة، لعل أشهرها سدادات زجاجات النبيذ والمشروبات الكحولية. لكنه يدخل في المجال الإنشائي كذلك مثل تغطية الأرضيات المصنوعة من خلال ربط جزيئات الفلين مع روابط مختلفة. ويدخل أيضًا في العزل الصوتي أو عزل الاهتزازات فيستعمل بكثرة في استديوهات التسجيل، وغرف الآلات. ويدرس الخبراء إدخال حبيبات الفلين في صناعة الأسمنت لبناء سقائف خفيفة الوزن، وبيّنت نتائج الدراسات قدرة الفلين على خفض الضجيج الناتج عن الارتطام. يدرس كذلك الخبراء استخدام جزيئات الفلين لزيادة الخواص الميكانيكية لمادة الإيبوكسي اللاصقة. والتي تعمل على منع انتشار الشقوق، ويمكن الاستفادة منها في عمليات الترميم غير الهيكلية.[10]

بالطبع لم ننته من ذكر أشهر مواد البناء المستدامة لكثرتها، فيوجد الخشب، والكتّان، والقصب، والقرميد، وغيرها الكثير أيضًا. وأنت أي المواد تفضّلها أكثر لبناء منزلك؟

المصادر

  1. Archdaily
  2. Archdaily
  3. environment behaviour proceedings journal
  4. Archdaily
  5. MDPI
  6. Archdaily
  7. Archdaily
  8. Research Gate
  9. Britannica
  10. National library of medicine

ما هي مواد البناء المستدامة في العمارة؟

انظر تحت قدميك، وابنِ! هذا ما يدعونا إليه المعماري حسن فتحي. مشيرًا إلى أهمية الرجوع إلى طبيعة الموقع، وانتقاء مواد البناء الأولية منها. فكيف تؤثّر مواد البناء المحلّية على الاستدامة؟ وما هي مواد البناء المستدامة في العمارة الخضراء؟

مواد البناء المستدامة

يكاد يكون تعريف الاستدامة مهمّةً مستحيلةً بسبب جميع المفاهيم المسبقة المرتبطة بالمصطلح. إذ يعد أحد أكثر المصطلحات الشائعة في زماننا. مع ذلك نستطيع اعتبار العمارة القديمة البدائية (العمارة قبل المهندسين)، والتي بُنيت باستخدام التقنيات والموارد المحلية وحدها عمارةً مستدامةً. لكن وفي وقت لاحق، بعد مؤتمر ريو لعام 1992 ظهرت تعريفات أكثر تحديدًا للعمارة المستدامة. مثل تخطيط المساحات بكفاءة، وتحديد نسبة الإشغال، واعتماد مواد البناء المحلية، وإعادة التدوير. عمومًا مواد البناء المستدامة في العمارة هي المواد التي تُقلّل البصمة الكربونية للمباني، وانبعاث الغازات الدفيئة من قطاع الإنشاء. والتي تمثِّل حوالي 35-50% من انبعاث الغازات الدفيئة العالمي، وذلك بحسب كيفيّة الحساب في الدراسة. [1]

أهمية مواد البناء المستدامة

تساعد مواد البناء المستدامة في الحدّ من التأثير البيئي السلبي للمباني من خلال الكفاءة والاعتدال في استخدام المواد والطاقة. على سبيل المثال؛ تستطيع تنظيم درجة حرارة المبنى تقليل الحاجة إلى أنظمة التبريد والتدفئة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تصنع المواد المستدامة من مواد طبيعية بديلة لا تحتوي على مواد كيميائية ضارة، فيؤدّي ذلك إلى الحدّ من البصمة الكربونية للمباني. [2][3] كما تشكِّل مواد البناء المستدامة منشآت جذّابةً بصريًا تنسجم وتتناغم مع محيطها، ونرى ذلك بوضوح في العمارة العضوية.

أنواع مواد البناء المستدامة

المواد المستصلحة

تشير «المواد المستصلحة- Reclaimed materials» إلى المواد التي سبق استخدامها في البناء، ويعاد استخدامها في مشاريع البناء الجديدة، وتشمل عناصر متنوعة كالصلب، والزجاج. تكمن أهمّيتها في خفض كمّية النفايات، والأثر البيئي السلبي للبناء، بسبب قدرتها على استغلال المواد من مدافن القمامة، وتقليل الحاجة إلى إنتاج مواد جديدة.[4]

على سبيل المثال؛ يعد الخشب موردًا متجدّدًا، وخيارًا شعبيًا في العمارة المستدامة، بالرغم من ذلك قد يَصعُب إعادة تدويره. وتميل البلدان التي تبني بالكثير من الخشب إلى حرقه في نهاية دورة حياته. لكن يعد اليوم إعادة الاستخدام خيارًا جيدًا للحد من الانبعاثات الناتجة عن عملية التصنيع. [5]

تمثل الصورة سلسلة تعاقبية مثالية للأخشاب من إعادة الاستخدام إلى الحرق، الصورة من Daishi sakaguchi.

المواد المتجدّدة

يقصد «بالمواد المتجدّدة- Renewable resources» المواد التي يمكن تجديدها أو استبدالها بشكل طبيعي مع مرور الوقت دون استنزاف للموارد. وغالبًا ما تستعمل كبديل للمواد غير المتجددة من موارد محدودة. وتستخدم في مجموعة متنوّعة من التطبيقات بما في ذلك البناء، والتصميم الداخلي، والصناعات الغذائية. [6]

ومن الأمثلة؛ الخشب، حيث اعتمد عليه الإنسان لعدّة قرون، فبنى به المصريون القدماء أنوعًا من الأعمدة في عمارتهم السكنية. كما أن الخشب مصدر متجدد ذو تأثير بيئي منخفض. يطوّر العلماء حديثًا كذلك أسمنت عضوي صالح للأكل مصنوع من مخلّفات الطعام مثل قشور البرتقال، والبصل، والموز.

مواد البناء المعاد تدويرها

تضمّ إعادة التدوير مراحلًا أساسيةً وهي جمع النفايات، وتجهيزها، لتحويلها إلى منتجات جديدة من ثم يمكننا شراء هذه المنتجات وإعادة تدويرها لاحقًا. تشمل المواد المعاد تدويرها الحديد، والصلب، وعلب الألمنيوم، والورق، والزجاجات، والخشب واللدائن. وتعتبر بديلًا للمواد الخام التي نحصل عليها من الموارد الطبيعية والتي تزداد ندرتها. يساعد إعادة التدوير في الحدّ من كمّية النفايات الصلبة المترسّبة في مدافن القمامة، إذ يصبح التخلّص منها مكلّفًا، ويلوث البيئة. [7]

يمكن إعادة تدوير الحديد والصلب عن طريق إعادة الصهر والصقل، وهذه العملية أرخص بكثير من إنتاج معدن جديد. أما بالنسبة للزجاج فهو يشكّل حوالي 6% من وزن المواد في مجاري نفايات البلدية، بالرغم من ذلك لا يعاد تدوير قسم كبير منه حتى الآن. يرجع ذلك إلى أن مواد الزجاج الخام رخيصة الثمن إلى الحد الذي يجعل الدوافع الاقتصادية لإعادة تدويره ضئيلةً للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يصعب فصل الزجاج عن غيره من النفايات وفرزه بحسب اللون (أي النقي، والأخضر، والبني). بالرغم من هذه الصعوبات تعمل بعض الدول اليوم على تدوير 35-90% من الزجاج المكسور. [7]

يمكن استعادة حطام البناء والهدم مثل الطوب، والخرسانة، والأسفلت، والمعادن وإعادة استخدامها. ويتألّف الحطام الخرساني في معظمه من الرمال والحصى التي يمكن سحقها وإعادة استخدامها كحصويات الطرق الفرعية. كما يمكن تكسير الخشب النظيف وصنع فرش للحيوانات منه. [7]

التصميم من أجل التفكيك DfD

تهدف حركة «التصميم من أجل التفكيك- Design for Deconstruction» إلى إدارة مواد البناء الهالكة، وتقليل استهلاك المواد الخام عند التشييد. ويتحقق ذلك من خلال تحسين المواد المزالة أثناء عمليات الهدم، واستكشاف سبل لإعادة استعمالها في مشروع بناء آخر، أو إعادة تدويرها لتحويلها إلى منتج جديد.[8]

وضع مجلس الحركة دليلًا عمليًا للهدم المستدام يسلّط الضوء على خطط عمل لمختلف أصحاب المصلحة. فيقترح الدليل بالنسبة للمهندسين تصميم مبانٍ مرنة، وقادرة على التكيُّف لأداء وظائف متنوّعة، وتعمل لأطول فترة ممكنة. ويسمح الدليل بتجميع وتركيب إنشاءات مسبقة الصنع إذ تعتبر أسهل عند الهدم. كما يدعم البناء المعياري موحّد القياسات، وهو عبارة عن لوحة مبسّطة من المواد والمكونات تعتمد على أدوات التثبيت الميكانيكية بدلّا من المواد اللاصقة. تضمن أدوات التثبيت الميكانيكية سهولة تفكيك عناصر البناء وإعادة استخدامها دون فقدان قيمتها. أما بالنسبة لمستخدمي المباني، فيوصي الدليل بالصيانة الاستباقية، وتوثيق التحديثات. وأخيرًا، بالنسبة لفرق التفكيك، فيوصي بإعداد الوسائل الشاملة، وخطّة العمل استنادًا إلى رسومات البناء الأصلية، والحالة الراهنة. [8]

بناء معياري موحّد القياسات بأدوات تثبيت ميكانيكة.

من الأمثلة عن حركة DfD مبنى Triton square من تصميم ARUP الذي بني عام 1998، من ثم احتاج إلى تعديلات لأنه لم يعد يلبي الاحتياجات الوظيفية. احتفظ القائمون على العمل بجزء كبير من الهيكل القديم فشمل ذلك 88% من البنية التحتية، وأعيد تركيب 3000 متر مربع من ألواح الواجهة الأصلية. فوفر المشروع 40 ألف طن من انبعاثات الكربون، وخفض التكاليف بنسبة 43% مقارنةً بالمبنى التجاري النموذجي. [8]

مبنى Triton square من تصميم ARUP.

تحديات البناء بمواد مستدامة

1. الحواجز الاقتصادية والتكاليف

تتراوح التكلفة المقدّرة للبناء المستدام بين 1-25% أكثر من البناء التقليدي، بسبب تعقيد عملية التصميم عندما تُقترن بالنمذجة والممارسات الخضراء. بالإضافة إلى أن مواد البناء المستدامة تكلّف أكثر بنحو 3-4% من المواد التقليدية. فتؤثّر هذه النفقات الباهظة على فريق إدارة المشروع لأنه سيعتبر مسؤولًا عن تسليم البناء في إطار ميزانية محدّدة مسبقًا. [9]

كما يعتقد الخبراء أن أساس تشكّل التحديات الاقتصادية يرجع إلى عدم وجود معلومات دقيقة وشاملة فيما يتعلّق بالآثار الاقتصادية للمباني الخضراء. ولا يوجد نماذج تكلفة تساعد المطوّرين على فهم التكاليف والفوائد الحقيقية لهذه المباني. حيث تعد التكلفة الأولية الشغل الشاغل للمؤسّسات المالية والمستثمرين. [10]

2. جمع المعلومات

لا تتوافق الآراء حتى الآن حول ما تعنيه الاستدامة، وهناك خلاف بشأن تحديد المعايير الدنيا للبناء المستدام، وكيفية تقييمه. زيادةً على ذلك، لدينا نقصًا في البحوث والدراسات حول أداء المباني الخضراء، لذلك ليس من الممكن دائمًا التنبّؤ بما إذا كان المبنى سيؤدي الدور الذي توقّعه المصممون. [10]

3. تحديات مرحلة التصميم والتشييد

يتعيّن على المعماري تحديد تقنيات البناء المستدام، والمواد اللازمة لكنه لا يمتلك معيار تقييم قياسي للمنتجات. بالتالي يتوجّب عليه استثمار الكثير من الوقت والجهد لتقييم المواد والتقنيات. [10] كما يلزم على إدارة المشروع أن تمر بعمليات ومعاملات طويلة للحصول على موافقات لعمليات البناء. [9]

تواجه مرحلة التشييد صعوبات لا تقلّ عن مرحلة التصميم، ومنها الافتقار إلى العمالة الماهرة اللازمة لتركيب وصيانة التقنيات الجديدة. أما بالنسبة للتفكيك فقد يكلّف أكثر من الهدم بسبب زيادة عدد العمّال الإضافيين، والوقت اللازم لإتمام العمل. [10]

اختيار مواد البناء المناسبة

تتأثّر جميع التحديات السابقة بانتقاء مواد البناء والتقنيات المناسبة للبناء بها. فلا يكفي اختيار مادة بناء مستدامة فحسب، بل يجب أن تكون صديقةً لبيئة موقع المشروع، ومن المهم أن تكون المادة متاحةً محلّيًا، إذ تخلق عملية نقل المواد عن طريق البر أو البحر أو الجو تلوثًا كبيرًا مما يجعل اختيار المواد صعبًا إلى حدّ ما. [10]

تستطيع ممارسات البناء المستدامة أن تحدث فرقًا هائلًا في الاستدامة البيئية العالمية. لكننا بحاجة ماسّة إلى زيادة الوعي العام لأهمية هذه الممارسات من أجل غد أفضل، بالإضافة إلى مواجهة التحديات وإيجاد حلول حقيقية لها.

المصادر

  1. MDPI
  2. IOP science
  3. IOP science
  4. Semantic scholar
  5. Semantic scholar
  6. Taylor and Francis
  7. Britannica
  8. archdaily
  9. Science direct
  10. Research Gate

ما هي فوائد العمارة الخضراء؟

تزداد شعبية العمارة الخضراء بين المعماريين شيئًا فشيئًا، فصمم البعض مبانٍ تُغطّيها النباتات تمامًا. ويقع أحد هذه المباني في مدينة ميلانو الإيطالية، ويدعى الغابة العمودية. ويتكوّن من برجين بطول 80، و112 م، ويحتويان على 780 شجرة بمختلف الأحجام، و11 ألف نبتة معمرة ونباتات تغطية، إضافةً إلى 5 آلاف شجيرة. إلى جانب الفوائد البيئية يعزّز البرجان التفاعل الاجتماعي بين السكان، وتعد الغابة العمودية معلمًا دائم التطوّر، والذي تتغير ألوانه اعتمادًا على الموسم، والطبيعة المختلفة للنباتات المستخدمة.[1] فما الفوائد البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية التي ترافق العمارة الخضراء؟

أهمية العمارة الخضراء للمدن

مع ازدياد توسّع المدن تصبح التنمية الحضرية المستدامة أداةً متزايدة الأهمية لمواجهة الآثار الضارّة للزحف الحضري العشوائي. وهنا يأتي دور العمارة الخضراء التي تدمج المواد المستدامة، وأنظمة كفاءة الطاقة، والمساحات الخضراء. من أجل تحويل البيئات الحضرية إلى أماكن أكثر جاذبيةً، وصحيةً، ومرغوبةً للعيش فيها، فضلًا عن الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي توفرها.[2]

مبنى الغابة العمودية في مدينة ميلانو الإيطالية.

الفوائد البيئية للعمارة الخضراء

تقليل استهلاك الطاقة

تُصمم المباني الخضراء لتكون موفرةً للطاقة، مما يعني أنها تستهلك طاقةً أقل للتدفئة، والتبريد، والإضاءة. ويتحقّق ذلك من خلال مجموعة متنوّعة من خطط التصميم مثل تصميم المبنى وفقًا لطبيعة منطقته المناخية وتوجيهه بالشكل الأمثل للاستفادة بأقصى حد من الطاقة الشمسية في فصل الشتاء، والتقليل منها في فصل الصيف ويمكن استعمال الكاسرات الشمسية لهذا الغرض. عندما نقلّل من كمية الطاقة اللازمة لتشغيل المبنى تنخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وينعكس ذلك بدوره على مشكلة التغيُّر المناخي.[3] والكاسرات الشمسية هي ألواح خارجية ثابتة أو متحرّكة تتوضّع بشكل رأسي أو أفقي، وتوضع على فتحات المبنى (الأبواب، والنوافذ) لتسمح بدخول أشعة الشمس في الشتاء، وتمنعها من الدخول في الصيف.

مبنى The Selcuk Ecza Headquarters في تركيا، وتظهر على الواجهة الكاسرات الشمسية.
مبنى The Selcuk Ecza Headquarters من الداخل.

الحفاظ على الماء

تعزّز العمارة الخضراء ممارسات الإدارة المستدامة للمياه وتستخدم عدّة طرق للحفاظ على الموارد المائية ومنها:

  • تجميع مياه الأمطار، غالبًا ما تتضمّن المباني الخضراء أنظمةً لجمع وتخزين مياه الأمطار لاستخدامها لاحقًا. وقد تشمل براميل المطر، وخزّانات، أو حتى خزّانات تحت الأرض. ويمكن الاستفادة من المياه التي جمعت للريّ، أو لتصريف المراحيض، أو غيرها من الاستعمالات غير الصالحة للشرب.[4][5]
  • تركيبات منخفضة التدفّق، وتشمل المراحيض، والصنابير، ورؤوس الدش التي تستخدم كمّية مياه أقلّ من التركيبات العادية بينما لا تزال توفّر أداءً مناسبًا. [6]
  • إعادة تدوير المياه الرمادية، المياه الرمادية هي مياه الصرف الصحي القادم من مصادر نظيفة مثل الأحواض، والحمامات، والغسالات. والتي يمكن معالجتها وإعادة استخدامها لأغراض غير صالحة للشرب كالري.[4][5]
  • النباتات الخضراء المحلّية، يمكن اعتماد نباتات تتحمّل الجفاف، أو تنمو طبيعيًا في الموقع فتتكيّف مع المناخ المحلي، للتقليل من استهلاك الماء.[5]

تساعد العمارة الخضراء على الحد من الضغط على إمدادات مياه البلدية، وتعتبر هذه الميزة مهمةً على نحو خاص في المناطق التي تعاني ندرة الماء أو الجفاف.[4][5]

تحسين جودة الهواء

يتلوث الهواء داخل المباني من بقايا مواد البناء، والتشطيبات النهائية، والمفروشات. نتيجةً لذلك قد يقلّل البناء بواسطة المواد المتجدّدة من كمية الملوثات المنتشرة في الهواء. كما تساعد التهوية الطبيعية على تحسين نوعية الهواء الداخلي عن طريق جلب الهواء النقي باستمرار.[7]

إضافةً إلى ذلك، يمكن للجدران الخضراء المساعدة على الحد من مستويات ثاني أكسيد الكربون داخل الفراغات. وتساعد النباتات الداخلية في تنقية الهواء الداخلي في نفس الوقت.[8]

تقليل النفايات

تهدف العمارة الخضراء إلى الحد من النفايات عن طريق تصميم المنشآت التي تنتج كميات أقلّ من النفايات أثناء البناء والتشغيل. يمكن تحقيق ذلك باستعمال مكوّنات مسبقة الصنع، أو جعل المكوّنات قابلةً للتفكيك، واستخدام مواد قابلة لإعادة التدوير، لإعادة استخدامها بسهولة في المستقبل. وتسعى كذلك إلى استعمال الموارد بكفاءة من خلال تقليل كمية المواد المستخدمة في البناء، واستخدام المواد المعاد تدويرها أو المتجددة مثل الأسمنت الصالح للأكل.[9]

الفوائد الاقتصادية للعمارة الخضراء

خفض التكاليف

تدمج العمارة الخضراء التقنيات والمواد الموفّرة للطاقة نتيجةً لذلك يقل استهلاك الطاقة، بالتالي تنخفض التكاليف، والفواتير مع مرور الوقت. وتتضمن المباني الخضراء في كثير من الأحيان مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، أو توربينات الرياح، مما يقلّل أو يلغي الحاجة إلى الكهرباء التي توفّرها الحكومة. علاوةً على ذلك، يعتمد البناء الأخضر على الموارد المستدامة مثل الصلب المعاد تدويره، والخيزران والتي غالبًا ما تكون أرخص من مواد البناء الأخرى فيؤدي ذلك إلى انخفاض التكلفة عمومًا.[9]

تقدّم العديد من الحكومات حوافزَ ضريبيةً للبناء الأخضر مما قد يساعد على تعويض التكلفة الأوّلية للبناء. وقد تشمل الحوافز الإعفاءات الضريبية، والخصومات، والمنح مثل بعض الولايات الأمريكية. [10]

زيادة قيمة العقار

تجذب المباني الخضراء المشترين، والمستأجرين مما يزيد قيمتها في سوق العقارات، وذلك لأنها توفر المال من تكاليف الكهرباء والماء، وتعتمد نظام تهوية وإنارة فعّال وصديق للبيئة. فيتشكّل بسبب ذلك نظام معيشة، أو بيئة عمل أكثر صحّةً، وراحةً.[11]

تمتلك العقارات الموجودة بالقرب من الحدائق أو المساحات الخضراء قيم ملكية أعلى من غيرها من العقارات. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة في بكين أن قيم العقارات السكنية الواقعة على بعد (850-1604)م من الحدائق حقّقت زيادةً بنسبة (0.5-14.1)% في أسعار المبيعات.[11]

فرص عمل جديدة

قد تخلق العمارة الخضراء وظائف جديدةً لأنها مجال متنامٍ، يتطلّب مهارات متخصّصةً. إذ يستخدم روّاد الأعمال المهتمّون بالاستدامة خططًا مختلفةً، وحديثةً لدفع العمارة الخضراء في صناعة البناء مما قد يخلق فرص عمل جديدة.[12]

الفوائد الاجتماعية للعمارة الخضراء

تحسين الصحة والرفاهية

تحسن العمارة الخضراء بشكل عام جودة البيئة الداخلية مثلما ذكرنا سابقًا. ويعد الحفاظ على العلاقة مع الطبيعة أمرًا أساسيًا لصحة الإنسان ورفاهيته. إذ قد تكون المساحات الخضراء، والزرقاء مصدرًا للترفيه، والاسترخاء في المجتمع. لذلك تمتلك المباني الخضراء تأثيرًا مهدّئًا على شاغليها، وتقلّل مستوى الإجهاد لديهم. فتتحسن بسبب ذلك الصحّة النفسية للسكّان.[2]

تهتمّ العمارة المستدامة بمواد البناء غير السامّة، وتسعى للحد من التعرّض للمواد الكيميائية الضارّة. فينعكس ذلك على الصحة العامة للأفراد، ويقلّل خطر الإصابة بالأمراض. كما تشجّع المباني الخضراء النشاط البدني من خلال دمج ميّزات مثل السلالم، ومسارات المشي. فيؤدي ذلك إلى تقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة مثل السمنة المفرطة، وأمراض القلب.[2]

زيادة إنتاجية العمل

تنعكس فوائد العمارة الخضراء، والمستدامة على الموظفين بشكل كبير. بحثت دراسة في آثار تحسين جودة البيئة الداخلية IEQ على الصحة الجسدية والإنتاجية لدى شاغلي المباني الذين انتقلوا من المباني المكتبية التقليدية إلى المباني الخضراء. ووجدت الدراسة أن تحسين جودة البيئة الداخلية ساهم في خفض غياب الموظّفين، وتقليل ساعات العمل المتضرّرة من الربو، والحساسية التنفسية، والاكتئاب، والإجهاد. وأظهرت الدراسة تطوّر جو العمل، وزيادة إنتاجية الأفراد.[13]

فوائد مجتمعية

تساعد الأسطح والجدران الخضراء على الحد من تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية. والتي تحدث عندما تصبح المناطق الحضرية أكثر دفئًا بشكل ملحوظ من المناطق الريفية المحيطة بها، بسبب امتصاص واحتفاظ المباني والأرصفة بالحرارة. وهنا يأتي دور العناصر الخضراء في خفض الآثار السلبية للجزيرة الحرارية الحضرية من خلال توفير الظلّ، وتبريد الهواء. كما توفّر الجدران الخضراء العزل، وتقلّل كمية الحرارة التي تمتصُّها المباني، وتساعد على إدارة مياه الأمطار. وأوضحت دراسة أنواع النباتات، ومعدلات التغطية الفعّالة للسقف الأخضر الأمثل للحد من تأثير الجزر الحرارية الحضرية. وهي 70% من العشب و30% من الأشجار في المناطق المغلقة. و50% من الشجيرات، و50% من الأشجار في المناطق نصف المفتوحة. و70% من العشب مع 30% من الأشجار، أو 30% من العشب مع 70% من الأشجار في المناطق المفتوحة.[14]

إضافةً إلى ذلك، يمكن استخدام العمارة الخضراء كأداة تعليمية لزيادة الوعي حول القضايا البيئية، وتعزيز المعيشة المستدامة من أجل ضمان مستقبل أفضل لأولادنا.

المصادر

  1. Archdaily
  2. Semantic scholar
  3. Semantic scholar
  4. Research Gate
  5. Semantic scholar
  6. national geographic
  7. Semantic scholar
  8. Research Gate
  9. Semantic scholar
  10. SSRN
  11. Research Gate
  12. sage journals
  13. National library of medicine
  14. MDPI

هل تتحول نماذج المدن الذكية في الوطن العربي إلى واقع؟

هذه المقالة هي الجزء 18 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تمتلك مدن الخليج العربي مؤشرًا ضعيفًا جدًا لقدرة السكان على المشي. إذ يعد السير مستحيلًا أحيانًا بسبب الأحوال الجوية الحارقة وخاصةً في فصل الصيف، وكذلك بسبب اعتماد السكان المفرط على السيارات الخاصة. نتيجةً لذلك تسعى الدول لإيجاد حلول للتشجيع على التنقّل المستدام، وذلك عن طريق الحلول الحضرية الذكية.[1] فما هي المدن الذكية في الوطن العربي، وكيف تتحوّل إلى واقع ملموس؟

ظهور المدن الذكية في الوطن العربي

تكثر شعبية المدن الذكية في الوطن العربي وخاصةً في دول الخليج العربي مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية. ويمكن أن يعزى ذلك إلى ازدياد الوعي بأزمة البيئة العالمية، والحاجة إلى حلول مبتكرة للاستدامة. فتحلّ المباني الذكية ذات العمارة الخضراء محل الأبراج الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية.[2]

تحديات تنفيذ المدن الذكية في الوطن العربي

يواجه الوطن العربي عدّة تحدّيات متعلّقة بتنفيذ المدن الذكية ومنها:

  • النظم التقليدية، لا تستطيع النظم التقليدية الاستجابة لطبيعة مطالب المدينة الذكية، وتقديم الحلول وفقًا للمعايير التي تلبّي طموح التخطيط. حيث تعد الاختيارات التقليدية عقيمةً مع التطور المستمر للتقانة.[3]
  • الكثافة السكانية، تشهد العديد من المدن في البلدان العربية نموًا سكانيًا سريعًا مما يشكّل ضغطًا على البنية التحتية، والخدمات القائمة فيها.[3]
  • البنية التحتية الضعيفة، يواجه صنّاع القرار، والمخططون العرب تحديات عديدةً بسبب ضعف البنية التحتية.[4]
  • التحضر السريع، يؤدي التحضر السريع إلى زيادة معدل الانبعاثات، وهدر الموارد، والنمو السكاني، وضعف البنية التحتية. ويشتد على نحو خاص في الدول النامية مثل مصر، حيث لا يزال تحويل المدن إلى مدن ذكية عند مستوى البداية.[4]
  • نقص التمويل، يتّسم هذا التحدي بالحدّة بوجه خاص في بلدان ما بعد الحرب مثل سوريا. إذ تتمثّل الحاجة الفورية لإعادة الإعمار في توفير بنية تحتية كافية لمواكبة الوتيرة المتزايدة للتحضُّر بعد الحرب. يأتي هنا دور التقنيات الذكية لتحقيق قفزات نوعية بعد الحرب، لكن تواجه هذه الدولة عادةً تحديات نقص التمويل، وقلّة نماذج الأعمال المتطوّرة.[5]
  • جوانب ثقافية واجتماعية، تتطلّب المدن الذكية تغييرات في الجوانب الثقافية، والاجتماعية للمجتمعات العربية، وقد يستغرق هذا الأمر وقتًا لتنفيذه.[6]

مبادرات المدن الذكية في دول مجلس التعاون الخليجي

اتّخذت دول مجلس التعاون الخليجي -والتي تشمل البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات- مبادرات لإنشاء مدن ذكية. إذ تعتبرها الحكومات وسيلةً لتعزيز التنوّع الاقتصادي للمنطقة، وتحسين نوعية الخدمات العامّة. وقد جعلت أزمة أسعار النفط المستمرّة من المدن الذكية سبيلًا ممكنًا للتنويع الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية. ويعد عمومًا دور القيادة والثقافة التنظيمية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح هذه المبادرات.[7][8]

حالات لمدن ذكية في الوطن العربي

مدينة نيوم في السعودية

يجري بناء مدينة «نيوم -NEOM» في السعودية كجزء من مبادرات البلد لخلق مجتمع متكامل مع ثقافات وأنماط حياة متنوّعة. وهي خطّة من مشروع التحوّل إلى اقتصاد قائم على المعرفة (رؤية 2030). حيث تسعى الحكومة لإنشاء مدينة تعتمد على تقنيات مبتكرة تدمجها في طرق المعيشة والعمل من أجل خلق نموذج حياة جديد مستدام ومزدهر.[9]

تقع نيوم في شمال غرب السعودية على طول ساحل البحر الأحمر، وهي منطقة معرّضة للفيضانات. نتيجةً لذلك درس الخبراء وضع تقنيات الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية GIS. لتقييم مخاطر الفيضانات المفاجئة في المدينة، وتحديد درجات المخاطر في المناطق المختلفة.[10]

خريطة لتصنيف درجات خطر الفيضانات المفاجئة في مدينة NEOM.

يسعى المخططون لجعل نيوم مدينةً مستدامةً، ومركزًا للطاقة المتجدّدة الخالية من الكربون. فسعوا إلى توفير طاقة نظيفة من غير الاعتماد على الوقود الأحفوري، وساعدهم على ذلك موقع المدينة. حيث يعتبر واحدًا من أغنى الموارد الطبيعية في المنطقة من حيث الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.[11] وصمم الخبراء «نظام الطاقة المتجددة الهجين- HRES» وهو نظام يدمج مختلف مصادر الطاقة المتجددة مثل الخلايا الكهروضوئية PV، وتوربينات الرياح، محوّلات الطاقة، ومولِّدات الديزل، والبطّاريات. بهدف تلبية ذروة الحمولة المطلوبة البالغة 1353 كيلو واط.[12] والخلايا الكهروضوئية هي خلايا تُحوِّل الضوء إلى كهرباء باستخدام موادّ شبه موصلة.

من المقرّر أن تصبح المدينة مركزًا للابتكار وخاصّةً بالنسبة للجهات الناشئة، والأعمال التجارية العالمية. إذ ستوصل جميع المنشآت التجارية، والمجتمعات المحلية فيها من خلال إطار رقمي يشمل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات التي تتعلّم وتنمو باستمرار. وستحلّل أكثر من 90% من البيانات من أجل توفير نظام تنبؤي مع خدمات تتحسن باستمرار للسكان والشركات.[13]

مدينة لوسيل في قطر

تقع مدينة لوسيل على بعد حوالي 23 كم شمال الدوحة في قطر. وتسعى لتحسين نوعيّة حياة الأفراد، وتعزيز تنمية الأعمال التجارية مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الثقافية، والطبيعية لدولة قطر. كما صُمّمت المدينة لتصبح وجهةً للزوّار والشركات، ولاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.[14]

نفّذت لوسيل نظام حوكمة ذكي يتضمّن نظامًا شاملًا للحكومة الإلكترونية، وبنيةً تحتيةً رقميةً بغاية تحسين كفاءة وشفافية الخدمات الحكومية مع خفض هدر الورق. واعتنت كذلك بميزات المعيشة الذكية التي تشمل المنازل الذكية، والخدمات الذكية بهدف خفض استهلاك الطاقة، وانبعاثات الكربون.[15]

تتمتّع لوسيل بنظام تنقل ذكي شامل يتضمّن:

  • إدارة مواقف السيارات والتوجيه، وهو برنامج يساعد السائقين على العثور على مواقف سيارات متاحة بسرعة وسهولة.
  • مراقبة إشارات المرور، وهو نظام يعدّل إشارات المرور باستمرار على أساس ظروف المرور. بهدف الحد من الازدحام، وتحسين تدفّق حركة المرور، وتقليل الحوادث.
  • تشجيع المشي وركوب الدراجات في الطرق الحضرية المزدحمة.
  • نظام معلومات، صنعت المدينة نظامًا يوفّر معلومات آنيةً عن الحافلات، وسيارات الأجرة، ومركبات الأجرة المائية لمساعدة الركاب على تخطيط رحلاتهم.
  • مرافق تخطيط الرحلات، تتيح للمسافرين تخطيط رحلاتهم المختلفة باستخدام وسائل نقل متعدّدة.[14]

ترتكز رؤية مدينة لوسيل على أربع نقاط وهي المستقبل، والناس، والأعمال، والتكامل. والتي تتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 في سياق التنمية البشرية، والخدمات، والنظم الذكية.

مدينة دبي في الإمارات

تحاول دبي أن تصبح مدينةً ذكيةً ذات اقتصاد بيئي، وتهدف إلى أن تكون المدينة الأكثر استدامةً. لذلك جعلت البيئة جزءًا من خطتها الاستراتيجية الشاملة من أجل تحسين الظروف البيئية للإمارة. على سبيل المثال؛ تشجّع أنظمة ومواصفات البناء الأخضر في دبي جميع المقاولين على بناء مبانٍ مستدامة من أجل غد أكثر صداقةً للبيئة. وتغطّي اللوائح والقوانين مجموعةً واسعةً من المواضيع المتعلّقة بتصميم المباني الخضراء بما في ذلك التخطيط البيئي، والعمارة الحيوية، وكفاءة الموارد.[16]

خطة دبي للطاقة النظيفة لعام 2050.

تعد دبي مقصدًا للسيّاح ويعتبر إكسبو دبي Expo city مثالًا على السياحة الذكية. ويسلِّط الضوء على استخدام التقانة الذكية في كل من المناطق السكنية، والأماكن السياحية. ويعرض التطبيقات الجديدة كالجيل الخامس 5G، والبيانات الكبيرة، وإنترنت الأشياء IoT، والروبوتات.[17]

يزداد عدد المسنين في دبي ومن المتوقع أن تصل نسبة الأشخاص فوق سن ال65 إلى 24.3% بحلول عام 2030. نتيجةً لذلك تصمم دبي المنزل الذكي للمسنين من خلال التركيز على تفضيلاتهم، واحتياجاتهم، فضلًا عن الفوائد المحتملة بالنسبة لصحّتهم، وسلامتهم.[18] وتتواجد في هذه المنازل عدّة ميّزات ومنها:

  • إدارة الصحة، تُستعمل التقنيات الذكية لإدارة الحوادث، والأمراض المزمنة والشائعة بين المسنين. على سبيل المثال؛ تركب أجهزة استشعار للكشف عن السقوط في غرف النوم أو المعيشة، من ثم تنبِّه مقدمي الرعاية أو الطوارئ.[18]
  • الأمن والمراقبة، تستخدم الميزات الأمنية المتقدّمة مثل الرصد عن بعد، وكاميرات الأمن، ومستشعرات الحركة لمنع الحوادث مما يزيد شعور الأمان. كما تستخدم هذه الأجهزة لمراقبة الأنشطة اليومية للمسنين مثل أنماط النوم، والأكل، وجداول الأدوية مما يفيد في الكشف عن أي تغييرات في السلوك والتي قد تشير إلى مشاكل صحية.[18][19]
  • دعم المعيشة المستقلّة، تسمح الأجهزة الذكية للأفراد بالتحكُّم في بيئتهم مثل تشغيل الأضواء، وضبط درجة الحرارة، وفتح الأبواب وذلك عن طريق الأوامر الصوتية، أو الوصول عن بعد. فتحافظ على الحياة المستقلة للمسنين لفترات طويلة من الزمن.[19]

يعتمد عمومًا تطبيق المنزل الذكي على بحوث، وتحليلات لتفضيلات المسنين في دولة الإمارات لضمان نجاح هذه الميزة، وتحسين الخدمات.[18]

مدينة مصدر في الإمارات

تركز مدينة مصدر في الإمارات على الاستدامة، وكفاءة الطاقة، والتصميم المبتكر. فصُمّمت المدينة لتكون غنيةً بمصادر الطاقة المتجددة وخاصةً الطاقة الشمسية. وهي أوّل مدينة خالية من الكربون، والنفايات، وتتزوّد بالطاقة بشكل كامل من الطاقة المتجدّدة. وتتميّز المدينة بمبانٍ مستدامة مثل معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا. علاوةً على ذلك، تهدف إلى جذب الخبرات الدولية الرائدة، والأكاديميين، والتجّار.[20]

معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا.

بُنيت مصدر كمدينة خالية من السيارات الخاصة، مع التركيز على خيارات التنقّل المستدامة والصديقة للبيئة. فتتميّز بنظام «النقل السريع الشخصي- PRT» وهو نظام سيارات كهربائية ذاتية القيادة، أي تعمل بدون سائق على الطرق الإرشادية. ويوفّر نظام PRT النقل للمواطن عند الطلب دون توقّف بين أي نقطتين على شبكة الطرق الإرشادية، وصمم عمومًا ليكون موثوقًا، وآمنًا، ومريحًا للركاب. إضافةً إلى PRT تقدّم المدينة أنواعًا مختلفةً من خيارات النقل المستدام ومن ضمنهم المشي، وركوب الدراجات، والنقل السريع الجماعي، والحافلات. وبسبب تركيز المدينة على الأماكن المخصّصة للمشاة وغياب المركبات المملوكة للقطاع الخاص تقلّ الحاجة إلى الطرق الواسعة، ومواقف السيارات مما ينعكس بدوره على استدامة المدينة ككل.[21][22]

سيارة كهربائية ذاتية القيادة.

المدن الذكية في الوطن العربي، إلى أين؟

يحظى موضوع مستقبل المدن الذكية في الوطن العربي باهتمام وبحوث متزايدة. بينما لا تزال تنمية المدينة الذكية في مرحلة البداية في العديد من البلدان العربية النامية، إلا أنها تنمو وتزدهر في بعض الدول العربية الأخرى. ويمكن للدول العربية التعلم من تجارب الدول الأخرى في تنفيذ مشاريع ومبادرات المدن الذكية مثل سنغافورة، والصين، وكوريا الجنوبية، والإمارات. وبشكل عام يحتاج الوطن العربي وجود قيادة حالمة وقوية تُخطط لتنمية البلاد، وتحسين الواقع العربي.

المصادر

  1. Emerald insight
  2. Iraqi academic scientific journals
  3. IOP science
  4. IOP science
  5. IOP science
  6. Research Gate
  7. Semantic scholar
  8. IGI Global
  9. MDPI
  10. Semantic Scholar
  11. IEEE
  12. Semantic Scholar
  13. Semantic scholar
  14. civil engineering journal
  15. AHFE international
  16. Semantic scholar
  17. IEEE
  18. Research Gate
  19. ICSIS
  20. Research Gate
  21. Wiley online library
  22. Semantic scholar

ما التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

هذه المقالة هي الجزء 15 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تتحول المدن الذكية بسرعة إلى حقيقة واقعة في العديد من أجزاء العالم. وتتبنّى الحكومات والبلديات الفوائد المحتملة المترتّبة على التقنيات المتقدّمة، والبيانات، بهدف تحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق التنمية الشاملة. بيد أن تطوير وإدارة المدن الذكية ليس بالأمر السهل، ولا يخلو من التحديات. فما هي التحديات التي تواجه الحكومات في إدارة المدن الذكية؟

إدارة المدن الذكية

لا يوجد تعريف محدّد وموحّد حتى الآن للمدينة الذكية، لأنها مفهوم جديد نسبيًا. فتقترح الجهات الفاعلة تعريفاتها الخاصة التي تتناسب مع آلية عملها، بالرغم من ذلك يوجد بعض المبادئ العامة التي تتبعها الحكومات لإدارة المدن الذكية. ومن المهم ملاحظة أن إدارة المدن الذكية هي عملية مستمرّة تتطلّب تكيُّفًا وإبداعًا، وتختلف الاستراتيجيات والنهج المتّبعة من حكومة إلى أخرى. [1]

عمومًا تتبع الحكومات نهجًا لإدارة دورة الحياة الحضرية. يتضمّن تصميم، وصيانة التفاعلات بين الأنظمة الفرعية وذلك لإنشاء نظام بيئي شامل ومستدام داخل المدينة. كما تلعب دورًا حاسمًا كعامل تكامل بين الوظائف المختلفة المكونة للمدينة. فهي تنسّق، وتشرف على تنفيذ مختلف مبادرات المدن الذكية، وتضمن الأداء السلس للأنظمة.[1]

تشارك الحكومات مختلف أصحاب المصلحة في إدارة المدن الذكية بما في ذلك المواطنين، والشركات، والأوساط الأكاديمية. من أجل ضمان مشاركتهم النشطة في تنمية المدينة وقيادتها. وتدخل التقنيات الذكية في أنظمتها مثل الذكاء الاصطناعي AI، وأجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء IoT. كما تعتمد على تحليل البيانات في صنع القرار، إذ يتمكّن أصحاب القرار بفضل الرؤى المستنيرة للبيانات من تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. من ثم تخصيص الموارد على النحو الأمثل، وتقديم الخدمات المطلوبة.[2]

لكن تواجه الحكومات تحديات صعبةً في إدارة المدن الذكية، بسبب العديد من المشكلات التقنية وغير التقنية. نتيجةً لذلك يتعيّن على صنّاع القرار دراسة هذه التحديات من أجل وضع الخطط اللازمة للتغلّب عليها.

تحديات البنية التحتية

يتطلّب التطبيق الفعّال للتقنيات الذكية بنيةً تحتيةً قويةً وموثوقةً، غير أن العديد من المدن تفتقر إلى البنية التحتية المطلوبة. وقد تفتقر إلى الهياكل الأساسية المادية (مثل أجهزة الاستشعار، وشبكات الاتصالات)، أو الهياكل الأساسية المؤسسية (مثل السياسات، واللوائح التنظيمية الداعمة). ويشكّل نقص البنية التحتية تحديًا حقيقيًا للحكومات في إدارة المدن الذكية، إذ تعوق تكامل البيانات الضخمة التي تسهم في تنمية المدينة.[3]

تعتبر المدينة موطنًا لسكان متنوعين ذوي احتياجات وتوقعات مختلفة. مما يجعل من الصعب تصميم وتنفيذ بنية تحتية تلبي احتياجات الجميع، وتوفر فرصًا متكافئةً للحصول على الخدمات الذكية. لذلك تحتاج الحكومات تخطيطًا وتنسيقًا دقيقًا لضمان استفادة الجميع من التقنيات الحديثة بمن فيهم كبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة.[3]

تحديات خصوصية البيانات والأمن

تتعرض إدارة المدن الذكية للعديد من التحديات المتعلّقة بخصوصية البيانات والأمن، لأنها تنطوي على جمع البيانات الحسّاسة، وتخزينها، ومعالجتها. وتولّد المدن الذكية كميةً هائلةً من البيانات من أجهزة مختلفة كالكاميرات، والمستشعرات. وإذا استخدمت هذه البيانات بشكل غير مسؤول، أو مدروس، أو بسوء نيّة فقد تؤدي إلى آثار سلبية مثل انتهاك حقوق الإنسان، والمبادئ الأخلاقية. على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي خرق البيانات إلى نشر معلومات حساسة كالبيانات الشخصية، والمعلومات المالية، والبيانات التجارية السرية. مما يؤدي إلى سرقة الهوية، أو الاحتيال، وغيرها من الأنشطة الخبيثة. كما يؤدي انتهاك البيانات إلى انتهاك الخصوصية حين تعرض المعلومات الشخصية لأطراف غير مصرح لها. الأمر الذي يسبب فقدان الثقة بنظام المدينة، ويخفض مشاركة المواطنين.[4][5]

يكثر التهديد السيبراني مع زيادة رقمنة المدن مما يخلق مخاوف أمنيةً مختلفةً. حيث يمكن للمخترقين استغلال نقاط الضعف في نظام المدينة لشنّ هجمات إلكترونية على الأجهزة والأنظمة. [4]

تحديات سياسية في إدارة المدن الذكية

تنطوي مشاريع المدن الذكية على نقل الوظائف العامة الحاسمة إلى أنظمة الحاسوب. نتيجةً لذلك من المهم ضمان أن يكون للجمهور رأي في اقتناء البنية التحتية الرقمية، والتحكم بها. بالرغم من ذلك غالبًا ما تُستبعد المنظمات المجتمعية من عمليات اتّخاذ القرار بشأن تنفيذ المدينة الذكية. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث توترات سياسية.[6]

إضافةً إلى ذلك، قد تخلق المدينة الذكية تحديًا للأشخاص المستبعدين، بسبب ذلك تتشكّل مشكلة الإدماج الاجتماعي. يعني ذلك أن مشاريع المدن الذكية قد لا تكون متاحةً أو مفيدةً لجميع أفراد المجتمع، ولاسيما أولئك المهمشون، أو المستبعدون. يزيد التوتر بين مختلف الفئات، وتتعقد المشكلات المرتبطة بالإدماج الاجتماعي بسبب الأبعاد الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية للبلدان. لذلك يحتاج الخبراء إيجاد حلول مصممة خصيصًا لكل نظام ذكي.[7]

تواجه الحكومات كذلك مشكلة الإنصاف الرقمي. ويشير المصطلح إلى أن جميع الأفراد والمجتمعات لديهم إمكانية متساوية للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات المطلوبة للمشاركة في الحياة الرقمية. وأبرزت الأبحاث التي أجريت مؤخرًا أن كوفيد-19 يزيد أوجه عدم المساواة القائمة، ويزيد تفاقم الفجوة الاجتماعية ذات الصلّة بالتكنولوجيا. ولا سيما بالنسبة للمجتمعات التي تعاني من العنصرية بما في ذلك المهاجرين الجدد، واللاجئين، والأقليات العرقية. ويعني ذلك أن بعض الناس قد لا يحصلون على التقانة اللازمة للمشاركة في المشاريع الذكية. فيؤدي ذلك إلى حدوث صراع بين أفراد المجتمع. [8]

صعوبة تقبل المواطنين لمبادرات المدن الذكية

تواجه إدارة المدن الذكية عدّة تحديات متعلّقة بتقبل المواطنين، ومشاركتهم بمبادرات المدن الذكية ومنها:

قلّة الفهم

تتمثل إحدى المشكلات في عدم فهم البلديات والقطاعات العامة لمفهوم المدن الذكية بشكل كامل. فينعكس ذلك بدوره على جودة تنفيذ الحلول الذكية. ويرجّح سبب المشكلة لنقص الخبراء القادرين على تقديم حلول شاملة للبلديات. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة أجريت في سلوفاكيا، وإيطاليا، ولتوانيا، والدنمارك أن فهم البلديات لفكرة المدينة الذكية كان منخفضًا. ويؤثر ذلك على تقبُّل المواطنين للمدينة الذكية، لأن صانعي القرار لا يفهمون تمامًا آثار تنفيذ الحلول الذكية على بيئتهم. [9]

عدم مشاركة المواطنين

غالبًا ما تحدث مشاركة المواطنين في المدن الذكية من خلال منصات مشاركة مخصصة. حيث يمكن للمواطن عن طريقها التصويت، والمناقشة، وتقديم الأفكار. بالرغم من ذلك ، قد لا تكون المنصات الحالية فعّالةً في إشراك المواطنين إذ قد لا يدركون وجودها، أو قد لا يشعرون بأن مشاركتهم ستحدث فرقًا. وهذا النقص في المشاركة يمكن أن يُصعب على الحكومات إدراك ما يريده المواطن، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة. [10]

الإحجام عن خلق القيمة بشكل مشترك

غالبًا ما ينظر المواطنون إلى المراقبة من قبل السلطات على أنها قمعية. بالتالي يظهرون تردّدًا في المشاركة في خلق القيمة من الخدمات الذكية، إذ تحتاج عملية صنع القيمة تعاونًا بين السكان والحكومة معًا. مع ذلك قد لا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في هذه العملية إذا شعروا بأن خصوصياتهم تنتهك. على سبيل المثال؛ إذا استخدمت الحكومة كاميرات لمراقبة الأماكن العامة، ربما يشعر السكان بعدم ارتياح، ولا يكونون على استعداد للمشاركة في المبادرات التي تتطلّب منهم مشاركة معلوماتهم الشخصية.[11]

استياء السكان

يشير ذلك إلى عدم رضى المواطن عن التقنيات الذكية، والعملية الديموقراطية، والتأثير المجتمعي للمدينة الذكية. مثلًا قد يشعر السكان بأن التقانة لا تخدم احتياجاتهم، وأنه لا يجري استشارتهم على النحو الملائم في عملية صنع القرار، وقد يساورهم القلق أيضًا بشأن قضايا الخصوصية. ويمكن أن يؤدي هذا السخط، والاستياء إلى مقاومة تنفيذ مبادرات المدن الذكية.[12] على سبيل المثال؛ خطّطت شركة Sidewalk labs وهي تابعة لشركة Alphabet inc -الشركة الأم لGoogle- مع مؤسسة تنشيط واجهة تورونتو البحرية لإنشاء حي ذكي على الواجهة البحرية للمدينة ويدعى المشروع Sidewalk Toronto. لكن واجه المشروع مشاكل بسبب المخاوف بشأن الخصوصية، وجمع البيانات، والشفافية. وألغي في نهاية المطاف عام 2020. [13]

الاختلافات الثقافية

تؤثر الاختلافات الثقافية على قبول، واعتماد التقانة الذكية في المجتمع ومن المهم النظر في هذه العوامل قبل تنفيذ مبادرات المدن الذكية. على سبيل المثال؛ قد يعزى سبب نجاح الأنظمة الذكية لإدارة النفايات SWMS إلى العديد من العوامل، بما في ذلك الدور الثقافي للمجتمع. حيث ينظر في بعض الثقافات إلى إدارة النفايات على أنها مسؤولية جماعية، ويرجح مشاركة السكان في الأنشطة التي تعزّز النظافة كاليابان. لكن في نفس الوقت، ينظر إلى إدارة النفايات في ثقافة أخرى على أنها مسؤولية فردية، وقد ولا يكون المواطنون على استعداد للمشاركة في الأنشطة التي تتطلّب منهم تغيير سلوكهم. [14]

تحديات التمويل

تعد إدارة المدن الذكية مهمةً مكلفةً للغاية، حيث يلزم تنفيذ بنية تحتية جديدة تعهدًا ماليًا كبيرًا، بالتالي يشكل عقبةً وخصوصًا بالنسبة للبلدان النامية. ويرى الكثيرون أن الاعتماد على الهياكل، والبنى الأساسية القائمة هو المفتاح لمعالجة مشكلة التكلفة، إلا أنها لا تخلو كذلك من صيانة، وتشغيل، ومعالجة مما يجعلها مكلفةً أيضًا.[15]

يعتبر تأمين التمويل مهمةً شاقةً تتطلب حلولًا إبداعيةً لسدّ الفجوة بين رأس المال الأولي الذي تقدّمه الحكومة، والأموال اللازمة لإتمام المشاريع. مثلًا قدّمت بعثة المدن الذكية في الهند تمويلًا لمدن مختلفة على أساس مقترحات مشاريعها. فحصلت كل مدينة على رأس مال أولي من الحكومة لتحويل حوالي 22 مليون يورو إلى المقترحات الواعدة. مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى حوالي 88 مليار يورو على مدى السنوات العشرين المقبلة، أي حوالي 4.5 مليار يورو سنويًا. وبذلك سيشكل تمويل جميع المشاريع تحديًا أمام الحكومة في المقام الأول لأنها تعتمد على الاستثمار الخاص، والشراكات بين القطاعين العام والخاص.[16]

تحديات لا تنتهي

تواجه إدارة المدن الذكية تحديات أخرى كثيرة مثل التنسيق بين القطاع العام والخاص، ونقص القدرة على تنفيذ مبادرات المدن الذكية، وتحديات الخدمات العامة كتقديم خدمات مبتكرة تعالج المشاكل الحضرية الملحّة، وغيرها الكثير أيضًا.

عمومًا لن يتحقّق تعظيم إمكانات المدن الذكية إلا من خلال ثقة المواطنين، جنبًا إلى جنب مع تعاون أصحاب المصلحة الرئيسيين في البلديات والقطاع الخاص. إذ ينبغي على الجهات الفاعلة النظر إلى هذا المشروع باعتباره مشروعًا طويل الأجل بدلًا من التعامل مع الحاجات الملحة، والحلول قصيرة الأمد.

المصادر

  1. SSRN
  2. Semantic scholar
  3. Emerald insight
  4. Semantic scholar
  5. Semantic scholar
  6. ACM digital library
  7. AIS eLibrary
  8. National library of medicine
  9. MDPI
  10. Science direct
  11. Emerald insight
  12. Science direct
  13. Frontiers
  14. international journals of industry & sustainable development
  15. Semantic scholar

كيف تحسن المدن الذكية الاقتصاد المحلي؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

تساعد المدن الذكية الحكومات في مواجهة تحدّيات المدن الرئيسية للوصول في نهاية المطاف إلى مفهوم الشعب الذكي، والاقتصاد الذكي. ولا يشمل مفهوم المدينة الذكية استخدام التقنيات الحديثة فحسب، لكنه يمتد ليشمل رأس المال البشري، والقضايا الاجتماعية، والبيئية، والاقتصادية. فكيف تحسن تقنيات المدن الذكية من الاقتصاد المحلي وتطوّره؟

التنمية الاقتصادية في المدن الذكية

تهدف المدن الذكية إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي، وتحسين الاقتصاد المحلي عن طريق الاستفادة من الحلول القائمة على التقنيات المتطورة، والبيانات. وتسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية بواسطة دمج التقنيات الذكية كالشبكات الذكية، وتعلم الآلة، والذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات مثل الطاقة، والنقل، والرعاية الصحية. بسبب ذلك تخلق فرصًا جديدةً للشركات، وتجذب الاستثمارات، وتحفّز النشاط الاقتصادي.[1]

دور الحلول الذكية في تطوير الاقتصاد

تلعب الحلول الذكية دورًا حاسمًا في تطوير اقتصاد المدن الذكية بطرق مختلفة. فتساعد المدن على إدارة مواردها بكفاءة أكبر، مما يؤدي إلى توفير التكاليف، وزيادة الإنتاجية. على سبيل المثال؛ نفّذت مدينة أمستردام شبكة طاقة ذكية أدت إلى تقليل هدر الكهرباء، وانخفاض تكلفتها مما عزّز النشاط الاقتصادي.[2]

يمكن لأنظمة النقل الذكية الحد من الازدحام المروري، وتحسين تدفّق السلع والأشخاص، بسبب ذلك يتعزّز النشاط الاقتصادي للمدينة. مثلًا، تحد إدارة حركة المرور الذكية في برشلونة من اختناقات المرور، وتحسن التنقل، وتقلّل من أوقات السفر.[3]

إضافةً إلى ذلك، تحسن الحلول الذكية نوعية حياة الأفراد، من خلال توفير خدمات أفضل مما قد يجذب أعمالًا، ومواهب جديدةً للمدينة. على سبيل المثال؛ طبّقت فيينا في النمسا أنظمة رعاية صحية ذكية، وحسنت الوصول إلى الرعاية الصحية، وساعدت على خفض تكاليف العلاج. أدى ذلك إلى تحسين حياة السكان، وجذب الأعمال التجارية إلى المدينة.[4]

كيف تجذب المدن الذكية الاستثمارات الجديدة؟

تجذب المدن الذكية الشركات الصغيرة والناشئة بعدّة طرق ومنها:

  • بنية تحتية متطوّرة، تقدّم المدن الذكية عادةً بنيةً تحتيةً أفضل من غيرها كالإنترنت عالي السرعة، وأنظمة النقل الذكية، وشبكات الطاقة الفعّالة. والتي تجذب بدورها الشركات المعتمدة على هذه الخدمات من أجل تحسين عملياتها، وتطوير خدمات ومنتجات مبتكرة، والوصول إلى قاعدة أوسع من العملاء. [5][6]
  • مراكز الابتكار، تعزز المدن الذكية الابتكار من خلال توفير بيئة ذكية داعمة للشركات الناشئة، وروّاد الأعمال المهتمين بتطوير واختبار تقنيات جديدة. على سبيل المثال؛ نفذت الحكومة في سنغافورة مبادرات مختلفة لدعم منظمي المشاريع مثل توفير التمويل، وبرامج الإرشاد. أدى ذلك إلى تطور نظام مزدهر ساهم في نمو الاقتصاد المحلي.[4]
  • الحوافز الحكومية، تستطيع الحكومة تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية، أو المنح للأعمال التجارية التي تستثمر في التقنيات الذكية.[5][7]
  • فرص التعاون والربط الشبكي، توفّر المدن الذكية فرصًا للتعاون بين الشركات الناشئة، والشركات الكبرى، وأصحاب المصلحة الآخرين. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة شراكات جديدة، وفرص استثمارية، وإمكانية تبادل المعلومات أو الحصول على توجيه.[5][6]
  • النمو الشامل، تهدف مبادرات المدن الذكية بشكل عام إلى معالجة أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز النمو الشامل. بسبب ذلك تستفاد الشركات الناشئة من خلال الوصول المتكافئ إلى الموارد، والخدمات، والفرص بصرف النظر عن حجم الشركة أو خلفيتها.[8]

وظائف جديدة للمواطنين

يهدّد الذكاء الاصطناعي AI اليوم وظائف كثيرين من السكان، لكن في نفس الوقت تنشئ مبادرات المدن الذكية أدوارًا وظيفيةً جديدةً. ومنها:

  • مدراء مشاريع، يشرف هؤلاء المتخصّصون على تطوير وتنفيذ مشاريع المدينة الذكية، ويضمنوا إكمالها في الوقت المحدّد، وضمن الميزانية المحسوبة.
  • محلّلو البيانات، تولِّد التقنيات كميات كبيرةً من البيانات. مما يخلق فرص عمل لمحللي البيانات الذين يساعدون على فهم هذه البيانات، من ثم يستخدمونها لاتّخاذ القرارات الحاسمة.
  • محترفو تقانة المعلومات IT، بلا شك تتطلّب التقنيات الذكية محترفي تقانة المعلومات من أجل تصميم، وتطوير، وصيانة الأجهزة والبرمجيات اللازمة.
  • مهندسون، غالبًا ما تنطوي المدن الذكية على تطوير بنية تحتية جديدة تتناسب مع التغيّرات المستمرة. بسبب ذلك تحتاج إلى مهندسين يمكنهم تصميم وبناء هذه البنية الحديثة.
  • مهندسو التخطيط العمراني، تحتاج مبادرات المدن تخطيطًا، وتنسيقًا دقيقًا، فيخلق ذلك فرص عمل لمخططي المدن ومهندسي العمارة.
  • روّاد أعمال، تتشكّل مع نشوء الصناعات الجديدة فرصًا تجاريةً جديدةً لرجال الأعمال المهتمّين بتطوير واختبار التقانات الحديثة. [5][9]

كيف تؤثر السياحة على النمو الاقتصادي في المدن الذكية؟

تشير السياحة الذكية إلى استخدام التقانة والابتكار في إدارة السياحة، وتقدّم العديد من الفوائد للدول ومنها تعزيز النمو الاقتصادي. على سبيل المثال؛ تسمح السياحة الذكية للسياح بالتواصل بشكل أفضل والتفاعل مع المدن لإقامة علاقات أوثق مع السكان، والشركات المحلية، والحكومة المحلية. فتخلق بذلك اقتصادًا سياحيًا ذكيًا بموارد ولاعبين جدد، ونماذج تبادل مبتكرة.[10]

تعتبر السياحة مصدرًا هامًا لإيرادات النقد الأجنبي للدول. علاوةً على ذلك، تُحسّن الخدمات، والمشاريع الاستثمارية، وتصنع جوًا للمنافسة بين الشركات المحلية والعالمية في البلدان السياحية. وتطور أيضًا مؤهلات القوى العاملة، فيؤدي ذلك إلى توفير فرص عمل أفضل للسكان بأجور أعلى.[11]

قيم العقارات في المدن الذكية

توجد بحوث محدودة حول تأثير مبادرات المدن الذكية على قيم العقارات، بالرغم من ذلك تشير بعض الدراسات إلى التأثير الإيجابي لها على سوق العقارات. ومن المهم ملاحظة اختلاف تأثير المبادرات حسب الحلول المنفّذة، والسياق المحلي للمدن. إذ يحظى نهج كل مدينة بمزايا وتحديات اقتصادية فريدة وخاصّة به. بشكل عام تعزز هذه المبادرات جاذبية المدينة، نتيجةً لذلك يزداد الطلب على العقارات وترتفع قيمتها. مثلًا، قد يجعل تطبيق أنظمة النقل الذكية كالقيادة الذاتية الوصول إلى بعض المناطق أسهل، فيتسبب ذلك بزيادة الطلب على العقارات في تلك المناطق. كما تساهم التقنيات الذكية كالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء IoT في خلق فرص جديدة للتنمية العقارية مثل تطوير الأبنية والمنازل الذكية فيزداد الطلب على هذه الأبنية.

من المعروف أن المدينة الذكية تعتمد على الاستعمال الأمثل للموارد، وتبسيط العمليات، بسبب ذلك تتحقّق وفورات في التكاليف للحكومة والمواطنين. مما يجعل هذه المناطق مرغوبةً أكثر بالنسبة للمشترين المحتملين.[12] كذلك تواجه الدول اليوم تحديات بيئيةً خطيرةً كالتغيّر المناخي، نتيجةً لذلك يسعى بعض الناس إلى الاستثمار في المناطق التي تعطي أهميةً للاستدامة البيئية. وهنا تأتي أهمية المدن الذكية التي تعزز الاستدامة البيئية.

ساهمت مبادرات المدينة الذكية في برشلونة -والتي تشمل الإضاءة الذكية، وإدارة النفايات، والنقل- في ازدياد الجاذبية العامة للمدينة. فأدّى ذلك إلى زيادة الطلب على العقارات. بينما ساهمت مبادرات مدينة أمستردام -والتي تشمل أنظمة وقوف ذكية للسيارات، ومباني موفرة للطاقة- في استدامة المدينة. فأدّى ذلك إلى ارتفاع قيمة عقاراتها.[13]

تحديات تواجه الشركات الصغيرة والناشئة

تواجه الأعمال التجارية الناشئة عدّة تحدّيات عند محاولة الاستفادة من مبادرات المدن. وتتضمّن هذه التحديات ما يلي:

  • الامتثال التنظيمي، قد تواجه الشركات الصغيرة صعوبةً في التعامل مع اللوائح والمتطلبات المعقدة المرتبطة بمبادرات المدن الذكية. وقد يستغرق الامتثال للأنظمة المتعلّقة بخصوصية البيانات، وأمنها، والحصول على التراخيص اللازمة وقتًا طويلًا، وقد يكون مكلّفًا أيضًا.[14]
  • نقص المهارات، غالبًا ما يتطلّب تطبيق التقنيات المتطورة مهارات متخصصةً في مجالات معينة، مثل تحليل البيانات، وإنترنت الأشياء، والأمن السيبراني. وقد تناضل الشركات الصغيرة للعثور على موظفين يملكون المهارات المطلوبة، مما يحد من قدرتهم على الاستفادة بشكل كامل من المزايا المقدّمة. [14][5]
  • الافتقار إلى الدعم الحكومي، قد تواجه بعض الأعمال التجارية الصغيرة نقصًا في الدعم والموارد من الحكومة فيما يتعلق بالحصول على التمويل، والتدريب، والتوجيه.
  • القيود المالية، يعد تنفيذ التقنيات الذكية مكلفًا لاسيما بالنسبة للشركات الناشئة ذات الموارد المالية المحدودة. وقد تكون تكلفة اقتناء وصيانة الأجهزة والبرمجيات الضرورية عائقًا أمام هذه الشركات.[14]
  • مخاطر الأمن السيبراني، مع اعتماد الشركات الصغيرة على المزيد من الأجهزة الرقمية، وإنترنت الأشياء IoT تصبح أكثر عرضةً للهجمات السيبرانية.
  • الوعي والفهم المحدود، يسبب افتقار معرفة الشركات بالتقنيات المتاحة، وكيفية إدماجها في عملها بإعاقة قدرتها على الاستفادة من هذه التقنيات.[5]

استدامة طويلة الأجل

تؤدي التنمية الاقتصادية إلى زيادة دخل السكان، فتصبح أسعار السلع والخدمات أيسر. في نفس الوقت تساعد الحكومات المحلية على توليد الإيرادات الضريبية والتي تستخدم لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين مثل المدارس، والطرق، ومكافحة الحرائق، وخدمات الشرطة. عمومًا يتم تداول الأموال عبر الاقتصاد المحلي نتيجة التنمية الاقتصادية، والذي يعود بالفائدة على المواطنين والحكومة على حد سواء.

المصادر

  1. Sage journals
  2. IGI global
  3. Beirut Arab University
  4. Semantic scholar
  5. Scentia
  6. Semantic scholar
  7. Semantic scholar
  8. Research Gate
  9. Research Gate
  10. IEEE
  11. Semantic scholar
  12. Semantic scholar
  13. Semantic scholar
  14. Research Gate

كيف تساعد المدن الذكية في الحد من التغير المناخي؟

هذه المقالة هي الجزء 13 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

يشكّل التغير المناخي مشكلةً حرجةً تمتدّ عبر الحدود الوطنية، والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويواجه الباحثون مهمةً صعبةً بسبب كثرة أسباب نشوئه، فقام الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بوضع أوّل تقييم عام 1990. وبدأت بعده عقود من البحوث الدولية، والمناظرات السياسية، والتحذيرات العلمية المشؤومة على نحو متزايد. على الرغم من الجهود المبذولة، فإن الفشل في خفض الانبعاثات الكربونية واضح إلى حدّ محبط. والواقع أن الزيادة العالمية في الانبعاثات كانت بلا هوادة، حيث أصبحت أعلى بنسبة 60% مما كانت عليه في عام 1999. [1] نتيجةً لذلك يعتقد الخبراء أن التهديدات تشكّل حالة طوارئ عالمية يمكن أن يترتّب عليها عواقب كارثية بالنسبة للبشرية. لذلك بدأت المدن الذكية بتطبيق خطط جديدة للحد من التغير المناخي والمشكلات البيئية فيها بالاعتماد على التقنيات الذكية.

ما هي أسباب التغير المناخي؟

يعتبر تغير المناخ مسألةً معقّدةً ذات عوامل مساهمة متعددة، حيث تتفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض وتساهم في حدوث التغير المناخي. بسبب ذلك يصعب إلقاء المسؤولية التامة على البشر فقط، على الرغم من إثبات الأدلة العلمية دور الأنشطة البشرية في زيادة تغير المناخ. [2]

يتمثّل المسبب الرئيسي لتغير المناخ في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة ولاسيما ثاني أكسيد الكربون CO2، والميثان CH4، وأكسيد النيتروز N2O. فتحجز هذه الغازات الحرارة في الغلاف الجوي للأرض، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية. ويعتبر حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي مصدرًا رئيسيًا لهذه الانبعاثات. ويشمل ذلك الانبعاثات الصادرة من محطّات توليد الطاقة، والنقل، والعمليات الصناعية. على سبيل المثال؛ تطلق بعض العمليات الصناعية كإنتاج الإسمنت، والتصنيع الكيميائي غازات دفيئة في الغلاف الجوي. إضافةً إلى ذلك تنتج الأنشطة الزراعية مثل إنتاج الماشية، وزراعة الأرز انبعاث الميثان، وأكسيد النيتروز، وتمتلك هذه الغازات قدرة احترار أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون.[2]

تؤدي الإدارة غير السليمة للنفايات إلى انبعاث غاز الميثان في الجو، مثل تحلّل النفايات العضوية في مدافن القمامة. كما يساهم قطع الأشجار، وإزالة الغابات، والتوسع الحضري في التغيرات لأن الأشجار تمتصّ ثاني أكسيد الكربون. بالتالي تقلّل إزالة الغابات من قدرة الأرض على إزالة الغازات الدفيئة. وقد تؤثر التغييرات في استخدام الأراضي على الأنماط المناخية المحلية والإقليمية للأرض.[2]

المشكلات البيئية في المدن

تواجه المدن مجموعةً من القضايا البيئية المؤثرة على صحة السكان ورفاهيتهم. وتشمل بعض المشكلات البيئية الأكثر إلحاحًا في المدن ما يلي:

  • تلوث الهواء: غالبًا ما ترتبط المدن المكتظّة بمستويات عالية من تلوث الهواء بسبب حركة المرور، والصناعة، وغيرها من المصادر. ويترتّب على ذلك آثارًا صحيةً خطيرةً على السكان مثل حدوث مشاكل في الجهاز التنفسي، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.[3]
  • تلوث المياه: تؤدي التنمية الحضرية إلى زيادة الصرف، وتصريف مياه المجارير مما قد يلوث مصادر المياه كالأنهار، والبحيرات. فيؤثر ذلك بدوره على صحة الإنسان، والنظم البيئية المائية.[4]
  • المشاكل البيئية تحت سطح الأرض: يؤثر التحضُّر أيضًا على البيئة تحت سطح الأرض، بما في ذلك التغيُّرات في المياه الجوفية، ونوعية التربة فيؤثر ذلك على كل من صحة الإنسان، والنظام البيئي.[4]
  • التخلّص من القمامة: تولِّد المدن كميات كبيرةً من النفايات التي يصعب إدارتها، ويمكن أن يؤدي التخلص غير السليم منها إلى تلوث البيئة، ومخاطر صحية.[3]
  • الازدحام المروري: تواجه أغلب المدن الكبيرة مشكلة الازدحام المروري التي تزيد من انبعاث الغازات الضارّة، وتلوث الهواء.[5]
  • المساحات الخضراء: غالبًا ما تمتلك المدن مساحات خضراء محدودةً والتي تؤثر على نوعية الهواء، ودرجة الحرارة، ونوعية الحياة بشكل عام، وتخفّف من حدّة بعض هذه المشكلات.[6]

دور المدن الذكية في الحد من التغير المناخي والمشكلات البيئية

يعتبر الخبراء المدن الذكية أداةً مهمةً لمكافحة التغير المناخي والمشكلات البيئية في المدن من خلال تعزيز الممارسات المستدامة، والحد من الاحتباس الحراري. فتساعد المدن الذكية في تخفيف آثار تغير المناخ، وخلق مستقبل أكثر استدامةً للأجيال القادمة. ويتحقّق ذلك بواسطة إدارة الطاقة الذكية، والتنقل المستدام، والإدارة السليمة النفايات، والتخطيط الحضري. وذلك عن طريق الاستفادة من التقنيات المتطوّرة مثل الذكاء الاصطناعي AI، وإنترنت الأشياء IoT، وأجهزة الاستشعار، وتعلم الآلة وغيرها الكثير.

إدارة الطاقة الذكية

تنفّذ المدن الذكية عدّة استراتيجيات بهدف الحد من بصمتها الكربونية، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، والتخفيف من وطأة التغير المناخي والمشكلات البيئية. فتعطي المدن الذكية الأولوية لدمج مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح في أنظمة الطاقة الخاصة بها. يساعد ذلك على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقليل غازات الاحتباس الحراري. [7][8]

تطبِّق المدن الذكية تقنيات كفاءة الطاقة لتحسين استهلاك الطاقة، وتتضمن الأبنية الذكية التي تمكّن من تحسين مراقبة واستعمال الكهرباء.[7] على سبيل المثال؛ تستخدم أنظمة إنارة ذكية تعتمد على أجهزة استشعار فتعدل هذه الأنظمة مستويات الإنارة على أساس كمية الضوء الطبيعي الداخل إلى البناء، فتساهم في خفض صرف الكهرباء.

إضافةً إلى ذلك، تستخدم المدن الذكية «شبكات متناهية الصغر- Microgrids» وهي نظم محلية لتوزيع الطاقة، تعزز موثوقية الطاقة ومرونتها. وتتضمّن تقنيات تخزين الطاقة مثل البطاريات من أجل تخزين الطاقة المتجددة الزائدة لاستخدامها لاحقًا.[8]

تنقل مستدام

تشجع المدن الذكية استعمال وسائل النقل العام والتي تساعد في الحد من الانبعاثات، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز أنماط الحياة الأكثر صحةً. فتستثمر في الهياكل الأساسية للنقل العام مثل الحافلات السريعة، والسكك الحديدية، وشبكات مترو الأنفاق، لكي توفر خيارات عديدة تتّسم بالكفاءة والموثوقية.[9] تؤدي كذلك نظم إدارة حركة المرور دورًا حاسمًا في تعزيز وسائط النقل العامة في المدن عن طريق تقليل الازدحام. إذ تعتمد على أجهزة استشعار توفر بيانات آنية، من ثم تستخدم تحليلات متقدّمةً لتحسين تدفّق حركة المرور. تستطيع كذلك إعطاء الأولوية في إشارات المرور إلى المركبات العامة مما يزيد سرعتها مقارنةً مع المركبات الخاصة. كما توفر الأنظمة معلومات لحظيةً للمواطنين عبر تطبيقات على الهاتف المحمول حول ظروف المرور، وجداول النقل العام، والطرق البديلة. نتيجةً لذلك يستطيع السكان اتّخاذ قرارات فعّالة بشأن أسلوب سفرهم. [10]

لنساعد مدينتنا على التفكير بعمق

تحظى أنظمة مشاركة الدراجات بشعبية متزايدة بين الناس كوسيلة نقل مستدامة ومريحة. وتشمل أسطولًا من الدراجات التي يمكن للمستخدمين تأجيرها لفترات قصيرة، وعادةً ما تكون مقابل رسوم مالية. يؤثر النظام بشكل إيجابي على التنقل المستدام عن طريق تشجيع التحول من الرحلات القصيرة بالسيارات إلى الدراجات.[11][12] تواجه مشاركة الدراجات على الرغم من فوائدها الكثيرة تحديات مثل السرقة، وتلف الدراجات، والقدرة المحدودة في ظلّ جائحة كورونا.[12]

المركبات الكهربائية EVs

يشكّل التقارب بين الطاقة والتنقل ضرورةً أساسيةً بالنسبة للمدن الذكية، ومن هنا تأتي أهمية المركبات الكهربائية. والمركبات الكهربائية EVs هي المركبات التي تعمل بالطاقة الكهربائية بدلًا من البنزين، أو وقود الديزل. وتستخدم المحركات الكهربائية، والبطاريات لتشغيل المركبة مما يعني أنها تنتج صفر انبعاثات، وتعدّ أكثر ملاءمةً للبيئة من المركبات التقليدية.[13] وتتضمّن المركبات الكهربائية عدّة أنواع تختلف بحسب المنطقة، والجهة الصانعة وهي:

  • مركبات كهربائية تعمل بالبطارية BEVs: تعمل هذه السيارات فقط بالكهرباء المخزنة في بطاريات قابلة للشحن، ليس لديها محرّك احتراق داخلي، ولا تنتج انبعاثات. تزداد شعبيتها باستمرار، وتتوفّر بأحجام مختلفة بدءًا بالسيارات الصغيرة وحتى سيارات الدفع الرباعي الأكبر حجمًا.[14]
  • مركبات كهربائية هجينة موصولة PHEVs: تحتوي هذه المركبات على محرك كهربائي، ومحرك احتراق داخلي. ويمكن شحنها من مصدر طاقة خارجي كما يمكن تشغيلها باستخدام البنزين، بسبب ذلك تستطيع التحوّل إلى محرك الاحتراق الداخلي عندما تنضب البطّارية.[15]
  • مركبات كهربائية هجينة HEVs: تحتوي على محرك كهربائي، ومحرك احتراق داخلي لكن لا يمكن شحنها من مصدر طاقة خارجي. عوضًا عن ذلك تشحن البطارية من خلال المكابح، ومحرّك الاحتراق الداخلي، لكنها تُنتج بعض الانبعاثات.[15]
  • مركبات خلية الوقود الكهربائية FCEVs: تستخدم خلايا الوقود الهيدروجيني لتوليد الكهرباء من أجل تشغيل المحرك الكهربائي. ولا تنتج أي انبعاثات ولها مدى حياة أطول من المركبات الكهربائية BEVs. لكن البنية التحتية للتزوّد بالوقود الهيدروجيني محدودة حاليًا.[15]

إدارة النفايات

تستخدم المدن الذكية مزيجًا من التقنيات والنظم لتقليل النفايات، وتحسين طرق جمعها بهدف خلق بيئة أكثر نظافةً وصحةً لسكانها. وتعتمد عمومًا على صناديق القمامة الذكية وهي صناديق مجهزة بأجهزة استشعار تكشف متى تصبح ممتلئةً وتنبّه موظّفي إدارة النفايات من أجل تفريغها. بسبب ذلك يقلّ مقدار الوقت، والموادّ اللازمة لجمع النفايات. كما يمكن للصناديق ضغط النفايات لتوفير مساحة أكبر مما يقلّل الحاجة إلى عمليات التفريغ المتكرّر.[16]

علاوةً على ذلك تهدف المدن الذكية إلى تقليل النفايات عن طريق تعزيز ممارسات مثل إعادة التصنيع، والاستخدام، والتدوير. نتيجةً لذلك تقل كمية النفايات التي تحتاج إلى إدارة، وتخلق أيضًا فرصًا اقتصاديةً جديدةً. وتحتاج حتى تنجح بهذا النظام تثقيف المواطنين حول ممارسات إدارة النفايات السليمة مثل فصل المواد القابلة لإعادة التدوير عن المواد غير القابلة لإعادة التدوير.[17]

المساحات الخضراء

تسعى المدن الذكية إلى خلق بيئات حضرية أكثر استدامةً ومرونةً. فيمكن دمج البنية التحتية الخضراء والزرقاء مثل الحدائق والمسطحات المائية في المشهد الحضري. ويمكن للمدن كذلك تشجيع بناء مبانٍ خضراء تتضمّن سمات مثل الأسقف الخضراء والحدائق الرأسية. فلا تسهم هذه المباني فقط في زيادة المساحات الخضراء في المدينة، لكن تساعد أيضًا على الحدّ من الاحتباس الحراري. زيادةً على ذلك تدعم المدن الذكية مبادرات الزراعة الحضرية فتعزّز بذلك الإنتاج الغذائي المحلي، وتقلل من البصمة الكربونية المرتبطة بنقل الأغذية.[18]

بالطبع تستفاد المدن من التقنيات الذكية لتحسين استخدام الموارد. على سبيل المثال: يمكن الاعتماد على أجهزة الاستشعار، وتحليل البيانات لرصد مستويات رطوبة التربة، وتوفير الريّ للأشجار عند الضرورة فقط لتقليل هدر المياه.

لقد وصلنا اليوم إلى نقطة لا يمكننا فيها إنكار خطر التغير المناخي، والمشكلات البيئية، وما يترتّب عليها من نتائج كارثية تهدّد مستقبل كوكبنا. بالتالي نحتاج اتّخاذ تدابير وخطط جديدة وفعّالة للحد من المشكلة، وهذا ما تسعى إليه المدن الذكية الآن.

المصادر

  1. Semantic scholar
  2. Research Gate
  3. Semantic scholar
  4. National Library of medicine
  5. IEEE
  6. IOP Science
  7. Research Gate
  8. MDPI
  9. MDPI
  10. Semantic scholar
  11. Research Gate
  12. Research Gate
  13. Semantic scholar
  14. Semantic scholar
  15. IEEE
  16. Semantic scholar
  17. Journal of Emerging Technologies and Innovative Research
  18. Research Gate

طاقة ذكية تغذي مدن المستقبل

هذه المقالة هي الجزء 12 من 18 في سلسلة كيف ستغير المدن الذكية من شكل عالمنا؟

يتزايد الطلب حاليًا على إمدادات الطاقة بسبب النمو المستمر للدول في جميع أنحاء العالم، ونتيجة قيام المدن بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتنعكس آثارها بشكل كبير على المدن لارتباطها الوثيق مع أغلب المجالات الأخرى مثل النقل والتصنيع. بالتالي تبرز ضرورة تطوير مجال الطاقة، والتحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة الذكية.

ما هي الطاقة الذكية؟

يشير مصطلح «الطاقة الذكية – Smart energy» إلى استخدام التقنيات المتقدمة والأنظمة الذكية لتحسين إنتاج الطاقة، وتوزيعها، واستهلاكها. وينطوي على تكامل مختلف مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT لإدارة أنظمة الطاقة بشكل أكثر كفاءةً.[1]

تجمع أنظمة الطاقة الذكية بين أنواع مختلفة من «موارد الطاقة الموزعة- DERs»، و«إدارة جانب الطلب- DSM»، وتقنيات تحويل الطاقة بهدف توفير المرونة في أنظمة الطاقة.[1] وتضمّ موارد الطاقة الموزّعة وحدات لتوليد الطاقة على نطاق صغير، وتقع عادةً بالقرب من نقطة الاستهلاك مثل الألواح الشمسية، أو توربينات الرياح. ويعتبر إدارة جانب الطلب عنصرًا رئيسيًا في نظام الطاقة لأنه يدير استهلاك الطاقة للحدّ من ذروة الطلب، وتحسين كفاءتها.[2]

الجوانب الرئيسية للطاقة الذكية

تشمل الطاقة الذكية عدّة جوانب رئيسية ومنها:

  • إنتاج الطاقة، يمكن لأنظمة الطاقة الذكية استعمال مصادر الطاقة المتجدّدة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح لتوليد الكهرباء. كما تستطيع استعمال الشبكات الصغيرة لتحسين إنتاج الطاقة.[3]
  • نقل الطاقة، تُستخدم أجهزة الاستشعار، وتقنيات اتّصال متطوّرة لمراقبة نقل الطاقة. من أجل تحديد المشاكل المحتملة قبل أن تتحوّل إلى مشاكل كبيرة، مما يساعد على تقليل هدر الطاقة.[4]
  • تخزين الطاقة، تخزّن تقنيات ذكية الطاقة الزائدة مثل البطّاريات، أو «الحذافة- Flywheel» بهدف تحريرها عند الحاجة. يساعد ذلك في تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الطاقة، وتقليل الحاجة إلى محطّات توليد الطاقة القائمة على الوقود.[3]
  • استهلاك الطاقة، يستخدم تحليل البيانات، وتعلم الآلة لتحسين استهلاك الطاقة في المنازل والشركات والمباني العامة، ويساعد على الحد من هدر الطاقة.[5]
  • ذكاء الطاقة، يحلّل الذكاء الاصطناعي AI بيانات الطاقة من أجل وضع التنبؤات حول احتياجات الطاقة في المستقبل.[3]

الشبكات الذكية Smart grids

تعد «الشبكة الذكية- Smart grid» شبكةً كهربائيةً متقدّمةً، تعتمد على تقنيات الاتصالات الرقمية للكشف عن التغييرات في أنماط استخدام الكهرباء، من ثم الاستجابة لهذه التغييرات. ويعتبر نظام الشبكة الذكية نظامًا متكاملًا. يتيح توليد، وتوزيع، واستهلاك الطاقة بكفاءة، ويتكامل عمله مع التقنيات الذكية مثل شبكات الاستشعار، وإنترنت الأشياء IoT. بهدف تمكين تبادل المعلومات وتحسين الاتّصال بين المكوّنات، ومراقبة تدفّق الكهرباء والتحكّم بها، ويشمل كذلك مصادر الطاقة المتجددة.[6]

الشبكة الذكية كنظام لتوليد وتوزيع واستهلاك الكهرباء.

أنظمة لإدارة الطاقة المنزلية الذكية

تحظى أنظمة إدارة الطاقة المنزلية الذكية بشعبية متزايدة بسبب بحث الناس عن سبل للحد من استهلاك الطاقة، وتوفير المال عن طريق خفض الفواتير. وفيما يلي بعض الأمثلة عن هذه الأنظمة:

  • مقاييس (عدّادات) الطاقة المنزلية، وهي أجهزة تراقب وتتعقّب استعمال الطاقة لحظةً بلحظة. وتزوّد أصحاب المنازل بمعلومات مفصّلة عن استهلاكهم للطاقة، وتساعدهم على تحديد الأجهزة التي يمكن تقليل ساعات عملها.[7]
  • منظِّمات الحرارة الذكية، وهي أجهزة تضبط درجة الحرارة تلقائيًا في المنزل الذكي على أساس تفضيلات، وعادات مالكي المنزل. تستطيع المنظمات أيضًا تعلم جدول مواعيد الأفراد، فتعدل درجات الحرارة وفقًا لذلك.[8]
  • أنظمة إنارة ذكية، يمكن تشغيل الأضواء وإطفاؤها تلقائيًا على أساس تفضيلات سكان المنزل. كما يمكن ضبط سطوع الضوء على أساس الوقت من اليوم، وكمّية الضوء الطبيعي في الغرفة مما يساعد على خفض استهلاك الكهرباء.[8]
  • أجهزة تخزين الطاقة، تستطيع هذه الأجهزة تخزين الطاقة الزائدة التي تولّدها الألواح الشمسية مثلًا من ثم يستخدمها السكان في وقت لاحق. فتساعد الأفراد على التقليل من اعتمادهم على الشبكة الكهربائية، وتوفّر المال.[9]

كيف تفيد الطاقة الذكية المدن الذكية؟

تفيد الطاقة الذكية مدن المستقبل بعدة مجالات ومنها:

  • فوائد بيئية، تساعد على الحد من انبعاثات الكربون، والتخفيف من تغيُّر المناخ. على سبيل المثال؛ تقوم البلديات البولندية بتوزيع الحرارة المتولّدة من مصادر الطاقة المتجددة، لتقليل الانبعاثات الضارّة من منشآت التدفئة.[10]
  • تجارة الطاقة بين الأقران، يمكن «لسلسلة الكتل- Blockchain» تمكين تجارة الطاقة بين الأقران، مما يسمح للأفراد والشركات بشراء وبيع الطاقة مباشرةً بعضهم لبعض. يساعد ذلك على خفض تكاليف الطاقة، وزيادة استعمال مصادر الطاقة المتجددة.[11]
  • المركبات الكهربائية EV، تدعم أنظمة الطاقة الذكية المركبات الكهربائية من خلال نشر الهياكل الأساسية لشحن المركبات، واستخدام تقنيات الشحن الذكي ونقل المركبات إلى الشبكة V2G. وتنتج المركبات الإلكترونية انبعاثات أقل مقارنةً بالمركبات التي تعمل بمحرّك الاحتراق الداخلي. نتيجةً لذلك تحد من مستوى الضوضاء، والتلوث، إضافةً إلى توفيرها خدمات النقل.[12]
  • فوائد اقتصادية، تعزّز حلول الطاقة الذكية القدرة التنافسية الاقتصادية للمدن من خلال جذب أعمال تجارية واستثمارات جديدة. كما تخلق وظائفًا حديثةً في مجالات مثل التركيب، والصيانة، والتشغيل.[13]

مناطق الطاقة الصفرية

إن «مناطق الطاقة الصفرية- Net Zero energy districts» هي المناطق الحضرية التي تكون فيها كمّيّة الطاقة المستهلكة أقلَّ أو مساويةً لكمية الطاقة المتجدّدة المتولّدة فيها على مدى فترة محددة، وعادةً ما تكون سنةً. وتضمّ مجموعةً من المباني والبنى التحتية التي تُنتج بشكل جماعي كمّيةً من الطاقة، من ثم تستهلكها خلال فترة زمنية معنية. وتعتمد عمومًا على مصادر الطاقة المتجددة. وتنطوي على استخدام أنظمة الطاقة الذكية المختلفة مثل الشبكات الذكية، وتقنيات تخزين الطاقة.[14]

بسبب ذلك توفّر هذه المناطق العديد من الفوائد، مثل زيادة استقلالية الطاقة، وتحسين مرونتها، وبيئة قليلة التلوث، علاوةً على انخفاض سعر الكهرباء للسكّان والشركات. بالرغم من ذلك، لا تخلو من التحدّيات بسبب عوامل مثل ارتفاع التكاليف الأوّلية للتنفيذ، والتعقيدات التقنية، والحواجز التنظيمية، والحاجة إلى التعاون بين أصحاب المصلحة.[14]

نفّذت العديد من المدن في جميع أنحاء العالم خطّطًا لتطوير مناطق الطاقة الصفرية. على سبيل المثال؛ منطقة Bo01 في malmö في دولة سويد، والتي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة وأنظمة الطاقة الذكية.[15] كذلك المركز الوطني الغربي National western center في دنفر عاصمة ولاية كولورادو في أمريكا. وهو عبارة عن حرم بمساحة 100 هكتار، ويخضع لعملية إعادة تطوير كبرى لكي يصبح منطقة طاقة صفرية. فيضمّ الحرم مباني ذات كفاءة في استهلاك الطاقة، إضافةً إلى تقنيات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وأنظمة تخزين الطاقة.[14]

تحديات مستقبلية

من المهم وضع معايير واستراتيجيات دولية توافقية لضمان نجاح نظم الطاقة الذكية. إذ يتطلّب تنفيذ أنظمتها تخطيطًا دقيقًا، وتنسيقًا حذرًا. فقد تواجه المدن عدة تحدّيات لأن أنظمة الطاقة الذكية هي أنظمة معقّدة، تتطلّب تقنيات وهياكل أساسيةً متطورةً للعمل بفعالية. كما تحتاج التحوّل إلى الرقمنة، التي قد تشكّل تحديًا للبنية التحتية الحالية ومقدمي الطاقة التقليدية. نتيجةً لذلك يعدّ تنفيذ هذه الأنظمة وإدارتها أمرًا صعبًا بعض الشيء. [15]

قد يشكّل ضمان أمن البيانات والنظم، وخصوصيتها تحديًا كبيرًا لأن هذه النظم تعتمد على التقنيات الرقمية والربط الإلكتروني، لذلك تكون معرضةً للهجمات السيبرانية.[16] إضافةً إلى ذلك تطرح القدرة على تحمّل التكاليف تحديًا حقيقيًا لمعظم المدن. فيجب ضمان تفوّق فوائد هذه النظم على تكلفتها، وكذلك وضعها في متناول جميع المستعملين بأسعار مناسبة ومحمولة.

في نهاية المطاف، قد تحدث الطاقة الذكية ثورةً في طريقة تفكيرنا واستخدامنا للطاقة، فهي تخلق مسارًا جديدًا نحو مستقبل أكثر نظافةً، واخضرارًا واستدامةً.

المصادر

  1. MDPI
  2. IEEE
  3. Semantic scholar
  4. Semantic scholar
  5. Frontiers
  6. Semantic scholar
  7. IEEE
  8. Semantic scholar
  9. IEEE
  10. MDPI
  11. Research Gate
  12. Research Gate
  13. Research Gate
  14. MDPI
  15. Semantic scholar
  16. Research Gate
Exit mobile version