الشتاء قادم، كيف نجا الإنسان العاقل من جليد الشمال القارص

قبل 40 ألف سنة في أوروبا لاحق الإنسان العاقل الحيوانات واصطادها، واستكشف غابات أوروبا ومراعيها لأول مرة. لكن مع تقدم الزمن بدأ كل شيء يتغير. فبحلول عام 28 ألف ق.م بدأت الطبقات الجليدية تتقدم وتنهي كل شيء في طريقها. معظم أوروبا الشمالية أصبحت تحت الجليد ولكن على عكس المتوقع بقي الإنسان العاقل في أوروبا، اصطاد وعاش في المناطق الجليدية. طور عادات وسلوكيات خاصة كانت أساسًا لحضارتنا اليوم. وتمكن من النجاة من أخر عصر جليدي مدمر ضرب الأرض.

صيادو الشمال المتجمد

ظهرت الحضارة <<الكرافيتية-Gravettian culture>> في أوروبا بدايتًا من سنة 28 ألف قبل الميلاد. و  الكرافيتيين هم مجموعة من الصيادين الذين تمكنوا من الصمود والاصطياد في الظروف الجليدية الصعبة. فأوروبا بين 28 و20 ألف ق.م كانت ترزح تحت طبقات الجليد السميكة حتى عدة كيلومترات. دول مثل إنجلترا والدنمارك والنرويج اليوم كانت وقتها عبارة عن طبقات من الجليد السميك.

لا نعلم بالضبط اليوم ماذا نادى الكرافيتيون بعضهم. لكن اليوم أعطاهم علماء الآثار هذا الإسم نسبة للمواقع الأثرية التي وجدو أثرًا لهم فيها. لقد سكنوا بشكل عام على طول طريق تنقل الحيوانات الكبيرة. ففي تلك الفترة كانت أوروبا تعج بحيوان الماموث مثلًا. ومع أن فروه كثيف إلا انه كان يكره البرد. لذلك كان عندما تشتد برودة الطقس ينتقل نحو جنوب القارة الأوروبية وعلى طول مسار تنقله وجدت آثار الكرافيتيين. (1)

أول معطف في التاريخ

رسم تخيلي يظهر معطف من الثقافة الكرافيتية(مواقع التواصل)

بشكل أو بأخر يمكننا اعتبار أن صناعة الملابس للتدفئة هي اختراع يعود للثقافة الكرافيتية. فمع ازدياد البرودة أخذ الكرافيتيان الفرو والجلد وصنعوا ملابسًا اهم. يعتبر العلماء اليوم أن أول من بدأ الخياطة بإبر مصنوعة من العظام مع نوع من الخيوط هم الكرافيتين. بالإضافة إلى الملابس صنع الكرافيتيان الأحذية. لكن الخياطة كانت عمل نسائي ولم تكن بالشيء السهل. فكان على النساء اختيار أنواع الجلد ثم مضغها لتنعيمها ثم ثقبها ، بالأسنان على الأرجح، من أجل خياطتها في النهاية.

لكن ما يلفت نظر العلماء اليوم ليس فكرة اختراع الملابس بالتحديد. فالكرافيتيين لم يرتدوا الملابس بغرض التدفئة فقط وعلى الأرجح كان لها بعدٌ أخر عندهم. ففي أحد الكهوف وجد هيكل عظمي مدفون بجانبه صخرة المغرة. في الغالب كان لرجل وكان يرتدي رداء مميز من الجلد. مزين بكريات صغيرة من عظام الماموث مثقوبة في المنتصف. وووجدت أربطة على الرأس لم نعلم بالتحديد إذا كان لشاب أو عجوز. لكن من الواضح ان الرداء هذا ليس مجرد لباس اعتيادي للتدفئة. فصنعه استغرق عملًا لأكثر من سنة. لذلك يعتقد العلماء أنه يرمز لشيء أخر.

في مجتمع صيادين وفي هذه الظروف الجليدية كان الانضمام للمجموعات مهمًا للغاية. فالأمر ليس كما في الجنوب الدافئ تأتي الفريسة اليك. في التندرا الباردة تكون المعركة أكثر شراسة والمخاطر أعلى. لذلك نرى من الواضح ظهور نوع من المركزية في البنى الاجتماعية شيء قريب من فكرة زعيم القبيلة كما نعرفها اليوم.(2)

فينوس العصر الحجري

لم تقتصر الرمزية عند صيادي أوروبا الأوائل على السلطة. بل ظهر في هذه الفترة واحد من أكثر الرموز المثيرة للاهتمام وقد أشتهر وانتشر بشكل كبير وهو تمثال فينوس. المرأة العارية بالطبع ليس له علاقة بإلهة الحب في اثينا بل كان مرتبطًا أكثر بالخصوبة والحماية. لا نعلم تحديدا هدفه، هذا النوع من التماثيل لنساء أكثر ما يبرز فيها هو صدرها الكبير وحوضها وبطنها الكبير. وكانت هذه التماثيل صغيرة الحجم. نعلم انها كانت تدفن بجانب النار في الرمل ربما كان الهدف منها اعطاء القوة والحماية للكوخ. وجد الكثير منها بمختلف الاشكال والاحجام فقد تم صناعتها بأعداد كبيرة نوعًا ما.

وهذه التماثيل مع اختلافها تظهر نوعًا من الجمالية. فالأمر ليس فقط بأنهم يخيطون ملابسهم او يصنعون تماثيل بل يحاولون في الواقع خلق نوع من الموضة. نوع من التمثيل لفكرة الأنثى البشرية المجردة وفكرة الخصوبة بشكل عام.

إقرأ أيضًا: البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

الشامان، ساحر الشمال الأول

جلست عائلة من الكرافيتيين في وسط كوخهم المصنوع من الاخشاب والجلود وعظام الماموث. يتسع الكوخ ل 12 إلى 15 شخص وهم متحلقين حول النار التي تشتعل في وسطه. تروي لهم الجدة والجد حكايات عن أسلافهم واساطيرهم القديمة عن الماموث العملاق والروح المقدسة والدب العظيم لمئات المرات قبل أن ينتهي الشتاء. وكانت هذه القصص تنقل عبر الأجيال مما جعل هذه الاكواخ ليست فقط للاحتماء بل لها دور  احتفالي مقدس أيضًا. فعند سرد تقاليد العشيرة مرارًا وتكرارًا ينتج نوع من التماسك. فتصبح هذه الاكواخ اماكن شبه مقدسة.

جزء من العالم الخارجي الذي يحتمي منه الكرافيتيين هو عالم مليء بالحيوانات القوية الشرسة. وبما أن عبادة الأسلاف صفة مشتركة مع شعوب السافانا فإن لها دورًا حقيقيًا في الصيد. المشكلة في الأراضي الجدليدية المفتوحة لن تأتي الفريسة إلى الصياد أبدًا. لذلك كان عليه أن يطور فكرة أخرى عن عبادة الأسلاف. لذلك طوروا علاقة خاصة مع الحيوانات التي تبنى بعض الصيادين شخصياتها.

فإذا أخذنا الدببة كمثال عند سلخه يبدو كالإنسان. جلد أبيض لديه يدين وقدمين يشبه الانسان فاعتبره الكرافيتيون انه انسان ضخم. وعندما ترتدي جلد الدب ستصبح أنت أيضًا دب. لذلك وجدت علاقة بين الدب والانسان الذي يخرج مع الانسان ويتشارك معنا ذات انواع الطعام. لذلك كان هنالك نوع من الطقوس تحدث من اجل اصطياد الدب فكانت العلاقة والطقوس كنوع من طلب الانسان من الدب ان يضحي بنفسه لأجل حياة الانسان. فبمخيلة الكرافيتيين ربما كان هذا الدب روح احد الأسلاف.

من هنا ظهرت الحاجة لوجود الشامان. وهو ساحر قادر على التواصل مع عالم الأرواح. انتشر بشكل واسع في معظم المجتمعات الشمالية. وساعد الانسان بالتواصل مع عالم الارواح التي كانت تنتشر في كل مكان حسب ظنهم. وكانوا غالبًا يحملون معه أدوات كالطبول لتساعدهم في مهمتهم.

هناك رسم يظهر العالمين عالم البشر وعالم الارواح مفصولين يمكن للشامان ايضا ان يشفوا فهم يعرفون الكثير عن النبات

مهد الحضارة

بحلول سنة 10 الاف قبل الميلاد كانت الأراضي المفتوحة الجليدية في أوروبا قد اختفت وحلت مكانها الأعشاب والأشجار والمراعي مرة أخرى. اختفت ثقافة الكرافيتية معها وحلت مكانها ثقافة أخرى تسمى بالمجدلية. أعادت الحياة إلى الكهوف في أوروبا وجعلتها من أجمل الأعمال الفنية التي مرت على التاريخ البشري. لم ينتهي العصر الجليدي كما بدأ بل خلاله تعلم البشر وطوروا سلوكياتهم وقدراتهم العقلية وتمكنوا من الصمود. أن حصيلة معارفنا او تطورنا الفكري والاجتماعي ليس كما هو شائع قد حدث عندما خرج البشر من الكهوف وبنوا أولى القرى. بل إن جذورها أقدم من ذلك بكثير فهي تعود إلى أخر عصر جليدي مر علينا. (3)

المصادر

  1. The Gravettian on the Middle Danube
  2. The Eastern Gravettian “Kostenki Culture” as an Arctic adaptation
  3. Climate Change in Prehistory: The End of the Reign of Chaos

البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

تخيل معي أنك تقف الان أمام أقدم ملجئ سكنه البشر الأوائل (العقلاء). كيف يمكن أن تتخيل حياتهم؟ كيف تصرفوا؟ ماذا أكلوا؟ ما هو شكل علاقتهم الاجتماعية؟ سلوكهم سويًا ومع باقي الأنواع الحية، حياتهم الروحية وهل كان لهم واحدة أصلًا؟ في هذا التقرير سنطرح أمامكم كل ما نعرفه ونفترضه عن حياة الإنسان العاقل في مراحلها المبكرة. وسنناقش نشوء سلوكه الاجتماعي في أحد أهم المواقع التي عثر فيها على أقدم الآدلة الآثرية المرتبطة به. وهو كهف بلومبوس في جنوب إفريقيا.

نقف الان على الساحل الجنوبي لقارة إفريقيا، تسمى هذه المنطقة بالسافانا وتعتبر حارة جدًا اليوم لدرجة أنها باتت تشبه الصحاري. لكن الأمر لم يكن كذلك في المئة ألف سنة الماضية، كان مناخها ألطف وأكثر مطرًا وبرودة مما هو عليه اليوم. انتشرت في هذه المنطقة الهضاب والسهول. وكانت تحتوي مئات البحيرات التي لا تزال قيعانها الرملية تظهر على خرائط غوغل كنقاطٍ بيضاء اليوم. وحسب توزع هذه البحيرات وبما أن العديد من الكهوف تظهر في هذه المنطقة قسمها علماء الآثار إلى بقعتين: الأولى وهي منطقة البحيرات والثانية هي منطقة الكهوف والملاجئ الصخرية.(1)

ومباشرة قبالة الشاطئ على سفح التل القريب يقع <<كهف بلومبوس-Blombos cave>>. المسافة بين الكهف والبحر صغيرة نسبيًا وغير مناسبة لأعمال الصيد والمعيشة، لكنها لم تكن كذلك قبل الخمسة ألاف سنة الماضية. فقد كان مستوى مياه البحر أكثر انخفاضًا بنسبة 50 الى 100 متر مما هو عليه اليوم. ولكن عند بحلول سنة 5000 قبل الميلاد بدأت معدلات الحرارة بالإرتفاع عالميًا فارتفع معها مستوى المياه ووصل إلى ما هو عليه اليوم. إذا فقد كان أمام الكهف مساحات شاسعة للصيد وأعمال الحياة اليومية للبشر الأوائل.(1)

كهف بلومبوس
By Vincent Mourre / Inrap – Own work, CC BY-SA 3.0,

ماذا أكل البشر الأوائل؟

إن ما يميز كهف بلومبوس هو أنه سكن من فترات العصر الحجري القديم والوسيط. وهي فترة ممتدة من 125 ألف الى 75 ألف قبل الميلاد. وخلال هذه الفترة تغيرت أنواع الطرائد التي اصطادها البشر. فبين سنة 125 و 82 ألف قبل الميلاد. اعتاد البشر على أكل الحيوانات صغيرة الحجم إجمالًا كالأسماك <<والوبريات-Hyraxes>> وهي حيوانات بحجم الأرانب بالإضافة لحيوان <<الخلد الشحمي- dune mole>> وحيوانات الماشية الصغيرة. ومع تقدم الفترات الزمنية وازدياد قدرات الإنسان ومعرفته تمكن من اصطياد الحيوانات الأكبر. فحوالي سنة 75 الف قبل اليوم كان قد تمكن من اصطياد أنواع الماشية الكبيرة وأكلها.

في الغالب فإن عملية الصيد هذه لم تكن تعتمد فقط على جودة وفعالية الأسلحة وأدوات الصيد. بل على معرفة الإنسان لفسيولوجيا هذه الحيوانات التي أراد صيدها. وفهمه أن أحجامها الكبيرة تعطيها سرعة أكبر لكنها بعد بضع ساعات ستحتاج للتوقف عندما ترتفع حرارة اجسادها وإلا ستموت. لذلك كان يتم اختيار أسرع الرجال لهذه المهمة وبعد 3 إلى 4 ساعات من مطاردة الحيوان كان يقع ميتًا. ويتحول لوجبة لذيذة على العشاء.(2)(3)

ماذا صنع البشر الأوائل؟

في الحقيقة، إن دراستنا للأسلحة والأدوات التي صنعها البشر الأوائل إن كان في جنوب إفريقيا أو في أي مكان أخر من العالم. لا تساعدنا فقط على فهم أنواع الحيوانات التي اصطادوها. بل على تحديد مستوى التطور الفكري للإنسان ومدى تطور سلوكه الاجتماعي.

نحن لسنا مجرد مفترسين صانعين للأدوات وصناعة الأدوات لا تعتمد فقط على تقنية التصنيع. فالبشر الأوائل كانوا بحاجة لمعرفة أنواع الصخور التي يجب استخدمها وأين يمكن أن توجد هذه الأنواع. بالإضافة لطريقة استخراجها ومن ثم تقنية ضربها لتتحول لسلاح قاتل. ومع ذلك كان يوجد حاجة لمعرفة المسافات وطرق التنقل. فليس من السهل نقل الصخور دائمًا لتصنع في المساكن وفي بعض الأحيان كان من الأسهل صنعها قرب مكان استخراجها.(4)

وبعد ذلك حافظ الإنسان على هذه التنقية ونقلها من جيل لجيل فهي لم تكن مكتوبة في كتاب بل كان الأب يعلمها لابنه ويدله على طريق الصخور المناسبة.

بعض الأدوات التي وجدت في الكهف
By Katja Douze Sarah Wurz Christopher Stuart Henshilwood CC BY 4.0,

المغرة

الصيد والطعام ليسا الجانب الوحيد في حياة الإنسان العاقل. في كهف بلومبوس أيضًا عثر على <<صخرة المغرة-Ochre>>. وهي نوع من الصخور الهشة التي لا تصلح ليصنع منها سلاحًا، بل كان استخدامها مختلف كليًا عن هذا.

لا يمكن أن نعرف بالتحديد ما الذي كانت تعنيه المغرة لسكان كهف بلومبوس الأوائل. لكن بعض القبائل الإفريقية اليوم التي ما زالت تعيش حياة بدائية تخبرنا عن معنى المغرة بالنسبة لها. إنها تعني الدماء عند بعضهم نظرًا للونها الأحمر والخصوبة إذا ربطنها بدماء الدورة الشهرية عند النساء. في ؛<ناميبيا-Namibia>> في إفريقيا ما زالت عدة قبائل تستخدم المغرة. والنساء هي المسؤولة عن استخراجها وتصنيعها. تقوم بعد ذلك بمزجها مع الدهون والاعشاب المطيبة ثم تدهن الجسد بها فيصبح كأن لونهن أحمر. وللأسف إذا اخذنا مثلًا أقرب سنجد أن السكان الأصليين لأميركا أيضا كانوا يطلون أنفسهم باللون الأحمر. قبل الحرب أو الطقوس الدينية والجنائزية وهذا ما سبب تسميتهم بالهنود الحمر.(5)

لكن لنفهم معظم أبعاد استخدام هذا النوع من الصخور عند البشر الأوائل، لا بد من ذكر سكان جزيرة <<أندامان-Andaman>> شرقي الهند وهو يعتبرون من أقدم البشر الذين ما يزالون يعيشون حياة بدائية هي الأقرب لأسلافنا الأوائل. فعند هذا الشعب لاستخدام المغرة معنى أخر بعيد جدًا عن اللون الأحمر وهو مرتبط بشكل كبير بالرائحة.

إن الفرد من هذه المجموعة، وهذا التعبير خطأ فهم لا يعترفون بالانا كفرد بل إن الفرد منهم هو كل أسلافه مجتمعين بشخصه. كان يجب عليه أن يطلي جسده بالمغرة لكي تتمكن أرواح أسلافه، الغير مادية،من التعرف عليه بعد وفاته عن طريق رائحته المميزة. بشكل أو بأخر بالنسبة لهم فإن مسألة عبادة الأسلاف هذه كانت تستحق كل هذه الطقوس. فالأسلاف بنظرهم كانوا قادرين على مساعدتهم بالصيد والشؤون الحياة اليومية وليتمكن الفرد منهم من الاجتماع مع اسلافه كان لزامًا عليه أن يستعمل المغرة.

إقرأ أيضًا: تاريخ الإنسان العاقل، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؟

أول الرموز الفنية

صخرة المغرة المحفورة برموز إكس
By https://originalrockart.wordpress.com/ – https://originalrockart.wordpress.com/, CC BY-SA 4.0,

ان جميع ما تحدثنا عنه في هذا التقرير هو فرضيات مبنية على أدلة أثرية مستخرجة من كهف بلمبوس. وقد عثر في الكهف أيضا على صخرة حفر عليها رموز إكس “X” متشابكة وهو أمر غريب جدًا. ويعتبر بداية للشيء لم يكن معروف سابقًا على الأرض وهو الفن.(5)

بالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا فإيجاد تفسير لهذه الصخرة كان أمرًا صعبًا، لكن الأقرب إلى الواقع كان فرضية أنها تمثل إرث العائلة. كان يتم الاحتفاظ بها داخل العائلة الواحدة وتسلم من جيل إلى جيل كمفتاح سحري يربط العائلة ببعضها. أما إذا ضاعت فكانت تحل الكوارث عليهم.

لقد وجد في الكهف أيضًا رمز أخر لا يقل أهمية عن هذه الصخرة وهو عقد من الصدف. بالطبع قد اختفى الخيط منه لكن لا تزال علامات الحفر في وسط الأصداف ظاهرة. ومن الواضح أن مادة لامعة قد وضعت داخل هذه الأصداف. ومن الشائع قديمًاأإن كل ما يلمع يعتبر بوابة بين عالم الأحياء وعالم الروح. لكن لا نعلم اليوم بالضبط من كان يرتدي هذا العقد. ولو أن أغلب أغلب أنه يعود لرجل وهو رمزٌ لسلطته على أفراد جماعته.(6)

الرقص

يعد الرقص للبشر الأوائل من أهم طرق التواصل الاجتماعي وليس مجرد طقوس للتسلية. وكانت بعض الرقصات تدوم لأسابيع وشهور. الغرض من الرقص هو لقاء الشبان بالفتيات والزواج، وخصوصا إن كان يتم بين عدة جماعات مختلفة. ومن الأمور التي كان للرقص دور فيها هو تبادل الأغراض. فالجماعة التي تملك الكثير من الأسماك كانت تلتقي خلال طقوس الرقص مع جماعة تملك الصخور وهكذا يتم التبادل مثلًا.

اذًا كان الرقص وغيره العديد من العادات الاجتماعية المرتبطة بالبشر الأوائل تشكل جزئًا كبيرًا من حياتهم اليومية. أكثر من 60% من يومهم قضوه بالرقص وممارسة العادة الفنية المتعلقة بالأجداد كالرسم الرمزي على جدران الكهوف. والذي وجدنا منه الألاف في شتى انحاء العالم اليوم وهو رسم للطبيعة والحيوانات كنوع من الطقوس السحرية ربما كانت تتم لجلب الحيوانات أو للمساعدة على الصيد.

بشكل أو بأخر من غير العادل أن نطلق على البشر الأوائل صفة الصيادين الجامعين فقط لكون جزء من حياتهم اليومية تتعلق بالصيد. واذا أردنا ذلك لا يجب أن ننزعج إذا ما أطلق علينا بشر المستقبل صفة رواد المتاجر أو المتسوقين. فقط لأننا نزور المتاجر لنتسوق حاجاتنا اليومية منها.

المصادر

  1. Climate, Environment and Early Human Innovation: Stable Isotope and Faunal Proxy Evidence from Archaeological Sites (98-59ka) in the Southern Cape, South Africa
  2. Blombos Cave, Southern Cape, South Africa: Preliminary Report on the 1992–1999 Excavations of the Middle Stone Age Levels
  3. Identifying the Collector: Evidence for Human Processing of the Cape Dune Mole-Rat,Bathyergus suillus, from Blombos Cave, Southern Cape, South Africa
  4. Early Use of Pressure Flaking on Lithic Artifacts at Blombos Cave, South Africa
  5. Engraved ochres from the Middle Stone Age levels at Blombos Cave, South Africa
  6. Nassarius kraussianus shell beads from Blombos Cave: evidence for symbolic behaviour in the Middle Stone Age

تاريخ الإنسان العاقل، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؟

منذ حوالي ستة ملايين سنة، بدأ أحد أسلافنا المعروفين، << أناسي الساحل التشادي – Sahelanthropus >> المشي على قدمين وكانت هذه الخطوة الأولى في مسار تطور البشرية. (1) لكن الإنسان العاقل تأخر لأكثر من خمسة ملايين سنة لكي يظهر. خلال تلك الفترة الطويلة، عاشت مجموعات من الأنواع البشرية المختلفة وتطورت وماتت واختلطت وأحيانًا تزاوجت على طول الطريق. ومع مرور الوقت، تغيرت أجسادهم، كما تغيرت أدمغتهم وقدرتهم على التفكير. فما هو تاريخ الإنسان العاقل؟ وكيف أصبح النوع الوحيد على هذه الأرض؟

العظام والأدوات الحجرية هي وسيلتنا لفهم كيف تطور الإنسان العاقل من هذه السلالات القديمة من أشباه. تشير هذه الأدلة بشكل متزايد إلى أن الإنسان العاقل نشأ في إفريقيا، وإن لم يكن بالضرورة في زمان ومكان واحد. يبدو أن مجموعات متنوعة من أسلاف البشر عاشت في مناطق صالحة للسكن حول إفريقيا. وتطورت جسديًا وثقافيًا في عزلة نسبية، إلى أن دفعتهم التغيرات المناخية إلى تبادل كل شيء من الجينات إلى التقنيات والأدوات. في النهاية، أدت هذه العملية إلى ظهور التركيب الجيني للإنسان الحديث.

بداية سلالة الإنسان العاقل (550.000-750.000 سنة)

إعادة بناء لوجه Homo heidelbergensis

تساعدنا الجينات في رسم مخطط هجرات وحركات وتطور جنسنا البشري. وتلك الأجناس التي تطورت أو انحدرت من تزاوجنا معها على مر العصور.

تعود أقدم الأدلة من الحمض النووي لأحد الأقارب البشريين الأوائل إلى<< حفرة العظام- Sima de los Huesos  >> في جبال أتابويركا بإسبانيا على حيث عثر العلماء على آلاف الأسنان والعظام من 28 فردًا مختلفًا دفنوا بشكل جماعي. في عام 2016، استخرج العلماء الجينوم الجزئي من هذه البقايا البالغة من العمر 430 ألف عام. ليكشفوا أن البشر في الحفرة هم أقدم إنسان نياندرتال معروف. استخدم العلماء الساعة الجزيئية لتقدير المدة التي استغرقها تراكم الاختلافات بين أقدم جينوم لإنسان نياندرتال وجينوم الإنسان الحديث. ويقترح الباحثون أن سلفًا مشتركًا عاش في وقت ما بين 550 ألف و750 ألف سنة.

على الرغم من أن جيناتنا تُظهر بوضوح آثارًا كبيرة في حمضنا النووي لإنسان نياندرتال ودينيسوفان . (2) ولكن حتى الآن، فقط القليل من الأسنان والعظام يظهرون سلفًا مشتركًأ، وليس من الواضح من هو. << إنسان هايدلبيرغ-Homo heidelbergensis >> وهو نوع كان موجودًا منذ 200000 إلى 700000 سنة. (3) ومن المرجح اليوم أن يكون سلفًا للإنسان العاقل في إفريقيا وسلفًا لإنسان النياندرتالنسيس والدينيسوفان في أوروبا.

يمكن أن تساعد أدلة جديدة من الحمض النووي القديم في تقديم صورة أوضح. لسوء الحظ، فإن الظروف الباردة والجافة والمستقرة الأفضل للحفظ على المدى الطويل ليست شائعة في إفريقيا، وقد تم ترتيب عدد قليل من الجينومات البشرية الأفريقية القديمة التي يزيد عمرها عن 10000 عام.

أقدم إنسان عاقل عاش منذ 300.000 سنة

إعادة بناء لأقدم حفريات معروفة لإنسان العاقل

تُخبرنا الأحافير والعظام الكثير عن حياة الإنسان العاقل. لكن لا يمكن للعلماء دائمًا تفسير كل شيء من أشكال العظام التي يرونها. فتحديد الرفات بشكل نهائي على أنها تعود لإنسان عاقل، أو تصنيفها كأنواع مختلفة من أقارب البشر ليس بالأمر اليسير. فيبدو أن بعض السمات في الأحافير تتغير في أماكن وأزمنة مختلفة، مما يشير إلى أن مجموعات منفصلة من التطور التشريحي قد تنتج أشخاصًا مختلفين تمامًا.

لا يوجد علماء يقترحون أن الإنسان العاقل عاش لأول مرة في ما يعرف الآن بالمغرب. لأنه تم العثور على الكثير من الأدلة المبكرة على جنسنا البشري في كل من جنوب إفريقيا وشرق إفريقيا. لكن قطعًا من جماجم وفكين وأسنان عمرها 300 ألف عام وحفريات أخرى عُثر عليها في جبل إرهود، وهو موقع غني أيضًا موطن لأدوات حجرية متطورة، هي أقدم بقايا للإنسان العاقل تم العثور عليها حتى الآن.

ظهرت بقايا خمسة أفراد في جبل إرهود سمات وجه يبدو كوده الإنسان العاقل، مع مزيج من سمات اخرى تذكرنا بالبشر القدامى. إن وجود البقايا في الركن الشمالي الغربي من إفريقيا ليس دليلاً على نقطة نشأتنا، بل على مدى انتشار البشر في جميع أنحاء إفريقيا حتى في هذا التاريخ المبكر.

مشكلة في التصنيف

غالبًا ما تُصنَّف الحفريات القديمة جدًا على أنها الإنسان العاقل المبكر تأتي من فلوريزباد، جنوب إفريقيا (حوالي 260 ألف سنة)، وتشكيل كيبيش على طول نهر أومو الإثيوبي (حوالي 195000 سنة).

تم تصنيف الجماجم البالغة من العمر 160 ألف عام لشخصين بالغين وطفل في هيرتو، إثيوبيا، على أنها سلالات فرعية <<الإنسان العاقل الأول-Homo sapiens idaltu>> بسبب الاختلافات المورفولوجية الطفيفة بما في ذلك الحجم الأكبر. (4) لكنهم بخلاف ذلك يشبهون البشر المعاصرين لدرجة أن البعض يجادل بأنهم ليسوا نوعًا فرعيًا على الإطلاق.

إن الجدل حول تعريف البقايا الأحفورية التي تمثل الإنسان الحديث، بالنظر إلى هذه التفاوتات، أمر شائع بين الخبراء. لدرجة أن البعض يسعى إلى تبسيط التوصيف من خلال اعتبارهم جزءًا من مجموعة واحدة متنوعة.

إذن، متى أظهرت الحفريات أخيرًا لأول مرة البشر المعاصرين تمامًا بكل الميزات التمثيلية؟ إنها ليست إجابة سهلة. جمجمة واحدة من Omo Kibish تشبه إلى حد كبير إنسانًا حديثًا لكنها تعود إلى 195000 عام، (5) بينما تبدو جمجمة أخرى موجودة في كهف Iwo Eleru في نيجيريا قديمة جدًا، ولكن عمرها 13000 عام فقط. توضح هذه التناقضات أن العملية لم تكن خطية، ووصلت إلى نقطة معينة أصبح بعدها جميع الناس بشرًا حديثين.

إقرأ أيضًا: الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

الإنسان العاقل خارج إفريقيا (100،000 إلى 210،000 سنة)

توضح العديد من التحليلات الجينية التي تتبع جذورنا إلى إفريقيا أن الإنسان العاقل نشأ في تلك القارة. ولكن يبدو أنه كان لدينا ميل للتجول من حقبة أقدم بكثير مما كان يشتبه العلماء في السابق.

اكتشف عظم الفك الموجود داخل كهف منهار على منحدرات جبل الكرمل بفلسطين، أن البشر الحديثين سكنوا هناك، بجانب البحر الأبيض المتوسط ​​، منذ حوالي 177000 إلى 194000 سنة. الفك والأسنان من كهف ميسليا متشابهين بشكل لا لبس فيه مع الإنسان العاقل، وتم العثور عليها مع أدوات يدوية متطورة وأدوات صوان.(6)

الاكتشافات الأخرى في المنطقة تتراوح ما بين 100000 إلى 130.000 سنة، مما يشير إلى وجود طويل الأمد للبشر في المنطقة. كما تم العثور على بقايا بشرية مع قطع من المغرة الحمراء وأدوات ملطخة بالمغرة في موقع تم تفسيره على أنه أقدم دفن بشري متعمد.

من بين أنظمة كهوف الحجر الجيري في جنوب الصين، ظهرت المزيد من الأدلة منذ ما بين 80.000 و 120.000 سنة مضت. مما يشير إلى أن مجموعات الإنسان العاقل كانت تعيش بالفعل بعيدًا جدًا عن إفريقيا منذ 120.000 سنة.

حتى الهجرات المبكرة ممكنة ؛ يعتقد البعض أن هناك أدلة على وصول البشر إلى أوروبا منذ 210 ألف عام. في حين أن معظم الاكتشافات البشرية المبكرة تثير بعض الجدل العلمي، إلا أن القليل منها يصل إلى مستوى جزء جمجمة Apidima في جنوب اليونان، والذي قد يكون عمره أكثر من 200000 عام وربما يمثل أقدم حفرية بشرية حديثة تم اكتشافها خارج إفريقيا. ومع ذلك، فإن الموقع غارق في الجدل، حيث يعتقد بعض العلماء أن البقايا المحفوظة بشكل سيئ تبدو أقل من تلك الخاصة بنوعنا وتشبه إنسان نياندرتال، الذي تم العثور على بقاياه على بعد أمتار قليلة في نفس الكهف. يشكك آخرون في دقة تحليل التأريخ الذي تم إجراؤه في الموقع، وهو أمر صعب لأن الأحافير قد سقطت منذ فترة طويلة من الطبقات الجيولوجية التي ترسبت فيها.

الإنسان العاقل (15000 إلى 40.000 سنة)

بالنسبة لمعظم تاريخنا على هذا الكوكب، لم نكن البشر الوحيدين. لقد تعايشنا معًا، وكما توضح جيناتنا بشكل متكرر تزاوجنا مع أنواع مختلفة من أشباه البشر، بما في ذلك بعض الأنواع التي لم نتعرف عليها بعد. لكنهم تراجعوا، واحدًا تلو الآخر، تاركين جنسنا البشري ليمثل البشرية جمعاء. على مقياس زمني تطوري، اختفت بعض هذه الأنواع مؤخرًا فقط.

في جزيرة فلوريس الإندونيسية، تظهر الحفريات وجود فضولي وضئيل من الأنواع البشرية المبكرة الملقبة بـ “الهوبيت”. يبدو أن Homo floresiensis قد عاش حتى ما يقرب من 50000 عام، لكن ما حدث لهم هو لغز. لا يبدو أن لديهم أي علاقة وثيقة بالإنسان الحديث بما في ذلك مجموعة Rampasasa pygmy، التي تعيش في نفس المنطقة اليوم.

انتشر إنسان نياندرتال مرة واحدة عبر أوراسيا من البرتغال والجزر البريطانية إلى سيبيريا. تزامن ذلك مع اختفاء إنسان نياندرتال، منذ حوالي 40 ألف عام.

ترك أبناء عمومتنا الأكثر غموضًا، دينيسوفان، وراءهم عددًا قليلاً جدًا من الأحافير التي يمكن التعرف عليها لدرجة أن العلماء ليسوا متأكدين تمامًا من شكلهم. أو ما إذا كانوا أكثر من نوع واحد. تشير دراسة حديثة للجينوم البشري في بابوا غينيا الجديدة إلى أن البشر ربما عاشوا وتزاوجوا مع دينيسوفان منذ 15000 عام. ورث العديد من الآسيويين الأحياء ما يقرب من 3 إلى 5 في المائة من حمضهم النووي من الدينيسوفان.

لقد مات جميع أقربائنا في النهاية، تاركين الإنسان العاقل وحيدًا على هذه الأرض.

المصادر

  1. The Earliest Hominins: SahelanthropusOrrorin, and Ardipithecus
  2. You may have more Neanderthal DNA than you think
  3. Homo heidelbergensis
  4. 160,000-year-old fossilized skulls uncovered in Ethiopia are oldest anatomically modern humans
  5. Human fossils from Omo Kibish
  6. Israeli fossils are the oldest modern humans ever found outside of Africa
Exit mobile version