مدينة عنجر المهجورة: تخطيط روماني وبناء لم يكتمل

من الآثار الأموية القليلة الموجودة في لبنان، مدينة كاملة أُنشِئت لتكون مركزًا تجاريًا على نقطة تقاطع للطرق التجارية من بيروت إلى دمشق، ومن حمص إلى طبريا مرورًا بالبقاع، فلنتعرف على مدينة عنجر الأثرية.

موقع وتقسيم مدينة عنجر

الشكل 1: مدينة عنجر كما تظهر على خرائط Google
الشكل 2: مخطط المدينة ويظهر به: 1- قصر الخليفة الكبير، 2- المسجد، 3-القصر الثاني، 4-حمام ومسجد ثاني، 5-منطقة سكنية، 6-شارع رئيسي، 7- شارع ثانوي، 8-تقاطع الشارعين والتترابيل، 9-بوابات المدينة [3]

تقع المدينة على بعد 58كم شرق بيروت، [1] في نقطة التقاء طريقين تجاريين مهمين. أحدهما يصل بين بيروت ودمشق، والآخر يقطع البقاع واصلًا بين حمص وطبريّا.

تم اكتشاف هذه المدينة في أربعينات القرن ال20، حيث أظهرت عمليات التنقيب مدينة مستطيلة الشكل بأبعاد (350×385م) مسوّرة محاطة بجدران وب40 برج (36 برج نصف دائري متصل بالجدران بالإضافة إلى برج في كل زاوية من الزوايا الزوايا الأربعة). [2]

يقطع مدينة عنجر شارع في كلّ من محوريها، محور شمالي-جنوبي رئيسي، ومحور أقل أهمية شرقي-غربي يقسمانها إلى أربع أقسام متساوية. يقع قصر الخليفة الكبير والمسجد في الربع الجنوبي-الشرقي من المدينة ويشغلان القسم الأكثر ارتفاعاً منها. في حين تقع القصور الأصغر والحمامات في الربع الشمالي-الشرقي. وتوزّع الوظائف الثانويّة والمناطق السكنية في الربعين الشمالي-الغربي والجنوبي-الغربي. [3]

الشكل 3: واجهة قصر الخليفة بعد أن تم ترميمها بشكل جزئي

تخطيط وتقنيات بناء رومانية

يعد الشارعان الرئيسيان اللذان يقطعان المدينة مثالًا على تخطيط الشوارع في المدن الرومانية. حيث يوجد المحور الرئيسي (شمال جنوب) الذي يسمى «كاردو ماكسيموس – Cardo Maximus» بعرض 20م والذي كان محاطًا بالمتاجر من الجهتين. ويتقاطع في منتصفه مع الشارع الثانوي الذي يسمى «ديكومانوس ماكسيموس – Decumanus Maximus» الذي كان محاطًا بالمتاجر والدكاكين من الجهتين أيضاً. تم اكتشاف 600 متجرًا أو دكانًا بالمجمل، [4] مما يجعل مدينة عنجر مثالًا على المراكز التجارية الداخلية. [2]

الشكل 4: احد الشارعين الرئيسيين لمدينة عنجر وتظهر في الصورة الأعمدة التي تم بناؤها بشكل جزئي والمتاجر المحيطة بالشارع من الجانبين

نلاحظ في نقطة تقاطع الشارعين وجود أربعة «تترابيلات – Tetrapylons» على الزوايا الأربعة لمفترق الطرق هذا. وقد تمت إعادة بناء أحد التترابيلات بشكل كامل بأعمدته الأربعة. ونلاحظ الكتابات الإغريقية على القواعد والتيجان الكورنثية التي تتميز بأوراق نبات «الأكانتوس – Acanthus» المنحنية. [4]

الشكل 5: التترابيل

كما نلاحظ استخدام تقنية بناء ذات أصل بيزنطي تتألف من صفوف من الحجارة المنحوتة والتي تتناوب مع صفوف من القرميد. هذه التقنية التي استخدمها البيزنطيون للتخفيف من آثار الزلازل. [4] (وتطوّرت لاحقًا في العالم الإسلامي لتعرف باسم “الأبلق“).

الشكل 6: صورة مقرّبة لأحد الجدران في مدينة عنجر تظهر استخدام تقنية صفوف الحجارة المتناوبة

يمكننا رؤية قواعد أعمدة ذات أبعاد متساوية عن بعضها على جانبي الشارعين والعديد من الأعمدة المنهارة والتي كانت جزءًا من رواق كان ممتدًا على جانبي الشارعين. تم إعادة بناء قسم من أعمدته من أجل إعادة تخيّل المشهد. [4]

بناء لم يكتمل

تم تأسيس مدينة عنجر من قبل الخليفة الأموي الوليد الأول (الوليد بن عبد الملك (705-715م)) في بداية القرن 8 الميلادي، ولم يكتمل بناؤها حيث لم تحظَ إلا بفترة قصيرة من الازدهار. إذ هزم الخليفة الأموي ابراهيم بن الوليد في عام 744م ، وبعدها، تم هجر المدينة شبه المدمّرة ليعاد اكتشافها من قبل علماء الآثار في أربعينات القرن ال20 م. أضيفت المدينة إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1984م. [2] وتعدّ عنجر مثالًا على تأثّر الحضارات ببعضها من خلال تخطيطها وأسلوب بنائها، ومثالًا على قيام الأمويين بإعادة استخدام الآثار الموجودة والمتوفرة في بناء مبانٍ جديدة.

المصادر

  1. Anjar – Umayyad Route
  2. Anjar – UNESCO World Heritage Centre
  3. phoenician-anjar (pdf)
  4. Aanjar – middleeaast.com

قبة الصخرة ما بين الماضي والحاضر

تعد قبة الصخرة من أشهر الصروح التي تميّز العمارة الإسلامية، ومن أبرز رموز فلسطين المحتلة. فمن منا لا يعرف قبة الصخرة الذهبية؟ لنتعرف معًا على تاريخها وعلى عناصرها المعمارية.

بناء وموقع قبة الصخرة

بنيت قبة الصخرة بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بين عامي 688 – 691 م [1]. وتعدّ من أولى المباني الإسلامية على الإطلاق. بنيت لتكون نقطة محورية دينية لحلفاء الخليفة الأموي. إذ إن منطقة الحجاز (مكة المكرمة والكعبة المشرفة) آنذاك لم تكن تحت سيطرة الدولة الأموية. [2]

تقع القبة ضمن الحرم الشريف [2] في موقع المعبد اليهودي الذي تم تدميره أثناء الحصار الروماني للقدس في عام 70م. [3] وبسبب موقعها على أرض صخرية لم تتضرر بشكل ملحوظ إثر الزلازل العديدة التي أصابت المنطقة. [1]

الشكل 1: موقع قبة الصخرة ضمن الحرم الشريف

البنية المعمارية لقبة الصخرة

إن بنية المنشأة وقبتها التي نراها اليوم لا تزال محافظةً على شكلها الأصلي. حيث تتميز بمسقط مثمن الشكل. يسقف مركزه بقبة ذات قطر 20 م تقريبًا، مرفوعة على رقبة محمولة على 4 دعامات و12 عمود[3]. تحتوي هذه الدائرة في مركزها على الصخرة المشرفة [2]. ويحيط بالدائرة رواق مثمن الشكل مؤلف من 8 دعامات و16 عمود. وتشكل الجدران الخارجية شكلًا مثمنًا بطول 18م وبارتفاع 11م لكلّ جدار. بينما تشكّل الجدران الخارجية مع الرواق الداخلي ومع أعمدة القبة ممرين يدوران حول الصخرة المشرفة. [3] تحتوي كل من الرقبة التي تحمل القبة والجدران الخارجية على نوافذ عدّة.

تحتوي كل من الجدران الخارجية الأربعة المواجهة للجهات الرئيسية الأربع (شمال، جنوب، شرق، غرب) على باب. وتغطى الواجهات الخارجية بألواح من الرخام في الأسفل وبلاطات خزفية من الأعلى. تعود هذه البلاطات لعهد السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أمر باستبدال الفسيفساء الزجاجية الأصلية في الفترة الواقعة بين عامي 1545و 1552م. كما جددت الألواح الرخامية عدة مرات. [6]

الشكل 2: مسقط قبة الصخرة من رسم المؤرخ البريطاني كريزويل
الشكل 3: الصخرة المشرفة والأروقة المحيطة بها

الفسيفساء

أصبحت الفسيفساء التي تزّين الجدران والأسقف منتشرة بشكل كبير في الفترة القديمة المتأخرة (حوالي 300- 800م). وأصبحت تزيّن عددًا كبيرًا من الكنائس البيزنطية، ككنسية سان فيتالي في روما، وآيا صوفيا في اسطنبول. ولا تحتوي لوحات الفسيفساء في قبة الصخرة على أية تصوير لبشر أو حيوانات. وعوضًا عنها نرى زخارف نباتية وأوعية وتيجان مجنحة تشبة تلك التي كان يرتديها الملوك الساسانيون. [4]

وعلى الرغم من استخدام آيات قرآنية للتزيين، فإن العناصر المعمارية والتزيينية متأثرة كثيرًا بتقاليد البناء البيزنطية المسيحية. [5]

الشكل 4: نموذج من الفسيفساء التي تزين قبة الصخرة من الداخل
الشكل 5: البلاطات الخزفية التي تزين الجدران الخارجية

تعديلات وتحسينات طرأت على قبة الصخرة

خضعت المنشأة لتعديلات مع تعاقب الفترات الإسلامية التي حكمت القدس، بمن فيهم العباسيون والفاطميون والأيوبيون. وخلال الحملات الصليبية، كانت الصخرة محاطة بحاجز من الحديد المطاوع، واستبدله الأيوبيون بالحاجز الخشبي الذي يحيط بالصخرة اليوم. ولعلّ من أهم عمليات الترميم، تلك التي أمر بها السلطان العثماني سليمان القانوني في القرن 16م. إذ استبدلت الفسيفساء الخارجية ببلاطات خزفية ملونة. [7] وفي القرن العشرين (1968م) [8]، تم إصلاح الزخارف الداخلية والخارجية التالفة واستبدالها. وزوِّدت القبة بغطاء ذهبي جديد. [7]وكذلك تم تجديد الصفائح الذهبية التي تغطي القبة في عام 1993م. [8]

قبة السلسلة

تعتبر قبة السلسلة منشأة مشابهة لقبة الصخرة، غير أنها أصغر حجمًا. تقع شرق قبة الصخرة مباشرةً، وتتميز بمسقط مشابه مثمن الشكل، مسقوف بقبة، ومفتوح الجوانب. [8] بنيت من قبل الأمويين، وحولت إلى كنيسة صغيرة أثناء الحملات الصليبية. ثم أعاد الأيوبيون تحويلها إلى مصلى. ورممت من قبل الممالي العثمانيين. ورممت حديثًا من قبل المملكة الأردنية الهاشمية. إن قطر قبة السلسلة 14م، وهذا يجعلها ثالث أكبر منشآت الحرم الشريف بعد المسجد الأقصى وقبة الصخرة. [9]

الشكل 6: قبة الصخرة وقبة السلسلة

بئر الأرواح

هو كهف طبيعي ومن صنع الإنسان بشكل جزئي. يوجد داخل الصخرة الأساسية تحت قبّة الصخرة. وعرِف خلال فترة الحملات الصليبية باسم «قدس الأقداس – The Holy of Holies». يبدو سقف الكهف طبيعيًا، بينما رصِفت أرضيته بالرخام وغطِيت بالسجاد.

يقع مدخله في الجهة الجنوبية الغربية من البناء، ويحتوي على أربعة محاريب؛ محراب إبراهيم، ومحراب خضر، ومحراب داوود، ومحراب سليمان.

الشكل 7: مدخل بئر الأرواح
الشكل 8: بئر الأرواح من الداخل ويظهر في الصورة محراب سليمان

المصادر

  1. Dome of the Rock (BiblePlaces.com)
  2. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) – Smarthistory
  3. Dome of the Rock – Madain Project (en)
  4. The Dome of the Rock (Qubbat al-Sakhra) (article) _ Khan Academy
  5. The Dome of the Rock _ The Metropolitan Museum of Art
  6. Dome of the Rock – Discover Islamic Art – Virtual Museum
  7. Dome of the Rock – Britannica
  8. Dictionary of Islamic Architecture (pdf)
  9. Dome of the Chain – Madain Project (en)
  10. Well of Souls (Temple Mount) – Madain Project (en)

تطور المآذن عبر التاريخ، كيف تمايزت الأنماط والأشكال؟

هل رأيت يوماً ما مئذنتين مختلفتين لمسجدين مختلفين؟ وهل لاحظت الاختلافات بينهما؟ وهل تساءلتَ لم تختلفان أو تتشابهان في الشكل والمقياس؟ تختلف المآذن المبنية في عصور سابقة في شكلها ونمط بناءها باختلاف العصر الذي بنيت خلاله، فقد تكون اسطوانية الشكل، أو مستطيلة، أو مدببة، وقد تكون مزينة بزخارف مختلفة أو بالمقرنصات. فلنتعرف على بعض أبرز الأنماط المعمارية لبناء وتطور المآذن في العمارة الإسلامية، ولنميز الاختلافات بينها.

العهد السلجوقي

أخذ شكل المئذنة بعدًا جديدًا مختلفًا عن المآذن مربعة أو مستطيلة المسقط الموجودة في بلاد الشام وشمال إفريقيا. [1] فانتشر الشكل الأسطواني إلى مناطق واسعة مع انتشار الحكم السلجوقي إلى سوريا والأناضول والعراق والهند. بعضها كانت مجرد منشآت بسيطة بدون أية زخارف، في حين جاء بعضها الآخر مزيّنًا بأنماط مختلفة من الآجر على امتدادها. [2]

يمكننا العثور على مثال مميز لمئذنة من هذه الفترة في جام غرب أفغانستان، حيث بنيت المئذنة بين عامي 1163 و1203م. احتوت على قاعدة مضلعة وارتفاع 60 متر تقريبًا، [1] وهي مزينة بزخارف من الخط العربي تمجد انتصار السلطان الغوري. [2]

الشكل 1: مئذنة جام في أفغانستان

وفي بخارى (في أوزبكستان حاليًّا)، يمكننا رؤية مآذن أخرى من هذا العصر، مثل مئذنة كالان التي تم بناؤها في عام 1127م بارتفاع 46 متر. [1]

الشكل 2: مئذنة كالان في بخارى- أوزبكستان

مثال ثالث عن هذا النوع من المآذن هو مئذنة كتب مينار في دلهي في الهند، والتي بناها جنرال تركي خدم في جيش السلطان الغوري الذي قام ببناء مئذنة جام. [2] وتتميز هذه المئذنة بشكلها المقسم إلى أخاديد شبه اسطوانية. وكان السلاجقة أول من قام ببناء مئذنتين على جانبي مدخل الجامع أو المسجد. [1]

الشكل 3: مئذنة كتب مينار في دلهي – الهند

العهد الفاطمي

تطوّر تصميم المآذن أيضاً في العصر الفاطمي، فبينما لم يتم بناء أية مآذن في بداية هذا العصر، لكن تم بناء العديد من المباني لاحقًا. حيث احتوت معظم المآذن على قاعدة مربعة الشكل، وجسد يعلوه برج مثمّن الشكل. احتوى البرج على فتحات بشكل أقواس وشرفة، وأطلق عليها اسم “مبخرة” في بعض الأحيان. [3]

تألفت المآذن في هذه الفترة من 3 أقسام واضحة، القسم الأول مربع الشكل بارتفاع متوسط. أما الثاني فكان اسطوانيًا، ويعلوه قسم مثمن الشكل، وتعلوه قبة “المبخرة”. غالبًا ما تقع المئذنة في هذا العصر فوق المدخل، كما في مسجد الجيوشي في مصر. [3]

الشكل 4: مسجد الجيوشي في مصر ومئذنته الظاهرة يمين الصورة

العهد المملوكي

تطوّرت المآذن في مصر في العصور ما بعد الفاطمية (وتحديدًا المملوكي) إلى أشكال معقدة ومتميزة. حيث لا يزال يتألف كل برج في هذا العصر من ثلاثة أقسام رئيسية؛ قسم مربع في الأسفل، وقسم وسطي مثمن وقبة في الأعلى. وتزين مناطق الانتقال بين كل قسم وأخر عادةً بصفوف من المقرنصات. [2]

كان القسم المربع أكثر ارتفاعًا في المباني التي تعود للفترات المبكرة في العهد المملوكي، وكانت القبة مزيّنة. لكن لاحقًا، أصبح القسم الوسطي المثمن أكثر طولًا، وقلّ ارتفاع القسم المربع ليصبح مجرد قاعدة في الأسفل. [2] وقد يتم استبدال القسم المربع بالكامل بقاعدة ذات شكل مثمن. [4] وشهد النصف الثاني من القرن الرابع عشر اختفاء “المبخرة”، وحلت بدلًا منها مآذن تعلوها سرادق (مظلات) محمولة على 8 أعمدة صغيرة. وتحمل فوقها قبة بصليّة الشكل وقد تزيّن أيضاً بالمقرنصات. [4]

من الصفات التي تميزت بها العمارة المملوكية زيادة المباني التي تحتوي على مآذن تابعة لها. ففي حين اقتصرت المآذن على الجوامع في العصر العباسي، فإن المماليك قد أضافوا مآذن إلى أنواع عديدة من المباني كالمساجد الصغيرة والأضرحة والخانقاهات والمدارس. [2]

الشكل 5: مجمع السلطان حسن في القاهرة ومآذنه المتعددة
الشكل 6: المآذن المملوكية للجامع الأزهر

العهد العثماني

تميزت العمارة العثمانية بالمآذن المرتفعة المدببة والقباب الكبيرة المغطاة بصفائح من الرصاص. ففي معظم المساجد في الدولة العثمانية بنيت مئذنة واحدة في زاوية المسجد عادةً، لكن في المدن الكبرى كانت تبنى المساجد بمئذنتين أو 4 مآذن أو حتى 6 مآذن. [2]

ومن مميزات هذه المآذن شكلها الرشيق ونهايتها المدببة وارتفاعها، حيث يزيد ارتفاع العديد من المآذن العثمانية عن 50 مترًا. كما علا المآذن مخروط مدبب مغطى بصفائح من الرصاص، والذي تنتهي عنده الشرفة العليا. ومن ميزاتها أيضاً بناء عدة شرفات على امتداد المئذنة. [5]

تُشبَّه المآذن العثمانية عادةً بالأسهم الموجهة نحو السماء، [5] أو بأقلام الرصاص. ومن المحتمل أن شكل المئذنة قد تم تطويره من المآذن المملوكية في مصر وسوريا. [6]

الشكل 7: إحدى مآذن آيا صوفيا في إسطنبول – تركيا
الشكل 8: مئذنتا التكية السليمانية في دمشق – سوريا

انفوجراف لعمارة المآذن في العصور الإسلامية

تعرفنا في المقال السابق على المآذن في العصر الأموي والعباسي، وفي هذا المقال على أربعة أشكال أخرى، ويمكن تلخيص أنماط المآذن التي تعرفنا عليها في المخطط التالي:

المصادر

1-

https://muslimheritage.com/uploads/Main%20-%20Seljuk%20Architecture1.pdf

2-

https://ia903100.us.archive.org/20/items/dictionaryofislamicarchitecture_201911/Dictionary%20of%20Islamic%20Architecture.pdf

3-

https://eng.uaeu.ac.ae/en/research/journal/issues/v9/pdf_iss2_9/p9.pdf

4-

https://www.academia.edu/42811042/ISLAMIC_ARCHITECTURE_IN_CAIRO

5-

https://www.witpress.com/Secure/elibrary/papers/IHA20/IHA20014FU1.pdf

6-

https://link.springer.com/content/pdf/10.1007/s00004-011-0076-2.pdf

نشأة المآذن، والمآذن الأولى في الإسلام

من منا لم يسمع صوت الأذان أثناء تجوالنا في مدننا العربية؟ وعند بحثنا عن مصدر الصوت لا نفكّر مرّتين قبل التوجه بأبصارنا إلى الأعلى؛ إلى أعلى نقطة في الجامع أو المسجد القريب، إلى برج نعرفه جميعاً باسم «المئذنة-Minaret» فهل تساءلت يوماً عن نشأة المآذن ؟ وهل تخيّلت ولو لمرة واحدة كم شكلاً لهذه المآذن ؟ وكيف تختلف المئذنة باختلاف المنطقة؟

تعريف المئذنة ونشأتها

المآذن هي مبانٍ برجية الشكل، ترتبط عادةً بالجوامع أو المساجد، أو بمبانٍ دينية أخرى. [1] ومن المتفق عليه أن المساجد الأولى في الإسلام لم تحتوِ على مآذن على الإطلاق، فالمساجد التي تم بناؤها في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة كانت بسيطة لدرجة أنه لم يكن فيها مكان أو حاجة لبناء أي شيء مشابه للبرج، حتى ولو كانت مواد البناء والمهارات متوفرة لفعل ذلك. [2] وبذلك نستنتج أن المآذن الموجودة في هذه المساجد تمت إضافتها في عصور لاحقة. حيث تشير الدلائل التاريخية إلى أن فكرة المئذنة قد ظهرت خلال العهد الأموي وتحديداً في سوريا. حيث تم اقتباس الفكرة من أبراج الكنائس الموجودة في دمشق مركز الخلافة الأموية. [2]

أول تطبيق لهذه الفكرة كان في عام 673 م، عندما أمر الخليفة الأموي معاوية بإنشاء أربعة صوامع (أبراج) أعلى جامع عمرو بن العاص في الفسطاط في مصر. [2][3][4] لكن أقدم نمط للمآذن تم بناؤه في بلاد الشام وبالتحديد في دمشق حيث تم انشاؤها بشكل أبراج ذات مسقط مربع الشكل. [4] حيث قام الخليفة الأموي الوليد بتحويل الكنيسة الكبرى في دمشق والتي كانت تعرف باسم «كنيسة يوحنا المعمدان – Church of Saint John the Baptist» إلى جامع [2]. وفي حين أن البرجين الشرقي والغربي كانا موجودين منذ وقت طويل قبل عهد الوليد، فإن البرج الشمالي تم بناؤه بأمر منه. وأطلق عليه اسم مئذنة العروس، نسبةً لمدينة دمشق التي كان يطلق عليها في ذلك الحين لقب “عروس العالم”. [2] وهكذا تم بناء أول مئذنة في الإسلام، والتي تم ترميمها وإضافة عناصر إليها في عصور لاحقة لتصل إلينا اليوم بشكلها الحالي.

مئذنة العروس بشكلها الحالي بعدسة الفنان السوري أحمد مادون (1948-1988)

تكوين المئذنة

بشكل عام، تتألف المئذنة من عدة أجزاء:

1 – قاعدة المئذنة.

2 – سلّم أو درج، يأخذ في الغالب شكلاً لولبياً. ويتواجد السلم بداخل المئذنة غالبًا، ويدور حول محورها على امتداد جسمها نحو الأعلى، مع وجود نوافذ صغيرة على امتدادها من أجل الإنارة والتهوية.

3 – الشرفة، وهي المكان الذي يصعد إليه المؤذن للأذان. وغالباً ما تمتد الشرفة على مدار البرج، حتى يتمكن المؤذن من إلقاء الأذان في كل الجهات.

4 – الجوسق، وهو الجزء العلوي في المئذنة. ويستخدم الجوسق كمظلة لحماية المؤذن من العوامل الجوية بالإضافة إلى دوره كعنصر تزييني.

5 – الهلال، وهو علامة أو دلالة خاصة بالدين الإسلامي. وغالبًا ما يكون قطعة معدنية لامعة صفراء اللون أو مصنوعة من الذهب توضع أعلى المئذنة. [4]

المآذن في العهد العباسي

احتوت 6 من الجوامع التي تعود للعهد العباسي على برج واحد مرتبط بالجدار المقابل للمحراب. ولعل هدف وجود المآذن في هذه الجوامع والمساجد هو إظهار قوة الدولة العباسية والسلطة الدينية التي كانت تتمتع بها. [1]

ويرجح أن شكل المئذنة العباسية هو الأكثر تأثراً بالعمارة القديمة لحضارة بلاد الرافدين وخاصةً عمارة الزيقورات. ومن خواص المئذنة العباسية المسقط الدائري والجسد الأسطواني، بالإضافة إلى مساحة محدودة للشرفات، وازدياد ارتفاعها بالمقارنة مع المآذن الأموية، مع تزيين قليل على الجدران الخارجية. [4]

المآذن الملتوية

جامع سامراء

يقع جامع سامراء شرق دجلة، وشمال بغداد بمساحة 38000 متر مربع تقريباً. وتم بناؤه بين عامي 848 و852 م خلال العهد العباسي. وعرف باسم جامع سامراء الكبير الذي أمر ببنائه الخليفة العباسي المتوكل عند توليه للحكم.

يقع على المحور الوسطي للجامع وخارج حرمه برج حلزوني يعرف باسم (الملويّة) أو المئذنة الملتوية، بارتفاع 52 متراً، وبقطر 33 متراً عند القاعدة. وتقع على بعد 27 متراً تقريباً من الجدار الشمالي وتتصل بالجامع بواسطة جسر.

تم بناء هذه المئذنة باستخدام الحجر الرملي، وما يجعلها فريدة من نوعها هو تصميمها الحلزوني المخروطي. ويرتفع البرج الحلزوني على القاعدة المزودة بمنحدر (رامب) يبدأ عند مركز الجهة الجنوبية ويدور حوله بعكس اتجاه عقارب الساعة. وبعد خمس دورات كاملة، يصل المنحدر إلى القمة وينتهي عند الحنية الجنوبية لطابق اسطواني الشكل. ثم يقود درج شديد الانحدار إلى المنصة، بارتفاع 50 متر بالضبط فوق القاعدة. [5]

الشكل 2: جامع سامراء ومئذنته الملويّة

جامع أبي دُلَف

يقع جامع أبي دُلف حوالي 15 كيلومتراً شمال سامراء في قلب الصحراء، ويحمل مئذنة مشابهة لمئذنة سامراء الملتوية بتصميم حلزوني مشابه. ويعرف البناء الذي يحتوي على هذه المئذنة باسم جامع أبي دُلَف الذي تم اكتمال بنائه في عام 861 م. وبالرغم من ذلك، فمئذنة هذا الجامع ليست نسخة مطابقة لمئذنة سامراء. فمئذنة أبي دلف أصغر حجماً بثلاث دورات فقط يدورها المنحدر حتى يصل إلى القمة مقارنةً بالدورات الخمس التي يدورها مثيله في مئذنة سامراء. [5]

الشكل 3: جامع أبي دُلَف ومئذنته، من تصوير Samir Al-Ibrahem

يعتقد أن سبب بناء هذا النوع من المآذن في هذه المنطقة هو إحداث تأثير بصري معتبر. ولأن جامع سامراء الكبير كان حينها أكبر جامع أو مسجد في العالم، فبذلك احتاج لمئذنة تجاريه في المقياس. [1] لم تتكرر أو تقلد المآذن الملتوية لجامع سامراء وجامع أبي دُلَف، باستثناء مسجد ابن طولون في القاهرة-مصر والذي قام بنسخ الكثير من الصفات الأخرى من جامع سامراء. ففي مئذنة مسجد ابن طولون، يحتوي الجزء العلوي على منحدر حلزوني صغير مشابه لمئذنتي سامراء وأبي دُلَف. [1]

الشكل 4: مسجد ابن طولون في القاهرة وتظهر في الشكل مئذنته المشابهة لمئذنتي جامع سامراء وجامع أبي دُلَف

وفقاً لإحدى النظريات فإن المنشأة مرتبطة بالعمارة القديمة لبلاد الرافدين. حيث يمكن تتبع الشكل الحلزوني للمئذنة إلى الزيقورات في بلاد الرافدين وبالتحديد الزيقورة الموجودة في العاصمة الآشورية خورسباد، والبرج الساساني في مدينة غور. حيث يوجد في كل من المنشأتين طوابق متراجعة مشابهة بدرج حلزوني يصعد نحو القمة، باستثناء الشكل المربع. مما يعني أن الشكل المخروطي والمسقط الدائري قد يكونان من إبداع العباسيين الخاص، مما يعكس أيضاً الجودة الهندسية في عملية البناء التي تضيف الدقة الهندسية إلى القيم الجمالية الكلية للمبنى. [5]

مما سبق تعرفنا على أصل فكرة المئذنة، وعلى أولى المآذن في الإسلام، بالإضافة إلى أنماط فريدة ومميزة من المآذن. فهل بقي شكل المآذن على حاله في العصور اللاحقة؟ أم مر بتغييرات؟ وإن فعل، فهل كانت ضئيلة أم جذرية؟ تابع معنا المقال القادم لتعرف الإجابة.

المراجع

1- Dictionary of Islamic Architecture (archive.org)

2- The Origin and History of the Minaret (jstor.org)

3- muslimheritage.com/architecture-under-umayyad-patronage-661-750

4- Elements of Islamic Architectural Heritage : Minaret (witpress.com)

5- The origins and functions of the spiral minaret at the great mosque of Samarra (Academia.edu)

Exit mobile version