تاريخ المسرح وتطوره

لم يكن المسرح في بداياته كحاله اليوم، بل كان مرتبطًا بالطقوس الدينية. حيث كانت تُقدم مسرحيات بدائية للإله “ديونيسوس” –إله الخمر والخصوبة- عند اليونانيين القدماء. فكانت الجوقات تقوم بأداء بعض التراتيل المكتوبة كطقوس دينية. ثم تطور الأمر بالتدريج فبدأ مؤدوا الطقوس بارتداء ملابس مخصصة وأقنعة. ورغم ذلك الحين لم يكن المسرح في ذلك الوقت بالشكل الذي نعرفه اليوم.

المسرح في اليونان القديمة

 لم يكن المسرح موجودًا حتى القرن السادس قبل الميلاد. وكان ذلك تحت حكم “بيسستراتوس” حاكم أثينا، الذي أقام الكثير من المهرجانات الشعبية. تمحورت تلك المهرجانات حول الموسيقى، والرقص، والشعر.

وبحسب ما ورد في التاريخ اليوناني القديم، ألقى رجلُ يُدعى “ثيسبيس” قصيدةً شعريةً عفوية في أحد تلك المهرجانات. فأصبح له جمهوره الخاص الذي لا يبحث عن المتعة فقط بل عن الإلهام أيضًا. من هذه النقطة بالتحديد بدأ المواطنون الأثرياء بالتبرع بالمال من لدعم الفن. ولم يكن ذلك من أجل الفن فقط، بل من أجل المصالح السياسية أيضًا. ومن هنا ظهرت ضريبة خاصة لرعاية الفن، فمكنت هذه الضريبة من إنشاء العديد من المسارح المميزة ذات المقاعد الحجريةبعد أن كانت خشبية وتستند إلى تلة طبيعية في البداية.

أدى كل هذا إلى ظهور العديد من الكُتاب المسرحيين. وسرعان ما بدأوا في كتابة مسرحيات أطول بكثير، مضيفين شخصيات أكثر مع حوارٍ أطول. أدت زيادة مدة عرض المسرحيات مع جلوس الجمهور على تلك المقاعد الحجرية المزعجة لساعاتٍ طويلة إلى تألم الجمهور وتذمرهم من طول المسرحيات. ولكن ما سببته المقاعد من ضرر عوضه المسرح اليوناني بجودة الصوت.

لم يكن لدى الإغريق رفاهية مكبرات الصوت التي تجعل الصوت واضحًا لأبعد المشاهدين بالمسرح وأقلهم سمعًا، ولكن على الرغم من ذلك، كان لديهم نظام صوتي متقدم “مثيرُ للإعجاب” في حقيقة الأمر. فقد تعمّد المهندسون الإغريق تصميم مقاعد المسارح بشكل مرتفع عن عمد لتوفير رؤية واضحة للجميع أيًا كانت أماكنهم، فضلاً عن تصميم المقاعد لتعكس وتضخم الأصوات القادمة من المسرح. نتيجة لذلك، حضر آلاف الأشخاص هذه العروض، وكان معظمهم قادرًا ليس فقط على رؤية الحركة على المسرح، بل وأيضًا قادرًا على سماعها!

في نهاية المطاف، انتشرت الكلاسيكيات اليونانية عبر ثقافات وحضارات متعددة نتيجة العديد من الغزوات التي قاموا بها.

المسرح الروماني

مشهد عام يتضمن الكولوسيوم

بداية من القرن الثالث قبل الميلاد تم تقديم المسرح الروماني على غرار المسرح اليوناني، إذا وضع الممثلون الأقنعة على وجوههم، كما لم يسمحوا للإناث بالتمثيل أيضًا. ولمع نجم العديد من الكتاب المسرحيين مثل بلوتو.

انتشرت المسارح الرومانية في جميع المستعمرات اليونانية، وكان مسرح بومبي هو أول مسرح كبير بُني في روما. وتنوعت النشاطات التي استضافتها هذه المسارح كالتمثيل الإيمائي والخطب والمصارعات. وكان الكولوسيوم من أشهر المسارح الرومانية التي أُقيمت المصارعات فيها .

الصين والمسرح البدائي

أقامت الحضارة الصينية المبكرة – كالحضارة اليونانية- مهرجانات تتألف من الرقص والموسيقى. كان يحتفل بعضهم بالانتصارات العسكرية، وأقام البعض الآخر طقوسًا دينية على هيئة احتفالات راقصة، لكن هذه النسخة من المسرح بالتحديد كانت أقوى بكثير في الحضارة الصينية من نظيرتها اليونانية.

كان الاختلاف بين الحضارتين في مكان العرض نفسه. حيث لم يكن للجمهور أي مقاعد للجلوس خلال هذه المهرجانات الصينية، لذلك كان عليهم إما الوقوف أو الجلوس طوال العروض. فلم يكن هناك ما يشبه مكان يمثل المسرح كما هو معتاد عليه حتى ولو بشكلٍ بدائي. ولكن هذه النقطة كانت سببًا لانتشار هذه العروض في جميع أنحاء الصين دون الحاجة إلى بناء مسارح في أماكن محددة أو مخصصة لهذا الغرض.

انحدار المسرح في العصور الوسطى في أوروبا

على عكس الوضع الحاليّ الآن، كان معدل معرفة القراءة والكتابة في أوروبا في العصور الوسطى منخفضًا للغاية. لذا فإن السجلات المسرحية/العلمية كانت قليلة ومتباعدة في ذلك العصر.

خفت قبضة الكنيسة تدريجيًا على المسرح حيث وافقت الكنيسة على بعض العروض المسرحية. وخصوًصا المسرحيات المتعلقة بالديانة المسيحية. وذلك من أجل نشر التعاليم المسيحية بين غير المتعلمين. فقامت الكنيسة عن طريق الرهبان بأداء قصصٍ من الكتاب المقدس مباشرة أو بناءً على حياة قديسين أو شهداء.

إلى جانب ذلك، عارضت الكنيسة بعض العروض المسيئة، لذلك ضاعت بعض المسرحيات مع مرور الوقت أو تم أداؤها سراً.

كانت أماكن مشاهدة تلك العروض بطبيعة الحال في الكنائس، لذلك لم تكن أماكن مشاهدتهم أفضل بكثير من أسلافهم اليونانيين والصينيين. فكان من الممكن استمرار العروض لساعات، بينما الجمهور جالس في المقعد الخشبي الصلب المُرهق!

إن أحد أهم التطورات في الكوميديا المسرحية في تلك الفترة، هو ظهور عيد سُميّ بعيد “الحمقى” The Feast of fools. وهو مهرجان شعبي مشهور في القرون الوسطى. كانت كل فحواه هو الغناء والرقص والسخرية من رجال الدين والسياسة. اعتُبر ذلك المهرجان النواة والبذرة الأساسية للكوميديا المسرحية. وقد كان يتميز بالعربات المتنقلة، أي أن المسرح نفسه كان متنقلاً أيضًا، وكان يُقام في الهواء الطلق وبالأماكن المفتوحة فكان يجلس المشاهدون أو يقفون على الأرض.

ظهور مسرح “برودواي” بأمريكا

إذا انتقلنا في الزمن إلى أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. نجد في تلك الفترة وفي أمريكا بالتحديد، أن الميلودراما كانت تحظى بشعبية جارفة.

والميلودراما هي عمل درامي تكون فيه الحبكة عادةً مثيرة ومصممة لجذب المشاعر بقوة. وتكون مُركزة بشكل أكبر على الحوار العاطفي بدلاً من الحركات.

كانت الأعمال المسرحية الميلودرامية هي الأساس لأي عمل مسرحي في تلك الفترة. فظهر مسرح «برودواي_ Broadway» الشهير على الساحة في القرن التاسع عشر. واستمر هذا المسرح في تقديم عروضه ونجومه حتى بعد دخول السينما إلى الأجواء الأمريكية. وما يزال مسرح “برودواي” منذ ذلك الحين علامة فارقة ومستمرة إلى يومنا هذا!

تميزت المسارح في تلك الفترة بالرفاهية، وقلة سعة المسرح مقارنة بالمسرح اليوناني. فكان المسرح يسع حوالي خمسمائة متفرج فقط! ولكنهم خمسمائة متفرج سعيد وغير مُرهق نتيجة رفاهية المسرح وتوافر كافة وسائل الطعام والشراب والرفاهية التي بالتأكيد لم تكن متوفرة لدى الجانب اليوناني القديم. فكانت المسارح باهظة التكاليف وغير متاحة للمواطن العادي البسيط بل لعلية القوم!

دخول السينما وتراجع دور المسرح

شعرت العديد من الشركات المسرحية بالتهديد مع ظهور السينما في أوائل القرن العشرين. ففي البداية، عندما كان لديهم فقط أفلام صامتة للتعامل معها، كانت هناك ميزة واضحة بالتأكيد لمشاهدة مسرحية بدلاً من فيلم. ولكن، ظهرت المشكلة لعشاق المسرح مع دخول الصوت إلى عالم السينما و ذلك بالتحديد عام 1927م.

من هنا، انتشرت دور السينما في جميع أنحاء البلاد. وقدموا نفس المقاعد الفخمة مثل برودواي، ونفس مستوى الرفاهية والطعام والشراب. بل وعلاوةً على ذلك قدمت دور السينما أيضًا إمكانية رؤية أعجوبة تكنولوجية. وهي شاشة السينما!

عصر جديد مع ظهور التلفاز

مع مرور الوقت، انتقلت الأفلام من المسرح والسينما إلى منازلنا. ولم يعد يتعين على الناس الخروج لمشاهدة هذه القصص والمغامرات. بل يمكنهم البقاء في منازلهم مرتاحين بدلاً من ذلك. ففي الوقت الحاضر، يتم تشغيل الأفلام على القنوات التلفزيونية ، أو على مواقع مثل نيتفليكس حيث تسمح للجمهور بمشاهدة الفيلم داخل منازلهم.

لقد تطورت طريقة تأدية القصص مع كل عصر، من المسارح اليونانية المكشوفة وحتى صالات السينما الحديثة. ورغم ظهور التقنيات الحديثة في التصوير والمؤثرات السينمائية، إلا أن المسرح لا يزال يمتلك سحرًا يجذبنا دائماً.

المصادر:

A Brief History of Theater

nationaltheatre

حياة هيباتيا فيلسوفة الإسكندرية واغتيالها الوحشي نتيجة التعصب الديني

حياة هيباتيا فيلسوفة الإسكندرية واغتيالها الوحشي

كثيراً ما ورد إسم هيباتيا على مسمعك قبل قراءتك للمقال، حيث ذكرت في العديد من الكتب والروايات مثل رواية “عزازيل” للكاتب يوسف زيدان ورواية “هيباتيا” للروائي الإنجليزي تشارلز كينجسلي-Charles Kingsley. وبالطبع تتساءل الآن عن حياة هيباتيا التاريخية ولماذا تعتبر بهذه الأهمية. خلال هذا المقال البسيط سنذكر باختصار حياة عالمة الرياضيات والفيلسوفة السكندرية وسبب اغتيالها الوحشي وكيف قتلت؟

نشأة فيلسوفة الإسكندرية وتحول المشهد الديني للإمبراطورية الرومانية

الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباتيا السكندرية

في عام 355 رُزق عالم الرياضيات والفيلسوف الشهير ثيون السكندري وزوجته المنحدرة من أسرة مفكرة بهيباتيا؛ وذلك ما شجع والديها على تعليمها ونشأتها لتكون شابة فيلسوفة ورياضية مثقفة، حيث حظيت هيباتيا على تعليم مختلف تماماً عن التدريب العملي للمصريات في ذلك الوقت. تعلمت هيباتيا في البداية كيفية تصحيح القواعد النحوية وتطوير مهارة التعبير البلاغي بالإضافة إلى إجادة المحتوى الرئيسي لبعض الأعمال الأدبية الشهيرة للعصور الوسطى، وتعلمت الرياضيات على يد والدها وهو ما وسع مداركها واهتمامها لتشمل لتشمل صوراً أُخرى مثل الفلسفة. والدليل على تقدمها وإجادتها للغة والقواعد النحوية هو تفوقها على والدها نفسه، الذي اهتم بتعليم الرياضيات بشكل مركز. وتضمن تدريبها قراءة منهجية لمجموعة من النصوص الرياضية التي تم إعدادها بصورة خاصة بحيث تسمح لها باكتساب وتطوير المهارات الرياضية الأكثر تعقيداً.

وعلى الرغم من أن الرياضيات والفلسفة تختلفان بشدة في إطار التعليم الجامعي الحالي، إلا أنهما مرتبطين بشدة خلال العصور القديمة؛ فكان فلاسفة المدرسة الأفلاطونية يهتمون بشرح الرياضيات كمنهج تمهيدي بحيث يتم تهيئ التلاميذ لدراسة أرسطو وأفلاطون.

نشأت هيباتيا في بيئة مضطربة دينياً، حيث شهدت الإمبراطورية الرومانية تحولاً من الدولة الوثنية إلى مجتمع مسيحي وثني واحتلت الديانة المسيحية الأغلبية شرق الإمبراطورية وخاصة في الإسكندرية. نشأت العديد من الصراعات بين الطائفتين بمصر وحاولت كل منهما السيطرة لتسود عقيدتها على البقية سواء بطرق شرعية أم لا، وهو ما سنذكر فيه اغتيال هيباتيا فيما بعد.

أعمال هيباتيا في الرياضيات والفلسفة

لوحة فنية للفنان Robert Trewick تظهر فيها هيباتيا وهي تشرح لتلاميذها بالإسكندرية

أكملت هيباتيا دراستها في أثينا وأصبحت عميدة للمدرسة الأفلاطونية في عام 400 م، وكانت معروفة آنذاك بدفاعها عن الفلسفة والتساؤل، ومعارضتها للإيمان المجرد ولا يوجد مصدر يؤكد ديانتها. تناولت هيباتيا في منهجها الدراسي فلسفة أفلاطون وأرسطو وتميز فصلها الدراسي بتلاميذ من ديانات مختلفة مثل المسيحية، الوثنية والديانات الأجنبية. كانت هيباتيا محل تقدير وإعجاب تلاميذها المسيحيين واعتبرها بعض المؤلّفين المسيحيين في العصور اللاحقة رمزًا للفضيلة.

اشتركت هيباتيا مع والدها في معظم أعمالها نظراً  لندرة وجود أعمال أنثوية منفردة في العصور القديمة، ومن اسهاماتها:

علم الفلك: رسمت مواقع للأجرام السماوية، واخترعت مقياس ثقل السائل النوعي (الهيدرومتر) المستخدم في قياس كثافة ولزوجة السوائل.
الرياضيات: بعد الدمار الدامي لأماكن العلم مثل مكتبة الإسكندرية، وُجدت فقط البعض من أعمال هيباتيا وثيون من كتاب “الأصول” لإقليدس، وتعليقات هيباتيا على كل من كتاب “أريثميتيكا” لديوفانتوس، وكتاب الجداول – Handy Tables لبطليموس، وكتاب بليناس “القطع المخروطي – Conics” ولم يتم الحفاظ عليها إلا من خلال النسخ التي جلبها العلماء إلى مدن الشرق الأدنى؛ حيث تمت ترجمتها إلى العربية.

صراع هيباتيا مع الكنيسة واغتيالها الوحشي

كانت هيباتيا تعتبر نفسها أفلاطونية محدثة، ومن أتباع أفكار فيثاغورس؛ وهو ما وجه أعين العديد من المنافسين الفلسفيين – وخصوصاً المسيحية – بالعداوة لها ورفض أقوالها الأفلاطونية. والذي زاد هذه العداوة وسبب حرجاً للكنيسة هو الجمهور التي حظيت به هيباتيا من المثقفين. وكانت الكنيسة وعلى رأسها وراعيها الأسقف “كيرلس الأول” الملقب بعمود الدين قد أدركوا خطورة هيباتيا الفيلسوفة على جماعة المسيحيين في المدينة، بالإضافة إلى صداقتها بوالي الإسكندرية «أوريستوس». كان أوريستوس يحترم ويقدر هيباتيا ومن أحد أحد تلاميذتها بالمدرسة الأفلاطونية، ومن الممكن أنه سبب آخر لاستياء البابا وقتها.

اتهمت الكنيسة هيباتيا بالإلحاد والسحر وتعارضها مع المبادئ المسيحية، وتشكل جيش من الرهبان بالكنيسة يكن لها العداوة ويراقب تحركاتها داخل المدينة. وفي عام 414 م تعقبها الرهبان وهي عائدة من إحدى الندوات واعتدوا عليها وجردوها من ملابسها وجروها عبر شوارع الإسكندرية عارية تماماً بحبل ملفوف على يدها. وفي مقرهم عذبوها بسلخ جلدها حتى الموت وحرقوا جثتها ليكون موتها إيذاناً بنهاية عصر التنوير الفكري والتقدم المعرفي الذي شهدته مدينة الإسكندرية لمدة 750 عاماً وترك العديد من العلماء المدينة والتوجه لأثينا مراكز أخرى.

تخليد ذكرى هيباتيا

ذُكرت هيباتيا في العديد من النصوص التاريخية للقرن الخامس، والسابع، والعاشر. وقصة حياتها وموتها، وإسهاماتها في الرياضيات والفلسفة.
وفي عام 1851م، قام الروائي الإنجليزي تشارلز كينجسلي بتحويل قصة حياة واغتيال هيباتيا إلى عمل درامي في رواية “هيباتيا“، كما جاء وصف السيرة الذاتية لهيباتيا في العديد من كتب والقصص القصيرة المجمعة مثل كتاب “رحلات إلى بيوت معلمين عظام” للكاتب ألبرت هابرت في عام 1908.

المصادر

Ancient Origins

Britannica

لا تنس تقييم المقال




Exit mobile version