ما هو المكثف وكيف يعمل؟

منذ الثورة الصناعية، اعتمد العالم على الوقود الأحفوري رغم ما يسببه من انبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون، المعروف كأحد أخطر الغازات الحبيسة. ومن المتوقع نضوب الوقود الأحفوري بحلول عام 2050، لذا يتجه العلماء لتوفير طاقة نظيفة مثل الخلايا الشمسية أو وقود الهيدروجين. ولضمان استمرارية وتطوير إنتاج الطاقة النظيفة، نحتاج إلى أجهزة تخزين الطاقة ومن أشهرها البطاريات والمكثفات. البطارية تخزن الطاقة عن طريق تحويل الطاقة الكيميائية لكهربية بواسطة عمليات الأكسدة والاختزال مما يوفر مرور تيار كهربي يُستخدم في تشغيل مختلف الأجهزة الكهربائية. ولكن ما هو المكثف وكيف يعمل؟

يعمل المكثف على تخزين الطاقة في صورة مجال كهربي. والاختلاف الجوهري بين المكثفات والبطاريات يكمن في آلية تخزين الطاقة، وما يترتب على ذلك من خصائص لكل منهما [1] .

اختراع المكثف الكهربي

يعتبر أول من اخترع المكثف هو «بيتر فان موشنبروك- Pieter van Musschenbroek» عام 1746 في جامعة ليدن في هولندا باستخدام «جرة ليدن-Leyden jar».  وجرة ليدن هي عبارة عن جرة زجاجية ملفوفة من الداخل والخارج بورق معدني رفيع. تم توصيل الرقاقة الخارجية بالأرض، وتم توصيل الرقاقة الداخلية بمصدر للكهرباء [2].

صورة جرة ليدن من موقع متحف الفيزياء لجامعة كوينزلاند الأسترالية

على الرغم من عدم فهم كيفية عملها في ذلك الوقت، اكتشف بيتر أن الجرة تخزن شحنة كهربائية حتى بعد فصلها عن المولد. ومثل العديد من الأجهزة الكهربائية المبكرة، لم يكن هناك استخدام خاص لجرة ليدن في البداية. لكن اليوم ومع تطور العلوم والتكنولوجيا أصبحت المكثفات وما ترتب عليها من تطورات جزء لا يتجزأ من اختيارات تخزين الطاقة.

مم يتكون المكثف؟

المكثف هو جهاز يتكون من موصلين للكهرباء بينهما مادة عازلة. يقوم المكثف بتخزين الطاقة الكهربية الساكنة في صورة مجال كهربي. ويعتمد المكثف على المجال الكهربي الناتج عن اختلاف الشحنات على الموصلين. وبسبب الاعتماد الكلي على التجاذب الكهربي بين الشحنات، تُستخدم المكثفات في مواضع كثيرة تحتاج التفريغ السريع اللحظي لكمية ما من الطاقة مثل وامض الهاتف المحمول (فلاش الكاميرات) [3].

تصميم تخطيطي لأول مكثف (جرة ليدن)            

  

صورة توضيحية لأبسط مكونات المكثف

آلية تخزين المكثفات للطاقة

تخزن المكثفات الطاقة الكهربائية على شكل شحنة كهربائية متراكمة على ألواحها. وعندما يتصل المكثف بمصدر طاقة، تتراكم الشحنات على الألواح ومن ثم يمكن إطلاقها عند فصل المكثف عن مصدر الشحن عند الحاجة. ويمكنك شحن مكثف ببساطة عن طريق توصيله بدائرة كهربائية. وعند تشغيل الطاقة، تتراكم الشحنة الكهربائية مجددًا تدريجياً على الألواح. ويكتسب إحدى اللوحين شحنة موجبة، بينما يكتسب اللوح الآخر شحنة متساوية ومعاكسة (سالبة).

إذا فصلت الطاقة، فسيحتفظ المكثف بشحنته لكنه سيفقدها ببطء مع مرور الوقت، لكن إذا قمت بتوصيل المكثف بدائرة ثانية تحتوي على شيء مثل محرك كهربائي أو مصباح، ستتدفق الشحنة من المكثف عبر المحرك أو المصباح حتى لا يتبقى أي شيء على الألواح. على هذا النحو، تصبح المكثفات قادرة على إطلاق الطاقة المخزنة بمعدل أعلى بكثير من البطاريات، لأن العمليات الكيميائية في البطاريات تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحدث[3] .

أوجه الاختلاف بين البطاريات والمكثفات

  1. تعتمد البطاريات في تخزينها على التفاعلات الكهروكيميائية الحادثة داخل الخلية بينما تخزن المكثفات الطاقة في صورة مجال كهربي بين قطبي الجهاز.
  2. تستطيع البطاريات تخزين أضعاف كمية الكهرباء المُخزنة في المكثفات. كما تقوم البطاريات بتفريغ الطاقة المخزنة بجهد ثابت لفترة طويلة، ولكن لا يمكن تفريغها لحظيًا.
  3. تقوم البطاريات بتفريغ طاقتها في وقت أطول من المكثفات، حيث تستطيع البطاريات تخزين كمية هائلة من الطاقة مقارنة بالمكثفات وذلك بفضل العمليات الكهروكيميائية.

فيم تتميز المكثفات عن البطاريات؟

تتميز المكثفات بفترة عمر أطول كثيرًا -تُقدر بالسنين- من البطاريات. والأهم من ذلك أنه يمكن إعادة شحنها مرارًا وتكرارًا دون فقد أي طاقة مخزنة. وذلك لأن المكثف يعتمد على تخزين الطاقة في صورة مجال كهربي. على صعيد آخر يحدث تآكل للمواد الكيميائية المكونة للبطاريات، وبالتالي لا يمكن إعادة شحنها إلا مرات محدودة إذا أمكن ذلك، ولكن يوجد أنواع بطاريات لا يمكن إعادة شحنها [4].

 هل يوجد جهاز يدمج بين ميزات البطارية والمكثف؟

نعم، إنه الجيل الجديد من أجهزة تخزين الطاقة ويعرف بالمكثفات فائقة التوصيل. ويعتمد المكثف فائق التوصيل في تخزينه للكهرباء على آليتي التخزين: تحويل الطاقة الكيميائية لطاقة كهربية، وتخزين الطاقة الكهربية الساكنة بين القطبين في صورة مجال كهربي [4,5].

تطبيقات المكثفات

هناك العديد من التطبيقات التي تستخدم المكثفات كمصادر للطاقة. إذ تُستخدم المكثفات في أجهزة الراديو لضبط التردد المطلوب، وفي المنازل أيضا لتحويل التيار المتردد لتيار مستمر لتشغيل الأجهزة الكهربائية. كما يتم استخدامها في المعدات الصوتية، وإمدادات الطاقة غير المنقطعة، وومضات الكاميرا، والأحمال النبضية مثل الملفات المغناطيسية والليزر وما إلى ذلك [5]. وفي الآونة الأخيرة، يركز العلماء جهودهم على تطوير المكثفات لتخزين الطاقة واستخدامها في الدوائر الكهربائية المختلفة، ولملء الفجوة بين المكثفات والبطاريات، والوصول لمعدل تفريغ طاقة عالٍ بسعة تخزينة كبيرة. ويعتبر ذلك النوع هو الجيل الجديد من أجهزة تخزين الطاقة حيث تتميز بسعات تخزينية أعلى من المكثفات العادية. كما تعتمد في آلية تخزينها على تكوين طبقة مزدوجة من الشحنات وكذلك التفاعلات الكهروكيميائية كما في البطاريات.

يمكن أن تخزن هذه المكثفات كميات كبيرة من الطاقة وتوفر إمكانيات جديدة، خاصة في مجالات السيارات الكهربائية، والمكابح المتجددة في صناعة السيارات. ويقصد بالكبح التجديدي تنشيط المكابح المتجددة، فتتباطأ السيارة مع تجديد بعض الكهرباء التي كانت تستخدم في الأصل لتسريعها. ثم يتم تغذية هذه الكهرباء مرة أخرى إلى البطاريات لتسريع السيارة مرة أخرى في المستقبل. يختلف الكبح التجديدي عن المكابح التقليدية التي لا تولد شيئا سوى الحرارة والضوضاء عند إبطاء السيارة. وعلى عكس مركبات ICE (Internal Combustion Engine- محرك الاحتراق الداخلي) التي تستخدم المكابح التقليدية فقط، تستخدم السيارات الكهربائية كلا من الكبح التقليدي والمتجدد [6].

ومن التطبيقات أيضًا المحركات الكهربائية الصناعية، وذاكرة الكمبيوتر الاحتياطية أثناء فقدان الطاقة وغيرها الكثير. وسيكون للمكثفات نصيب هائل في المستقبل لما تلبيه من حاجتنا إلى السرعة وندرة الموارد.

المصادر:

  1. Science | Materials science. Where do batteries end and supercapacitors begin?
  2. wired | the Physics of Leyden Jars
  3. Science News Explores | Explainer: How batteries and capacitors differ
  4. Encyclopedia | Supercapacitor Applications and Developments
  5. Machine Design | What’s the Difference Between Batteries and Capacitors?
  6. Auto Express | Regenerative braking: what is it and how does it work?

ما هي بطاريات الليثيوم أيون؟

بطاريات الليثيوم أيون. تناولنا في المقال السابق البطاريات الجلفانية، وعرفنا أن بطاريات الليثيوم أيون تُعتبر أحد أهم أنواعها. ومن هنا سنتناول بشكل منفصل بطاريات الليثيوم أيون لنتعرف على كل ما يخص هذه البطاريات التي أحدثت ثورة تقنية منذ اختراعها.

ما هي بطارية الليثيوم أيون؟

تُعتبر بطارية الليثيوم أيون نوع من أنواع البطاريات الجلفانية القابلة لإعادة الشحن، وتعتمد على تقنية الليثيوم أيون لتخزين الطاقة الكهربائية. ونستطيع القول بأن هذه البطاريات تُصنف بأنها أحدث تقنيات البطاريات القابلة للشحن وأكثرها شيوعاً، وأهم الشركات الرئيسية المصنعة لهذا النوع من البطاريات هي سامسونج؛ وباناسونيك؛ وسوني وغيرها.

آلية عمل بطارية الليثيوم أيون:

تعتمد آلية عمل بطارية الليثيوم أيون على تدفق الأيونات بين قطبي البطارية خلال عملية الشحن والتفريغ. وتحتوي بطارية الليثيوم أيون على مواد مختلفة في كل من القطب السالب والقطب الموجب، والتي تتفاعل بدورها مع أيونات الليثيوم لتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية والعكس صحيح عند التفريغ.
فمثلًا يحتوي القطب السالب في البطارية على مادة ألكوكسيد المعالجة بالجرافيت والتي تتفاعل مع أيونات الليثيوم عند شحن البطارية، حيث يتم إدخال الأيونات الليثيوم في ألكوكسيد وبهذا يتفاعل الكربون الموجود في الجرافيت المستخدم في معالجة الألكوكسيد مع الليثيوم. ومن جهة أخرى، يحتوي القطب الموجب على مادة أكسيد الكوبالت وأكسيد الليثيوم، حيث تتفاعل هذه المواد مع أيونات الليثيوم المتحررة من القطب السالب خلال عملية الشحن، وتتحرر هذه الأيونات عند التفريغ لتسريع تدفق التيار الكهربائي.

متى اُخترعت بطارية الليثيوم أيون؟

بدأت الأبحاث التي تستهدف تطوير بطارية الليثيوم أيون منذ سبعينيات القرن الماضي. إلا أن عملية التطوير العملي لها لأول مرة بدأ في عام 1980 من قبل باحثين في شركة ExxonMobil الأمريكية. ليتم تحسينها لاحقًا من قبل شركة Sony اليابانية في العام 1991، وإطلاقها تجارياً أيضًا في العام ذاته. ومنذ ذلك الحين، أصبحت بطارية الليثيوم أيون هي البطارية الرائدة في العالم.

مزايا بطاريات الليثيوم أيون:

تتميز بطارية الليثيوم أيون بمزايا جعلتها الأكثر كفاءة وانتشارًا في العالم، وذلك لأسباب عدة، منها:

كثافة عالية لطاقتها الثقالية:

تتميز بطارية الليثيوم أيون بكفاءة عالية في تخزين الطاقة، مما يسمح بتشغيل الأجهزة الإلكترونية والمركبات الكهربائية لفترات أطول دون الحاجة إلى إعادة الشحن المتكرر.

انخفاض وزنها:

تتمتع بطارية الليثيوم أيون بوزن خفيف مما يجعلها مناسبة للاستخدام في الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة.

طول عمرها الافتراضي:

تمتاز هذه البطاريات بعمر افتراضي أطول من البطاريات التقليدية، ويمكنها الاستمرار في العمل لسنوات عديدة دون الحاجة إلى استبدالها.

قابليتها لإعادة الشحن:

القدرة على إعادة الشحن مرارًا وتكرارًا، جعلت من اختراعها خطوة ثورية لتعمل على استبدال البطاريات التقليدية كونها أكثر اقتصادية.

أنواع بطاريات الليثيوم أيون:

تتنوع بطاريات الليثيوم أيون، وتختلف فيما بينها من حيث التركيب الكيميائي والخصائص الفيزيائية والكهربائية. ومن بين هذه الأنواع:

بطاريات الليثيوم بوليمر 《Lithium Polymer batteries》:

وهي عبارة عن بطاريات تستخدم في العديد من التطبيقات الحديثة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وذلك بسبب أداءها العالي؛ وحجمها الصغير؛ ووزنها الخفيف. وتتميز هذه البطاريات بقدرتها على الاحتفاظ بالشحنة لفترة طويلة.

بطاريات الليثيوم فوسفات 《Lithium iron phosphate batteries》:

وتستخدم هذه البطاريات في السيارات الكهربائية؛ والمركبات الثقيلة؛ ونظم الطاقة الضخمة، وذلك بسبب قدراتها الكهربائية المتميزة؛ وتحملها لدرجات الحرارة العالية؛ وقابلية استخدامها تحت الجهود العالية.

بطاريات الليثيوم كوبالت 《Lithium Cobalt batteries》:

تدخل هذه البطاريات في العديد من الصناعات التي تتميز منتجاتها بالدقة، مثل: الأجهزة الإلكترونية الصغيرة؛ وأدوات القياس؛ والأدوات الطبية.

بطاريات الليثيوم تيتانات 《Lithium Titanate batteries》:

مثلها مثل بطاريات الليثيوم فوسفات، تدخل هذه البطاريات في صناعة السيارات الكهربائية؛ والمركبات الثقيلة؛ ونظم الطاقة الكبيرة؛ والطائرات دون طيار. وهذا بسبب قدرتها على الشحن السريع؛ والاحتفاظ بالشحنة لفترة أطول؛ ومقاومتها للجهود الحرارية الميكانيكية.

مستقبل بطاريات الليثيوم أيون:

تتوقع العديد من الدراسات والتقارير أن تتجه صناعة السيارات والطاقة النظيفة بشكل أساسي إلى استخدام بطاريات الليثيوم أيون في المستقبل. ومن المتوقع أن يتزايد الطلب على هذه البطاريات بشكل كبير خلال العقود القادمة، وذلك بسبب اعتماد المزيد من الصناعات على تقنيات الطاقة النظيفة، وتسارع عملية التحول من الوقود الأحفوري إلى توليد الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة ونظيفة.
وتعمل العديد من الشركات حاليًا على تطوير تقنيات جديدة لبطاريات الليثيوم أيون، ويتم التىكيز بشكل رئيسي على زيادة الكفاءة؛ وتقليل التكلفة؛ وتحسين الأمان؛ وزيادة قدرتها تحمل الجهود الحرارية. كما تعمل الشركات على تقليص فترة شحن البطارية لتواكب تطلعات الاقتصاد العالمي والثورة التكنولوجية التي نقبل عليها.

المصادر:

Lithium-ion
Lithium-ion Battery Basics
The Evolution of Lothium-ion Batteries

The different types of Lithium-ion batteries

ما حل لغز بطارية بغداد؟

تناولنا في المقال السابق الحديث عن بطارية بغداد. وناقشنا تباين الآراء حولها، وعلاقتها بخلية الطلاء، وعملية طلاء الذهب. في هذا المقال سنتعمق أكثر عبر فحص هذه الآراء بشكل منطقي لنعرف أكثر طبيعة هذا الاكتشاف، ونصل إلى حل لغز بطارية بغداد.

لغز بطارية بغداد وحرفيي بلاد ما بين النهرين

تُصنف بلاد ما بين النهرين – المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات – على أنها مهد ما نطلق عليه اليوم بالحضارة “الغربية”.  وُجدت عدة حضارات في أماكن أخرى قريبة على مدى آلاف السنين قبل ظهور المسيح. ولكن عند حديثنا عن الحضارة الغربية ككل، فإننا نميل إلى التركيز على تلك المنطقة وتطورها.
خلال هذا التطور، نشأت بعض الحضارات المعقدة، وسقطت حضارات أخرى.
ومن خلال عدة تقارير متفرقة تتحدث عن الاكتشافات الأثرية بشكل متكرر، استطعنا أن نستدل على أن حرفيي هذه الحضارات أحبوا التفاصيل. ويبدو أن قدرتهم على بلوغ مرحلة متطورة في صناعتهم لم يكن بالأمر الغريب. وذلك جراء تجربة واختبار تقنياتهم قبل استخدامها.

أسس فحص لغز بطارية بغداد

تقنيات التذهيب التي وصفها الباحثون، تم تطويرها بواسطة الفنيين على مدى آلاف السنين. ومع أن تلاشي استخدام تقنية معينة قد يحدث في فترة ما، إلا أنها لا تلبث أن تعود للسطح و تستخدم أو تكتشف لاحقا.
فلربما اكتشف أحد هؤلاء الفنيين شكلاً مبسطًا من الطلاء الكهربائي. ورغم أن هذا المهني القديم لم يكن يفهم آلية حدوث العملية كما نفعل نحن، إلا أن هذا لا ينفي استفادته من الظاهرة بحد ذاتها دون الحاجة لفهمها.

أولاً، من الضروري وجود وسيلة للحصول على جهد كهروكيميائي.

ثانيًا، هناك حاجة إلى وسيلة لإحالة هذا الجهد إلى القطعة المراد طلاؤها.
  ثالثًا، يلزم وجود خلية طلاء تحتوي على العنصر الرابع وهو محلول المعدن المراد استخدامه في عملية الطلاء.
يبدو أن تمتع هذا الفني بالعبقرية لتجميع الخلية وتقديم عمله كإنجاز، أو كونه يحظى باحترام كبير لدرجة أن بعض أدواته دفنت معه عندما مات هو ما جعله يحظى بمراسيم دفن رسمية مما سهل إيجاد قبره بعد آلالاف السنين، أو أن مكانته الاجتماعية العالية. فمعظم الحرفيين كانوا مجرد عبيد مهرة، لهذا لا نجد جثثهم عادة في القبور القديمة؛ إلا إذا قُتلوا ودُفنوا عند وفاة أسيادهم.

سنبدأ الآن بفحص كل جانب من جوانب هذا اللغز، وتقييم المعلومات المتاحة لدينا.

مصدر جهد بطارية بغداد

مصدر الجهد هو الجزء السهل من هذا التحليل. كل ما نحتاجه هنا هو مسمار حديدي في الخل أو النبيذ مع أنبوب نحاسي.

لا يوجد شك في أي من المقالات المتاحة أن الوعاء بإمكانه إنتاج الجهد، كما يصف كونيش. لكن السؤال الصعب هو ما إذا كان قد تم استخدامه بالفعل بهذه الطريقة.

لا ينبغي أن نتوقع من المخترع/الحرفي القديم معرفة وجود القطب الموجب والسالب في خليته لتعمل كما تعمل جميع البطاريات الحديثة بأطراف موجبة وسالبة واضحة للعيان. ورغم أن وعاء كونيش يحتوي على طرف سالب واضح (المسمار الحديدي)، إلا أن الأسطوانة النحاسية لا تتاح بسهولة للاتصال بخلية الطلاء لأنها كانت مغطاة بالكامل بسدادة الإسفلت.

عادةً ما تُظهر رسومات وعاء كونيش الوعاء مليئًا بسائل لاستخدامه كخلية جلفانية كالنبيذ أو الخل. إلا أن الجزء النحاسي من الخلية عبارة عن أسطوانة ذات قاع مغلق، وليس أنبوبًا مفتوحًا.

بالتالي، فإن السائل الموجود في الوعاء لن يؤثر في النشاط الكهروكيميائي – فقط الكمية الأصغر من السائل داخل الأسطوانة محكمة الإغلاق حيث يتم تعليق المسمار الحديدي. مرة أخرى، يمكن أن يكون للسائل وظيفة أخرى.

إذا تم بالفعل استخدام الوعاء كبطارية عند ملئه بخل أو نبيذ يشبه الحمض، فإن النحاس قد يذوب في المحلول. لا نتوقع العثور على دليل كيميائي واضح من بقايا النبيذ أو الخل. ولكن بقايا أملاح النحاس في الوعاء لم تحدث بالتآكل الطبيعي، والتقارير كلها لا تناقش هذه النقطة البتة.

عملية نقل الجهد

كان القدماء يمتلكون أسلاكًا لبعض آلاتهم الموسيقية الوترية، قد يكون مصدر معظم أوتارها من الحيوانات. ولكن تم العثور على قيثارة في أور تعود إلى ما قبل 4500 عام، ويبدو أنها تحتوي على سلك معدني. 
كان السلك قد تحلل مع الإطار الخشبي، لكن علماء الآثار ملأوا الثقوب بعناية حتى حصلوا على قيثارة من جص باريس. على الرغم من عدم الإبلاغ عن أي أسلاك في أي من المواقع التي تم العثور فيها على هذه الأوعية، قد يكون السلك الرفيع قد تحلل بمرور الوقت ولم تتم ملاحظته. وقد تكون المسامير الحديدية الإضافية الموجودة في الموقع مع الأوعية القصيرة نوعًا ما وجدت لهذا الغرض.
فإذاً، كما هو مذكور أعلاه، يبدو أنه لا توجد ميزة في جزء الأسطوانة النحاسية للخلية لتوفير اتصال مناسب بخلية طلاء خارجية. لكن، قد لا يستخدم المخترع القديم الطريقة المتبعة حديثًا.

خلية الطلاء الكهربائي

لم تُظهر أي من التقارير الواردة من المواقع التي تم العثور فيها على الأوعية أي شيء يمكن أن يعتبر خلية طلاء كهربائي. من الممكن أن يكون المبتكرون/المخترعون متكتمين إلى حد ما بخصوص صناعتهم ولم يسمحوا لأي شخص بربط البطارية بأي من الأجهزة الأخرى. لذا، عند موتهم كان الجزء الوحيد المدفون معهم والمرتبط بمهارتهم هو البطارية. ومع ذلك، ربما كانت هنالك أوعية أخرى عُثر عليها في المواقع التي لم يبلغ عنها كونيش.

بطارية بغداد وخلية الطلاء الكهربائي

إن خلية الطلاء التي وصفها كونيش والتي استخدمها صناع المجوهرات في بلاد الرافدين في الثلاثينيات من القرن الماضي هي خلية متفردة، ولكنها لا تشبه الإناء القديم الذي يصفه أبداً. فبحسب ترتيب صائغي المجوهرات للخلية، يُكوّن القدر وقطعة الزنك البطارية، بينما تعتبر الأوعية الداخلية هي خلية الطلاء. وهذا يخالف ما وجد في المواقع الفرثية، بحيث تعتبر الأوعية بحد ذاتها البطارية.

كون الأوعية غير مطلية بحد ذاتها تعتبر إشارة مهمة تعيد النظر في وظيفتها الأساسية، فهذا يسمح -مثلًا-لاستخدامها كأوانٍ مسامية. إذا كان وعاء بطارية كونيش مغمورًا في وعاء أكبر يحتوي على محلول ملح ذهبي، فقد يكون من الممكن حمل الأداة المراد طليها ليتم تغطيتها بخطاف وإلحاق الخطاف بالمسمار الحديدي للبطارية. سيكون الوعاء المسامي الوصلة الكهربائية الثانية. وعلى الرغم من عدم وجود تقارير عن وجود خطافات مع الأوعية، إلا أن المسامير الحديدية الإضافية الموجودة في المقابر قد تخدم هذا الغرض.

مع هذا، إذا تم استخدام الإناء بهذه الطريقة (أي مغمور في حوض الطلاء)، فيجب أن نرى بقايا أملاح ذهبية أو فضية مترسبة على جدران الوعاء، إلا أنه لا نجد أي معلومات أو تقارير بهذا الشأن. حتى إجراء اختبار ليتحقق من الأمر لم يتم.

المحلول المعدني لخلية الطلاء

يُعتقد أن القدماء استخدموا البطارية لطلاء الأواني بالذهب والفضة. بشكل عام، يجب أن يحتوي وسط الطلاء على بعض السيانيد إن كان الغرض الطلاء بالذهب أو الفضة.
استخدام السيانيد لعدة أغراض لا يعد بالأمر الغريب، فالسيانيد متواجد في الطبيعة بهيئة عدة مركبات.
قدم العديد من الباحثين قوائم بالمحاصيل الغذائية الطبيعية التي تحتوي على كميات كبيرة من مركبات السيانيد مثل نبات الكاسافا، والذي يستخدم في أفريقيا لعدة أغراض، ويبدو أنه وفير منذ العصور القديمة.

كون مركبات السيانيد متاحة من عدة مصادر، إضافة إلى دراية القدماء الجيدة بالسموم الطبيعية المتواجدة. يتيح احتمال قيام أحد الحرفيين بإجراء تجارب مستخدمًا المواد المتاحة، ومن هنا استطاع معرفة أن رقائق الذهب الممزوجة بغسول الكسافا المركز تنتج المحلول المطلوب لعملية الطلاء.

الاستنتاج حول لغز بطارية بغداد

لا تقدم التقارير المتوفرة ما يكفي من الأدلة للسماح لنا باستنتاج أن الحرفيين في بلاد ما بين النهرين اكتشفوا واستخدموا عملية الطلاء الكهربائي. لكننا نعلم أن وجود ورق البردي داخل الأسطوانة النحاسية يشير إلى أن الأوعية كانت تستخدم لتخزين الرسائل المكتوبة على ورق البردي للعالم الآخر والتي ذكرناها في مقالنا السابق، والتي تم إغلاقها في الأوعية بسدادات الإسفلت التي وجدت معها تباعًا.

المصادر

The UnMuseum – Bagdad Battery
Electricity in the Ancient World
N. Kanani, Oberfl achen Werkstoffe
Kurzman, Galvanotechnik
W.A. Oddy, Endeavour

ماذا نعرف عن بطارية بغداد؟

أصبحت البطاريات جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. تتشعب استخداماتها من أصغر تقنية؛ كساعة يدك وهاتفك المحمول، إلى وجودها في أكبر المنشآت حجمًا وتأثيرًا. ليس للبطاريات تاريخ طويل ومثير للاهتمام وحسب. بل يُتنبأ في المستقبل القريب والبعيد بدخول البطاريات إلى عصر جديد، من الممكن أن يتغلب على معاناة الطاقة في الوقت الحاضر. سنسلط الضوء على بطارية بعينها في هذا المقال باعتبارها أول بطارية في التاريخ، وهي بطارية بغداد. فماذا نعرف عنها؟

ما هي البطارية؟

يمكننا تعريف البطارية بأنها عبارة عن جهاز صغير أو أداة تعمل على حفظ الطاقة الكيميائية. ويمكن أن تتحول إلى صورة أخرى لها وهي الطاقة الكهربائية. بمعنى آخر؛ البطاريات عبارة عن مفاعلات كيميائية صغيرة. تحدث داخلها تفاعلات تعمل على إنتاج إلكترونات طاقة، مستعدة لتنتقل إلى جهاز آخر.

تاريخ موجز للبطاريات

لدى البطاريات تاريخ طويل وحافل عمل على تغيير حياتنا بشكل استثنائي. إلا أننا ما زلنا غير متأكدين تمامًا من تاريخ ظهور أول بطارية. سيجادل الكثيرون بأن أول بطارية ظهرت في عصر التنوير. لكن ظهور البطارية الحديثة التي نعرفها لا تشير بدقة إلى أن فكرة عمل البطاريات بحد ذاتها شيء حديث. فقد وجد مشرف متحف بغداد عام ١٩٣٨ ما يشار إليه الآن ببطارية بغداد.

التحليل للعيّنة أشار إلى أنها تعود إلى أحد الحضارات الرافدينية، حوالي ٢٥٠ سنة قبل الميلاد. واستطردت الافتراضات بأن استخداماتها قد تتضمن طلاء المعادن بالكهرباء، ومسكنات للآلام، وكذلك استخدامها أثناء تأدية الشعائر الدينية.

أول استخدام لمصطلح بطارية

استخدم العالم الأميركي والمخترع بنجامين فرانكلين مصطلح بطارية عام ١٧٤٩. وذلك عندما كان يقوم ببعض التجارب الكهربائية باستخدام مجموعة من المكثفات المرتبطة ببعضها البعض. إلا أن أول بطارية حقيقة اخترعت كانت من صنع الفيزيائي الإيطالي أليساندرو فولت عام ١٨٠٠. قام فولت برص أقراص من النحاس والزنك، تفصل كل قرص عن الآخر قطعة قماش مبتلة بماء مالح. لتتصل مجموعة من الأسلاك بنهاية الأقراص المرصوصة من الجهتين، فيتولد نتيجة لهذا تيار مستمر ثابث. تنتج كل خلية جهدًا كهربائيًا بمعدل 0.76 فولت، مضاعفته تتم عبر زيادة عدد الخلايا الداخلة في التقنية.

بطارية حمض الرصاص

تعتبر بطارية حمض الرصاص أحد أطول البطاريات عمرًا نسبيًا، والتي اخترعت عام ١٨٥٩. وهي التكنولوجيا التي ما زالت تُستخدم لبدء عملية الاحتراق الداخلي في السيارات. وتعتبر أقدم نموذج للبطاريات التي يمكن إعادة شحنها.

نستطيع الآن إيجاد بطاريات بجميع الأحجام والسعات. من البطاريات ذات القدرة التي تتجاوز الميجاواط، والمستخدمة لخزن الطاقة الآتية من مزارع الألواح الشمسية. أو كبديل يضمن الضخ المستقر للطاقة لقرى كاملة أو جزر. حتى البطاريات الصغيرة والمستخدمة في الساعات الإلكترونية.

مبدأ عمل البطاريات

تعتمد البطاريات على تفاعلات مختلفة، والتي تسبب بدورها جهد خلية بسيط يتراوح ما بين ١ إلى ٣.٦ فولت. تعمل عملية الرص للخلايا بطريقة متوالية على زيادة جهد الخلايا، بينما تعمل عملية الرص المتوازي على تحسين التيار. يُعتمد على هذا المبدأ الأساسي لتوليد طاقة كهربائية من خلايا البطاريات من أصغر استخداماتها إلى القدرات العالية التي تصل إلى عدة ميجاوات.
نشهد حاليًا دخولنا إلى مرحلة أخرى من تطوير نماذج ذات سعات كافية لخزن الطاقة المتولدة من الألواح الشمسية أو أنظمة الرياح. والتي ستعمل على مد المنازل بالطاقة اللازمة خصوصًا في أوقات غياب الشمس لأيام متتالية.

بطارية بغداد

في عام ١٩٣٨، وفي وسط عملية مراجعة فيليهم كونيش؛ المشرف على الآثار القديمة في متحف العراق في بغداد. وسط مراجعته للمكتشفات الحديثة من الحفريات في الموقع الأثري الذي وجد بالقرب من مشروع خط السكة الحديدية، فُتن كونيش بمجموعة تتكون من أربع أوعية من السيراميك غير المطلي. عثر على تلك الأوعية داخل مقبرة أُرّخت وتنتمي إلى عهد الاستعمار الفرثي للمنطقة ما بين ٢٤٨ قبل الميلاد إلى ٢٢٦ بعد الميلاد.

محتويات مجموعة بطارية بغداد

كانت مجموعة بطارية بغداد نحاسية، متوجة بالنحاس الملحم بالرصاص حتى قاع الأسطوانات. بينما وُجد مسمار حديدي يحتوي على بقايا ما بدا أنه شمعة اشتعال من الإسفلت، داخل أحد هذه الأسطوانات النحاسية في وعائها. لم يحتو الوعاءان الآخران على أي مسمار، ولكن تواجد بضع مسامير أخرى في القبر جعلت الاكتشاف أكثر إثارة. بينما لم يحتو وعاء السيراميك الرابع إلا على أسطوانات نحاسية. وكان بداخل الأسطوانات النحاسية بقايا مادة تشبه ورق البردي.

استنتاج كونيش عن بطارية بغداد

خلص كونيش إلى أن هذه الأوعية تشبه إلى حد كبير الخلايا الجلفانية. ومن هنا انطلق الجدل حول هذا الاكتشاف ما بين مؤيد ومعارض لهذا الاعتقاد.

ذكر كونيش في تقريره أن صائغي المجوهرات في العراق، المعاصرين للوقت الذي قضاه هناك، كانوا يستخدمون خلية جلفانية بدائية مماثلة إلى حدٍ ما لهذا الاكتشاف. بحيث أن الخلية تتكون مما يطلق عليه المختصون في هذا المجال “وعاء مسامي يحتوي على محلول السيانيد الذهبي”. يوضع الوعاء في قدر يحتوي على محلول كلوريد الصوديوم. ثم يتم وضع قطعة من الزنك في محلول كلوريد الصوديوم مربوطة بسلك إلى القطعة المراد طليها بالذهب. وأخيرًا يتم وضع العنصر المراد طلاؤه في وعاء مسامي يحتوي على محلول سيانيد الذهب. يُنتج الجهد الجلفاني المتولد ما بين الزنك والعنصر المراد طلاؤه طاقة كافية للتأثير على عملية ترسيب الذهب كهربائيًا. ما يساعد بشكل أكبر على هذا الطبيعة المسامية للوعاء الداخلي الذي يرفع من معدل التوصيل الكهربائي.

تباين الآراء حول بطارية بغداد

يعرض مؤرخون آخرون نظريات أخرى لتاريخ بطارية بغداد. فقدم بعضهم تاريخا موجزا ​​للمنطقة التي تم العثور فيها على هذه القطع. ثم وضح أن الخلية التي تماثل تلك التي وجدها كونيش يمكن أن تنتج حوالي 0.5 فولت، ويمكن بالفعل تحقيق الترسيب الكهربائي للذهب من محلول سيانيد الذهب. واستعرض ليثبث نظريته بعض الأمثلة، كأبواق النبيذ القديمة المذهلة المطلية بالذهب من عصر الفرثي. وافترض أن الطلاء بالكهرباء فقط هو الذي يمكنه تفسير رواسب الذهب الموجودة عليها.

من جهة أخرى، استعرض كورزمان نظريته التي تعتبر أن الفرثيين ليس لديهم معرفة بالبطاريات. ويشير إلى أن الأوعية من هذا النوع وُجدت في ثلاثة مواقع مختلفة على الأقل ـ بعضها بقضبان من البرونز والبعض الآخر بقضبان حديدية ـ ويستفيض باستعراضه للمعاني والدلالات الروحانية التي ألحقتها المجتمعات القديمة ببعض المعادن. ويشير إلى أن القصد من الأواني هو أنها مقتنيات يتم إنزالها مع الموتى لمنحهم قوى سحرية. بالإضافة إلى أن الأظافر المصنوعة من الحديد والبرونز، والمزينة بخاتم في النهاية، قد تحمل معاني خاصة للقدماء، مشيرًا بهذا إلى النقوش على ورق البردي المعثور عليها داخل الأوعية المغلقة. وصرح أيضًا أن مدير متحف الفن الإسلامي في برلين اقترح بأن الأوعية قد تكون أساسات رمزية لزوايا القبر.

فن طلاء الذهب قديمًا

يدلي أودي بوجهة نظر أخرى عبر الإشارة إلى أن الفن القديم لطلاء الذهب على الفضة والنحاس يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار. فقد استخدم القدماء ثلاثة أساليب للطلاء: التذهيب بالرقائق المعدنية، ولصق الورق الذهبي، والتذهيب النحاسي. وقد استخدمت هذه الطرق حتى الاختراع الأخير ـ إعادة اختراع، كما يسميها ـ للطلاء الكهربائي. يتم التذهيب بالرقائق عبر دس رقائق ذهبية رقيقة في حواف أي عمل فني، أو ببساطة إلصاقها باستخدام غراء على القطعة المراد طليها. أما طريقة لصق الورقة الذهبية فتتم عبر سحق شرائح الذهب وإلصاقها بالعمل. أخيرًا، كان التذهيب بالنحاس عملية مشهورة في وقت مبكر من القرن الثالث قبل الميلاد، وانطوى على استخدام الذهب في خليط مع الزئبق. ومن هنا نستطيع استعراض نوعين من التذهيب الزئبقي؛ الأول يستخدم الزئبق كغراء، والثاني يعمل على تفكك الذهب، ثم تطبيق الناتج بشكل انتقائي على المناطق المرغوبة. بعد ذلك يُطرد الزئبق بالحرارة، ويمكن التعرف بسهولة على كلا النوعين من التذهيب بالزئبق من خلال وجود آثار من الزئبق في طلاء الذهب.

اللغز

تتباين الآراء حول بطارية بغداد، لكن مجرد وجودها يطرح العديد من التساؤلات. هل كانت حقًا أول مبدأ عمل لبطارية؟ وما الذي كان يرجوه مصمموها منها؟ في المقال القادم سنستعرض أكثر دور السماكرة في بلاد ما بين النهرين، ونحلل تقنياتهم لمعرفة ما كانوا يرجونه من اختراع هذه القطعة المثيرة للاهتمام.

المصادر

The UnMuseum – Bagdad Battery
Electricity in the Ancient World | Gates of Nineveh: An Experiment in Blogging Assyriology (wordpress.com)
Galvanotechnik: Grundlagen, Verfahren und Praxis einer Schlüsseltechnologie (hanser-elibrary.com)
Oberflächenvorbehandlung von Metallen | SpringerLink
The touchstone: the oldest colorimetric method of analysis – ScienceDirect
The history and development of batteries (phys.org)

بطاريات الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019 ، كيف تعمل؟ وما أهميتها في حياتنا؟

بطاريات الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019 ، كيف تعمل؟ وما أهميتها في حياتنا؟

بطاريات الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019 حولك في كل مكان، في هاتفك النقّال وفي سيارتك وفي حاسوبك المحمول وغيرها من الأجهزة التي لا تُلزمك الإلتصاق بجانب قابس الكهرباء كي تبقى حية، في هذا المقال سنأخذكم معنا في جولة إلى عالم البطاريات وتطورها لتعرف كيف تعمل؟ وما أهميتها في حياتنا؟ وصولا إلى بطاريات الليثيوم التي كانت سببا لنيل جائزة نوبل في الكيمياء عام 2019.

بطارية الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019 المستخدمة في حياتنا يوميًا

مبدأ عمل البطارية بوجه عام

تحتوي البطارية على عدد من الخلايا والتي تتكون من قطبان موصولان بدارة كهربائية ويفصل بين القطبين محلول أيوني يحوي أيونات موجبة وسالبة، كما يفصل بين القطبان حاجز يمنع تكون دارة كهربائية قصيرة. تبدأ عملية الشحن بأكسدة القطب السالب والذي يعرف بـ«الأنود»، مما يؤدي إلى حركة الألكترون خلال الدارة بإتجاه القطب الموجب المسمى «كاثودا» فيختزل الإلكترون القادم من الدارة، وتعتمد فولتية البطارية على مقدار فرق الجهد بين القطبين وتتم كامل العملية بصورة لحظية أما عملية إعادة الشحن فتتم بصورة عكسية غير لحظية وتحتاج إلى مصدر كهربائي خارجي.

بدايات بطاريات الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019

أولى البطاريات ظهوراً هي البطارية الفولتية والتي يمثل فيها عنصر «الزنك» الأنود الذي ينتج الإلكترون للدارة، على الجهة المقابلة يقف كاثود النحاس معتمدا على الظروف المحيطة، ففي جوٍ مليء بالأكسجين يتأكسد النحاس جزئيًا إلى CuO ومن ثم يختزل إلى «النحاس» الحُر مجددًا. أما في غياب الأكسجين يُختزل البروتون الموجود في المحلول الأيوني إلى الهيدروجين على سطح النحاس وتصل فولتية البطارية ما بين 0,8 – 1,1 إعتمادًا على المحيط، كما أن هذه البطارية غير قابلة لإعادة الشحن.

بطاريات (الرصاص-الحمض) المستخدمة كبطارية ابتدائية للسيارات تتشابه إلى حدٍ كبير مع البطارية الفولتية، لكنها تختلف عنها في خاصية إعادة الشحن، نذكر أيضا بطارية «النيكل- الحديد» وبطارية «النيكل-الكادميوم» والتي تعتبر أسلافًا لبطارية «النيكل-الهيدرايد الفلزي».

الليثيوم

تم اكتشاف عنصر الليثيوم عام 1817، بعدده الذري 3، وبكثافته التي لا تتجاوز 0,53 جم/مل ويعد أخف عنصر فلزي كما أنه يمتلك جهد اختزال معياري منخفض، مما يجعله مرشحًا قويًا مناسبًا لخلايا البطاريات عالية الفولتية ومرتفعة الكثافة، وبما أنه عنصر نشط سريع التفاعل، فهو ما يستوجب حمايته وعدم تعريضه للهواء.

عنصر الليثيوم وأيونه الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019

تخلل الكاثود

نظرا لأن مرشحنا وعنصرنا النشط قد استحوذ على إعجاب العلماء حيث نصبوه أنودًا، اتجهت الأنظار وقتها لإيجاد كاثود مناسب يحقق جهد فولتي عالي، وقد وقع الإختيار على «TiS2» حيث أثبت هذا المركب قدرته على إحتواء الكترون الليثيوم. فالترتيب الصفائحي لمركب TiS2 وبينها أيونات الليثيوم، سمح لها بالتخلل، كما قدم العالم «والتر رودف-Walter Rudoff» التخلل الكيميائي في الأمونيا السائلة منتجًا «Li(0.6)/TiS2»، لكن الثورة الحقيقية كانت عندما استطاع «إم ستانلي وايتيجتون-M.Stanely Whittington» و «فريد جامبل-Fred Gamble» إيضاح أن عملية التخلل تتم ضمن الصيغة «Li(x)TiS2» حيث x أكبر من صفر وأقل أو تساوي واحد. هذه المادة كانت نظير «CdI(2)-NiAs» وأيونات الليثيوم وهذا بدوره حفز وايتنجون لإكتشاف التخلل الكهروكيميائي في هذه المواد، ومع بداية 1973 قدّم هذه المواد كأقطاب في البطاريات.

خلية بطاريات الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019

خلية البطارية مكونة من عنصر الليثيوم كـ أنود و«TiS2» كـ كاثود و«LiPF6» كمحلول أيوني مُذاب في «كربونات البروبيلين-Propylene carbonate» القوة المُحركة الكهربائية للخلية تقترب من 2.5 فولت وتظهر كثافة التيار الأساسي قريبة من ١٠ مترأمبير لكل سم مربع وهذا يعطينا: «(XLi + TiS(4) – → Li(x)TiS(2» ويستمر التفاعل بتخلل أيونات الليثيوم في شبكة «TiS2».

عملياً:

يتم خلط بودرة TiS2 مع «التفلون-Teflon» وترتبط مع داعم معدني مُحاط بفلز بولي بروبالين ومعدن الليثيوم. ولزيادة مرونة الدارة وحركتها بنسبة ١١٠٠ مرة أكبر، يتم غمس خليط من «تيتراهيدروفيوران-Tetrahydrofuran» و «Dimethoxyethane» يحوي على «LiClO 4».

المشكلة التي نسعى لحلها الآن هي حماية الليثيوم وتقليل تفاعله مع الجو، حيث أنه تم العثور على زوائد شجرية تكونت على سطح الخلية لها القدرة على اختراق الطبقة العازلة والوصول إلى القطب الآخر وبالتالي تكون دارة قصيرة أدت إلى انفجارات.

تكوين زوائد وشجيرات الليثيوم التي تتسبب في الدارة القصيرة

الحل أتى في نهاية عام 1979:

على يد «جون جودنوف-John B.Goodenough» وزملائه في جامعة أكسفورد الفائزون بنوبل الكيمياء 2019 وفقًا لبيان اللجنة العلمية لنوبل ، حيث وجد أن «Li(x)CoO» وهو مركب نظير «Li(x)TiS 2» من الممكن أن يعمل كـ «كاثود» لكن بدون توسع الشبكة حيث أن عنصر صغير سالب الشحنة كالأكسجين الذي سيأخذ الأيون الموجب بعملية مصحوبة بتغير أكبر في الطاقة الحرة السالبة وبفولتية أعلى كما أنه سيُتاح لأيونات الليثيوم حركة كافية في شبكات الأكسجين المغلفة المُغلقة، وقد تحقق ذلك مع فرق جهد وصل 5,4 فولت.

بطاريات الليثيوم المعتمدة على الـ LixCoO2

الثورة الثالثة في عالم البطاريات:

تمت في عام 1985 على يد مجموعة بقيادة «اكيرا يوشين- Akira Yoshin» حيث لجأ إلى مركبات الفحم البترولية المستقرة، تتكون هذه المادة من خليط كريستالي وغير كريستالي، وبإستخدام درجة كريستالية محددة ومستقرة بحيث تشكل المنطقة المحيطة حماية للجزء الكريستالي، فاستطاعت أيونات الليثيوم وبشكل متكرر التخلل في هذه المواد. طوّر يوشين بطارية الليثيوم إعتمادًا على ترتيب إنتقال الأيون في الخلية، واستخدم الكربون كـ «أنود» و«Li(x)CoO 2» ك «كاثود»، وتتألف الطبقة العازلة من البولي ايثلين أو بولي بروبولين، والمحلول الأيوني عبارة عن «LiClO 4» المُذاب في كربونات البروبولين. هذه التطورات أدت إلى إنتاج بطاريات الليثيوم تجاريا عام 1991 بفولتية تصل إلى 4.1 و بكثافة طاقة أقتربت من 200 وات لكل لتر، واتضح أن أدخال الجرافيت مع المكونات الأيونية المناسبة بدوره قد يوصل الفولتية إلى 4.2 وبطاقة تقترب من 400 وات لكل لتر.

انتقال أيون الليثيوم داخل بطاريات الليثيوم وتعديلاتها

المصادر:
بيان جائزة نوبل الكيمياء العلمي 2019

(1) Volta, A. On the Electricity Excited by the Mere Contact of Conducting Substances of Different
Kinds. Philos. Trans. Royal Soc. 1800, 90, 403–431.
(2) Planté, G. Nouvelle Pile Secondaire d’une Grande Puissance. Comptes Rendus Acad. Sci.
1860.
(3) Planté, G. The Storage of Electrical Energy: And Researches in the Effects Created by
Currents Combining Quantity with High Tension; London: Whittaker, 1887.

(4) Placke, T.; Kloepsch, R.; Dühnen, S.; Winter, M. Lithium Ion, Lithium Metal, and Alternative
Rechargeable Battery Technologies: The Odyssey for High Energy Density. J. Solid State
Electrochem. 2017, 21 (7), 1939–1964.
(5) Munro, J. Pioneers of Electricity; or, Short Lives of the Great Electricians; London: The
Religious Tract Society, 1890.
(6) Sinsteden, W. J. Versuche über den Grad der Continuität und die Stärke des Stroms eines
grössern magneto-elektrischen Rotations. Ann. Phys. Chem. 1854, 92, 1–21.
(7) Gautherot, N. Sur le galvanisme. Ann. Chim. 1801, 39, 203–210.
(8) Jungner, E. W. Sätt att på elektrolytisk väg förstora ytan af sådana metaller, hvilkas
syreföreningar äro kemiskt olösliga i alkaliska lösningar. Swedish patent no. 15567, 1901.
(9) Jungner, E. W. Primärt eller sekundärt elektriskt element. Swedish patent no. 10177, 1899.
(10) Edison, T. A. Reversible Galvanic Battery. US patent no. 692,507, 1902.
(11) Arfwedson, J. A. Untersuchung einiger bei der Eisen-Grube von Utö vorkommenden Fossilien
und von einem darin gefundenen neuen feuerfesten Alkali. J. Chem. Phys. 1818, 22, 93–117.
(12) Berzelius, J. J. Ein neues mineralisches Alkali und ein neues Metall. J. Chem. Phys. 1817, 21,
44–48.
(13) Glaize, C.; Genié, S. Lithium Batteries and Other Electrochemical Storage Systems; ISTE
Ltd., 2013.
(14) Lewis, G. N.; Keyes, F. G. The Potential of the Lithium Electrode. J. Am. Chem. Soc. 1913,
35, 340–344.
(15) Harris, W. S. Electrochemical Studies in Cyclic Esters; PhD thesis, University of California,
Berkeley, 1958.
(16) Yao, Y.-F. Y.; Kummer, J. T. Ion Exchange Properties of and Rates of Ionic Diffusion in BetaAlumina. J. Inorg. Nucl. Chem. 1967, 29 (9), 2453–2475.
(17) Kummer, J. T.; Neill, W. Thermo-Electric Generator. US patent No. 3,458,356, 1969.
(18) Newman, J. Transport in Electrolytic Solutions. Adv. Electrochem. Electrochem. Eng. 1967,
5, 87–135.
(19) Whittingham, M. S. Chemistry of Intercalation Compounds: Metal Guests in Chalcogenide
Hosts. Prog. Solid State Chem. 1978, 12 (1), 41–99.
(20) Rüdorff, W. Chimia 1965, 19, 489.
(21) Bichon, J.; Danot, M.; Rouxel, J. Systematique Structurale Pour Les Series d’intercalaires
Mxtis2 (M= Li, Na, K, Rb, Cs). Comptes Rendus Acad. Sci., Ser. C, Sci. Chim. 1973, 276, 1283–
1286.

(22) Whittingham, M. S.; Gamble, F. R. The Lithium Intercalates of the Transition Metal
Dichalcogenides. Mater. Res. Bull. 1975, 10 (5), 363–371.
(23) Whittingham, M. S. Electrointercalation in Transition-Metal Disulphides. J. Chem. Soc.,
Chem. Commun. 1974, 328–329.
(24) Whittingham, M. S. Batterie à Base de Chalcogénures. Belgian patent no. 819672, 1975.
(25) Whittingham, M. S. Electrical Energy Storage and Intercalation Chemistry. Science 1976,
192 (4244), 1126–1127.
(26) Whittingham, M. S. History, Evolution, and Future Status of Energy Storage. Proc. IEEE
2012, 100, 1518–1534.
(27) Armand, M. B. Intercalation Electrodes. In Materials for Advanced Batteries. NATO Conf.
Ser. (VI Mater. Sci.); Murphy, D. W., Broadhead, J., Steele, B. C. H., Eds.; Springer, Boston, MA,
1980, 2, 145–161.
(28) Armand, M.; Touzain, P. Graphite Intercalation Compounds as Cathode Materials. Mater.
Sci. Eng. 1977, 31, 319–329.
(29) Rüdorff, W.; Hofmann, U. Über Graphitsalze. Z. Anorg. Allg. Chem. 1938, 238, 1–50.
(30) Schafhaeutl, C. Über die Verbindungen des Kohlenstoffes mit Silicium, Eisen und anderen
Metallen, welche die verschiedenen Gallungen von Roheisen, Stahl und Schmiedeeisen bilden. J.
Prakt. Chem. 1840, 3, 129.
(31) Fredenhagen, K.; Cadenbach, G. Die Bindung von Kalium durch Kohlenstoff. Z. Anorg. Allg.
Chem. 1926, 158, 249.
(32) Goodenough, J. B.; Mizushima, K. Fast Ion Conductors. US patent no. 4,357,215, 1982.
(33) Mizushima, K.; Jones, P. C.; Wiseman, P. J.; Goodenough, J. B. LixCoO2 (0<x<-1): A New
Cathode Material for Batteries of High Energy Density. Mater. Res. Bull. 1980, 15 (6), 783–789.
(34) Yoshino, A.; Sanechika, K.; Nakajima, T. Secondary Battery. US patent no. 4,668,595, May
26, 1987.
(35) Yoshino, A.; Sanechika, K.; Nakajima, T. Japanese patent no. 1989293, 1985.
(36) Yoshino, A. The Birth of the Lithium-Ion Battery. Angew. Chem. Int. Ed. 2012, 51, 5798–
5800.
(37) Nishi, Y. The Development of Lithium Ion Secondary Batteries. Chem. Rec. 2001, 1, 406–
413.
(38) Fong, R.; Sacken, U. von; Dahn, J. R. Studies of Lithium Intercalation into Carbons Using
Nonaqueous Electrochemical Cells. J. Electrochem. Soc. 1990, 137 (7), 2009–2013.

(39) Peled, E. The Electrochemical Behavior of Alkali and Alkaline Earth Metals in Nonaqueous
Battery SystemsThe Solid Electrolyte Interphase Model. J. Electrochem. Soc. 1979, 126 (12),
2047–2051.
(40) Padhi, A. K.; Nanjundaswami, K. S.; Goodenough, J. B. Phospho-Olivines as PositiveElectrode Materials for Rechargeable Lithium Batteries. J. Electrochem. Soc. 1997, 144, 1188–
1194.
(41) Thackeray, M. M.; David, W. I. F.; Bruce, P. G.; Goodenough, J. B. Lithium Insertion into
Manganese Spinels. Mater. Res. Bull. 1983, 18, 461–472.

بطارية الليثيوم الفائزة بجائزة نوبل الكيمياء 2019 المستخدمة في حياتنا يوميًا

Exit mobile version