أوبول شارون: ثمن الدخول لعالم الموتى

هذه المقالة هي الجزء 7 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

طالما أذهلت البشر فكرة ما بعد الموت، أين ستذهب أرواحنا؟ لقد حاول قدماء الإغريقيين تقديم وصفًا مميزًا لتصورهم عن رحلة ما بعد الموت، لكن الميت عليه أن يدفع رشوة لعبور النهر الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات. النهر الذي يحرسه شارون، فما هي رشوته؟

الموت في الميثولوجيا اليونانية

شارون وسايكه، لوحة للفنان جون رودام سبينسر
المصدر

المفهوم الإغريقي عن الحياة الآخرة ومراسم الدفن كان مبنيًا بشكل كبير على كتابات هوميروس، الذي وصف العالم السفلي في الإلياذة. اعتقد الإغريقيون بأن الروح “سايكه” تغادر الجسد بلفظ الشخص لآخر أنفاسه. لطالما اعتقدوا أن راحة الميت تعتمد على تذكر أقربائه له، وإحياء ذكره وإقامة طقوس دفن تليق به.
كانت قضية نسيان الأحياء للميت أمرًا شديد السوء في المجتمع الإغريقي، فالذكرى هي ما تجعل الميت ينعم بالسكينة في الحياة الآخرة. كما جسدت معظم شواهد القبور اليونانية افي الأكروبوليس، أو المتاحف، مشاهدًا طبيعية من حياة المتوفي، مثل رجل تقدم له زوجته الطعام، امرأة ترعى طفلها الرضيع، وذلك ليس إلا تذكيرًا للأحياء بأن الأموات لم يفنوا بعد، وإنما هم مستمرين في حياة ضبابية أخرى، وبهذا رأى الإغريق أنهم هزموا الموت بإبقاء الذكرى حيّة. [1]

مملكة هيديس، عالم الأموات

العالم السفلي في الأسطورة اليونانية مكان ضبابي، مظلم، ومخيف. مخبأ في أعماق الأرض، وخفيّ على الأحياء. تدخله الأرواح بعد خروجها من الجسد لتأخذ شكلًا يشبه الشخص الميت، ويرحل لعالم الأموات. تعد مملكة هيديس النقيض التام لجبل أوليمبوس، جبل الآلهة العظمى التي يحكمها زيوس وتمثل النور، بينما هيديس الظلام.
يحكمها سيد الأموات، الإله “هيديس” وهو شقيق الإله الأعظم في الميثولوجيا اليونانية “زيوس”، الذي نُفي إلى العالم المظلم وأصبح سيدًا للظلال والموتى. سُميت مملكته باسمه، ويُشار لهيديس كأنها الجحيم. حكمها هيديس وزوجته بيرسفوني. [2]

مملكة هيديس أو العالم السفلي في الميثولوجيا الإغريقية، اللوحة للفنان جان بريغيل الأكبر
المصدر

التقسيم الجغرافي للعالم السفلي

مدخل العالم السفلي

على أبواب الجحيم يتجسد القلق، الحزن، الأمراض، الشيخوخة،الخوف، الجوع، الحاجة، العذاب، الموت، والملذات المحرمة. في الجهة المقابلة لهؤلاء تتجسد الحرب، الانتقام، الشقاق. تحرس الأبواب العديد من الوحوش المريعة منها السينتور “نصف إنسان ونصف ثور”، السكيلا؛ وهي نصف امرأة ونصف أفعى ذات أسنان مرعبة، الهايدرا وهي ثعبان عملاق بثلاث رؤوس، والعديد من الوحوش الأخرى. في منتصف هؤلاء توجد شجرة دردار، تتمثل فيها الأحلام الزائفة والأوهام تحت كل ورقة منها. يوجد بعدها نهر “ستيكس” الذي يحمل خلاله شارون الأرواح لبوابة الجحيم التي يحرسها سيربيروس الكلب ذو الرؤوس الثلاثة. بعد اجتياز البوابة يقف قضاة العالم السفلي ليقرروا مصير أرواح الموتى، إلى الجزر المباركة “إليزيوم” أو إلى “تارتاروس”. [3]

تارتاروس

بالرغم من أنها ليست جزءًا بشكل مباشر من الجحيم، بل هي أبعد من ذلك، فتتوضع تحت الجحيم، كتب هوميروس عنها بأن الظلام فيها شديد لدرجة أن الليل ينسكب حولها في ثلاثة صفوف والأشجار تنمو فيها بشكل مرعب. وهو المكان الأكثر ظلامًا في هيديس ويوجد فيها أسوأ الأشخاص عقابًا على خطاياهم، وكت أيضًا أن الإله كرونوس حكمها لاحقًا [3]

المروج الزنبقية

وهي الأماكن التي يذهب إليها الناس العاديون، الذين لم يرتكبوا خطايا كبرى، ولكنهم لم يحققوا أي عظمة في حياتهم ليستحقوا الدخول للحقول الإليزية، وهذه المروج هي التي يرسل إليها الناس الذين ليس لديهم مكان آخر في الجحيم. [3]

حقول الحداد

المكان المخصص من الجحيم للعاشقين الذين ضيعوا حبهم دون مقابل.

الإيليزيوم

وهو أفضل الأماكن في الجحيم، يذهب إليها أنصاف الآلهة، الأبطال، الفلاسفة، كل من قام بعمل عظيم ومشرف، والأشخاص الذين كانوا على مقربة من الآلهة ومستقيمين في حياتهم تنعموا بوجودهم في الإيليزيوم.

الأنهار في الجحيم

يعتبر نهر ستيكس أهم هذه الأنهار وأشهرها، وهو نهر الكراهية، سُمي تيمنًا بالإلهة ستيكس ويدور حول الجحيم سبع مرات. أما النهر الثاني نهر أشيرون، نهر الألم. وهناك “ليثه” نهر النسيان، ونهر فليجيثون الناري الذي يقود لأعماق تارتاروس، وكوكيتوس نهر النحيب. ,وأخيرًا أوشينوس وهو المحيط بالعالم بأكمله. [3]

مهمة شارون في العالم السفلي

شارون هو إله ابن الإلهين اربوس، ونيكس “ربة الليل”، كانت مهمته نقل أرواح الموتى الذين تم دفنهم بشكل لائق فقط عبر نهري ستيكس وأشيرون خلال عبارة كان يقودها هو. ولكن ذلك لم يكن مجانيًا؛ فكان يتوجب على الروح دفع عملة معدنية “الأوبول” كانت توضع في فم المتوفي خلال طقوس الدفن.
يمثل شارون كرجل متجهم، مروع، ومهيب. هكذا صوره معظم أدباء الإغريق مثل فيرجل في كتابه الإنيادة. في الأساطير الأتروية كان يعرف باسم تشارون وظهر بهيئة شيطان الموت ومسلح بمطرقة. في الفلكلور اليوناني الحديث أصبح يمثل ملاك الموت، أو الموت بحد ذاته. [4]

شارون يوصل أرواح الموتى عبر نهر ستيكس للدخول للعالم السفلي، اللوحة للفنان أليكسندر ليتوفتشينكو
المصدر

طقوس الدفن عند قدماء الأغريق

تحضير الجسد

يتم وضع الجسد وعرضه أولًا وغلق أقرب الأقرباء عيني الميت وفمه، ثم توضع عملة معدنية في الفم بين الأسنان لتكون دفعة لشارون ليوصله عبر نهر ستيكس. بعد ذلك تُغسل الجثة من القريبات غالبًا ويلبس الميت ما يليق بمكانته في الحياة، وبعدها توضع الجثة على سرير ليتمكن الأقرباء من تقديم وداعهم النهائي. [6]

الحداد الرسمي

تبدأ بعدها فورًا مرحلة الحداد الرسمي، وبشكل عام كان المفروض من الرجال ألا يظهروا مشاعرًا وحزنًا على الميت ويتصفون بشكل رسمي. غالبًا ما يكون رب الأسرة واقفًا بقرب الجثة لتحية الضيوف. في المقابل كانت النساء ينتحبن ويعلى صراخهم حزنًا على الميت. وتكون رئيسة المعزين والدة أو زوجة المتوفى، تقف بجانب الجثة وتمسك الرأس بيديها حزنًأ. [6]

الإكفورا

بعد عرض الجثة وبداية الحداد الرسمي تنقل الجثة إلى المدفن في موكب جنائزي يسمى إكفورا، يجري الموكب ليلًا ويشمل توقفات متعددة خلاله حتى يجذب الموكب الانتباه وذلك تكريمًا للمتوفى. في البداية كان المشيعون من أفراد الأسرة فقط، لكنهم استبدلوا لاحقًا بأشخاص مختصين وفناني أداء محترفين، واشتمل على الغناء والموسيقى.
عند الوصول للقبر يتم ممارسة الحرق أو الدفن، وهنالك معلومات قليلة عن طرق الدفن لأنها لم تمثل في الأدبيات الإغريقية، ولكنها تفاوتت بين الحرق والدفن وذلك تبعًا للموقع الجغرافي والفترة الزمنية. [6]

طقوس ما بعد الحداد

يعقب الدفن مأدبة جنائزية تسمى بريديبينيون، تتم في منزل المتوفى. كان اليونانيون لا يعتقدوا بأن الموتى سيشاركونهم في أعيادهم أي أنهم رحلوا بشكل تام، والمأدبة لمجرد الذكرى. تقدم القرابين في القبر في اليوم الثالث والتاسع والثلاثين بعد الوفاة، وفي الذكرى السنوية للوفاة. وكانت هذه القرابين منظمة للغاية. وتضمنت التضحية بالحيوانات، والتبرع بالثياب والأشياء الثمينة. [6]

رشوة شارون للعبور

إحدى العملات المستخدمة ك “أوبول” لدخول العالم السفلي، يظهر فيها الملك ديمتريوس
المصدر

ثمن العبور، أو ما يشار له باسم أوبول هو عبارة عن عملة معدنية صغيرة فضية توضع في فم المتوفي. لاحقًا تم إطلاق اسم أوبول على أي عملة معدنية. كانت هذه العملات أخف وزنًا بشكل عام. يجادل علماء الأثار في رمزية العملة في فم الميت، هل هي أجرة العبور في نظر الإغريقيين القدماء، أم هي سداد لجسد الميت بعملة من نحاس، لمنع عودة الأموات إلى أجسادهم؛ كونهم يؤمنون أن الروح تلفظ من الفم مع الأنفاس الأخيرة. [5]

المصادر:

1- worldhistory
2- greekmythology
4- britannica
5- coinweek
6- classroom.synonym

تحول نهر في روسيا إلى لون الدم نتيجة تلوث كارثي

تحول نهر في روسيا إلى لون الدم نتيجة تلوث كارثي

تسرب ما يقارب من 21 ألف طن من النفط في نهر أمبارنايا-Ambarnaya في سيبيريا؛ ملوثاً النهر وتربة القاع وما حوله. ويعد هذا التسريب كارثي لأبعد الحدود؛ نظراً لطول مدة التعافي منها على مر السنين القادمة، حسب ما أعرب عنه مناصري حماية البيئة وبعض المسؤولين.1

ظهرهذا التسرب في مدينة نوريلسك الصناعية -روسيا- في الأسبوع الأخير من شهر مايو من خزان وقود لمحطة الكهرباء، وانطلاق آلالف الأطنان من الوقود ومواد التشحيم إلى نهر أمبارنايا، ونشوب حريق هائل على مساحة 350 متر مربع حول المحطة. وهو ما وصفه المتحدث باسم وكالة الصيد الحكومية Rosrybolovstvo ديمتري كلوكوف بكارثة بيئية، حيث امتدت المياه القرمزية بعرض النهر وعلى طوله في لقطات نشرتها وكالة الإعلام الروسية على الانترنت.2

لون النهر القرمزي نتيجة تسرب المواد النفطية


وأعلنت الشركة لاحقاً أنها ستبذل ما في وسعها لإزالة التسرب والاستعانة بمتخصصين من موسكو قاموا فيما بتقسيم الجزء المتضرر من النهر لمنع انتشار التسرب. وتعهدت الشركة بدفع تكاليف التنظيف المقدرة حتى الآن بنحو 146 مليون دولار.

وبسبب ذلك تعرضت مدينة نوريلسك لسمعة سيئة بسبب التلوث، على الرغم من تبرير الشركة ببذل قصارى جهودها لتحسين بيئة المدينة ومحيطها. مدينة نوريلسك من أشهر المدن الرائدة في العالم لانتاج النيكل والبلاديوم بالإضافة لتوافد الأجانب إليها.2

أسباب الواقعة

يعتقد المحققون أن خزان المحطة للمواد النفطية بالقرب من نوريلسك قد غرق بسبب ذوبان التربة الصقيعية-permafrost، مما أضعف دعائمه. حيث شهد القطب الشمالي أسابيع من الطقس الحار بشكل غير عادي، وربما يكون أحد أعراض الاحتباس الحراري.1

يستخدم مصطلح التربة الصقيعية-permafrost للأرض المتجمدة بشكل مستمر لمدة عامين أو أكثر، فحوالي 55 ٪ من أراضي روسيا، ومعظمها من سيبيريا، عبارة عن أرض دائمة التجمد وموطن لحقول النفط والغاز الرئيسية فيها. وللأسف تحقق كابوس بيئي قد حذر منه مجلس القطب الشمالي Arctic Council -وهو منتدى دولي تشارك فيه روسيا- في دورتها لعام 2017 والذي ناقش خطورة تواجد المؤسسات في مناطق التربة الصقيعية وعدم إمكانية التربة على تحمل هياكل الثمانينات هذه.1

بالإضافة إلى اعتبار وكالة بلومبرج-Bloomberg للأنباء إلى أن البنية التحتية النفطية في روسيا تعتمد بشكل كبير على ثبات التربة تحتها لاستيعاب مثل هذه الأحمال: صهاريج التخزين في شبه جزيرة يامال.1

التأثير البيئي

عادةً ما تتضمن التسربات النفطية الرئيسية مثل تلك التي حدثت في Exxon Valdez في عام 1989 أو Deepwater Horizon في عام 2010 نفط خام وسميك الطبقة يقع على سطح مياه البحر. وهذه النوع من التسرب طرق تنظيفه معروفة جيداً. ومع ذلك، فإن التسرب الأخير في نوريلسك شمل زيت ديزل أرق وأقل كثافة في المياه العذبة ، مما يجعل التنظيف أكثر صعوبة لسهولة اختلاطه بالمياه.3

يحتوي زيت الديزل على ما بين 2000 و 4000 نوع من الهيدروكربون (اللبنات الطبيعية للوقود الأحفوري)، والتي تتحلل بشكل مختلف في البيئة. ويمكن أن يتبخر 50٪ أو أكثر في غضون ساعات وأيام ، مما يضر بالبيئة ويسبب مشاكل في الجهاز التنفسي للأشخاص القريبين. ويمكن لمواد كيميائية أخرى أكثر مقاومة أن تتحد مع الطحالب والكائنات الدقيقة في الماء وتغرق، مما يخلق رواسب سامة على قاع النهر أو البحيرة. هذا يعطي الانطباع بأن التلوث قد أزيل ولم يعد يشكل تهديدا. ومع ذلك ، يمكن أن تستمر هذه الرواسب لأشهر أو سنوات.3

وبالإضافة لتلك الحادثة، اعترفت مدينة نوريلسك بتسرب أحد مصانعها نتيجة حادث حول لون المياه للأحمر القاتم. ورغم محاولات تخفيف أثر التلوث هذه المرة، أعلنت نائبة وزير البيئة لمنطقة كراسنويارسك-Krasnoyarsk من اتساع رقعة التسريب مما أحال تلك الجهود عن إيقافها في اتجاه مجرى النهر. كما أضاف فاسيلي يابلوكوف من منظمة السلام الأخضر في روسيا أن التلوث سيكون له تأثير سلبي الحياة البيئية المعتمدة بشكل أساسي على مياه النهر من حيوانات ونباتات.1

المصادر:

1- BBC
2- Reuters
3- Phys.org

اقرأ أيضاً: لماذا يزداد تلوث الهواء في أفريقيا؟

Exit mobile version