الشتاء قادم، كيف نجا الإنسان العاقل من جليد الشمال القارص

قبل 40 ألف سنة في أوروبا لاحق الإنسان العاقل الحيوانات واصطادها، واستكشف غابات أوروبا ومراعيها لأول مرة. لكن مع تقدم الزمن بدأ كل شيء يتغير. فبحلول عام 28 ألف ق.م بدأت الطبقات الجليدية تتقدم وتنهي كل شيء في طريقها. معظم أوروبا الشمالية أصبحت تحت الجليد ولكن على عكس المتوقع بقي الإنسان العاقل في أوروبا، اصطاد وعاش في المناطق الجليدية. طور عادات وسلوكيات خاصة كانت أساسًا لحضارتنا اليوم. وتمكن من النجاة من أخر عصر جليدي مدمر ضرب الأرض.

صيادو الشمال المتجمد

ظهرت الحضارة <<الكرافيتية-Gravettian culture>> في أوروبا بدايتًا من سنة 28 ألف قبل الميلاد. و  الكرافيتيين هم مجموعة من الصيادين الذين تمكنوا من الصمود والاصطياد في الظروف الجليدية الصعبة. فأوروبا بين 28 و20 ألف ق.م كانت ترزح تحت طبقات الجليد السميكة حتى عدة كيلومترات. دول مثل إنجلترا والدنمارك والنرويج اليوم كانت وقتها عبارة عن طبقات من الجليد السميك.

لا نعلم بالضبط اليوم ماذا نادى الكرافيتيون بعضهم. لكن اليوم أعطاهم علماء الآثار هذا الإسم نسبة للمواقع الأثرية التي وجدو أثرًا لهم فيها. لقد سكنوا بشكل عام على طول طريق تنقل الحيوانات الكبيرة. ففي تلك الفترة كانت أوروبا تعج بحيوان الماموث مثلًا. ومع أن فروه كثيف إلا انه كان يكره البرد. لذلك كان عندما تشتد برودة الطقس ينتقل نحو جنوب القارة الأوروبية وعلى طول مسار تنقله وجدت آثار الكرافيتيين. (1)

أول معطف في التاريخ

رسم تخيلي يظهر معطف من الثقافة الكرافيتية(مواقع التواصل)

بشكل أو بأخر يمكننا اعتبار أن صناعة الملابس للتدفئة هي اختراع يعود للثقافة الكرافيتية. فمع ازدياد البرودة أخذ الكرافيتيان الفرو والجلد وصنعوا ملابسًا اهم. يعتبر العلماء اليوم أن أول من بدأ الخياطة بإبر مصنوعة من العظام مع نوع من الخيوط هم الكرافيتين. بالإضافة إلى الملابس صنع الكرافيتيان الأحذية. لكن الخياطة كانت عمل نسائي ولم تكن بالشيء السهل. فكان على النساء اختيار أنواع الجلد ثم مضغها لتنعيمها ثم ثقبها ، بالأسنان على الأرجح، من أجل خياطتها في النهاية.

لكن ما يلفت نظر العلماء اليوم ليس فكرة اختراع الملابس بالتحديد. فالكرافيتيين لم يرتدوا الملابس بغرض التدفئة فقط وعلى الأرجح كان لها بعدٌ أخر عندهم. ففي أحد الكهوف وجد هيكل عظمي مدفون بجانبه صخرة المغرة. في الغالب كان لرجل وكان يرتدي رداء مميز من الجلد. مزين بكريات صغيرة من عظام الماموث مثقوبة في المنتصف. وووجدت أربطة على الرأس لم نعلم بالتحديد إذا كان لشاب أو عجوز. لكن من الواضح ان الرداء هذا ليس مجرد لباس اعتيادي للتدفئة. فصنعه استغرق عملًا لأكثر من سنة. لذلك يعتقد العلماء أنه يرمز لشيء أخر.

في مجتمع صيادين وفي هذه الظروف الجليدية كان الانضمام للمجموعات مهمًا للغاية. فالأمر ليس كما في الجنوب الدافئ تأتي الفريسة اليك. في التندرا الباردة تكون المعركة أكثر شراسة والمخاطر أعلى. لذلك نرى من الواضح ظهور نوع من المركزية في البنى الاجتماعية شيء قريب من فكرة زعيم القبيلة كما نعرفها اليوم.(2)

فينوس العصر الحجري

لم تقتصر الرمزية عند صيادي أوروبا الأوائل على السلطة. بل ظهر في هذه الفترة واحد من أكثر الرموز المثيرة للاهتمام وقد أشتهر وانتشر بشكل كبير وهو تمثال فينوس. المرأة العارية بالطبع ليس له علاقة بإلهة الحب في اثينا بل كان مرتبطًا أكثر بالخصوبة والحماية. لا نعلم تحديدا هدفه، هذا النوع من التماثيل لنساء أكثر ما يبرز فيها هو صدرها الكبير وحوضها وبطنها الكبير. وكانت هذه التماثيل صغيرة الحجم. نعلم انها كانت تدفن بجانب النار في الرمل ربما كان الهدف منها اعطاء القوة والحماية للكوخ. وجد الكثير منها بمختلف الاشكال والاحجام فقد تم صناعتها بأعداد كبيرة نوعًا ما.

وهذه التماثيل مع اختلافها تظهر نوعًا من الجمالية. فالأمر ليس فقط بأنهم يخيطون ملابسهم او يصنعون تماثيل بل يحاولون في الواقع خلق نوع من الموضة. نوع من التمثيل لفكرة الأنثى البشرية المجردة وفكرة الخصوبة بشكل عام.

إقرأ أيضًا: البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

الشامان، ساحر الشمال الأول

جلست عائلة من الكرافيتيين في وسط كوخهم المصنوع من الاخشاب والجلود وعظام الماموث. يتسع الكوخ ل 12 إلى 15 شخص وهم متحلقين حول النار التي تشتعل في وسطه. تروي لهم الجدة والجد حكايات عن أسلافهم واساطيرهم القديمة عن الماموث العملاق والروح المقدسة والدب العظيم لمئات المرات قبل أن ينتهي الشتاء. وكانت هذه القصص تنقل عبر الأجيال مما جعل هذه الاكواخ ليست فقط للاحتماء بل لها دور  احتفالي مقدس أيضًا. فعند سرد تقاليد العشيرة مرارًا وتكرارًا ينتج نوع من التماسك. فتصبح هذه الاكواخ اماكن شبه مقدسة.

جزء من العالم الخارجي الذي يحتمي منه الكرافيتيين هو عالم مليء بالحيوانات القوية الشرسة. وبما أن عبادة الأسلاف صفة مشتركة مع شعوب السافانا فإن لها دورًا حقيقيًا في الصيد. المشكلة في الأراضي الجدليدية المفتوحة لن تأتي الفريسة إلى الصياد أبدًا. لذلك كان عليه أن يطور فكرة أخرى عن عبادة الأسلاف. لذلك طوروا علاقة خاصة مع الحيوانات التي تبنى بعض الصيادين شخصياتها.

فإذا أخذنا الدببة كمثال عند سلخه يبدو كالإنسان. جلد أبيض لديه يدين وقدمين يشبه الانسان فاعتبره الكرافيتيون انه انسان ضخم. وعندما ترتدي جلد الدب ستصبح أنت أيضًا دب. لذلك وجدت علاقة بين الدب والانسان الذي يخرج مع الانسان ويتشارك معنا ذات انواع الطعام. لذلك كان هنالك نوع من الطقوس تحدث من اجل اصطياد الدب فكانت العلاقة والطقوس كنوع من طلب الانسان من الدب ان يضحي بنفسه لأجل حياة الانسان. فبمخيلة الكرافيتيين ربما كان هذا الدب روح احد الأسلاف.

من هنا ظهرت الحاجة لوجود الشامان. وهو ساحر قادر على التواصل مع عالم الأرواح. انتشر بشكل واسع في معظم المجتمعات الشمالية. وساعد الانسان بالتواصل مع عالم الارواح التي كانت تنتشر في كل مكان حسب ظنهم. وكانوا غالبًا يحملون معه أدوات كالطبول لتساعدهم في مهمتهم.

هناك رسم يظهر العالمين عالم البشر وعالم الارواح مفصولين يمكن للشامان ايضا ان يشفوا فهم يعرفون الكثير عن النبات

مهد الحضارة

بحلول سنة 10 الاف قبل الميلاد كانت الأراضي المفتوحة الجليدية في أوروبا قد اختفت وحلت مكانها الأعشاب والأشجار والمراعي مرة أخرى. اختفت ثقافة الكرافيتية معها وحلت مكانها ثقافة أخرى تسمى بالمجدلية. أعادت الحياة إلى الكهوف في أوروبا وجعلتها من أجمل الأعمال الفنية التي مرت على التاريخ البشري. لم ينتهي العصر الجليدي كما بدأ بل خلاله تعلم البشر وطوروا سلوكياتهم وقدراتهم العقلية وتمكنوا من الصمود. أن حصيلة معارفنا او تطورنا الفكري والاجتماعي ليس كما هو شائع قد حدث عندما خرج البشر من الكهوف وبنوا أولى القرى. بل إن جذورها أقدم من ذلك بكثير فهي تعود إلى أخر عصر جليدي مر علينا. (3)

المصادر

  1. The Gravettian on the Middle Danube
  2. The Eastern Gravettian “Kostenki Culture” as an Arctic adaptation
  3. Climate Change in Prehistory: The End of the Reign of Chaos

البشر الأوائل، معجزة إفريقيا إلى كل العالم

تخيل معي أنك تقف الان أمام أقدم ملجئ سكنه البشر الأوائل (العقلاء). كيف يمكن أن تتخيل حياتهم؟ كيف تصرفوا؟ ماذا أكلوا؟ ما هو شكل علاقتهم الاجتماعية؟ سلوكهم سويًا ومع باقي الأنواع الحية، حياتهم الروحية وهل كان لهم واحدة أصلًا؟ في هذا التقرير سنطرح أمامكم كل ما نعرفه ونفترضه عن حياة الإنسان العاقل في مراحلها المبكرة. وسنناقش نشوء سلوكه الاجتماعي في أحد أهم المواقع التي عثر فيها على أقدم الآدلة الآثرية المرتبطة به. وهو كهف بلومبوس في جنوب إفريقيا.

نقف الان على الساحل الجنوبي لقارة إفريقيا، تسمى هذه المنطقة بالسافانا وتعتبر حارة جدًا اليوم لدرجة أنها باتت تشبه الصحاري. لكن الأمر لم يكن كذلك في المئة ألف سنة الماضية، كان مناخها ألطف وأكثر مطرًا وبرودة مما هو عليه اليوم. انتشرت في هذه المنطقة الهضاب والسهول. وكانت تحتوي مئات البحيرات التي لا تزال قيعانها الرملية تظهر على خرائط غوغل كنقاطٍ بيضاء اليوم. وحسب توزع هذه البحيرات وبما أن العديد من الكهوف تظهر في هذه المنطقة قسمها علماء الآثار إلى بقعتين: الأولى وهي منطقة البحيرات والثانية هي منطقة الكهوف والملاجئ الصخرية.(1)

ومباشرة قبالة الشاطئ على سفح التل القريب يقع <<كهف بلومبوس-Blombos cave>>. المسافة بين الكهف والبحر صغيرة نسبيًا وغير مناسبة لأعمال الصيد والمعيشة، لكنها لم تكن كذلك قبل الخمسة ألاف سنة الماضية. فقد كان مستوى مياه البحر أكثر انخفاضًا بنسبة 50 الى 100 متر مما هو عليه اليوم. ولكن عند بحلول سنة 5000 قبل الميلاد بدأت معدلات الحرارة بالإرتفاع عالميًا فارتفع معها مستوى المياه ووصل إلى ما هو عليه اليوم. إذا فقد كان أمام الكهف مساحات شاسعة للصيد وأعمال الحياة اليومية للبشر الأوائل.(1)

كهف بلومبوس
By Vincent Mourre / Inrap – Own work, CC BY-SA 3.0,

ماذا أكل البشر الأوائل؟

إن ما يميز كهف بلومبوس هو أنه سكن من فترات العصر الحجري القديم والوسيط. وهي فترة ممتدة من 125 ألف الى 75 ألف قبل الميلاد. وخلال هذه الفترة تغيرت أنواع الطرائد التي اصطادها البشر. فبين سنة 125 و 82 ألف قبل الميلاد. اعتاد البشر على أكل الحيوانات صغيرة الحجم إجمالًا كالأسماك <<والوبريات-Hyraxes>> وهي حيوانات بحجم الأرانب بالإضافة لحيوان <<الخلد الشحمي- dune mole>> وحيوانات الماشية الصغيرة. ومع تقدم الفترات الزمنية وازدياد قدرات الإنسان ومعرفته تمكن من اصطياد الحيوانات الأكبر. فحوالي سنة 75 الف قبل اليوم كان قد تمكن من اصطياد أنواع الماشية الكبيرة وأكلها.

في الغالب فإن عملية الصيد هذه لم تكن تعتمد فقط على جودة وفعالية الأسلحة وأدوات الصيد. بل على معرفة الإنسان لفسيولوجيا هذه الحيوانات التي أراد صيدها. وفهمه أن أحجامها الكبيرة تعطيها سرعة أكبر لكنها بعد بضع ساعات ستحتاج للتوقف عندما ترتفع حرارة اجسادها وإلا ستموت. لذلك كان يتم اختيار أسرع الرجال لهذه المهمة وبعد 3 إلى 4 ساعات من مطاردة الحيوان كان يقع ميتًا. ويتحول لوجبة لذيذة على العشاء.(2)(3)

ماذا صنع البشر الأوائل؟

في الحقيقة، إن دراستنا للأسلحة والأدوات التي صنعها البشر الأوائل إن كان في جنوب إفريقيا أو في أي مكان أخر من العالم. لا تساعدنا فقط على فهم أنواع الحيوانات التي اصطادوها. بل على تحديد مستوى التطور الفكري للإنسان ومدى تطور سلوكه الاجتماعي.

نحن لسنا مجرد مفترسين صانعين للأدوات وصناعة الأدوات لا تعتمد فقط على تقنية التصنيع. فالبشر الأوائل كانوا بحاجة لمعرفة أنواع الصخور التي يجب استخدمها وأين يمكن أن توجد هذه الأنواع. بالإضافة لطريقة استخراجها ومن ثم تقنية ضربها لتتحول لسلاح قاتل. ومع ذلك كان يوجد حاجة لمعرفة المسافات وطرق التنقل. فليس من السهل نقل الصخور دائمًا لتصنع في المساكن وفي بعض الأحيان كان من الأسهل صنعها قرب مكان استخراجها.(4)

وبعد ذلك حافظ الإنسان على هذه التنقية ونقلها من جيل لجيل فهي لم تكن مكتوبة في كتاب بل كان الأب يعلمها لابنه ويدله على طريق الصخور المناسبة.

بعض الأدوات التي وجدت في الكهف
By Katja Douze Sarah Wurz Christopher Stuart Henshilwood CC BY 4.0,

المغرة

الصيد والطعام ليسا الجانب الوحيد في حياة الإنسان العاقل. في كهف بلومبوس أيضًا عثر على <<صخرة المغرة-Ochre>>. وهي نوع من الصخور الهشة التي لا تصلح ليصنع منها سلاحًا، بل كان استخدامها مختلف كليًا عن هذا.

لا يمكن أن نعرف بالتحديد ما الذي كانت تعنيه المغرة لسكان كهف بلومبوس الأوائل. لكن بعض القبائل الإفريقية اليوم التي ما زالت تعيش حياة بدائية تخبرنا عن معنى المغرة بالنسبة لها. إنها تعني الدماء عند بعضهم نظرًا للونها الأحمر والخصوبة إذا ربطنها بدماء الدورة الشهرية عند النساء. في ؛<ناميبيا-Namibia>> في إفريقيا ما زالت عدة قبائل تستخدم المغرة. والنساء هي المسؤولة عن استخراجها وتصنيعها. تقوم بعد ذلك بمزجها مع الدهون والاعشاب المطيبة ثم تدهن الجسد بها فيصبح كأن لونهن أحمر. وللأسف إذا اخذنا مثلًا أقرب سنجد أن السكان الأصليين لأميركا أيضا كانوا يطلون أنفسهم باللون الأحمر. قبل الحرب أو الطقوس الدينية والجنائزية وهذا ما سبب تسميتهم بالهنود الحمر.(5)

لكن لنفهم معظم أبعاد استخدام هذا النوع من الصخور عند البشر الأوائل، لا بد من ذكر سكان جزيرة <<أندامان-Andaman>> شرقي الهند وهو يعتبرون من أقدم البشر الذين ما يزالون يعيشون حياة بدائية هي الأقرب لأسلافنا الأوائل. فعند هذا الشعب لاستخدام المغرة معنى أخر بعيد جدًا عن اللون الأحمر وهو مرتبط بشكل كبير بالرائحة.

إن الفرد من هذه المجموعة، وهذا التعبير خطأ فهم لا يعترفون بالانا كفرد بل إن الفرد منهم هو كل أسلافه مجتمعين بشخصه. كان يجب عليه أن يطلي جسده بالمغرة لكي تتمكن أرواح أسلافه، الغير مادية،من التعرف عليه بعد وفاته عن طريق رائحته المميزة. بشكل أو بأخر بالنسبة لهم فإن مسألة عبادة الأسلاف هذه كانت تستحق كل هذه الطقوس. فالأسلاف بنظرهم كانوا قادرين على مساعدتهم بالصيد والشؤون الحياة اليومية وليتمكن الفرد منهم من الاجتماع مع اسلافه كان لزامًا عليه أن يستعمل المغرة.

إقرأ أيضًا: تاريخ الإنسان العاقل، كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم؟

أول الرموز الفنية

صخرة المغرة المحفورة برموز إكس
By https://originalrockart.wordpress.com/ – https://originalrockart.wordpress.com/, CC BY-SA 4.0,

ان جميع ما تحدثنا عنه في هذا التقرير هو فرضيات مبنية على أدلة أثرية مستخرجة من كهف بلمبوس. وقد عثر في الكهف أيضا على صخرة حفر عليها رموز إكس “X” متشابكة وهو أمر غريب جدًا. ويعتبر بداية للشيء لم يكن معروف سابقًا على الأرض وهو الفن.(5)

بالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا فإيجاد تفسير لهذه الصخرة كان أمرًا صعبًا، لكن الأقرب إلى الواقع كان فرضية أنها تمثل إرث العائلة. كان يتم الاحتفاظ بها داخل العائلة الواحدة وتسلم من جيل إلى جيل كمفتاح سحري يربط العائلة ببعضها. أما إذا ضاعت فكانت تحل الكوارث عليهم.

لقد وجد في الكهف أيضًا رمز أخر لا يقل أهمية عن هذه الصخرة وهو عقد من الصدف. بالطبع قد اختفى الخيط منه لكن لا تزال علامات الحفر في وسط الأصداف ظاهرة. ومن الواضح أن مادة لامعة قد وضعت داخل هذه الأصداف. ومن الشائع قديمًاأإن كل ما يلمع يعتبر بوابة بين عالم الأحياء وعالم الروح. لكن لا نعلم اليوم بالضبط من كان يرتدي هذا العقد. ولو أن أغلب أغلب أنه يعود لرجل وهو رمزٌ لسلطته على أفراد جماعته.(6)

الرقص

يعد الرقص للبشر الأوائل من أهم طرق التواصل الاجتماعي وليس مجرد طقوس للتسلية. وكانت بعض الرقصات تدوم لأسابيع وشهور. الغرض من الرقص هو لقاء الشبان بالفتيات والزواج، وخصوصا إن كان يتم بين عدة جماعات مختلفة. ومن الأمور التي كان للرقص دور فيها هو تبادل الأغراض. فالجماعة التي تملك الكثير من الأسماك كانت تلتقي خلال طقوس الرقص مع جماعة تملك الصخور وهكذا يتم التبادل مثلًا.

اذًا كان الرقص وغيره العديد من العادات الاجتماعية المرتبطة بالبشر الأوائل تشكل جزئًا كبيرًا من حياتهم اليومية. أكثر من 60% من يومهم قضوه بالرقص وممارسة العادة الفنية المتعلقة بالأجداد كالرسم الرمزي على جدران الكهوف. والذي وجدنا منه الألاف في شتى انحاء العالم اليوم وهو رسم للطبيعة والحيوانات كنوع من الطقوس السحرية ربما كانت تتم لجلب الحيوانات أو للمساعدة على الصيد.

بشكل أو بأخر من غير العادل أن نطلق على البشر الأوائل صفة الصيادين الجامعين فقط لكون جزء من حياتهم اليومية تتعلق بالصيد. واذا أردنا ذلك لا يجب أن ننزعج إذا ما أطلق علينا بشر المستقبل صفة رواد المتاجر أو المتسوقين. فقط لأننا نزور المتاجر لنتسوق حاجاتنا اليومية منها.

المصادر

  1. Climate, Environment and Early Human Innovation: Stable Isotope and Faunal Proxy Evidence from Archaeological Sites (98-59ka) in the Southern Cape, South Africa
  2. Blombos Cave, Southern Cape, South Africa: Preliminary Report on the 1992–1999 Excavations of the Middle Stone Age Levels
  3. Identifying the Collector: Evidence for Human Processing of the Cape Dune Mole-Rat,Bathyergus suillus, from Blombos Cave, Southern Cape, South Africa
  4. Early Use of Pressure Flaking on Lithic Artifacts at Blombos Cave, South Africa
  5. Engraved ochres from the Middle Stone Age levels at Blombos Cave, South Africa
  6. Nassarius kraussianus shell beads from Blombos Cave: evidence for symbolic behaviour in the Middle Stone Age
Exit mobile version