أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

يسكن كوكب الأرض ملايين الأنواع من الكائنات الحية، ولا نعرف حتى الآن عدد هذه الأنواع بالضبط. ولكن الأكثر تقديرًا أن العدد يتراوح بين ٥ – ١٠ مليون، وتعرفنا إلى الآن فقط على ٢ مليون نوع منهم، وبالطبع ليسوا في مكان واحد بل في أماكن متفرقة من العالم.  بالإضافة إلى أن أغلب المشاريع العلمية التي تعمل على رصد الكائنات الحية من الممكن أن تتضمن في دراستها كحد أقصى ٢٠٠٠٠ نوع من حول العالم. وفي هذا المقال نتعرف على ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

ما هي أهمية المشاريع البحثية لرصد وتصنيف الكائنات الحية؟

يعمل العلماء على العديد من المشاريع البحثية في رصد وتصنيف الكائنات الحية على كوكب الأرض لإلقاء الضوء على العناصر الأكثر تهديدًا والعناصر التي على وشك الانقراض. ويساعدنا ايضًا على التعرف على إمكانية تجنب فقدان الأنواع وإلقاء الضوء على العناصر التي تزداد ونفهم كيفية حدوث هذا. 

نظرة عامة على الإنسان وباقي الكائنات على كوكب الأرض

وإذا ألقينا نظرة عامة على الكائنات على كوكب الأرض نلاحظ أن أغلبها يزداد نصف أنواعها ويقل نصف أنواعها، على سبيل المثال تقل ٤٤٪ من الثدييات وتزداد ٤٩٪ منها بينما لا تتغير ٧٪ من هذه الأنواع. وأغلب الكائنات الأخرى تقترب من هذه النسب في الزيادة والنقصان والثبات. [1]

معظم الأنواع التي وُجدت على سطح الأرض انقرض منها ٩٩٪ تقريبًا، ولكن ليس لدينا أدلة قوية على هذه الأنواع. ومنذ عام ١٥٠٠م، انقرض حوالي ٩٠٠ نوع منهم ٨٥ نوع من  الثدييات و١٥٩ نوع من الطيور و٣٥ نوع من البرمائيات و٨٠ نوع من الأسماك. 

الانقراضات ال ٥ الكبرى

الانقراض هو جزء طبيعي من التطور، حيث نفقد ١٠٪ من الأنواع كل مليون سنة و٣٠٪ كل ١٠ مليون سنة و٦٥٪  كل ١٠٠ مليون سنة. وبانقراض أنواع، تتطور أنواع أخرى. وتعرف الانقراضات باختفاء الكائنات بمعدل أكبر من الطبيعي وقد حدثت ٥ انقراضات في تاريخ البشرية.

١. الانقراض الأوردوفيشي:

منذ ٤٣٣ مليون سنة، حيث عصر جليدي قاسي أدى إلى هبوط مستوى البحر ١٠٠ متر مما أدى إلى انقراض ٦٠ – ٧٠ ٪ من كل الأنواع ساكني المحيطات. وبعدها بوقت قريب تسبب تبخر الجليد في نقص الأكسجين وانقراض أنواع أخرى. 

٢. الانقراض الديفوني المتأخر:

منذ ٣٦٠ مليون سنة قبل الميلاد، تغير مناخي قوي ومستمر أضر بالحياة في قاع البحار مما أدى إلى قتل ٧٠٪ من الأنواع وتضمن تقريبًا كل أنواع المرجان. 

٣. انقراض العصر البرمي:

منذ ٢٥٠ مليون سنة قبل الميلاد حيث يعرف بالانقراض الأكبر، هلك ٩٥٪ من الكائنات وارتبط بقوة بالبراكين الضخمة في سيبيريا والانغماس في فترة قاسية من الاحتباس الحراري. 

٤. انقراض العصر الجوراسي:

منذ ٢٠٠ مليون سنة قبل الميلاد، فقدت الحياة ٧٥٪ من الأنواع الغريبة بسبب انفجار بركان آخر قوي، والذي بدوره ترك الأرض خالية للديناصورات لتمتد ومن هنا بدأ عصر الديناصورات. 

٥.انقراض العصر الطباشيري الثلاثي:

منذ ٦٥ مليون سنة قبل الميلاد، اصطدم كويكب عملاق بالمكسيك بعد انفجار بركاني قوي في المكان الذي يعرف الآن بالهند. شهد هذا نهاية عصر الديناصورات وفتح الطريق أمام الثدييات في الظهور وفي النهاية البشر. [3]

تأثير الإنسان على الانقراض

يُمثل الإنسان ١.,٪ من الحياة على كوكب الأرض و ٢,٥٪  من مملكة الحيوان. في حين تمثل النباتات وخصوصًا الأشجار ٨٢٪  من الكائنات. ونحن نحتاج إلى ٧٠ تريليون مننا لكي نماثل باقي الكائنات الحية. وتعيش ٨٦٪ من الكائنات على سطح الأرض و ١٣٪ من هذه الكائنات في باطن الأرض و١٪ فقط  في المحيطات. [2]

قلت الثدييات بنسبة ٨٥٪ منذ انطلاق حياة الإنسان على الكوكب. وأكثر من ١٧٨ نوع من الأنواع المشهورة انقرضت بسبب الصيد الجائر وسلوكيات الإنسان. 

بالعودة ١٠٠٠٠٠ سنة إلى الوراء، كانت الحياة زاخرة بالحيوانات البرية؛ كان الماموث يدور في أمريكا الشمالية والأسود في أوروبا وغيرها من الكائنات. 

وبظهور طريقة أخرى يحصل بها الإنسان على الطعام وهي الزراعة  بدأ باستصلاح أراضي كبيرة ونزع العشب منها. حيث من ١٠٠٠٠٠ سنة كان كل شخص يقطع ٠,١ هكتار،  وسنة ١٩٠٠م كان كل شخص يقطع ١,٥ هكتار. 

لم يعد التأثير على الحياة البرية الصيد فقط ولكن أيضًا استخدام الإنسان للموارد التي كانت تعتمد عليها الحيوانات. فيمكن تقسيم الحياة إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الزراعة (الصيد) ومرحلة الزراعة.

منذ عام ١٩٧٠م، قتل الإنسان ٦٠٪ من الحيوانات وهذا يشبه تقريبًا تفريغ أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأفريقيا  وأوروبا والصين.

في عام ٢٠١٥، أصبح الإنسان يمثل ٣٥٪ من الثدييات بعدد ٧,٤ مليار. والحيوانات التي يستخدمها الإنسان في الطعام مثل البقر والخروف أصبحت تمثل ٦٣٪ من الثدييات وباقي الثدييات تمثل ٢٪. 

في عام ٢٠١٨م استهلك العالم ٢١٠ مليون طن من اللحوم من الثدييات باستثناء الفراخ والتركي والبط وهذا يساوي ٣١ مليون طن كربون، ولو استمرت البشرية على نفس النمط بصيد الحيوانات من الممكن أن تفنى الحياة البرية في شهر واحد فقط. 

هل نحن على أعتاب انقراض سادس كبير؟

أولًا نحن في حاجة لمعرفة معنى انقراض كبير وهو عدد الأنواع التي تنقرض والوقت اللازم لذلك الانقراض. بمعنى أننا عندما نفقد أكثر من ٧٥٪ من الأنواع في وقت تقريبًا ٢ مليون سنة  يعتبر ذلك انقراضًا كبيرًا. 

منذ عام ١٥٠٠م، فقدنا ١٪ من الكائنات وهذا الرقم صغير وإن كنا فقدنا ٢٥٪ فقط فهو صغير أيضًا. 

ولكن فقد ١٪  خلال ٥٠٠ سنة فقط يعني أننا أمامنا  ٣٧٥٠٠ سنة لنصل إلى فقد ٧٥٪، وهذا أسرع بكثير من الانقراضات السابقة. 

الانقراض بهذا الشكل يكون من ١٠٠ – ١٠٠٠ مرة أسرع من السابق.

كم من الوقت اللازم لحدوث الانقراض السادس الكبير؟

في خلال ال ٥٠٠ سنة السابقة  فقدنا ١٪ من الأنواع وسنأخذ من الوقت ٣٧٥٠٠ سنة حتى نفقد ٧٥٪ من الأنواع. وأصبح الانقراض الآن أسرع بكثير في خلال ال ٥٠ سنة الماضية، وإذا أخذنا في الاعتبار معدل الانقراض منذ سنة ١٩٨٠م سندخل الانقراض السادس  في خلال ١٨٠٠٠ سنة فقط.

لا يعتبر هذا كلام نهائي، ولكنها توقعات تقترب من الصحة، وفي أسوأ الأحوال في حالة فقدنا كل الأنواع المهددة بالانقراض في ال ١٠٠ سنة القادمة سيكون الانقراض السادس في خلال ٢٥٠ – ٥٠٠ سنة. [4]

كيف نمنع الانقراض السادس الكبير؟

نحن الآن السبب الرئيسي لهذا الانقراض حيث نقوم بإزالة الغابات وتغير المناخ وإفساد المحيطات والصيد والتلوث البيئي. لكن سابقًا كانت البراكين والزلازل والتغيرات المناخية فقط، فمن الممكن أن نمنع إزالة الغابات مما يساعد على اعتدال المناخ والسماح للنظام البيئي بالالتئام. بالإضافة إلى منع وتحريم الصيد الجائر وإيقاف تلوث المياه. 

ما نعرفه الآن أننا على أعتاب الانقراض السادس ومن الواضح أن معدل الانقراض يزداد وقد يقل ولكن الهدف الرئيسي هو معرفة لماذا انقرض كل كائن حي ونحاول حل هذه المشكلة. 

مصادر:

[1] our world in data

[2] our world in data

[3] The guardin

[4] our world in data

الأدلة على التطور من علم الأجنة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يهتم «علم الأجنة-Embryology» بدراسة مراحل تكوّن أجنة الكائنات الحية ودراسة تحولاتها أثناء تلك المراحل [1]. ويقدّم علم الأجنة أدلة قوية دامغة على التطور، ولعل من أوائل من حاولوا الربط بين فكرة التطور وعلم الأجنة هو العالم الألماني «إرنست هيكل-Ernst Heackel». رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه مشابهة لأسلافه في مرحلة البلوغ. عرف هذا ب«التلخيص-Recapitulation»، وهذا لأن الجنين – وفقًا لرأي هيكل – يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه [2]. إلا أن هذه الفكرة ليست صحيحة علميًا، فنحن لا نرى مثلًا أجنة الحيوانات البريّة تشابه الأسماك البالغة في أي من مراحل تكوّنها (علمًا بأن الحيوانات البرية تطورت من الأسماك). ولكن لا تؤثر فرضية هيكل لا على نظرية التطور ولا علم الأجنة، ويبقى علم الأجنة محافظًا على موقعه كأحد أقوى فروع العلوم الداعمة للتطور. يُدرس علم الأجنة لطلاب الطب والمتخصصين في النساء والتوليد في كل كليات الطب في العالم تمامًا كما هي نظرية التطور. فتعالوا معنا نتعرف على الأدلة على التطور من علم الأجنة.

كيف يدل علم الأجنة على التطور؟

هل تساءلت يومًا عن سر وحدة مراحل تكوّن الجنين البشري على سبيل المثال؟ فمراحل تكوّن الجنين واحدة لدى جميع الأجنة البشرية، ولكن ما السر وراء هذا؟

تكمن الإجابة في أننا لا نرث من آبائنا وأمهاتنا الصفات الوراثية فحسب، بل نرث منهم كذلك مراحل التكوين. فالجينات تحمل التعليمات والإرشادات التي تقود الجنين للتحول من مجرّد خلية حية إلى كائن مكتمل النمو [3]. وبناء على ذلك، إذا افترضنا تطوّر الكائنات الحية من أنواع أخرى، فيجب أن نرى تكوّن بِنىً جنينية مشتركة بين الكائنات وأسلافها. على سبيل المثال، إذا قلنا أن الحيوانات الأرضية تطورّت من الأسماك، فيجب أن نرى بِنىً جنينية سمكية تتكون لدى أجنة الحيوانات الأرضية (لأنها تحمل الجينات الحاملة لتعليمات تكوين أجنة الأسماك). قد تبدو فكرة غريبة، ولكن تعالوا لنرى الأدلة.

ذيل الإنسان

تمتلك معظم الثدييات ذيولًا تساعدها على التوازن أثناء الحركة، إلا أن البشر عندما اكتسبوا صفة المشي المنتصب فقدوا الحاجة إلى وجود ذيل. وها نحن ذا لا نرى ذيولًا في أجسامنا، ولكن هل نحن حقًا بلا ذيول؟

أثناء الأسبوعين الرابع والخامس من عمر الجنين البشري نلاحظ امتلاك الأجنة البشرية لذيول يبلغ طولها 1/6 طول جسم الجنين. كما نلاحظ أن هذه الذيول تحتوي على عدد من الفقرات يتراوح ما بين 10 و 12 فقرة. إلا أنه بحلول الأسبوع الثامن يبدأ الجنين في فقدان هذا الذيل تدريجيًا ليضمر ويتحول إلى «العصعص-Coccyx» وهو عبارة عن ذيل ضامر. [4]

فها نحن ذا نرى بِنية جنينية ورثنا تعليمات تكوينها من أقاربنا من الثدييات ذات الذيول.

حقوق الصورة: quizlet

«الشقوق الخيشومية-Gill slits»

تمتلك الأجنة البشرية وغيرها من أجنة الفقاريات التي لا تعيش في المياه في بداية مراحل تكوّنها بِنىً تُعرف ب «الشقوق الخيشومية-Gill slits». وهي البِنى التي تتطور وتنمو في أجنة الأسماك لتصبح خياشيمًا تساعدها على التنفس. وعلى الرغم من عدم تنفس الإنسان والحيوانات غير المائية بواسطة الخياشيم إلا أن أجنتها ما زالت تحمل هذه الشقوق الخيشومية كبصمة تدلنا على أسلافنا السمكية. [5]

ولكن هذه الشقوق الخيشومية لا تنمو لتصير خياشيمًا في الثدييات. فكما نرى، لا تستخدم الحيوانات غير المائية الخياشيم في التنفس، فإلى ماذا تتحول هذه الشقوق؟

تنشأ من الشقوق الخيشومية لدى الأجنة البشرية وغيرها من الثدييات تراكيبًا مختلفة كالفك، و«عظام الأذن الداخلية-Inner ear bones» التي تلعب دورًا حيويًا في قدرتنا على السمع. [6]

حقوق الصورة: anatomy book

أرجل الثعابين

على الرغم من كون الثعابين تزحف على بطنها للحركة، إلا أنها مُصنّفة ضمن «رباعيات الأطراف-Tetrapods». وهي الحيوانات التي تمتلك أربعة أطراف، ولكن كيف لنا أن نضعها في هذا التصنيف على الرغم من عدم امتلاك الثعابين لأية أطراف سواء أمامية أو خلفية؟

أحد الأسباب هو أن أجنة الثعابين تمتلك براعم أطراف في أول 24 ساعة من تكوّنها. فعلى سبيل المثال، تنمو لأجنة «الأصلات-Pythons» في ذلك الوقت القصير عظام أطراف خلفية مثل «عظمة الفخذ-Femur»، و«قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». لا تنمو عظام الأطراف بما يكفي لتصير أطرافًا مكتملة النمو، فسرعان ما تبدأ في التحلل. [7]

حقوق الصورة: livescience


وجدير بالذكر هنا أن الأصلات البالغة بالفعل تمتلك عظام أرجل ضامرة مدفونة في العضلات الموجودة بالقرب من نهاية ذيلها. فهي أحد الأعضاء الضامرة التي تدل هي أيضًا على التطور. [8]

وهو ما يشير إلى تطوّر الثعابين من رباعيات الأطراف، حيث أنها ما زالت تحمل تعليمات لتكوين الأطراف على الرغم من أنها تزحف على بطنها، وهذا يعد واحدًا من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة.

أصابع الأحصنة

تمتلك رباعيات الأطراف خمسة أصابع في أطرافها، ولكن إذا نظرنا إلى حيوان مثل الحصان (وهو رباعي الأطراف) وجدناه يمتلك إصبعًا واحدًا. فهل هو فعلا إصبع واحد؟ لنتتبع مسار نموه الجنيني لنرى!

يبدأ الحصان بامتلاك خمسة أصابع في أطرافه، إلا أن الإصبع الأول يلتحم مع الإصبع الثاني. كما يلتحم الإصبع الرابع مع الخامس، ليكوّن كل زوج من هذه الأصابع الملتحمة «عظمة جبيرة-Splint bone». ثم يكمل الإصبع الثالث (الأوسط) نموه ليكون هو الحافر. وهنا يأتي السؤال المهم، لماذا يبدأ جنين الحصان بنمو خمسة أصابع إن كان سينتهي بإصبع واحد؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في ضوء تطور الحصان من رباعيات أطراف كانت تمتلك خمسة أصابع. [9] وهذا ما يكسب نظرية التطور قوتها كأي نظرية علمية، وهو قدرتها التفسيرية والتنبؤية.

حقوق الصورة: whyevolutionistrue

جماجم الطيور والديناصورات

بتنا نعلم أن الطيور تطورت من ديناصورات، ولكن تقع هنا مشكلة، حيث أنه عند فحص أحافير الديناصورات، نجد امتلاك الديناصور لعظمتين في جمجمته هما «العظمة الأمامجَبهِية-Prefrontal bone»، و«العظمة الخلفمِحجَرية-Postorbital bone». هاتان العظمتان لا وجود لهما في جماجم الطيور الحديثة، فأين ذهبت هذه العظام؟

عند فحص أجنة الطيور سنجد هاتين العظمتين في جماجم أجنة الطيور، إلا أنهما تلتحمان مع عظام الجمجمة الأخرى لتكوين العظام الأنفية والجبهية. كما أن التحام هاتان العظمتان بعظام الجمجمة الأخرى سمح بزيادة حجم العينين وزيادة حجم أدمغة هذه الطيور. [10]

ويُعد نمو هاتين العظمتين لدى أجنة الطيور أثرًا يمكننا الاستدلال به على تطور الطيور من الديناصورات. إذ أن الديناصورات قد أورثت الطيور الجينات المسئولة عن تكوين هاتين العظمتين أثناء مرحلة النمو الجنيني.

أصابع الطيور

تختلف الطيور عن الفقاريات في عدد الأصابع حيث تمتلك الطيور في أجنحتها ثلاثة أصابع، إلا أنها كرباعيات أطراف (الفئة التي تنتمي الطيور إليها) هي امتلاك خمسة أصابع. فكيف هذا؟

عند فحص أجنة الطيور نجد أن أصابعها في بداية نموها تكون خمسة أصابع. ثم تبدأ هذه الأصابع في الالتحام مع بعضها البعض لتصير ثلاثة بدلًا من خمسة. فالثلاثة أصابع الموجودة في أجنحة الطيور هي عبارة عن خمسة أصابع ملتحمة مع بعضها البعض. هذا أيضًا واحد من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة [11]

عضلات الزواحف في جسم الإنسان

تمتلك الزواحف في أيديها عضلات تُدعى “Dorsometacarpales”. وقد اكتشف نمو هذه العضلة في أيادي الأجنة البشرية، ولكنها سرعان ما تختفي أو تلتحم مع عضلات أخرى. يدل هذا على انحدار الثدييات (ونحن منهم) من الزواحف، حيث ورثنا منهم الجينات التي تعطي الأوامر والتعليمات للسماح بنمو هذه العضلة في أيدي الأجنة البشرية على الرغم من عدم وجودها لدى البشر البالغين. [12]

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3] University of Leicester
[4] NCBI
[5] britannica
[6] Lumen learning
[7] Livescience
[8] American Museum Of Natural History
[9] Royal Society
[10] Nature
[11] Genome Biology
[12] Livescience

Exit mobile version