هوس توت ولعنة الفراعنة وأثر اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على العالم

هوس توت ولعنة الفراعنة وأثر اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على العالم

حكم الملك توت عنخ آمون في عصر الدولة الحديثة، وهو ابن الملك أخناتون (أمنحتب الرابع) حسب تحليل DNA. حكم توت وهو لم يبلغ 9 أعوام، ومات بسبب الملاريا حسب دراسة نشرت عام 2010 بجانب بعض الالتهابات العظمية، حيث كان عمره وقت وفاته 19 عامًا.

معنى هوس توت

هوس توت Tutmaniaهو نوع من الهوس ظهر في العالم بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 بواسطة عالم الآثار البريطاني هيوارد كارتر. واكتشفت هذه المقبرة بكامل محتوياتها التي أبهرت العالم من كنوز ذهبية رائعة، كما ارتبط الملك توت بخرافة لعنة الفراعنة.

هوس المصريات

كان هوس توت على غرار هوس المصريات Egyptomania موجودًا قبل اكتشاف المقبرة. ويعني ذلك الهوس الحماس لكل ما يتعلق بمصر القديمة، وقد ظهر منذ حكم اليونان والرومان لمصر في العصر القديم.

هوس توت المتحفي وكنوز الملك

عرضت أكبر مجموعة من كنوز توت عنخ آمون في معارض العالم. حيث عرضت في معرض ساتشي في لندن عام 2019، بعد أن حققت نجاحًا بأرقام قياسية في لوس أنجلوس وباريس. من الواضح أن هذا الاكتشاف لا يزال يتمتع بجاذبية عالمية في القرن ال21.

توت عنخ آمون ومعرض متحف أشموليان

ركز معرض متحف أشموليان للفنون والآثار في أكسفورد على قصة اكتشاف المقبرة، وكيف تسببت في حدوث حالة هوس الملك توت في جميع أنحاء العالم. فقد كان للمقبرة تأثيرًا كبيرًا على الثقافة الشعبية في جميع أنحاء العالم.

كان اكتشاف هذه المقبرة من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين بحق، إذ ظل هذا القبر مختبئ لأكثر من 3000 عام. وحدث الكشف بعد سنوات من الحفريات غير المثمرة مولها اللورد كارنارفون.

عند الاكتشاف، سأل اللورد كارنارفون كارتر: “هل ترى شيء؟” فأخبره كارتر: “أرى أشياء رائعة!”

تلك الكلمات التي لا تُنسى منقوشة على الحائط في مدخل معرض (اكتشاف توت عنخ آمون) في متحف أشموليان في أكسفورد. ولكن يبدو أن كارتر نظر إلى الذهب فقط ولم ينتبه لما يعنيه الكشف حينها وفق «بول كولينز- Paul Collins»، أمين قسم الشرق الأدنى القديم في متحف أشموليان بجامعة أكسفورد، وأمين المعرض.

صراع صحفي لتغطية الكشف الأثري

دفعت صحيفة ذا تايمز The Times)) إلى اللورد كارنارفون 5000 جنيه استرليني لمنحها أسبقية المعلومات عن تنقيب المقبرة. ولم تكن الصحف المنافسة سعيدة بذلك بالتأكيد، إذ كانت هناك منافسة شرسة بين المراسلين على نقل القصة وألغازها ووضع بعض المبالغات الصحفية مثل لعنة الفرعون الشهيرة لجلب المزيد من الإثارة والمبيعات.

ضم المعرض صورًا كثيرة من صور «هاري بيرتون- Harry Burton » لصحيفة ذا تايمز، بالإضافة إلى السجلات الأصلية والرسومات والصور الفوتوغرافية لكارتر. وكان هاري بيرتون مصور فني بريطاني، وكان يعمل في متحف متروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك الأمريكية. تميز هاري بتصوير الأشياء بدقة من زواياه المتعددة وسط إضاءة متخصصة.

كما عرض المعرض العديد من العناصر التي وضحت كيف أثر هوس توت على الفنون الثقافية في عشرينات القرن الماضي. فقد ظهرت الزخارف المصرية على الملابس والمجوهرات، كما ترك أثرًا في تسريحات الشعر والأقشمة والأثاث والعمارة.

قلادة فرعونية، وقفازات جلدية، من عشرينيات القرن الماضي.
إعلان لشركة Johnston Fruit Company في كاليفورنيا عن ماركة ليمون الملك توت، في عشرينيات القرن الماضي.
ملصق للمسرح، للساحر كارتر العظيم في عام 1923، و قبلة من الفرعون: قصة حب توت عنخ آمون، بقلم ريتشارد جوين.
بروش كارتييه من الماس، حوالي عام 1923

أصبح توت عنخ آمون و اللورد كارنارفون وكارتر كأنهم من نجوم السينما. كما حدث تدفق غير مسبوق للألعاب والسيراميك والأزياء والملصقات المتأثرة بالملك توت.

جاء اكتشاف المقبرة في بدايات العشرينات من القرن الماضي عقب الاضطرابات العالمية للحرب العالمية الأولى. فتمكنت وسائل الإعلام الجماهيري من نقل الأخبار عما يتم نقله من المقبرة إلى جمهور أوسع وأسرع من أي وقت مضى.

أصبحت أمريكا بشكل خاص مهووسة بالملك توت عنخ آمون، وأصبح الملك توت مشهور للغاية. حتى الرئيس الأمريكي هربرت هوفر سمى كلبه الأليف توت، كما سمى ساحر المسرح الأمريكي تشارلز كارتر نفسه بكارتر العظيم في إعلاناته ذات الطابع المصري القديم.

أغنية الملك القديم توت

وحقق مؤلف الأغاني «هاري فون تيلزر-Harry Von Tilzer » نجاحًا كبيرًا بأغنية بعنوان “الملك القديم توت” عام 1923، وعرضت هذه الأغنية في المعرض. وأصبحت أغنية الملك القديم توت أحد أعظم الأغاني في ذلك الوقت.

حتى اليوم، لا يزال توت عنخ آمون أيقونة ورمزًا؛ حتى في الثورة المصرية، في التحرير. فعلى الجدران، أظهرت الكتابات قناع توت عنخ آمون كرمز للهوية المصرية.

الفتاة المعاصرة وهوس توت

تأثرت الفتاة المعاصرة بعد الحرب العالمية الأولى بالإلهة إيزيس التي كانت واحدة من أربعة تماثيل تحرس كل ركن من الأواني الكانوبية الخاصة بالملك توت عنخ آمون. فكانت مصدر إلهام بالنسبة لهن، وتأثرن أيضًا بالملكة كليوباترا؛ فقلدن تسريحة البوب الخاصة بها، وكانت رمزا للسلع التجميلية مثل أحمر الشفاة ومساحيق الوجه والعطور وكريمات الوجه. ظهر ذلك التأثر عبر استخدام شركات المستحضرات لأسامي جذابة مثل منتجات نايل كوين ((Nile Queen التي تصنعها شركة .Kashmir chemical company

المومياء ولعنة الفراعنة في السينما

كان لفكرة المومياوات التي تنهض من الموت سحرها الخاص؛ حيث استخدمت في صناعة الأفلام الجديدة آنذاك. وكان الصحفي «جون بالديرستون – John Balderston» أول صحفي يرى وجه الملك توت، فألهمه الأمر بكتابة سيناريو فيلم رعب عالمي باسم المومياء، وصدر عام 1932.

خرافة لعنة الفراعنة

من ناحية أخرى، انتشرت خرافة لعنة الفراعنة أو لعنة المومياء في العالم.

“تسبب موت اللورد كارنارفون بعد 6 أشهر من أفتتاح المقبرة في اعتقاد بعض الناس بوجود لعنة ما واقعة على المقبرة وكل من دخلها.”

زاهي حواس

وقد نشرت الصحف أن موته كان غامضًا، وكان فكه للمومياء ولفائفها نذير شؤم. لكن يعتقد أن اللورد كارنارفون مات نتيجة تسمم في الدم بسبب الحلاقة بموس ملوث.

ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك عبر سوء ترجمة نص مكتوب على طوب طيني عُثر عليه أمام مقصورة الإله أنوبيس يقول “فأقتل كل هؤلاء الذين عبروا هذه العتبة إلي الفناء المقدس للملك الذي يعيش للأبد”. وفي الحقيقة، يقرأ النص »أنا هو الذي يعوق الرمال من أحجار الحجرة السرية« وفق ترجمة ديفيد سيفرمان David Silverman.

لعنة الفراعنة لم تصب الآخرين

ومن ضمن الذين دخلوا المقبرة وعاشوا حياة جيدة «آرثر ميس» الذي مات عام 1928، ولم يكن مريضًا لفترة طويلة، كما مات «برستد» عام 1935، ومات «هيوارد كارتر» 1939 أي بعد 20 عاما من افتتاح المقبرة. وعاش «جاردنر» حتى 1963، وماتت «إيفلين» ابنة اللورد كارنارفون عام 1980 عن عمر يناهز 79 عامًا. كما أن هناك كتاب مترجم باسم “اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون” من تأليف كلًا من هيوارد كارتر وآرثر ميس بإمكانك الاطلاع عليه للتأكد من أن لعنة الفراعنة ليست سوى خرافة.

فيديو عن حقيقة لعنة الفراعنة

المصادر

BBC
BBC
National Trust
Scientific American
Reuters
زاهي حواس، الملك الذهبي: عالم توت عنخ آمون، (ص 151-154

عجائب مصر القديمة: السحر

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة عجائب مصر القديمة

مما لا شك فيه أن حضارة مصر القديمة برعت في مختلف الفنون والعلوم، ولكن الغريب أن تعرف أن المصريين القدماء هم أول من مارسوا السحر، ليس هذا وحسب، وإنما كان السحر متوغلًا في كل جوانب حياتهم، فقد استخدموه لمباركة الملوك وحمايتهم، واستخدموه كذلك في العلاج، وهذا ما سنتحدث عنه اليوم في الجزء الثاني من سلسلة (عجائب مصر القديمة) بعد أن تحدثنا عن الفن في الجزء الأول.

السحر والسحرة

لعب مفهوم السحر دورًا محوريًا في إيمان المصري القديم، حيث اعتقد الناس في مصر القديمة أن الخالق قام بخلق العالم باستخدام قوة السخر، ورأوا أن السحر قوة كامنة بداخل كل إنسان، إلا أن الكهنة وحدهم القادرون على تسخير هذه القوة والتعامل معها، وكان الكهنة هم أول من مارسوا السحر في مصر القديمة، حيث يُحكى أنهم كانوا يمتلكون القدرة على تحريك الماء في البحيرات الراكدة، وإحياء تماثيل الحيوانات لتحويلها إلى حيوانات حقيقية.

حِكا إله السحر

ويأتي سحرة العقارب في مرتبة أقل من الكهنة، وقد أُطلق عليهم هذا الاسم لأنهم مارسوا السحر للتخلص من الحشرات السامة والأفاعي في منطقة ما.

ولم تقتصر ممارسة السحر على الكهنة ورجال الدين وحدهم، بل إن مهارة السحر كانت مهارة مطلوبة للممرضات في مصر القديمة، كما كان للكهنة دور في العلاج أيضًا، حيث مارس كهنة الإلهة «سخمت-Sekhmet» السحر لعلاج المرضى، ويرجع هذا للاعتقاد السائد في مصر القديمة بأن سخمت هي من تتسبب في الأمراض.

سِخمت

طريقة عمل السحر

كان وقت الفجر وقتًا مثاليًا لممارسة السحر في مصر القديمة، حيث كان يلقي السحرة تعاويذهم في هذا الوقت، وكان على الساحر أن يكون في حالة صفاء روحي، فكان السحرة يمارسون الجنس قبل القيام بالسحر، وهذا للمساعدة على التركيز ومنع تشتت الانتباه.

كما كان على الساحر أن يبتعد عن ما اعتُقد في ذلك الوقت دنسًا، مثل النساء خلال فترة دورتهم الشهرية، فكان الساحر يرتدي ملابس جديدة نظيفة قبل إلقاء تعويذته.

استخدم السحرة في مصر القديمة عصي مصنوعة من العاج، ونُقشت صور الآلهة وبعض الحيوانات على هذه العصي، وهذا كرمز لإعطاء الساحر القدرة على تسخير الكائنات القوية من العوالم الأخرى.

عصا سحرية من العاج

لم تكن الأغلبية في مصر القديمة تستطيع القراءة، مما أعطى للتعاويذ المكتوبة قيمة بالغة الأهمية، حيث كان السحرة يكتبون التعاويذ على ورق البردي، ويتوارثونها من جيل إلى جيل داخل العائلة الواحدة.

احتوت التعاويذ على الكلام والحركات، فكانت تُقرأ بعض الكلمات على جرعات من أشياء غريبة، كدم كلب أسود، أو لبن ثدي امرأة ولدت مولودًا ذكرًا، وكان يُعتقد أن الكلام مسئول عن تنشيط القوى السحرية لهذه الجرعات، كما شملت الحركات بعض الرقصات والإيماءات على ألحان الموسيقى وذلك لتحضير أرواح الآلهة والمعبودات.

السحر للحماية

اعتقد الناس في مصر القديمة أن الشياطين هي التي تتسبب في الأمراض، والحوادث، والفقر، والعقم، فاستخدم المصريون القدماء السحر كآلية دفاعية ضد الشياطين، فعلى سبيل المثال، كانت إذا أوشكت امرأة على وضع مولودها، قوم السحرة برسم دائرة حماية حولها، باستخدام عصي العاج السحرية، وكانوا ينقشون على هذه العصي صور الآلهة التي يستعينون بها وهي تطعن أو تعض الأفاعي (كرمز للشياطين).

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الأمر قد طال البيوت في مصر القديمة، حيث كانت تُنقش صورة الإله «بِس-Bes» والذي كان يرمز له بأسد قزم، وصورة الإله «تاورت-Taweret» والذي كان يرمز له بفرس النهر على أثاث البيوت والأدوات المنزلية، وهذا لطرد الأرواح الشريرة والتي كان يُعتقد أن قوتها تزداد أثناء الليل.

بِس
تاورت
كرسي مصري عليه رسومات سحرية

بالإضافة إلى التمائم التي استخدمها الناس في مصر القديمة لإعطاء صاحبها بعض الصفات المرغوبة مثل العمر الطويل والصحة الجيدة.

تميمة 1
تميمة 2

السحر للعلاج

اعتقد الأطباء في مصر القديمة أن الشياطين التي تتسبب في الأمراض كانت تنجذب للأشياء القذرة، فاستخدموا روث الحيوانات لإبعادها عن جسد المريض، أو يدهن الطبيب جسد المريض بالعسل لتنفير الشيطان من الجسد، وفي بعض الأحيان كان يرسم الطبيب صور كائنات اعتقد الناس في مصر القديمة أنها ذات قدرات علاجية على جسد المريض، ليقوم المريض بلعقها بدوره لامتصاص قواها السحرية العلاجية، بل إن الأطباء كانوا يستخدمون التعاويذ للتعريف بأنفسهم على أنهم الإله تحوت الذي عالج عين حورس المجروحة، ليُعطي نفسه القدرة على علاج المريض كما عالج تحوت عين حورس في الأسطورة المصرية.

تحوت
حورس

اللعنات

كان الكهنة في معابد مصر القديمة يقومون بنقش اسماء الأعداء والخونة على الأواني الفخارية، ثم يقومون بحرقها، لاعتقادهم بأن هذا يُضعف جيوش العدو، وكانت ترسم صور «أبوفيس-Apophis» في حرب مع الخالق على أوراق البردي، ثم يقومون بحرق هذه البرديات، ليقوموا بإذابة الرماد المتبقي في دلو يحتوي على البول.

حاول بعض الكهنة أن يلعنوا الملك رمسيس الثالث بعدما استولوا على كتاب سحر من المكتبة الملكية، إلا أنهم احتاجوا إلى شيء منه كالشعر أو الأظافر أو السوائل الجسدية، فاستعانوا بحريم الملك لمساعدتهم في الحصول على هذه الأشياء، إلا أن المؤامرة كُشفت وحُكم عليهم بالإعدام.

خاتمة

يتضح مما سبق هوس الإنسان في مصر القديمة بالسحر وخوفه من الشياطين والأرواح وما إلى ذلك، ولا عجب في ذلك إذ أن هذه هي عقلية الإنسان القديم، وفي الجزء القادم سنتحدث عن شيء آخر ميز حضارة مصر القديمة عن غيرها، اللغة الهيروغليفية.

المصادر

coursera
bbc
ancient.eu

Exit mobile version