من هم إخوان الصفا وخلان الوفا ورسائلهم؟

كان القرن العاشر الميلادي عصراً غنياً بالجدل الفكري والعقائدي، حيث نمت فيه المذاهب وتعددت الآراء. وكثر المثقفون وظهر نوابغ الشعراء وكبار الأدباء وتزايد عدد المكتبات وهواية اقتناء المخطوطات. وكان قرنًا حيوياً في الترجمة والكتابة والمناظرة مع كثرة الانقلابات السياسية ووجود الفرق الفكرية المؤثرة كالمعتزلة. وهو القرن الذي كتبت فيه رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا والتي لم تكن بالغريبة آنذاك (2).

من هم إخوان الصفا وخلان الوفا؟

إخوان الصفا وخلان الوفا هم مؤلفو رسائل إخوان الصفا. وهي موسوعة إسلامية تتكون من 52 رسالة وأطروحة شاملة إضافية (رسالة جامعة) في مختلف العلوم الفلسفية التي فسرها علماء الشيعة الإسماعيليون (3).

أثيرت الكثير من التساؤلات حول هوية وانتماء إخوان الصفا وخلّان الوفا العقائدي منذ بداياتهم الأولى. فقد حدد العالم الأديب أبو الحيان التوحيدي هويّاتهم قائلاً أنهم القاضي أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وأصدقاؤه الثلاثة، أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو محمد النهرجوري، والعوفي. وذلك بسبب إقامتهم في البصرة وقربهم من الوزير زيد بن رفاعة (2).

لكن بعد القراءة والبحث العميق لكلام التوحيدي تبين أنّ ما قاله ليس دقيقًا. ورغم كل محاولات كشف هوياتهم إلّا أنّ الأسئلة المتعلقة بهويتهم ما زالت بلا إجابة إلى اليوم (2).

كما أثيرت التساؤلات حول انتمائهم العقائدي، فهنالك آراء نسبتهم إلى الشيعة وأخرى إلى المعتزلة وغيرهم نسبوهم إلى القرامطة. و وزُعم أن هناك عناصر أخرى تدل على الإلهام الإسماعيلي لإخوان الصفا، مثل الهيكل الهرمي للكون والإشارات إلى الأدوار السبعة والتمييز بين المختارين والعامة واستخدام الرموز الإسماعيلية (على سبيل المثال النحل كرمز للإمام… إلخ). كما اشترك اخوان الصفا في العديد من الآراء الأساسية مع الاسماعيلية (2).

لكن المفاهيم والأفكار التاريخية التي هي على الأقل قريبة من تلك الأفكار الشيعية مثل هجاء مذبحة كربلاء، أو التفسير المجازي للقرآن والأحاديث، أو النفور من الحكومات السياسية والأمل في سقوطها عند اكتمال الأدوار السبعة الحالية؛ تبين أن المؤلفين كانوا يمثلون التيار الإسماعيلي ولكنهم ليسوا دعاة رسميين له (2).

ما سبب التكتم على هوية الإخوان؟

يعتقد الباحثون أنّ السبب الرئيسي للتكتم على هويتهم كان الخوف من بطش وجهالات العامة ودعوات التكفير التي قد تلاحقهم. وبذلك أرجعوا سبب التكتم على هويتهم لسببين (2).

  • الأول: هو الخوف من البطش والتكفير، والذي ظهر جليًا بعد تكفيرهم من قبل ابن تيمية. فقد اعتبرهم ابن تيمية من علماء الدين الشيعة الذين تتعارض عقائدهم مع دين الإسلام وأوامر الخليفة المستنجد بحرق جميع مؤلفاتهم بعد أن تم اتهامهم بالهرطقة.
  • أما السبب الثاني: فهو الباطنية العميقة المهتمة بالأبعاد الداخلية للإسلام التي تتمتع بها الطائفة الإسماعيلية التي تنسب إليها هذه المجموعة.

إخوان الصفا ونظرية التطور

تعرض إخوان الصفا إلى تدرج الطبيعة في الخلق. فقالوا بالبداية بالجماد ثم النبات ومنه كان الحيوان ومنه كان الإنسان الذي يجمع بين ذكاء الحصان وحركات جسم القرد.

وتطرّقت الرسائل إلى ظواهر الطبيعة وكيف أنها تطوّر نفسها بنفسها بما ترك الله فيها من قوانين. فلا تخرج نبتة الشعير من بذرة الحنطة ولا العكس أيضاً.

“الأفراد في حالة تدفق دائم فهي ليست محددة ولا محفوظة. والسبب في الحفاظ على الأشكال والأجناس والأنواع في المادة هو ثبات سببها السماوي، لأنّ سببها الفعّال هو الروح الكونية للأجواء بدلاَ من التغيير والتدفق المستمر للأفراد الذي يرجع إلى تنوع سببهم.”(4)

رسائل إخوان الصفا

وبذلك يصف النص الموجود في موسوعة إخوان الصفا الذي تمت ترجمته عن أرسطو وجالينوس، التنوع البيولوجي بطريقة مشابهة لنظرية التطور الحديثة، على الرغم من تفسيرها بشكل مختلف من قبل العلماء.(1)

محتويات رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا

تنقسم الموسوعة إلى 52 رسالة ذات فترات متفاوتة، والتي تشكّل 4 كتب. كل كتاب يتناول بالتفصيل مواضيع مختلفة. (3)

  • الكتاب الأول: ويشمل العلوم الرياضية وهو مكوّن من (14 رسالة) وتشمل نظرية العدد والهندسة وعلم الفلك والجغرافيا والموسيقى والفنون النظرية والعملية والأخلاق والمنطق.
  • الكتاب الثاني: ويشمل العلوم الطبيعية وهو مكوّن من (17 رسالة) ويشمل فهم المادة. ومخصص لفهم التكوين، والحركة، والزمان، والفضاء، والسماء والكون، والنشوء والفساد، والأرصاد الجوية، والمعادن، والنباتات، والحيوانات، والجسم البشري، والإدراك، وعلم الأجنة، والإنسان كعالم مصغر ، وتنمية الروح في الجسد، وحدود المعرفة، والموت، واللذة، واللغة.
  • ويشتمل الكتاب الثالث: على العلوم النفسية والعقلانية وهو مكوّن من (10 رسائل) حيث تشمل المبادئ الفكرية (فيثاغورس وإخوان). والكون كوحدة مصغّرة، والذكاء والمفهوم، والفترات والدهر، والشغف، والبعث، وأنماط الحركة، والسبب والنتيجة، والتعريفات والأوصاف.
  • أما الكتاب الرابع فيشمل: العلوم اللاهوتية وهو مكوّن من (11 رسالة) وتشمل المذاهب والأديان، والطريق إلى الله، وعقيدة الإخوان، وجوهر الإيمان، والقانون الإلهي والنبوة، ومناشدة الله، والتسلسل الهرمي، والكائنات الروحية، والسياسة، والسحر والتعويذة.

أين تكمن أهمية هذه العصبة في التاريخ الاسلامي؟

وفّق الإخوان بين الفلسفة اليونانية والمصادر الإسلامية وكانوا متأثرين بالفكر الأفلاطوني والأرسطي (3). وكان معظم اهتمامهم مُنصَب على الفلاسفة اليونانيين المدعوين بـ “ما قبل سقراط” إلى أفلاطون وأرسطو وأفلوطين والرواقيين. ولهذا يمكن اعتبار موسوعتهم (الرسائل) كملخص وافٍ للفلسفة اليونانية (2). حيث استحقت الاهتمام حتى من جهة المهتمين فقط باكتشاف مدى معرفة العرب عن المذاهب القديمة في ذلك الوقت. فالسمة الأولى للموسوعة، هي إعادة صياغة المحتويات “العلمية” الأجنبية. حيث تجتمع العناصر الثقافية المختلفة فيها كعلم التنجيم البابلي والهندي والإيراني، والسرد الهندي والفارسي، والاقتباسات التوراتية والتأثيرات القبلانية، والإشارات إلى العهد الجديد والغنوصية المسيحية (2).

غالبًا ما تُظهر المقارنات بين اقتباسات إخوان الصفا والنسخ العربية للأعمال الكلاسيكية أنهم ربما استخدموا نفس الترجمات المتوفرة لدينا الآن. وعندما لا تكون مثل هذه المقارنات ممكنة فإن المقتطفات القديمة تتوافق عادة مع النصوص الأصلية الموجودة. ومن خلال الاقتباسات والتقارير وربما الترجمات أيضا لهذه المصادر القديمة، نستنتج بأن إخوان الصفا يعرضون نفس الخبرة اللغوية والفلسفية المرتبطة بالعلماء الذين ندين لهم بازدهار حركة الترجمة في بغداد (2).

وطرح إخوان الصفا فكرة الدولة وكأنها كائن حي تمر بمرحلة النشوء والنمو والشباب ثم الشيخوخة. وبذلك أثروا بفكر ابن خلدون المؤرخ الشهير، ومؤسس علم الاجتماع. وظهر التأثير جلياً في مقدمته وعلى وجه الخصوص مسألة تدرج خلق الطبيعة وتحديد مفهوم الدولة والعلوم والاجتماع (2).

كما تطرّقت موسوعة إخوان الصفا التي تعد جزءً مهماً من تاريخ الفكر الإسلامي إلى مواضيع مختلفة. فكانوا سابقين لعصرهم في الكثير من المجالات ومن المساهمين الرئيسيين في نهضة الحضارة الإسلامية وتطورها. ولا يزال أثرهم في الفكر العربي والغربي محل بحث ودراسة عميقة عالميًا.

المصادر:

1- journals
2- stanford
3- iep.utm
4- wikipedia

أدلة التطور من الجينوم

هذه المقالة هي الجزء 10 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

في مقال اليوم نتعرف على أقوى خط من خطوط أدلة التطور، إذ سنتحدث عن أدلة التطور من الجينوم. الأدلة الجينومية هي نوع حديث نسبيًا من أنواع الأدلة على التطور، حيث أن كل ما سنذكره في مقال اليوم من أدلة لم يكن معروفًا قبل القرن الماضي. لقد تطورت علوم الجينوم بقوة وأصبحت ركيزة أساسية في علوم الطب والصحة والبيولوجيا. توقع الكثيرون أنها ستوجه ضربة قاضية لنظرية التطور، ولكنها على العكس، وجهت ضربة قاضية لكل ما يخالف التطور. لقد ظهرت جينات الأعضاء الضامرة بوضوح، بل وكيف ضمرت جينيًا. أصبح بالإمكان رسم شجرة التطور بواسطة الحواسيب من خلال تحليل تتابعات متعدد لجين معين ومعرفة رحلته التطورية عبر الكائنات الحية. والآن لنستعرض الأدلة، ولكن علينا أولًا أن نفهم بعض أساسيات علم «الأحياء الجزيئية-Molecular Biology».

ما هو ال DNA؟

قواعد الدنا النتيروجينية. حقوق الصورة: Medical News Today

تتكون كل الكائنات الحية التي تعيش على كوكبنا من خلايا، فالخلية هي الوحدة الأساسية لبناء الكائن الحي. وفي نواة الخلية، نجد جزيئات معقدة تُدعى «الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين-Deoxyribonucleic acid» وهي ما نرمز له ب “DNA”.

ويتكون ال DNA من تسلسل حروف هي A,C,T,G وكل حرف منهم يرمز إلى مركب كيميائي، حيث أن:

• حرف A يرمز إلى «أدينين-Adenine»
• حرف C يرمز إلى «سيتوزين-Cytosine»
• حرف T يرمز إلى «ثيامين-Thymine»
• حرف G يرمز إلى «جوانين-Guanine»

وتُدعى هذه المركبات الأربعة ب «القواعد النيتروجينية-Nitrogenous bases». عند اتحاد القواعد النتيروجينية مع جزيء «سكر خماسي الكربون-Pentose sugar»، و«مجموعة فوسفات-Phosphate group» تكون «النيوكليوتيدات-Nucleotides»، وهي وحدة البناء الأساسية لل DNA.

ما هي الجينات؟ وكيف تعمل؟

الجين هو قطعة لها بداية ونهاية من شريط الDNA، بمعنى أدق، هو تسلسل محدد من الحروف A,C,T,G. يحمل هذا التسلسل الأوامر اللازمة لإنتاج بروتين محدد، كأنها حروف في كتيب تعليمات لتركيب أجزاء المروحة. وفقًا لترتيب تلك الحروف، تترتب الأجزاء معًا وينتج في النهاية مروحة تعمل بكفاءة. ولكن كيف تعمل الجينات؟

يتم نسخ تسلسل حروف الجين الموجودة على شريط الDNA إلى تسلسل حروف آخر يُسمى «RNA رسول-Messenger RNA» ويُرمز له ب”mRNA”. ينتقل جزيء الmRNA هذا من نواة الخلية إلى «الريبوسوم-Ribosome» (أحد العُضيّات الموجودة داخل الخلية)، ويعمل الريبوسوم كآلة لإنتاج البروتين، حيث يقوم بقراءة تسلسل حروف الmRNA. تعطي كل 3 حروف الأمر لاختيار أي نوع من أنواع «الأحماض الأمينية-Amino Acids» بالتحديد ليضعه الريبوسوم في السلسلة. على سبيل المثال، الحروف “CAA” تخبر الريبوسوم أن يختار «الجلوتامين-Glutamine» (أحد الأحماض الأمينية). وعند الانتهاء من قراءة الmRNA تكون عملية تكوين البروتين قد تمت، ويمكنك مشاهدة مقطع يوضح هذه العملية الرائعة من هنا. [1]

وبعد هذه المقدمة التمهيدية البسيطة، ننتقل إلى استعراض أدلة التطور من الجينوم.

وحدة الشيفرة الجينية

كما ذكرنا، تستخدم كل الكائنات الحية على الأرض الDNA لتشفير معلوماتها الوراثية. كما تستخدم نفس طريقة صنع البروتين، حيث تعطي نفس الثلاث حروف الأمر للريبوسوم لوضع نفس الحمض الأميني في سلسلة الأحماض الأمينية لصنع البروتين في كل الكائنات الحية، ولكن ما هو تفسير هذا؟

وقد يتساءل القارئ عما إن كان هذا يتطلب تفسيرًا أصلًا، ولكن صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ، شيفرة الDNA ليست الشيفرة الوحيدة الممكنة.

أظهرت الأبحاث باستخدام برامج الحاسوب إمكانية تشفير المعلومات الوراثية بما يزيد عن مليون شيفرة جينية ممكنة غير الDNA. بل أن بعضها قد يؤدي وظيفته بشكل أفضل بكثير من الDNA، فلماذا تستخدم كل الكائنات نفس الشيفرة؟ [2] , [3]

لا يمكننا فهم هذا إلا في ضوء نظرية التطور من أصل مشترك. فنظرية التطور تخبرنا أن جميع هذه الكائنات ورثت شيفرتها الوراثية من نفس الكائن الأولي.

ولا يمكننا أن نفهم سر وحدة الشيفرة في ضوء فكرة الخلق الخاص. لو كانت كل الكائنات قد خُلقت بشكل منفصل لما كان هناك حاجة لتكون هناك شيفرة موحدة. بل على العكس، فوجود شيفرات مختلفة في الكائنات المختلفة كان ليمنع انتقال الفيروسات بين الحيوانات المختلفة، مثل إنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور والكورونا التي تصيب البشر، وغيرها من الفيروسات.

نسبة التشابه الجيني بين الرئيسيات

لا تتشارك الكائنات نفس الشيفرة فحسب، بل تتشارك في كمية كبيرة من الجينات. وتختلف نسبة التشابه الجيني بين الكائنات وفقًا لقربها أو بعدها عن بعضها البعض تطوريًا.

تبلغ نسبة الاختلاف الجيني بين البشر نسبة ضئيلة تُقدر ب 0.1%، وتستخدم نسبة التشابه في معرفة الأنساب وتحديدها قضائيًا اليوم. أما بيننا وبين أولاد عمومتنا من الشيمبانزي وقرود البونوبو تبلغ نسبة التشابه حوالي 1.2%، بينما تصل إلى 1.6% بيننا وبين الغوريلا. والأهم من ذلك، هو أن كل من البشر والشيمبانزي والبونوبو يتشاركون نفس نسبة الاختلاف الجيني عن الغوريلا. أي أن الشيمبانزي والبونوبو أقرب إلى الإنسان منهم إلى الغوريلا.

وتختلف طرق حساب نسبة التشابه والاختلاف الجيني، وباختلاف الطريقة تختلف النسبة. حيث أنه بأخذ الجينوم الكامل بالحسبان، تُظهر النتائج أن هناك مناطق من الDNA قد حُذفت، أو تمت مضاعفتها مرات ومرات. أضيف بعضها في أماكن أخرى من الجينوم أيضًا. وعند الأخذ بكل هذه الاختلافات، قد تصل نسبة الاختلاف الجيني بين الإنسان والشيمبانزي إلى ما بين 4% و5%. ومهما اختلفت طرق الحساب فالنتيجة واحدة، وهي أن الإنسان والشيمبانزي والبونوبو أقرب إلى بعضهم منهم إلى الغوريلا أو أي من الرئيسيات الأخرى. وهذا يخبرنا بحقيقة مدهشة وبديهية في الأوساط العلمية اليوم، وهي أننا لسنا فقط أقارب القردة العليا، بل نحن منهم!

وتتيح لنا دراسة نسب التشابه الجيني بين الكائنات بناء شجرة عائلة تربط هذه الكائنات ببعضها البعض. والمفاجأة أن هذه الشجرة تطابق ما يخبرنا به كل من التشريح المقارن ودراسة الحفريات في ضوء نظرية التطور. [4]

حقوق الصورة: Human Origins


يعترض بعض المشككين قائلين أن التشابه الجيني لا يعني وحدة الأصل. لكن الواقع يقول أن الجينات لا تنتقل بين الكائنات الحية إلا بالتكاثر، فكون الكائنات تمتلك نفس الجينات يعني انحدارها من نفس الأصول. وكما تثق في تحليل الDNA الذي يخبرك إذا ما كان الطفل ابنك البيولوجي أم لا، عليك أن تثق بنتائج تلك الأبحاث التي تخبرك عن علاقتك التطورية بينك وبين أبناء عمومتك من الشيمبانزي والبونوبو وباقي الرئيسيات. علمًا بأن تحليل الDNA يتم بنفس الطرق التي قيست بها هذه النسب.

الكروموسوم 2

لدى الإنسان 23 زوجًا من الكروموسومات (46 كروموسوم)، بينما تمتلك القردة العليا الأخرى (الشيمبانزي، والأورانجوتان، والبونوبو، والغوريلا) 24 زوجًا (48 كروموسوم). غالبًا ما يلجأ المشككون لهذه المعلومة لدحض التطور، فيقولون إذا كان الإنسان من القردة العليا، فلماذا يختلف عنهم في عدد الكروموسومات؟

وتكمن الإجابة في أن تسلسل الDNA على الكروموسوم 2 لدى الإنسان متطابق تقريبًا مع كروموسومين منفصلين لدى الشيمبانزي. اقترح العلماء أن سبب اختلاف عدد الكروموسومات وفقًا لنظرية التطور هو أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين مندمجين من كروموسومات القردة العليا، ولكن كيف نختبر هذه الفرضية؟

تُدعى أطراف الكروموسومات «تيلوميرات-Telomeres»، كما أن هناك منطقة تقع في منتصف الكروموسومات تُدعى «سنترومير-Centromere». يحتوي الكروموسوم الطبيعي على 2 تيلومير (نهايتين) وسنترومير واحد. فإذا كان الكروموسوم 2 في الإنسان عبارة عن اندماج في كروموسومين في القردة العليا، فعلينا أن نعثر على آثار لهذا الالتحام.

وجد العلماء آثار هذا الالتحام بالفعل، فقد أظهرت الأبحاث وجود بقايا تيلومير في منتصف الكروموسوم 2 (ناتج عن التحام تيلوميري الكروموسومين)، وبقايا سنترومير كذلك. هذا ما يثبت أن الكروموسوم 2 هو بالفعل عبارة عن اندماج كروموسومين من كروموسومات القردة العليا بشكل قاطع ولا يمكن تفسيره إلا باندماج كروموسومين. يدل هذا بما لا يدع مجال للشك على أصولنا المشتركة مع القردة العليا الأخرى. [5] , [6]

التحام الكروموسومين لتكوين كروموسوم 2. حقوق الصورة: Wikipedia

تكرار CMT1A الأقرب

على الكروموسوم 17 في الإنسان يقع جين PMP-22 الذي يشفر لإنتاج بروتين (Peripheral nerve protein-22)، محاطًا بنسختين من جين CMT1A، وهما «تكرار CMT1A الأقرب-Proximal CMT1A-REP»، و«تكرار CMT1A الأبعد-Destal CMT1A-REP».

ويؤدي «تعابُر الكروموسومات-Chromosome crossover» غير المتساوي، الناتج عن سوء اصطفاف التكرارين الأبعد والأقرب للجين CMT1A إلى مرضين عصبيين شائعين هما:
• Charcot-Marie-Tooth disease type (1A) (CMT1A)
• Hereditary Neuropathy with liability to Pressure Palsies (HNPP).

وبهذا نعتبر وجود نسختين من جين CMT1A خطأً وراثيًا، إذ يتسبب هذا التكرار غير الضروري بالإصابة بالأمراض العصبية، ولكن كيف يدل هذا على التطور؟

أظهرت تحاليل الDNA للرئيسيات امتلاكها جميعها لتكرار CMT1A الأبعد، ولكن فقط الإنسان والشيمبانزي وحدهما يمتلكان تكرار CMT1A الأقرب جنبًا إلى جنب مع التكرار الأبعد. أي أن هذا الخطأ الوراثي موجود فقط في الإنسان والشيمبانزي، ويمكننا تفسير هذا بحدوث عملية تضاعف للجين CMT1A في آخر سلف مشترك للإنسان والشيمبانزي.

لا يمكننا تفسير وجود هذا الخطأ لكل من الشيمبانزي والإنسان إلا وفق نظرية التطور. إذ ستتضاءل احتمالية حدوث نفس الخطأ لدى كل من النوعين بشكل منفصل دونًا عن بقية الرئيسيات التي أجريت عليها التحاليل. يصبح الأمر منطقيًا وفقًا لشجرة العائلة التطورية للقردة العليا. [7]

«الجينات الزائفة-Pseudogenes»

أثناء عملية التطور، تحدث طفرات لبعض الجينات متسببة في تعطيلها وتحويلها إلى جينات غير مشفرة للبروتين. تسمى هذه الجينات بالجينات الزائفة، لأنها لا تؤدي وظيفتها. تعتبر تلك الجينات الزائفة من أوضح الأمثلة على نظرية التطور، إذ لا يوجد ما يفسرها سوى النظرية. فهل من أمثلة؟

تنتج أجسام جميع الثدييات فيتامين C. إلا أن أجسام «الرئيسيات جافة الأنف-Haplorhini» (مجموعة تشمل قرود العالم القديم، وقرود العالم الجديد، والقرود العليا ومنها الإنسان) لا تستطيع صنع فيتامين C. تحصل الرئيسيات جافة الأنف علي فيتامين سي من غذائها، وفي حال عدم حصولها على الكميات الكافية، تُصاب بداء «الأسقربوط-Scurvy». يرجع هذا إلى عدم قدرتها على تصنيع إنزيم “l-gulono-gamma-lactone oxidase”، نظرًا لتعطل جين GULO المسئول عن إنتاج هذا الإنزيم.

المثير في الأمر هو أن جين GULO معطّل في جميع الرئيسيات جافة الأنف لنفس السبب، وهو فقدان «الإكسونات-Exons» (نطاقات مشفرة في الجينات) أرقام 1,2,3,5,6,8,11. وهو ما لا يمكننا فهمه إلا في ضوء انحدار الرئيسيات جافة الأنف من سلف مشترك.

ولا تصمد فكرة الخلق الخاص أو التصميم الذكي في محاولة تفسير الجينات الزائفة. فلا داعي لوجود جين GULO في تلك الأنواع إن كان معطلًا أصلًا. كما أنه لا داعي لأن يتم تعطيل الجين بفقدان نفس الإكسونات بين مختلف أنواع الرئيسيات جافة الأنف. إذ أن نفس الجين معطل في «خنزير غينيا-Guinea pig»، ولكن لأسباب مختلفة وهي فقدان الإكسون 5 وجزء من الإكسون 6. مما يعني أن هذا الجين قد تعطل لديه بشكل منفصل عن المسار التوري للرئيسيات جافة الأنف التي ينتمي إليها البشر. وبالتالي، لا يمكن تفسير تعطل جين GULO إلا في ضوء نظرية التطور من سلف مشترك. [8]

وكذلك حيوان «البلاتيبوس-Platypus»، الذي لا يمتلك معدة حقيقية، وعلى الرغم من ذلك، يمتلك جينين زائفين مرتبطين بصنع إنزيمات هضمية. [9]

وعلى الرغم من عدم امتلاك الحيتان البالينية للأسنان، فهي تمتلك جين MMP20 معطل يشفر لصنع بعض البروتينات التي تدخل في تركيبة الأسنان. وكما ذكرنا في الجزء الخاص بتطور الحيتانيات، تنمو لدى أجنة الحيتان البالينية براعم أسنان بالفعل. [10] كما تمتلك الطيور (وهي حيوانات بلا أسنان) جينات معطلة لتكوين أسنان! [11]

ووجود هذه الجينات الزائفة يعد من أقوى أدلة التطور من الجينوم، كما أنه دعم الأدلة التشريحية للتطور.

كيس المُح

نشترك نحن والزواحف والدجاج في امتلاكنا للبيض (البويضة في حالة إناث البشر). إلا أن الطيور (مثل الدجاج) لديها قشرة تحمي البيضة، كما تمتلك كيس المُح، والذي يقوم بتوفير الغذاء للجنين لمساعدته على النمو. ولكن بويضة الإنسان أصغر بكثير من بيض الدجاج، وليس فيها قشرة أو مُح حتى. ولكن تكون الأجنة البشرية كيس مح فارغ يختفي أثناء فترة الحمل، فهل من تفسير جيني؟

تمتلك كل الفقاريات التي تبيض بروتين Vitellogenin، مما يعني وجود جين يشفر لصنع هذا البروتين، فماذا تظهر الأبحاث؟

تظهر الأبحاث وجود قطع من DNA المُح في الجينوم البشري، مطابقة تماما للجينات الأصلية التي لدى الدجاج. ليس هذا وحسب، بل إنه عند مقارنة جينوم الإنسان بجينوم الدجاج يتضح أن هذه القطع محاطة بنفس الجينات لدى كل من الإنسان والدجاج. يعد هذا أحد أدلة التطور من الجينوم. [12] , [13]

جين NANOG

جين NANOG هو أحد «الجينات الزائفة المعالَجة-Processed pseudogenes». وهي جينات تنشأ نتيجة خطأ أثناء عملية نسخ حروف الDNA إلى mRNA. فبدلًا من أن تكتمل عملية إنتاج البروتين بشكل طبيعي، يُعاد بالخطأ نسخ الmRNA إلى الDNA لتكوين نسخة زائفة من الجين الأصلي في مكان آخر في الجينوم. هذا ما حدث مع NANOG، حيث نجد على الجينوم الخاص بنا 10 نسخ زائفة من هذا الجين بالإضافة إلى النسخة الأصلية التي تعمل. فكيف يكون هذا دليلًا على التطور؟

تكمن المفاجأة في أننا نتشارك 9 نسخ زائفة من جين NANOG مع أبناء عمومتنا من الشيمبانزي. بينما النسخة NANOGP8 حصرية لدى جينوم الإنسان. والأدهى، أن هذه النسخ ال 9 موجودة على جينوم الشيمبانزي في نفس الأماكن التي توجد فيها على جينوم الإنسان! إن احتمالية حدوث نفس الأخطاء 9 مرات في نفس المكان لدى النوعين بشكل منفصل احتمالية غاية في الضآلة. وأن تصدف هذه الاحتمالية شديدة الضآلة بين كائنين تصفهم نظرية التطور بالأقرابة يصعب الأمر على منكرين التطور. المشكلة لدى منكري التطور هو في إيجاد تفسير آخر خارج نظرية التطور لتلك الأدلة الحاسمة.

وهذا يعني أننا ورثنا 9 نسخ NANOG زائفة من آخر سلف مشترك بيننا وبين الشيمبانزي، أما عن النسخة المتبقية وهي NANOGP8، فهي وجدت في جينوم الإنسان بعد انفصاله عن الشيمبانزي، وهذا يعد أحد أقوى أدلة التطور من الجينوم. [14]

«سيتوكروم سي-Cytochrome C»

هناك جينات تتشاركها كل الكائنات الحية على اختلافها، لأنها تؤدي وظائف أساسية للغاية. جينات تتشاركها كل الكائنات ابتداء من أشكال الحياة وحيدة الخلية وحتى الإنسان، وتُعرف هذه الجينات ب «الجينات واسعة الانتشار-Ubiqitous genes».

وهذه الجينات ليس لها دخل بالصفات الخاصة بكل نوع، إذ أنها كما قلنا أعلاه، مسئولة عن وظائف أساسية للغاية تتشاركها معظم أشكال الحياة. ولا يُشترط أن تكون هذه الجينات بنفس تسلسل الحروف، إذ أن هناك عدد كبير من التسلسلات التي تؤدي نفس الوظيفة الحيوية الكيميائية.

والوراثة كما ذكرنا في أمثلة كثيرة أعلاه، تسمح بتمرير تسلسلات الجينات حتى وإن لم يكن لهذه التسلسلات فائدة وظيفية. وعلى هذا، فلا يمكننا تفسير وجود نفس التسلسل في هذه الجينات بين نوعين إلا بالوراثة؛ ذلك لأنهم لا يحتاجون نفس التسلسل إن كان كل منهم قد وجد بشكل منفصل كما يدعي المنكرون. يكفي وجود جين مكافئ يؤدي وظيفة مشابهة وهو أمر يحدث في الطبيعة بالفعل.

على سبيل المثال، نحن نعلم أن الإنسان والشيمبانزي متشابهين في كثير من الصفات. فيمكننا البناء على هذا، وتنبؤ استخدامهم لبروتينات متشابهة، بغض النظر عن ما إذا كانت تجمعهم علاقة وراثية أم لا. يصبح الأمر أكثر غرابة عندما نقارن بين تسلسلات جينية غير مؤثرة على خصائص أي من النوعين، فعلام نتحدث؟

نحن نتحدث عن بروتين «سيتوكروم سي-Cytochrome C»، وهو بروتين واسع الانتشار، إذ يوجد في كل أنواع الكائنات الحية بما في ذلك البكتيريا. وهو موجود في الميتوكندريا، حيث يقوم بنقل الإلكترونات في عملية أيض أساسية تُدعى ب «الفسفرة المؤكسدة-Oxidative phosphorylation».

ومما سبق يمكننا استنتاج أن امتلاك كل الكائنات لنفس تركيبة سيتوكروم سي شيء غير ضروري بالمرة، إذ يكفي فقط امتلاكها لبروتين مكافئ يؤدي نفس الوظيفة.

كما أظهرت الأبحاث أن سيتوكروم سي الخاص بالإنسان يعمل لدى الخميرة التي تم حذف نسخة سيتوكروم سي الخاصة بها. على الرغم من أن نسبة الاختلاف بين تركيبة السيتوكرومين تبلغ 40%.

في الواقع، سيتوكروم سي الخاص بالتونا (أسماك)، والحمام (طيور)، والأحصنة (ثدييات)، وذباب الفاكهة (حشرات)، والفئران (ثدييات)، جميعها تعمل في الخميرة التي تم حذف سيتوكروم سي الخاص بها!

علاوة على ذلك، أثبت تحليل جيني شامل لسيتوكروم سي أن أغلب الأحماض الأمينية الموجودة في تسلسل هذا البروتين غير ضرورية. وأنه فقط حوالي ثلث الأحماض الأمينية ال100 الموجودة في سيتوكروم سي كافية للقيام بوظيفته، وذلك لأن معظم الأحماض الأمينية في سيتوكروم سي هي أحماض «مفرطة التغيير-Hypervariable». والأحماض المفرطة التغيير يمكن استبدالها بعدد كبير من الأحماض الأمينية الأخرى التي ستكون قادرة على إتمام نفس الوظيفة.

تجربة هوبرت

والغريب في الأمر هو قيام الفيزيائي Hubert P. Yockey بحساب عدد تسلسلات الأحماض الأمينية الممكنة لتكوين البروتينات المكافئة لسيتوكروم سي، والقادرة على القيام بنفس تلك الوظيفة الأساسية. تبيّن أن عدد هذه التسلسلات الممكنة هو 10⁹³ × 2.316، وهو عدد مهول يزيد عن عدد الذرات في الكون المعروف بأكثر من بليون مرة! ومما سبق نستنتج أن تشابه تركيبة سيتوكروم سي بين الكائنات ليس ضروريًا على الإطلاق، فهل يخبرنا المنكرون سبب حدوثه إن كانت نظرية التطور خاطئة؟

ولكن العجيب هو أن الإنسان والشيمبانزي يتشاركون نفس تركيبة سيتوكروم سي، بلا أي اختلاف، واحتمالية حدوث هذا إذا أنكرنا العلاقة الوراثية بين الإنسان والشيمبانزي أقل من 10^-93 (1 من 10⁹³)، ويختلف كل من الإنسان والشيمبانزي عن باقي الثدييات الأخرى ب10 أحماض أمينية في تسلسل سيتوكروم سي فقط، وفرصة حدوث هذا إذا أنكرنا علاقتهم التطورية هي 10^-29 (1 من 10²⁹).

والخميرة أحد أبعد الكائنات «حقيقيات النوى-Eukaryotic» عن الإنسان، إلا أنها تختلف عنّا في تركيبة سيتوكروم سي ب51 حمض أميني فقط، وفرصة حدوث هذا دون وجود علاقة وراثية بيننا وبين الخميرة أقل من 10^-25 (1 من 10²⁵). [15]

ومن كل ما سبق نستنتج أن التشابه في تركيبة سيتوكروم سي بين الكائنات الحية إنما هو نتيجة انحدارها من أسلاف مشتركة بينها، وكلما كانت الكائنات أبعد في الشجرة التطورية عن بعضها البعض، كلما زادت الاختلافات في تركيبة بروتين سيتوكروم سي، وكل هذا يجعل من سيتوكروم سي أحد أقوى أدلة التطور من الجينوم.

تشفير DNA زائد عن الحاجة

كما هو الحال مع سيتوكروم سي، هناك جينات أخرى واسعة الانتشار. لا تحتاج الكائنات نفس التسلسل الجيني لإنتاج نفس البروتين، ولن نترك المثال السابق، فسنتحدث أيضًا عن الجين المسئول عن إنتاج بروتين سيتوكروم سي.

على الأقل، هناك ثلاث «كودونات-Codons» مختلفة يمكنها إعطاء الأمر للريبوسوم لاختيار نفس الحمض الأميني لوضعه في تسلسل البروتين. (الكودون هو الثلاث حروف من الDNA التي يقرأها الريبوسوم لاختيار الحمض الأميني). وهذا يعني أنه في حالة سيتوكروم سي، هناك حوالي 3¹⁰⁴ أو ما يزيد عن 10⁴⁶ تسلسل جيني مختلف يمكنهم إنتاج نفس البروتين بنفس تسلسل الأحماض الأمينية للقيام بنفس الوظيفة.

وبالتالي فاستخدام الكائنات المختلفة لنفس التسلسل لا يمكن تفسيره وفقًا لفكرة الخلق الخاص ولا التصميم الذكي لكل نوع بشكل منفرد. إذ يمكن لكل كائن أن يستخدم تسلسلًا جينيًا مختلفًا. والعجيب، والمتوقع وفق نظرية التطور، أننا عند فحص التسلسل الجيني المسئول عن إنتاج سيتوكروم سي لكل من الإنسان والشيمبانزي، نجد اختلافًا في 4 نيوكليوتيدات فقط (حوالي 1.2%)، على الرغم من وجود 10⁴⁶ تسلسل جيني ممكن.

في حالة سيتوكروم سي، سنجد أن التشابه في تسلسل الأحماض الأمينية غير ضروري! وكذلك في الجين المسئول عن تشفيره! مما يجعله دليلًا مزدوجًا من أدلة التطور من الجينوم. [15]

«الفيروسات القهقرية-Endogenous Retroviruses»

لا تستطيع الفيروسات التكاثر بذاتها، فعندما يُصاب الكائن بعدوى فيروسية، يقوم الفيروس بإدخال حمضه النووي إلى الحمض النووي الخاص بالخلية، فتقوم الخلية بصنع المزيد من الفيروسات من نفس النوع.

ولكن إذا أصاب الحمض النووي الفيروسي حيوانًا منويًا أو بويضة فسينتقل الحمض النووي الفيروسي إلى الأبناء. هذا لا يعني بالضرورة موت الإبن، إذ أن بعض الطفرات قد تحدث في الجين الفيروسي لتعطيله.

إذا فجينات الفيروسات القهقرية هي جينات موجودة في الجينوم الخاص بك، أتت إليك عندما أصيب أحد أسلافك بهذه الفيروسات ونقل جيناتها إليك على مدى أجيال. تعمل الفيروسات القهقرية كسجل تاريخي لك ولأسلافك من الكائنات الحية التي أصابتها من قبل.

يجب أن تكون الفيروسات القهقرية اختبارًا قويًا لنظرية التطور، أليس كذلك؟ فإذا كنا نحن والرئيسيات الأخرى انحدرنا من سلف مشترك فيجب أن نعثر على جينات فيروسات قهقرية من فيروسات أصابت أسلافهم قبل انفصال الرئيسيات عن بعضها البعض. كما يجب أن نعثر عليها في نفس المكان في الجينوم، إذ أن احتمالية أن يقوم الفيروس بإدخال الجين في نفس المكان على الجينوم لدى نوعين مختلفين دون افتراض وجود علاقة وراثية بينهما هي احتمالية غاية في الضآلة! تخيل أن تراكم عدد هائل من الاحتماليات شديدة الضآلة في كل الكائنات الحية لتفسير الأمر بالصدفة، يصبح تفسيرك مضحك للغاية بحق!

إن كان كل نوع من الرئيسيات قد خُلق بشكل خاص، فلا يجب أن تتشارك الرئيسيات جينات نفس الفيروسات في نفس الأماكن على الحمض النووي الخاص بها بالطبع. تسامحًا مع المنكرين، قد نعثر على نفس الفيروسات، ولكن ليس في نفس الأماكن أبدًا. إذ أن الفيروس عندما يصيب كائنًا ما، فهناك عدد كبير جدًا من الأماكن على الجينوم التي قد يُدخل حمضه النووي فيها. فقد أظهرت دراسات شاملة أن هناك ما يزيد عن 10 مليون مكان ممكن على الجينوم الخاص بالإنسان!

عند مقارنة الجينوم الخاص بالإنسان وذلك الخاص بالشيمبانزي، فاحتمالية عثورنا على جين فيروسي في نفس المكان بين النوعين، وأن يكون الجين عائدًا إلى نفس الفيروس، هي احتمالية أقل من 1 في 10 مليون.

قام العلماء بالبحث عن فيروس HERV-W لدى 12 نوع من الرئيسيات. ويمتلك الشيمبانزي من فيروس HERV-W عدد 208 نسخة، بينما يمتلك الإنسان 211 نسخة، فماذا وجدوا؟

أظهرت الدراسات أن الإنسان والشيمبانزي يتشاركون 205 نسخة من نفس هذا الفيروس في نفس المكان على جينوم كل منهما! [16] أنت الآن أمام دليل لا يدع مجال للشك أمام أي متخصص.

صورة توضيحية فقط وليست موضحة لأماكن الفيروسات، ولكنها لتبسيط الفكرة فقط. حقوق الصورة: Stated Clearly

إذا فقد ورث كل من الإنسان والشيمبانزي 205 نسخة من هذا الفيروس من آخر سلف مشترك لهما قبل انفصالهما. بينما ال 6 نسخ الحصرية لدى الإنسان وال 3 نسخ لدى الشيمبانزي، على الأرجح قد ظهرت بعد انفصال المسارات التطورية لكل منهما.

وهذا بحد ذاته كافٍ لتنحية فكرة الخلق الخاص أو التصميم الذكي. إذ أن احتمالية إصابة كلا النوعين بنفس الفيروس في نفس الأماكن على الجينوم بهذا العدد من النسخ بشكل منفصل هو احتمال ضئيل يبلغ 1 في 10¹⁴¹⁸ × 5.88. [17] وهذا يجعل من الفيروسات القهقرية دليلًا بالغ القوة من أدلة التطور من الجينوم.

جين ACYL3

نختتم كلامنا عن أدلة التطور من الجينوم بالحديث عن جين ACYL3 من باب التعديد وليس الإثبات، فما سبق أكثر من كاف. يعمل جين ACYL3 في كل الثدييات على كوكب الأرض (بما في ذلك الغوريلا والأورانجوتان) باستثناء نوعين فقط، وهما الإنسان والشيمبانزي. مما يعني تعطله في آخر سلف مشترك بين الإنسان والشيمبانزي، وهو ما يؤكده كون هذا الجين مُعطل لدى النوعين لنفس السبب بالضبط وهو حدوث طفرة أبدلت الجوانين بالأدينين. فبدلًا من أن يكون التسلسل هو TGG، والذي عند ترجمته يعطي الأمر للريبوسوم باختيار الحمض الأميني «تريبتوفان-Tryptophan»، جعلته الطفرة TGA، والذي عند ترجمته يعطي الأمر للريبوسوم بالتوقف ففسد الجين لدى هذين النوعين فقط. [18]

ولا يمكن تفسير تعطل الجين لدى نوعين فقط بنفس السبب إلا في ضوء نظرية التطور من سلف مشترك. وهو ما يجعله أحد أقوى وأبسط أدلة التطور من الجينوم.

قمنا في هذه السلسلة بسرد عدد كبير من أدلة التطور، وكلها كانت على سبيل المثال لا الحصر. فهناك عدد كبير من الأدلة التي لا يمكننا حصرها في سلسلة مقالات، بل أن هناك أدلة تظهر مع المزيد من الأبحاث يوميًا. فبعض الأدلة الواردة في هذا المقال مأخوذة من أبحاث لم يمر على نشرها 4 سنوات حتى، أي أن الأدلة في تزايد مع استمرار الأبحاث العلمية. فمجال التطور من أكثر المجالات التي تُنشر فيها الأبحاث العلمية. وبعد أن انتهينا من سرد أدلتنا، ننتقل في الجزء القادم إلى تفنيد دعاوى الخلقيين والرد عليهم بخصوص “التصميم الذكي”.

المصادر

[1] The Tech Genetics
[2] Livescience
[3] The Genetic Code: What Is It Good For? An Analysis of the Effects of
Selection Pressures on Genetic Codes, by Olivia P.Judson, Daniel Haydon
[4] Human Origins
[5] PNAS
[6] Springer
[7] Oxford
[8] Inactivation dates of the human and guinea pig vitamin C genes, by Marc Y. Lachapelle, Guy Drouin
[9] Bio med central
[10] Royal Society
[11] Bio med central
[12] PLOS
[13] Pubmed
[14] NCBI
[15] Talk Origins
[16] Pubmed
[17] Google.Docs
[18] PLOS

أدلة التطور: التطور السريع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

عندما يجد معارضو التطور أنفسهم محاصرين بأدلة دامغة على التطور، يلوحون بورقتهم الأخيرة، قائلين بأن التطور غير قابل للرصد أو التجربة. ويستنتجون من إدعائهم أن التطور لا يصمد أمام منهج العلم التجريبي. وعلى الرغم من أن هذا القول هو سوء فهم لآلية عمل العلم التجريبي، فعملية الرصد لا تعني بالضرورة أن نشهد كل شيء ونراه بأعيننا، ولكننا سنتغاضى عن هذا ونقدم لهم ما يبحثون عنه. نستعرض في مقال اليوم أمثلة من التطور السريع الذي لا يتطلب ملايين الأعوام لكي نرصده، فهل سيقرّون بحقيقة التطور؟

صراصير جزيرة كاواي

على جزيرة «كاواي-Kauai» (إحدى جزر هاواي)، اعتاد أن يعيش نوع من الصراصير يعتمد ذكوره على إصدار الضجيج كنداء للإناث باستخدام أجنحته. ولكن هناك مشكلة في ذلك السلوك، إذ أن هذا الضجيج لا يجذب الإناث وحسب، ولكنه يجذب أيضًا نوعًا من الذباب، الذي يصيب الصرصور بالطفيليات الآكلة للحم، والتي بدورها تتسبب في مقتل الصرصور بعد أسبوع.

حقوق الصورة: berkeley

ولكن قلب التطور موازين هذه المعادلة، حيث ظهر نوع جديد من ذكور تلك الصراصير بأجنحة مشابهة لأجنحة الإناث التي لا تصدر ضجيجًا. فأجنحة الذكور التي تصدر ضجيجًا تحتوي على أجزاء تشبه المكشطة والأسنان، وهذا هو ما يتسبب بالضجيج. ولكن النوع الجديد يمتلك أجنحة صامتة كتلك التي تمتلكها الإناث.

ونرى هنا أن الذكور من التي تصدر ضجيجًا ستحصل على فرصة أعلى في التزاوج والتكاثر من النوع الجديد، حيث ستستطيع أن تجذب الإناث بضجيجها. ولكن هذا سيكون صحيحًا فقط في حالة عدم وجود الذباب. فالصراصير ذات الأجنحة الصامتة لن تجذب انتباه الذباب وستتكاثر في مأمن من الطفيليات الآكلة للحم.

هذا ما حدث بالفعل، ففي عام 2003، أصبحت جزيرة كاواي تعج بالصراصير الصامتة. وعلى مدى 20 جيلًا فقط، أصبحت صراصير جزيرة كاواي كلها من النوع الصامت، وهذا يعد واحدًا من أقوى أمثلة التطور السريع. [1]

«العث المفلفل-Peppered moth»

في عام 1848، تم تسجيل اكتشاف أول عثة مفلفلة سوداء، حيث كان العث الفلفل أبيض اللون. إلا أن ما كان نادرًا في عام 1848 أصبح شائعًا على مدى ال 50 سنة التالية، حيث أصبح العث الأسود يشكل نسبة 98% من العث الموجود في مدن إنجلترا، فما السبب؟

كانت إنجلترا في ذلك الوقت تمر بما يعرف ب «الثورة الصناعية-Industrial revolution»، فكانت تبني المزيد من المصانع. واستخدمت المصانع الفحم كوقود لها، وهو ما تسبب بتصاعد كميات كبيرة من الدخان الأسود. وتسبب الدخان في كسوة الأشجار باللون الأسود، وهو ما أثّر على لون العث.

اعتقد العلماء في بادئ الأمر أن العث يغير لونه ليلائم لون الأشجار، أو أن لون العث قد تغير تأثرًا بالكيماويات الموجودة في الدخان. ولكن الأبحاث تظهر أن السبب كان جينيًا، فاللون الأسود كان نتيجة لطفرة في الحمض النووي لحشرة عث واحدة. مررت تلك الحشرة الطفرة لباقي نسل هذه العثة، ولكن لماذا انتشر العث الأسود على حساب العث الأبيض؟

العث الأسود. حقوق الصورة: the university of liverpool


يرجع تفسير هذا إلى الانتخاب الطبيعي، حيث أن اللون الأبيض لم يعد يوفر التمويه الكافي للنجاة بعد تغير لون الأشجار. حصل العث الأسود على فرصة أكبر في البقاء وبالتالي التكاثر.

ويستمر تطور العث حتى اليوم، ففي آخر 50 عامًا، قل التلوث في معظم الدول الصناعية بشكل كبير. وكما تتنبأ نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي لداروين، أصبحت أعداد العث الأسود في تناقص مع نقص التلوث في الغابات. [2] ولأن قوة النظريات العلمية تكمن في قدرتها على التنبؤ، تزداد قوة نظرية التطور مع كل حالة تنبؤية ناجحة.

سحالي بود مركارو

في عام 1971، نقل بعض العلماء 5 أزواج من «سحالي الحائط الإيطالية-Italian wall lizards» من جزيرة Pod kopiste إلى جزيرة Pod Mrcaru، علمًا بأن جزيرة Pod Mrcaru كانت تحتوي على مجتمعها الخاص من السحالي. وبعد 36 عام (أي ما يُعادل 30 جيلًا من السحالي)، عاد العلماء إلى الجزيرة ليجدوها ممتلئة بالسحالي.

ليس هذا ما يثير الدهشة، وإنما التحليل الجيني لهذه السحالي الذي أظهر أنها تنحدر من ال 10 سحالي التي تركها العلماء سابقًا. حيث اختفى السحالي الأصلية الساكنة للجزيرة. وهنا تأتي المفاجأة، حيث استطاعت السحالي التي تركها العلماء تطوير صفات يتطلب تطويرها ملايين السنين في 36 عامًا فقط.

أصبحت السحالي الجديدة تتغذى على النباتات (بعد أن كان مصدر الغذاء الرئيسي لها هو الحشرات). كما امتلكت عضة أقوى، ورؤوسًا أطول وأعرض. ليس هذا وحسب، بل طوّرت ما يُعرف ب «الصمام اللفائفي الأعوري-Ileocecal valve»، وهي عضلة تفصل بين الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة لتساعد السحالي على إبطاء عملية الهضم لتحويل السليلوز الموجود في النباتات إلى أحماض دهنية متطايرة.

حقوق الصورة: google sites

كل هذا في 36 عامًا فقط! لقد كانت هذه النتائج صادمة، فهي تُبرز قوة التطور وقدرته على إحداث تغيرات كبيرة في فترات زمنية قصيرة. كما أنها من أقوى أمثلة التطور السريع. [3]

ذكرنا في هذا المقال بعض الأمثلة على التطور السريع، ونقول “بعض” لأن هذه الأمثلة ليست الوحيدة. هناك الكثير والكثير من المرات التي حدث فيها التطور في مدى زمني قصير. كتبنا مقالًا سابقًا عن أمثلة للتطور في المعامل، فأدلة التطور أكثر بكثير من أن تُحصى في مقال أو حتى كتاب. اخترنا هنا فقط أبرز الأدلة وأكثرها انتشارًا وأسهلها شرحًا وقابلية للتوضيح.

المصادر

[1] berkeley
[2] ask a biologist
[3] national geographic

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل

هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

كثيرًا ما يثير معارضو التطور تساؤل “لماذا لا نشاهد التطور يحدث الآن؟”، وغالبًا ما تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن التطور يحدث على مدى أجيال كثيرة وفترات زمنية طويلة. هذه إجابة صحيحة، إلا أنها غير مكتملة. فالتجارب المعملية أثبتت مرارًا وتكرارًا أن التطور قابل للرصد، وأصبح بمقدورنا مشاهدة التطور في المعامل. تعالوا معنا نستعرض بعضًا من هذه التجارب.

بكتيريا E.coli

في عام 1988، قام عدد من الباحثين من «جامعة ولاية ميتشيجن-Michigan state university» بعمل تجربة على 12 مجموعة من البكتيريا من نوع “Escherichia coli”. قاموا بوضع ال 12 مجموعة في بيئة تحتوي على القليل من ال «جلوكوز-Glucose» و«السترات-Citrate»، وهي مادة لا تستطيع بكتيريا ال E.coli الاستفادة منها غذائيًا في الظروف الطبيعية. وتكاثرت مجموعات البكتيريا في هذه البيئة لآلاف من الأجيال، إلى أن حدثت المفاجأة!

اكتسب الجيل رقم 31,500 قدرة على التمثيل الغذائي للسترات، وهو أمر يدعو للدهشة. إذ يتعرّف العلماء على بكتيريا E.coli عن طريق فشلها في التمثيل الغذائي للسترات، فهي صفة مميزة لها. إلا أن تلك الصفة تطورت لدى فرد واحد، خلية واحدة، من ال 12 مجموعة التي أُجريت عليها التجربة. نجح ذلك الفرد بسبب البيئة الغنية بالسترات في الانقسام الانتشار إلى أن أصبحت صفة لجماعة من البكتيريا. تعد هذه التجربة واحدة من المرات التي استطعنا فيها مشاهدة التطور بأنفسنا في المعامل واختباره. [1]

ذباب الفاكهة تحت تأثير الجفاف

في تجربة علمية، تعرضت 5 مجموعات من ذباب “Drosophila melanogaster” المعروف في اللغة الدارجة باسم «ذباب الفاكهة-Fruit flies» للجفاف لما يزيد عن 200 جيل. نتج ذلك الجفاف عن زيادة في قدرات الذباب على النجاة من تأثيرات الجفاف القاتلة. بالإضافة إلى تطور بعض الصفات الفسيولوجية، مثل تفضيلها لتخزين الكربوهيدرات، وقلة مخزونها الاحتياطي من الدهون، وزيادة ملحوظة في حجم الدم. أدت تلك التغيرات إلى زيادة محتوى الصوديوم والكلورين خارج خلاياها، وتُعد هذه الصفات مميزة إذا ما قورنت بباقي أفراد بني جنسها.

وها نحن ذا نشاهد مرة أخرى كيف أكسب التطور صفات جديدة لجنس محدد، ليتناسب مع بيئته. وأيضًا تمكنا من مشاهدة التطور في المعامل. [2]

ذباب الفاكهة في الظلام

في 11 نوفمبر لعام 1954، قام عالم البيئة الياباني “سيوتي موري -Syuiti Mori” بتغطية مستعمرة من ذباب الفاكهة بقطعة من القماش الداكن. أطلق موري بذلك واحدة من أطول تجارب علم الأحياء التطوري.

وبعد 61 عام (أي بعد 1,500 جيل)، تعرّف الباحثون على عدد كبير من التغيرات والتنوعات الجينية التي قد تساعد نسل الذباب (الذي أُجري عليه التجربة عام 1954) على مواكبة الحياة في الظلام.

طوّرت هذه المجموعة صفات جديدة لتساعدها على التعايش مع بيئتها المظلمة الجديدة. إذ أصبحت تمتلك شعيرات رأس أطول (مقارنة بذباب الفاكهة العاديّ)، علمًا بأن ذباب الفاكهة يستخدم هذه الشعيرات كحسّاسات لمصادر الضوء. كما امتلكت حاسة شم أقوى، وأظهرت تفوّقًا ملحوظًا في العثور على شريك جنسي في الظلام مقارنة بأنواع الذباب العاديّة.

إلا أنها احتفظت ببعض صفات أسلافها، فعلى الرغم من حياتها في الظلام إلا أنها ما زالت تنجذب ناحية الضوء. كما حافظت على «دورتها اليومية-Circadian cycle» وهي الدورة المسئولة عن تحديد مواعيد النوم والاستيقاظ.

وهذه الصفات المكتسبة لدى «ذباب الظلام-Dark flies» دليل على التطور، حيث ساقت الظروف البيئية الجديدة ذباب الفاكهة لتطوير صفات جديدة لتتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وهذه التجربة توضح لنا كيف نستطيع مشاهدة التطور في المعامل. [3]

المصادر

[1] PNAS
[2] Oxford
[3] Nature

الأدلة على التطور من علم الأجنة

هذه المقالة هي الجزء 2 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

يهتم «علم الأجنة-Embryology» بدراسة مراحل تكوّن أجنة الكائنات الحية ودراسة تحولاتها أثناء تلك المراحل [1]. ويقدّم علم الأجنة أدلة قوية دامغة على التطور، ولعل من أوائل من حاولوا الربط بين فكرة التطور وعلم الأجنة هو العالم الألماني «إرنست هيكل-Ernst Heackel». رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه مشابهة لأسلافه في مرحلة البلوغ. عرف هذا ب«التلخيص-Recapitulation»، وهذا لأن الجنين – وفقًا لرأي هيكل – يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه [2]. إلا أن هذه الفكرة ليست صحيحة علميًا، فنحن لا نرى مثلًا أجنة الحيوانات البريّة تشابه الأسماك البالغة في أي من مراحل تكوّنها (علمًا بأن الحيوانات البرية تطورت من الأسماك). ولكن لا تؤثر فرضية هيكل لا على نظرية التطور ولا علم الأجنة، ويبقى علم الأجنة محافظًا على موقعه كأحد أقوى فروع العلوم الداعمة للتطور. يُدرس علم الأجنة لطلاب الطب والمتخصصين في النساء والتوليد في كل كليات الطب في العالم تمامًا كما هي نظرية التطور. فتعالوا معنا نتعرف على الأدلة على التطور من علم الأجنة.

كيف يدل علم الأجنة على التطور؟

هل تساءلت يومًا عن سر وحدة مراحل تكوّن الجنين البشري على سبيل المثال؟ فمراحل تكوّن الجنين واحدة لدى جميع الأجنة البشرية، ولكن ما السر وراء هذا؟

تكمن الإجابة في أننا لا نرث من آبائنا وأمهاتنا الصفات الوراثية فحسب، بل نرث منهم كذلك مراحل التكوين. فالجينات تحمل التعليمات والإرشادات التي تقود الجنين للتحول من مجرّد خلية حية إلى كائن مكتمل النمو [3]. وبناء على ذلك، إذا افترضنا تطوّر الكائنات الحية من أنواع أخرى، فيجب أن نرى تكوّن بِنىً جنينية مشتركة بين الكائنات وأسلافها. على سبيل المثال، إذا قلنا أن الحيوانات الأرضية تطورّت من الأسماك، فيجب أن نرى بِنىً جنينية سمكية تتكون لدى أجنة الحيوانات الأرضية (لأنها تحمل الجينات الحاملة لتعليمات تكوين أجنة الأسماك). قد تبدو فكرة غريبة، ولكن تعالوا لنرى الأدلة.

ذيل الإنسان

تمتلك معظم الثدييات ذيولًا تساعدها على التوازن أثناء الحركة، إلا أن البشر عندما اكتسبوا صفة المشي المنتصب فقدوا الحاجة إلى وجود ذيل. وها نحن ذا لا نرى ذيولًا في أجسامنا، ولكن هل نحن حقًا بلا ذيول؟

أثناء الأسبوعين الرابع والخامس من عمر الجنين البشري نلاحظ امتلاك الأجنة البشرية لذيول يبلغ طولها 1/6 طول جسم الجنين. كما نلاحظ أن هذه الذيول تحتوي على عدد من الفقرات يتراوح ما بين 10 و 12 فقرة. إلا أنه بحلول الأسبوع الثامن يبدأ الجنين في فقدان هذا الذيل تدريجيًا ليضمر ويتحول إلى «العصعص-Coccyx» وهو عبارة عن ذيل ضامر. [4]

فها نحن ذا نرى بِنية جنينية ورثنا تعليمات تكوينها من أقاربنا من الثدييات ذات الذيول.

حقوق الصورة: quizlet

«الشقوق الخيشومية-Gill slits»

تمتلك الأجنة البشرية وغيرها من أجنة الفقاريات التي لا تعيش في المياه في بداية مراحل تكوّنها بِنىً تُعرف ب «الشقوق الخيشومية-Gill slits». وهي البِنى التي تتطور وتنمو في أجنة الأسماك لتصبح خياشيمًا تساعدها على التنفس. وعلى الرغم من عدم تنفس الإنسان والحيوانات غير المائية بواسطة الخياشيم إلا أن أجنتها ما زالت تحمل هذه الشقوق الخيشومية كبصمة تدلنا على أسلافنا السمكية. [5]

ولكن هذه الشقوق الخيشومية لا تنمو لتصير خياشيمًا في الثدييات. فكما نرى، لا تستخدم الحيوانات غير المائية الخياشيم في التنفس، فإلى ماذا تتحول هذه الشقوق؟

تنشأ من الشقوق الخيشومية لدى الأجنة البشرية وغيرها من الثدييات تراكيبًا مختلفة كالفك، و«عظام الأذن الداخلية-Inner ear bones» التي تلعب دورًا حيويًا في قدرتنا على السمع. [6]

حقوق الصورة: anatomy book

أرجل الثعابين

على الرغم من كون الثعابين تزحف على بطنها للحركة، إلا أنها مُصنّفة ضمن «رباعيات الأطراف-Tetrapods». وهي الحيوانات التي تمتلك أربعة أطراف، ولكن كيف لنا أن نضعها في هذا التصنيف على الرغم من عدم امتلاك الثعابين لأية أطراف سواء أمامية أو خلفية؟

أحد الأسباب هو أن أجنة الثعابين تمتلك براعم أطراف في أول 24 ساعة من تكوّنها. فعلى سبيل المثال، تنمو لأجنة «الأصلات-Pythons» في ذلك الوقت القصير عظام أطراف خلفية مثل «عظمة الفخذ-Femur»، و«قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». لا تنمو عظام الأطراف بما يكفي لتصير أطرافًا مكتملة النمو، فسرعان ما تبدأ في التحلل. [7]

حقوق الصورة: livescience


وجدير بالذكر هنا أن الأصلات البالغة بالفعل تمتلك عظام أرجل ضامرة مدفونة في العضلات الموجودة بالقرب من نهاية ذيلها. فهي أحد الأعضاء الضامرة التي تدل هي أيضًا على التطور. [8]

وهو ما يشير إلى تطوّر الثعابين من رباعيات الأطراف، حيث أنها ما زالت تحمل تعليمات لتكوين الأطراف على الرغم من أنها تزحف على بطنها، وهذا يعد واحدًا من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة.

أصابع الأحصنة

تمتلك رباعيات الأطراف خمسة أصابع في أطرافها، ولكن إذا نظرنا إلى حيوان مثل الحصان (وهو رباعي الأطراف) وجدناه يمتلك إصبعًا واحدًا. فهل هو فعلا إصبع واحد؟ لنتتبع مسار نموه الجنيني لنرى!

يبدأ الحصان بامتلاك خمسة أصابع في أطرافه، إلا أن الإصبع الأول يلتحم مع الإصبع الثاني. كما يلتحم الإصبع الرابع مع الخامس، ليكوّن كل زوج من هذه الأصابع الملتحمة «عظمة جبيرة-Splint bone». ثم يكمل الإصبع الثالث (الأوسط) نموه ليكون هو الحافر. وهنا يأتي السؤال المهم، لماذا يبدأ جنين الحصان بنمو خمسة أصابع إن كان سينتهي بإصبع واحد؟

لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في ضوء تطور الحصان من رباعيات أطراف كانت تمتلك خمسة أصابع. [9] وهذا ما يكسب نظرية التطور قوتها كأي نظرية علمية، وهو قدرتها التفسيرية والتنبؤية.

حقوق الصورة: whyevolutionistrue

جماجم الطيور والديناصورات

بتنا نعلم أن الطيور تطورت من ديناصورات، ولكن تقع هنا مشكلة، حيث أنه عند فحص أحافير الديناصورات، نجد امتلاك الديناصور لعظمتين في جمجمته هما «العظمة الأمامجَبهِية-Prefrontal bone»، و«العظمة الخلفمِحجَرية-Postorbital bone». هاتان العظمتان لا وجود لهما في جماجم الطيور الحديثة، فأين ذهبت هذه العظام؟

عند فحص أجنة الطيور سنجد هاتين العظمتين في جماجم أجنة الطيور، إلا أنهما تلتحمان مع عظام الجمجمة الأخرى لتكوين العظام الأنفية والجبهية. كما أن التحام هاتان العظمتان بعظام الجمجمة الأخرى سمح بزيادة حجم العينين وزيادة حجم أدمغة هذه الطيور. [10]

ويُعد نمو هاتين العظمتين لدى أجنة الطيور أثرًا يمكننا الاستدلال به على تطور الطيور من الديناصورات. إذ أن الديناصورات قد أورثت الطيور الجينات المسئولة عن تكوين هاتين العظمتين أثناء مرحلة النمو الجنيني.

أصابع الطيور

تختلف الطيور عن الفقاريات في عدد الأصابع حيث تمتلك الطيور في أجنحتها ثلاثة أصابع، إلا أنها كرباعيات أطراف (الفئة التي تنتمي الطيور إليها) هي امتلاك خمسة أصابع. فكيف هذا؟

عند فحص أجنة الطيور نجد أن أصابعها في بداية نموها تكون خمسة أصابع. ثم تبدأ هذه الأصابع في الالتحام مع بعضها البعض لتصير ثلاثة بدلًا من خمسة. فالثلاثة أصابع الموجودة في أجنحة الطيور هي عبارة عن خمسة أصابع ملتحمة مع بعضها البعض. هذا أيضًا واحد من أقوى الأدلة على التطور من علم الأجنة [11]

عضلات الزواحف في جسم الإنسان

تمتلك الزواحف في أيديها عضلات تُدعى “Dorsometacarpales”. وقد اكتشف نمو هذه العضلة في أيادي الأجنة البشرية، ولكنها سرعان ما تختفي أو تلتحم مع عضلات أخرى. يدل هذا على انحدار الثدييات (ونحن منهم) من الزواحف، حيث ورثنا منهم الجينات التي تعطي الأوامر والتعليمات للسماح بنمو هذه العضلة في أيدي الأجنة البشرية على الرغم من عدم وجودها لدى البشر البالغين. [12]

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3] University of Leicester
[4] NCBI
[5] britannica
[6] Lumen learning
[7] Livescience
[8] American Museum Of Natural History
[9] Royal Society
[10] Nature
[11] Genome Biology
[12] Livescience

أدلة التطور: الأعضاء الضامرة

هذه المقالة هي الجزء 6 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد أن تعرفنا في الجزء السابق من هذه السلسلة على بعض من أدلة التطور التشريحية، سنستعرض اليوم نوعًا آخر من أدلة التطور التي يمكننا أن نراها بأعيننا في أنفسنا، وهي الأعضاء الضامرة.

تعريف الأعضاء الضامرة

وفقًا لموقع (biologyonline)، فإن «الأعضاء الضامرة-Vestigial organs» هي أعضاء موجودة في جسم الكائن الحي فاقدة لوظيفتها أو تقوم بوظيفة أخرى غير وظيفتها الرئيسية [1]، ولكن من أين لنا أن نعرف الوظيفة الأصلية لهذه الأعضاء لكي نحدد أن وظيفتها قد تغيرت؟

نستطيع معرفة الوظيفة الأصلية للأعضاء الضامرة عن طريق مقارنتها تشريحيًا ووظيفيًا بالأعضاء المشابهة في الكائنات الأخرى، وبناء عليه يمكننا تحديد ما إذا كان العضو ضامرًا أم لا، لنستعرض أمثلة للتوضيح.

طيور لا تطير

جميعنا نعلم أن وظيفة الأجنحة عند الطيور هي الطيران، ولكن ماذا إن كان الطائر لا يطير؟ فما فائدة الأجنحة في هذه الحالة؟

ولكي نطبق ما ذكرناه سابقًا، سنقوم بالمقارنة بين وظائف هذه التراكيب والأعضاء وبين الأعضاء المشابهة لها في الكائنات الأخرى لنرى ما إذا كانت ضامرة أم لا، وما دلالة هذا الضمور؟

النعام

قد تنمو النعامة ليصل طولها إلى 2.5 متر، ويزيد وزنها عن 135 كيلوجرام، وتستطيع الجري بسرعة 72 كم/ساعة، إلا أنها لا تستطيع الطيران. فأجنحة النعامة صغيرة نسبيًا مقارنة بحجم جسدها [2]، كما أن تلك الأجنحة أضعف من أن ترفع النعامة ذات الوزن الثقيل عن الأرض. إلا أن النعامة قامت بتوظيف أجنحتها في أشياء أخرى، كاستخدامها للتظليل على بيضها الكبير نسبيًا. تبقى وظيفة الأجنحة في الطيور الأخرى الطيران، وليست التظليل على البيض أو الحفاظ على التوازن أثناء الجري.

البطريق

تُعد البطاريق من الطيور التي لا تطير، حيث تمتلك ريشًا ومناقيرًا وأجنحة كذلك. لكن لا تستخدم البطاريق أجنحتها في الطيران، وإنما تستخدمها في السباحة أثناء الصيد.

ونلاحظ من الصورة السابقة أنه على الرغم من التشابه الوظيفي بين أجنحة الطيور وزعانف الأسماك (كلاهما يُستخدم في السباحة) إلا أنها لا تتشارك نفس التشريح الداخلي مع الزعانف. ولكن تتبع النمط الذي ناقشناه في الجزء السابق المكون من عظمة، ثم عظمتين، ثم عدد من العظام، ثم الأصابع. يدل هذا على أن الأطراف الأمامية للبطاريق هي أجنحة ضامرة. [2] , [3]

«الإيمو-Emu»

قد تبلغ طيور الإيمو ارتفاع 1.8 متر، ووزنًا يقارب ال 50 كيلوجرام، إلا أنه أجنحتها صغيرة جدًا لتمكينها من الطيران. فأجنحة طائر الإيمو تبلغ من الطول 20 سم فقط، أي أن أجنحتها تكاد لا تكون ظاهرة من الأساس.

ويستخدم طائر الإيمو أجنحته هذه في الرفرفة أثناء الجري ليوازن جسده، ولكن كما ذكرنا مسبقًا أن الوظيفة الأصلية للأجنحة هي الطيران. وبالتالي فأجنحة الإيمو تُعد من الأعضاء الضامرة. [4]

«الكاكابو-Kakapo»

الكاكابو هو النوع الوحيد من الببغاوات غير القادرة على الطيران، فأجنحتها القصيرة لا تقدر على حملها، وإنما تستخدمها للتوازن. كما تمتلك الكاكابو ريشًا ناعمًا مقارنة بالطيور الأخرى، فهي لا تحتاج الريش القوي الذي يمكّن الطيور من الطيران.

وكما لاحظت، فلم نذهب بعيدًا لمقارنة ببغاء الكاكابو بطيور أخرى، وإنما قمنا بمقارنته بأبناء نوعه من الببغاوات. وتبينّا من هذا أن أجنحة الكاكابو من الأعضاء الضامرة. [5]

«غاق الجالاباجوس-Flightless cormorant»

مقارنة بأنواع طيور الغاق الأخرى، يُعد غاق الجالاباجوس أثقلهم وزنًا، وكذلك النوع الوحيد الذي لا يطير من بين 29 نوع. وتمتلك أجنحة ضامرة بثلث حجم الجناح الذي يحتاجه غاق الجالاباجوس ليتمكن من الطيران. أدى الانتخاب الطبيعي لضمور هذه الأجنحة نظرًا لعدم وجود عدد كبير من المفترسات الأرضية في بيئته، فاختار الانتخاب الطبيعي الطيور السبّاحة لتمرير جيناتها. ولكن هل يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة؟

لا يستخدم غاق الجالاباجوس أجنحته في السباحة حتى، وإنما يضمهم إلى جانبيه ويستخدم أرجله في الدفع تحت الماء.

في الطيور المائية، تُغطى الأجنحة بطبقة من الزيت لتشكل طبقة عازلة بين الريش وبين الماء. تعمل تلك الطبقة العازلة على الحفاظ على مرونة الريش وعدم انكساره. إلا أن أجنحة غاق الجالاباجوس لا تنتج ما يكفي من الزيت لحماية أجنحته من الماء، ولهذا يقوم بفرد أجنحته بعد السباحة للاعتماد على أشعة الشمس في تجفيف أجنحته. [6]

وكما نرى فأجنحة غاق الجالاباجوس ليس لها أي فائدة تُذكر، بل إنها حتى قد تشكل عائقًا له. مما يجعل من أجنحة غاق الجالاباجوس عضوًا ضامرًا بامتياز.

ذيل الإنسان

تستخدم معظم الثدييات ذيولها من أجل التوزان أثناء الحركة، ولكن بعد أن تعلمنا السير على قدمين فقد الذيل وظيفته، فضمر وأصبح ما يُعرف الآن ب «العصعص-Coccyx». مما يعني أن العصعص عبارة عن ذيل ضامر. [7]


وتتصل بعض «عضلات القاع الحوضي-Pelvic floor muscles» بالعصعص، إلا أن هذه العضلات تمتلك «نقاط اتصال-Attachement points» أقوى من نقطة اتصالها مع العصعص، وعلى أي حال فإن الوظيفة الأساسية للذيل هي التوازن، ولهذا يُعد العصعص من الأعضاء الضامرة.

الجفن الثالث

انظر إلى عينك في المرآة، هل ترى هذه النقطة الحمراء في الزاوية باتجاه أنفك؟

هذه هي بقايا ما يُعرف ب «الغشاء الناري-Nictitating membrane»، وهو شائع لدى الطيور وبعض الثدييات كجفن ثالث. يعمل الجفن الثالث عند الطيور كوسيلة حماية للعين ضد الرياح المحملة بالأتربة، لكنه لا يعمل لدى الإنسان. مما يعني أن الجفن الثالث عضو ضامر، حيث أنه لا يؤدي وظيفته الأصلية.

ولا يمكن تفسير وجود هذا الجزء في جسم الإنسان إلا في ضوء التطور من سلف مشترك بيننا وبين الكائنات التي ما زال الغشاء الناري محتفظًا فيها بوظيفته. [8]

«ضرس العقل-Wisdom tooth»

مع تطور الإنسان ونشوء الحضارة، تغير نظامه الغذائي، فاتجه إلى استهلاك الأطعمة الناعمة الطرية بدلًا من الأطعمة الصلبة والنيئة التي كان يأكلها أسلافنا. وهو ما أدى إلى انعدام الحاجة إلى فك كبير وقوي. فتضاءل حجم فك الإنسان تدريجيًا، مما يجعل من ضرس العقل عضوًا ضامرًا، حيث أننا لم نعد بحاجة إليه. ولهذا يتسبب نمو ضرس العقل بالآلام وكافة أنواع المشاكل لبعض البالغين. كما يعتبر درس العقل دليلًا قويًا على تطور فك الإنسان وتغيره على مر الزمن. [8]

«العضلات الأذنية-Auricular muscles»

العضلات الأذنية هي التي تتضمن «عضلة الأذن الأمامية-Anterior auricular muscle»، و«عضلة الأذن العلوية-Superior auricular muscle»، و«عضلة الأذن الخلفية-Posterior auricular muscle». وتتحكم هذه العضلات الثلاث بحركة «صيوان الأذن-Ear penna» (الجزء الظاهر من الأذن). وتستخدم الثدييات هذه العضلات في تحريك آذانها لتحديد مواقع الأصوات أو للتعبير عن المشاعر، ولكن هذه العضلات بلا وظيفة في جسم الإنسان. حيث يستطيع الإنسان التعرف على مصادر الأصوات عن طريق تحريك رأسه. إلا أن بعض الناس يمكنهم تحريك آذانهم، فإن كنت منهم، فاعلم أن هذه بقايا تطورية من أسلافك القدامى. [8]

المصادر

[1] biologyonline
[2] britannica
[3] allaboutbirds
[4] nationalgeographic
[5] wired
[6] galapagos
[7] livescience
[8] britannica

الأدلة التشريحية على التطور

هذه المقالة هي الجزء 5 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

ما لبث أن نُشر كتاب أصل الأنواع لعالم الأحياء البريطاني «تشارلز داروين-Charles Darwin» في 24 نوفمبر عام 1859 حتى أثير الجدل حول أطروحات داروين في هذا الكتاب. واليوم تعد نظرية التطور إحدى أساسيات علم الأحياء، فالتطور حقيقة لا جدال فيها. قد تتغير بعض تفاصيل هذه الحقيقة كأي نظرية علمية، لكن صورتها الكلية المُفسرة لتباين الأنواع والفصائل هي الصورة العلمية الوحيدة المقبولة اليوم في الوسط العلمي. ويتبين لنا هذا من مجموعة ضخمة من الأدلة من مختلف فروع العلوم، ولهذا قمنا بتخصيص هذه السلسلة لعرض أدلة التطور المختلفة، واليوم سنناقش بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

ولكن لكي نرى هذه الأدلة التشريحية علينا أن نعرف ما هو العلم الذي يختص بهذا النوع من الأدلة.

«التشريح المقارن-Comparative anatomy»

وفقًا لتعريف الموسوعة البريطانية، فإن التشريح المقارن هو دراسة البِنى الجسدية للحيوانات المختلفة في سبيل معرفة المسار التطوري الذي سلكته في انحدارها من الأسلاف المشتركة [1]. وبناء عليه قام العلماء بتقسيم البِنى التشريحية المشتركة بين الكائنات الحية إلى قسمين، وهما «البِنى المتناددة-Homologous structures»، وهي البِنى التي تؤدي وظائف مختلفة في كائنات حية مختلفة ولكنها تمتلك تركيبة متشابهة، والقسم الثاني هو «البِنى المتماثلة-Analogous structures» وهي البِنى التي تؤدي وظائف متشابهة بين الكائنات الحية ولكنها تمتلك تراكيبًا مختلفة نظرًا لاختلاف المسلك التطوري لدى الكائنات المختلفة. [2]

والآن بعد أن عرفنا ما هو التشريح المقارن، لنستعرض بعضًا من الأدلة التشريحية على التطور.

الأطراف الأمامية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

تخيل معي عزيزي القارئ هذه البِنى المختلفة، زعنفة حوت، وجناح طائر، والأطراف الأمامية لكلب، وذراع إنسان.

تمتلك كل بنية من هذه البِنى وظائف هي أبعد ما تكون عن التشابه. فالحوت يستخدم زعانفه في السباحة، بينما تستخدم الطيور أجنحتها في الطيران، وتستخدم الكلاب أطرافها الأمامية في الحركة. بينما يستخدم الإنسان ذراعيه في الإمساك بالأشياء وحملها، إلا أن هذه البِنى المختلفة تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا!

أذرع كائنات حية مختلفة، كل لون يظهر عظمة معينة هي نفسها في كل الكائنات.

في الصورة المرفقة أعلاه يمكنك ملاحظة التشابه، حيث تتكون الأطراف الأمامية لهذه الكائنات الأربعة من عظمة كبيرة وهي عظمة «العضد-Humerus» (باللون البرتقالي)، ثم عظمتين وهما عظام «الساعد والزند-Radius and Ulna» (باللونين الأحمر والأبيض)، ثم عدد من العظام وهي عظام «الرسغ-Carpals» (باللون الأصفر)، ثم تنتهي ب «مشط اليد والأصابع-Metacarpals and Phalanges» (باللون البني)، وهو ما يدل على تطور هذه البِنى من بنية أبسط للأطراف الأمامية. [3]

ويمكنك ملاحظة أنه على الرغم من امتلاك وظائف مختلفة إلا أن هذه الأطراف الأمامية تمتلك نفس النمط التشريحي، وبالطبع هناك اختلافات لتساعد كل كائن على التكيف مع بيئته، فنرى أن عظام أصابع الحوت طويلة نسبيًا مقارنة بباقي الكائنات المذكورة لمساعدتها على السباحة.

الأطراف الخلفية للفقاريات كأحد الأدلة التشريحية على التطور

كما هو الحال مع الأطراف الأمامية للفقاريات، كذلك هي الأطراف الخلفية، فهي أيضًا تمتلك نمطًا تشريحيًا متشابهًا في كائنات مختلفة.

الأطراف الخلفية لكائنات حية مختلفة

وكما نلاحظ في الصورة أعلاه، فعلى الرغم من الاختلاف الظاهري لكل من الأطراف الخلفية للإنسان والشيمبانزي والكلاب والخِراف والأحصنة، إلا أنها تمتلك نمطًا يتكون من عظمة كبيرة وهي «عظمة الفخذ-Femur»، ثم عظمة في المنتصف وهي «الرضفة-Patella»، ثم عظمتين هما «قصبة الساق-Tibia»، و«القصبة الصغرى-Fibula». وكما قد تكون لاحظت فهي ليست متطابقة، إذ توجد اختلافات بينها لتناسب بيئتها، ولكنها في النهاية تتبع نمطًا موحدًا. [4]

«الفقرات العنقية – Cervical vertebrae» كأحد الأدلة التشريحية على التطور

أحد أكثر الأمور إثارة للدهشة هو عدد الفقرات العنقية في الثدييات، حيث تمتلك كل الثدييات نفس ال 7 فقرات عنقية مرتبة من الأعلى إلى الأسفل (C1, C2, C3, C4, C5, C6, C7)، وهذا الرقم ثابت سواء كان الحيوان الثديي حوتًا أو زرافة أو إنسانًا. فالزرافة البالغ طول عنقها 1.8 متر تمتلك نفس العدد من الفقرات في عنقها الذي يمتلكه الإنسان الذي يبلغ متوسط طول عنقه 12 سم. يشير هذا التشابه إلى وحدة الأصل الذي تتشاركه الثدييات، وما يمكننا اعتباره أحد الأدلة التشريحية على التطور. فالرقم ثابت مهما زاد طول العنق أو قصر. [5]

وتُعد كل من «حيوانات الكسلان-Sloths»، و«خِراف البحر-Mantees» هي الاستثناءات الوحيدة المعروفة لهذه القاعدة. فيمتلك حيوان الكسلان من 8 إلى 10 فقرات عنقية حسب النوع [6]، بينما لا يمتلك خروف البحر رقبة، حيث يمتلك 6 فقرات عنقية بدلًا من . ولهذا إن أراد أن يدير خروف البحر رأسه، عليه الدوران بجسده بأكمله. [7]

السلف المشترك للفقاريات

كما كنا قد ناقشنا في مقال سابق، فإن الخطوة الثانية من المنهج العلمي بعد المشاهدة هي وضع الفرضيات. ولأن الخطوة الثالثة هي التجربة لاختبار الفرضية، فهذا هو ما حدث مع نظرية التطور أيضًا.

كما نلاحظ من الأمثلة المذكورة أعلاه، هناك صفات تشريحية مشتركة بين الفقاريات (تحديدًا في الهيكل العظمي). تدفعنا تلك الصفات المشتركة لافتراض تطور هذه الفقاريات وانحدارها من سلف مشترك. فتقدم عالم الأحياء الإنجليزي «ريتشارد أوين-Richard Owen» برسم نموذج يوحّد هذه التراكيب المشتركة بين الفقاريات كنموذج أولي لها [8]. والجدير بالذكر أن ريتشارد أوين لم يكن من الداعمين لنظرية التطور، إلا أنه بهذا النموذج قدّم لنظرية التطور خدمة علمية مهمة. حيث اكتُشفت حفرية في الصين عام 1999 وهي حفرية «هايكوإكثيز-Haikouichthys» لسمكة عاشت من 530 مليون سنة في العصر الكامبري [9]. أظهرت الحفرية تشابهًا كبيرًا بينها وبين نموذج أوين، مما يجعلها أقدم الأسلاف المحتملة للفقاريات. [10]

نموذج أوين مقارنةً بالحفرية المكتشفة

المصادر

[1] britannica
[2] britannica
[3]the bones of the human and digits of fingers: britannica
[4] britannica
[5] britannica
[6] cambridge
[7] oceantoday
[8] jstor
[9] bbc
[10] fandom

لماذا تسمى نظرية التطور وليس قانون التطور؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

غالبًا ما نسمع السؤال الآتي: “لماذا لا يوجد قانون للتطور إن كانت حقيقة علمية لا جدال فيها؟” أو “نظرية التطور مجرد نظرية”، وهذا يشير إلى سوء فهم للغة العلمية، فدلالات كلمات مثل “نظرية” و”فرضية” و”قانون” تختلف في لغة العلم عن دلالتها في لغتنا الدارجة، تعالوا معنا نتعرّف على آلية عمل العلم.

كيف يعمل العلم؟

أول خطوة من خطوات المنهج العلمي هي «المشاهدة-Observation»، وهي ما نستخدم فيه الحواس مثل السمع والشم والبصر، بالطبع لا تعتمد كل طرق المشاهدة على الحواس البشرية بشكل مباشر، ولكن دعونا نفترض ذلك على سبيل التبسيط.

ثاني خطوات البحث العلمي هي تكوين «الفرضية-Hypothesis»، وهي ما نفترضه لتفسير المشاهدات التي نرصدها، وقد تكون الفرضية خاطئة، وهذا طبيعي، فالعلم يقوم على وضع الفرضيات واستبعاد الفرضيات الخاطئة للخروج بالتفسيرات الصحيحة، لنأخذ مثالًا:

استيقظت في ذات يوم وفتحت النافذة، فرأيت الضوء يدخل إلى غرفتك (مشاهدة)، فقمت بالتفكير ببعض التفسيرات الممكنة (وضع الفرضيات):
• هناك انفجار نووي في الخارج
• هناك مركبات فضائية
• هذا ضوء الشمس

وهنا يأتي دور الخطوة الثالثة في البحث العلمي وهي «التجربة-Experiment»، ويتم فيها التحقق من صحة الفرضيات الموضوعة، فتقوم بالخروج إلى شُرفتك، ولا تجد انفجارًا نوويًا، فيتم استبعاد الفرضية الأولى، ولا توجد مركبات فضائية، فيتم استبعاد الفرضية الثانية، ثم تنظر إلى الأعلى وترى الشمس، لذا فالفرضية الثالثة صحيحة.

وعند التحقق من عدد كبير من الفرضيات والقيام بالكثير من التجارب يمكننا تكوين النظرية العلمية، فالنظرية العلمية ليست مجرّد رأي، وإنما هي صرح ضخم من التفسيرات يقف على أساس كبير من التجارب والفرضيات والتنبؤات التي أثبتت صحتها مرات ومرات باستخدام المنهج العلمي.

إشكالات اللغة الدارجة واللغة العلمية

تكمن المشكلة في الفرق بين اللغة الدارجة التي نستخدمها في حياتنا بشكل يومي وبين اللغة المستخدمة داخل المعامل، ففي لغتنا الدارجة لا يوجد تفرقة بين مفهوم النظرية والفرضية، فتجد المتحدث يقول عن النظرية ما يُقال عن الفرضية، فتراه يرى شيئًا غير مألوف، فيقول “عندي نظرية تقول كذا”، وهذا القول في لغة العلم ما هو إلا مجرد فرضية تنتظر خطوة التجربة للتحقق من صحتها، ولا ترقى لتكون نظرية علمية.

نظرية التطور

يُساء استخدام لفظ “نظرية التطور” في كثير من الأحيان، فالتسمية الصحيحة هي “نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي”، حيث أن تطور الكائنات الحية حقيقة لا غبار عليها، ولكن نظرية داروين (الانتخاب الطبيعي) هي ما تفسّر هذه الحقيقة وتفسّر آلية عمل التطور، وقد وُجدت العديد من الفرضيات لتفسير تطور الكائنات الحية على مر التاريخ وتم تخطئتها وهو ما ناقشناه في مقال آخر يمكنك قراءته من هنا.

الفرق بين النظرية والقانون

يأتي السؤال غالبًا على النحو التالي: “لماذا توجد نظرية التطور ولا يوجد قانون التطور؟ إذا كانت حقيقية سيكون لها قانون مثل قانون الجاذبية”.

وهنا يجب علينا التفرقة بين معنى القانون العلمي وبين معنى الحقيقة، فالجاذبية ليست قانونًا وحسب، بل هي قانون ونظرية، وهذا لا يجب أن يثير الدهشة، فالقانون العلمي يختلف تمامًا عن النظرية العلمية في المفهوم والوظيفة، دعونا نوضّح.


القانون العلمي هو علاقة (رياضية في الغالب) تصف آلية حدوث ظاهرة طبيعية ما، بينما النظرية معنية بتفسير هذه الظاهرة وبيان أسباب حدوثها، القانون يخبرنا بكيفية الحدوث، بينما النظرية تخبرنا بسبب الحدوث، لنأخذ مثالًا:

إذا أسقطت القلم من يدك، سيسقط على الأرض بفعل الجاذبية، وهنا يأتي دور قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن ليصف سرعة سقوط القلم باتجاه الأرض.

ولكن القانون لا يخبرنا بسبب سقوط القلم، وهنا يأتي دور نظرية الجاذبية، وهو شيء تطوّر على مدى قرون طويلة، حتى وصلنا إلى نظرية النسبية التي وضعها أينشتاين لتفسير سقوط الأجسام باتجاه بعضها البعض.

ومما يبدو جليًا، فاللغة العلمية تختلف عن لغتنا التي نستخدمها يوميًا، ولا يجب علينا الحكم على المفاهيم العلمية باللغة الدارجة، فدلالات اللفظ الواحد تختلف بين اللغتين.

المصادر

brittanica
brittanica
livescience
livescience

كيف تطور البشر من الأسماك؟

كيف تطور البشر من الأسماك؟

من المستحيل أن نحدد بيقين بنسبة 100٪ ما هي الأنواع الأحفورية التي تقول لنا من هم أسلافنا المباشرين. هذا لأنه كلما عدنا بالزمن، قلّت عدد السمات الفريدة التي نتشاركها مع أعضاء سلالتنا. غالبًا ما يكون هناك أكثر من نوع واحد يعيش في نفس الوقت يمكن أن يكون مرتبطًا بأي سلف معين. مع ذلك، يمكننا تتبع أسلاف البشرية بدرجة عالية من الثقة من خلال الحفريات. وصولاً إلى الحفريات الأولى المسجلة منذ ما يقرب من أربعة مليارات سنة. في مقالنا سنتحدث عن أبحاث جديدة أكدت كيف تطور البشر من الأسماك؟ إذ بينّت مدى التشابه الكبير بيننا وبين أسلافنا من الأسماك! فهيا بنا لنعرف ما الحكاية…

ما الذي كان يُعتقد عن تطور البشر إلى أسماك؟

قديمًا، أعتقد الناس أن الرئتين والأطراف هي ابتكارات رئيسة جاءت مع انتقال الفقاريات من الماء إلى اليابسة. لكن في الحقيقة، إن الأساس الجيني لتنفس الهواء وحركة الأطراف كان موجودًا في سلفنا من الأسماك قبل 50 مليون سنة. وذلك وفقًا للخرائط الأخيرة للجينوم من الأسماك البدائية التي أجرتها جامعة كوبنهاغن، ولكن الدراسة الجديدة تُغير فهمنا لتاريخنا التطوري.

كان الفهم الشائع أنه منذ حوالي 370 مليون سنة كانت هناك حيوانات بدائية تشبه السحالي عُرفت باسم «رباعيات الأرجل». وطبقًا لذلك الفهم، وضح العلماء أن أسلافنا من الأسماك خرجوا من الماء إلى اليابسة عن طريق تحول زعانفهم إلى أطراف وتحول التنفس تحت الماء إلى تنفس الهواء.

أبحاث جينومية حديثة.. تشير لمدى التشابه

أجرت جامعة كوبنهاغن بحثًا أشار إلى أن تطور الجينات للأسلاف ربما يكون قد ساهم في انتقال الفقاريات من الماء إلى الأرض. إذ يُعتبر الانتقال من الماء إلى الأرض معلمًا رئيسًا في تاريخنا التطوري، إن المفتاح لفهم كيفية حدوث هذا الانتقال هو الكشف عن متى وكيف تطورت الرئتان والأطراف. نحن الآن قادرون على إثبات أن الأساس الجيني وراء هذه الوظائف البيولوجية، قد حدث قبل ذلك بكثير قبل وصول الحيوانات الأولى إلى الشاطئ.

أسماك قديمة تملك مفتاح الإجابة

هنالك أسماك قديمة تملك المفتاح لشرح كيف يمكن لرباعيات الأرجل أن تنمو لها أطراف وتتتفس في الهواء. هناك أسماك «bichir». تعيش في المياه العذبة الضحلة في إفريقيا. تحمل هذه الأسماك سمات ربما كانت لدى أسلافنا الأوائل من الأسماك منذ أكثر من 420 مليون سنة. نفس تلك السمات موجودة في البشر، إذ وجد الباحثون أن الجينات اللازمة لتطور الرئيتين والأطراف قد ظهرت في هذه الأنواع البدائية.

يمكن للـ«bichir» أن يتحرك على الأرض باستخدام الزعانف الصدرية بطريقة مشابهة لرباعيات الأرجل. يعتقد الباحثون منذ عدة سنوات أن الزعانف الصدرية في «bichir» تمثل الزعانف التي كانت لدى الأسماك الأوائل.

خرائط الجينوم

أظهرت خرائط الجينوم الجديدة أن المفصّل الذي يربط عظم «الميتاتيريجيوم_Metapterygium» بالعظام الشعاعية في الزعنفة الصدرية في «bichir» يتشابه مع المفاصيل الزليليّة في البشر -هي المفاصل التي تربط بين عظام الذراع والساعد-.

حيث أن تسلسل الحمض النووي الذي يتحكم في تكوين مفاصلنا الزليلية موجودًا في الأسماك البدائية وفي الفقاريات الأرضية. إذ فُقد تسلسل الحمض النووي والمفصل الزليلي في مرحلة معينة في جميع الأسماك العظمية الشائعة- ما تُسمى بـ «Teleosts».

بالإضافة إلى ما ذكرناه، فإن أسماك «bichir» وبعض الأسماك البدائية لديها زوجان من الرئتين يشبهان تشريحنا. إذ كشفت الدراسة الجديدة أن الرئتين في كل من «bichir» والتمساح تعملان أيضًا بطريقة مشابهة ونفس مجموعة الجينات برئة الإنسان.

تنبؤ داروين

أوضحت دراسة أن أنسجة كل من الرئة والمثانة الهوائية -هي عبارة عن عضو مملوء بالغاز يجعل للأسماك قدرة على التحكم في طفوها- لمعظم الأسماك متشتبهة جينيًا، مما يؤكد أنها أعضاء متجانسة كما تنبأ داروين. إذ أنه بينما اقترح داروين أن المثانات الهوائية تحولت إلى رئتين. أشارت دراسة إلى أن المثانات الهوائية قد تطورت من الرئتين، وأن أسلافنا من الأسماك العظمية المبكرة كانوا لديهم رئات وظيفية بدائية.

حافظ التطور على وظائف الرئة الأكثر تكيفًا مع تنفس الهواء وأدي في النهاية إلى تطور فئة من رباعيات الأرجل، وقامت الفئة الأخرى من الأسماك بتعديل بنية الرئة والتطور مع المثانات الهوائية، مما أدى لتطور «Teleosts». فتسمح المثانات الهوائية لهذه الأسماك بالحفاظ على طفوها والعيش بشكل أفضل تحت الماء.

ليست الأطراف والرئتين فقط كذلك القلب!

تشترك الأسماك البدائية والبشر في وظيفة مشتركة وهي في الجهاز القلبي التنفسي:

المخروط الشرياني، وهي بنية في البطين الأيمن من قلبنا وتسمح للقلب بإيصال الاكسجين بكفاءة إلى الجسم كله، ووجدت أيضًا في «bichir».

اكتشف الباحثون عنصرًا وراثيًا وهو من المحتمل المتحكم في تطور المخروط الشرياني، وأظهرت التجارب المعدلة وراثيًا على الفئران عند إزالة الباحثون هذا العنصر الجيني، تموت الفئران المتحورة، وذلك بسبب البطين الأيمن الأصغر والأرق، مما أدى إلى عيوب خلقية في القلب وضعف وظائف القلب.


كيف نجت الأسماك برئتين؟

تنتمي الأكثرية من أنواع الأسماك الموجودة إلى الأسماك شعاعية الزعانف، وهي فئة فرعية من الأسماك العظمية. وتكون ذات خياشيم وزعانف ومثانة.

تُعرف المجموعات الأرضية من الفقاريات باسم «رباعيات الأرجل» كما ذكرنا. تشمل جميع الفقاريات التي انحدرت من الحيوانات الأولى التي تكيفت مع الحياة على وجه الأرض من خلال تطوير أربعة أطراف ورئتين، وذلك يعني جميع الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات.

فيرى الباحثون أن قدرة تنفس الهواء في الأسماك البدائية سمحت لهم بالبقاء في فترة الانقراض الجماعي الثاني 375-360 مليون سنة. في هذا الوقت، قد تسبب استنفاذ الأكسجين في محيطات الأرض في القضاء على غالبية الأنواع، بينما سمحت الرئتان للأسماك البقاء والهروب من الانقراض!

توضح لنا الدراسة من أين أتت أعضاء أجسامنا وكيف يتم فك شفرات وظائف الجينوم. بالتالي، فإن بعض الوظائف المتعلقة بالرئة والأطراف لم تتطور في الوقت الذي حدث فيه الانتقال من الماء إلى الأرض. لكن تم بواسطة بعض الآليات التنظيمة للجينات القديمة التي كانت موجودة في أسلافنا. ومن المثير للاهتمام أن الشفرات الجينية لا تزال موجوده في هذه الأسماك الأحفورية الحية والتي تتيح الفرصة لتتبع جذور هذه الجينات.

اقرأ أيضًا: حتى الرياضيات تؤكد نظرية التطور

حتى الرياضيات تؤكد نظرية التطور!

تخيل أن عدد كبير من البشر يعيشون في جزيرة واحدة، وهناك فقط مجموعة صغيرة من الأشخاص على أيديهم بقعة سمراء، وتلك البقعة طفرة. قد تضيع تلك الطفرة إن لم تكن ميزتها قوية، ولكن إذا هاجر أولئك الأفراد الحاملين للطفرة؛ قد تكون الطفرة مفيدة وتنتشر وسط السكان وقد لا يحدث ذلك! [1]

يدرس علماء الأحياء البنية السكانية لفهم آلية توارث الجينات عبر العصور وعلاقتها بالتطور، وهذا هو صلب حديثنا ولكن دعنا عزيزي القارئ نتعرف على أحد الدعائم الرئيسة لدراسة البنية السكانية وربطها بالتطور -كي نثبت أنه حتى الرياضيات أكدت نظرية التطور- ألا وهو الانتقاء الطبيعي.[1]


الانتقاء الطبيعي

عام 1859م، صيغت لأول مرة نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي في كتاب داروين «حول أصل الأنواع». ووضح لنا الانتقاء الطبيعي هو أن الأفراد في المجتمع مختلفون وأن هذا الاختلاف عبّر عن أن بعض الأفراد لديهم سمات وراثية تجعلهم قادرون على التكيف وسط بيئة معينة وأن الأشخاص ذوي السمات التكيفية هم من لديهم القدرة على البقاء والتكاثر، وينقلون تلك الصفات للأجيال التالية وبمرور الوقت تصبح السمات المفيدة أكثر شيوعًا بين السكان.[2]

والانتقاء الطبيعي قادر على أكثر من ذلك، فمن الممكن أصلًا أن يدعم أنواعًا جديدة، وتُعرف هذه العملية بالتطور الكبير. حيث بيّنت لنا تحول الديناصورات إلى طيور والثدييات البرمائية إلى حيتان وأسلاف القردة إلى بشر! ولكن كيف يحدث ذلك؟ يؤدي أحد الأنواع إلى ظهور نوع جديد ومختلف تمامًا، وأصل حدوث ذلك هي الطفرات -هي تغير في بنية الجزئية للجينات-. قد تكون الطفرات عشوائية (ناتجة عن حدوث خطأ أثناء تكرار الخلايا خلال نسخ الحمض النووي) أو تحدث نتيجة للتعرض لكوارث بيئية أو إنسانية أو طبيعية كالمواد الكيميائيّة الضارة والاشعاع للنووي. يمكن أن تكون الطفرات ضارة أو محايدة أو مفيدة في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى سمة جديدة ومفيدة.[3]

الرياضيات إما أن تؤكد أو أن تنفي النظرية التطورية

زادت النماذج الرياضية للانتقاء الطبيعي التطور صعوبة. فقد تم نشر ورقة بحثية جديدة في مجلة «Communications Biology» لفريق متعدد التخصصات من علماء في النمسا والولايات المتحدة، حيث قاموا بتحديد طريقة محتملة للخروج من تلك المتاهة. لكن على صعيد آخر، كانت نتائجهم معارضة بعض الشيء لما يحدث في الطبيعة. في نهاية المطاف، فإن أبحاثهم مفيدة للغاية للباحثين في مجال التكنولوجيا الحيوية وغيرها من المجالات التي تحتاج لتدعيم الانتقاء الطبيعي.[1]

قد أشارت نتائج الدراسة إلى أن ظهور الطفرات المفيدة يجب أن ينتشر عبر السكان. لكن هذه النتيجة غير مضمونة، فيمكن للحوادث العشوائية والأمراض والمصائب أن تمحو تلك الطفرات بسهولة عندما تكون جديدة ونادرة.[3]

لم يكن لدى علماء الأحياء سوى أفكار غير مطبقة علميًا حول تأثير البنية السكانية على الانتقاء الطبيعي. هنا اتجه «مارتن نواك_Martin Nowak» للرسوم البيانية الرياضية، فقد تمثلت في البنية السكانية التي تمثل العلاقات الديناميكية بين مجموعات العناصر. تلك العناصر على رأس الهيكل وتصف الخطوط والحواف بين كل زوج من العناصر المرتبطة في نظرية الرسم البياني التطوري. حيث الكائنات الحية في القمة وبمرور الوقت يكون لدى كل فرد احتمالية إنجاب ذرية مماثلة -حاملة لنفس الصفات الوراثية لكل من الأب والأم ولا يوجد طفرة جديدة بالجيل-، والتي من الممكن أن تحل محل فرد على الرأس المجاور -كما في صورة بالأسفل-. كذلك تواجه مخاطر استبدالها ببعض الكائنات من الجيل التالي.[1]

يتم ربط هذه الاحتمالات في البنية كـ “أوزان” -ذات اللونين الأزرق والأحمر- واتجاهات في الخطوط بين الرؤوس. فالأوزان تمثل السلوكيات في المجتمعات الحية كـ “أن تعبر الارتباطات التي تزيد من احتمال عزل السلالات عن بقية السكان عن الهجرات”.[1]

محاكاة التطور في رسم بياني سكاني

أهنالك شكوك تحيط كل التأكيدات!

تم نشر ورقة بحثية في مجلة «Nature» عام 2005م، أظهر فيها نواك وزملاؤه مدى قوة بعض البنى السكانية. تلك التي يمكن أن تمنع أو تدعم تأثيرات الانتقاء الطبيعي، فعند وجود أفراد مختلفون أي يحملون طفرة معينة مميزة فأولئك لن يستطيعوا أن يحتلوا أماكن وسط المجتمع وتلك البنية بمثابة عائق للتطور أي لا ينشأ جيل جديد مختلف. أيضًا لا يكون هناك فئات أخرى بينها نسب مشترك، ولكن حدث العكس مع بنية اختبروها العلماء -هي التي تمثل شكل النجمة في الأسفل- ووضحوا أن هناك طفرات تنتشر بشكل فعال. في نهاية المطاف، أتت النتائج بأن النماذج السكانية لهذه الدراسات تنطبق فقط على الكائنات الحية اللاجنسية مثل البكتيريا والميكروبات… [1]

ختامًا -عزيزي القارئ- نستطيع القول بأن الرياضيات أكدت قوة البنى السكانية التي تدعم الانتقاء الطبيعي وتقدم الأوراق الحديثة والسابقة حجة للبنية السكانية كقوة ذات مغزى في التطور.[1]

المصدر:

  • quantamagazine
  • britannica
  • nationalgeographic

التاريخ الكبير: كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

إن أحد أكبر الأسئلة المحيرة هو السؤال عن أصل الأنواع، كيف لكل هذه الأشكال المختلفة من الحياة أن تنشأ؟ كيف يمكن أن يوجد كل هذا التعقيد؟ كيف يمكن لشيء معقد كعين الإنسان أن يكون موجودًا؟ كل هذه الأسئلة التي حيرت الملايين على مر العصور، حتى أننا لجأنا لتفسيرها بالخرافات والأساطير، لكن العلم بات يعرف الإجابة، وهي التطور، ولكن كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

الحوت الأزرق هو أكبر الكائنات الحية على وجه الأرض اليوم، قد يصل طوله إلى 30 مترًا، كما قد يصل وزنه إلى ما يزيد عن ال100 طن!

يستطيع الحوت الأزرق التهام ما يزيد عن نصف مليون سعرة حرارية بمجرد أن يفتح فكيه، إلا أنه ليس بسمكة، فالحوت الأزرق من الثدييات، حيث سيموت اختناقًا إن بقي تحت الماء، فيجب عليه أن يصعد للسطح بين الحين والآخر، ليستنشق بعض الهواء، كما أن إناثها لا تبيض، وإنما تلد صغارها، ومن ثم تشرع في إرضاعها.

لى النقيض، الفيروسات هي أصغر ما يمكن أن نعتبره شكلًا من أشكال الحياة، حيث يبلغ حجمها بضعة نانومترات فقط، كما أنها لا تستطيع التكاثر ذاتيًا، وإنما تحتاج إلى خلية حية لتستولي عليها، وتحولها إلى مصنع للفيروسات المشابهة.

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

جميعنا نحب الكلاب، أليس كذلك؟ ولكن من منا يحب الذئاب؟ بالضبط، لا أحد.
ولكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن الكلاب ما هي إلا سلالة منحدرة من الذئاب الرمادية، إذ استطاع أجدادنا استئناف بعض هذه الذئاب، وقادوا عملية التهجين، وانتقاء السلالات المرغوبة، وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، نتج ما لدينا اليوم من فصائل متنوعة للكلاب، ويمكنك عزيزي القارئ ملاحظة الشبه الكبير بين كل من الذئاب والكلاب.

كيف يعمل التطور

في القرن التاسع عشر، قدم «تشارلز داروين-Charles Darwin»، وصديقه «ألفريد راسل والاس-Alfred Russell Wallace» نظريتهما بشأن التطور، وهي تنص على أن التطور ليس بحاجة إلى العنصر البشري، فالطبيعة تقوم بانتقاء بعض الأجناس دونًا عن الأخرى، لنتخيل معًا هذا السيناريو:

نحن في بيئة ثلجية، ولدينا دببة بنية اللون، وأخرى بيضاء،  تستطيع الفرائس أن تلمح وجود الدببة البنية من على بعد كبير، وذلك للاختلاف الكبير بين اللون البني والأبيض، مما يسمح للفرائس بوقت أكبر للهرب، مما يقلل من فرص حصول الدببة البنية على الطعام، مما يجعل تكاثرها واستمرار نسلها أصعب، إذ ستكون أكثر عرضة للانقراض.

على النقيض، فالدببة البيضاء مموهة بفضل تشابه لون فرائها مع لون الثلج، مما يجعل ظهورها مفاجئًا للفريسة، وبهذا يستمر نسل الدببة البيضاء، بينما يختفي نسل الدببة البنية من هذه المنطقة الثلجية، وهذا ما يفسر وجود الدببة القطبية في البيئات الثلجية.

كيف يحدث التطور؟

كل الكائنات الحية قادرة على التكاثر، إذ تقوم بنقل جيناتها إلى الأجيال القادمة، لتصنع نسخًا متطابقة منها، لكن الطبيعة ليست بذلك الكمال، إذ قد تحدث بعض الأخطاء، فتحدث الطفرات الجينية، وهنا تكمن المغالطة، فالبعض يربط الطفرات بالتشوهات، ولكن الطفرات ليست كلها سيئة بالضرورة، فما هي إلا تغيرات جينية تعطي صفات جديدة للكائنات الحية.

الخلاصة

ليست نظرية التطور مفسرة لأصل الحياة، ولا هي عن أصل الكون، وإنما هي تشرح أصل الأنواع، فهي تفسر كيف تنوعت الكائنات الحية بعد أن نشأت الحياة للتو، وهي أفضل تفسير لدينا بهذا الشأن.

المصدر:

Coursera

Exit mobile version