ردود على نقد التطور

هذه المقالة هي الجزء 12 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

بعد عرض أدلة التطور والرد على الطرح المضاد للتطور الذي يروج له الخلقيون، يحين موعدنا مع الرد على أشهر انتقادات وجهت لنظرية التطور.

التشابه ليس دليلًا على التطور

يعترض الخلقيون قائلين أن التشابه بين تراكيب الكائنات الحية ليس دليلًا على التطور. هذا ادعاء صحيح إلى حد ما، فليست كل التشابهات بين الكائنات الحية يمكن استخدامها على أنها دليل على تطورها من بعضها البعض بشكل مباشر.

على سبيل المثال، يمتلك كل من الطيور والحشرات الطائرة أجنحة، ولكن هذا لا يمكن أن يستخدم كدليل على انحدارهم من سلف مشترك امتلك أجنحة. في الواقع هذا ادعاء خاطئ، فقد طوّر كل منهم تركيبة الأجنحة بشكل منفصل. ولكن كيف يعرف العلماء ما إن كانت هذه التراكيب منحدرة من سلف مشترك أم تطورت بشكل منفصل؟

تكمن الإجابة في معرفة التركيبة والوظيفة للأعضاء التي نقارنها. فمثلًا، لدى كل من الخفافيش والطيور أجنحة، ولكنها مختلفة تمامًا في التركيبة على الرغم من تأديتهم لنفس الوظيفة. فعلى سبيل المثال، يتكون جناح الخفاش من غشاء يمتد بين أصابعه، بينما لا نرى ذلك في أجنحة الطيور.

حقوق الصورة: Macmillanhighered

ولكن عندما نأتي مثلًا لنرى زعانف الحيتان مقارنة بذراع الإنسان، نرى أنهما يتبعان نمطًا واحدًا كما ناقشنا في الجزء الأول من السلسلة. فعلى الرغم من امتلاكهم لوظائف مختلفة تمامًا، فنحن نرى نفس التركيبة. بالإضافة إلى أن زعانف الحوت لا تشبه زعانف الأسماك، ولكنها كما قلنا تتبع نمط الأطراف الأمامية لدى الثدييات. وهو ما يتوافق مع كونها ثدييات أصلًا.

باختصار، نوع التشابه الذي يستخدم للدلالة على التطور من سلف مشترك هو التشابه غير الضروري في تركيبة الأعضاء على الرغم من اختلاف الوظيفة. [1]

وجود فجوات في السجل الأحفوري

ينتقد الخلقيون نظرية التطور باعتبارها تفتقد لاكتمال السجل الأحفوري. فعندما يرون الكم الهائل من الأدلة التي تؤيد التطور من السجل الأحفوري، يقولون أن السجل الأحفوري غير مكتمل.

بالطبع هذا الادعاء صحيح، ولكنه لا يصلح لاستخدامه في نقد التطور. فتكوّن الحفريات عملية نادرة للغاية، ونحن على الأرجح لن نحصل على سجل أحفوري مكتمل في يوم من الأيام. ولكن هذا لا يصلح لمواجهة الكم الهائل من الحفريات التي عثرنا عليها، حيث أن كل حفرية من الحفريات الموجودة في السجل الأحفوري كانت “حلقة مفقودة” في مرحلة ما. على سبيل المثال، كان الاعتقاد سائدًا منذ زمن بعيد أن الإنسان والشيمبانزي متشابهان، ولكن لم تكن هناك حفريات انتقالية لتدعيم فكرة انحدار الإنسان والشيمبانزي من سلف مشترك. أصبح لدينا اليوم سجل أحفوري يزخر بالحفريات الانتقالية التي تحكي لنا قصة تطور الإنسان.

إذًا فمجرد وجود فجوات في السجل الأحفوري لن ينفي وجود عدد كبير من الحفريات الانتقالية المكتشفة بالفعل، ولا يصلح كنقد للتطور. يمكن اعتبار وجود فجوات في السجل الأحفوري دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في سد تلك الفجوات بممارسة البحث العلمي والحملات الاستكشافية لاكتشاف المزيد من الحفريات.

الانفجار الكمبري

ليس لدى الخلقيين حجة أفضل الانفجار الكمبري ليستخدموها في نقد التطور. إلا أنها مبنية على أساس نفس الادعاء السابق كما سنوضح. تتلخص حجتهم أن في مرحلة ما من تاريخ الأرض، ظهر عدد ضخم من الكائنات الحية بشكل “مفاجئ” في السجل الأحفوري. وأن داروين نفسه اعترف بندرة الحفريات مما قبل العصر الكمبري، مما يثبت فرضيتهم عن الخلق المباشر.

ولكن هذا ادعاء غير صحيح بالمرة، فالحياة لم تبدأ في العصر الكمبري. ولكن يمكننا اقتفاء أثر للحياة مما قبل الانفجار الكمبري بحوالي 3 بليون سنة! وصحيح أن الحفريات ما قبل الانفجار الكمبري كانت نادرة في عصر داروين، ولكن هذا كان في عصر داروين فقط!

وجد العلماء العديد من الحفريات مما قبل الكمبري، والتي تعتبر نماذجًا أولية لأشكال الحياة التي عاشت في العصر الكمبري. مثل «بارفانكورينا-Parvancorina»، والتي تُشبه «الترايلوبايت-Trilobites» التي عاشت في العصر الكمبري إلى حد كبير. ولا يمكننا معرفة ما إذا كانت هي الأسلاف الحقيقية للترايلوبايت، ولكننا نرى التشابه في الصفات التشريحية كما تتنبأ نظرية التطور بالضبط. كما عُثر عليها في نفس الطبقات الرسوبية التي يتنبأ التطور بوجودها فيها! [2]

حقوق الصورة: Research Gate

كما عثر العلماء على «الكمبريلا-Kimbrella»، والتي تشابه الرخويات بدرجة كبيرة. ومجددًا، في نفس الطبقات الرسوبية التي تتنبأ بها نظرية التطور. [3] وغيرها الكثير من أشكال الحياة البدائية التي يمكننا العثور عليها مما قبل الانفجار الكمبري، وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أن الانفجار الكمبري ليس “انفجارًا” حقًا.

أضف إلى علمك أن الانفجار الكمبري استمر لحوالي 20 مليون سنة، وهو ليس بالرقم الصغير! فمهما حدث من تنوع حيوي، فقد حدث على مدار 20 مليون سنة! [4]

في الواقع، لدينا أمثلة على تحولات تطورية كبيرة في فترات أقل بكثير من هذه، فلدينا سجل أحفوري جيد جدًا يوثق تطور الحيتانيات مثلًا. حتى أن نوعًا جديدًا من الحيتان البدائية اكتشف في وادي الحيتان في مصر في 2021 [5]، وأطلق عليه مكتشفوه اسم «فيوميسيتس أنوبيس-Phiomicetus Anubis». ونحن نعلم أن هذا التحول الكبير من حيوانات برية إلى الحيتان حدث في أقل من 10 مليون سنة فقط! [6]

إذًا فالعثور على حفريات انتقالية قبل الانفجار الكمبري تعد صورًا أولية للكائنات التي ظهرت فيه. ومعرفة أن الانفجار الكمبري استمر 20 مليون سنة، تكفي للإطاحة بحجة الانفجار الكمبري، وإثبات أنها لم تعد تصلح لاستخدامها في نقد التطور.

التطور يحدث داخل نفس النوع

يعترض الكثيرون قائلين أن التطور يحدث في نفس النوع فقط، ويتخيلون أن كل أمثلة التطور المرصود هي مجرد تكيفات ولا تصلح لاستخدامها كدليل على التطور. وللرد على هذا الادعاء علينا أولًا معرفة تعريف «النوع-species».

وفقًا للموسوعة البريطانية، النوع هو مجموعة من الكائنات الحية تضم أفرادًا يمتلكون خصائص متشابهة ويمكنهم التزاوج. [7]

والواقع أن هناك تجربة شهيرة توضح حدوث «الانتواع-Speciation»، مباشرة أمام أعيننا. حيث قامت «دايان دود-Diane Dodd» بتجربة بسيطة قامت فيها بعزل مجموعتين من ذباب الفاكهة، ووضعت كل مجموعة في قفص مغلق. قامت دايان بتغذية مجموعة منهم على طعام مكون بشكل أساسي من سكر «المالتوز-Maltose»، بينما غذّت المجموعة الأخرى بطعام مكوّن بشكل أساسي من «النشاء-Starch». وبعد فترة، أطلقت المجموعتين على بعضهما البعض لترى أنماط التزاوج التي سيتخذونها، وهنا كانت المفاجأة!

تزاوج ذباب المالتوز مع ذباب المالتوز، وذباب النشاء مع ذباب النشاء. هذا مثال على الانتواع يحدث أمام أعيننا، فقد أدى الانعزال والعيش في ظروف مختلفة لفترة من الزمن إلى ظهور نوعين من ذباب الفاكهة. [8] ولكنهم يقولون أن الذباب ظل ذبابًا، ولم يصبح أي كائن آخر. أجل، فهل تقول نظرية التطور أن الذباب سيبيض عصافيرًا مثلًا؟

ما يخبرنا به التطور أن التغيرات الصغيرة تتراكم على مدى زمني طويل لتصير تغيرات كبيرة ملحوظة. وكل التغيرات الصغيرة التي نرصدها في المعمل أو خارج المعمل ما هي إلا خطوات صغيرة إذا استمرت وتراكمت، ستصير الكائنات بشكل مختلف تمامًا. فتراكم السنتيمترات (على الرغم من صغرها) سيعطينا عاجلًا أم آجلًا كيلومترات، ولا يمكنك إنكار هذا لأنه لا يعجبك. وهنا قد تتساءل إذا لم يكن التطور الكبير مرصودًا فكيف للعلماء أن يعرفوا حدوثه؟

يعرف العلماء حدوثه من السجل الأحفوري الذي يوثق تطور أنواع كثيرة. كما يعرفونه من علم الأجنة الذي يوفّر أدلة قوية على التطور. وكذلك يعرفونه من الجينوم الذي أثبت حدوث التطور بأدلة قاطعة كما بينت كثيرًا في هذه السلسلة بطولها.

لوسي قرد عادي

نعم، هذا صحيح تمامًا، فالتصنيف العلمي لي ولك وللشيمبانزي والغوريلا والأورانجوتان هو «القردة العليا-Great Apes». وكذلك كان الأوسترالوبيثيكاس (لوسي)، ولكن ليس هذا ما يعنيه الخلقيون، ما يقصدونه هو أن لوسي مجرد شيمبانزي وليست ضمن الخط التطوري للبشر.

وهذا غير صحيح لأننا نجد صفات بشرية لدى لوسي ليست لدى القرود غير البشرية، مثل المشي المنتصب. نعرف أن لوسي قد مشيت منتصبة عن طريق معرفة زاوية تمفصل عظمة الفخذ مع عظمة الحوض في الحفرية. كما عثرنا على حفريات لآثار أقدامها، وهي مشابهة لآثار البشر كما ناقشنا بتفصيل أكثر في الجزء الخاص بالسجل الأحفوري.

رسومات إرنست هيكل

يقولون أن خط الأدلة من علم الأجنة مبني على رسومات إرنست هيكل التي اكتشف لاحقًا أنها مزيفة. حيث رأى هيكل أن الجنين يمر بمراحل أثناء تكونه يكون مشابهًا فيها لأسلافه في مرحلة البلوغ، فيما يُعرف ب«التلخيص-Recapitulation» وهذا لأن الجنين -وفقًا لرأي هيكل- يُلخّص تاريخه التطوري أثناء مراحل تكونه. فعلى سبيل المثال، سيبدأ الجنين البشري بكائن أحادي الخلية، ثم سمكة، ثم يصير كائنًا برمائيًا، وهكذا إلى أن يصل إلى الهيئة البشرية (وفقًا لفرضية هيكل).

وهذا مجرد هراء، فقد قمنا بتخطئة نظرية هيكل في أول فقرة من مقال علم الأجنة. كما دعّمنا الأدلة التي أوردناها من علم الأجنة بصور فوتوغرافية لا علاقة لها برسومات هيكل من قريب أو بعيد. وقد تجاوز العلم رسومات هيكل بسنوات من البحث والتدقيق والتمحيص. ولكن يبقى الخلقيون مولعون بالبحث في ركام الفرضيات العلمية التي قام المجتمع العلمي نفسه برفضها لينتقدوا بها العلم الحديث، وفي هذا تدليس واضح.

عدد كروموسومات الإنسان

يردد الخلقيون عن جهل هذا المثال كثيرًا، فيقولون كيف للإنسان أن يمتلك عددًا مختلفًا من الكروموسومات عن القردة العليا إن كان منهم؟ والحقيقة أن الكروموسوم 2 لدى الإنسان عبارة عن كروموسومين ملتحمين كما أثبتنا بشكل أكثر تفصيلًا في مقال أدلة الجينوم. هذا بغض النظر عن وجود حالات مرضية لتغير عدد الكروموسومات داخل نفس النوع، فلدينا نحن البشر مجموعة من التغيرات الكروموسومية بالفعل:

• «متلازمة داون-Down syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم زائد مماثل للزوج رقم 21، وبالتالي فإن كل خلايا الجسم تحتوي على 47 كروموسوم بدلًا من 46.
• «متلازمة كلاينفلتر- Klinefelter syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم X زائد في الحيوان المنوي، فتصبح كروموسومات الجنين XXY.
• «متلازمة تيرنر-Turner syndrome»، وتحدث في الإناث نتيجة عدم نقص وجود كروموسوم X بشكل كلي أو جزئي. [9]

كما أن الأبحاث العلمية أثبتت بشكل قطعي أن الكروموسوم 2 عبارة عن كروموسومين ملتحمين، لذا فلا فائدة من نكرانه أو محاولة الهروب منه. فليتعامل الخلقيون مع ذلك!

«سمكة السيليكانث-Ceolacanth»

يحتج الخلقيون بأن سمكة السيليكانث لم تتطور على مدى ملايين السنين وهذا يجعل منها «أحفورة حية-Living fossil»، وأن هذا يعارض التطور. وهو ادعاء باطل من وجهين:

أولًا، لا تحتم نظرية التطور على كل الكائنات أن تستمر في التغير، فالانتخاب الطبيعي يحافظ على الصفات المناسبة لبيئتها بشكل كافٍ. لذا فوجود أي كائن لم يتغير على مدى سنين كثيرة لا يُعد حجة لتستخدم في نقد التطور.

ثانيًا، لا تعد السيليكانث أحفورة حية أصلًا، فالسجل الأحفوري يزخر بأقرباء السيليكانث المنقرضين مثلما نرى في هذه الصورة (سمكة Latimeria هي نوع السيليكانث الموجود حاليًا). [10]

حقوق الصورة: Ecologica

منذ أن خرجت نظرية التطور إلى النور وهي مبحث مهم من مباحث العلم الحديث. لذا فقد رأينا أن نعرض لكم أبرز أدلة التطور وأكثرها شيوعًا، مع العلم بأن هناك عدد أكبر من الأمثلة في كل خط من خطوط الأدلة التي ناقشناها. ويستمر البحث في نظرية التطور، وتستمر الأدلة في الزيادة، ونستمر في إطلاعكم بكل جديد في مجال العلوم.

المصادر

[1] Berkeley
[2] Fossil Fandom
[3] Nature
[4] Springer
[5] Royal Society
[6] Whales
[7] Britannica
[8] Berkeley
[9] About Kids Health
[10] Ecologica

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

Exit mobile version