صحافة الروبوت، هل يمكن أن تحل محل الإنسان؟

في خمسينيات القرن الماضي، حاول “آلان تورينج”، عالم الرياضيات البريطاني، في مقالته “الحوسبة الآلية والذكاء الاصطناعي”، بالإجابة على تساؤل حول ذكاء الآلة وهل يمكن لها أن تفكر، وذلك من خلال صياغة تجربة فكرية عُرفت آنذاك باسم اختبار تورينج، واعتبرت فيما بعد أساس فلسفة الذكاء الاصطناعي.[1]

في الواقع، تحققت العديد من تنبؤات تورينج، وأصبحت الآلات والتقنيات تنافس الإنسان في جميع المجالات تقريبًا. ويعد الذكاء الاصطناعي واحدًا منها، إذ أنه أحد أقوى الأدوات التي تحكم عالم اليوم. وهي تقنية تتميز بمحاكاة الذكاء البشري لاستخدامه في الآلات وبرمجتها على ردود أفعال البشر.[2]

الذكاء الاصطناعي في الصحافة الآلية

تستخدم الصحافة الآلية التي تُعرف باسم “صحافة الروبوت”، خوارزميات توليد اللغة التي يتم تشغيلها بواسطة الذكاء الاصطناعي من أجل تحويل البيانات تلقائيًا إلى قصص إخبارية متنوعة وصور ومقاطع فيديو ثم توزيعها عبر منصات الصحافة الآلية.

فعلى سبيل المثال، قامت شبكة نشر Patch بدمج الذكاء الاصطناعي في نظام إدارة المحتوى الخاص بها لإنشاء وتوزيع مقالاتها المتكررة مثل تقارير الطقس والتقارير المالية.[3]

تجربة الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الصحفية

في عام 2013 م، بدأت وكالة الأسوشيتد برس Associated Press باستخدام الذكاء الاصطناعي لأول مرة لإنشاء محتوى إخباري وإنتاج تقارير رياضية. وفي عام 2015 م، نفذت صحيفة نيويورك تايمز مشروعها التجريبي للذكاء الاصطناعي المعروف باسم المحرر، والذي كان الهدف منه هو تبسيط العملية الصحفية. كما عملت الواشنطن بوست على كتابة الأخبار الآلية لأول مرة في عام 2016م من خلال تغطية دورة الالعاب الأولمبية في ريو.[4]

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الإعلام

الذكاء الاصطناعي في السيطرة على التحيز

يعتبر التحيز المتزايد وصمة العار المؤلمة التي تواجهها وسائل الإعلام في عالم اليوم، فغالبًا ما تتحيز في نقلها للمعلومات إلي فكرة معينة، مما يؤدي في النهاية إلي نقل محتوى مضلل بدلاً من الأخبار الواقعية والمتوازنة.

في حالات مختلفة، يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل الذاتية التي تفرضها وسائل الإعلام على الاخبار والمعلومات حيث يتم تدريب خوارزميات التعلم الآلي على مراعاة المتغيرات التي تعمل على تحسين دقتها التنبؤية، بناءً على البيانات المستخدمة.

فعلى سبيل المثال تستخدم شركة Knowhere الإخبارية مزيجًا من تقنيات التعلم الآلي بالإضافة إلى الصحفيين البشريين لإنشاء قصصها الإخبارية.[5]

محاربة الأخبار الكاذبة

طور باحثون في جامعة واترلو، أداة جديدة تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأخبار الكاذبة والمزيفة، وتم تفعيل هذه الأداة بعد الانتشار الواسع للقصص الإخبارية الكاذبة والملفقة لخداع القراء وتضليلهم لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.[6]

الذكاء الاصطناعي وإنشاء الوسائط المتعددة

 حيث توضع الصور في المنشورات من خلال خوارزميات الآلة، فعلى سبيل المثال أطلقت شركة Getty Images، نظام “اللوحات”، وهي أداة ذكاء اصطناعي جديدة للنشر الإعلامي والتي توصي بأفضل محتوى مرئي لمصاحبة مقال إخباري. وتعمل اللوحات على تزويد محرري الوسائط بمساعد بحث قابل للتخصيص لتلخيص المقالات وتقديم مجموعة مختارة من الصور لعناصر متنوعة من القصة.[7]

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الصحفيين؟

الذكاء الاصطناعي ليس موجودًا ليحل محل الصحفيين أو يلغي الوظائف. ويعتقد الخبراء أن الآلات ستتولى المهام الحالية للصحفيين بنسبة ما بين 8إلى 12 في المائة، والتي ستعيد توجيه المحررين والصحفيين إلى تناول الموضوعات بشكل أوسع وأعمق، يعتمد على التفسير والتحليل كالمقابلات الخاصة والمقالات التحليلية والتحقيقات الاستقصائية.

وفي الوقت الحالي، تقوم روبوتات الذكاء الاصطناعي بأداء مهام أساسية مثل كتابة فقرات عن النتائج الرياضية ونتائج الانتخابات ونتائج الألعاب الأولمبية، ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا توفير الكثير من الوقت للصحفيين عن طريق نسخ المقابلات الصوتية والمرئية.[8]

المراجع

(1) journals.openedition.org
(2),(3)(5)(7)analyticssteps
(4)emerj
(6)sciencedaily
(8)the conversation

كارلسن، كاسباروف، فيشر: ثلاثي أضواء الشطرنج

كارلسن، كاسباروف، فيشر: ثلاثي أضواء الشطرنج

إذا سألت أي شخص عن لاعبه المفضل في الشطرنج، فمن المرجح أن إجابته ستنحصر بين ثلاثة أشخاص، وهم ماجنس كارلسن، جاري كاسباروف، أو بوبي فيشر، فمن هم، ولماذا كارلسن وكاسباروف وفيشر؟

ماجنس كارلسن

حقوق الصورة: wikipedia

علّمه والده الشطرنج في الخامسة من عمره، لعب أول بطولة عالم له في سن الثامنة، وأخذ فيها المركز الثاني تحت سن الثانية عشرة. ولد في عام 1990 م وبالتحديد يوم 30 نوفمبر. نحن في حضرة ماجنس كارلسن، بطل العالم للشطرنج وأفضل لاعب بالتاريخ، أو على الأقل أكثر لاعب موهوب في التاريخ.

في يناير 2004، فاز كارلسن بأول بطولة له. وعلى الرغم من صغر سنه إلّا أنه هيمن على البطولة وسحق منافسيه الأكبر منه سنًا. دفع هذا الأستاذ الدولي الكبير، الأمريكي لوبومير كافاليك، يطلق عليه “موزارت الشطرنج” لإبداعه في البطولة ولطريقة لعبه التي تجعله يطوع الرقعة كيفما يشاء. لاحقًا في نفس السنة، أقيمت بطولة أخرى، من أهم البطولات التي لعبها ماجنس. فاز فيها على أناتولي كاربوف، بطل العالم السابق وأقوى لاعب في فترة من الفترات. تعادل كارلسن مع الداهية جاري كاسباروف، وأنهى البطولة في المركز الثاني وحصل على لقب الأستاذ الدولي الكبير (أعلى لقب في الشطرنج). (1)

في عام 2010، أصبح ماجنس اللاعب الأول على العالم بعمر الـ 19، ليكون بذلك أصغر لاعب في التاريخ يحقق هذا الإنجاز، بعدها بعامين لعب بطولة المرشحين، وهي بطولة تقام لتحديد المنافس القادم على بطولة العالم، وفاز فيها كارلسن ليواجه بطل العالم وقتها، فيشواناثان أناند، ليهزمه 6.5 – 3.5 ويصبح بطل العالم، ومن وقتها وهو البطل والمصنف الأول عالميًا. (2)

جاري كاسباروف

حقوق الصورة: https://www.masterclass.com/course-images/attachments/Ymsv3aV4usehbo2Vs4WXyeur

في الثالث عشر من أبريل عام 1963، أذربيجيان، ولد العبقري جاري كاسباروف لأم أرمينية وأب يهودي، بدأ لعب الشطرنج في السادسة، وأصبح بطل الاتحاد السوفيتي في الثالثة عشرة من عمره. بعدها بثلاث سنوات فاز بأول بطولة دولية، وفي عام 1984، تحدى بطل العالم وقتها، أناتولي كاربوف، وفاز عليه ليصبح بطل العالم بعمر 22 فقط.

مع تقدم الآلات وقدراتها الحسابية، طورت شركة IBM حاسوبها الشطرنجي، ديب بلو، ودعت كاسباروف وقتها في مباراة ضد حاسوبها الخارق، وعلى الرغم من قدرات الحاسوب والتي وصلت إلى اختبار 100 مليون موقف شطرنجي في الثانية، إلا أن كاسباروف تمكن من هزيمة الآلة 6-4، ولكن مطورو الشركة دعوا كاسباروف مرة أخرى بعدما طوروا ديب بلو وضاعفوا حساباته ليصل إلى حساب 200 مليون موقف في الثانية! وهذه المرة يا للأسف فاز ديب بلو بفرق مباراة وحيدة 3.5-2.5، ولكن تظل نتيجة ممتازة بالنظر لقدرات الآلة الجبارة، ليظل جاري أفضل لاعب شطرنج برأي الكثيرين ومن أذكى الأشخاص في العالم بـ (IQ=190). (3)

بوبي فيشر

حقوق الصورة: https://hips.hearstapps.com/hmg-prod.s3.amazonaws.com/images/chess-master-bobby-fischer-poses-for-a-portrait-on-august-news-photo-1606160390.?crop=0.99679xw:1xh;center,top&resize=480:*

ولد أشهر لاعب في تاريخ الولايات المتحدة في التاسع من مارس 1943، في شيكاغو، تعلم الشطرنج في سن السادسة، وأصبح أصغر أستاذ دولي كبير وقتها، حاز على انتباه المجتمع الشطرنجي عام 1956 عندما فاز على “دونالد بيرن”، أفضل لاعبي الشطرنج الأمريكيين وقتها، ولكن فيشر فاجأه بطريقته الخلابة وأسلوبه الهجومي الكاسح، فقام بالتضحية بأقوى قطعة يملكها، وهي الملكة، ليفوز على بيرن بطريقة جعلت العالم يطلق على هذه المباراة “مباراة القرن”.

على الرغم من فوزه ببطولة العالم مرة واحدة، إلا أن فيشر من أعظم لاعبي الشطرنج، وبطولة العالم التي فاز بها كانت استثنائية، ففي عام 1972 كانت الحرب الباردة في أشدها، والولايات المتحدة وروسيا في حرب “تكسير عظام” في كل المجالات، من الشطرنج للفضاء، وعندما فاز فيشر ببطولة المرشحين في 1971، كان عليه أن يقابل بطل العالم وقتها، بوريس سباسكي، وما جعل هذه البطولة استثنائية هو أنها كانت بين أكبر قوتين في العالم، روسيا وأمريكا. (4)

فيشر والحرب الباردة

قبل بداية المباراة المكونة من 21 دور، لم يأمن فيشر السوفييت. كان دائم الريبة في كل من حوله. اشترط فيشر أن يحصل على حصة كبيرة من أرباح إذاعة المباراة وجائزة مالية كبيرة للفائز. عندما حان الموعد، لم يحضر بوبي فيشر دوره الأول بسبب اعتراضه على الجائزة المالية، فقام مليونير بريطاني بمضاعفة الجائزة. تحدث أيضًا هنري كيسنجر بنفسه مع فيشر في مكالمة هاتفية لمدة عشر دقائق قائلًا: “من أسوء لاعب في العالم إلى أفضل لاعب في العالم، أرجو منك الذهاب لآيسلندا للعب المباراة، والفوز على الروس في لعبتهم الخاصة”. لكن فيشر لم يصدق أن هذا هنري كيسنجر، ولم يذهب للدور الثاني أيضًا مما تسبب في تأجيل المباراة. لكن تحدث كيسنجر معه مرة أخرى فاقتنع فيشر وذهب للمباراة. (5)

ومع بداية الدور الثالث من المباراة، فاز فيشر في هذا الدور. وفاز في كل من الدور الخامس، والسادس، والثامن، والعاشر، والثالث عشر، والحادي والعشرين والذي كان آخر دور في المباراة. تعادل في 11 دور، لتصبح النتيجة النهائية 12.5 – 8.5 لصالح فيشر ويفوز على الروس. واعتبر هذا فوز على الروس بالفعل لأن سباسكي كان يحضر للمباريات مع زملائه الأفضل في العالم. من المعروف أن الروس هم أسياد اللعبة، إلى الآن بالمناسبة، ولا يوجد ند لهم إلى الآن. وقت المباراة لم تكن الولايات المتحدة ندًا لروسيا. لكل هذه الأسباب، يعد فيشر “قاهر الروسيين” والمعجزة الأمريكية الخالدة.

المصادر

  1. Britannica
  2. ChessBase
  3. HISTORY
  4. Britannica
  5. BBC
  6. chess24

ما هي تطبيقات الطوبولوجيا وأنواعها؟ وكيف بدأت؟

ما هي تطبيقات الطوبولوجيا وأنواعها؟ وكيف بدأت؟

يرجع ظهور الطوبولوجيا، كمجال في الرياضيات، إلى تحليل المواقع للفرنسي «هنري بوانكاريه-Henri Poincaré». وبالرغم من أن العديد من الأفكار الطوبولوجية، ظهرت خلال القرن ونصف القرن الماضي ،إلا أن «Geometria sites»، التي تعني هندسة المواقع، قد استخدمها عالم الرياضيات السويسري «ليونارد أويلر-Leonhard Euler»، في عام 1735 لوصف حله لمشكلة جسور كونيجسبرج. إذ إن عمل أويلر في هذه المشكلة، هو بداية نظرية الرسم البياني. التي تشترك في العديد من الأفكار مع الطوبولوجيا. لكن ما هي تطبيقات الطوبولوجيا وما أنواعها؟ هذا ما سنعرفه في المقال التالي.

ما هي الطوبولوجيا ببساطة؟

‏الطوبولوجيا هي فرع من فروع الرياضيات. تُسمى أيضًا باسم «هندسة الألواح المطاطية». يتم اعتبار أي شكلين متكافئين طوبولوجيًا، إذا كان بإمكاننا تشويههما أو تغيير شكلهما كالمطاط . يتم ذلك من خلال حركات مثل الانحناء، والالتواء، والتمدد، والانكماش. دون السماح بتمزيقهما أو لصق أجزاء منهما ببعضهما.

ماذا يهم الطوبولوجيا؟

الموضوعات الرئيسة التي تهم الطوبولوجيا، هي الخصائص التي تظل ثابتة دون تغيير، بسبب أي تشوه يحدث لها. وتختلف الطوبولوجيا عن الهندسة بالرغم من تشابهما.

في الهندسة، تكون الأشكال كالدوائر، والأشكل متعددة السطوح، أجساما صلبة. إذ إن الأشكال المكافئة هندسيًا، غالبًا ما تشترك في الكميات المقاسة عدديًا مثل الأطوال والزوايا، بينما الأشكال الطوبولوجية تشبه بعضها البعض أكثر بالمعنى النوعي. حيث تعتبر الأشكال أشياء مرنة كما لو كانت مصنوعة من المطاط.

الطبولوجي حر في تمديد وتحريف الشكل. الكرة والمكعب أشكال هندسية مميزة، ولكن بالنسبة إلى الطوبولوجي لا يمكن تمييزهما.

‏ إذا كنت تسعى إلى إثباتٍ رياضيٍّ بأن القميص والسروال مختلفان. فيجب عليك اللجوء إلى الطوبولوجيا.

‏التفسير عندئذ سيكون: لديهم أعداد مختلفة من الثقوب.

أنواع الطوبولوجيا

أولًا: الطوبولوجيا العامة أو طبولوجيا النقاط

الطوبولوجيا العامة، هي فرع الطوبولوجيا الذي يتعامل مع التعريفات، والتركيبات الأساسية، لنظرية المجموعات المستخدمة في الطوبولوجيا. وهي الأساس في معظم الفروع الأخرى للطوبولوجيا، بما في ذلك الطوبولوجيا التفاضلية، والطوبولوجيا الهندسية، والطوبولوجيا الجبرية.

ثانيًا: الطوبولوجيا الاندماجية

تأخذ الطوبولوجيا الاندماجية في الاعتبار، الخصائص العامة للمساحات التي اُنشأت من شبكة من الرؤوس والحواف والوجوه. تُعد الطوبولوجيا الاندماجية أقدم فرع من فروع الطوبولوجيا. يعود تاريخها إلى أويلر، حينما أثبت أن الفراغات المتكافئة طوبولوجيًا، لها نفس الثابت العددي، والذي نسميه الآن صيغة أويلر.

ثالثًا: الطوبولوجيا الجبرية

نشأت فكرة ربط الأشياء أو الهياكل الجبرية بالفراغات الطوبولوجية، في وقت مبكر من تاريخ الطوبولوجيا. كان الحافز الأساسي في هذا الصدد، هو إيجاد ثوابت طوبولوجية مرتبطة بهياكل مختلفة. أبسط مثال على ذلك هو صيغة أويلر.

تأخذ الطوبولوجيا الجبرية الخصائص العامة للمساحات أيضا، وتستخدم أشكالًا جبرية مثل الحلقات للإجابة عن الأسئلة الطوبولوجية. إذ تقوم بتحويل المشكلة الطوبولوجية إلى مشكلة جبرية لحلها بشكل أسهل، فمثلًا من خلال الاختلاف في مجموعات التماثل يمكننا التمييز بين شكلين.

يوجد أفرع للطوبولوجيا الجبرية مثل:

-الطوبولوجيا التفاضلية.
-‏نظرية العقدة.
-‏الطوبولوجيا الهندسية.

تطبيقات الطوبولوجيا

‏تُستخدم الطوبولوجيا في العديد من فروع الرياضيات، مثل المعادلات القابلة للتفاضل، والأنظمة الديناميكية، ونظرية العقدة، وسطوح ريمان في التحليل المعقد. كما أنها تستخدم في نظرية الأوتار في الفيزياء، ولوصف بنية الكون والمكان.

  • تساعدنا طوبولوجيا الشبكات على فهم:

– العناصر المختلفة لشبكاتنا ومكان اتصالهم.
– ‏توضح لنا كيف يتفاعلون، وما يمكن أن نتوقعه من أدائهم.

  • الطوبولوجيا، شرطٌ رئيسيُّ لنظام المعلومات الجغرافية، لإدارة البيانات وسلامتها. بشكل عام، يدير نموذج البيانات الطوبولوجية العلاقات المكانية، عن طريق تمثيل الأشكال المكانية (معالم النقطة والخط والمساحة)، كرسم بياني أساسي للأولويات الطوبولوجية، العقد والوجوه والحواف. تدخل الطوبولوجيا أيضًا في علم الأحياء التطوري ، وذلك لتمثيل العلاقة بين النمط الظاهري والنمط الجيني. يمكن فصل الأشكال المظهرية التي تبدو مختلفة تمامًا عن طريق عدد قليل من الطفرات. اعتمادًا على كيفية تعيين التغييرات الجينية، لتغيرات النمط الظاهري أثناء التطور.
  • في الكيمياء، توفر الطوبولوجيا طريقة لوصف البنية الجزيئية والتنبؤ بها.
  • في فيزياء الكم، تُسخر التكنولوجيا فيزياء الكم لإجراء العمليات الحسابية بشكل أسرع، إذ ‏اقترح الفيزيائي «أليكسي كيتاييف-Alexei Kitaev» الكمبيوتر الكمومي الطوبولوجي في عام 1997، والذي سيُساعد على حل مشكلات، لا تستطيع حلها أجهزة الكمبيوتر العملاقة. ففي الحوسبة الكمومية، البت الكمي أو الكيوبت هو الوحدة الأساسية للمعلومات الكمومية. وتأتي الأنظمة الطوبولوجية لتوفر أحد الحلول لمشكلة الدقة وجعل الكيبوتات مستقرة. إذ إن أحد الألغاز في الحوسبة الكمومية، هو عدم استقرار الكيوبت.

المصادر

أدلة التطور من السجل الأحفوري

هذه المقالة هي الجزء 7 من 13 في سلسلة مقدمة في نظرية التطور

رأينا في الأجزاء السابقة كيف يمكننا أن نستدل على تطور الكائنات الحية عبر الزمن من خلال النظر في صفاتها التشريحية (مثلما رأينا في الجزئين الأول والثاني)، ومراحل تكونها الجنينية، وسلوكياتها، بل وحتى كيف يمكننا مشاهدة تطور الكائنات الحية في المعامل. واليوم نحن على موعد مع نوع فريد من الأدلة، حيث يأتي السجل الأحفوري مصدقًا لما استنتجناه في الأجزاء السابقة ومؤكدًا على تطور الكائنات الحية وتغيرها عبر الزمن. فتعالوا معنا نرى أدلة التطور من السجل الأحفوري.

كيف تتكون الحفريات؟

تتكون الحفريات بـ 5 طرق مختلفة هي:

  1. «التمعدن-Permineralization»، وهي عملية تحدث عندما تحمل المياه الموجودة في التربة الأملاح إلى «الفراغات الخلوية-Cellular spaces» لدى الحيوان أو النبات. تتبلور هذه الأملاح لتنتج صخورًا على شكل الحيوان أو النبات الخاضع لهذه العملية، وهذا هو أكثر أنواع الحفريات شيوعًا. حيث نجد تلك الحفريات في السجل الأحفوري على شكل أسنان، وعظام، وأصداف، وأخشاب (في حالة الأشجار المتحجرة).
  2. «المصبوبات-Casts»، حيث يزيل الماء كل الأنسجة التي امتلكها الحيوان، تاركةً فقط أثره في الرواسب على شكل قالب. ثم تملأ الأملاح هذه القوالب فتُكوّن شكلًا مشابهًا لشكل الكائن الأصلي. يمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات «اللافقاريات البحرية-Marine invertebrates».
  3. «العنبر-Amber»، يوجد هذا النوع من الحفريات عندما يعلق الحيوان في المادة الصمغية للأشجار. تتحول تلك المادة إلى العنبر بعد دفنها في هذه الأشجار تحت الأرض، ويمكننا ملاحظة هذا النوع من الحفريات في حفريات الحشرات وبعض السحالي.
  4. «حفريات الآثار-Trace fossils»، وهي حفريات تسجل نشاط الكائن الحي في الفترة التي عاش فيها، مثل الأعشاش، والجحور، وآثار الأقدام، والبراز.
  5. «البقايا المحفوظة-Preserved remains»، نعثر في هذا النوع من الحفريات على بقايا من الكائن الحي، مثل الجلود، والشعر، والعظام المحفوظة. يعد هذا النوع من الحفريات الأكثر ندرة، حيث يتطلب العثور على حفريات من هذا النوع دفن الكائن الحي مباشرة بعد وفاته في الثلج، أو الرماد البركاني، أو «المستنقعات الخثية-Peat bogs». من أمثلة هذا النوع حفريات الماموث. [1]

ما هي الحفريات الانتقالية؟

«الحفرية الانتقالية-Transitional fossil» هي الحفرية التي تحتوي على صفات مشتركة بين الأسلاف القديمة والكائنات الحديثة. [2]

عند افتراض تطور نوع من نوع آخر، يجب أن يمر النوع بمراحل وسيطة يحمل فيها صفات من النوع الأول وصفات من النوع الثاني. فإن أردت أن تنتقل من النقطة (أ) إلى النقطة (ج) عليك المرور بالنقطة (ب) أولًا.

فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا تطور الطيور من الديناصورات مثلما رأينا في جزء سابق، علينا العثور على حفرية لكائن وسيط يحمل صفات مشابهة لصفات الديناصورات جنبًا إلى جنب مع صفات الطيور.

وما علينا سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حفريات لكائنات وسيطة بين نوعين وبهذا نستنتج علاقتهما التطورية. كما نكون قد عثرنا على دليل من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

من المياه إلى اليابسة

رأينا في الجزء المتعلق بالأدلة الجنينية على التطور تكوّن الأقواس الخيشومية التي تمتلكها الأسماك لدى أجنة الحيوانات غير المائية. دفع ذلك العلماء إلى استنتاج تطور الحيوانات الأرضية من الحيوانات البحرية. ولكن هل هناك عيّنات من السجل الأحفوري لتوثيق انتقال الحياة على الأرض من المياه إلى اليابسة؟

حدث ذلك بالفعل، تعالوا نتعرّف على حكاية الـ «تكتاليك-Tiktaalik».

التكتاليك

عاش التكتاليك منذ حوالي 375 مليون سنة، ويمثل شكلًا من أشكال التكيّف لمناسبة المياه الضحلة شحيحة الأوكسجين التي كان يعيش فيها. وهو ما سيمهد لظهور البرمائيات وانتقال الحياة من المياه إلى اليابسة حيث تنفس الأكسجين.

يمتلك تكتاليك صفات سمكية، جنبًا إلى جنب مع صفات لرباعيات الأطراف. كما يمتلك صفات وسيطة بين كل من الأسماك ورباعيات الأطراف. فتعالوا معنا نتعرف على هذه الصفات.

صفات تكتاليك السمكية:

  • امتلاك الخياشيم.
  • امتلاك قشور الأسماك.

صفات تكتاليك المشابهة لرباعيات الأطراف:

  • عظام ضلوع مشابهة لتلك التي تمتلكها رباعيات الأطراف.
  • رقبة قادرة على التحرك (وهي صفة لا تمتلكها الأسماك).
  • امتلاك رئتين.

صفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف:

  • مفاصل وأطراف نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف. فقد امتلك تكتاليك مفصل رسغ وظيفي، جنبًا إلى جنب مع زعانف سمكية بدلًا من الأصابع في نهاية الأطراف.
  • منطقة أذن نصف سمكية – نصف رباعية الأطراف.
كائن التكتاليك. حقوق الصورة: Wikimedia commons

فهل يمكننا اعتبار التكتاليك سلف مشترك لكل رباعيات الأطراف؟

بالطبع لا، فعلى الرغم من امتلاك تكتاليك لصفات وسيطة بين الأسماك ورباعيات الأطراف. إلا أنه ليس سوى حلقة في سلسلة تسبقه فيها سمكة «باندركتايس-Panderichthys» التي عاشت منذ 380 مليون سنة. ويليه في السلسلة حيوان «إكثيوستيجا-Ichthyostega» الذي عاش منذ 365 مليون سنة. [3]

فأي حفرية انتقالية نعثر عليها هي مجرد حلقة انتقالية بين حلقات انتقالية أخرى. فالتطور بطيء (في أغلب الأحيان) ويعمل بإحداث تغيرات طفيفة على مدار الزمن. حتى إذا تراكمت هذه التغيرات، حصلنا على نوع جديد.

فعلى سبيل المثال كلما تحركنا في الزمن ابتداءً من الباندركتايس مرورًا بالتكتاليك ووصولًا إلى الإكثيوستيجا، لاحظنا تراجعًا في الصفات السمكية. حيث تمثل الحيوانات حلقات انتقالية بين الأسماك والبرمائيات. فعلى سبيل المثال، نرى التدرج في فقدان الغطاء الخيشومي وتغير شكل الجمجمة تدريجيًا. يعد هذا الفقد واحدًا من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [4]

فقد الصفات السمكية في السجل الأحفوري. حقوق الصورة: Nature

تطور الثدييات من الزواحف

تطورت الثدييات في «العصر الترياسي-Triassic period» من زواحف «السينابسيدات-Synapsids». وتُسمى السينابسيدات بـ”الزواحف الشبيهة بالثدييات” [5]، ولكن هل نملك دليلًا على هذا الادعاء حقًا؟

تمتلك الزواحف عظامًا في الفك السفلي لا تمتلكها الثدييات. فالفك السفلي للثدييات يتكون من «العظام السِنّية-Dentary bones» فقط، بينما تمتلك الزواحف تراكيبًا أخرى في فكها السفلي جنبًا إلى جنب مع العظمة السنّية. فأين ذهبت هذه العظام؟

إذا تتبعنا السجل الأحفوري الذي يسجل تطور الثدييات من الزواحف، فسنكتشف حدوث تراجع تدريجي في جماجم الحفريات للعظام الأخرى مثل «العظمة الزاوية-Angular bone» و«العظمة الفوق زاوية-Surangular bone» كلما تقدمنا في الزمن نحو ظهور الثدييات.

مقارنة لحالة الفك في العصور المختلفة. حقوق الصورة: Palomar


كما يشير تطور آلية السمع عند الثدييات إلى تطورها من الزواحف. إذ تمتلك الزواحف عظمتين هما «العظمة المفصلية-Articular bone» و«العظمة الرباعية-Quadrate bone». ويتمفصل عند هذه العظام الفك السفلي لكل الأنواع ماعدا الثدييات، فأين ذهبت هذه العظام إذا كانت الثدييات متطورة من الزواحف؟

استمرت أحجام هذه العظام في الصِغر التدريجي حتى تغيّر موقعها وهاجرت إلى الأذن الوسطى لتكوين عظمتين مهمتين في السمع لدى الثدييات هما «عظمة المطرقة-Malleus bone». تطورت عظمة المطرقة من العظمة المفصلية، وتطورت «عظمة السندان-Incus bone» من العظمة الرباعية.

السجل الأحفوري غني بالعيّنات التي توثق تطور الثدييات من الزواحف. ومن الصعب التحدث عن حفرية بعينها كحلقة مفقودة بين الزواحف والثدييات، ولكن تعالوا معنا نتعرف على أحد أبرز هذه الحفريات الانتقالية. إنه «ثريناكسودون-Thrinaxodon».

«ثريناكسودون-Thrinaxodon»

تعد هذه الحفرية واحدة من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، حيث تسود العظمة السنّية تكوين الفك السفلي للثريناكسودون (مثل الثدييات). إلا أن الثريناكسودون احتفظ بالعظام المفصلية والرباعية (مثل الزواحف). كما امتلك ثريناكسودون «سقف حلق-Palate» مكتمل النمو ليسمح له بالتنفس والأكل في نفس الوقت (مثل الثدييات). أسنان الثريناكسودون لم تكن شبيهة بالأوتاد كالتي عند الزواحف، وإنما كانت ذات تركيبة معقدة كتلك التي عند الثدييات. لذلك يصح أن نقول عنها أنها ضروس. في الواقع كلمة “Thrinaxodon” هي كلمة يونانية تعني «ذو الأسنان الرمحية ذات الثلاث شعب-Trident tooth»، في إشارة إلى تكوين أسنانه. إلا أن أنه وعلى عكس الثدييات، امتلك ثريناكسودون عظمة تفصل بين «الفك الصدغي-Temporal jaw»، و«محجر العين-Eye socket».

ومما سبق نلاحظ امتلاك الثريناكسودون لكل من صفات الثدييات والزواحف، فهو يمثل حلقة وسيطة بينهما بحق. ولكنه ليس الوحيد، فكما قلنا أعلاه، السجل الأحفوري غني بالحلقات الوسيطة بين الثدييات والزواحف مما يجعل من الصعب الحديث عن حفرية بعينها على أنها هي الحلقة المفقودة بينهما. [6]

كائن الثريناكسودون. حقوق الصورة: Pinterest

تطور الثعابين

نعلم جميعًا أن الثعابين تزحف. لكننا شاهدنا في الجزء المتعلق بالنمو الجنيني أن أجنة الثعابين تنمو لها براعم أطراف خلفية في أولى ساعات نموها. واستنتجنا من هذا امتلاك الثعابين لجينات نمو الأرجل. وبالتالي تطورها من حيوانات كانت تمشي على أربعة أطراف. فما علينا الآن سوى أن نبحث في السجل الأحفوري عن حلقة انتقالية بين الثعابين وبين رباعيات الأطراف، فهل وجدنا شيئًا مشابهًا؟

وجد الباحثون مجموعة من الحفريات تعود لأنواع مختلفة. من أهمها هو «ناجاش ريونيجرينا-Najash Rionegrina»، والذي يعود إلى العصر الطباشيري. حفرية ناجاش هي حفرية مميزة ومهمة لدراسة تطور الثعابين وفقدانها للأطراف. فالناجاش، على عكس باقي حفريات الثعابين ذات الأطراف، يمتلك «عظمة عجز-Sacrum» (عظمة مثلثة الشكل تقع في آخر العمود الفقري). بالإضافة إلى أطراف خلفية قوية وجيدة النمو.

ولم تفقد الثعابين هذه الأرجل بشكل كامل. فكما ناقشنا سابقًا تمتلك الأصلات أرجلًا ضامرة بالقرب من نهاية ذيلها. وهو ما يدل على امتلاكها لأرجل في الماضي، تمامًا كما أكد لنا السجل الأحفوري. [7]

حقوق الصورة: conchovalleyhomepage.com

تطور الخيلانيات

تمتلك «الخيلانيات-Sirenians» (أبقار البحر) الحالية أطرافًا أمامية أشبه بالزعانف لتساعدها في السباحة. نلاحظ غياب تام للأطراف الخلفية، ولكن هذا لم يكن حال أسلافها.

في عام 1855، وصف عالم التشريح البريطاني «السير ريتشارد أوين-Sir Richard Owen» جمجمة غريبة عثر عليها في جامايكا تعود إلى ما بين 50 إلى 47 مليون سنة. أدرك أوين امتلاك هذه العينة لصفات مثل انتكاس خرطوم الأنف، بالإضافة إلى فتحات الأنف الموجودة أعلى الجمجمة، والعديد من صفات الخيلانيات. هذا وقد عثر على الجمجمة مع قطع من الضلوع سميكة وكثيفة للغاية، وهي صفة فريدة ومميزة للخيلانيات.

على الرغم من كون ريتشارد أوين معارضًا للتطور إلا أنه لم يستطع أن ينكر مشابهة هذه الحفرية للخيلانيات الحديثة. وأسماها أوين “Prorastomus serinoides”، وكانت بقية العظام فتاتًا، فتُرجح كونه حيوانًا رباعي الأرجل بحجم الخِراف.

وبعد سنوات، وتحديدًا في عام 1904، عثر على حفرية لما عرف باسم “Protosiren fraasi”، تعود إلى ما بين 40 إلى 47 مليون سنة (أي أنها أحدث من الprorastomus). وكما هو متوقع، فالشبه بين الكائنات الأقرب زمنيًا والكائنات الحالية أكبر منه بين الكائنات الأقدم والحالية وهو أهم ادعاءات نظرية التطور. امتلك الprotosiren جمجمة أكثر شبهًا للخيلانيات الحديثة بانتكاس أكثر وضوحًا لخرطوم الأنف، وفتحات أنف أكثر رجوعًا إلى الوراء على الجمجمة. كما امتلك أطرافًا خلفية صغيرة. وعلاوة على ذلك، لم تكن أوراكه مثبّتة بشكل جيد في عظام ظهره الخلفية. مما يعني أن الprotosiren كان حيوانًا مائيًا بالكامل، وأنه كان بالكاد مشي على اليابسة.

تطور الخيلانيات. حقوق الصورة: Pinterest

هل الprotosiren كاف كحفرية وسيطة؟

أظهرت حفرية الprorastomus بداية العظام السميكة والكثيفة الخاصة بأبقار البحر لكن أطرافها لم تكن محفوظة بشكل جيد. بينما كان الprotosiren ذو أطراف خلفية قصيرة ترجح أنه عاش في الماء. إذًا ما نحتاجه هنا هو العثور على حفرية وسيطة بينهما، وهي حفرية يجب أن تمتلك جمجمة وضلوعًا خيلانية. جنبًا إلى جنب مع المشي على أربعة قوائم، وهذا للتأكيد على تطور أبقار البحر من حيوانات أرضية.

وبالفعل عثرنا على هدفنا المنشود، فقد نشر «داريل دومنينج-Daryl Domning» اكتشافه في مجلة «نيتشر-Nature». حيث عثر على ما أسماه “Pezosiren portelli”، وهو حيوان بحجم الخنزير تقريبًا بهيكل عظمي مكتمل إلى حد كبير.

امتلك Pezosiren portelli جمجمة وضلوعًا خيلانية. والأهم من ذلك، امتلك pezosiren عظام ورك كاملة وأطرافًا أمامية وخلفية. وعلى الرغم من قِصر هذه الأطراف إلا أنها كانت طبيعية تمامًا للمشي عليها. بالإضافة إلى عدم امتلاكه لأي تراكيب متخصصة في السباحة، وهذا يعد دليلًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري.

وبهذا نكون قد عثرنا على الحلقة المفقودة في تطور الخيلانيات، لنثبت أن الخيلانيات الحديثة تطورت من ثدييات أرضية. والجدير بالذكر هنا هو أن الخيلانيات لم تفقد أطرافها الخلفية بشكل كامل، وإنما تملك بقايا أطراف خلفية ضامرة. [8] ، [9]

من الديناصورات إلى الطيور

بِتنا نعلم أن الطيور تطورت من الديناصورات، ولكن كيف علمنا هذا؟

بعد أن تساءل تشارلز داروين في كتابه عن سر عدم وجود حفريات انتقالية، عُثر على أولى حفريات «أركيوبتريكس-Archaeopteryx»، فقط بعد سنتين من نشر داروين لكتابه.

ويمتلك الأركيوبتريكس كلًا من صفات الطيور والديناصورات. فنراه يمتلك ذيلًا طويلًا، وهي صفة تشريحية لا وجود لها في الطيور الحديثة. إذ تكون ذيول الطيور قصيرة إذا نظرنا إلى هياكلها العظمية، كما امتلك أسنانًا. الأسنان كذلك صفة غير موجودة في الطيور الحديثة.

امتلك الأركيوبتريكس مخالبًا مشابهة لتلك التي عند الديناصورات ال «ثيروبودية-Theropods». مخالب الديناصورات كذلك صفة ليست طيرية. كما أن مكان التحام العمود الفقري بالجمجمة في الأركيوبتريكس من الخلف، وليس من الأسفل كما في الطيور. بالإضافة إلى «ضلوع المعدة-Gastralia» وهي ضلوع مميزة للزواحف (الديناصورات في هذا السياق).

الأركيوبتريكس. حقوق الصورة: ThoughtCo

إذًا فأركيوبتريكس مجرد ديناصور عادي، صحيح؟

هل الأركيوبيتريكس ديناصور عادي؟

كلا، فالأركيوبتريكس يمتلك ريشًا عند أطرافه الأمامية وعند ذيله كذلك. الريش صفة غير موجودة في الزواحف، فلا تمتلك الزواحف أي ريش على الإطلاق (عُثر على ديناصورات تمتلك ريش فيما بعد). كما أن إصبع الإبهام لدى الأركيوبتريكس كبير ومعاكس في الاتجاه لبقية أصابع قدمه، تمامًا مثل الطيور. فهل يصح تصنيف أركيوبتريكس كطائر؟

أيضًا لا، وإنما هو كائن انتقالي بين الديناصورات والطيور، وليس سلفًا للطيور. وكما في التكتاليك، فالأركيوبتريكس أيضًا حلقة واحدة وسط سلسلة من الكائنات الانتقالية التي توثّق تطور الطيور من الديناصورات، وكما الحال مع التكتاليك فقد عُثر على حفريات انتقالية أخرى غير الأركيوبتريكس لتوثيق تطور الطيور من الديناصورات، مثل “Rahonavis” والذي احتفظ بالأسنان، والمخالب، والذيل العظمي الطويل مثل أركيوبتريكس، ولكن فقرات وركه التحمت بعظام وركه (مثل الطيور الحديثة).

حقوق الصورة: Wikipedia

و”Confuciusornis” والذي فقد أسنانه، والتحمت فقرات ذيله لتكوين «ذيل ذنَبي-Pygostyle» كالذي نراه في الطيور الحديثة، ولكنه احتفظ بأصابع الديناصورات الطويلة

حقوق الصورة: Britannica

و”Sinornis”، وهو طائر بدائي احتفظ بالأسنان، وامتلك عظام حوض غير ملتحمة، و«رصغ مشط-Tarsometatarsus» غير ملتحم كذلك، إلا أنه امتلك ذيلًا ذنبيًا أقصر، وأصابع أقصر، وإصبع إبهام معاكس لبقية أصابع القدم بشكل كامل، وعظام صدر كبيرة لتثبيت العضلات المستخدمة في الطيران.

حقوق الصورة: Wikipedia


وكل هذه الحفريات الانتقالية تشهد على التطور البطيء والتدريجي للطيور من الديناصورات، وتُعد من أبرز أدلة التطور من السجل الأحفوري. [10]

السجل الأحفوري وتطور الإنسان

قد يطرح القارئ الآن سؤال “وماذا عن البشر؟”، ألا يحتوي السجل الأحفوري على أدلة تشهد على تطور البشر؟

بالطبع يحوي الكثير من الأدلة. ولكن هناك حفرية واحدة مهمة في السياق الذي نتحدث عنه (سياق الحفريات الانتقالية)، وهي حفرية «أوسترالوبيثيكاس أفارنسيس-Australopethicus afarensis». وعُرفت باسم “لوسي”، فما المهم بشأن هذه الحفرية؟

تعود هذه الحفرية إلى حوالي 3.7 مليون سنة. والمهم بشأن هذه الحفرية هو أنها تمتلك خليطًا من صفات البشر جنبًا إلى جنب مع صفات القرود. تعالوا معنا نتعرف عليها.

صفات الأوسترالوبيثيكاس

امتلك الأوسترالوبيثيكاس جمجمة تُشير إلى حجم دماغ صغير (من صفات القرود). كما تُعد أذرعه الطويلة وقفصه الصدري المخروطي من صفات القرود كذلك. إلا أن عموده الفقري وعظام حوضه وركبتيه أقرب إلى تلك البشرية.

ومن أهم مميزات أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس هي المشي المنتصب على قدمين، تمامًا كما نفعل، ولكن كيف عرفنا ذلك؟

نستطيع معرفة ذلك من خلال دراسة اتصال عظمة الفخذ بكل من الحوض والركبة. فعند البشر مثلًا، تميل عظمتا الفخذ نحو بعضهما البعض ليكون مركز الجاذبية واحدًا أثناء المشي المنتصب. بينما في أبناء عمومتنا من القرود العليا التي تمشي على أربعة قوائم. ونلاحظ أن عظام الفخذ لديهم تكون منفرجة. إذًا ما علينا هو أن نرى ما إذا كانت عظام فخذ لوسي تميل نحو بعضها البعض كالبشر أم منفرجة كالشيمبانزي. وبالفعل وجدنا أن عظمتي الفخذ تميلان باتجاه بعضهما البعض عند لوسي بدرجة مقاربة لدرجة الميل عند البشر. كما لاحظ الباحثون امتلاك لوسي لعظام حوض أقرب إلى البشر من تلك عند الشيمبانزي كما ذكرنا أعلاه. [11]

حقوق الصورة: Janet K. Ray

أدلة إضافية

عُثر على حفرية لآثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود إلى 3.6 مليون سنة، على امتداد 27 متر، بمجموع 70 أثرًا للأقدام. حيث سار ثلاثة أفراد في رماد بركاني مبتل. عندما ثار البركان القريب من هذا الموقع ثانيةً، غطّت طبقات من الرماد البركاني هذه الآثار وحفظتها لنكتشفها بعدها بأكثر من 3 مليون سنة. ولكن كيف عرفنا أن هذه الآثار تعود بالتحديد إلى نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس؟

يشير شكل الأقدام (الواضح من حفريات الآثار) جنبًا إلى جنب مع طول وترتيب أصابع القدم إلى أن هذه الآثار هي من صنع بشر بدائيين. والنوع البشري البدائي الوحيد الذي يعود إلى تلك الفترة هو نوع أوسترالوبيثيكاس أفارينسيس.

في الواقع، عُثر على حفريات ل Au. afarensis بالقرب من هذه الآثار وفي نفس الطبقة الرسوبية. وهو ما يخبرنا أن ال Au. afarensis كانوا موجودين في نفس المكان والزمان الذي تُركت فيه هذه الآثار. وبالتالي فهي آثارهم، مما يعني أنهم مشوا بشكل منتصب. [12]

وها نحن ذا نرى كيف أن حفرية قدمت واحدًا من أقوى أدلة التطور من السجل الأحفوري، تحديدًا تطور البشر.

حقوق الصورة: Humanorigins

السمك المفلطح

يُعد «السمك المفلطح-Flat fish» واحدًا من أغرب أنواع الأسماك. حيث أن عيني هذه السمكة يقعان على جانب واحد من رأسها. على عكس باقي الأسماك التي تقع كل عين من عيونها على جانب من رأسها. لذلك فتستلقي هذه السمكة على جانبها للرؤية. ولكن إن افترضنا أن هجرة العينين إلى جانب واحد من الرأس هو نتاج تطور من أسماك امتلكت عينًا على كل جانب (كما هو شائع). فيجب أن نعثر على حفرية انتقالية تمثّل حلقة وسيطة بين مواقع العيون المختلفة.

وبالفعل عثرنا على هذه الحفرية، إنها «أمفيستيوم-Amphistium». هذه الحفرية لا تمتلك عينًا على كل جانب، ولا عينين على نفس الجانب. وإنما تملك عينًا على أعلى الرأس، وعينًا على أحد الجوانب. فهي الحلقة المفقودة بين الأسماك التي تمتلك عينًا على كل جانب من الرأس، وبين السمكة المفلطحة التي تمتلك عيناها على جانب واحد من رأسها. وهذا أيضًا من أدلة التطور من السجل الأحفوري. [13]

حقوق الصورة: National Geographic

اتساق السجل الأحفوري

يقول عالم الأحياء البريطاني «ريتشارد دوكينز-Richard Dawkins»:

“يمكن إثبات خطأ التطور بسهولة لو عُثر على حفرية واحدة في ترتيب تاريخي خاطئ، وقد اجتاز التطور هذا الاختبار بنجاح عظيم”

حيث أن السجل الأحفوري يُظهر تدرجًا واضحًا في ظهور الصفات والكائنات. ويوّثق السجل الأحفوري انتقال الحياة من الأقدم إلى الأحدث، ولم يتم العثور على حفرية واحدة في غير موقعها من الخط الزمني للتطور. فلم نعثر مثلًا على حفرية بشرية تعود للعصور التي عاشت فيها الديناصورات، ولن يتم العثور على شيء كهذا.

ولكن ماذا عن الانفجار الكمبري؟ وماذا أيضًا عن وجود فجوات في السجل الأحفوري؟

كل هذا وأكثر سنجيب عليه في الجزء الأخير من هذه السلسلة.

المصادر

[1] Australian Museum
[2] Merriam Webster
[3] Nature
[4] Fandom
[5] Britannica
[6] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(261 – 267)
[7] Zoolinnean
[8] Nature
[9] THE STORY OF LIFE in 25 FOSSILS, by Donald R.Prothero, p.(288 – 293)
[10] Evolution: What the Fossils Say and Why It Matters, by Donald R.Prothero, p.(263 – 267)
[11] Natural History Museum
[12] Human Origins
[13] Fandom

فوائد وأضرار القهوة

هي ذلك الرفيق الذي يرافقك دائمًا. حين تكون حزينًا، تجد فيها ما يواسيك. تبدأ عملك برشفة منها وتنهي عملك بأخرى. حتى عطلتك الصيفية لا تحلو إلا بها مستمعًا لأنغام فيروز. القهوة؛ يراها البعض الدواء والشفاء، ويراها آخرون الداء.
كتبوا أشعارًا وقالوا عنها:
سلمني النادل فنجان القهوة
فنجان القهوة دوماً
يسلمني للصمت
والصمت يمل ضجيج المقهى،
يتركني للذكرى. .
الذكرى متعبة مني تتركني للحزن
الحزن يراود في شفتي القهوة كي ينسى!
وأنا الغارق في الأحزان
لم أشرب شيئاً أطلب فنجاناً آخر

كيف بدأت القهوة؟

ترجع العلاقة بين الإنسان والقهوة إلى أكثر من 1200 عام. ظهرت القهوة أولًا في شمال شرق أفريقيا وانتشرت منها إلى شبه الجزيرة العربية ومنها إلى أرجاء العالم. [1] [2]

يوجد حاليًا أكثر من 100 نوع من القهوة، ونستخدم نوعين فقط منها وهما «القهوة العربية-Coffea arabica» و«قهوة الكانيفورا-Coffea canephora». تعتبر القهوة ثاني أهم منتج حول العالم بعد البترول. كما أن اقتصاد بعض الدول قائم بشكل أساسي على القهوة. حيث أن متوسط الاستهلاك منها في أوروبا يصل لـ 5 كيلوجرام للفرد الواحد. [2] [1]

القهوة وعلاج الأمراض

تحتوي القهوة علي كميات كبيرة من «حمض الكلوروجينيك -chlorogenic acid» والكافيين. تحتوي القهوة غير المفلترة على «الكافيستول-cafestol» والـ«القهويول-kahweol». ـ[3]

ومن الخرافات الشائعة أن القهوة الداكنة تحتوي على  كميات أكبر من الكافيين من القهوة الفاتحة، بل في بعض الأحيان تحتوي القهوة الفاتحة على كافيين أكثر بنسبة بسيطة. [4]
يدخل الكافيين في صناعة العديد من الأدوية النفسية لما له من تأثيرات نفسية جيدة. على الرغم من أن القهوة تسبب ارتفاعًا في ضغط الدم وزيادة عملية الأيض ومدرة للبول، إلا أن الارتباط المباشر بين أمراض القلب والقهوة أصبح مشكوكًا فيه. على النقيض، انتشرت عدة دراسات تؤكد التأثير المذهل للقهوة على عدة أمراض مثل:

1- أمراض القلب

أثبتت التجارب المعملية على فئران تجارب أن الكميات المعتدلة من القهوة لها تأثير جيد على القلب حيث يعزّز خلايا القلب ويحميها من التلف. [5]

2- داء السكري

أظهرت الدراسات أن الذين يحتسون 4 فناجين أو أكثر من القهوة يوميًا تكون قابلية تعرضهم لداء السكري النوع الثاني أقل للنصف تقريبًا، لكن بالطبع لن نتعامل معها كدواء. يعتبر النوع الثاني من داء السكري هو أكثر الأنواع انتشارًا حيث يمثل تقريبا 90% – 95% من أمراض السكري حول العالم. [6]

3- السرطان

أوضحت الإحصائيات أن استهلاك القهوة قد يرتبط بتقليل خطر الإصابة بسرطان الكبد وسرطان الثدي وسرطان القولون في النساء. [6]

4- أمراض العقل والنفسية

وبالرغم من مرارتها إلا أن القهوة تقلل خطر الإصابة بالاكتئاب. [6]

5- التعمير

أظهرت دراسات أجريت على 10 مليون مشارك أن احتساء فنجان من القهوة يوميًا يقلل احتمالات الوفاة بـ 3% واحتساء ثلاثة فناجين يوميًا تقلل النسبة ل 13%. [6]

بالرغم من كل ذلك، ليست القهوة علاجًا سحريًا ولا طريقًا مختصرًا لصحة أفضل طالما لا تمارس رياضة بشكل مستمر وتتبع نظامًا غذائيًا صحيًا. وبالطبع لن تطيل القهوة من عمرك إذا ما احتسيتها وقت قيادتك لسيارتك على الطريق.

جيناتك تحميك من القهوة

قد تظن أن حبك للقهوة أو عدم شربك لها أو حتى الكميات المستهلكة منها يوميًا هي اختيار شخصي، إلا أن الدراسات مؤخرًا أظهرت أن الأفراد الذين ظهرت لهم أعراض أو لهم قابلية لتطوير أمراض قلب أو زيادة الضغط يميلون تِلْقَائِيًّا لتقليل استهلاكهم للقهوة أو حتى عدم احتسائها إطلاقًا. حيث إن جرعات زائدة من القهوة قد تسبب ارتفاعًا حادًا في ضغط الدم وبعض مشاكل بالقلب. [7]

أما إذا كنت من غير محبي القهوة فلا عيب في ذلك. يمكنك شرب كوب من العصير البارد على شاطئ البحر مستمعًا لأنغام فيروز.

المصادر

  1. sciencedirect
  2. americanscientist
  3. ncbi
  4. harvard
  5. scientificamerican
  6. ncausa
  7. oxford academic

ما هي جودة البيئة الحضرية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

تستقطب المدن الآن أعدادًا كبيرة من الناس الباحثين عن فرص أفضل للعمل والسكن وحتى للمرح. تعتبر جودة البيئة في المدن ذا أهمية لحياة أولئك الناس. وإذا نظرنا إلى الإسهامات العلمية في مجال الدراسات البيئية-البشرية نجد أن البحث في جودة البيئة الحضرية يكوّن صلب البحث في علم النفس البيئي والجزء الأكبر من الدراسات التجريبية والميدانية.

العديد من الظروف البيئية مثل الضوضاء والحرارة والتلوث الجوي والازدحام قد تكن مصادر ازعاج وقلق وتخفض جودة البيئة الحضرية؛ بينما يمكن لعوامل أخرى مثل البنى التحتية والمساحات الخضراء والمؤسسات الصحية والتعليمية رفع من جودتها.  جودة البيئة الحضرية «Urban Quality Environment»  إذن مفهوم متعدد الأبعاد.

عوامل الإجهاد البيئي

تُعرف العوامل البيئية المؤثرة سلبًا بالضغوطات البيئية. وتؤدي إلى الإجهاد البيئي «Environmental Stress»، تتسبب هذه الضغوطات في نتائج عدة، كالمشاكل الصحية والمشاعر السلبية والسلوكيات غير الاجتماعية.

ترتبط العوامل البيئية المحيطة بالأفراد بكيفية إدراكها، فتصبح تلك العوامل مصدرًا للإجهاد. إذا اعتبرها الفرد نشوزًا في بيئته على سبيل المثال. حيث يقوم الناس بتقييم الظروف المحيطة بهم على مستوى الحطورة والضرورة وإمكانية توقعها وإمكانية التحكم بها. ما يؤثر على شعورهم بالانزعاج منها أو اعتبارها مصدرًا للإجهاد والقلق. فعلى سبيل المثال، إذا اعتبر الفرد مصدرَ ضوضاءٍ ما (مثلًا أعمال صيانة للطريق أو صوت لعب أطفال في مسجد) غيرَ مهم أو خطرًا أو غير ضروري، فسيشعر بمستويات أعلى من الانزعاج والإجهاد بسببه عمّن ينظر إلى مصدر تلك الضوضاء بشكلٍ أكثر إيجابية (باعتبارها ضرورية ومؤقتة على سبيل المثال).

تعتبر مستويات التيقظ «Arousal» والاجهاد «Sensory Overload» أبرز آليات الاستجابة للمؤثرات البيئية السلبية. حسب قانون يركيس-دودسون، فالمستويات شديدة الانخفاض او الارتفاع من التيقظ تؤثر سلبًا على الأداء (بالشعور بالضجر في حالة الانخفاض والقلق في حالة الارتفاع)، بينما يكون الأداء مثيرًا ومثاليًا في مستويات متوسطة ومثلى من التيقظ البدني والعقلي.

في البيئات الحضرية يدفع تواجد عدة ضغوطات بيئية إلى الإجهاد. وحسب نظريات الإجهاد فإن استمرار تواجد الضغوطات يحتاج إلى جهد عقلي متواصل لمواجهة الضغط، ما يؤدي إلى مستويات  تيقظ مرتفعة على الدوام. وفي حال استمرار الإجهاد والتوتر لفترات مطولة يتطور الأمر إلى إرهاقٍ عصبي يقلص من القدرات الإدراكية والعقلية. وفي تلك الحالة يحتاج الفرد إلى أواليات للتعامل مع طاقاتهم وقدراتهم المنهكة، عن طريق الاهتمام والتركيز فقط على التعاملات والمعلومات المهمة وتجاهل الباقي.

في حالة الوصول إلى مرحلة الإرهاق العصبي فإن حتى أصغر المعاملات التي تتطلب بعض التركيز والجهد (مثل الحديث مع الجيران أو اللعب مع الأولاد) قد تكون غير محتملة. ولذلك ففي البيئات الحضرية تكثر حاجة الأفراد للانعزال.

المدينة كمتنفسٍ صحي

المدن ليست فقط مصادرَ للضغط والقلق، بل توفر أيضًا العديد من المتنفسات. فعلى سبيل المثال، يمكن لتخطيطٍ صديقٍ للمشاة «Pedestrian-Friendly» أن يحفز من تجارب التمشية للسكان. كما يمكنه أيضًا توفير تجارب يومية محببة للناس، كمشاهد الخضرة والناس ولعب الأطفال وغيرها من الأنشطة الدائرة في الطرق. ناهيك عن أن التصميم الصديق للمشاة يقلّص من تواجد السيارات في المناطق السكنية ما يضفي شعورًا بالأمان لدى السكان. وقد تحدثنا في المقالات السابقة عن فوائد المساحات الخضراء على سكان المدن. ونضيف الآن أن توافر العناية للمسطحات الخضراء والحدائق وصيانتها يخلق المزيد من الفرص للتعاملات الاجتماعية مع الآخرين، ويزيد من الشعور بالأمن والاهتمام أيضًا.

تعتبر بعض المناطق الحضرية أيضًا ملاذًا نفسيًا، أي أنها تساهم في خفض نسبة الضعط والإرهاق الذهني. فعلى سبيل المثال، يمكن لتواجد النباتات والمظاهر الجمالية عامةً أن تخفض معدلات الإرهاق الذهني (ما قد يساهم أيضًا في خفض معدلات العنف الأسري أحيانًا!). كما أن تواجد علامات طبيعية ومدنية متنوعة في المحيط ينعكس إيجابًا على تجربة السكان. فوجود منشأة كمتحفٍ أو دار عبادة على سبيل المثال ذات تصميم متسع ومتناسق (أي تسمح بالتجول والاستكشاف وتحتوي على علامات يسهل العثور عليها) قد يصاحب تأثيرًا صحيًا على الشعور بالضغط والإجهاد.

دراسة وتقييم جودة الحياة في المدن

يعرّف مفهوم الرضا السكنيّ «Residential Satisfaction»  بأنه الشعور بالرضا الناتج عن العيش في مكان (منزل، حي، أو بلدة). وقد طُوّر هذا المفهوم ليكون أكثر شمولًا، وبقدرٍ ما أكثر موضوعية، عن طريق شموله للمناحي الذهنية والسلوكية والشعورية لدى السكان.

يمكن تقييم الجانب الذهني للرضا السكني باعتبار الجوانب التي يراها الأفراد متعلقةً بجودة حياتهم بشكلٍ عام. أي الجوانب التي يدركون تأثيرها عليهم سلبًا أو إيجابًا. نعيد التذكير بأن انطباع الفرد عن المؤثرات المحيطة به قد يجعلها أشد توتيرًا. يستعمل المختصون في الدراسات الحضرية عدة مقاييس ومعايير نفسية لقياس هذه الانطباعات، ويحاولون مواءمتها في بيئات ثقافية متعددة.

يقاس الجانب السلوكي بشكلٍ رئيسي باعتبار التنقل السكاني، أي تغيّر سكن الفرد، باعتباره مؤشرًا على عدم الرضا السكني. على سبيل المثال، أشارت دراسة على 12 دولة أوروبية أن التكدس في غرف المنازل والمساكن كان مؤثرًا مباشرًا على التنقل السكاني. وأثرت عوامل أخرى كالأعطال المنزلية والضوضاء ومعدلات الجريمة على التنقل عبر آثارها السلبية على رضا السكان. الجانب الثالث، وهو الجانب الشعوري، سيكون عنوانًا لمقال لاحق حين نبدأ بالحديث حول نطاق الإدراك البيئي.

تقييم جودة المدن معماريًا

قد يكون مناسبًا في سياق الحديث عن مستويات الرضا السكانية وكيفية قياسها التطرق إلى تقييم الأماكن والمناطق الحضرية من وجهة نظر معمارية، وتحديد قيمتها ومدى رضا ساكنيها ومستخدميها عنها. تعتبر دراسة «Beyond Location» البريطانية رائدة في هذا المجال. حاولت هذه الدراسة معرفة ما يجعل مكانًا ما مفضلًا أو مكروهًا، وكيف يؤثر تفضيل الناس أو كرههم لمكان ما على سلوكياتهم نحوه؟ قامت هذه الدراسة بتحليل أكثر من 19000 مكانًا عامًا في 6 مدن بريطانية، باستعمال عدة وسائل لتحليل كمية ضخمة من البيانات. وتعتبر هذه الدراسة أكبر دراسة تجريبية من نوعها في هذا المجال.

أثارت هذه الدراسة العديد من النقاشات حول مستقبل التخطيط العمراني. إذ أشارت إلى أن العديد من مبادئ التخطيط العمراني الجديد «New Urbanism» غير مفضلة. وأن النمط التقليدي في التصميم والتخطيط ليس بذلك السوء. لكن تطرقت الدراسة لما هو أبعد من النمط المعماري، إذ حددت 8 مبادئ ترفع من قيمة مكانٍ ما بالنسبة لساكنيه ومرتاديه، وكانت بعض نتائجها مذهلة بالفعل.

وجدت الدراسة على سبيل المثال أن وفرة الحدائق والمسطحات الخضراء لا يرتبط بالضرورة بارتفاع قيمة المكان. إذ أن طبيعة المساحة الخضراء ومدى صيانتها كانا عاملين مهمين. وجدت الدراسة أيضًا أن السكان يشعرون بالرضا أكثر في  الأحياء متعددة الأنشطة (أحياء يتوفر فيها أماكن للسكن والتسوق والترفيه والعمل) عن الأحياء السكنية المحضة (كما هو مشهور في تخطيط الضواحي غربيًا). السكن بالقرب من معلمٍ ما وبالقرب من المنشآت التعليمية كان له أثر كبير في رفع تقييم الأماكن المحيطة وقيمتها.

المصادر:
[1] Urban Environmental Quality, in Environmental Psychology: an introduction; Lina Steg and Judith I. M. De Groot.
[2] Environmental Psychology – University of California, Irvine
[3] Beyond Location

ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

يسكن كوكب الأرض ملايين الأنواع من الكائنات الحية، ولا نعرف حتى الآن عدد هذه الأنواع بالضبط. ولكن الأكثر تقديرًا أن العدد يتراوح بين ٥ – ١٠ مليون، وتعرفنا إلى الآن فقط على ٢ مليون نوع منهم، وبالطبع ليسوا في مكان واحد بل في أماكن متفرقة من العالم.  بالإضافة إلى أن أغلب المشاريع العلمية التي تعمل على رصد الكائنات الحية من الممكن أن تتضمن في دراستها كحد أقصى ٢٠٠٠٠ نوع من حول العالم. وفي هذا المقال نتعرف على ما بعد ٥ انقراضات كبرى: هل نحن على أعتاب انقراض سادس؟

ما هي أهمية المشاريع البحثية لرصد وتصنيف الكائنات الحية؟

يعمل العلماء على العديد من المشاريع البحثية في رصد وتصنيف الكائنات الحية على كوكب الأرض لإلقاء الضوء على العناصر الأكثر تهديدًا والعناصر التي على وشك الانقراض. ويساعدنا ايضًا على التعرف على إمكانية تجنب فقدان الأنواع وإلقاء الضوء على العناصر التي تزداد ونفهم كيفية حدوث هذا. 

نظرة عامة على الإنسان وباقي الكائنات على كوكب الأرض

وإذا ألقينا نظرة عامة على الكائنات على كوكب الأرض نلاحظ أن أغلبها يزداد نصف أنواعها ويقل نصف أنواعها، على سبيل المثال تقل ٤٤٪ من الثدييات وتزداد ٤٩٪ منها بينما لا تتغير ٧٪ من هذه الأنواع. وأغلب الكائنات الأخرى تقترب من هذه النسب في الزيادة والنقصان والثبات. [1]

معظم الأنواع التي وُجدت على سطح الأرض انقرض منها ٩٩٪ تقريبًا، ولكن ليس لدينا أدلة قوية على هذه الأنواع. ومنذ عام ١٥٠٠م، انقرض حوالي ٩٠٠ نوع منهم ٨٥ نوع من  الثدييات و١٥٩ نوع من الطيور و٣٥ نوع من البرمائيات و٨٠ نوع من الأسماك. 

الانقراضات ال ٥ الكبرى

الانقراض هو جزء طبيعي من التطور، حيث نفقد ١٠٪ من الأنواع كل مليون سنة و٣٠٪ كل ١٠ مليون سنة و٦٥٪  كل ١٠٠ مليون سنة. وبانقراض أنواع، تتطور أنواع أخرى. وتعرف الانقراضات باختفاء الكائنات بمعدل أكبر من الطبيعي وقد حدثت ٥ انقراضات في تاريخ البشرية.

١. الانقراض الأوردوفيشي:

منذ ٤٣٣ مليون سنة، حيث عصر جليدي قاسي أدى إلى هبوط مستوى البحر ١٠٠ متر مما أدى إلى انقراض ٦٠ – ٧٠ ٪ من كل الأنواع ساكني المحيطات. وبعدها بوقت قريب تسبب تبخر الجليد في نقص الأكسجين وانقراض أنواع أخرى. 

٢. الانقراض الديفوني المتأخر:

منذ ٣٦٠ مليون سنة قبل الميلاد، تغير مناخي قوي ومستمر أضر بالحياة في قاع البحار مما أدى إلى قتل ٧٠٪ من الأنواع وتضمن تقريبًا كل أنواع المرجان. 

٣. انقراض العصر البرمي:

منذ ٢٥٠ مليون سنة قبل الميلاد حيث يعرف بالانقراض الأكبر، هلك ٩٥٪ من الكائنات وارتبط بقوة بالبراكين الضخمة في سيبيريا والانغماس في فترة قاسية من الاحتباس الحراري. 

٤. انقراض العصر الجوراسي:

منذ ٢٠٠ مليون سنة قبل الميلاد، فقدت الحياة ٧٥٪ من الأنواع الغريبة بسبب انفجار بركان آخر قوي، والذي بدوره ترك الأرض خالية للديناصورات لتمتد ومن هنا بدأ عصر الديناصورات. 

٥.انقراض العصر الطباشيري الثلاثي:

منذ ٦٥ مليون سنة قبل الميلاد، اصطدم كويكب عملاق بالمكسيك بعد انفجار بركاني قوي في المكان الذي يعرف الآن بالهند. شهد هذا نهاية عصر الديناصورات وفتح الطريق أمام الثدييات في الظهور وفي النهاية البشر. [3]

تأثير الإنسان على الانقراض

يُمثل الإنسان ١.,٪ من الحياة على كوكب الأرض و ٢,٥٪  من مملكة الحيوان. في حين تمثل النباتات وخصوصًا الأشجار ٨٢٪  من الكائنات. ونحن نحتاج إلى ٧٠ تريليون مننا لكي نماثل باقي الكائنات الحية. وتعيش ٨٦٪ من الكائنات على سطح الأرض و ١٣٪ من هذه الكائنات في باطن الأرض و١٪ فقط  في المحيطات. [2]

قلت الثدييات بنسبة ٨٥٪ منذ انطلاق حياة الإنسان على الكوكب. وأكثر من ١٧٨ نوع من الأنواع المشهورة انقرضت بسبب الصيد الجائر وسلوكيات الإنسان. 

بالعودة ١٠٠٠٠٠ سنة إلى الوراء، كانت الحياة زاخرة بالحيوانات البرية؛ كان الماموث يدور في أمريكا الشمالية والأسود في أوروبا وغيرها من الكائنات. 

وبظهور طريقة أخرى يحصل بها الإنسان على الطعام وهي الزراعة  بدأ باستصلاح أراضي كبيرة ونزع العشب منها. حيث من ١٠٠٠٠٠ سنة كان كل شخص يقطع ٠,١ هكتار،  وسنة ١٩٠٠م كان كل شخص يقطع ١,٥ هكتار. 

لم يعد التأثير على الحياة البرية الصيد فقط ولكن أيضًا استخدام الإنسان للموارد التي كانت تعتمد عليها الحيوانات. فيمكن تقسيم الحياة إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الزراعة (الصيد) ومرحلة الزراعة.

منذ عام ١٩٧٠م، قتل الإنسان ٦٠٪ من الحيوانات وهذا يشبه تقريبًا تفريغ أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأفريقيا  وأوروبا والصين.

في عام ٢٠١٥، أصبح الإنسان يمثل ٣٥٪ من الثدييات بعدد ٧,٤ مليار. والحيوانات التي يستخدمها الإنسان في الطعام مثل البقر والخروف أصبحت تمثل ٦٣٪ من الثدييات وباقي الثدييات تمثل ٢٪. 

في عام ٢٠١٨م استهلك العالم ٢١٠ مليون طن من اللحوم من الثدييات باستثناء الفراخ والتركي والبط وهذا يساوي ٣١ مليون طن كربون، ولو استمرت البشرية على نفس النمط بصيد الحيوانات من الممكن أن تفنى الحياة البرية في شهر واحد فقط. 

هل نحن على أعتاب انقراض سادس كبير؟

أولًا نحن في حاجة لمعرفة معنى انقراض كبير وهو عدد الأنواع التي تنقرض والوقت اللازم لذلك الانقراض. بمعنى أننا عندما نفقد أكثر من ٧٥٪ من الأنواع في وقت تقريبًا ٢ مليون سنة  يعتبر ذلك انقراضًا كبيرًا. 

منذ عام ١٥٠٠م، فقدنا ١٪ من الكائنات وهذا الرقم صغير وإن كنا فقدنا ٢٥٪ فقط فهو صغير أيضًا. 

ولكن فقد ١٪  خلال ٥٠٠ سنة فقط يعني أننا أمامنا  ٣٧٥٠٠ سنة لنصل إلى فقد ٧٥٪، وهذا أسرع بكثير من الانقراضات السابقة. 

الانقراض بهذا الشكل يكون من ١٠٠ – ١٠٠٠ مرة أسرع من السابق.

كم من الوقت اللازم لحدوث الانقراض السادس الكبير؟

في خلال ال ٥٠٠ سنة السابقة  فقدنا ١٪ من الأنواع وسنأخذ من الوقت ٣٧٥٠٠ سنة حتى نفقد ٧٥٪ من الأنواع. وأصبح الانقراض الآن أسرع بكثير في خلال ال ٥٠ سنة الماضية، وإذا أخذنا في الاعتبار معدل الانقراض منذ سنة ١٩٨٠م سندخل الانقراض السادس  في خلال ١٨٠٠٠ سنة فقط.

لا يعتبر هذا كلام نهائي، ولكنها توقعات تقترب من الصحة، وفي أسوأ الأحوال في حالة فقدنا كل الأنواع المهددة بالانقراض في ال ١٠٠ سنة القادمة سيكون الانقراض السادس في خلال ٢٥٠ – ٥٠٠ سنة. [4]

كيف نمنع الانقراض السادس الكبير؟

نحن الآن السبب الرئيسي لهذا الانقراض حيث نقوم بإزالة الغابات وتغير المناخ وإفساد المحيطات والصيد والتلوث البيئي. لكن سابقًا كانت البراكين والزلازل والتغيرات المناخية فقط، فمن الممكن أن نمنع إزالة الغابات مما يساعد على اعتدال المناخ والسماح للنظام البيئي بالالتئام. بالإضافة إلى منع وتحريم الصيد الجائر وإيقاف تلوث المياه. 

ما نعرفه الآن أننا على أعتاب الانقراض السادس ومن الواضح أن معدل الانقراض يزداد وقد يقل ولكن الهدف الرئيسي هو معرفة لماذا انقرض كل كائن حي ونحاول حل هذه المشكلة. 

مصادر:

[1] our world in data

[2] our world in data

[3] The guardin

[4] our world in data

موسيقى الجاز: الموسيقى التي وُلدت من رحم النضال ضد العنصرية

هذه المقالة هي الجزء 10 من 11 في سلسلة أثر الموسيقى وتطورها

لا تقتصر مقاومة الشعوب للظلم والعنصرية على النضالات السياسية والعسكرية، بل هي تتخطاها إلى النضالات الفنية والموسيقية. وتُعد موسيقى الجاز أحد أبرز الأمثلة على المقاومة بالفن. فما هو الجاز؟ وما هو تاريخ هذا النمط الموسيقي؟ وكيف ساهم الجاز بمحاربة العنصرية؟

ما هو الجاز؟

“الجاز – Jazz” هو نمط موسيقي واسع أُنشئ في الولايات المتحدة الأميركية من قبل الأميركيين من أصل أفريقي، تميّز في بداياته بالارتجال الموسيقي. وهو يجد جذوره في موسيقى “البلوز – Blues” و”الراغتايم- Ragtime”، ويمزج بين الإيقاعات الأفريقية والهيكلية الموسيقية الأوروبية.

يتميّز الجاز غالبًا بتناغم موسيقي (هارموني) معقّد، وتأخير النبرة الموسيقية (syncopation) وبدرجات مختلفة من الارتجال الموسيقي. من أكثر الآلات الموسيقية المُستخدمة في الجاز هي آلة الـ”ترومبيت-Trumpet” والـ”ساكسوفون -Saxophone” والبيانو والـ”درامز – Drums” والغيتار.

من الصعب تحديد تعريف واضح وخصائص موسيقية ثابتة للجاز، إذ أنه منذ نشأته في القرن العشرين، شهد الجاز تغيرات وتطورات كبيرة، وتفرع بعدد من الأنواع الموسيقية المختلفة. ولكن على الرغم من تنوّعه، يتمتع الجاز بهوية فريدة وخاصة تميّزه عن باقي الأنماط الموسيقية.

تاريخ موسيقى الجاز:

انطلق الجاز في بدايته من مدينة نيو أورلايانز التي تقع في ولاية لويزيانا الأميركية، وذلك في بدايات القرن العشرين. وقد شكّلت الخلفية الثقافية الغنية لهذه المدينة أرضًا خصبة لتشكل نمط الجاز الموسيقي، فقد تميّزت نيو أورليانز بالتنوع السكاني الأكبر بين المدن الجنوبية، بحيث جمعت المدينة سكانًا من أصول أفريقية وفرنسية وكاريبية وأيطالية وألمانية ومكسيكية وبريطانية وغيرها. بين العامين 1910 و 1915، انتشر تنظيم أدوار الآلات الموسيقية ضمن مجموعة متناسقة. ورغم عدم إتاحة كل الآلات الموسيقية للعازفين ذوي البشرة السمراء، استطاع هؤلاء خلق موسيقى متناسقة ومستقلة، من خلال استخدام الآلات المتاحة لهم كالكلارينيت والبوق (ترومبيت) والترومبون والتوبا والبيانو والآلات الايقاعية. بعد فترة، بدأ الموسيقيون بالارتجال خلال عروض الفرق الموسيقية، وكانت هذه بداية موسيقى الجاز.

امتزجت الموسيقى الأفريقية التقليدية مع أنماط موسيقية أخرى لينمو الجاز تدريجيًا متجذرًا من الراغتايم والبلوز وموسيقى فرق المسيرة. وكان الجاز في بدايته موسيقى للرقص. بعد تسجيل أغاني الجاز الأولى في عام 1917، انتشر الجاز سريعًا في مدن وولايات أخرى.

نجوم الجاز الأوائل

وقد لمع نجوم الجاز الأوائل أمثال لويس أرمسترونغ ودوك إلنجتون و تشارلي باركر الذين رسموا ملامح موسيقى الجاز. ابتدع هؤلاء تقنياتها وقادوا انتشار الجاز في الولايات المتحدة الأميركية والعالم. في العشرينيات من القرن الماضي، تجذّر الجاز للمرة الأولى في بريطانيا متأثرًا بموجة الجاز الأميركية. وهو ما ساهم في انتشاره في باقي دول العالم.

في الاربعينات، ساهم انتشار الراديو والأفلام والإعلانات بانتشار أكبر لموسيقى الجاز. تحول مغنيو هذا النمط المةسيقي إلى نجوم عالميين وذوي شعبية عالية. كما انتقل العديد من عازفي الجاز إلى الخدمة العسكرية خلال الحرب، ممّا فتح المجال أمام عازفات إناث لدخول مجال الجاز. وقد شهدت سنوات الخمسينات على نجاح كبير للجاز أيضًا، بحيث اعتُبر موسيقى جيل الشباب، وقد تأسست نوادي الجاز في مختلف دول العالم. كذلك تأسس فرع موسيقي جديد تحت مظلة الجاز وهو اليببوب (Bepop).

في الستنينات، شهدت موسيقى الجاز تغييرًا كبيرًا وقد وُلد نمط موسيقي جديد سمّي بالجاز الحديث. لكن صعود نجم موسيقى الروك جعل من الجاز أقل شعبية من ذي قبل. ورغم ذلك، استمرت موسيقى الجاز بالتجدد والانتشار، وهي تعتبر من أهم الانماط الموسيقية وأكثرها انتشارًا وشعبية حتى اليوم.

كيف ساهمت موسيقى الجاز بمقاومة العنصرية؟

كانت موسيقى الجاز بمثابة مساحة للأميركيين ذوي البشرة السمراء، للتعبير عن معاناتهم وأوجاعهم وأفراحهم ورغباتهم، وقد وُلدت موسيقى الجاز في أكثر المناطق التي عانت من التمييز العنصري. كما عبّرت هذه الموسيقى عن هوية الأميركيين ذوي البشرة السمراء وفخرهم بأصولهم الإفريقية وتاريخهم.

لكن دور الجاز لم يقتصر على كونه وسيلة للتعبير، بل تحوّل لأداة لرفع الصوت بوجه التمييز العنصري، من خلال كلمات أغاني الجاز وموسيقاها. فقد بدّل مثلًا لويس أرمسترونغ كلمات أغنية “What did I do to be so” ليثير قضية التمييز العرقي في كلماته سنة 1929. وفي العام 1960، أصدر “ماكس روتش – Max Roach” ألبوم الجاز تحت اسم “We insist!”، الذي غنى فيه عن تاريخ العبودية وتحرر الأفارقة من أنظمته وشمل دعوات لتحرير جنوب أفريقيا. كما غنى العديد من مغني الجاز ضد التمييز الطبقي والجندري.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت صناعة الجاز باختلاط الأميركيين البيض والسود، ورغم وجود التمييز العرقي في كافة القطاعات، اكتسب المغنون السود احترامًا كبيرًا ومعاملة عادلة مقارنة بالمغنين البيض.

Jazz stands for freedom. It’s supposed to be the voice of freedom: Get out there and improvise, and take chances, and don’t be a perfectionist – leave that to the classical musicians

Dave Brubeck

يقول مغني الجاز داف بروبيك أن الجاز هو “صوت الحرية”. وقد ساهم الجاز في كسر حواجز الخوف والعنصرية من جهة، وبكسر تقاليد الموسيقى التقليدية من خلال إفساح المجال للارتجال من جهة أخرى. من هنا، يُعتبر هذا النمط الموسيقى ثورة فنية، بدأت في مدينة تعاني من الفقر والتمييز ووصلت أصداؤها إلى العالم أجمع.

المصادر:

American history
Britannica
National jazz archive
York college

إقرأ أيضًا: ما هي موسيقى الروك؟ وكيف نشأت؟

كيف وظفت الجماعات الإرهابية وسائل الإعلام؟

خلال فترة عيد الميلاد من عام 2019 انتشر مقطع فيديو مدته 56 ثانية، يظهر فيه عناصر من تنظيم داعش وهم يقتلون شخصًا رميًا بالرصاص، ثم دفعوا عشرة أشخاص آخرين أرضًا و أطاحوا برؤوسهم.

الغرض من هذا المقطع المصوّر في نيجيريا هو تسليط الضوء على التكتيكات الوحشية، والحصول على أكبر قدر ممكن من الاهتمام.[1]

الجماعات الإرهابية ووسائل التواصل الاجتماعي

تستخدم الجماعات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات للعديد من الأغراض؛ كجمع وتبادل المعلومات والتجنيد والتدريب. حيث أكّد التقرير الصادر عن مركز Simon Wiesenthal في عام 2014م، على وجود أكثر من 30000 ألف منتدى وموقع وحساب على وسائل التواصل الاجتماعي يتم الترويج لها .[2]

تفوق “تويتر” في عام 2013_ 2014م على شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى. حيث استخدمته الجماعات الإرهابية لنشر محتواها، كمقاطع الفيديو وإصدار بيانات إخبارية.

كما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للإرهابيين فرصة الاتصال المباشر بجمهورهم المستهدف لنشر الرعب وتجنيد المتابعين أو إقناعهم. ووصِف تنظيم داعش بأنه أكثر الجماعات الإرهابية مهارة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد أعضاء جدد.[3]

تصنيف العلاقة بين الجماعات الإرهابية ووسائل الإعلام:

قسّم عالم الاجتماع الفرنسي «مايكل ويفيوركا» العلاقة بين الجماعات الإرهابية ووسائل الإعلام إلى أربعة مستويات مختلفة وهي:

  1. اللامبالاة الكاملة: حيث ترتكب الجماعات الإرهابية أفعالها دون أي اعتبار للتغطية الإعلامية.
  2. اللامبالاة النسبية: تدرك الجماعات الإرهابية في هذه الحالة أن وسائل الإعلام يمكن أن تساعد قضيتهم، لكنها لا تزال غير مهتمة بالتغطية الإعلامية.
  3. استراتيجية ذات توجه إعلامي: تستخدم الجماعات الإرهابية الإعلام لنشر رسالتها.
  4. الانفصال الكامل: يُنظر إلى الإعلام على أنه العدو، تُعامل وسائل الإعلام بنفس الطريقة التي يُعامل بها على أي عدو.[4]

أهداف الجماعات الإرهابية من التغطية الإعلامية:

الحقيقة أن أهداف الجماعات الإرهابية لا تقتصر فقط على جذب انتباه الجماهير، بل تهدف من خلال الوصول إلى وسائل الإعلام للتعريف بقضاياهم ودوافعهم الإرهابية. أي بالنسبة للجماعات الإرهابية، تعمل وسائل الإعلام كأداة لخلق جو من الخوف والريبة، والوصول إلى جمهور أكبر، وبالنظر إلى هذه الدوافع يمكننا القول أن الإرهابيين ينفذون هجماتهم بعقلانية وإستراتيجية مع إدراك كامل لتأثير التغطية الإعلامية على كل شريحة من المجتمع.

وكما يجادل ستول في دراسته المنشورة سنة2002م، فإن الإرهابيين يهتمون في المقام الأول بالجمهور وليس الضحايا، ويؤكد أن تفاعل الجمهور لا يقل أهمية عن الفعل نفسه.[5]

لماذا تغطي وسائل الإعلام القصص المتعلقة بالإرهاب؟

 تعتبر وسائل الإعلام الموضوعات المتعلقة بالإرهاب موضوعات جذابة بالنسبة لها  حيث تحتوي على عناصر الدراما والخطر والمأساة الإنسانية واللقطات الصادمة، مما يجعل العديد من وسائل الإعلام مهتمة دائمًا بنقل أخباره.[5]

آثار العنف الإعلامي:

في ستينيات القرن الماضي تم التحقيق في الدراسات الارتباطية؛ التي تشير لوجود صلة بين مشاهدة العنف والسلوك العدواني. وذلك من خلال التجارب التي أشارت إلى أن مشاهدة العنف يمكن أن تسبب بالفعل سلوكًا عدوانيًا لدى الأشخاص.[6]

 وفي جامعة فرجينيا عرض قسم أبحاث التكنولوجيا على الطلاب عدة أفلام غير عنيفة، تلتها أفلام عنيفة. وقد أشارت النتائج إلى أن الأفلام العنيفة يمكن أن تزيد من السلوك العدائي.[7]

كيف يمكن مواجهة آثار الإرهاب المتعلقة بوسائل الإعلام:

  1. يجب على وسائل الإعلام تقديم أوضح المعلومات وأكثرها واقعية وتوازنًا إلى الحد الذي يمكن فيه منع سوء تفسير الحوادث المتعلقة بالإرهاب من قبل الجمهور.
  2. أن تقوم وسائل الإعلام بإعادة تقييم وتغيير خطابها عند تغطية الأخبار والقصص المتعلقة بالإرهاب.
  3. يمكن للحكومات أن تقدم المساعدة لأجهزة الإعلام من خلال إعطاء الخلفية التاريخية والسياسية لأي عمل أو قصة مرتبطة بالإرهاب، حيث أن الهدف النهائي لوسائل الإعلام هو تقديم المعلومات بشكل صحيح.[5]

اقرأ أيضاً: الإعلام المرئي والعنف عند الأطفال

 المراجع:

[1]bbc

[2]journals.sagepub

[3]eeradicalization

[4]review.upeace.org

[5]e-ir.info

[6]psychologytoday

[7]psychologytoday

كيف بدأت موسوعة جينيس؟

من رجلٍ يجر شاحنة تزن طنين تقريبًا وهو سائرًا على يديه مقلوبًا، إلى آخر كسر 122 ثمرة جوز هند في دقيقة واحدة بقبضة يده،[1] إلى عجوزًا يبلغ الـ 82 ربيعًا أطال أظافره لـ 66 عامًا حتى بلغت أكثر من 900 سنتيمترًا،[2] أو تلك السيدة البريطانية صاحبة الرقم القياسي كأول سيدة بلحية كاملة! [3]

كل تلك الأرقام لم نكن لنعرفها لولا وجود موسوعة سُميت بـ «موسوعة جينيس للأرقام القياسية»، فكيف بدأت إذًا؟!

بداية موسوعة جينيس بحفلة صيد!

من اليسار لليمين، السير “هيو بيفر”، أول إصدار لموسوعة جينيس، التوأمان “ماكويرتر”، وأخيرًا “نوريس ماكويرتر”
حقوق الصورة: https://www.guinnessworldrecords.com/Images/Our-History-collage-4_tcm25-478379.jpg

في أوائل عام 1950، وفي حفلة صيد بإحدى مقاطعات إيرلندا، تجادل السير “هيو بيفر” المدير التنفيذي لشركة “جينيس للجعة” مع مضيفي الحفلة حول أسرع طائر يتم اصطياده من بين كل الطيور، وكانت المشكلة هي عدم وجود أي مرجع به معلومة موثوق بها حول هذا الأمر لتسوية الجدال بينهم، ومن هنا شرع “بيفر” في إيجاد حل لتلك المشكلة. [5] [4]

ولأنه رجل أعمال بالمقام الأول، لم يُنشئ “بيفر” الموسوعة شخصيًا، بل كلف أحد موظفيه ويُدعى “كريستوفر شاتواي” بإيجاد من يُنشأ له تلك الموسوعة. وبالفعل رشح “شاتواي” التوأمان “نوريس وروس ماكويرتر” حيث كانا محبان لتجميع الحقائق والأرقام، بالإضافة لعملهما في مجال الصحافة الرياضية. [5] [4]

مرحلة تأليف الموسوعة

ومن هنا بدأت عملية تأليف الكتاب، فبعد مرحلة بحث أولية، بدأ التوأمان في تجميع الأرقام القياسية والحقائق بالكتاب. ولم يكن هذا الأمر بالهين، بل استغرقهم تأليف الكتاب حوالي 13 أسبوع بمعدل 90 ساعة عمل لكل أسبوع، وبعطلات نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية. [5] [4]

ولم يعلم التوأمان حينها أن هذه الموسوعة ستصبح من أكثر الكتب مبيعًا على الإطلاق، وواحدة من العلامات التجارية الأكثر شهرة بل وموثوقية في كل العالم. فبحلول عام 1955، نُشرت أول نسخة من الموسوعة، فطُبعت 50 ألف نسخة منها، وببداية عيد الميلاد “الكريسماس” لم تتبقى نسخة واحدة منها. [5] [4]

تطور الموسوعة على مدار التاريخ

ومن النسخة الأولى تقريبًا، وحتى النسخ التي نُشرت بمنتصف القرن الماضي، ركز الناشرين على تجميع الأرقام القياسية المرتبطة بالطبيعة والطيور خاصةً بالموسوعة. ثم بعد ذلك، انتقل الناشرين إلى التركيز على الإنجازات الفردية للبشر. [7] [6]

صورة توضح طول “روبرت وادلو” الخارق!
https://www.guinnessworldrecords.com/assets/516297?width=780&height=497

فعلى سبيل المثال، تجد الأمريكي “روبرت وادلو” صاحب الرقم القياسي لأطول رجل بالعالم، حيث وصل طوله إلى 272 سنتيميترًا. وبعمر الـ 9، كان يحمل أباه -الذي كان طوله 180 سنتيمترًا ووزنه 77 كيلو جرامًا- ويصعد به سلم المنزل.

ولكنه توفى وهو في سنٍ صغيرٍ عن عمر ناهز الـ 22 عامًا، ودُفن في نعشٍ بلغَ طوله 3 أمتار ونصف. [8]

واستمرت الموسوعة في مجاراة التطور، فتغيرت أحجام وتنسيقات كتب الموسوعة، فتحولت إلى مجلد كبير ملئ بالصور الملونة، فأصبحت أكثر جاذبيةً للأطفال، بل ولنا نحن الكبار أيضًا، فبين أشياء نريد أن نعرفها مثل، أكبر بيتزا إيطالية تم صُنعها بمساحة 1262 مترًا مربعًا أي كمساحة حمام سباحة! [9]

وبين أشياء لا نريد أن نعرفها مثل، شخصًا ألمانيًا يُدعى ” فرانز هيوبر” ابتلع 28 سيفًا مرةً واحدةً! [10]

وبين هذا وذاك، استمرت الموسوعة كأفضل الكتب مبيعًا رغم اختلاف العصور، والثقافة، ودخول التكنولوجيا، إلا أنها لا تفشل أبدًا في مفاجأتنا وإشباع فضولنا.

المصادر

  1. Guinness World Records channel on YouTube
  2. Guinness World Records page on Facebook
  3. Guinness World Records website
  4. BBC UK The Witness History podcast (Audio)
  5. Guinness World Records history
  6. Guinness World Records history timeline
  7. Guinness World Records Through the years
  8. GWR Tallest man ever
  9. GWR Largest Pizza
  10. GWR Most swords swallowed

نظرية البجعة السوداء، كيف يكون المستحيل ممكنًا؟

أحيانًا ما لا نعرفه أهم بكثير مما نعرفه. يتعلم البشر بطبيعتهم من التجارب السابقة ويبنون سلوكهم على أساسها، ويتصرفون وفقًا لخبرتهم. ومع تطور العلم، تطورت قدرات البشر على توقع الأحداث وفقًا للمعطيات. ولكن بالرغم من ذلك، يأتي حدث غير متوقع ذو تأثير مدوي لينسف كل خبراتنا القديمة وتوقعاتنا، وهذا ما وصفه نسيم طالب في نظرية البجعة السوداء.

ما هي نظرية البجعة السوداء؟

المفهوم تاريخيًا

يرجع أصول مصطلح البجعة السوداء لوصف شيء مستحيل الحدوث إلى القرن الثاني، وذلك عندما وصف الشاعر الروماني جوفينال شيء بأنه “طير غريب في الأراضي، كأنه بجعة سوداء”، ولم يكن هناك أي مشاهدة لها حين صياغة هذا المفهوم. وبقي هذا المفهوم مثلًا شائعًا في لندن للتعبير عن استحالة وجود الشيء حتى مشاهدة البجع الأسود عام 1697 في قارة استراليا. وعندها تحول هذا المفهوم من الاستحالة إلى إمكانية دحض فكرة استحالة أي شيء لاحقًا.

نظرية البجعة السوداء

وهو مفهوم طرحه البروفسور والباحث الاقتصادي نسيم نيكولاس طالب لوصف حدث شبه مستحيل الحدوث، وله تأثير قوي جدًا. في البداية صيغ المفهوم لشرح الأحداث نادرة الحدوث في مجال الاقتصاد ولكنه وسع المفهوم عام 2007 ليشمل أحداث أخرى مثل الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية.

صفات الحدث

وصف نسيم طالب هذا الحدث بأنه:
1- الحدث مفاجئ جدًا بالنسبة للمراقب.
2- الحدث له تأثير هائل.
3- بعد تسجيل الحدث المفاجئ، يتم تبرير عدم التنبؤ به وبعواقبه بأنه “إدراك متأخر”، وأنه كان من الممكن توقعه.

أمثلة عن أحداث البجعة السوداء

هناك أمثلة عديدة عن أحداث البجعة السوداء المشهور عالميًا على مر التاريخ، أبرزها الحرب العالمية الأولى، وتفكك الاتحاد السوفييتي، هجوم 11 أيلول في أميركا، الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.

الانهيار الاقتصادي عام 2008

استخدم طالب الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت بعد إصداره لكتابه عام 2007 كمثال واضح على نظرية البجعة السوداء، وجادل بأنه إذا سُمح لنظام معطل بالفشل، فإن هذا الفشل سيقويه حكمًا في مواجهة هذه الكوارث لاحقًا، وسيمنحه مناعة في مواجهة حوادث مشابهة.

أما النظام المدعوم والمعزول عن الكوارث بشكل تام فهو معرض أكثر للخسائر ضمن كوارث البجعة السوداء، وكان الانهيار الاقتصادي العالمي وصف مثالي عن النظرية، فكان شبه مستحيل الحدوث، وذو تأثير كارثي عالمي، وتم تبرير عدم ملاحظته مسبقًا بالإدراك المتأخر.

هل يعتبر الوباء العالمي مثالًا عن أحداث البجعة السوداء؟

هناك جدل واسع حول كون الوباء الحالي حدث “بجعة سوداء” فهو كان نادر الحدوث، وذو أثر مدوي على جميع الأصعدة. وهو يفي بالمعايير، لكنه سابق الحدوث فهناك انتشارات للأوبئة عديدة على مر التاريخ، ما قد يجعله بجعة بيضاء، أي حدث طبيعي. ولكن استعداد الحكومات لمواجهة الوباء هو ما جعل هذا الحدث غريبًا، وذو تأثير كارثي.

التكيف مع حدث البجعة السوداء

يؤكد طالب أن حدث البجعة السوداء سيبقى شبه مستحيل التنبؤ، ولم يكن هدفه بناء قدرة على توقع الحدث الغير متوقع. وإنما الهدف هو بناء مناعة ضد الأحداث السلبية مع استمرار استغلال الأحداث الإيجابية.

وضح أن البنوك والشركات التجارية معرضة بشدة لأحداث مشابهة وقد تتعرض لخسائر لا يمكن التنبؤ بها. وفي الطبعة الثانية من كتابه قدم عشرة مبادئ لمجتمع مقاوم للبجعة السوداء.

بالنسبة للتنبؤ بالأحداث نادرة الحدوث يجادل طالب أن الأدوات القياسية للإحصاء والتنبؤ مثل التوزيع الطبيعي، لا تنطبق لأنها تعتمد على عينات كبيرة من السكان وأحجام للعينات قد لا تتوافر لتوقع حدث نادر الحدوث. أي أن الاستقراء عن طريق الإحصائيات السابقة لتجنب الكارثة قد يجعلنا أكثر عرضة لها.

المصادر:

nytimes
ig.com
investopedia
wikipedia

تاريخ الشطرنج: كيف بدأت اللعبة؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة تعلم كيف تلعب الشطرنج للمبتدئين

تاريخ الشطرنج: كيف بدأت اللعبة؟

 تعد لعبة الشِطرنج أشهر لعبة فكرية واستراتيجية على مر التاريخ. على الرغم من بساطة رقعتها، إلا أنها تتطلب قدرًا هائلًا من التمرس لإتقانها. تتكون اللعبة من 64 مربع و32 قطعة مقسمة على لاعبين، يأخذ كل منهما 16 قطعة بلونين مختلفين، ولكن المعضلة تبدأ بعد الحركة الأولى، حيث تتحول اللوحة الفنية -رقعة الشطرنج- إلى فوضى عارمة، فبعد الحركة الأولى لكل لاعب يصبح هناك 400 احتمال لترتيب القطع، وبعد الحركة الثانية لكل منهما يصبح الرقم 197.742، أما بعد النقلة الثالثة لكل لاعب تصبح عدد الاحتمالات 121 مليون ولكي لا تحبط عزيزي القارئ لن أذكر الاحتمال الرابع(1). هيا عزيزي القارئ لنبحر في جولة عن كيف بدأت اللعبة..

من اخترع الشطرنج؟

في الواقع لا يوجد جواب حتمي على هذا السؤال؛ فقطع الشطرنج وجدت في بلدان وثقافات عديدة، كالهند والصين وروسيا وباكستان، ولكن المرجح أنها ولدت من رحم لعبة “الشطورانجا” الحربية. والتي ذكرت في الملحمة الهندية السنسكريتية القديمة “مهابهاراتا” في القرن السابع الميلادي. ولذلك تعد لعبة الشطورانجا هي النسخة القديمة لما نراه اليوم في رقعة الشطرنج المعهودة. (2)،(3)

تطورت لعبة الشطورانجا تدريجيًا، حيث يذكر بعض المؤرخين أنها كانت تلعب على 64 مربع، ولكن بالنرد، ثم بمرور الوقت أصبحت تلعب بالقطع. وذاع صيتها في شمال الهند وباكستان وبعض الدول في جنوب قارة آسيا في القرن السابع الميلادي. وأخذت تتطور يومًا بعد يوم، وكان يحملها الكثير من البوذيين وتجار طريق الحرير المشهور، ولكن طريقة اللعب كانت مختلفة، حيث كانت توضع القطع على خطوط تقاطع المربعات ال 64 وليس على المربعات نفسها. (2)، (3)

في عام 750 ميلادية، وصلت اللعبة إلى الصين فغيروا هيئتها وجعلوها مكونة من 90 مربع، وبحلول القرن الحادي عشر كانت اللعبة في اليابان وكوريا بهيئتها المعهودة. (2)

غزو الشطرنج لأوروبا

في فترة الإمبراطورية البيزنطية، وصل الشطرنج من بلاد فارس إلى أوروبا، وفي تلك الفترة لعبت أقدم مباراة شطرنج مسجلة في التاريخ بين مؤرخ بغدادي وأحد تلاميذه في القرن العاشر. في نفس العام أدخل المسلمون اللعبة على شمال إفريقيا وصقلية إسبانيا، بينما كان السلاف الشرقيون ينشرون ثقافة الشطرنج في روسيا (أقوى دولة في الشطرنج) عن طريق كييف، بالتوازي مع المسلمين. أما بعض الدول الأوربية الأخرى مثل إنجلترا وأيسلندا، فتوغل الشطرنج إليهم عن طريق الفايكينج. (2)

الشطرنج، لعبة الملوك والأمراء

بعد وصول الشطرنج إلى أوروبا بعد قرن تقريبًا، تم حظر اللعبة! حيث وصفها الكثير من القساوسة والرهبان وحتى المعلمين على أنها لعبة مقامرة. وقام الملك لويس التاسع بمنع اللعبة في فرنسا عام 1254 ميلادية، ولكن ذلك القرار جاء بمردود عكسي فزادت شعبية اللعبة، كما ارتبطت رقعة الشطرنج في ذلك الوقت بالثروة والمعرفة والقوة، فكانت اللعبة المفضلة لدي كثير من الملوك مثل هنري الأول والثاني، وجون وريتشارد الأول ملك إنجلترا وفيليب الثاني، وألفونسو العاشر في إسبانيا، وإيفان الرابع في روسيا. (4)

كان الشطرنج قديمًا بمثابة لعبة الأمراء، وهناك قائمة طويلة مليئة بالشخصيات السياسية والرؤساء الذين عشقوا الشطرنج مثل: أدولف هتلر، نابيون بونابرت، إبراهام لينكولن، جون كينيدي، بنجامين فرانكلين، كارل ماركس، توماس جيفرسون، ياسر عرفات، وجمال عبد الناصر. (5)

ما قبل مباراتك الأولى

تنتهي مباراة الشطرنج عندما تمُيت ملك خصمك، وذلك عن طريق الجيش الخاص بك. يتكون هذا الجيش من مجموعة من القطع، وهي: البيادق (العساكر) وعددهم ثمانية، والفيلان، والحصانان، والقلعتان، والملكة (أقوى قطعة)، والملك (أهم قطعة).

يقسم الدور إلى ثلاثة مراحل أساسية: الأولى هي الافتتاح Opening، ثم مرحلة وسط الدور Middle game، ثم مرحلة نهاية الدور Endgame. لكل مرحلة هدف معين؛ ففي مرحلة الافتتاح نبدأ بوضع بيدق في منتصف الرقعة، ونخرج الحصانين والفيلين، ونحمي الملك عن طريق (التبييت) لنوصل بين القلعتين، وبمجرد إتمام تلك المراحل نكون انتهينا من مرحلة الافتتاح.

في مرحلة منتصف الدور، يأتي دور الاستراتيجية والتكتيك، ولكي تتقنهم لا بد أن تتدرب، ويتلخص الفرق بينهما في هذا الاقتباس:

لاعب التكتيك يعرف ما يفعله عندما يكون هناك ما يمكن فعله، أما لاعب الإستراتيجية فيعرف ما يفعله عندما لا يكون هناك ما يمكن فعله. (6)

جيرالد أبراهامز

أما عن مرحلة نهاية الدور، فهي أصعبهم تقريبًا، قد تظن أن أمرها هين بسبب قلة القطع. ولكن الأمر يحتاج إلى دراسة المواقف، والتعرف على النهايات المشهورة. مثل نهايات البيادق، ونهايات القلاع والفيلة والأحصنة وقد تضطر إلى قراءة كتب في ذلك المجال أو حتى مساقات محددة، فالأمر ليس كما يبدو!  (7)

المصادر
1- Popular Science
2-Britanica
3-A History of Chess: From Chaturanga to the Present Day (A Book)
4-Saint louis Chess
5- e4 e5(A Book)
6-Chees.com
7-Chess.com

ماذا تعرف عن الطاقة النووية؟

أثارت هذه الطاقة عبر تاريخها المخاوف والشكوك، وكثرت عنها الإشاعات. يعود اكتشاف الطاقة الإشعاعية إلى وليام رونتجن عام 1895م، وقصة اكتشاف «الأشعة السينية-X rays» المشهورة، ولكن ما أثار المخاوف وزاد من الشكوك هو قصف ناغازاكي وهيروشيما بقنبلتين ذريتين كان أينشتاين ومعادلته الشهيرة “E=mc²” سببًا في تصنيعهما.

ما هي الطاقة النووية؟

الطاقة النووية هي الطاقة المنبعثة نتيجة انشطار نووي، أو اندماج نووي، ففي التفاعل النووي تنقسم نواة الذرة إلى عدة أجزاء، وتطلق كمية هائلة من الطاقة، وفي معظم المفاعلات النووية النواة المشطورة هي نواة ذرة اليورانيوم 235 (يرمز الرقم إلى مجموع البروتونات والنيوترونات) لأن ذرة اليورانيوم 235 عند انشطارها تعطي نيوترونين قادرين على شطر ذرتي يورانيوم أخريتين، فيصبح هذا التفاعل تفاعلًا متسلسلًا لا نهائيًا. [3] [5]

سلبيات الطاقة النووية

تعد الطاقة النووية سهلة فيزيائيًا، فمعادلاتها وإن طالت تكون أسهل وأبسط في التطبيق العملي، ولكن أي خطأ قد يكلفنا حياتنا.

من المعروف أن اليورانيوم هو ونظائره الوقود الأساسي والأكثر استعمالًا وشيوعًا، فهو موجود في بعض الصخور في مختلف أنحاء العالم، ولكن نقل هذه المادة يمثل خطرًا كبيرًا على الإنسان لأنها تعد مصدرًا للتلوث، وقد تصيب الإنسان والحيوان والنباتات والماء بالإشعاع.

يمتص الإنسان هذه الإشعاعات فتصيبه بمختلف أنواع السرطان، كما يمتصها الحيوان والنبات والماء، وتصل إلى الإنسان عبرهم لأنهم يشكلون مصدر غذائه. [5]

مميزات الطاقة النووية

مع مرور الزمن وتوالي السنين بدأ النفط بالانتهاء. يعتبر النفط عنصرًا أساسيًا لإنتاج الطاقة، فبدأ العالم بالتفكير بمورد جديد للطاقة مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، لكنهما محدودتان، فبعض الدول لا تزورها رياح قوية طوال العام، ولا كل أيامها مشمسة وصافية.

لذلك كانت الطاقة النووية خيارًا جيدًا ورخيصًا ولا نهائيًا، فهي تمثل 16% من الكهرباء حول العالم عوضًا عن أنها أكثر أمانًا على ظاهرة الاحتباس الحراري، فالطاقة النووية لا تنتج انبعاثات للكربون أو أي ملوثات غازية كالوقود الأحفوري، ويمكن توليد كمية هائلة منها بأقل التكاليف، كما يمكن استخدامها في تحلية ماء البحر واستكشاف الفضاء، نظرًا لاستخدامها كوقود.

فقد استخدمت تقنية الطاقة النووية لاستكشاف النظام الشمسي من قبل 27 بعثة، وتوفر هذه التقنية فرص عملٍ وتُزيد من النمو الاقتصادي. [4] [5]

الطب النووي

يستخدم الطب النووي المواد المشعة من خلال الحقن أو الاستنشاق، ثم يستخدم أدوات التتبع المشعّة لتقييم وظائف الجسم وتشخيص الأمراض وعلاجها.

ويلعب الطب النووي في الوقت الحالي دورًا محددًا في الممارسات السريرية، نظرًا لفائدته في التخصصات الطبية، فهو يوفر خياراتٍ تشخيصية وعلاجية ذات صلة، تؤدي إلى تقديم رعاية أفضل للمرضى وتحسين جودة حياتهم.

يُستخدم الطب النووي في فحص العظام، خاصًة في حالات الكسور والأورام، ومسح نضح عضلة القلب للتفريق بين الاحتشاء أو نقص التروية، ومسح الغدة الدرقية لتقييم المظهر ووظيفة الغدة، كما يُستخدم التصوير المقطعي البوزيتروني PET لاكتشاف السرطان ومراقبة تقدمه ومدى الاستجابة للعلاج، فأداة التصوير هذه تعتمد على الخصائص الفيزيائية للنظائر، والأشكال المشعة للذرات البسيطة كالهيدروجين، والأكسجين، والفلور.[2] [1]

توالت السنوات، وقصفت نجازاكي وهيروشيما عام 1945، ومات الكثير من الناس، فخاف الرأي العام من هذه الطاقة.

وقد كانوا على حق، لما لهذه الطاقة من أثرٍ قاتلٍ على الإنسان إذا تسربت وامتصها جسمه.

ولكن لا يمكننا نكران أن جزءًا من كهربائنا الحالية يعود الفضل فيه إلى الطاقة النووية، كما ساهمت في شفاء مرضانا. فكل شيٍء ضار إذا أسأنا استخدامه، وكل شيٍء مفيد إذا أخذنا كل الحيطة والحذر منه.

المصادر

who[1]
[2] NIH
[3] harvard
[4] scientificsaudi
[5] edx

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

الأنظمة البيولوجية ديناميكية، وتتبادل باستمرار الطاقة والمادة مع البيئة من أجل الحفاظ على حالة من عدم التوازن وهي الحالة المرادفة للحياة.

سمحت لنا التطورات في تقنيات الملاحظة العلمية وأدوات الفحص بدراسة الديناميكيات البيولوجية على نطاقات صغيرة بشكل متزايد. كشفت مثل هذه الدراسات عن أدلة على تأثيرات ميكانيكا الكم -والتي لا يمكن تفسيرها بالفيزياء الكلاسيكية- في مجموعة من العمليات البيولوجية.

علم الأحياء الكمي هو دراسة مثل هذه العمليات، وهنا سنقدم تعريفًا للحالة الحالية للمجال، بالإضافة إلى رؤى حول الاتجاهات المستقبلية.

ما هي ميكانيكا الكم؟

ميكانيكا الكم هي النظرية الأساسية التي تصف خصائص الجسيمات دون الذرية والذرات والجزيئات والتجمعات الجزيئية وربما أصغر من ذلك. تعمل ميكانيكا الكم على مقاييس نانومترية وشبه نانومترية وهي أساس عمليات الحياة الأساسية مثل البناء الضوئي والتنفس والرؤية.

في ميكانيكا الكم، كل الكائنات لها خصائص تشبه الموجة، وعندما تتفاعل، يصف التماسك الكمي الارتباطات بين الكميات الفيزيائية التي تصف مثل هذه الأشياء بسبب هذه الطبيعة الشبيهة بالموجة.

تظهر ميكانيكا الكم في ظواهر بيولوجية عديدة مثل البناء الضوئي والتنفس والرؤية. كلها أحداث يحدث فيها نقل طاقة ونقل إلكترون في إطار يعتمد على القفز على السطح.

في مراكز التفاعل الضوئي ومجمعات حصاد الضوء في النباتات، لوحظت الظواهر المتذبذبة في العديد من الدراسات التي أجريت في التسعينيات وكانت تُنسب عادةً إلى تكوين حزم موجية اهتزازية أو إلكترونية مختلطة.

أدى الكشف عن التماسك الكمي الإلكتروني طويل العمر (660 قدمًا وأطول) أثناء نقل طاقة الإثارة في نظام التمثيل الضوئي إلى إحياء الاهتمام بدور ميكانيكا الكم لشرح عمليات الحياة الأساسية للكائنات الحية [3].

ومع ذلك، فإن فكرة لعب الظواهر الكمومية – مثل التماسك – دورًا وظيفيًا في الأنظمة الحية العيانية ليست مستحدثة في التسعينات، ولكن للأمر تاريخ يعود لمؤسسي ميكانيكا الكم.

تاريخ البيولوجيا الكمية

في عام 1932، أي بعد 10 سنوات من حصول عالم الفيزياء الكمومية نيلز بور على جائزة نوبل عن عمله في التركيب الذري، ألقى محاضرة بعنوان “الضوء والحياة” في المؤتمر الدولي للعلاج بالضوء في كوبنهاغن [4].

أثار هذا السؤال حول ما إذا كانت نظرية الكم يمكن أن تسهم في الفهم العلمي للأنظمة الحية أم لا. كان من بين الحضور ماكس ديلبروك، وهو فيزيائي شاب ساعد لاحقًا في تأسيس مجال البيولوجيا الجزيئية وفاز بجائزة نوبل عام 1969 لاكتشافاته في علم الوراثة [5].

تتكون جميع الأنظمة الحية من جزيئات، وتوصف جميع الجزيئات بشكل أساسي بواسطة ميكانيكا الكم. ومع ذلك، فإن الفصل الواسع للمقاييس بين الأنظمة الموصوفة بواسطة ميكانيكا الكم وتلك التي تدرس في علم الأحياء، وكذلك الخصائص التي تبدو مختلفة للمادة غير الحية والحية، قد حافظت على بعض الفصل بين مجموعتي المعرفة (الفيزياء والأحياء).

في الآونة الأخيرة، مكنتنا التطورات التقنية مثل التحليل الطيفي فائق السرعة [6]، والتحليل الطيفي للجزيء الفردي [7-11]، والفحص المجهري [12-14] والتصوير الجسيمي الفردي [15-18] ، من دراسة الديناميكيات البيولوجية على نحو متزايد. إذ تكشف مقاييس الطول والوقت متناهية الصغر تلك عن مجموعة متنوعة من العمليات الضرورية لوظيفة النظام الحي التي تعتمد على تفاعل دقيق بين التأثيرات الفيزيائية الكمومية والكلاسيكية.

تعريف البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”

يمكننا تعريف علم الأحياء الكمي أو البيولوجيا الكمية بأنها تطبيق نظرية الكم على جوانب من علم الأحياء حيث فشلت الفيزياء الكلاسيكية في إعطاء وصف دقيق لها.

على الرغم من هذا التعريف البسيط، لا يزال الجدل حول أهداف ودور المجال في المجتمع العلمي قائمًا.

سنستعرض معًا وجهة النظر لمكانة بيولوجيا الكم اليوم، ونقرأ سويًا بعض السبل المحتملة لمزيد من التقدم في هذا المجال.

ما هي البيولوجيا الكمية “علم الأحياء الكمي”؟

حقق علم الأحياء -في نموذجه الحالي- نجاحًا كبيرًا في تطبيق النماذج الكلاسيكية على الأنظمة الحية. في معظم الحالات، لا تلعب التأثيرات الكمومية الدقيقة على المقاييس الجزيئية (البينية) دورًا محددًا في الوظيفة البيولوجية الكلية، لكن لكلمة “الوظيفة” مفهوم واسع!

على سبيل المثال: كيف تعمل الرؤية والتمثيل الضوئي على المستوى الجزيئي وعلى نطاق زمني فائق السرعة؟ كيف يتعامل الحمض النووي مع النيوكليوتيدات المكدسة المفصولة بنحو 0.3 نانومتر، مع فوتونات الأشعة فوق البنفسجية؟ كيف يحفّز الإنزيم تفاعل كيميائي حيوي أساسي؟ كيف يتعامل دماغنا مع الخلايا العصبية المنظمة على مقياس تحت نانومتري مع مثل هذا الكم الهائل من المعلومات؟ كيف يعمل استنساخ الحمض النووي والتعبير الجيني؟

يُعتقد عمومًا أن الاختلافات بين التقريب الكلاسيكي ونموذج ميكانيكا الكم لا تكاد تُذكر في هذه الحالات، على الرغم من أن كل عملية تحكمها قوانين ميكانيكا الكم بالكامل.

ولكن دعونا نطرح سؤالنا الأساسي هنا، ماذا يحدث عندما تتلاشى الحدود بين الأنظمة الكمومية والأنظمة الكلاسيكية؟ أو في صياغة أخرى، هل هناك وظائف بيولوجية أساسية تبدو وكأنها كلاسيكية ولكنها ليست كذلك في الواقع؟

إن دور علم الأحياء الكمومي هو تحديدًا إيجاد هذا الارتباط وكشفه. في الأساس، كل المادة – الحية أو غير الحية – خاضعة لميكانيكا الكم، وتتكون من أيونات أو ذرات أو جزيئات، وتُحدد نظرية الكم خصائص توازن تلك الذرات أو الجزيئات بدقة.

نتيجة لذلك، يمكن الادعاء بأن البيولوجيا كلها ميكانيكية كمومية. ومع ذلك، فإن هذا التعريف لا يعالج الطبيعة الديناميكية للعمليات البيولوجية، أو حقيقة أن الوصف الكلاسيكي للديناميكيات بين الجزيئات يبدو غالبًا كافيًا.

لذلك، يجب تعريف علم الأحياء الكمومي من حيث الاتساق في القدرات التفسيرية للنماذج الميكانيكية الكلاسيكية مقابل النماذج الميكانيكية الكمومية لعملية بيولوجية معينة.

البيولوجيا الكمية، ضرورة أم رفاهية!

أثناء دراستنا للأنظمة البيولوجية على المقاييس النانوية، نجد أن هناك عمليات موجودة في الكائنات الحية، سنستعرضها تفصيليًا، يُعتقد حاليًا أن الصيغة الكمومية ضرورية لتوصيفها.

بينما نواجه صعوبة حقيقية في ملاحظة التأثيرات الكمومية على مقاييس الوقت والطول التي نختبرها في حياتنا اليومية والأحداث التي نعايشها ونراها بالعين المجردة، يظهر لنا اعتماد العمليات الضرورية للوظائف وبقاء الكائن الحي على التأثيرات الميكانيكية الكمومية الديناميكية على نطاق الجزيئات.

إن التفاعل بين هذه المقاييس الزمنية والمكانية بالتحديد هو ما تبحثه البيولوجيا الكمومية بهدف بناء صورة فيزيائية متسقة.

قد تتضمن الآمال الكبيرة لبيولوجيا الكم مساهمة في تعريف وفهم الحياة، أو في فهم الدماغ والوعي. ومع ذلك، فإن هذه المشاكل قديمة قدم العلم نفسه، ومن الأفضل أن نسأل عما إذا كان علم الأحياء الكمومي يمكن أن يساهم في إطار قادر من خلاله على طرح هذه الأسئلة بطريقة تقبل الوصول إلى إجابات جديدة.

تعمل دراسة العمليات البيولوجية بكفاءة على الحدود بين عوالم الفيزياء الكمومية والفيزياء الكلاسيكية. ويعد علم الأحياء الكمومي باستحداث مبادئ تصميم لتقنيات النانو الكمومية مستوحاة بيولوجيًا، مع القدرة على الأداء بكفاءة على مستوى أساسي في البيئات الصاخبة في درجة حرارة الغرفة وحتى الاستفادة من هذه “البيئات الصاخبة” للحفاظ على أو حتى تعزيز الخصائص الكمومية [19 ، 20].

من خلال هندسة مثل هذه الأنظمة، قد نتمكن من اختبار وتحديد المدى الذي يمكن أن تؤدي إليه التأثيرات الكمية في تعزيز العمليات والوظائف الموجودة في علم الأحياء، والإجابة في النهاية عما إذا كانت هذه التأثيرات الكمية قد تطورت لتحقيق أهدافها في تصميم الأنظمة.

الأهم من ذلك هو أن التقنيات المستوحاة من الأحياء الكمومية يمكن أن تكون مفيدة جوهريًا بشكل مستقل عن الكائنات الحية التي ألهمتها، وقد تلهمنا وتفتح الباب أمام مستقبل بيولوجي مختلف تمامًا عما نعرفه اليوم.

اقرأ أيضًا: 10 معلومات يجب أن تعرفها عن ميكانيكا الكم

مصادر
1. F’orster T. 1946Energiewanderung und Fluoreszenz. Naturwissenschaften,6, 166-175. (doi:10.1007/BF00585226) Crossref, ISIGoogle Scholar

2. Marcus RA. 1956On the theory of oxidation-reduction reactions involving electron transfer. I. J. Chem. Phys.24, 966-978. (doi:10.1063/1.1742723) Crossref, ISIGoogle Scholar

3.Engel GS, Calhoun TR, Read EL, Ahn T-K, Mančal T, Cheng Y-C, Blankenship RE, Fleming GR. 2007Evidence for wavelike energy transfer through quantum coherence in photosynthetic systems. Nature446, 782-786. (doi:10.1038/nature05678) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

4. Bohr N. 1933Light and life. Nature131, 421-423. (doi:10.1038/131421a0) CrossrefGoogle Scholar

5. McKaughan DJ. 2005The influence of Niels Bohr on Max Delbrück. Isis96, 507-529. (doi:10.1086/498591) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

6. Jonas DM. 2003Two-dimensional femtosecond spectroscopy. Ann. Rev. Phys. Chem.54, 425-463. (doi:10.1146/annurev.physchem.54.011002.103907) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

7. Moerner WE, Shechtman Y, Wang Q. 2015Single-molecule spectroscopy and imaging over the decades. Faraday Discuss.184, 9-36. (doi:10.1039/C5FD00149H) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

8. Gruber JM, Malý P, Krüger TPJ, van Grondelle R. 2017From isolated light-harvesting complexes to the thylakoid membrane: a single-molecule perspective. Nanophotonics7, 81-92. (doi:10.1515/nanoph-2017-0014) Crossref, ISIGoogle Scholar

9. Kondo T, Chen WJ, Schlau-Cohen GS. 2017Single-molecule fluorescence spectroscopy of photosynthetic systems. Chem. Rev.117, 860-898. (doi:10.1021/acs.chemrev.6b00195) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

10. Liebel M, Toninelli C, van Hulst NF. 2018Room-temperature ultrafast nonlinear spectroscopy of a single molecule. Nat. Photonics12, 45-49. (doi:10.1038/s41566-017-0056-5) Crossref, ISIGoogle Scholar

11. Malý P, Gruber JM, Cogdel RJ, Mančal T, van Grondelle R. 2016Ultrafast energy relaxation in single light-harvesting complexes. Proc. Natl Acad. Sci. USA113, 2934-2939. (doi:10.1073/pnas.1522265113) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

12. Šrajer V, Schmidt M. 2017Watching proteins function with time-resolved x-ray crystallography. J. Phys. D: Appl. Phys.50, 373001. (doi:10.1088/1361-6463/aa7d32) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

13. Young Let al.2018Roadmap of ultrafast x-ray atomic and molecular physics. J. Phys. B: At. Mole. Opt. Phys.5, 032003. (doi:10.1088/1361-6455/aa9735) Crossref, ISIGoogle Scholar

14. Borst JW, Visser AJWG. 2010Fluorescence lifetime imaging microscopy in life sciences. Meas. Sci. Technol.21, 102002. (doi:10.1088/0957-0233/21/10/102002) Crossref, ISIGoogle Scholar

15. Tsuji Y, Yamamoto K, Yamauchi K, Sakai K. 2018Single-particle reconstruction of biological molecules—story in a sample (Nobel Lecture). Angew. Chem. Int. Ed.57, 2-18. (doi:10.1002/anie.201712504) Crossref, ISIGoogle Scholar

16. K’uhlbrandt W, Wang DN, Fujiyoshi Y. 1994Atomic model of plant light-harvesting complex by electron crystallography. Nature367, 614-621. (doi:10.1038/367614a0) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

17. Hell SWet al.2015The 2015 super-resolution microscopy roadmap. J. Phys. D: Appl. Phys.48, 443001. (doi:10.1088/0022-3727/48/44/443001) Crossref, ISIGoogle Scholar

18. Shashkova S, Leake MC. 2017Single-molecule fluorescence microscopy review: shedding new light on old problems. Biosci. Rep.37, BSR20170031. (doi:10.1042/BSR20170031) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

19. Mohseni M, Rebentrost P, Lloyd S, Aspuru-Guzik A. 2008Environment-assisted quantum walks in photosynthetic energy transfer. J. Chem. Phys.129, 174106. (doi:10.1063/1.3002335) Crossref, PubMed, ISIGoogle Scholar

20. Plenio M, Huelga S. 2008Dephasing-assisted transport: quantum networks and biomolecules. New J. Phys.10, 113019. (doi:10.1088/1367-2630/10/11/113019) Crossref, ISIGoogle Scholar

كيفية تقليل ساعات النوم

مع تقدم العالم وانشغالات الحياة كان على الإنسان توفير ساعات أكثر لإنجاز مهامه اليومية ولاسيما الطلاب خلال فترة الاختبارات، وحيث يمضي الإنسان ثلث حياته تقريبا في النوم، قدم البعض بعض الاستراتيجيات لتقليل ساعات النوم وسُميت بـ «النوم عديد الأطوار-Polyphasic Sleep».

ما هو «النوم عديد الأطوار-Polyphasic Sleep»

النوم عديد الأطوار يعني تقسيم ساعات النوم على فترات قصيرة خلال اليوم، وهذا يكون ذا إفادة كبيرة للذين يسافرون لبلدان مختلفة وبعض الطلاب الذين يحتاجون نوم قيلولة صغيرة كل مرة عندما يفقدون تركيزهم مما يسمح لهم بتقليل ساعات النوم وزيادة ساعات العمل. على الرغم من أن الإنسان يعتمد في نومه الاعتيادي على ساعات طويلة خلال الليل لا فاصل بينها، إلا أن معظم الثدييات تتبع النوم عديد الأطوار. [1]

اتبع الكثير من العباقرة على مر العصور استراتيجية النوم عديد الأطوار مثلا نيكولاس تسلا وليوناردو دافينشي. [2]

الأنظمة المختلفة للنوم عديد الأطوار

النوم عديد الأطوار له أربعه أنظمة مختلفة. كلٌّ له مميزاتها وعيوبها واستخداماتها الملائمة لكل فرد.

«نوم ثنائي الفترة -Biphasic Sleep»

تعتمد هذه الدورة على تقسيم النوم علي فترتين، قترت خلال الليل تكون 5-6 ساعات وقيلولة في منتصف النهار تكون 20-90 دقيقة.
العديد من مستخدمي نوم ثنائي الفترة شعروا بتحسن كبير على مستوى الذاكرة والتركيز.
كما أن أخذ قيلولة بانتظام يوميا بعد وجبة الغداء تساعد القلب ودورة الدموية وتقلل الضغط.
على الرغم من ذلك فإن هذه الاستراتيجية من النوم قد تكون مضرة لمن هم يعانون من أرق مستمر خلال الليل وأيضا لمن يعانون من اضطرابات الرحلات الجوية.
يتنشر نوم ثنائي الفترة في دول البحر المتوسط وأمريكا اللاتينية حيث ثقافة القيلولة القصيرة في منتصف النهار منتشرة في تلك الدول. [3] [4]

«دورة نوم أوبرمان- Uberman cycle»

تستند هذه الدورة على نوم قِيل صغيرة خلال اليوم بمعدل 20-30 دقيقة كل 4 ساعات لتكون المحصلة النهائية 2-3 ساعات نوم يَوْمِيًّا.
أثبتت تلك الاستراتيجية من النوم حيث إن متقنين تلك الدورة يستطيعون النوم في أي وقت سريعًا وفي أي مكان. وهي فهي ملائمة لمن تتطلب منهم إنجاز مهامهم أقل من 3. 5 ساعات.
تكمن عيوب تلك الدورة في صعوبة تطبيقها والتعود عليها. كما أنها غير ملائمة لساعات العمل المستمرة. [3] [4]

«دورة نوم ايفريمان- Everyman cycle»

تعتمد هذه الدورة على ثلاث ساعات من النوم الأساسي خلال اليل وثلاث قِيل مكونة من 20 دقيقة مُوَزَّعِينَ خلال اليوم.
دورة نوم ايفريمان تعتبر مدخل جيد للتعود على نظام النوم عديد الأطوار حيث إنها بها قابلية لأخذ قِيل في أي وقت من اليوم وتحافظ على جزء لا بأس به من النوم خلال اليل.
على الرغم من ذلك إلا أنها لا تساعد من يعملون عدد ساعات طويلة متواصلة خلال اليوم. [3] [4]


«دوره نوم ديماكسيون- Dymaxion cycle»

تستند هذه الدورة على نوم أربع مرات خلال يوم بمعدل 30 دقيقة في المرة بمحصلة نهائية ساعتين نوم خلال اليوم
دورة نوم ديماكسيون هي أكثر الاستراتيجيات توفيرًا لساعات استيقاظ. فهي ملائمة لمن هم لا يحتاجون ساعات نوم طويلة مثل من يمتلكون طفرات بجين ال DEC2.
تعتبر هذه الدورة أصعب دورات النوم تطبيقها وأقلهم ملائمة لمعظم الأفراد. [3] [4] [5]

أسلوب النوم الموصَى به

أكثر طرق النوم إفادةً للجسم والعقل هو نوم الفترة الواحدة خلال الليل بما يقارب من 7-9 ساعات ويحتاج المراهقين والأطفال للنوم ساعات أطول. حيث إنه لا يوجد دليل قاطع على أفضلية النوم متعدد الأطوار عن نوم الفترة الواحدة حيث ينصح العلماء بحصول على ساعات نوم كافية لتجنت مشاكل الناتجة عن الحرمان من النوم.
وفي حالة عدم وجود داعي لاستخدام النوم عديد الأطوار، يفضل المحافظة على النوم الطبيعي خلال الليل. وإذا كانت هناك ضرورة للنوم عديد الأطوار يفضل استخدامه لفترات قصيرة وعدم الاعتماد عليه للمدى الطويل. [4]

المصادر

  1. healthline
  2. discovery
  3. dreams
  4. healthline
  5. ucsf
Exit mobile version