كيفية قراءة الإحداثيات على خرائط جوجل

لو كنت تنوي زيارة أماكن سياحية جديدة، أو كنت تبحث عن فنادق أو متاجر معينة، ولكنك ربما تتساءل عن سبب كتابة الإحداثيات بطرق مختلفة. سيساعدك هذا المقال في التعرّف على التنسيقات المستخدمة في كتابة الإحداثيات، وكيفية التحويل فيما بينها، بالإضافة إلى شرح لطريقة قراءة الإحداثيات على خرائط Google.

كيفية قراءة الإحداثيات على خرائط جوجل

توفر معظم أجهزة GPS الإحداثيات بتنسيق الدرجات والدقائق والثواني DMS، أو تنسيق الدرجات العشرية DD وهو الأكثر شيوعًا. توفر خرائط Google إحداثياتها بتنسيقات DMS وDD.

توضح الصورة موقع هرم خوفو على خرائط جوجل. حيث تكون الإحداثيات المعطاة لموقعها كما يلي:

29°58’43.1″N 31°08’04.8″E (DMS)

موقع وإحداثيات هرم خوفو بتنسيق DMS و DD.

والتي تُقرأ على النحو الآتي:
29درجة، 58دقيقة، 42.8ثانية شمالاً و31درجة، 08دقيقة، 04.5 ثانية غربًا

29.978631, 31.134667 (DD)

لا تحتوي إحداثيات الدرجة العشرية (DD) على الأحرف N أو S للدلالة على إحداثيات نقطة أعلى أو أسفل خط الاستواء. ولا يحتوي على الحروف W وE  للدلالة على إحداثيات نقطة الغرب أو الشرق خط الطول الرئيسي.

بل يتم الاستعاضة عن ذلك من خلال استخدام الأرقام الموجبة والسالبة. فإذا كانت إحداثيات خط العرض سالبة، تكون النقطة تحت الاستواء. وإذا كانت إحداثيات خط الطول سالبة، فإن النقطة تقع غرب خط الطول الرئيسي.

وكمثال على ذلك نجد أن مدينة ماتشوبيتشو الأثرية الواقعة في البيرو، لها إحداثيات:

-13.1639, -72.54583
أي أنها تقع جنوب خط الاستواء وغرب خط الطول الرئيسي.

ماتشوبيتشو، البيرو

 التحقق من إحداثيات GPS

خرائط Google هي أداة إنترنت رائعة للتحقق من إحداثيات الأماكن ذات الأهمية.

إيجاد إحداثيات موقع محدد على خرائط Google

  • افتح خرائط Google وابحث عن موقع ما.
زقورة أور، الناصرية، العراق
  • انقر بزر الماوس الأيمن فوق الموقع ستظهر لك الإحداثيات في أعلى القائمة بتنسيق الدرجة العشرية (DD).
  • انقر بزر الماوس الأيمن فوق الموقع واختار من القائمة  “What’s here”، ليظهر لك في النافذة على الجانب الأيسر اسم الموقع والإحداثيات بتنسيق DMSو DD.

التحقق من إحداثيات موقع معين

  1. افتح خرائط Google، سيكون هناك شريط بحث في الزاوية العلوية يسار الصفحة.
  2. أدخل الإحداثيات في شريط البحث ثم اضغط على مفتاح Enter أو أيقونة البحث. يمكن أن تكون الإحداثيات بأي من التنسيقات الثلاثة. يرجى ملاحظة أنه يجب إدخال الإحداثيات بشكل صحيح.
  3. ستشير خرائط Google إلى موقع الإحداثيات التي تم إدخالها بدبوس أحمر.
قلعة حلب، سورية

التحويل بين تنسيقات DMS و DD

هناك العديد من الأدوات المتاحة على الإنترنت والتي يمكن أن تساعدك في التحويل بين تنسيقات الدرجة والدقائق والثواني DMS والدرجات العشرية DD. منها مواقع ويب توفر تحويلًا سريعًا بين DMS وDD. فيما يلي رابط لموقع يوفر إحداثيات DMS و DD لأي موقع محدد باستخدام خرائط Google:
https://www.gps-coordinates.net/gps-coordinates-converter

قبة الصخرة،فلسطين

المصادر

العمارة الحيوية – كيف شكّلت الطبيعة العمران والهندسة؟

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في المقال السابق عرضنا نبذة عن الفوائد الصحية للتعرض للطبيعة، وكيف أدت تلك الأبحاث لنشوء مبادئ البايوفيليا أو “حب الطبيعة” في التصميم والتخطيط المعماريين، والتي تسعى لإدماج الطبيعة في نسيج المدن بهدف رفع جودة المعيشة أو المحافظة على البيئة أو توفير متنفس للسكان.

في هذا المقال نستعرض التأثير المعاكس لعلاقة البيئة بالعمران هذه، أي كيف تأثرت العمارة والتخطيط العمراني، من جهة المعرفة العمرانية وتقنيات البناء، بالتفكير البيئي والمحب للطبيعة، والتي أدت في أحدث محطاتها إلى نشوء العمارة الحيوية «Bionic Architecture» ومبادئ التصميم البيئي «Biophilic Design».

المدن الحدائقية – Garden Cities

قد تكون أولى محطات التصميم الحيوي أو البيئي للمدن الحديثة هي  المدينة الحدائقية، والتي ابتكرها الانجليزي «إبينيزر هوارد» عام 1898. وهي نموذج عمراني يدمج بين البيئة الحضرية -في شكل نواة مدنية- والبيئة الخضراء -في شكل محيط ريفيّ-  في محاولة لخلق توازن بين النموذجين وتلافي قصورات كليهما.

كانت المدينة الحدائقية حلًا لمشاكل التلوث والتكدس التي كانت تعانيها المدن الأوروبية في تلك الفترة، ولذلك لاقت رواجًا كبيرًا وتم إنشاء عدة بلدات بالفعل حسب هذا النموذج، إذ كانت تهدف في حال وصولها ذروة طاقتها الاستيعابية للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

إلا أنه المدينة الحدائقية كانت تعاني من قصورات خاصة بها هي أيضًا، مثل قلة المساحات المتاحة للبناء والتوسع. ولكنها لا تزال تلقى بعض الرواج، مثلًا في بريطانيا حيث قررت الحكومة عام 2017 إنشاء عدة بلدات حدائقية حول البلاد.

نموذج المدينة الحدائقية كما اقترحها إبينيزر هوارد [ويكيبيديا]

التخطيط العمراني الأخضر – Green Urbanism

ظلت المدن الحديثة غالبًا غير مهتمة بالجانب الأخضر والبيئي فيها وبآثارها البيئية حتى ستينات القرن الماضي. ففي الولايات المتحدة كمثال كان التوسع الحضري نحو الأرياف المحيطة بالمدن سمة بارزة في خطط التوسع العمراني حينئذ. ولكن مع اضطرابات الستينات الاجتماعية والسياسية وظهور الوعي بأزمة المناخ بدأت الحركات المهتمة بالبيئة بالظهور والانتشار.

وبدأت الحكومات حول العالم بسن القوانين والأكواد لمحاولة تلافي أضرار المدينة على البيئة وجعل المدن أكثر استدامة، كما حدث في قمة الأرض للأمم المتحدة عام 1992. بعد هذا المؤتمر بدأت مصطلحات كالتخطيط العمراني المستدام والتنمية المستدامة في الانتشار.

يسمى التخطيط العمراني الأخضر أيضًا بالتخطيط العمراني المستدام، وبالتخطيط العمراني البيئي.  وقد تكون كوبنهاجن من أكثر مدن العالم تطبيقًا لمبادئ التخطيط المستدام هذه. ما يدعو للإعجاب في إدارة كوبنهاجن لتوسعاتها العمرانية  هي سبقها الزمني للكثير من النماذج المستدامة.

مثل مخطط “الأصابع الخمسة” الذي طورته المدينة عام 1947 والذي كان يهدف لتنظيم التوسع العمراني لمدينة كوبنهاغن والحفاظ على المسطحات الخضراء المحيطة بالمدينة، وتطوير خطوط مواصلات عامة فعالة تربط وسط المدينة (كف اليد) بالتوسعات الجديدة (الأصابع). ستكون لنا عودة في المقالات التالية للقواعد التي اتبعتها كوبنهاجن في خلق مدن أكثر إنسانية ورفاهية من جوانب أخرى.

مخطط “الأصابع الخمسة” لمدينة كوبنهاغن

العمران العضويّ -Organic Urbanism

كان المعماري الأمريكي «فرانك لويد رايت» أول من صاغ مفهوم «العمارة العضوية» وعرّفها بأنها المعمار المتوافق مع الطبيعة.  ومع مرور الوقت أخذ مفهوم العضوية يأخذ مساحةً أكبر واهتمامًا أكثر في مجال العمران والهندسة. فبينما تتمثل العضوية في المعمار كثيرًا باستعمال أشكال وتصاميم وهياكل مشابهة لتلك التي في الطبيعة، نجد أنها مهدت الطريق للكثير من التقنيات الهندسية والمفاهيم الإنشائية الأوسع.

ففي مجال التخطيط العمراني نشأ مفهوم «المدينة العضوية» والذي يرى المدينة باعتبارها كائنًا حيًا، لا ينمو عن طريق إضافة الأجزاء له عن عمد ولكن عن طريق إعادة ترتيب وظائفه ومهامه حين يصل إلى حدود طاقته الاستيعابية وإمكانياته.

لا تمتلك المدينة العضوية مركزًا حيويًا واحدًا، بل هي تتكون من عدة مراكز مكتفية بذاتها ولكنها متصلة ببعضها وتعتمد على بعضها.  وبالمثل، فالنموذج العضويّ في التنمية العمرانية يستند على جعل كل مرحلة من إنشاء أو تنمية المدن قادرةً على القيام بذاتها، عوضًا عن جعلها جزءًا من كلٍ ينتظر الاكتمال لتبدأ بالعمل.

لذا فهذا النموذج يعتبر معياريًا، أي مكونًا من أجزاء معيارية متشابهة قائمة بذاتها كما هو الحال في عمليات حيوية كثيرة. وتعتبر العمارة العضوية مقدمة للعمارة الحيوية والتصميم الحيوي.

يعتبر مركز قطر الوطني للمؤتمرات نموذجًا للعمارة العضوية إذ يأخذ شكل فروع الأشجار، إضافةً إلى تقييماته البيئية المرتفعة.
[David Michael via Flickr Creative Commons]

العمارة البيئية –  Arcology

نشأ مفهوم العمارة البيئية مع المعماري «باولو سوليري» -وهي دمج لكلمتي عمارة وبيئة الانجليزيتين-. تسعى العمارة البيئية لخلق قواعد ومعايير هندسية لتصميم مناطق شديدة الكثافة السكانية وذات أثر بيئي منخفض.

على الرغم من كون معظم المشاريع النابعة من هذا التصور لم تظهر أو تبن على أرض الواقع، إلا أن مفهوم العمارة البيئية مثّل نقلة في التفكير المعماري -الغربي بالمقام الأول- إذ انتقل من السعي للسيطرة على الطبيعة إلى التعايش معها. ويمكننا اعتبار العمارة البيئية حلقة وصل بين التخطيط العمراني والتصميم المعماري البيئيين.

يُعد المعماري والمهندس والمخترع الأمريكي «باكمنستر فولر» (أو «باكي» كما كان يحب أن ينادى) من أبرز المنظّرين لفكرة العمارة البيئية. وحيث أنه كان من رواد نظرية النظم فقد كان من رواد مفهوم الاستدامة ورؤيتها على عدة مستويات بشكل متداخل.

على الرغم من أن أفكار «فولر» لم تنتج أي إنجاز كبير في مجال الاستدامة، فيرجع الكثير من الفضل إليه في إشاعة مفهوم الاستدامة واعتبار العالم الحديث ومدنِه جزءًا من بيئة أوسع يعتمد عليها للبقاء.

التصميم البيئي – Biophilic Design

التصميم البيئي هو مفهوم يعني العمل على تصميم البيئة الحضرية والعمرانية بشكلٍ أكثر ارتباطًا بالطبيعة وأكثر ارتباطًا بطبيعة البشر النفسية تجاه بيئاتهم ومحيطهم.

انبثق هذا التوجه من أبحاث وأفكار علماء النفس والأحياء التطوريين، بعد إدراك أن المكوّن الجيني والنفسي الذي نتعامل ونتجاوب به مع العالم والبيئة المحيطة أقدم بكثير من البيئات الحضرية التي أنشأها البشر في العشرة آلاف عامًا الماضية.

كان عالم الأحياء «إدوارد ويلسون» أول من صكّ مفهوم حب الطبيعة «Biophilia» وعرّفها بأنها الميل للظروف البيئية التي ساهمت في بقائنا -من منظورٍ تطوريّ-. 

عرضنا في المقال السابق أمثلة لتطبيقات هذا المفهوم في التخطيط العمراني والتصميم المعماري. بعض الكتابات الحديثة في هذا المجال تحاول توظيف نظريات حيوية لتفسير السلوك البشري في البيئة الحضرية؛ مثل تفضيل الناس للسير بجانب الجدران عوضًا عن الابتعاد عنها. وسيكون لنا عودة لهذا المجال في مقال لاحق.

العمارة الحيوية – Bionic Architecture

العمارة الحيوية هي توجه مشابه لمفهوم العمارة العضوية، وهي توجهٌ يدرس النظم والعمليات الحيوية في الطبيعة ويحاول محاكاتها في العمارة والهندسة عن طريق التصميم الحيوي، بهدف الوصول إلى إنشاءات أكثر توفيرًا وأكثر فعالية وأقل تأثيرًا على البيئة.

تأثرت العديد من أفكار ونظريات وتقنيات هذا المجال أيضًا بالنظريات البيولوجية والمحاكات الحاسوبية الحيوية وبتقنيات البايوتكنولوجي. من أبرز أمثلة هذا النمط من التصميم هو مشروع عدن في بريطانيا.

مشروع عدن [ويكيبيديا]

إحدى تطبيقات هذا النوع من الهندسة الحيوية هو «المحاكاة الحيوية – Biomimicry» حيث يحاول المهندسون والمعماريون والعلماء فهم الوسائل التي تعمل بها الطبيعة والكائنات الحية بكفاءة لمحاكاتها بهدف تطوير  تصميمات ومواد وتقنيات أكثر استدامة وأكثر فاعلية. أكثر تطبيقات هذا المفهوم شهرة هو محاكاة الهياكل الطبيعية لصنع هياكل أكثر متانة للأبنية.

لكن يشتهر أيضًا تطوير مواد محاكية لتلك التي في الطبيعة أو مواد أكثر نفعًا بيئيًا، مثل مادة الـETFE التي يشتهر استعمالها لخفة وزنها وكفاءتها في العزل الحراري. كما بدأت تظهر للواقع تقنيات ومواد أكثر غرابة، مثل استعمال الطحالب (لتوليد الحرارة، أو للعزل الحراري، أو غيرها).

كان مبنى BIQ House في هامبورغ بألمانيا أول مبنى يوظف هذه التقنية. من رواد المحاكاة الحيوية اليوم المعماري البريطاني مايكل بولين، مؤسس مبادرة «يعلن المعماريون».

وهكذا كما ترى، فليست المدينة وحدها التي تؤثر على الطبيعة سواءً بالسلب أو الإيجاب، بل حتى الطبيعة تؤثر على تخطيط المدن والتفكير العمراني، وتظل العمارة الحيوية شاهدة على انبهار البشر بالعالم من حولهم عوضًا عن سيطرتهم عليه.

[1] Scandinavia Standard [2]
للمزيد من الأمثلة عن العمارة العضوية: Omrania [3]
لأمثلة أكثر عن تطبيقات المحاكاة الحيوية: re-thinking the future و dezeen

٤ محطات مهمة في تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

٤ محطات مهمة في تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

لم يكن تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية مفروشًا بالورود، على العكس تمامًا. تخيل نفسك طفلاً يعيش في عصر الثورة الصناعية. أيقظك أباك في الخامسة فجرًا كي تنزل معه للعمل في المصنع. دورك في المصنع يتلخص في القيام بحركة بسيطة في غرفة المحرك الضيقة، لكنك ستقوم بها طوال اليوم. الرافعة التي تحركها يوميًا تحافظ على سرعة العمل وزيادة الإنتاج، ولم يلجؤوا إليك كطفل إلا لضيق المساحة المطلوب إدخال يدك فيها، فالتروس ستقطع يد الشخص البالغ بسبب حجمها، بينما تنساب ذراعك في خفة يمينًا ويسارًا في أمان خادع. الحقيقة أن ذراعك على بعد خطوة من القطع داخل التروس، لكن لا يوجد قوانين تحميك من التواجد في هذا المكان في ذلك العصر. ولهذا سنتحدث عن تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

مرحلة الثورة الصناعية ببريطانيا

صورة “غداء على قمة ناطحة سحاب” الأيقونية في مانهاتن، نيويورك عام 1932، للمصور الأمريكي “تشارلز إيبيت” على إرتفاع 260 متر.
credit: http://cdn.historydaily.org/content/52330/b8dc6778f5b0763dc4cf3b8df95af767.jpg

دعنا نرجع إلى عام 1760 م، هذا العام المحوري في تاريخ بريطانيا خاصةً، فقبل هذا العام، كان من المعتاد كسب العيش من خلال العمل في الزراعة، أو من خلال العمل اليدوي عن طريق صنع المنتجات اليدوية بالمنازل ثم بيعها. ولكن بعد هذا العام بالتحديد بدأت الثورة الصناعية ببريطانيا، حيث ظهرت الماكينات البخارية.

بدأت بريطانيا باستبدال العمل اليدوي بالماكينات، فتوافد الفلاحون إلى المدن، هاربين من استعباد الإقطاعيين لحياةٍ ظنوا أنها رغدة وبها الحرية والمال. ولكن أدى العدد الهائل من الأشخاص الباحثين عن عمل مع وجود رغبة من أصحاب العمل إلى العمالة الرخيصة كعادة الأمر.

نتيجة لذلك، تدهورت حالة الأجور بشدة أكثر مما كانت، ولم ينتهي الأمر على هذا الحد بل تدهورت مستويات الأمان في المصانع، وزيادة عدد ساعات العمل لتصبح أكثر من 12 ساعة في اليوم [1] [2]، -ولك أن تتخيل أن كل هذا لم يكفي- بل وتم استخدام الأطفال من سن 4 سنوات لصغر حجمهم، فكانوا يستخدمونهم في الدخول إلى المناطق الضيقة الصغيرة بالآلات، والتي لا يستطيع الشخص البالغ بأن يصل إليها. فكان من الطبيعي أن يخسر الكثير منهم أطرافهم، بل وخسارة حياتهم حتى! [2]

أصيبت العديد من الفتيات اللواتي عملن في مصانع الكبريت بمرض “الفك الفوسفي”، تسبب التعرض المباشر للغازات الناتجة عن الفسفور بدون أقنعة لضمور عظام الفك. [3]

كل تلك الحوادث هي أمثلة فقط وليست للحصر، حتى تأخذ فكرةً عن طبيعة الحياة والعمل في هذه الفترة.

“قانون المصنع”، بذرة نظام السلامة وحقوق العاملين

كان الرأي السائد حينها أنه إذا وقعت حادثة وكان المُصاب سببًا فيها فإن صاحب العمل لا يلتزم بأية مسئولية على الإطلاق، وحينما زادت الحوادث بشكل مفزع وأصبح الكل يتحدث عنها وخاصة بعض المُحسنين من أرباب العمل، ظهر أخيرًا شخصٌ يُدعى السير “روبرت بيل” -وهو نفسهُ كان مالكًا لأحد المصانع-.
أنشأ السير “روبرت” قانوناً لحماية صحة العاملين دُعيّ بـ«قانون المصنع»، ثم قدمه إلى البرلمان البريطاني بهدف تحسين وتنظيم ظروف العمل. [1] [2]
نصّ هذا القانون على:

  • وجود نوافذ كافية وفتحة للتهوية، مع تنظيفهم مرتين سنويًا على الأقل بالجير الحي والماء.
  • تحديد ساعات العمل بما لا يزيد عن 12 ساعة في اليوم، مع التوقف عن العمل ليلاً
  • توفير ملابس مناسبة وأماكن نوم لكل عامل (توفير سرير واحد لكل اثنين على الأكثر!).
  • تعليم وإرشاد العاملين على تعلم القراءة، والكتابة، ومبادئ الديانة المسيحية.

وفي حالة مخالفة هذا القانون، كانت تُطبق غرامات تتراوح بين 2 -5 جنيهات إسترلينية. ولكن على الرغم من هذا فشل هذا القانون؛ حيث كان يُسند القضاء والحكم في هذه المحاكمات إلى بعض الزوار/الغرباء عن المنطقة التي بها المحكمة، والذين كانوا بدورهم من أصحاب المصانع في أماكن أخرى، ولذلك لك أن تتخيل الحُكم النهائي![2]

وأيضًا، تم تطبيقه على نطاق محدود للغاية سواء من حيث شدة القوانين وفائدتها الفعلية للعاملين، أو من حيث الأماكن التي طُبق بها. حيث كان يُطبق فقط بمصانع المنسوجات القطنية، إلا أنه قد اعتُبر البداية الفعلية لتنظيم وتقنين نظام السلامة والصحة للعاملين.

“نيكسون” وقانون السلامة والصحة المهنية

والآن فلنترك بريطانيا بثورتها الصناعية، ونذهب سريعًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا إلى أواخر الستينات.

حيث كانت فترة مضطربة في أمريكا، ظهرت خلالها مخاوف جدية خارج البلاد أو داخلها. فكانت هناك العديد من القضايا التي تطلبت اهتمام البلاد مثل: الحقوق المدنية للمواطنين، حقوق المرأة، البيئة، وخارجيًا كان الاهتمام ينصب على فيتنام.

في الوقت ذاته، كانت الإصابات والأمراض المهنية تتزايد من حيث العدد والخطورة. حيث زادت إصابات الإعاقة بنسبة 20 في المائة خلال العقد، وكان 14000 عامل يموتون أثناء العمل كل عام. [4]

ومثلما ظهر في بريطانيا السير ” روبرت بيل”، ظهر أيضًا في هذا التوقيت في أمريكا عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيو جيرسي السيد “هاريسون ويليامز جونيور”، حيث طالب وضغط من أجل تمرير سريع لتشريعات السلامة والصحة في مكان العمل، وعاونهُ أيضًا من مجلس النواب: النائب السيد “ويليام أ. ستايغر”، حيث نوه أيضًا إلى أن الإصابات/الوفيات الناتجة عن العمل تودي إلى خسارة مليارات الدولارات من حيث الأجور والإنتاج الضائع. [4]

كل هذا شجع الرئيس “ريتشارد نيكسون” إلى توقيع قانون السلامة والصحة المهنية لعام 1970. المعروف أيضًا باسم قانون “ويليامز-ستايغر” تكريمًا للرجلين الذين ضغطا بشدة من أجل إقراره. [4]

أنشأ قانون السلامة والصحة المهنية ثلاث وكالات دائمة:

  • إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) Occupational Safety and Health Administrationوكانت داخل وزارة العمل لوضع وإنفاذ معايير السلامة والصحة في مكان العمل؛
  • المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية (NIOSH) The National Institute for Occupational Safety and Healthفيما كان يُعرف آنذاك بوزارة الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية لإجراء أبحاث حول السلامة والصحة المهنية؛
  • لجنة مراجعة السلامة والصحة المهنية (OSHRC) Occupational Safety & Health Review Commissionوهي وكالة مستقلة للفصل في إجراءات الإنفاذ التي يطعن فيها أصحاب العمل.
  • وقد كلف قانون الصحة والسلامة المهنية، المعروف في البداية باسم “قانون حقوق السلامة”، إدارة السلامة والصحة المهنية “الأوشا” بضمان ظروف آمنة وصحية للرجال والنساء العاملين.

دور منظمة “الأوشا” في وقتنا الحالي

منذ أيامها الأولى، كانت “الأوشا” وكالة صغيرة ذات مهمة كبيرة، فعندما افتتحت الوكالة أبوابها للعمل في أبريل 1971، غطت إدارة السلامة والصحة المهنية 56 مليون عامل في 3.5 مليون مكان عمل. [4]

أما اليوم، يتطلع 105 مليون عامل من القطاع الخاص وأرباب العمل في 6.9 مليون موقع إلى OSHA للحصول على إرشادات حول قضايا السلامة والصحة في مكان العمل. [4]

في الوقت نفسه، انخفضت الوفيات في أماكن العمل إلى النصف، وانخفضت معدلات الإصابة والأمراض المهنية بنسبة 40٪.[5]

بالإضافة إلى ذلك، يُترجم انخفاض أيام العمل الضائعة وتكاليف تعويض العمال إلى وفورات كبيرة لأصحاب العمل، وتستفيد الشركات أيضًا من معنويات وإنتاجية الموظفين المحسّنة.

وبقدر ما تبدو هذه الإحصائيات مثيرة للإعجاب، إلا أنها لا تنقل بشكل كامل حجم نجاح إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) خلال الثلاثين عامًا الماضية، حيث أن انخفاض الوفيات والإصابات والأمراض تعني عددًا أقل من الرجال والنساء المصابين أو المعوقين في العمل وعدد أقل من العائلات التي تُحزن على فقدان أحد أحبائها. وهذا يعني عودة المزيد من العمال إلى منازلهم بشكل كامل وبصحة جيدة كل يوم. لا يمكن أن يكون هناك مقياس أفضل للنجاح من هذا.

المصادر

  1. History of OSH
  2. History of OSH by David Eves
  3. The Royal College of Surgeons of England
  4. OSHA
  5. OSHA
Exit mobile version