فلسفة الجنس والجنسانية


فلسفة الجنس والجنسانية

ما هو مثير في الجنس هو وجوده خارج الأمور العادية طيلة التاريخ، لم يُعتبر قط كنشاط عادي يُمارس خارج الاعتبارات الأخلاقية. حيث كان ولا يزال موضوع الخلافات العظمى والجوهرية.

يمثل الجنس حالة غريبة في تاريخ التحريم والتقديس، كأنه من المحال أن يؤخذ الجنس دون شروط وملاحظات مسبقة. كما يقع الجنس غالبًا على التخوم الفاصلة بين الرؤى والمذاهب والتوجهات الفكرية والدينية والسياسية.

كان الجنس قديمًا كواهب الكينونة تارة، ومفسدها تارة أخرى. حيث نجد شعوبًا قد قامت بتقديس الجنس وبناء المعابد للأعضاء التناسلية، ونجده لدى شعوب أخرى وهو في خانة الشر الكبير.

منذ القِدم وإلى الآن وجدلية التحريم والتقديس مستمرة، ففي عالمنا اليوم هناك معسكرين:

  • المعسكر الذي يجد في الجنس وسيلة للانجاب والتكاثر وممارسته تكون ضمن شروط وتحديدات دينية.
  • المعسكر الآخر يرى في الجنس حق شخصي يحدده الفرد بإرادته الحرة، بل ويمثل ركناً رئيسًا في الحداثة.

    في هذا المقال سنبين بعضاً من جوانب فلسفة الجنس أو الجنسانية، و سنناقش الطروحات المختلفة حول هذا اللغز الكوني.

الجنس في الحضارات القديمة


نقرأ في ملحمة جلجامش كيف تمكنت بغيٌ من ترويض الوحش أنكيدو الذي كان” يجوب السهوب والتلال ويأكل العشب ويرعى الكلأ مع حيوانات البر ويسقى معها عند مورد الماء “(1). ومن ثم بعد أن “تعلم الوحش فن المرأة، فانجذب إليها، ولبث أنكيدو يتصل بالبغي ستة ايام وسبع ليال“(1).

ثمة الكثير من الإشارات المهمة في هذا النص، إذ أن الجنس قادر على تغير التصميم أو الماهية. فإنكيدو صنعته الآلهة وحشًا؛ حتى حولته بغيٌ إلى إنسان يشعر ويحب ويصادق بواسطة الجنس.

وفي الحضارة الرومانية كان الجنس جانبًا طبيعيًا من جوانب الحياة، ولم يكن هناك تمييز بين الجنس المغاير أو الجنس المثلي -لم يكن هناك حتى اعتراف لغوي بأن المثلية الجنسية تختلف عن الجنس المغاير- والتي يمكن الاستمتاع بها طالما أن طرفيها مشاركين برغبتهما(2). كما كانت هناك مهرجانات خاصة بالجنس مثل مهرجان (Lupercalia).

لوحة جدارية من مدينة بومبي الرومانية، تعود للقرن الأول الميلادي، مكتشفة في غرفة نوم منزل سينتناريو.


في معظم الحضارات القديمة كانت هناك آلهة للخصوبة والولادة والجنس، وهذا ما يدلنا إلى كونية الجنس في الخطاب الإنساني.
ففي الصين القديمة كان هناك (هو تيابانو–Hu Tiabano) إله المثلية الجنسية. والإله (يو لوي–Yue Loe) كان يساعد الأفراد في إيجاد الزوج وكانت في يده خيوط القدر.

الإلهة أفروديت تركب عربة يجرها الإلهان أريوس وهايميروس_ 400_450ق.م

ولدى الأغريق كان هناك أيروس بن أفروديت وهو المسؤول عن الرغبات والجاذبية الجنسية، وفي الهند كانت راتي إلهة الانجذاب الجنسي(3).

تاريخ فلسفة الجنس والجنسانية

تقتضي ضرورة التوضيح أن نفرق بين الجنس كموضوع رئيس في الفلسفة وبين الجنس كعنصر من عناصر الحياة الزوجية.

الحضارة الإغريقية

نجد في فلسفة ما قبل سقراط بعض الإشارات إلى الجنس ضمن قالب العلاقة الزوجية كما هو الحال مع فيثاغورس وأرخميدس وبعض السفسطائيين، لكنهم لم يتطرقوا إليه كمسألة فلسفية بحتة.

بدأ أفلاطون يفلسف الجنس في محاورتي الندوة وفيدروس، ووصفه بأنه شغف قوي لامتلاك ما هو خير وجميل. أما تلميذه أرسطوطاليس لم يحسن الحديث عن أيروس بشكل مستقل، واكتفى بضمه إلى موضوع الفضيلة والعفة في كتابه (الأخلاق النيقوماخية)(4).

العصر الهنلستي

وفي العصر الهيلنستي، كات ثمة هناك مدرستين: الأبيقورية والرواقية.

تصنف الأبيقورية الجنس ضمن الرغبات الطبيعية غير الضرورية، بحيث يجب اشباعها بشكل معتدل دون أن تسيطر تلك الرغبات على الإنسان(5).

أما الرواقية لم تجد في الجنس ما هو ضروري، لذا فضلت الحب النقي والصداقة على النشاط الجنسي.

العصور الوسطى

أما في العصورالمظلمة حسب تعبير فرانشيسكو بتراركا، يصف القديس أوغسطين الجنس كغواية وشر عظيم، ويدعو إلى عدم ممارسة الجنس إلا بهدف الإنجاب لأن الأطفال هم الثمرة الوحيدة المهمة للنشاط الجنسي(6).

ولدى الأكويني الجنس وسيلة طبيعية للتكاثر داخل إطار زواج شرعي، وكل نشاط جنسي آخر يعتبررذيلة وضد إرادة الله(7).

عصر النهضة

حرر الفن الجسد من الاتهامات الدينية وارتفع به إلى فضاءات أيروتيكية وجمالية مختلفة، بحيث صار للجسد العاري نوعاً من الفضيلة. ولم يكن الفن يُمارس بمعزل عن الدين إنما في بيوت الدين نفسها، لذا نجد بدايات تصوير ونحت الأجساد العارية في الكنيسة. حيث تم تصويرالمسيح والأنبياء والقديسين على جدران الكنائس(8).
ومع بداية من القرن السادس عشر صار الجنس يشكل موضوعًا ذو شأن في الخطاب الفلسفي، ناقش ميشيل دي مونتين النشاط الجنسي في كتابه(قوة الخيال).

كما ذكر ديكارت في (عواطف الروح)، وديفد هيوم في رائعته (مقال في الطبيعة البشرية) أن العلاقة الجنسية تتكون من ثلاثة عناصر متنافرة: اللطف والشهوة والاستجابة الجمالية.

عصر التنوير

ناقش روسو الموضوع في سياق حياته في كتاب الاعترافات. بينما وصف كانط الجنس كرغبة شريرة ومدمرة للطبيعة البشرية. بينما حرر ماركيز دي ساد الجنس من كل القيود الممكنة وأباحه بشكل عام.

ودافع جون ستيورات ميل عن تعدد الزوجات والحرية الجنسية وبيوت الدعارة. بيد أن نيتشه لم يبالي بموضوع الجنس كثيرًا بل انتقد الحرية الجنسية لكونها تفسد طبيعة الإنسان.

القرن العشرين

كانت كتابات فرويد الأكثر جرأة في مجال الجنس، واعتبره الحجر الأساس في بناء الشخصية(4). أما برتراند راسل كان أقرب في بداية كتاباته إلى ستيورات ميل، وفي النهاية لم يكن مع الممارسات الجنسية خارج الزواج.

أما سارتر ربط بين حرية الآخر والجنس. ولكن العلاقة الجنسية وفقًا لسارتر تنتهي بالسادية أو المازوشية وبالتالي النشاط الجنسي يكون بمثابة انتهاك حرية الآخر(4).

أما ميشيل فوكو كان الأكثر إثارة للجدل، فقد كان مثلي الجنس من جهة وربط بين الجنس والسلطة من جهة أخرى. حيث ميز بين الجنس والجنسانية وفقًا للسياق الذي تجد فيه السلطة نفسها، ففرق بين التجارب الثلاث في تطور موضوع الجنس.

في اليونان القديمة كانت تجربة الجنس هي تجربة الذات. وفي المسيحية كانت تجربة الجسد، وفي الغرب ظهرت التجربة الجنسانية ما بين القرن السابع عشر والتاسع عشر(9). في حين وصف بول ريكور الجنس بأنه نهر الحياة.

الميتافيزيقيا المعادية للجنس

تدعي الميتافيزيقيا المتشائمة بأن الشخص الذي يرغب جنسيًا بشخص آخر، يجعل من ذاك الشخص موضوعًا للجنس قبل وأثناء النشاط الجنسي.

يقول كانط في (المحاضرات الأخلاقية): “يحول الجنس المحبوب إلى موضوع للشهية وهذا بحد ذاته يعد تدميرًا للطبيعة البشرية“(10). ويُقام هذا الادعاء على أن الوجود الإنساني سامي أو على حد تعبير كانط غاية -لا وسيلة.


حين يتحول الإنسان إلى موضوع يصبح كأي شيء آخر، بحيث يجوز ممارسة الكثير من الخداع للوصول إليه. وبعد قضاء الحاجة الجنسية، يصبح المحبوب شيئا مستهلكًا يمكن الاستغناء عنه.

فيصف برنارد بريم الأمر: “التفاعل الجنسي هو في الأساس تلاعب جسدي وعاطفي ونفسي وحتى عقلي“(10).إن هذا التفاعل يعد انتهاكًا بحق ذات الآخر، وذلك لأن الجوانب الجنسية منه تكون هدفًا لرغبتنا مع إهمال كل جانب آخر.

وهنا يقول كانط: “الجنس ليس ميل إنسان نحو إنسان آخر، بل فقط نحو جنس الآخر، أي الجانب الجنسي وحده يكون موضوع الرغبة”(10). علاوة على ذلك، يفقد الطرفين شخصيتهما، وذلك لأن الطرف الأول يفقد إرادته بخضوعه لرغبته الجنسية وبالتالي يستهدف الطرف الآخر إلى أن يفقد هو بدوره شخصيته إلى حد الاستهلاك.

يذهب كانط بعيدًا في هذا الاتجاه ويقول: “إذا كان الرجل يريد اشباع رغباته، وتريد المرأة اشباع رغبتها؛ يثير كل منهما رغبة الآخر، وهنا تتلاقي ميولهما، لكن الهدف ليس الطبيعة البشرية إنما الجنس، فيذهب كل منمها إلى افساد طبيعة الآخر البشرية، ويجعلان من الإنسانية أداة لإشباع شهواتهما وميولهما، وبالتالي ينزلان بالإنسان إلى مستوى الطبيعة الحيوانية“(10).

الميتافيزقيا الداعمة للجنس


تفترض الميتافيزيقيا المتفائلة أن الجنس هو آلية ترابط، تجمع الناس معًا بشكل طبيعي جنسيًا ولا جنسيًا في نفس الوقت.

ويتضمن النشاط الجنسي إرضاء الذات والآخر، ويولد تبادل المتعة كلاً من الامتنان والمودة، والتي بدورها تعمّق العلاقات الإنسانية وتجعلها أكثر جوهرية عاطفيًا.

كما يرى هذا الاتجاه في الجنس أكثر من مجرد جماع بين زوجين، بل يمثل الجنس قيمة كونية حتى خارج الزواج ودون أن يكون الهدف هو الانجاب، وهنا يدافع راسل عن الجنس بأنه يحافظ على كرامة الإنسان وطبيعته(11).

ويبين بول ريكور بأنه “حين يتعانق كائنان، هما لا يعرفان ماذا يفعلان، لا يعرفان ماذا يريدان، لا يعرفان عما يبحثان، لا يعرفان ماذا يجدان…الجنس بلا معنى لكنه يمتاز بكونه يعيد ربط الكائن البشري بقوة كونية“. ويضيف “أن الحياة وحدها بعينها كونية، كلية لدى الكل، وأن شأن البهجة الجنسية أن تجعلنا نشارك في هذا اللغز“(12).

الحق الطبيعي عند توما الأكويني


يستنتج توما الأكويني بأن ما هو طبيعي في النشاط الجنسي هو دافع الانخراط في الجماع عند الجنسين، ويعتبر الجماع آلية صممها الله لضمان الحفاظ على الأنواع الحيوانية بما فيها البشر.

وبالتالي فإن ممارسة هذا النشاط هو التعبير الطبيعي الأساسي عن الطبيعة الجنسية للإنسان. لأن الله صمم كل عضو من أعضاء الجسم لتأدية وظيفة معينة، فالعضوين الذكري والأنثوي هما من صنع الله ووظيفة الأول هو زرع الحيوانات المنوية في الثاني. وأن ايداع الحيوانات المنوية في أي مكان آخر غير العضو الأنثوي يعد خروجًا عن التصميم الذي أراده الله والحكمة الإلهية(10).

ويعتبر الأكويني الاستمناء والمثلية واستخدام أعضاء غير جنسية في الفعل الجنسي أنشطة مخلّة ومهينة وشاذة. وذلك لأنه كما الهدف من أعضاء الجسم واضح فإن الغاية من الجنس واضحة أيضًا وهي الإنجاب.

الأخلاق العلمانية عند توماس ناجل

يرفض توماس ناجل أخذ الأكويني بما هو مشترك بين الإنسان والحيوان، لذا نجد ناجل يركز على ما هو مختلف بين الإنسان والحيوان. أي ما يميز حياة الإنسان الجنسية عن الحياة الجنسية للحيوان.

ويجادل ناجل بأن الانحراف الجنسي لدى البشر يجب أن يُفهم على أنه ظاهرة نفسية وليست فيسيولوجية تشريحية كما ذهب الأكويني. وذلك لأن الجانب النفسي للإنسان هو الذي يميزنا عن الحيوان، وبالتالي فإن كل حساباتنا حول النشاط الجنسي الطبيعي يجب أن تعترف بأن نفسية الإنسان فريدة ومميزة(10).

إن النفسية الطبيعية للإنسان تكون واضحة حينما يستجيب كل طرف بإثارة جنسية حين يلاحظ الإثارة الجنسية للطرف الآخر (10). أي العلاقة الطبيعية، هي أن يشعر الطرفين بالإثارة الجنسية، وفي هذا اللقاء يكون كل طرف مدركًا بنفسه وفي نفس الوقت يدرك الطرف الآخر على أنهما يمثلان ذاتًا وموضوعًا في تجربتهما الجنسية المشتركة، بمعنى ألا يكون أحدهما إلغاءً ونفيًا للطرف الآخر. بذا، فأن الانحراف الجنسي هو غياب هذا الوعي المشترك بدور الطرفين في العملية.

ولا يعتبر ناجل المثلية أو الجنس الشرجي أو استخدام الأعضاء غير الجنسية والأدوات والجنس غير الهادف للانجاب نشاطًا شاذا، طالما تتحقق رغبة الطرفين الواعية. أما الاستمناء والاغتصاب من الانحرافات الجنسية وذلك لعدم تحقيق رغبة الطرف الآخرأوغيابه.

الخلاصة

في البداية اتخذ الجنس موقعًا خاصًا في الخطاب الأسطوري للحضارات القديمة، ومع بداية التفلسف اليوناني تحول إلى موضوع خاص لمناقشات عقلية.

وفي العصور المظلمة استسلم للنقاش اللاهوتي والحكم الكنسي. ومع عصر النهضة صار الجنس موضوعًا فنيًا في السياقات الجمالية، إلى أن صار مسألة من مسائل الفلسفة من جديد ابتداءً من القرن السادس عشر.

وبات بات له مكانة في الحقل العلمي مع فرويد. ومع بروز الحركات النسوية والمثلية وتطور البحوث السايكولوجية والاجتماعية والانتروبولوجية وحتى الفزيولوجية في موضوع الجنس، صار للجنس مكانة مختلفة في الخطاب الفلسفي وحتى الديني.

لكن الإشكال الجنسي سيظل قائمَا في الخطاب الإنساني نظرًا لما يحمله من قيمة في صنع السرديات الحداثية أو في خلق جدالات أخلاقية.

المصادر

1- طه باقر، ملحمة كلكامش، ص41-42.

2- ancient.eu

3- theoi

4- encyclopedia

5- themontrealreview

6- thebodyissacred

7- theo.kuleuven.b

8- bbc

9- plato.stanford

10- iep.utm.edu

11- russell-j

12- فتحي المسكيني، هجرة إلى الإنسانية، الطبعة الأولى 2016، منشورات الاختلاف،ص58-59

العِرق والعنصرية في علم الاجتماع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

مع دخولنا السنة الواحدة والعشرين من الألفية الثالثة، ما زالت الممارسات العنصرية متواجدة بقوة، ولو بنسب متفاوتة، في جميع المجتمعات. رغم النبذ الظاهر للأيدولوجيات العنصرية التي سادت في القرون الماضية، لكنها باقية. ما زال لون بشرتك يؤثر على فرصك في التعليم والعمل والصحة والاقتصاد والسياسة، حتى في أكثر الدول تقدمًا. وقد أثارت حركة «Black lives matter» قضية العنصرية مؤخرًا في الولايات المتحدة الأميركية والعالم. بيّنت الحركة أن ما يحدث ليس مجرد ممارسات فردية، بل هي جزء من أنظمة اجتماعية كاملة قائمة على التمييز. فكيف يعرّف علم الاجتماع العِرق والعنصرية؟ وكيف يفسّر هذا العلم العنصرية في العالم الحديث؟

تعريف العِرق والإثنية (أو الأصل الإثني)

 بحسب علم الاجتماع، يُعتبر مفهوم «العِرق- Race» بناء اجتماعي يقوم على تصنيف الجنس البشري إلى  فئات مختلفة، على أساس الخصائص الجسدية (كلون البشرة وشكل العيون) والثقافية. ويُعد هذا المفهوم حديثًا نسبيًا، أي أنه بدأ مع اكتشاف القارة الأميركية والسيطرة عليها من قبل الأوروبيين. عرف الأوروبيين عن أنفسهم أنهم “بيض”، وتكرر الأمر مع فترة الاستعمار الأوروبي للدول الأفريقية، أي في القرن السابع عشر. ومن هنا، تم تصنيف البشر إلى العرق الأبيض والأسود والأصفر.

أما «الانتماء الإثني- Ethnicity» فهو، بحسب معظم علماء الاجتماع، مختلف عن العِرق. الانتماء الإثني يشمل الأصول المشتركة والتاريخ والممارسات الثقافية، وبالتالي هو مفهوم أكثر مرونة ويتخذ طابعًا ذاتيًا إجمالًا. وتتقاطع الإثنية مع الجنسية أحيانًا ولكنهما غير متطابقتين. فمن الممكن أن يكون شخصان من جنسية مشتركة (أميركية مثلًا) ومن أصول إثنية مختلفة (عربية أو لاتينية أو أفريقية).

العِرق والإثنية هما مفهومان اجتماعيان، أي أنهما لا ينتجان عن فروقات حقيقية بيولوجية، بل عن فروقات بناها المجتمع ثقافيًا على مر الزمن.

تعريف العنصرية

يعرّف علم الاجتماع العنصرية بعنصرين أساسيين. العنصر الأول هو الأيديولوجية العنصرية التي تؤمن بفوقية عِرقٍ على آخر، بيولوجيًا أو ثقافيًا أو أخلاقيًا. أما العنصر الثاني فهو الممارسات (الفردية والاجتماعية) التي تقوم على التمييز بين الأعراق المختلفة.

نبذة تاريخية عن مفهوم العِرق: الوهم الذي ما زال يسيطر على العالم

انتشرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر نظريات علمية زائفة (Pseudoscience)  كنوع من التبرير للاستعمار الأوروبي للدول الأفريقية، الذي رافقه الكثير من الظلم والقتل والاستغلال، والذي كان حافلًا بالإبادات الجماعية وأنظمة العبودية والإتجار بالبشر.

نذكر مثلًا نظرية عالم النبات السويدي «كارولوس لينايوس- Carolus Linnaeus»، الذي صنف البشر، في سنة 1735، إلى أربعة “أعراق”:

– العِرق الأميركي ذو اللون الأحمر، وقد وصفه بأنه عنيد وانفعالي، ومحكوم بعاداته وتقاليده.
– العِرق الآسيوي “الشاحب مع شعر أسود”، وقد وصفه أنه متكبّر ومحكوم بالآراء.
– العرق الأفريقي “الأسود”، و اعتبره كسولًا ومهملًا وماكرًا، ومحكوم بشهواته.
– العِرق الأوروبي “الأبيض” واعتبره عِرقًا متفائلًا و مُبتكرًا، وهو محكوم بالقوانين.

كذلك انتشرت، بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، نظرية «الداروينية الاجتماعية – Social Darwinism» التي طبقت مبادئ نظرية الانتقاء الطبيعي التي طرحها داروين لتفسير العلاقة بين الأنواع، على البشر. ويعتبر عرّابو هذه النظرية، أمثال البريطاني «هربرت سبنسر- Herbert Spencer» والأميركي «ويليام غراهام سامنر- William Graham Sumner» أن المجتمعات تتطور من خلال الانتقاء الطبيعي. كما اعتبر العرابون أن “البقاء للعرق الأصلح”. وقد خدمت هذه التفسيرات للنظرية الرأسمالية والتيار السياسي المُحافظ، وسياسات الاستعمار.

وعلى الرغم من عنصرية هذه الأفكار وعدم ثباتها، انتشرت في كل العالم وزرعت بذور التمييز والتفرقة التي ما زلنا نحصدها حتى اليوم.

كيف قارب علم الاجتماع مفاهيم العرق والعنصرية؟

يمكن الحديث عن مرحلتين مختلفتين من المقاربة السوسيولوجية لمفهوم العنصرية.

المرحلة الأولى تمتد بين أواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين. وقد كان علم الاجتماع في تلك الفترة يعتبر أن العنصرية تقتصر على الممارسات الفردية. كما تأثر علماء الاجتماع في الفترة نفسها بالداروينية الاجتماعية، فبدل أن يدرسوا العنصرية كمشكلة اجتماعية، استخدموا الافتراضات العنصرية نفسها لتبريرها.

من الاستثناءات القليلة لهذه المرحلة هي نظرية عالم الاجتماع الأميركي «دو بوا – W.E.B. du Bois». كان دو بوا أول أميركي من أصول أفريقية يحصّل درجة الدكتوراه في جامعة هارفرد. كان دو بوا ناشطًا حقوقيًا في محاربة العنصرية. وقد كان من أوائل علماء الاجتماع الذين درسوا الجذور السياسية والاقتصادية للعنصرية. كما طرح “دو بوا” في كتابه الشهير «The Souls of Black Folk» (عام 1903) نظرية الوعي المزدوج، التي تفترض أن الفرد المنتمي إلى جماعة مظلومة يعيش صراعًا داخليًا بين نظرته إلى نفسه ونظرة الجماعة الظالمة إليه، التي غالبًا ما تكون نظرة من الاحتقار والدونية.

أما المرحلة الثانية، فهي تمتد بين منتصف القرن العشرين حتى يومنا هذا. تناول علم الاجتماع فيها موضوع العنصرية بنظرة اجتماعية شاملة.

بدأت هذه المرحلة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي بلغت فيها العنصرية أعلى مستوياتها، ودفعت البشرية ثمن هذه العنصرية غاليًا.

تفسيرات العلماء للعنصرية تجاه المغتربين

حاول بعض العلماء تفسير العنصرية تجاه المغتربين أو اللاجئين بالاختلافات بينهم وبين الآخرين. واعتبروا أن العنصرية تختفي وحدها عندما “ينصهر” هؤلاء مع مجتمعهم الجديد. لكن هذه النظرية لم تكن كافية بالنسبة إلى علماء الاجتماع.

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ترافقت حركة الحقوق المدنية مع ازدياد الهجرة وسقوط الاستعمارات. مما أدى إلى نبذ العنصرية و انخفاض السلوكيات العنصرية العلنية. لكن هذا كله لم يكن كافيًا لإنهاء التمييز العنصري، بل استُبدلت العنصرية العلنية القديمة بأنواع أخرى من التمييز. شملت أنواع التمييز الأخرى توزيع الثروة والعمل والسكن والتعليم والأحكام القضائية وغيرها. ومن هنا، وُلدت نظريات اجتماعية جديدة ومعاصرة لتفسير العنصرية.

نظرية التكوين العرقي

طرح العالمان الأميركيان «أومي و وينانت – Omi and Winant» نظرية التكوين العرقي. تربط نظرية التكوين العرقي الإطار العرقي بالأحداث التاريخية الاقتصادية والسياسية، وهو بناء اجتماعي-ثقافي بحت، يتغير عبر الزمن.

تفسير بونيلا سيلفا

ي عام 1997، اعتبر العالم الأميركي «بونيلا سيلفا – Bonilla-Silva» أن الأنظمة الاجتماعية العنصرية تخلق وتعزز الأيديولوجيات العنصرية. بدورها الأنظمة نفسها. فبحسب ماركس وانجلز “إن أفكار الطبقة الحاكمة هي الأفكار الحاكمة في كل عصر”. وبما أن ال”بيض” هم من يتحكمون بالسياسة في أميركا، من الطبيعي أن تنتشر أيديولوجيتهم العنصرية.

تقاطع باتريسيا هيل كولينز

كما تشير عالمة الاجتماع «باتريسيا هيل كولينز – Patricia Hill Collins» إلى تقاطع (Intersectionality) قضية التمييز العنصري مع كل قضايا التمييز الطبقي والجندري، ولا يمكن درس كل منها على حدة.

التحيز الضمني

بالإضافة إلى ذلك، يتم الحديث في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي عمّا يسمى بالتحيز الضمني (Implicit Bias)، وهو الاعتقاد الضمني وغير الواعي بفوقية عرق على آخر. وقد لا يظهر هذا النوع من التحيز في الدراسات الاستقصائية أو الأسئلة، بل هو يظهر بشكل غير مباشر في السلوكيات خلال الحياة اليومية. وهي غالبًا ناتجة عن أحكام مسبقة أو صور نمطية تجاه فئات معينة. حتى أن بعض العلماء اقترح أن هذه النظرة العنصرية الدونية قد تصيب الفرد تجاه عرقه نفسه. وقد أثارت هذه الفكرة جدلًا واسعًا بين اعتبار هذه النظرية لمجرد إلقاء اللوم على الضحية، وبين اعتبار النظرة الذاتية جزء من المشكلة.

ختامًا، إن  العنصرية لا تظلم الجماعات التي تتعرض لها فقط، بل هي تظلم البشرية جمعاء لأنها تحرمها من الاستفادة من طاقات رهيبة يملكها أفراد من أعراق مختلفة، لكنها تبقى رازحة تحت وزن التمييز الثقيل. فمتى ستتخلص البشرية من وهم الأعراق؟

إقرأ أيضًا: تعريف الحركة النسوية وتاريخها

المصادر

American Sociological Association
Britannica
Elsevier

تاريخ البيتزا

تاريخ البيتزا

في عام 1831 وصف «صموئيل مورس-Samuel Morse» مخترع التلغراف البيتزا بأنها نوع سيئ من الكعك بل الأكثر إثارة للغثيان مغطاة بالطماطم والفلفل الأسود والسمك وإنها تشبه قطعة خبز تم إخراجها للتو من المجاري!

تُرى ماهو تعليق محبي البيتزا اليوم على رأي مورس ؟

من أين بدأت البيتزا …ماذا تعني كلمة بيتزا أصلاً؟


تشير بعض المصادر إلى أن كلمة بيتزا جاءت من كلمة «pina» اللاتينية والتي تعني خبز أو رقاقة، إلا أنه هناك جدل كبير حول أصل الكلمة.

على كل حال لقد تناول الفينيقيون البيتزا في العصور القديمة بصورتها البسيطة كخبز مسطح ُيتبل بالأعشاب ويطهى على حجر ساخن.

وقد عبر هذا النوع من الطعام البسيط إلى الإغريق فأطلقوا عليها «Plankuntos» ومن ثم إلى روما ومصر وبابل. وقد أشاد بها المؤرخون القدامى مثل هيرودوت وكاتو الأكبر.

ومع ذلك لم تظهر البيتزا بشكلها الحديث المتعارف عليه الآن حتى أوائل القرن التاسع عشر بمقاطعة كامبانيا في مدينة نابولي، والتي تأسست كمستوطنة يونانية قبل 600 عام قبل الميلاد.

طعام الفقراء .. يصبح طعاماً قومياً

موقع مدينة نابولي

في أوائل القرن الثامن عشر أصبحت نابولي مدينة مزدهرة، وواحدة من أكبر مدن أوروبا وواجهة بحرية كبرى منتعشة بالتجارة الخارجية. مما عزز التدفق المستمر للقرويين من الريف لنابولي حيث تضخم عدد السكان في نابولي من 200,000 إلى 399,000نسمة. من عام 1700م وحتى 1748م وأدى ذلك بالطبقة المهاجرة التي كانت تطمح في فرص أفضل إلي الوقوع في الفقر المدقع.

وقد أطلق سكان نابولي على تلك الطبقة«lazzari- لازاروني». وتقول الكتابة «كارول هيلستوسكي Carol Hylstowsky» مؤلفة كتاب «pizza-بيتزا» و أستاذة التاريخ بجامعة دنفر”كان الكثير من الفقراء يعيشون في منازل صغيرة للغاية وأحيانا كثيرة بدون منازل فحتاج هؤلاء إلى طعام رخيص الثمن ويمكن استهلاكه بسرعة “. وقد وجدوا ضالتهم في البيتزا وليس المهاجرين فقط بل وشريحة الفقراء في نابولي عموماً. وكانت تؤكل مع كل شيء تقريباً، و تباع في أزقة نابولي من قبل الباعة الجوالين أو المطاعم الغير مرخصة.

بائع بيتزا من نابولي في القرن التاسع عشر

وهكذا ظلت البيتزا مرتبطة بهذه الطبقة الفقيرة فوصف المؤلفون البيتزا بالطعام المثير للاشمئزاز بما فيهم المؤلفين الإيطاليين. وفي أواخر القرن التاسع عشر ومع ظهور كتب الطبخ الأولى تم تجاهل البيتزا بشكل واضح من الذكر في تلك الكتب.

بيتزا مارجريتا

الملكة مارجريتا التي سميت البيتزا باسمها


في عام 1889م زارت الملكة مارجريتا و الملك أمبرتو الأول مدينة نابولي، وكان الزوجين ضجرين من الأطعمة الفرنسية الفاخرة. لذلك أرادت الملكة تذوق البيتزا، وتم تقديم فطيرة البيتزا المغطاة بالطماطم والجبن الابيض والريحان إلى الملكة ومنذ ذلك الحين سمي هذا النوع من الفطائر ببيتزا مارجريتا.

وتعد هذه الحادثة نقطة تحول في تاريخ البيتزا فقد لاقت رواجاً في مجتمع الطبقة الأرستقراطية والمجتمع الإيطالي عموماً. وعلى الرغم من ذلك ظلت البيتزا غير معروفة بشكل كبير خارج إيطاليا حتى عام 1940م.

بحلول القرن التاسع عشر هاجر الكثير من النابوليين إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثاً عن فرص للعمل في المصانع. وهاجرت البيتزا مع المهاجرين من نابولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا تطورت البيتزا في أمريكا، وفي عام 1905م افُتتح أول مطعم البيتزا في نيويورك.
وعندما غزا جيش الحلفاء إيطاليا في عام 1943م عرفوا البيتزا وأحبها وذلك ساهم في انتشار البيتزا بشكل كبير.

ومنذ عام 1950 حتى اليوم مع التطور التكنولوجي والاقتصادي ومع اكتساب الوقت وتيرة سريعة ازداد الطلب على الوجبات السريعة خصوصًا البيتزا حيث يتم إنتاج ملايين من أطعمة البيتزا التي ترضي جميع الاذواق.

المصادر:

1- historytoday

2- history

3- wonderopolis

4- spizzicorestaurant

5- altohartley

بيت الحكمة: بذرة الرياضيات المعاصرة

عندما تسمع اسم “بيت الحكمة”، قد تتخيل مكانًا يعج بالكتب أكثر مما كان عليه في الواقع: لم يتبق أي أثر لهذه المكتبة القديمة، التي دمرت في القرن الثالث عشر مع كل إشارةٍ لمكانها وشكلها. لكن هذه الأكاديمية المرموقة كانت في الواقع قوةً فكريةً رئيسيةً في بغداد خلال العصر الذهبي الإسلامي، ومهدًا لمفاهيم رياضية مثل الصفر وأرقامنا “العربية” الحديثة.

تأسس بيت الحكمة كمجموعة خاصة للخليفة هارون الرشيد في أواخر القرن الثامن ثم تحولت إلى أكاديمية عامة بعد حوالي 30 عامًا. ويبدو أن بيت الحكمة قد جذب العلماء من جميع أنحاء العالم نحو بغداد، كما جذبهم الفضول الفكري النابض بالحياة وحرية التعبير في المدينة (فقد سُمح لجميع العلماء المسلمين واليهود والمسيحيين بالدراسة هناك). أصبح بيت الحكمة في النهاية مركزًا لا مثيل له لدراسة العلوم الإنسانية، بما في ذلك الرياضيات وعلم الفلك والطب والكيمياء والجغرافيا والفلسفة والأدب والفنون – بالإضافة إلى بعض الموضوعات المُلتبس عليها مثل الخيمياء (فرعٌ قديمٌ للفلسفة الطبيعية) والتنجيم. وهكذا صار بيت الحكمة أرشيفًا هائل الحجم مثل المكتبة البريطانية الحالية في لندن أو المكتبة الوطنية في باريس. وبالتالي، فإن استحضار هذا النصب العظيم يتطلب قفزة في الخيال، ولكن هناك شيء واحد مؤكد: لقد بشرت الأكاديمية بنهضة ثقافية من شأنها أن تغير مسار الرياضيات تمامًا.

تم تدمير بيت الحكمة في حصار المغول لبغداد عام 1258 م. (وفقًا للأسطورة، تم إلقاء العديد من المخطوطات في نهر دجلة حتى تحولت مياهه إلى اللون الأسود من كثرة الحبر). لكن الاكتشافات التي أجريت هناك قدمت لغة رياضية قوية وتجريدية وهي التي سيتم تبنيها لاحقًا من قبل الإمبراطورية الإسلامية وأوروبا والعالم بأسره. يقول جيم الخليلي، أستاذ الفيزياء في «جامعة سري-University of Surrey»:

“ما يجب أن يشغل اهتمامنا هو تاريخ الأفكار العلمية نفسها وكيفية تطورها، وليس التفاصيل الدقيقة حول مكان نشوء بيت الحكمة ومتى تم إنشاؤه.”

لتتبع أثر الإرث الرياضي لبيت الحكمة، علينا السفر قليلًا إلى المستقبل. بعد مئات السنين وحتى انحسار عصر النهضة الإيطالية، كان ليوناردو فيبوناتشي واحدًا من أهم علماء الرياضيات في أوروبا. ولد عالم الرياضيات الإيطالي في بيزا عام 1170، وتلقى تعليماته الأساسية في مدينة بجاية، وهي منطقة تجارية تقع على الساحل البربري لإفريقيا (ساحل شمال إفريقيا). في أوائل العشرينات من عمره، سافر فيبوناتشي إلى الشرق الأوسط، مفتونًا بالأفكار التي أتت غربًا من الهند عبر بلاد فارس. عندما عاد إلى إيطاليا، نشر فيبوناتشي كتاب الرياضيات «ليبر أباتشي-Liber Abbaci»، وهو أحد الأعمال الغربية الأولى لوصف النظام العددي العربي-الهندي.

عندما ظهر كتاب ليبر أباتشي لأول مرة عام 1202 م، كانت الأرقام الهندية-العربية معروفة لعدد قليل من المثقفين. كان التجار والعلماء الأوروبيون لا يزالون يستخدمون الأرقام الرومانية، الأمر الذي جعل الضرب والقسمة مرهقين للغاية. أظهر كتاب فيبوناتشي استخدام الأرقام في العمليات الحسابية – التقنيات التي يمكن تطبيقها على المشكلات العملية مثل هامش الربح وتغيير الأموال وتحويل الوزن والمقايضة والفائدة. كتب فيبوناتشي في الفصل الأول من عمله الموسوعي، مشيرًا إلى الأرقام التي يتعلمها الأطفال الآن في المدرسة:

“أولئك الذين يرغبون في معرفة فن الحساب ودقته وإبداعه يجب أن يعرفوا العدَّ بالأشكال اليدوية. مع هذه الأرقام التسعة إضافةً لرمز 0، المسمى «صفر-zephyr»، يتم كتابة أي رقم مهما كان.”

فجأة، أصبح استخدام الرياضيات متاحًا للجميع وبشكل سهل. لم تبرز عبقرية فيبوناتشي العظيمة في علم الرياضيات فحسب، بل وأيضًا فهمه الشديد للمزايا التي عرفها العلماء المسلمون على مدى قرون: صيغهم الحسابية ونظامهم العشري وجبرهم. في الواقع، اعتمد في كتابه بشكل شبه حصري على خوارزميات عالم الرياضيات في القرن التاسع، الخوارزمي. قدمت أطروحته الثورية لأول مرة طريقة منهجية لحل المعادلات التربيعية. بسبب اكتشافاته في هذا المجال، غالبًا ما يُشار إلى الخوارزمي على أنه أبو الجبر – وهي كلمة ندين له بها، ففي اللغة العربية “الجبر” تعني “إصلاح الكسر” – وفي عام 821 م عُيّن كعالم فلك ورئيس مكتبة بيت الحكمة. إن جزء كبير من تأثير فيبوناتشي على الرياضيات الحديثة يرجع فضله إلى الخوارزمي. وهكذا ربطت مكتبة قديمة رجلين تفصل بينهما حوالي أربعة قرون: فقد كان أشهر عالم رياضيات في العصور الوسطى يقف على كتف رائد فكرٍ آخر حقق اختراقاته في مؤسسة برزت في العصر الذهبي للإسلام.

يميل المؤرخون أحيانًا إلى المبالغة في نطاق وغرض بيت الحكمة (ربما بسبب قلة معرفتنا بها)، مما يمنح المكتبة وضعًا أسطوريًا يتعارض إلى حد ما مع ما تبقى من السجلات التاريخية الشحيحة. يقول الخليلي:

“يجادل البعض بأن بيت الحكمة لم يكن بالفخامة التي تُخال للكثيرين. لكن ارتباطه برجال مثل الخوارزمي، بعمله في الرياضيات والفلك والجغرافيا، هو بالنسبة لي دليل قوي على أن بيت الحكمة كان أقرب إلى أكاديمية حقيقية، وليس مجرد مستودع للكتب المترجمة.”

قبل وقت طويل من نظامنا العشري الحالي ونظام الأعداد الثنائية الذي يبرمج أجهزة الكمبيوتر لدينا، وحتى قبل الأرقام الرومانية والنظام الذي استخدمه سكان بلاد الرافدين القدماء، كان البشر يستخدمون أنظمة العد المبكرة لتسجيل الحسابات. بالرغم من أننا قد نجد هذه الأشياء عتيقة وغير قابلةٍ للتأويل، إلا أن التمثيلات العددية المختلفة يمكن أن تعلمنا في الواقع شيئًا ذا قيمة حول البنية والعلاقات والسياقات التاريخية والثقافية التي نشأت منها. عندما أراد التجار القدماء كتابة “خروفين”، على سبيل المثال، كان بإمكانهم أن ينقشوا في الطين صورة لخروفين. لكن هذا الأسلوب غير عملي إذا أرادوا كتابة “20 خروف”. «تدوين قيمة الإشارة-sign-value notation» هو نظام يدل فيه مجموع الرموز على قيمة رقمية؛ في هذه الحالة، رسم خروفين لتمثيل الكمية الفعلية.

استمرت الأرقام الرومانية بطريقة ما على الرغم من إدخال نظام الخوارزمي، الذي اعتمد على موضع الأرقام لتمثيل الكميات. عاشت الأرقام الرومانية أكثر من الإمبراطورية التي ولدتها – كما عاشت الآثار الشاهقة التي نُقِشت الأرقام عليها – سواءٌ عن طريق الصدفة أو العاطفة أو الغرض، لا أحد يستطيع الجزم بذلك.

يصادف هذا العام الذكرى 850 لميلاد فيبوناتشي. قد يكون العام الذي يهدد بالتراجع في رحلة الأرقام الرومانية. ففي المملكة المتحدة، تم استبدال الأرقام الرومانية التقليدية بساعات رقمية يسهل قراءتها في الفصول الدراسية، خوفًا من أن الطلاب لم يعد بإمكانهم معرفة الوقت التناظري بشكل صحيح. في بعض مناطق العالم، أوقفت الحكومات استخدامها في لافتات الطرق والوثائق الرسمية، بينما ابتعدت هوليوود عن استخدام الأرقام الرومانية في عناوين إنتاجاتها. كما توقف استخدامها في مباريات «السوبر بول-Super Bowl» في مباراتهم الخمسين، حيث شعروا أنها كانت مربكة للجماهير.

لن يجد الكثير منا شيئًا مميزًا في الرقم MMXX (هذا هو عام 2020 مكتوب بالأرقام الرومانية). لكنك على الأرجح سمعت بـ «متتالية فيبوناتشي-Fibonacci Sequence». وهي متتالية يساوي فيها الحد مجموع الحدين السابقين. أن متتالية فيبوناتشي رائعة فعلًا، حيث تظهر بكثرة في العالم الطبيعي حولنا – في أصداف البحر ومحالق النباتات واللوالب من رؤوس عباد الشمس وفي مخاريط الصنوبر وقرون الحيوانات وترتيب براعم الأوراق على الساق وكذلك العالم الرقمي (في علوم الكمبيوتر والتسلسل). غالبًا ما تشق هذه المتتالية طريقها إلى الثقافة الشعبية أيضًا: في الأدب والسينما والفنون البصرية؛ في كلمات الأغاني أو الدرجات الأوركسترالية؛ وحتى في الهندسة المعمارية. لكن الإسهامات الرياضية الأكثر ثباتًا لفيبوناتشي نادراً ما تُدرّس في المدارس. بدأت هذه القصة في مكتبة أحد القصور منذ ما يقرب من ألف عام، في وقت كانت فيه معظم المسيحية الغربية ترقد في الظلام الفكري. إنها قصةٌ يجب أن تفكك وجهة نظرنا ذات المركزية الأوروبية للرياضيات، وتسليط الضوء على الإنجازات العلمية للعالم الإسلامي.

المصادر: britannica, britannica (2)BBC
إقرأ أيضًا: تعرف على مكتبة بابل: حيث كل ما كُتِب وكل ما سيكتب في المستقبل!

تاريخ مصارعة الديكة

تاريخ مصارعة الديكة

التاريخ مليء بالعنف الذي ينطوي على إيذاء الحيوانات وتعريضها للخطر والإصابات التي تؤدي إلى موتها في كثير من الأحيان. وذلك من قبيل التسلية والترفيه مثل: مصارعة الديكة، والثيران.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسات تمت إدانتها بموجب القانون إلى أنها لم تختفي للابد ومازالت مستمرة حتى الآن.

متى بدأت مصارعة الديكة ؟


نشأت مصارعة الديكة منذ أكثر من 2500 عام، ويرجح المؤرخون أنها نشأت في جنوب آسيا وتعتبر من أقدم الرياضات الموثقة في التاريخ.

فسيفساء رومانية لمصارعة الديكة موجودة في المتحف الوطني للآثار في نابولي

وعلى الرغم من الحظر المفروض عليها في العديد من البلدان إلا أنها استمرت بالازدهار ويعود تاريخ مصارعة الديكة إلى العصور الكلاسيكية حيث مارسها الإغريق لتحفيز جنودهم للقتال قبل المعارك.

انتقلت من بلاد فارس إلى اليونان، وبحلول العصور الوسطى كانت منتشرة في أوروبا وفي آسيا الصغرى وصقلية. وعلى الرغم من معارضة رجال الدين لهذة الرياضة ومحاولة السلطات لقمعها، إلا أنها بقيت الرياضة المفضلة قديماً لدى الملوك والنبلاء الإنجليز من أوائل القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر.

كانت الحكومة في كوبا تشرف على المصارعة، ولكن تم تقليص هذا النشاط في عام 1959م. بالإضافة لانتشارها في الهند والصين .

لماذا تتصارع الديكة من الأساس ؟


تتقاتل الديكة في البرية على الموائل وحتى من أجل فرص التزاوج، ولكن نادراً ما ينتج عن هذا القتال إصابات خطيرة وتنتهي هذه النزعات البسيطة بانسحاب الطرف المهزوم.

ولكن الأمر مختلف بالنسبة لتلك التي تساهم في المباريات، حيث يتم وضع نظام خاص بها فيتم تربيتها وتكييفها لزيادة القدرة على التحمل كما أن القائمين على هذه الصناعة يحقنون الديكة بالمنشطات والأدوية التي تساهم في إثارتها.

مباراة لا يفوز بها أحد

مسامير تثبت في أقدام الديكة في المصارعة


تدور المباراة بين مجموعة من الديكة وسط تشجيعات وهتاف الجمهور الذي يضع مراهنات كبيرة. وتستمر من عدة دقائق إلى حوالي نصف ساعة في حفرة دائرية يبلغ قطرها حوالي 6 أمتار محاطة بحواجز معدنية.
تُسلح الديكة بشفرات فولاذية ومسامير مثبتة في أقدامها وتحقن بالمنشطات قبل صعود المباراة. في العصور القديمة كانت تنتهي المباراة بموت أحد الديكة ولكن فيما بعد عدّلت قوانين اللعبة حيث يتم سحب الديك الأكثر تضرراً، وفي النهاية الطرف الرابح ليس هو الطرف المحظوظ فغالباً ما يعاني من إصابات حادة كالكسور البالغة في العظام وثقوب في الرئتين والعيون.

ممارسات متعلقة بـمصارعة الديكة

هناك أيضاً ممارسات غير قانونية تصاحب هذه الرياضة، كتداول المخدرات وتخريب الممتلكات العامة والعنف بين المتقامرين إلى حد الوصول لجرائم القتل.

رياضة للرجال فقط


تعتبر هذه الرياضة موجهة للرجال أكثر منها للنساء وقد يرجع ذلك للاجواء المرتبطة بها من عنف ودموية. وبرغم من مشاركة أعداد قليلة من النساء في هذه الرياضة إلا أن هذه الرياضة لطالما ارتبطت بالتعبير عن الذكورة في عدة ثقافات، فمثلا كلمة «ديك-sabung» و التي تترجم حرفيا في الثقافة البالية بمعنى البطل أو الرجل القوي ، والتي تستخدم أيضا للتعبيرعن الأعضاء الجنسية.
وتعتبر مصارعة الديكة جزء من الثقافة البالية بالإضافة إلى أن بعض الدول تجعل المباراة محاكية لانتصارات قومية. فمن الواضح أن هذه الرياضة ذات تأثيرات نفسية عميقة لدى مشجعيها، وربما يكون هذا سبب عدم توقف هذه الرياضة الدموية حتى الآن.

المصادر:

1- onegreenplanet

2- ejop.psychopen

3- kplctv

4- peta

ما هو العنف السياسي؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

يحيط بنا العنف في كل مكان على اختلاف درجاته وأنواعه، في العائلة والمدرسة والعمل والإعلام والمجتمع. حتى أنه يطال وسائل التسلية والترفيه من أفلام وألعاب فيديو وغيرها. يخلق العنف أزمات عميقة للبشرية، لذلك كان دائمًا مادة دسمة للدراسات. كثرت النظريات المفسرة للعنف في مختلف الحقول العلمية: علوم النفس والاجتماع والسياسة وعلوم الجينات وعلم الإنسان والتاريخ وغيرها. ورغم أننا لم نتوصل حقيقةً إلى الإجابة على السؤال حول ما إذا كان العنف فطريًا أم مكتسبًا! فإننا واثقون أن العوامل الإجتماعية تلعب دورًا جوهريًا في زيادة نسبة العنف أو على العكس، الحد منها. ولعلّ أكثر العوامل تأثيرًا هو الحالة السياسية للمجتمع، والعنف السياسي المُمارس من قبل الأنظمة والمجموعات والأفراد. فما هو العنف السياسي؟ وما هي أنواعه؟ وكيف يؤثر على حياتنا كأفراد، وعلى علاقاتنا مع الآخرين والدولة؟

مفهوم العنف السياسي

يمكن تعريف العنف السياسي بكل استخدام للقوة أو السلطة. قد يمارسه أفراد أو مجموعات أو دول، بهدف تحقيق أغراض سياسية. ويشمل كل أنواع الأذى الجسدي والضغط النفسي الهادفة إلى إخضاع الشعوب.

ويشمل هذا العنف الصراع بين دول مختلفة من جهة، والصراع في الدولة نفسها من جهة أخرى.

ومن الأمثلة على العنف السياسي الحروب (الخارجية أو الأهلية) والاستعمار والتسلح والاغتيالات والإبادات الجماعية والعمليات الإرهابية والثورات والتمرد والشغب والإنقلابات. كما يطال أيضًا القمع و/أو الحرمان الذي يمكن أن يمارسه النظام السياسي بحق الشعب، كحرمانه من حقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وقمعه لحرية التعبير.

دفعت البشرية على مر التاريخ – وما زالت – أثمانًا باهظة للعنف السياسي، من الضحايا والدم والدمار والأضرار الاقتصادية والاجتماعية والصحية الهائلة، لذلك تُعتبر دراسته ضرورة في محاولة الحد منه وجعل العالم أقرب إلى السلام.

أنواع العنف السياسي

تتعدد تصنيفاته، إما بحسب أطرافها أو حجمها أو مدى خرقها للأنظمة الاجتماعية و لحدود الدولة ومدى قانونيتها و/أو مشروعيتها.

يعتبر بعض العلماء الثورات أو الانقلابات مثلًا جزءًا من التحركات التي تحمل عنفًا سياسيًا شرعيًا. فهي غالبًا تنتج عن قمع النظام السياسي لأي حالة تغييرية ديمقراطية أو سلمية. فيكون سلك طريق الوسائل العنيفة حل وحيد متبقي أمام فئة معينة لتحقيق تغيير سياسي أو لإستعادة حقوقها.

إذا تبنّينا التصنيف المبني على أساس الأطراف المنفذة والمتلقية لها، يمكن اختصاره على الشكل التالي:

– العنف الموجه من دول إلى أخرى أو من مجموعة دول إلى مجموعة أخرى: الحروب والحروب الاستعمارية والاحتلالات.
– العنف القائم بين النظام السياسي لدولة و فئة أخرى غير رسمية: مثل حالات التمرد والشغب والثورات والانتفاضات (فيكون في هذه  الحالة عنفًا متبادل بين الطرفين).
– عنف أحادي الجانب، الموجه من السلطة إلى الشعب عامةً أو مجموعات أو أفراد منه: مثل العنف الانتخابي (تهديد و أذى جسدي و/أو نفسي يطال المرشحين أو الناخبين بهدف ضمان النتيجة لصالح طرف معين)، الاغتيال  (التصفية الجسدية) والإعدام السياسي والقمع من خلال الأجهزة الأمنية والتعذيب والحرمان من الحقوق الأساسية كالأمن والغذاء والسكن والتعليم والعمل والضمانات الاجتماعية.
– العنف الممارس من قبل أفراد أو مجموعات (غير رسمية) باتجاه أفراد آخرين: مثل الإرهاب.
– العنف الممارس بين فئات اجتماعية (غير رسمية): مثل الصراعات الإثنية.

تجدر الإشارة إلى أن أنواع العنف السياسي تتداخل في الكثير من الأحيان فيما بينها، حتى أنها تتداخل مع العنف الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير.

كيف يؤثر العنف السياسي على الأفراد والمجتمع ككل والدولة؟

من الصعب أن نحصي فعليًا الآثار الضخمة التي تتركها أعمال العنف السياسي، وهي تختلف كثيرًا بحسب نوع الأعمال العنفية المُمارسة وحجمها والإطار الاجتماعي والتاريخي لها.

على الصعيد الفردي، تثبت الدراسات أن العنف السياسي يؤثر مباشرةً على الصحة النفسية. فتزيد في المجتمعات المعنفة سياسيًا نسبة الأشخاص المصابين بأمراض الاكتئاب والقلق و اضطرابات ما بعد الصدمة. كما يؤثر العنف أيضًا على نوعية الخدمات التي يحصل عليها المواطنون، وغالبًا ما يكون ملازمًا للدول النامية، فلنا أن نتخيّل مدى تأثيره مع رداءة الخدمات وعدم استقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على نوعية حياة الأفراد.

أما عن علاقة الأفراد بالدولة والحياة السياسية، فتوضح مجموعة من الدراسات ازدياد نسب العزلة عن المشاركة في أي ،أنشطة سياسية، وفقدان الثقة بالدولة، كما تتعطل قدرة الأفراد على المشاركة في عمل جماعي، فيميل الأشخاص في هذه الحالة إلى الفردية.

على مستوى المجتمع، يساهم العنف السياسي بزيادة العنف الاجتماعي بشكل مباشر، بسبب انعدام الشعور بالأمان، فتزداد حالات الفوضى الاجتماعية وحالات التمييز للفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. وقد تطفو الأيديولوجيات المتطرفة لتعبّر عن أحاسيس الخوف والترهيب الجماعي. كما تتعاظم الآفات والمآسي الاجتماعية، وعلى رأسها التهجير واللجوء. تضعف قدرة المجتمع على التعاضد لحل الأزمات وعلى التنظيم وتتهشم الشبكات الاجتماعية.

على صعيد الدولة، غالبًا يترافق مع ضعف في المؤسسات العامة، وفقدان المواطنين بهذه المؤسسات. وينتشر الفساد ليصبح جزءًا لا يتجزأ من تسيير أعمال الدولة. إذا كان العنف السياسي موجه من قبل النظام نفسه، غالبًا ما تكون نتائجه المدمرة على الأفراد والمجتمع، أدوات إضافية لفرض سلطته وإعدام محاولات التغيير.

يتوّج العنف السياسي كل أنواع العنف الأخرى وصولًا حتى إلى العنف العائلي، فلا بد أن تبدأ مجابهة العنف من خلال الحد من العنف السياسي أولًا. ولا بد من الاعتراف أن السياسة أقرب لنا مما يُخيّل إلينا، فهي تنحت كل تفاصيل حياتنا الفردية والاجتماعية. أما التخلف، الذي ينسبه البعض إلى شعوب معينة، فالأجدر أن ننسبه إلى الأنظمة السياسية التي تسيطر على هذه الشعوب.

إقرأ أيضًا: ما هو الامتثال الاجتماعي؟

المصادر:

NCBI
Science direct
Wiley

تعريف الحركة النسوية وتاريخها

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

نتمتع كنساء في يومنا هذا بالعديد من الحقوق، من حق التصويت والترشح إلى حق القيادة والتعلم والعمل. وقد يخيّل إلينا أن هذه الحقوق مُكتسبة لجميع البشر بطبيعتها. لكن الحقيقة أن هذه الحقوق جاءت نتيجة لعناء طويل من النضال النسوي. في المقابل، نواجه في حياتنا اليومية الكثير من مواقف التهميش والتمييز والتحرش والعنف تجاه المرأة، ممّا يؤكد حاجتنا إلى المزيد من النضال النسوي. فما هو تعريف الحركة النسوية؟ كيف نشأت؟ وما هو تاريخها؟

ما هي الحركة النسوية؟

تُعرّف الحركة النسوية (المعروفة بالـFeminism) بالحركة السياسية والاجتماعية والثقافية الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومحاربة جميع أنواع التمييز الجندري. وهي لا تشمل فقط النضال الحقوقي المباشر، بل أيضًا الفلسفة النسوية التي تؤمن بالمساواة والتي تُلهم النساء حول العالم للدفاع عن حقوقهن.

رغم أن الحركة النسوية نشأت في الغرب، إلا أنها توسّعت في جميع مناطق العالم، وتأثرت بمختلف التيارات الثقافية والفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، ممّا خلق العديد من المدارس الفكرية النسوية (الراديكالية، الاشتراكية-الماركسية، الرأسمالية، الأناركية، …) تقع كلها تحت مظلة الأيدولوجية النسوية، ولكنها تختلف في الأهداف والاستراتيجيات.

حاربت الحركة النسوية في سبيل الحقوق المدنية للنساء (حقوق الملكية والتصويت والتعليم والعمل)، بالإضافة إلى حماية المرأة من العنف المنزلي والتحرش والاغتصاب، وحرية التصرف بالجسد والحصول على الرعاية الإنجابية وصولًا إلى تحسين شروط العمل والحق في إجازة الأمومة والأجور العادلة، وغيرها الكثير من القضايا التي تتعرض فيها المرأة للتمييز.

تاريخ الحركة النسوية

رغم أن كلمة “النسوية” لم تنتشر قبل السبعينيات إلا أن الأفكار النسوية نشأت منذ زمن قديم، نتيجة التمييز ضد المرأة الذي كان سائدًا في المجتمعات القديمة. وتقسم الحركة النسوية إلى موجات أربع أساسية، كانت مسبوقة بنضالات نسائية عديدة.

كان أفلاطون من أوائل الـ”نسويين”، فقد اعتبر في كتابه “الجمهورية” أن النساء يمتلكن قدرات مماثلة لقدرات الرجال، وهنّ قادرات على الحكم والدفاع عن بلادهنّ.

في روما القديمة، منع القانون النساء من وراثة الذهب والتزين به كما وضع القانون قيودًا على حركة النساء ولباسهن. فقادت النساء تظاهرات عارمة اعتراضًا على القانون. وكان ذلك في القرن الثالث قبل الميلاد.

لكن بقت هذه الأزمنة، حتى العصور الوسطى، دامسة ومظلمة في مجال حقوق النساء. وبقت الأصوات المُطالبة بالمساواة خافتة.

تعتبر الفرنسية «كريستين دو بيزان- Christine de Pizan » الفيلسوفة النسوية الأولى التي رفعت الصوت، في أوائل القرن الخامس عشر، في وجه كراهية المرأة وتهميشها. أما في بريطانيا، فقد بدأ الحديث عن حقوق المرأة في القرن السادس عشر، فحين انتشرت مقاطع تسخر من المرأة. نشأت في المقابل حركة أدبية نسوية تدافع عن حق النساء في التعليم والعمل.

كريستين دو بيزان

تأثّرت الحركة النسوية بعصر التنوير الذي نشر مبادئ العدالة والحريات والحقوق. رغم أن فلاسفة التنوير تناولوا الصراع الطبقي وأهملوا التمييز ضد المرأة، إلا أن المفكرات في عصرالتنوير سرعان ما أثرن قضايا النساء. أطلقن بدورهن “إعلان حقوق المرأة والمواطنة” على غرار “إعلان حقوق الرجل والمواطن” الذي لم يعترف بحقوق النساء. أطلقت الكاتبة ماري ولستونكرافت كتابها “دفاعًا عن حقوق المرأة”، الذي طرحت فيه حق المرأة في تساوي فرصها مع الرجل في مجالات العمل والتعلم والسياسة.

الموجة الأولى من الحركة النسوية

انطلقت الموجة الأولى في الحركة النسوية بين القرنين التاسع عشر والعشرين، بعد أن تأثر المفكرون بفلاسفة عصر التنوير والمناهضة لنظام العبودية.

حاربت الحركة النسوية في موجتها الأولى من أجل الحق في الملكية ومعارضة زواج المتعة وتملّك المرأة والأولاد من قبل الرجل. ثم انتقلت إلى تعزيز قوة المرأة السياسية، فطالبت بالحق في التصويت والمشاركة في القرار السياسي.

في بريطانيا، أدت النضالات النسوية لإعطاء حق التصويت للنساء (اللواتي يبلغن ال21 سنة) في العام 1928. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فقد ضمنت الحق التصويت للنساء في كل الولايات في العام 1919. ظهرت الموجة الأولى من النسوية أيضًا في إيران واليابان وألمانيا وأوستراليا ونيوزيلندا وغيرها من البلدان، وطالبت النساء بحقهن في التصويت في مختلف مناطق العالم.

الموجة الثانية من الحركة النسوية

بدأت هذه الموجة في أوائل الستينيات وامتدت حتى أواخر الثمانينيات. وقد ركزت الحركة النسوية في هذه الفترة على المفاهيم الثقافية الذكورية التي تعيق تحرر المرأة وحمايتها. فقد استمر التمييز الذي يحصر المرأة في دورها النمطي في التدبير المنزلي ورعاية الأطفال.

في العام 1974، أطلقت المنظمة الدولية للنساء حملة لتحقيق العدالة القانونية بين النساء والرجال. كما أن انتشر شعار “الشخصي سياسي” الذي أطلقته الكاتبة النسوية “كارول حانيش”، والذي أعاد تعريف السياسة في معنى أوسع وأشمل، ألقت الضوء على العلاقة الوثيقة بين التجارب الشخصية والخاصة وبين البنى السياسية والاجتماعية لمجتمع معين.

أدت الموجة الثانية إلى دخول المرأة في مجالات عمل واسعة وقوننة حق المرأة في الصحة الإنجابية وتكريس حقوقها المدنية.

إعلان لمسيرة مسائية في اليوم العالمي لعام ١٩٧٥

الموجة الثالثة من الحركة النسوية:

في بداية التسعينات، بدأت الموجة الثالثة من الحركة النسوية. رغم أنها استمدّت قوتها من الموجة الثانية التي خلقت للمرأة أسس استقلاليتها الاقتصادية وتحررها الثقافي من المفاهيم النمطية، إلا أن الموجة الثالثة أتت لتصحح أخطاء الموجة الثانية، والتي تمثلت بحصرية الحركة النسوية بالمرأة ذات البشرة البيضاء من الطبقة الوسطى والعليا (خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية). فأتت الحركة النسوية في موجتها الثالثة لتشمل النساء من مختلف الأعراق والإثنيات، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.

وعملت الموجة الثالثة لتعزيز صورة المرأة ككائن قوي، بدل من تصويرها بصورة نمطية ضعيفة وخاضعة أو محصورة بالإثارة الجنسية والتسليع، وذلك من خلال الأفلام والبرامج التعليمية للأطفال وغيرها. كذلك أعادت الموجة الثالثة تعريف الجندر (أي الهوية الجنسية) المختلف عن الجنس البيولوجي.

الموجة الرابعة من الحركة النسوية:

رغم عدم الاتفاق على وجود الموجة الرابعة، يعتبر العديد من علماء الاجتماع والمفكرين أن الموجة الرابعة بدأت في سنة 2012، مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة قضايا النساء ونشر الأفكار النسوية. وقد أثارت قضية فتاة هندية تعرضت لاغتصاب جماعي (وتوفيت إثر الحادثة) غضبًا عارمًا للنساء حول العالم. وبدأت هذه الموجة بالتركيز على قضايا حماية النساء من التحرش والاغتصاب والتنمر الجسدي (body shaming).

رغم التقدم الكبير الذي أحرزته النساء في المجال الحقوقي في القرن الأخير، إلا أن وضع النساء في العالم متفاوت جدًا بين مختلف الدول والطبقات الاجتماعية. وتوضح أرقام منظمة الأمم المتحدة التمييز ضد المرأة في الكثير من المجالات، بحيث لا تتعدى مشاركة النساء في المجالس الدولية نسبة 23%، وتتعرض الملايين من الفتيات للزواج المبكر (قبل 18 سنة)، وتتعرض مرأة من كل خمس نساء في العالم للعنف الجسدي و/أو الجنسي من شريكهن. وتثبت هذه الأرقام أن الحركة النسوية ما زالت حاجة ملحة لضمان وصول المرأة إلى أدنى حقوقها الإنسانية.

مصادر:

Britannnica
History.com
UN Women

إقرأ أيضًا: اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

بعض الأحداث التي أتمت عامها المائة في 2020

حمل عام 2020 أحداثًا قاسيةً وربما مفجعة أيضًا! لكن في رحلة البحث عما يسر في هذه السنة، توجد هنالك مناسبات تستدعي الاحتفال. فهناك بعض اللأحداث المهمة التي أتمت عامها المائة في 2020. تعالوا معنا لنستعرض معًا أهم تلك الأحداث التي جرت عام 1920.

1. ميلاد فكرة الانسولين

ظهرت العلاقة بين مفرزات البنكرياس والداء السكري لأول مرة عام 1889. من قِبل العالِمان الألمانيان أوسكار مينكوفسكي وجوزيف فون ميرينج «Oskar Minkowski and Joseph Von Mering». وذلك أثناء البحث عن تأثير مفرزات البنكرياس على استقلاب الدهون. قبل عشرين عامًا، اكتشف طالب الطب الألماني «بول لانجرهانز- Paul Langerhans»، نوعين من الخلايا في البنكرياس. الأولى خلايا قنوية عُرفت بأنها المسئولة عن إنتاج مفرزات البنكرياس الهضمي. ونوع آخر من الخلايا لم تكن وظيفتها معروفة في ذلك الحين. بدت تلك الخلايا الصغيرة كمجموعة من الجزر المتقاربة بشكل عنقودي. أُطلق عليها فيما بعد “خلايا جزر لانجرهانز”. حتى عام 1901، اكتشف «يوجين أوبي-Eugene Opie» أخصائي الأمراض الهضمية، العلاقة بين قصور عمل تلك الخلايا الصغيرة وبين ظهور داء السكري. وكانت تلك الجهود وغيرها التي قام بها باحثون آخرون بمثابة تمهيد الطريق أمام اكتشاف الأنسولين، الهرمون الخافض لمستويات سكر الدم.

الميلاد

بعد إصابته بشظية في ذراعه أثناء عمله كطبيب في أحد كتائب الفيلق الطبي للجيش الكندي. عاد الطبيب «فريدريك جرانت بانتنج – Ferdrick Grant Banting» للعمل كجراح في مستشفى الأطفال في تورونتو. ثم عَمِل معيدًا في كلية الطب المحلية. ذات مرة خلال عمله، في 31 أكتوبر 1920، كان بانتينج يعد محاضرة عن وظيفة البنكرياس. وقف في مكتبة كلية الطب، ملتقطًا أحدث عدد من مجلة الجراحة وأمراض النساء والتوليد. قرأ مقالًا بعنوان: “علاقة جزر لانجرهانز بمرض السكري“. أشعلت تلك المقالة تفكير بانتينج حول مفرزات البنكرياس. وسريعًا ما دوَّن فكرةً لإجراء تجربة أولية لإثبات العلاقة بين مفرزات البنكرياس ومرض السكري. وذلك عن طريق ربط القنوات البنكرياسية لكلبٍ واستخلاص وعزل هذه المفرزات. الفكرة التي أتمت عامها المائة في 2020، لفت بانتينج انتباه العالِم الأسكتلندي بجامعة تورونتو «جون جيمس ريكارد ماكليود- John James Rickard. Makleod» إلى فكرته حديثة الميلاد.

الخطوات الأولى

بدأت الأبحاث والتجارب في العام التالي مباشرةً. حيث تعاون بانتينج مع صديقه «تشارلز هيربرت بست – Charles Herbert Best» تحت إشراف جون ماكليود. انطلق الثلاثي في رحلةِ أبحاثٍ مليئة بالنكسات والفشل. ولكن النتيجة كانت أن الكلب المصاب بالداء السكري بقي على قيد الحياة بعد حقنه بمستخلص من البنكرياس. خفَّض هذا المستخلص بشكل كبير مستويات سكر الدم للكلاب المصابة. تسارعت وتيرة التجارب بعد استدعاء عالم الكيمياء الحيوية «جيمس بيرترام كوليب – James Bertram Collip». فقد دعاه ماكليود لمساعدة الثنائي في تنقية المستخلص الذي وصلا إليه. سارع كوليب إلى تنقية المستخلص للبدء في اختباره سريريًا على البشر. أُجريَ الاختبار السريري الأول على صبي يبلغ من العمر 14 عام مصاب بالداء السكري. لكن المستخلص المُنَقى فشلٰ في تحقيق أي نتائج مُرضية. لم ييأس الأربعة وواصلوا تجارب التنقية لاستخلاص المكون الفعال «الانسولين». أخيرًا عام 1922، خلال اجتماعٍ لـ «جمعية الأطباء الأمريكيين- Association of American Physicians». أعلن ماكليود -بصفته المتحدث الرسمي للمجموعة- اكتشافهم للأنسولين. أصبح الإنسولين متاحًا لعلاج مرض السكري، مما جعل العالمان بانتينج وصديقه بست يحصُدان جائزة نوبل في الطب عام 1923.

2- إنشاء أول نصب تذكاري لقبر الجندي المجهول

فكرة أخرى أتمت عامها المائة في 2020. وهي فكرة إنشاء أول نصب تذكاري لقبر الجندي المجهول. هناك في الطرف الغربي من دير صحن ويستمنستر-Westminster. يوجد النصب التذكاري لقبر الجندي المجهول، الذي وضع به جثة لجندي مجهول أحضرت من فرنسا. لتُدفن هنا في الحادي عشر من نوفمبر عام 1920. يحتضن النصب تابوتًا فرنسياً أنيقًا. أتت فكرة النصب التذكاري لقبر الجندي المجهول لأول مرة عام 1916، من بنات أفكار القس «ديفيد رايلتون-David Railtin». حينما رأى قبرًا في حديقةٍ في «أرمينتيير-Armentières» الفرنسية، مقام عليه صليبًا خشبيًا، ومكتوب عليه عبارة “جندي بريطاني غير معروف”. وفي عام 1920، كتب القس رايلتون إلى عُمدة ويستمينستر «هيربرت رايل-Herbert Ryle»، طالبًا الحصول على موافقة تشييد نصبًا تذكاريًا. وبالفعل تمت الموافقة، وأُحضرت 4 جثث لجنود بريطانيين مجهولين. عُثر عليهم في أربع مناطق مختلفة للقتال وهم أيسن-Aisne، السوم-The Somme، أراس-Arras، إيبرس-Ypres. وفي ليلة السابع من نوفمبر، نُقلت الرفات إلى الكنسية الصغيرة «سانت بول-St. Pol» بحضور العميد إل. ج. وايت-L.J. Wyatt، و«الكولونيل چيل- Colonel Gell» حيث اختار العميد وايت جثة واحدة فقط أُرسلت إلى انجلترا في اليوم التالي. وقد حمل التابوت النقش التالي: ” A BRITISH WARRIOR WHO FELL IN THE GREAT WAR 1914-1918 FOR KING AND COUNTRY”. وفي صباح يوم 11 نوفمبر، وُضع التابوت على عربة بندقية تجرها ستة من الخيول السوداء الأنيقة من مدفعية رويال هاوس. ثم بدأت رحلته عبر الشوارع التي تصطف على جانبيها الجماهير. وصلت جثة الجندى المجهول وجهتها الأخيرة حيث النصب التذكاري. الذي كشف «الملك چورچ الخامس-King GeorgeV» عنه الستار واضعًا إكليلاً من الزهور الحمراء وبعض من أوراق الغار على التابوت. وأخيرًا، مُلئ القبر بـ 100 كيس من التراب المُجمع من ساحات القتال المختلفة. ثم وُضع عليه حجرًا منقوشًا عليه الكلمات التالية : “A BRITISH WARRIOR WHO FELL IN THE GREAT WAR 1914-1918 FOR KING AND COUNTRY. GREATER LOVE HATH NO MAN THAN THIS”.

3- إنشاء جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس

تحتفل جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس هذا العام بأنها أتمت عامها المائة في 2020. فقد عرض الموقع الرسمي الخاص بالجامعة بعض المعلومات، اللقطات والصور. والتي تعطى خلفية مناسبة عن نشاط الجامعة وأهم الانجازات التي حققتها خلال الـ 100 عام الماضية. تقع جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس في حي ويستوود بمدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا،.وتعتبر قبلة عظيمة ذات أثرٌ علمي، فكريٌ، فنيٌ واقتصادي كبير، مما جعلها من أعظم الجامعات على مستوى العالم. في عيد ميلادها المائة إليك بعض المعلومات المثيرة حول جامعة كاليفورنيا:

  • إحتلت جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس المرتبة الحادية عشر للعام الدراسي2010-2011 في تصنيف مؤسسة تايمز للتعليم العالي.
  • تضم هيئة التدريس في الجامعة بعض الأعضاء الحائزين على أهم الجوائز العالمية مثل جوائز نوبل، بوليترز. وهناك أعضاء تدريس فائزين بزمالة ماك آرثر، وآخرون أعضاء الأكاديمية الوطنية.
  • تتميز الجامعة بدعم الأبحاث في المجالات المتعددة، فتقوم بأبحاث في ميادين الفنون والعلوم البيولوجية والنانوية والدراسات الدولية والبيئية.
  • تصل نسبة نجاح التقدم في الجامعة بين الطلاب الجدد والمنقولين إلى91٪.
  • هناك دائمًا فرصة لمشاركة الطلاب في المشاريع البحثية القصيرة، حيث تعتبر جزءًا من برامجهم الدراسية.
  • تضم جامعة كاليفورنيا-لوس انجلوس ما يقرب من 40 ألف طالب. بينهم 27 ألف طالب بالمرحلة الجامعية و13 ألف طالب بالدراسات العليا والمهنية.
  • يستفيد ما يقرب من 36٪ من الطلاب بالجامعة من منحل ييل. وهم الطلاب الذين يقل دخل أُسرهم عن 50 ألف دولار.
  • يمثل الطلاب الدوليين بالمدرسة حوالي17٪ من طلاب الدراسات العليا و5٪ من طلاب المرحلة الجامعية.
  • في عام 2009 كانت الأصول العرقية للطلاب المستجدين تشمل 4٪ من أصل أفريقي. و15٪ من أصل أسباني، 33٪ من أصل أوروبي و38٪ من سكان آسيا.

4- نشر أول رواية لأجاثا كريستي

في الثلاثين من عمرها، وفي عام 1920 نُشرت أولى روايات الكاتبة «أجاثا كريستي-Agatha Christie». التى تحمل اسم The Mysterious Affairs at Styles. تقع أحداث الرواية في انجلترا إبان الحرب العالمية الأولى. تدور أحداثها بين الأرملة إيملي انجلثروب وزوجها الذي يصغرها سنًا، ويأتي للعيش معها هو وأبناءه من زيجته الأولى. وتبدأ أحداث في التصاعد حين يستيقظ الجميع في القصر الفاخر إلا سيدته. حيث قُتلت مسمومة، تاركةً وراء موتها سرًا ووصية مفقودة، تتوالى الأحداث حتى يُعرف الجاني في النهاية.

وتعتبر روايات كريستي هي الأكثر مبيعًا، حيث بيع منها ما يقرب من ملياري نسخة على مستوى العالم. كتبت كريستي أيضًا 19 مسرحية. أشهرها مسرحية “مصيدة الفئران” التي سجلت رقمًا قياسيًا عالميًا لأطول عرض مستمر. افتُتح عرضها عام 1952 ولم يتوقف عرضها منذ ذلك الحين. حتى توقف عرضها للمرة الأولى في مارس 2020 بسبب جائحة كوفيد-19. على الرغم من مرور قرابة مائة عام على أعمال كريستي. إلا أنها لا تزال تلقى نفس الإقبال الذي حظيت به أول مرة.

5- ابتكار الضمادة

أتمت فكرة الضمادة البسيطة التي نستخمها هذه الأيام عامها المائة، ففي عام 1920 حين قرر إيرل ديكسون مساعدة زوجته جوزفين التي كانت كثيرًا ما تتعرض كثيرًا لقطع إصبعها أثناء إعداد الطعام. وذلك عن طريق ابتكار ضمادة تستطيع زوجته استخدامها بمفردها. فأحضر ديكسون شريط لاصق ونسيج طبي. ودمجهما عن طريق وضع قطعة طويلة من الشريط اللاصق مثبتها به قطعة من النسيج الطبي. هكذا تسطيع الزوجة استخدامها بمفردها وتحويلها إلى ضمادة.

6- ظهور حلقات الألعاب الأوليمبية لأول مرة رسميًا

عام 1920، ظهرت الحلقات بشكل رسمي أثناء إقامتها لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى في دورتها السابعة في انتويرب- بلجيكا. يتكون الشعار الأوليمبي من خمس حلقات متشابكة، ذات أبعاد متساوية. تُستخدم بنسخة مُوحدة اللون أو بنسخة متعددة الألوان. عند استخدامها بالنسخة متعددة الألوان تكون -الحلقات مرتبة من اليسار إلى اليمين كالتالي: الزرقاء، الصفراء، السوداء، الخضراء ثم الحمراء. متشابكةً من اليسار إلى اليمين. تقع الحلقات الزرقاء والسوداء والحمراء في الأعلى. وتوجد الحلقات الصفراء والخضراء في الأسفل. تُمثل الحلقات إتحاد القارات الخمس واجتماع الرياضيون من جميع أنحاء العالم في دورة الالعاب الأوليمبية.

7- تطوير إشارة المرور بنظام ثلاثي الألوان

مع نمو حركة المرور وزيادة معدل إنتاج السيارات، جاءت الحاجة لحل مشاكل المرور المتزايدة. في الماضي، كانت إشارات المرور عبارة عن إشارات وألواح مثبتة على أبراج ذات أذرع متحركة -يدويًا أو آليا- . تشير إلى حركة المرور “للتوقف أو السير”. لم يكن لها تصميم ثابت، فكانت تُصمم وتُثبَّت في المدن حسب الحاجة فقط. بعد ذلك استُخدم نظام الإشارة بالكلمات المضاءة، فكانت هناك كلمتي “توقف وسِر” فقط. وفي عام 1917. تم تطوير إشارة المرور ثنائية الألوان في مدينة سان فرانسيسكو، فكانت تحمل اللونين الأحمر والأخصر فقط. حتى عام 1920، فقد تم تقديم أول نظام ثلاثي الألوان في ديرويت- الولايات المتحدة.

8- حصول المرأة الأمريكية على حق التصويت.

عام 1848، انطلقت حركة حقوق المرأة على المستوى الوطني مع «اتفاقية سينيكا فولز-Seneca Falls Convention». التي نظمتها الناشطتان «إليزابيث كادي ستانتون- Elizabeth Cady Stanton» و«لوكريشيا موت-Lucretia Mott». وكان الحصول على حق التصويت هو أبرز مطالبها. فانضم العديد من الناشطات والناشطين غيرَ مدخرين الجهد في رفع الوعي العام، ممارسين الضغط على الحكومة لمنح حقوق التصويت للنساء. بعد معركة طويلة حافلة بالمعاناة والاحتجاجات والحرمان من بعض الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المواطنون الذكور. انتصرت إرادة تلك الجماعة الصغيرة مع المصادقة على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي. الذي يحمل منح حق التصويت للنساء لأول مرة في 18 أغسطس 1920، بذلك تصبح المرأة الأمريكية أتمت عامها المائة في 2020 لحصولها على حق التصويت.

9- ابتكار ألواح الآيس كريم المغطاة بالشيكولاتة

يبدو قرار الاختيار بين ألواح الآيس كريم وحلوى الشيكولاتة كان من أصعب القرارات منذ قرن من الزمان. وها قد أتمت الفكرة عامها المائة في 2020. ذلك حين دخل صبي صغير إلى متجر السيد «كريستيان كينت نيلسون-Christian Kent Nelson». لم يكن بإمكانه الاختيار بين الحصول على الآيس كريم والحصول على قالب الشيكولاتة. تساءل نيلسون عما إذا كان بإمكانه إعطاء هذا الصبي كل من الشيكولاتة والآيس كريم في منتج واحد. يبدو أن الأمر كان صعبًا للغاية، للدرجة التي جعلته يمضي أسابيع في محاولة إيجاد طريقة دمج الشيكولاتة والآيس كريم. أخيرًا، عَلِمَ نيلسون من أحد الموردين للمتجر الخاص به أن صانعي حلوى الشيكولاتة سيضيفون زبدة الكاكاو إلى الشيكولاتة. جرب نيلسون هذه الطريقة مع قوالب الآيس كريم. وبحلول خريف 1920 كان المنتج الجديد جاهزًا للإعلان عنه، فقد أصبحت لديه الوصفة المثالية لقوالب الآيس كريم المغطاة بالشيكولاتة. باع نيلسون منها مجموعة مكونة من 300 قطعة، أطلق عليه لاحقًا إسم Eskimo Pie، المنتج الذى منح مُبتَكِره صفة “مليونير”. بعد فترة وجيزة تقدم نيلسون للحصول على براءة اختراع لحماية جهده المبذول في البحث وإنتاج شيئًا جديدًا ومفيدًا.

10- ميلاد الشاعر تشارلز بوكوفسكي

يعتبر «تشارلز بوكوفسكي-Charles Bukowski» شاعرًا وكاتبًا غزير الإنتاج، استهدفت كلماته فساد الحياة الحضرية، وسلطت أشعاره الضوء على المضطهدين في المجتمع. كان دائمًا الشاعر الجرئ صاحب الأفكار المثيرة للجدل، الكاتب، الناقد الناقم الثابت دائمًا على موقفه.

أعوام في حياة بوكوفسكي

ولد بوكوفسكي عام 1920، انتقل إلى الولايات المتحدة وهو طفل العامين فقط، تأثرت طفولته الرقيقة بسوء معاملة الأب له، مما نمّا لديه الخوف والخجل والاكتئاب، المشاعر والحالات التى ظهرت جلية في أعماله الأدبية. التحق بوكوفسكي بكلية «لوس انجلوس سيتي-Los Angeles City» عام 1939، لكنه ترك الجامعة في بداية فترة الحرب العالمية الثانية، وانتقل إلى نيويورك ساعيًا خلف شغفه. امتهن بوكوفسكي العديد من المهن، تَنَقَّل من مكان متواضع لآخر بسيط وتارةً فقير، مع الاستمرار في الكتابة لصالح المطابع الصغيرة والسرية أحيانًا. عام 1946، قرر بوكوفسكي التوقف عن الكتابة وعمل في أحد مصانع المخلل، وغيرها، حتى أوائل الخمسينات عمل في مكتب بريد الولايات المتحدة- لوس انجلوس لمدة 3سنوات فقط ثم استقال. حنَّ بوكوفسكي لكتابة الشعر مرة أخرى بعد تعرضه لوعكة صحية جعلته قريبًا من الموت قُرب الطفل لأمه، وفي عام 1963 نُشرت مجموعته الشعرية It Catches My Heart in Its Hands وتوالى انتاجه الشعري في الظهور بعد ذلك، وكان أهمها: Mocking Bird Wish Me Luck -1972 Love Is a Dog From Him – 1977 War All The Time -1984 You Get So Alone at Time That’s Just Makes Sense – 1986 وهناك بعض الأعمال الشعرية التي لم تظهر ولم تُنشر إلا بعد وفاته مثل: Sloching Towards Nirvana حيث نُشرت عام 2005. The People look like Flower والتي نُشرت عام 2007. كتب بوكوفسكي أكثر من 40 كتابًا في الشعر والنثر والرواية، ويعتبر كتاب Flower, Fist and Bestial Wail هو أول أعماله الشعرية والذي ألفه عام 1959. كانت الحياة وموضوعاتها، العالم المقفر القاسي والموت هم أهم الموضوعات التي لامست أعمال بوكوفسكي الأدبية. تُوفى تشارلز بوكوفسكي عام 1994 بعد معاناة مع سرطان الدم عام.

كانت تلك هي بعض الأحداث التي أتمت عامها المائة في 2020 والتي قد يستدعي بعضها الإحتفاء خلال تلك السنة العصيبة.

المصادر

ourdocuments

olympic

ucla

slate

idrivesafely

poetryfoundation

sciencehistory

jnj

britannica

agathachristie

ما هو التحنيط الذاتي ؟

ما هو التحنيط الذاتي ؟

اشتُهر كاهن ياباني يُدعى كوكاي بممارسة كانت تهدف إلى إظهار الانضباط الديني والتفاني وهي “تحنيط الذات”. وذلك منذ أكثر من 1000عام، عُرفت هذه الممارسة باسم “سوكوشين بوتسو”، وتبلغ ذروتها في الموت والحفاظ الكامل على الجسم. وفي حال نجاح التحنيط الذاتي كانت مومياء الراهب توضع في معبد ليراه الآخرون ويكرموه.

كان كوكاي (774م – 835 م) راهبًا يابانيًا وباحثًا وشاعرًا وفنانًا ومؤسسًا لطائفة باطنية اسمها شينغون_Shingon، والتي جمعت عناصر من البوذية والشنتو القديمة والطاوية وديانات أخرى. مارس مع أتباعه الشوجيندو_ Shugendo. وهي فلسفة تقوم على تحقيق القوة الروحية من خلال الانضباط وإنكار الذات.

ذهب كوكاي في نهاية حياته إلى حالة من التأمل العميق وانقطع عن الطعام والماء، مما أدى في النهاية إلى وفاته الطوعية. ثم دفنه أتباعه على جبل كويا في محافظة واكاياما. وفيما بعد فُتِحَت المقبرة وعُثر على كوكاي، المعروف بعد وفاته باسم كوبو دايشي، وكأنه نائم، وبشرته لم تتغير وشعره سليم وقوي.

تطورت عملية التحنيط الذاتي منذ ذلك الوقت، حيث مارسها عدد من أتباع طائفة شينغون المتفانين. لم ينظروا إلى لتحنيط الذاتي على أنه عمل انتحاري، بل كشكل من أشكال التنوير.

مراحل التحنيط الذاتي:

التحنيط الذاتي هي عملية يقوم بها الرهبان خلال عدة سنوات من الطقوس القاسية لتحنيط أنفسهم حتى الموت. ويمر الراهب خلال تحنيط جسده بعدة مراحل هي:

المرحلة الأولى:

يتوقف الرهبان خلال الألف يوم الأولى عن تناول جميع أنواع الطعام باستثناء المكسرات والبذور والفاكهة والتوت، وينخرطون في نشاط بدني مكثف ليتخلصوا من جميع الدهون في الجسم.

كوكاي يتأمل حتى وفاته على جبل كويا

المرحلة الثانية:

في الألف يوم التالية يقتصر نظامهم الغذائي على اللحاء والجذور. وقبل نهاية هذه الفترة كانوا يشربون شايًا سامًا من شجرة الأوروشي؛ التي تسبب القيء وفقدانًا سريعًا لسوائل الجسم. كما أنها تعمل كمواد حافظة وتقتل اليرقات والبكتيريا التي تسبب تحلل الجسم بعد الموت.

المرحلة الثالثة:

يبقى الراهب في قبر حجري بالكاد يتسع لجسده بعد أكثر من ست سنوات من الإستعداد، ويتنفس مستخدماً أنبوباً صغيراً وجالساً في وضعية اللوتس، ويستمر في حالة التأمل حتى الموت.

راهب نجح بتحنيط نفسه

كان الراهب يقرع في كل يوم خلال عزلته في القبر جرسًا لينبه الأشخاص في الخارج أنه لايزال على قيد الحياة، وعندما يتوقف الجرس عن الرنين، يقوم الأتباع بإزالة الأنبوب، ويختمون القبر لمدة ألف يوم تمثل نهاية هذا الطقس.

راهب من معبد دينيتشي بو على جبل يودونو المقدس

في نهاية الفترة يتم فتح القبر لمعرفة إن كان الراهب قد نجح في تحنيط نفسه. إذا وجدت الجثة بحالة حفظ جيدة يتم رفع الراهب لمنزلة بوذا. ويوضع جثمانه في معبد، أما إذا كانت الجثة قد تحللت، يتم إقفال القبر على الراهب واحترامه لتحمله.

أهم النماذج عن التحنيط الذاتي:

  • مومياء محنطة ذاتياً داخل تمثال بوذا

كشفت دراسة لتمثال بوذا أنه يحتوي على بقايا محفوظة جيدًا لراهب بوذي توفي في حوالي عام 1100 بعد الميلاد. وقد أجريت هذه الدراسة في مركز Meander الطبي، تحت إشراف Erik Bruijin وهو خبير في الفن والثقافة البوذية، وساعده في الدراسة طبيب مختص بأمراض المعدة والأمعاء، وأخصائي أشعة قام بإجراء الأشعة المقطعية والتنظير.

تمثال بوذا خلال فحصه بالأشعة المقطعية

يعتقد الباحثون أن الراهب هو سيد صيني، من مدرسة التأمل الصينية، ولكن لم يتم العثور على أدلة تساعد في تحديد هويته. وقد تم استخدام منظار مصنوع خصيصاً لدراسة المومياء، وتم فحص البطن والصدر وعينات من العظم لاختبار الحمض النووي.

يقترح الباحثون أن هذه المومياء تقدم مثالاً عن “التحنيط الذاتي” حيث يقوم الرهبان خلال سنوات قاسية بتحنيط أنفسهم حتى الموت.

الباحثون يفحصون التمثال من الداخل
  • Shinnyokai Shonin من معبد Dainichi-Boo على جبل Yudono المقدس.
  • يتوجد مومياوات أخرى في معبد Nangakuji في ضواحي Tsuruoka ، وفي معبد Kaikokuji في في Sakata.

يعتقد الباحثون أن عدة مئات من الرهبان حاولوا ممارسة التحنيط الذاتي. ولكن من المعروف أن 28 منهم فقط قاموا بالتحنيط، ويمكن زيارة العديد منهم في معابد مختلفة في اليابان.

استمرت هذه الممارسة القديمة لتحنيط الذات حتى القرن التاسع عشر عندما تم حظرها من قبل الحكومة اليابانية. في وقتنا الحالي لا تمارس أي طائفة بوذية التحنيط الذاتي.

المصادر:

1- irisaharchaeology
2- Ancient Origins
3- Ancient Origins

تعريف علم الاجتماع، نشأته وأبرز نظرياته

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

“الإنسان حيوان اجتماعي”، بهذه الجملة عرّف أرسطو الكائن البشري وميزه عن باقي الحيوانات. فلا يمكن دراسة الإنسان وفهمه بأي شكل من الأشكال بمعزل عن مجتمعه ومحيطه. وفي المقابل، كل فرد يصنع تغييرًا، ولو صغيرًا، في مجتمعه. من هنا، كانت ضرورة نشأة علم الاجتماع الذي يدرس تفاعل الانسان، تأثرًا وتأثيرًا، مع مجتمعه. لكن ما هو التعريف الدقيق لعلم الاجتماع؟ ومتى نشأ؟ وما هي أبرز النظريات التي قدمها علم الاجتماع؟

تعريف علم الاجتماع

يهتم علم الاجتماع بدراسة العلاقات الانسانية والتفاعل بين البشر، أفرادًا ومؤسسات، ضمن المجتمعات. يُعتبر علم الاجتماع أو السوسيولوجيا علم مُعقّد وواسع. يدرس علم الاجتماع جوانب متعددة من المجتمع، تشمل كلًا من العائلة والدولة واللغة والثقافة والطبقات الاجتماعية والاختلافات العرقية والإثنية والجندرية والدين والجريمة والنمو الاقتصادي والتعليم والفن والتواصل وغيرها. كما أن علم الاجتماع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلوم اجتماعية أخرى كعلوم السياسة والاقتصاد وعلم النفس، ويتقاطع معها في مجالات متعددة.

يطرح علم الاجتماع النظريات العلمية من جهة، والمناهج العملية من جهة أخرى، لدراسة دقيقة لكل المجالات والظواهر الاجتماعية.

نبذة تاريخية عن علم الاجتماع

رغم أن علم الاجتماع علمًا حديثًا، إلّا أنه يجد جذوره في الفلسفة القديمة. فقد شكّل العديد من القضايا التي تعد حاليًا مركزية في علم الاجتماع، مواضيع بحث عند الفلاسفة القدماء مثل كونفوشيوس وأفلاطون وأرسطو. فما المدينة الفاضلة إلا صورة رسمها أفلاطون عن المجتمع المثالي.

بزوغ علم الاجتماع

في القرن الثالث عشر، عرّف المؤرخ الصيني «ما توان-لين –Ma Tuan-Lin  »، لأول مرة، الديناميات والمتغيرات الاجتماعية كعنصر فاعل في التطور التاريخي.

في القرن الرابع عشر، ظهر المفكر التونسي ابن خلدون. اعتبر كثيرون ابن خلدون عالم الاجتماع الأول. إذ كتب عن الصراع الاجتماعي والاقتصاد السياسي وميّز الفروقات بين الحياة البدوية والحضارية. ساهم ابن خلدون في وضع أسس علوم الاجتماع والاقتصاد الحديثة. وعلى الرغم من نظرياته التي درست للمرة الأولى الظواهر الاجتماعية بشكل علمي. إلا أن مساهماته في تأسيس علم الاجتماع بقيت غير مقدرة عند البعض بشكل كافي بحيث يُنسب التأسيس إلى الفلاسفة الأوروبيين. كتب ابن خلدون في تحفته الفلسفية “المقدمة” عن التغيرات الاجتماعية، باعتبارها مرتبطة بالعصبية (التضامن الاجتماعي) بشكل اساسي وبعوامل أخرى أخلاقية واجتماعية واقتصادية وسياسية وتاريخية. وصف ابن خلدون تطور المجتمع وشبهه بالحياة الانسانية التي تبدأ بالولادة، ثم تنمو لتصل إلى مرحلة النضوج، ثم تتراجع تدريجيًا وصولًا إلى الموت.

إن الاجتماع الإنساني ضروري، فالإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية، ومن العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبداً بطبعه.

ابن خلدون

علم الاجتماع في عصر التنوير

طوّر فلاسفة عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وأبرزهم فولتير وإيمانويل كانت وتوماس هوبس(Thomas Hobbes)، العديد من المفاهيم حول الآفات الاجتماعية، آملين بذلك إصلاح مجتمعهم.

تأسّس علم الاجتماع كعلم منفصل في القرن التاسع عشر، في أوج الثورة الصناعية، ليجيب على التغيرات الاجتماعية الضخمة التي رسمت ملامح هذا العصر. فقد خلقت الثورة الصناعية تغييًرًا كبيرًا في النظام الاقتصادي الأوروبي وأساليب الإنتاج وتوزيع الثروة، وبدأ تحول المجتمعات الريفية إلى مدن صناعية تعج بالفوضى والاستغلال والفقر. وابتعد الملايين من المزارعين عن حياتهم التقليدية، مما زعزع الانظمة العقائدية والدينية وبدّل العلاقات العائلية والاجتماعية.

يُعد المفكر الفرنسي «أوغست كومت-Auguste Comte» أبو علم الاجتماع. استخدم كومت كلمة “سوسيولوجيا” عام 1838 وسمّاها «أميرة العلوم-Queen of sciences»، واعتبر أنه يمكن دراسة المجتمع من خلال قواعد علمية تمامًا كالمستخدمة في العلوم الطبيعية ودراسة الجسد أو المادة. واعتبر كومت أن اكتشاف القواعد التي تحكم العلاقات الاجتماعية ودراستها يمكّن علماء الاجتماع من إصلاح المشاكل الاجتماعية كالفقر والأمية. وبذلك أسّس كومت علم الاجتماع.

ما هي أبرز نظريات علم الاجتماع؟

وضع أوغست كومت الفلسفة الوضعية، وفسّرها في كتبه التي صدرت بين عامي 1830 و1848. وهي تقوم على وضع قواعد علمية (مستوحاة من القوانين المادية كقانون نيوتن مثلًا) لتفسير الظواهر الاجتماعية. وعلى الرغم أن هذه الفلسفة ساهمت في تأسيس وتعريف علم الاجتماع، وأثرت في العديد من علماء الاجتماع اللاحقين أمثال «هيربرت سبنسر-Herbert Spencer» و«إميل دوركيم-Emile Durkheim»، إلا أنها واجهت فيما بعد الكثير من التحديات والرفض من قبل علماء اجتماع آخرين.

يمكن تصنيف نظريات علم الاجتماع إلى نوعين: النظريات الكليّة Macro theory  التي تتناول مشاكل شريحة كبيرة من الناس، والنظريات الجزئية Micro theory التي تتناول علاقة خاصة بين مكونات معينة محدودة.

سنتناول في هذا المقال النظريتين الشاملتين الأبرز في علم الاجتماع بشكل بسيط وموجز. وعلى الرغم أنهما مختلفتان، لكنها ليس بالضرورة متناقضتين، فهما تفسران العالم من وجهات نظر مختلفة.

النظرية الوظيفية

النظرية الأولى هي «النظرية الوظيفية-Functionalism» وهي نظرية محافظة، ترى العالم كمكانٍ متوازن، وترى المجتمع كالجسد الذي يتألف من عدة أنظمة وأعضاء ولكلٍّ منها وظيفته، وعلى هذه الأنظمة المختلفة أن تعمل سويةً لتحافظ على توازن وصحة الجسد ككل.

تعد هذه النظرية متأثرة بفلسفة كومت الوضعية، قفد قارن هيربرت سبنسر المجتمع البشري بالجسد، والمؤسسات والعائلة والدين بالعظام والأعضاء والعضلات.

وتعتبر النظرية أن أي مكوّن لا يعمل بشكل طبيعي يفيد النظام الاجتماعي هو خلل، ويجب معالجته. مثلًا، تعتبر أن الفقر هو خلل في المجتمع المزدهر. وغالبًا تحمّل النظرية مسؤولية الخلل للمكون نفسه، مثلًا الفقير يتحمل مسؤولية فقره، وعليه أن يعمل بنفسه ليصبح أغنى. ويطرح العالم الفرنسي إميل دوركيم مفهوم “الوعي الجماعي” الذي يقود كل مكونات المجتمع الواحد ويؤثر على معتقدات وتصرفات كل فرد منه، ويحافظ على استقرار قيمه

نظرية الصراع (الماركسية)

النظرية الثانية هي نظرية الصراع، وتعد نظرية تقدمية وهي تُبرز الصراع الاجتماعي والمنافسة واللامساواة. تنبع من كتابات كارل ماركس، الذي انتقد في الثورة الصناعية الرأسمالية الناتجة عن تغير أساليب الإنتاج. واعتبر ماركس أن نتيجة الرأسمالية (وقبلها الإقطاعية) والتوزيع غير العادل للثروة سبب في بزوغ نظام ثنائي متناقض. الرأسماليين “البرجوازيين” الذين يملكون كل موارد الإنتاج، ومن جهة أخرى الطبقة العاملة أو “البروليتاريا” التي لا تملك سوى قوة عملها. العلاقة بين هاتين الجهتين ليست علاقة وظائفية. على العكس، حيث يسعى الرأسماليون إلى مراكمة الثروات على حساب الطبقة العاملة. تنظر النظرية الماركسية إلى مشكلة الفقر كمشكلة اجتماعية، ناتجة عن استغلال الطبقة الغنية للطبقة العاملة الفقيرة، وهو ما يبقيها فقيرة.

وهنا تدخل عوامل أخرى تؤثر على الوضع الاجتماعي للفرد وهي العرق والجندر، التي تعزز أحيانًا وجوه التمييز واللامساواة.

واعتبر ماركس أن هذا الوضع من الظلم والتمييز والاستغلال ناتج عن نقص ما يسمّيه من الوعي الطبقي لدى البروليتاريا. ومن هنا تأتي جملته الشهيرة: “يا عمال العالم اتحدوا.” تعد النظرية الماركسية من أكثر نظريات القرن التاسع عشر تأثيرًا على العالم وعلى الأيدولوجيات السياسية حتى اليوم.

ختامًا، علم الاجتماع من أوسع العلوم وأكثرها تشعبًا، ولربما فهم أساسياته يساعدنا على فهم أنفسنا أولًا، ومحيطنا الاجتماعي ثانيًا، والعالم من حولنا ثالثًا.

المصادر:
edX
Sage journals

عندما واجهت لندن أزمتين في نفس الوقت

بين عامي 1665 و 1666 شهدت مدينة “لندن” مأساتين متعاقبتين: الطاعون العظيم ويتبعه حريق كبير، كان الطاعون أسوأ ما واجهته لندن منذ أن حل الموت الأسود عام 1348، فقدت لندن حوالي 15-20% من سكانها، أما الحريق فقد إجتاح ربع المدينة وشرد حوالي 100000 شخص.

سبب الطاعون

كان وباء لندن هو آخر انتشار للطاعون الدبلي في بريطانيا، بعد التنقيب واستخراج ثلاثة آلاف ونصف هيكل عضمي من شارع “ليفربول”، أكدت الإختبارات وجود حمض نووي من بكتيريا yersinia pestis التي نسببت في الطاعون الدبلي سابقا.

أعراض الطاعون

وصف الكاتب “دانيال ديفو” (في القرن ال18) الحدث في مجلة عام الطاعون، المصير البشع لسكان لندن، فقد تسبب الطاعون بحمى عنيفة، وقيئ، وصداع شديد، وآلام في الظهر، وآخرون يعاونون من تورمات على مستوى الرقبة والفخذ والإبط ، أما البعض الآخر فقد عانوا في صمت.

انتشار المرض:

تم الإشتباه بإنتشار المرض في شتاء عام 1664 لكنه لم ينتشر بشكل مكثف إلى غاية ربيع عام 1665، ففر الملك “تشارلز الثاني” وحاشيته من لندن في أوائل الصيف ولم يعودوا إلا في “فبراير” التالي.

في ديسمبر 1665 انخفض معدل الوفيات فجأة واستمر في الانخفاض خلال الشتاء إلى غاية بداية عام (1666) مع تسجيل وفيات قليلة نسبيا في ذلك العام فقد انتشر المرض على نطاق واسع في البلاد.

في عام 1667 اختفى الوباء كليا من انجلترا ويرجح أن زواله كان تلقائيا. كانت الفئران والبراغيث هي الناقل لهذا المرض وانتشرت في الشوارع المليئة بالقمامة والنفايات، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا.

حريق عام 1666

في ستينيات ذلك القرن، لم يكن الناس على علم بأخطار الحريق على عكس اليوم، كانت المباني مصنوعة من الخشب، والقش، وبعد صيف طويل وجاف عانت المدينة من نقص المياة وجفاف البيوت الخشبية مما سهل حرقها.

بدأ الحريق عن طريق الخطأ في متجر خباز، ورغم أنه إدعى كونه أوقف النار، إلا أنه بعد 3 ساعات، (أي في الواحدة صباحا)، كان منزله قد إتقد بالنار.

في البداية كان الأمر غير مثير للقلق بدرجة كبيرة لأن الحرائق شائعة آنذاك، لكن سرعان ما خرجت النيران عن السيطرة وإنتشرت في أكثر من 13000 منزل آخر. دمر الحريق الهائل معضم مدينة لندن (التي كانت أصغر من لندن حاليا ) لكنه لم يصل لبعض المناطق.

غالبا ما يرغب البشر في العثور على الجانب المشرق في الكارثة، لذا شاعت أسطورة تقول أن الحريق العظيم أنهى الطاعون بطرد الفئران التي كانت تنشر الوباء.لكن حقيقة، تشير البيانات إلى أن الحريق لم يؤثر على الطاعون، ولا توجد أي صلة بينهما، ولم يعلم المؤرخون السبب الحقيقي الذي أدى لتوقف الوباء عن الانتشار.

حتى في القرن ال21، لايزال الطاعون مرضا خطيرا، في (2017) أدى تفشي الطاعون في مدغشقر إلى (2417) إصابة و(209) وفاة، كان العلاج بالمضادات الحيوية فعالا ضد الوباء لكن في غياب التشخيص والعلاج يمكن أن يكون مميتا.

مصادر:

LONDON FIRE BRIGADE
HISTORY
BRITANNICA

المزيد: الموت الاسود، كيف تتبع علماء الآثار مخلفاته؟

فوز برنامج الغذاء العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام لعام 2020

فوز برنامج الغذاء العالمي (WFP) بجائزة نوبل للسلام 2020 

«لجهوده في القضاء على الجوع، ومساهمته في تحسين الأوضاع من أجل السلام في مناطق النزاع والدور المُحرّك والفاعل في مكافحة استخدام الجوع كسلاح في الحروب والنزاعات».

يلتزم المجتمع الدولي بالقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية في العالم بحلول عام 2030، لكن لا يزال هناك واحداً من بين كل تسعة أشخاص في العالم لا يملك ما يكفيه من الغذاء. فيأتي الغذاء وما يتعلق به من مساعدات في صميم الجهود الساعية إلى كسر هذه الحلقة من الجوع والفقر.

ما هو برنامج الغذاء العالمي (WFP)؟

برنامج الغذاء العالمي (برنامج الأغذية العالمي) (WFP) هو فرع المساعدات الغذائية للأمم المتحدة وأكبر منظمة إنسانية في العالم تعالج الجوع وتعزز الأمن الغذائي. 

وفقًا لتصريحات المنظمة فهم يوفرون مساعدات غذائية لما يقارب 91.4 مليون شخص في 83 دولة كل عام. من مقرهم الرئيسي في روما وأكثر من 80 مكتبًا محليًا حول العالم، يعمل برنامج الأغذية العالمي لمساعدة الأشخاص الذين لا يستطيعون إنتاج الطعام أو الحصول على ما يكفي منه لأنفسهم وأسرهم. وهم عضو في مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية وجزء من لجنتها التنفيذية. 

مقر برنامج الغذاء العالمي في روما

تاريخ المنظمة

تأسس برنامج الأغذية العالمي عام 1963 بعد مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة FAO (الفاو) عام 1960، عندما اقترح «جورج ماكغفرن-George McGovern» مدير برنامج الغذاء من أجل السلام في الولايات المتحدة -وقتها- إنشاء برنامج مساعدات غذائية متعدد الأطراف. 

تم إنشاء برنامج الأغذية العالمي رسميًا عام 1963 من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس تجريبي لمدة ثلاث سنوات ثم تم تمديد البرنامج بشكل دائم عام 1965.

ما سبب فوز برنامج الغذاء العالمي بالجائزة؟

عام 2015 تم اعتماد القضاء على الجوع كأحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لكن عام 2019  عانى 135 مليون شخص من الجوع الحاد وهو أعلى رقم شهده العالم منذ عقود وجاءت معظم الزيادة بسبب الحرب والنزاع المسلح،  فقدم برنامج الأغذية العالمي المساعدة لما يقرب من 100 مليون شخص في 88 دولة.

 كما ساهمت جائحة الفيروس التاجي (كورونا) في زيادة عدد ضحايا الجوع في العالم في بلدان مثل: اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وجنوب السودان وبوركينا فاسو، أدى الصراع العنيف والوباء إلى ارتفاع كبير في عدد الأشخاص الذين أصبحوا اليوم يعيشون على شفا المجاعة، وفي مواجهة هذا الوباء أظهر برنامج الأغذية العالمي قدرة رائعة على تكثيف جهوده كما صرحت المنظمة نفسها:

 «حتى يوم اكتشاف لقاح طبي، الغذاء هو أفضل لقاح ضد الفوضى».

جهود المنظمة

يوميًا؛ يقوم البرنامج بأرسال 5600 شاحنة، و20 سفينة، و92 طائرة لإيصال الأغذية وغيرها من المساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها. ويقوم سنويًا بتوزيع ما يقرب من 15 مليار حصة غذائية بتكلفة تقديرية تصل إلى 0.31 دولاراً أمريكياً للحصة الواحدة. وتعكس هذه الأرقام دور البرنامج الحيوي في الاستجابة لحالات الطوارئ، فهو قادر على إنجاز المهمة بسرعة كبيرة حتى في أصعب البيئات.

وقد كان برنامج الأغذية العالمي مشاركًا نشطًا في العملية الدبلوماسية التي بلغت ذروتها في مايو 2018 بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 2417  والذي تناول لأول مرة بشكل صريح الصلة بين الصراع المسلح والجوع. كما شدد مجلس الأمن على التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالمساعدة في ضمان وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين، وأدان استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.

مؤتمر الإعلان عن فوز برنامج الغذاء العالمي بالجائزة

اليوم في معهد نوبل في أوسلو صرحت رئيسة لجنة نوبل النرويجية  «بيريت ريس أندرسن-Berit Reiss-Andersen» أن الحائز على جائزة عام 2020  هو برنامج الأغذية العالمي لأنها أرادت 

«تحويل أنظار العالم إلى ملايين الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يوشكون أن يواجهوا هذا الخطر … وأن الجوع يستخدم كسلاح حرب ونزاع».

سيعاني الأطفال في اليمن من الجوع والفقر لمدة 20 عامًا بسبب الحرب

وقالت أندرسون:

«إن الجائزة هي دعوة للمجتمع الدولي لتمويل وكالة الأمم المتحدة بشكل كاف لضمان عدم تجويع البشر. وقالت إن برنامج الأغذية العالمي كان من الممكن أن يحصل على الجائزة من دون تفشي جائحة فيروس كورونا. لكن الفيروس عزز أسباب إعطائه لبرنامج الأغذية العالمي، بما في ذلك الحاجة إلى التعاون الدولي في وقت الأزمة العالمية».

من كان المرشحين هذا العام؟

وصُرح سابقًا بأن هناك 318 مرشحًا قيد الدراسة هذا العام، منهم 211 فردًا و 107 منظمة، ومن بين الشخصيات الأخرى التي تم اعتبارها: الناشطة السويدية في مجال المناخ «جريتا شونبرغ-Greta Thunberg» البالغة من العمر 17 عامًا، والمنشق الروسي وزعيم المعارضة «أليكسي نافالني-Alexei Navalny» الذي تعافى من هجوم بغاز الأعصاب ألقى باللوم فيه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومنظمة الصحة العالمية لدورها في التصدي لوباء فيروس كورونا.

دونالد ترامب مرشح لنوبل للسلام!

على صعيد أخر صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  إنه كان يجب أن يفوز بجائزة السلام العام الماضي؛ والتي منحت لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بعد أن أبرم اتفاق سلام مع إريتريا، وقال البيت الأبيض إن ترامب رشح لجائزة 2021 عن الوساطة التي أجراها لتطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل.

قيمة الجائزة

مُنحت مائة جائزة نوبل للسلام منذ عام 1901 حتى الآن لأفراد و24 جائزة لمنظمات، بينما يتم الإعلان عن الفائزين بجميع جوائز  نوبل في ستوكهولم، تُمنح جائزة السلام في العاصمة النرويجية أوسلو.

إلى جانب المكانة الأدبية الهائلة للجائزة، تبلغ القيمة المادية للجائزة 10 ملايين كرونة أي أكثر من مليون دولار أمريكي وميدالية ذهبية يتم تسليمها في حفل يقام سنويًا في اوسلو في 10 ديسمبر ذكرى وفاة مؤسس الجائزة ألفريد نوبل، لكن سيتم إلغاء حفل هذا العام بسبب الوباء العالمي.

وفي النهاية اختتم بيان نوبل بقول:

«إن عمل برنامج الأغذية العالمي لصالح البشرية هو مسعى ينبغي لجميع دول العالم أن تؤيده وتدعمه».

ملخص كتاب دروس من التاريخ للمؤرخ ويل ديورانت

ملخص كتاب دروس من التاريخ للمؤرخ ويل ديورانت

بعد الانتهاء من موسوعتهما الضخمة (قصة الحضارة) التي تعد من أهم المراجع في التاريخ على الإطلاق، سجل المؤرخ ويل ديورانت وزوجته أريل ملاحظاتهما عن الأحداث التاريخية، والتعليقات التي يمكنها أن توضح الأوضاع الحالية والاحتمالات المستقبلية وطبيعة الإنسان وسلوك الدول، وحصراها في هذا الكتاب الذي نضع بين يديكم ملخص ما جاء فيه في هذا المقال.

التاريخ والأرض

يبدأ ديورانت الدرس الأول من دروس التاريخ بالتأمل في الأرض والجيولوجيا، وبالإشارة إلى التواضع الذي يجب أن يمنحه تفكر البشر في تاريخ الجنس البشري على هذا الكوكب؛ فرغم أن الإنسان استطاع السيطرة على الكثير من الظواهر الطبيعية واتقاء شرها بل وتطويعها لخدمته أحيانًا، فإن مُذنّبًا يصدم الأرض بإمكانه إنهاء حضارة كاملة. كما أن الجيولوجيا لها الفضل في قيام الحضارات وليس إنهاؤها فحسب؛ فإن حضارات عظيمة لم تكن لتقوم لولا وجود نهر في بقعة ما في الأرض. ومع هذا فإن تطورالتكنولوجيا بمرور الوقت يقلل من أثر البيئة وسطوتها على الحضارات. فالإنسان في النهاية، لا البيئة.. هو من يصنع الحضارة.

التاريخ والبيولوجيا

التاريخ البيولوجي للإنسان، هو الآخر، يحثه على الشعور بالتواضع؛ ويذكره بدوافعه الأساسية في التكاثر والصراع على البقاء. فقد يحاول فردٌ معاندة قانون البقاء، لكن الجماعة والنوع سيخضعون له في النهاية. فالحياة إنما هي منافسة، والتعاون ما هو إلا حالة استثناء.
ويعلمنا تاريخ الكائنات أن البيولوجيا لم تقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ فالبشر لا يولدون أحرارًا ولا متساوين. بل إنهم محكومون بتنوعهم حسب الجينات والعوامل النفسية والجسدية. فالطبيعة تحب الاختلاف لأنه يمكّنها من اختيار من الذي سيبقى. أضف إلى هذا الانتقاء، الطبيعي، الانتقاء الصناعي الذي تفرضه تصورات المجتمع وثقافته.

درسٌ آخر من البيولوجيا والتاريخ هو أن الطبيعة لا تهتم بالنوع والحضارة بقدر ما تهتم بالكم والتكاثر؛ فالمزية الأهم طبيعيًا هي القدرة على التكاثر وتمرير الجينات، لا تمرير الثقافة.

التاريخ والأعراق

يبدأ الكاتب هذا الفصل بعرض بعض الادعاءات بتفوق أعراق معينة كالعرق النازي أو الأبيض، ثم يعارض هذه الادعاءات بذكر حضارات عظيمة نشأت من أعراق أخرى غير هذه، كالحضارة الصينية وحضارة الآزتك أو الحضارة الإسلامية. ويتطرق إلى مسألة داكني البشرة، مشيرًا إلى أن هذا العرق لم تساعده الجغرافيا والمناخ لبناء الحضارات لكنه نبغ في أماكن اخرى عاش بها.

وينوه الكاتب بنقطة أخرى هي أن العرق إنما هو تمهيدي لا خلاّق. فالحضارات الجديدة تنتج عن اختلاط أعراق مختلفة، بدورها تولد عرقًا جديدًا ذا ثقافة جديدة ينتج عنها حضارة. فالثقافة بناء علی ذلك، هي من ينتج الحضارة وليس العكس.

التاريخ والشخصيات

تبنى المجتمعات على طباع البشر. فالدستور قبل أن يُكتب على الورق، إنما يكتبه دستور الإنسان نفسه.

الطبيعة البشرية لها مشاعر وغرائز منها ما هو إيجابي وآخر سلبي.. العمل يقابله الراحة، والإبداع يقابله التقليد. لم يتغير الإنسان في التاريخ المسجل بشكل يذكر على مستوى الغرائز والدوافع، وما تزال أهدافه بالمجمل هي نفسها التي وجدت قبل ألفي عام مثلًا. من رغبة في التزاوج والسلطة وما إلى ذلك.. التغيرات التي تطرأ إنما هي تغيرات اجتماعية حسب الظروف والتحديات التي تتطلب الحلول. وهنا يأتي دور الشخصيات العظيمة، شخصيات الذين يسبقون أزمنتهم وأمكنتهم لتغيير مجرى الأمور، مستغلين في ذلك بعد النظر أو العلم أو الذكاء.

ولا يعمل الإبداع والتقليد كل ضد الآخر كما يبدو للوهلة الأولی، بل إنهما متكاملان تمامًا، فوجود الفئة التابعة المذعنة وجود مهم، والصراع بينها وبين فئة المبدعين صراع مهم كذلك. فهم يساعدوهم على تحقيق أهدافهم الثورية تارة، ويمنعوهم ويثبطوهم تارة أخرى، وهذا ضروري لأن الأفكار الثورية ليست بالضرورة أفكارًا مناسبة، وقد يكون اعتراض العامة في بعض الأوقات مفيدًا ومنقذًا.

التاريخ والأخلاق

الأخلاق هي القواعد التي يحث عن طريقها المجتمع أفراده على ممارسة سلوكيات ما. ويشير الكاتب في بداية الفصل إلى أن الأخلاق تتغير بالزمان والمكان، لكنها تتفق بجوهرها.

فما كان محمودًا في مرحلة الصيد من تاريخ الإنسان، من القدرة على القتل والتحلي بالشراسة والطمع، بهدف توفير الأمان، لم يعد مرغوبًا به في مرحلة الزراعة.. وتعدد الزوجات الذي كان أمرًا جيدًا في مرحلة الصيد؛ بسبب معدل موت الذكور المرتفع..أصبح غير محبذٍ في المرحلة الزراعية. كما أن أسلوب المرحلة الزراعية التي تقدس الأسرة والأطفال وتحبذ الزواج المبكر، لم يعد مناسبًا في المجتمعات الصناعية التي تتسم بالنزعة الفردية، وعدم الرغبة في تكوين الأسرة أو الزواج.
كذلك الأمر بالنسبة إلى النصوص الدينية، التي تتضاءل سلطتها في المجتمعات الصناعية، حيث تهيمن سلطة العلم.

نقطة أخرى ينوه بها الكتاب هي أن الحروب قد تؤدي إلى تراخٍ في الأخلاق، ذلك أن القوي يبدأ في تحديد الصواب، وفرض أخلاقياته. ويختم الكاتب هذا الفصل بالتأكيد على فكرة أن الانحلال الأخلاقي والفساد له نصيب في كل الحضارات والأزمنة، ويضرب له أمثلة في الملكية الإنجليزية وعصر النهضة وغيرها. فلا يتفق مع من يدعون باستمرار أننا نعيش أشد فترات الانحلال.

كما أن كتب التاريخ تركز على الأحداث المثيرة، وهذا قد يبتعد بنظرنا عن أوقات عاشت فيها أفراد وجماعات وأسرٌ بسعادة وإخلاص بعيداً عن كل الشرور والخيانة والفساد الذي تحشده كتب التاريخ.

التاريخ والدين

يبدأ الكاتب هذا الفصل بالتنويه بأهمية الدين في توفير العزاء والراحة النفسية، وإضفاء القدسية للعلاقات والسمو بها. لكنه رغم ذلك يعتبر أن الأخلاق لم تكن أساس الدين، إنما هو الخوف من الطبيعة وظواهرها..وأن الكهنة استغلوا هذا الخوف لفرض قوانينهم وأخلاقياتهم. وقد ظلت الكنيسة تشكل السلطة الأعلى حتى بدأت لاحقًا عصور التشكيك، بالإضافة بزوغ الحركات القومية، الأمران اللذان بدءا يفقدانها مكانتها.

وذكر ديورانت مواضع كانت السلطة الدينية فيها مصدرًا مهمًا للأخلاق الحميدة وأخرى شكلت فيها أدواتٌ للفساد، واعتبر أن حل الإشكال بين الدين والفلسفة لا يكمن إلا في أن تعترف الفلسفة أنها لا تستطيع أن تجد مصدرًا ثابتًا بديلًا للأخلاق مكان الدين، بينما يتوجب علی السلطة الدينية أن تفسح المجال للعقل أن يعتقد أو يفكر كما يشاء.

أما عن سؤال “هل يدعم التاريخ وجود الله” -وهنا يوضح ديورانت أنه يقصد الإله الرحيم المتسامي، وليس مجرد القدرة الخلاقة للطبيعة-..فالجواب عند ديورانت يميل إلى أن يكون بالنفي.. لأن التاريخ بالنهاية يعمل بقانون البقاء والانتقاء الطبيعي، ولا تعنيه الفضيلة. كما أن الكوارث والظواهر الطبيعية المدمرة حسب ديورانت لا تدعم وجود أي قوة رحيمة.

نقطة أخرى يشير إليها ديورانت هي أن أهمية الدين تضاءلت بتضاؤل الإنسان عبر التاريخ، ذلك أن اكتشافات مثل اكتشاف كوبرنيكوس عن عدم مركزية الأرض، تفقد الإنسان شعوره بأهميته في الكون. وهذا طبعا ليس سببًا وحيدًا لتراجع السلطة الدينية، إنما أحد العوامل. إلی جانب عوامل أخرى كحركات الإصلاح البروستانتي والحركات الربوبية في إنجلترا. واستبدال الزراعة (التي تعزز الإيمان بالبعث) بالصناعة التي تعتمد على الماكينات، وخروج المؤسسات التعليمية من التبعية للكنيسة إلى سيطرة رجال الأعمال والعلماء.

في نهاية هذا الفصل يكمل ديورانت بالتأكيد على أن الدين يموت ويبعث من جديد..فعندما يتم التمرد على دين ما، سرعان ما يظهر شكل آخر من أنواع التدين ليأخذ مكانه، ويختم بأن الاستمتاع بالحرية مهم، ومع ذلك فإن الحذر من إهمال الاحتياجات الروحية تمامًا أمر ضروري للأمم.

التاريخ والاقتصاد

يرى كارل ماركس أن التاريخ ما هو إلا استعراض للصراعات الاقتصادية، ويتفق ديورانت جزئيًا مع هذا الرأي، ويعرض بعض الأمثلة عليه، من دور الثورة الصناعية في ظهور الديمقراطية والحركات النسوية، ودور الرغبة في السيطرة على الطرق التجارية في شن الحملات الصليبية، أو دور عائلة ميديتشي ومهاراتها المصرفية في حركة التنوير في فلورنسا.

لكنه يلفت إلى أن دوافع الأحداث التي تغير التاريخ ليست دائمًا دوافعَ اقتصادية، إنما تكون في بعض الأحيان دوافع دينية أو وطنية.
ويصنف ديورانت الناس بالنسبة للاقتصاد إلى ثلاث فئات، أولهم فئة تدير الأشياء، وهذه الفئة تديرها فئة ثانية تستطيع إدارة الناس.. أما الفئة الثالثة ومن يتحكم بكليهما، هي الفئة التي بإمكانها إدارة الأموال ومراقبة السوق.

ويختم ديورانت الفصل بالإشارة إلى أن اختلاف الناس في القدرات يحتم تراكم الثورة في نهاية المطاف في إحدى الطبقات، وأن ازدياد عمق الفجوة بين الطبقات سيزعزع الاستقرار ويؤدي في نهاية الأمر إلى إعادة توزيع الثروات، إما عن طريق الإصلاحات أو الثورات العنيفة.

التاريخ والاشتراكية

الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية قديم ومستمر، فالرأسمالية لن ترضى إلا بحرية التنافس وما يتبعها من حث على الإبداع دون تدخل الدولة، والاشتراكية ستثور دائمًا ضد الفروق الطبقية والتلاعب والاحتكار، ويضرب ديورانت أمثلة كثيرة من التاريخ على دول ذات مظاهر اشتراكية وتدخل للدولة في أدوات الإنتاج قامت قديمًا في حضارات منها سومر وبابل وروما والصين.

يُفشل هذه التجارب عادة حسب رأي ديورانت، الضرائب الباهظة والتجنيد الإجباري والفساد، فالمؤسسات العامة معرضة هي الأخرى إلی ظهور الفساد كحال نظيرتها الخاصة. وينهي الفصل بالحديث عن كارل ماركس وفريدريك إنجلز وبيانهما الشيوعي، ويعتبر أن ماركس قد خان الفيلسوف “هيجل” الذي كان له الأثر الكبير على فلسفته؛ إذ أن الجدل الهيجلي ينص على أن وجود أطروحتين متناقضتين يجب أن يتمخض عنه أطروحة ثالثة تتفوق على كلتيهما، وهذا ما يراه الكاتب ويل ديورانت الصواب، وهو أن تخشى الرأسمالية بطش الاشتراكية فتنظم نفسها، وأن تخشى الاشتراكية بدورها تفوق الرأسمالية، فتسمح بحد ما من الحرية الاقتصادية.. فينتج مزيجًا معقولًا يحقق نوعًا من العدالة بين البشر.

التاريخ ونظام الحكم

عدّ ديورانت في بداية هذا الفصل نظام الحكم الملكي أكثر طبيعية من باقي الأنظمة، وأكثرهم ديمومة عبر التاريخ، وذكر عدة أمثلة ناجحة عليه، كفترات حكم ماركوس أوريلوس وهدريان وغيرهم من ملوك الرومان، لكنه عاد ونوه بأضراره من جانب أن وراثة الحكم عادة ما تولد انعدام مسؤولية وتبذير وشرور كثيرة.

وبالنسبة للحكم الأرستقراطي، أي الذي يفضل النسب على المال أو المكانة الدينية.. فإن من مزاياه أنه يشكل مستودعًا للثقافة، ويحول دون انتشار الخبل الفني، والتغيرات المفاجئة للكود الأخلاقي، ولكنه مع ذلك لا ينتج الفنون، إنما يلهمها؛ ذلك أن العبقرية تتطلب الكد، الشيء الذي لا يضع الأرستقراطي نفسه تحت وطأته. ومن سلبيات هذا النوع من الحكم، الانشغال في إنفاق مصادر الدولة على المظاهر والحروب غير الضرورية، وقهر الناس في سبيل المحافظة على أسلوب حياة السلف.
يطرح ديورانت بعد ذلك تساؤلًا عما إذا كان التاريخ يبرر الثورة. ويجيب عليه بأنه على الرغم من ضرورة التخلص من الأنظمة القديمة والفاشلة، إلا أن ذلك في كثير من الأحيان لا يتطلب العنف. ويضرب بعض الأمثلة منها تغيرات حققتها أمريكا، أو تحقيق إنجلترا في القرن التاسع عشر تغييرًا مسالمًا كان بإمكان الثورة الفرنسية تحقيقه دون اللجوء إلی العنف.

ثم يختم ديورانت هذا الفصل بالحديث عن الديموقراطية، ويستهل ذلك بطرح رأي أفلاطون بشأن الديمقراطية، بوصفها فوضى وعنف وانحلال، وطريق يؤدي إلى الديكتاتورية في نهاية المطاف، ويطرح ديورانت بعض الأمثلة التي تؤيد هذا التصور، وبعض صور الفساد التي من الممكن أن تسود في حكم ديمقراطي. ثم يعود في النهاية ليعتبر الديمقراطية أقل أنظمة الحكم ضررًا وأكثرها فائدة، بوصفها شكلت صداقة حميمة بين الجنس البشري، وأعطت الفكر المزيد من الحرية، وأزالت الامتيازات التي فرقت بين البشر، وأنها مبررة ومستساغة إذا وفرت فرص تعليم متساوية، معتبرًا هذا ليس حق طبيعي بقدر ما هو امتياز يعود بالنفع الكثير على المجتمع.

التاريخ والحرب

عد ديورانت الحرب من ثوابت التاريخ، وأنها من أشكال التنافس والانتقاء الطبيعي. ويذكر أن كل ما لدينا من تاريخ مسجل لا يخلو من الحروب إلا في فترات قليلة.

وأضاف أن النزعة القومية تغذي نار الحروب وتؤججها، فإن دولة ما عندما تبدأ في معاداة دولة أخرى، سرعان ما تحفز مواطنيها على محاربتها عبر إشاعة الكراهية القومية.

يبدأ ديورانت بعد ذلك حوارًا افتراضيًا بين فيلسوف يعارض الحرب وقائد عسكري يرى أنها أمر لا بد منه. فيحاجج ديورانت على لسان القائد العسكري بأن الناس تموت بكل الأحوال، فما الذي يمنع أن يكون موتهم تجاه أوطانهم وقضاياهم؟ ثم إن الأخطار التي تحدق بالبلدان -كما كانت ترى الولايات المتحدة وإنجلترا تقدُّم الشيوعية في ذلك الوقت- لا بد من وجود من يقف لها بالمرصاد، وأن هذه ضرورة تاريخية لا بد من حدوثها. فيرد الفيلسوف بأن الحرب ربما تكون بالفعل ضرورة تاريخية لتسيير الأمور وتحقيق المنافع، لكنه يظن أن ثمة ما يدفعنا للوقوف بوجه هذه الصيرورة التاريخية، والتخلي حتى عن المنافع والمصالح، ألا وهو الإنسانية، التي توجب مراعاتها حتى لو أدت بالدول إلى الخسارة والتراجع.

التاريخ والنمو

يقول ديورانت أن التاريخ يعيد نفسه في المجمل لا في الجزئيات، فإننا نجد الأمم تنهض وتنهار في كل زمن، والعقلانية ترجع دائمًا لتستبدل الأساطير والمعتقدات القديمة. والدوافع الأساسية للحصول على الجنس والسلطة والغذاء تستمر عبر الأزمنة، مع ملاحظة أن سطوة العقل عبر الزمن تجعل الأفراد يمليون إلى التفرد لا إلا تصرفات القطيع.

ثم ينتقل بعد ذلك إلى تصورات بعض المفكرين بشأن تقسيم التاريخ، من حيث أنه يحتوي فترات “أساسية” تبنى فيها قيم معينة، وتتسم بالتنظيم والاتفاق. وأخرى “نقدية” هدامة تقوض ما بنيت عليه الفترات الأساسية، وتتسم بالنزاعات. وقد تتجلی الفترة الأولى في الحقبة المسيحية، أما النوع الثاني فأقرب إلى الفلسفة اليونانية في هدمها للأساطير في ذلك الوقت.

وتنشأ الحضارات من وجهة نظر ديورانت لا من العقود الاجتماعية، إنما عبر الاحتلال وهيمنة منتصر ما وفرض ثقافته على الطرف الأضعف. كما أن التحديات بمختلف أشكالها سواء أكانت طبيعية أم اقتصادية أو سياسية أو تغيرات على مستوى الكود الأخلاقي، كل ذلك يحدد ما إذا كانت حضارة ما ستقوى وتستمر، وذلك عبر العقول اللامعة القادرة على إيجاد الحلول لهذه التحديات، وتغيير مجريات الأحداث. أما عن سبب ظهور مثل هذه العقول اللامعة هو ببساطة وجود الأسس البيولوجية والنفسية الكافية.

اضمحلال الأمم كذلك لا يملك سببًا واحدًا محددًا، فإن أي تحدٍ سبق ذكره دون وجود مقومات للتغلب عليه قد يقوض حضارة ما وينهيها.
يختم ديورانت الفصل بفكرة أن الحضارات لا تموت، إنما يندثر إطارها ويتغير مكانها، ويبقى ما أنتجته من أفكار وعلوم وتراث مقروء، ليكمل في أماكن أخرى حيث تستفيد منه حضارات لاحقة وتضفي إليه.

هل التقدم حقيقي؟

يذكرنا الفصل الأخير من هذا الكتاب في البداية بضرورة تعريف التقدم.. فإذا اعتبرنا أن التقدم الحقيقي يكمن في التطور العلمي، فإن ذلك يجعلنا نصطدم بحقيقة أن التقدم العلمي في بعض الأحيان يجلب الكثير من الخراب ويزيد من براعة الشر وتطور الأسلحة وأجهزة الدمار، وإذا نظرنا إلى الجانب الفكري، فبإمكاننا أن نشكك كذلك في أن التغيرات التي طرأت على الفكر والفلسفة استطاعت تقديم كود أخلاقي يتفوق على نظائره في العصور القديمة؛ ذلك أن التغلب على التعصب الديني استبدل في كثير من الأوقات بالتعصب العرقي أو الوطني.

نقطة أخرى يشير إليها ديورانت هي أن حضارة معينة قد تحدد معيار التقدم الخاص بها. فتجد بلاد ما تصب تركيزها على الماديات والإنتاج العلمي، وأخرى على الفنون.. وهكذا دواليك.

وفي نهاية الفصل يعتقد ديورانت أنه في حال اعتبرنا أن التقدم يساوي تحقيق السعادة، فإننا على هذا النحو يمكننا تقريبًا أن ننفي تحقيق أي تقدم، أما إذا كان التقدم يعني المزيد من السيطرة على الطبيعة، فهذا يبدو معقولًا، ورغم المساوئ الجمّة إلا أنه قد ساعدنا في القضاء على كثير من الأمراض والمجاعات والمصاعب.

المصدر: دروس من التاريخ لويل وأريل ديورانت، عصير الكتب للطباعة والنشر-الطبعة الأولى – 2019

يمكنك قراءة ملخص كتاب قصة الفلسفة اليونانية لزكي نجيب محمود وأحمد أمين

.

التاريخ الكبير: لماذا يهتم العلماء بدراسة النجوم؟

لم تتوقف السماء عن سحرنا يومًا، حتى أننا نجد القمر، والنجوم مذكورين في كثير من أغانينا، فالسماء بنجومها كانت وما زالت مصدر إلهام لنا نحن البشر، لكن ما هي النجوم وكيف تتكون؟ ولماذا يهتم العلماء بدراسة النجوم؟

أكثر النجوم في كوننا هي نجوم صغيرة ذات كتلة قليلة، بحجم شمسنا أو أصغر، وهي أبرد بكثير من يا النجوم، لذا فلونها أحمر وتُدعى بال «أقزام حمراء-Red dwarfs»، ولكنها ليست مشوقة للحد الكافي، فنحن نتحدث هنا عن النجوم العملاقة، التي هي أكبر من شمسنا على الأقل ب 8 مرات، وقد تسطع أكثر بمليون مرة من سطوع الشمس!

تعيش هذه النجوم حياة مغايرة تمامًا لحياة شمسنا، ففي نهاية حياتها تنفجر في إنفجار خلاب مهيب يدعى بال«سوبرنوفا-Supernova»، تاركة خلفها لوحة جميلة من أجمل وأبهى الألوان، مثل التي نراها في السدم التي يعج كوننا بها، كما لعبت هذه النجوم دورًا حيويًا في تشكيل كوننا بشكله الحالي، فبعد الانفجار العظيم بفترة وجيزة، لم يكن هناك أي مصدر للضوء، كان الظلام والصمت يخيمان على كوننا بأسره، فيما يعرف باسم «العصور الكونية المظلمة-Cosmic dark ages»، ولكن بعد حوالي 100 مليون سنة، تكونت هذه النجوم العملاقة، التي عاشت حياة قصيرة، ثم انفجرت في حدث السوبرنوفا العظيم، وتوالت الأجيال النجمية، جيلًا بعد جيل بمرور الزمن، وأثناء فترة حياة تلك النجوم كان إشعاعها ورياحها النجمي يزيدان من حرارة الغازات من حولهم، مؤديين إلى حدوث عملية «التأين-Ionization»، محدثة ثقوبًا وفقاعات في تلك الغازات من حولها، وعلى مدار الوقت، تقوم تلك النجوم بتغيير شكل المجرات التي تحتويهم، مؤدية إلى شكل كوننا الحالي الذي نعيش فيه.

لماذا يهتم العلماء بدراسة النجوم من الأساس؟

أحد أكثر الأشياء إثارة للدهشة في كوننا هو التنوع الكبير للعناصر، تلك العناصر التي نحن وكل ما حولنا مصنوعون منها، ومن أمثلة هذه العناصر هو عنصر الأوكسجين الذي نتنفسه، وأيضًا عنصر الكربون، الذي هو حجر الأساس لجميع المركبات العضوية، ويلعب دورًا محوريًا في تكوين أنسجتنا وعضلاتنا، كذلك عنصر الكالسيوم، الموجود في أسناننا وعظامنا، وكذلك عنصر الحديد الذي يجري في دمنا.

على الرغم من ذلك التنوع، فالعناصر التي كانت موجودة بعد الانفجار العظيم هي الهيدروجين، والهيليوم، وقليل من الليثيوم، إذا من أين أتت كل تلك العناصر؟

يعتقد المجتمع العلمي أن الفضل في ذلك يرجع إلى النجوم، ولكن كيف ذلك؟

كيف تُشكّل النجوم العناصر؟

يبدأ الأمر بقوة الجاذبية، حيث تضغط الجاذبية الغازات سويًا، مؤدية إلى زيادة حرارتها، حتى تصل درجة الحرارة في المركز إلى ما يزيد عن المليون درجة، هذه الدرجة عالية بما يكفي للسماح بعملية الاندماج النووي، حيث تندمج ذرتان من ذرات الهيدروجين لتكوين ذرة من الهيليوم، ولكن هذا في النجوم التي هي بحجم شمسنا أو أكبر قليلًا، حيث أن النجوم العملاقة لا تتوقف عند هذا الحد، وإنما تستمر بدمج ذرات الهيليوم لتكوين الكربون والأوكسجين.

إذا كان النجم كبيرًا كفاية، فإنه سيستمر في دمج العناصر وصولًا إلى عنصر الحديد، ومن ثم تنفجر تلك النجوم العملاقة، في مشهد مهيب، مطلقة ما بجعبتها من مادة إلى الفضاء الشاسع، مضيفة عناصر جديدة إلى جدولنا الدوري.

يبدو غريبًا أليس كذلك؟ فالأوكسجين الذي تتنفسه بينما تقرأ هذا المقال الآن مصنوع في نواة أحد النجوم كتلك التي تراها في سماء الليل، أضف إلى ذلك أنك أنت نفسك تتكون من ذرات صنعت في نواة أحد النجوم أيضًا!

إنه لشيء مبهر بحق، ولا يسعنا إلا أن نقول أكثر من قول عالم الفيزياء الفلكية الشهير «كارل ساجان-Carl Sagan»: “أنت مصنوع من غبار النجوم”.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

التاريخ الكبير: ما هي القوى التي تحكم الكون؟

كوننا محكوم بأربع قوى فيزيائية، فكل ما نراه في حياتنا من أحداث يمكن الحكم عليه من خلال التفاعل بين هذه القوة الأربعة، إذًا ما هي القوى التي تحكم الكون؟

1- «القوة الكهرومغناطيسية-Electromagnetic force»

القوة الكهرومغناطيسية هي القوة التي تسبب الترابط بين الجسيمات ذات الشحنة الموجبة، ونظيراتها ذات الشحنة السالبة، إذ أنها هي السبب في تجاذب الالكترونات والبروتونات، كما أن لكل قوة من بين هذه القوة الأربعة جسيمًا ليحملها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الجسيم الذي يحمل القوة الكهرومغناطيسية هو الفوتون، وهو جسيم يسير بسرعة الضوء إذ أنه منعدم الكتلة، لكنه مليء بالطاقة، فتقوم الالكترونات بتبادل الفوتونات بينها وبين البروتونات للحفاظ على ترابطهم في الذرة، يمكنك تصور الأمر على أنه مباراة كرة قدم، فالجزيئات هي اللاعبون، بينما التفاعل بينهم محكوم بحركة الكرة فيما بينهم.

2- «القوة النووية القوية-Strong nuclear force»

وهي القوة التي تسبب الترابط بين البروتونات وبعضها البعض داخل نواة الذرة، لتشكيل العناصر الثقيلة، إذ أن البروتونات ذات شحنة موجبة إلا أنها لا تزال متجاذبة ومتحدة في نواة الذرة، بسبب القوة النووية القوية، كما أنها أيضًا هي السبب في ترابط الكواركات داخل البروتونات، والجسيم الحامل لهذه القوة هو «الجلون-gluon»، فتقوم الكواركات بتبادل الجلونات فيما بينها، لتحافظ على ترابطها داخل البروتونات.

3- «القوة النووية الضعيفة-weak nuclear force»

تتسبب هذه القوة فيما يعرف بالتحلل الإشعاعي، مثل «إشعاع بيتا-Beta radiation»، وهذه القوة ليست ذات جسيم حامل واحد، ولكن ثلاثة جسيمات حاملة لها وهم W plus, W minus, Z boson، وهم يختلفون عن الفوتونات والجلونات في أمر الكتلة، فالفوتونات والجلونات منعدمة الكتلة، لكن هذه الجسيمات لها كتلة.

4- «الجاذبية-Gravity»

ما نتحدث عنه هنا هو ما يعرف ب «النموذج المعياري- Standard model»، وهو ما طوره الفيزيائيون في أوائل ستينيات القرن الماضي، ومن أشهر هؤلاء الفيزيائيون هو «فيلتمان-Veltman»، لكن نموذج فيلتمان حوى بعض الأخطاء القاتلة، إذ نصت نظريته بتنبؤات سخيفة، كما أن نموذج فيلتمان لا يكون صحيحًا إلا إذا كانت الجزيئات منعدمة الكتلة، لكنها إن كانت كذلك لطارت في الفراغ بسرعة الضوء، ولحل هذا الإشكال، صاغ «بيتر هيجز-Peter higgs» معادلاته، لوصف ما سُمّي بعد ذلك ب «حقل هيجز-higgs field»، إذ أخبر هيجز بأن كتلة الجسيمات لا تأتي من داخلها، وإنما هناك حقل غير مرئي، تتفاعل الجسيمات معه أثناء حركتها، فيُبطئ من حركتها، على سبيل المثال، إذا وجدنا جسيمًا ثقيلًا، فهذا يعني أنه يتفاعل بشدة مع حقل هيجز، وليس أن كتلة الجسيم نتيجة لتركز المادة بداخله.

إذًا فالأمر بسيط الآن، علينا فقط أن نجد جسيم هيجز، وعندها سيكون هذا دليلًا على وجود حقل هيجز، وقد حدث بالفعل، فقد وجد الفيزيائيون «بوزون هيجز-Higgs boson» عام 2012، وهذا هو ما يعطي الجسيمات كتلتها.

مما لا يشك فيه عاقل هو وجود الجاذبية وتأثيرها فيما حولنا، فهي التي تسببت بسقوط التفاحة، وهطول الأمطار، وترابط الأرض والقمر، ودوران الأرض حول الشمس، والكثير والكثير من الأشياء الأخرى، لكن الفيزيائيون لا يعرفون جسيمًا ليحمل هذه القوة، إذ أنها قوة كبيرة لتكون محمولة بجسيم واحد، ولكن مما لا شك فيه كذلك أنهم منهمكون في البحث عن هذا الجسيم بحثًا عن فهم أفضل عن ماهية القوى التي تحكم الكون.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

coursera

لقراءة سلسلة التاريخ الكبير ج2 من هنا

Exit mobile version