التاريخ الكبير: ما هي القوى التي تحكم الكون؟

كوننا محكوم بأربع قوى فيزيائية، فكل ما نراه في حياتنا من أحداث يمكن الحكم عليه من خلال التفاعل بين هذه القوة الأربعة، إذًا ما هي القوى التي تحكم الكون؟

1- «القوة الكهرومغناطيسية-Electromagnetic force»

القوة الكهرومغناطيسية هي القوة التي تسبب الترابط بين الجسيمات ذات الشحنة الموجبة، ونظيراتها ذات الشحنة السالبة، إذ أنها هي السبب في تجاذب الالكترونات والبروتونات، كما أن لكل قوة من بين هذه القوة الأربعة جسيمًا ليحملها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الجسيم الذي يحمل القوة الكهرومغناطيسية هو الفوتون، وهو جسيم يسير بسرعة الضوء إذ أنه منعدم الكتلة، لكنه مليء بالطاقة، فتقوم الالكترونات بتبادل الفوتونات بينها وبين البروتونات للحفاظ على ترابطهم في الذرة، يمكنك تصور الأمر على أنه مباراة كرة قدم، فالجزيئات هي اللاعبون، بينما التفاعل بينهم محكوم بحركة الكرة فيما بينهم.

2- «القوة النووية القوية-Strong nuclear force»

وهي القوة التي تسبب الترابط بين البروتونات وبعضها البعض داخل نواة الذرة، لتشكيل العناصر الثقيلة، إذ أن البروتونات ذات شحنة موجبة إلا أنها لا تزال متجاذبة ومتحدة في نواة الذرة، بسبب القوة النووية القوية، كما أنها أيضًا هي السبب في ترابط الكواركات داخل البروتونات، والجسيم الحامل لهذه القوة هو «الجلون-gluon»، فتقوم الكواركات بتبادل الجلونات فيما بينها، لتحافظ على ترابطها داخل البروتونات.

3- «القوة النووية الضعيفة-weak nuclear force»

تتسبب هذه القوة فيما يعرف بالتحلل الإشعاعي، مثل «إشعاع بيتا-Beta radiation»، وهذه القوة ليست ذات جسيم حامل واحد، ولكن ثلاثة جسيمات حاملة لها وهم W plus, W minus, Z boson، وهم يختلفون عن الفوتونات والجلونات في أمر الكتلة، فالفوتونات والجلونات منعدمة الكتلة، لكن هذه الجسيمات لها كتلة.

4- «الجاذبية-Gravity»

ما نتحدث عنه هنا هو ما يعرف ب «النموذج المعياري- Standard model»، وهو ما طوره الفيزيائيون في أوائل ستينيات القرن الماضي، ومن أشهر هؤلاء الفيزيائيون هو «فيلتمان-Veltman»، لكن نموذج فيلتمان حوى بعض الأخطاء القاتلة، إذ نصت نظريته بتنبؤات سخيفة، كما أن نموذج فيلتمان لا يكون صحيحًا إلا إذا كانت الجزيئات منعدمة الكتلة، لكنها إن كانت كذلك لطارت في الفراغ بسرعة الضوء، ولحل هذا الإشكال، صاغ «بيتر هيجز-Peter higgs» معادلاته، لوصف ما سُمّي بعد ذلك ب «حقل هيجز-higgs field»، إذ أخبر هيجز بأن كتلة الجسيمات لا تأتي من داخلها، وإنما هناك حقل غير مرئي، تتفاعل الجسيمات معه أثناء حركتها، فيُبطئ من حركتها، على سبيل المثال، إذا وجدنا جسيمًا ثقيلًا، فهذا يعني أنه يتفاعل بشدة مع حقل هيجز، وليس أن كتلة الجسيم نتيجة لتركز المادة بداخله.

إذًا فالأمر بسيط الآن، علينا فقط أن نجد جسيم هيجز، وعندها سيكون هذا دليلًا على وجود حقل هيجز، وقد حدث بالفعل، فقد وجد الفيزيائيون «بوزون هيجز-Higgs boson» عام 2012، وهذا هو ما يعطي الجسيمات كتلتها.

مما لا يشك فيه عاقل هو وجود الجاذبية وتأثيرها فيما حولنا، فهي التي تسببت بسقوط التفاحة، وهطول الأمطار، وترابط الأرض والقمر، ودوران الأرض حول الشمس، والكثير والكثير من الأشياء الأخرى، لكن الفيزيائيون لا يعرفون جسيمًا ليحمل هذه القوة، إذ أنها قوة كبيرة لتكون محمولة بجسيم واحد، ولكن مما لا شك فيه كذلك أنهم منهمكون في البحث عن هذا الجسيم بحثًا عن فهم أفضل عن ماهية القوى التي تحكم الكون.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

coursera

لقراءة سلسلة التاريخ الكبير ج2 من هنا

التاريخ الكبير: الانفجار العظيم

التاريخ الكبير: الانفجار العظيم

بعد أن أعددت مشروبك المفضل في سلام، وجلست في شرفة بيتك الهادئة بعد منتصف الليل، تنظر إلى السماء بعجب، فإذا القمر يتوسط المشهد بنوره الفضي الساحر، محاطًا بمجموعة بالكثير والكثير من النجوم، ووسط هذا الجو الشاعري الجميل تتساءل: “كيف بدأ كل هذا؟”.

الحقيقة أننا نعرف كيف بدأ كوننا الجميل، لقد بدأ بداية عنيفة، بدأ ب «انفجار عظيم-Big bang»، ولكن كيف نعرف هذا؟ وما هي الأدلة على هذا الادعاء؟ تابع معنا سلسلة التاريخ الكبير ج١: الانفجار العظيم

1- توسع الكون

بدأ الأمر في بدايات القرن العشرين حينما وجه العلماء تليسكوباتهم نحو السماء، كان الاعتقاد السائد آنذاك أن الكون هو عبارة عن تجمع نجمي يحوي جوالي 400 بليون نجم، له أربعة أذرع، ويدعى ب«مجرة درب التبانة-Milky way galaxy»، لكن هؤلاء العلماء اكتشفوا اكتشافًا قد مثل ثورة علمية في ذلك الوقت، اكتشفوا أن مجرتنا ليست وحيدة!

بل أن هناك العديد من المجرات الأخرى، لم تكن تلك المجرات موجودة فقط، بل أنها كانت تبتعد عنّا، وأنه كلما كانت المجرة أبعد، كلما تحركت أسرع، فيما يعرف باسم «قانون هابل-Hubble’s law» نسبةً إلى العالم «إدوين هابل-Edwin Hubble».

لذا فإن كانت المجرات تبتعد عنا، فهي غدًا ستكون أبعد، كما أنها كانت أقرب إلينا في البارحة، فلنرجع الشريط إذًا للخلف، وسنرى أن المجرات تصبح أقرب مع التراجع في الزمن أكثر وأكثر، حتى يصبح الكون كله كتلة غازية ساخنة.

ومع بعض الحسابات يمكننا حساب عُمر كوننا، وبالفعل أطلق العلماء لأياديهم العنان لصياغة حسابات رياضية لحساب عمر الكون، ألا وهو 13.8 بليون سنة.

2- «الخلفية الكونية الميكرووية-Cosmic microwave background»

في بدايات الكون، كانت درجة الحرارة عالية جدا، عالية بشكل لا يسمح للنجوم أو المجرات أو الكواكب بالتكون، بل حتى أنها لا تسمح بوجود الذرات نفسها!

كانت الغازات ساخنة للغاية حتى بدأت في عملية «التأين-Ionizing»، كانت كل المادة في الكون منصهرة في حساء كوني من البلازما، حيث تندمج نوى الذرات، وتخرج الالكترونات عن مساراتها، والبلازما تنتج الكثير من الضوء والاشعاع لكنها تحتبسهم بداخلها، ولكن بعد أن أتم الكون 300 ألف سنة من عمره، هبطت درجة حرارته إلى 3000 درجة نتيجة للتوسع، رغم أنها درجة عالية نسبيًا، إلا أنها تسمح بتكون الذرات، لذا أصبح هناك مجال للإشعاع بأن يتحرك بحُرية أكثر، وكلما زاد عمر الكون كلما زاد الطول الموجي لهذا الإشعاع، فأصبحت هذه الموجات كانت موجات ميكروويف.

ثم رصدها العلماء وكونوا صورة لخلفية كوننا الميكرووية، فقد رصدوا إشعاعًا قادمًا من أولى سنوات الكون، فهذا أيضًا دليل على أن لكوننا بداية.

3- نسبة الهيليوم:

في نواة شمسنا الدافئة، تؤدي قوى الجاذبية الشمسية إلى التحام نوى ذرات الهيدروجين، حيث تتحد ذرتا هيدروجين لتكوين ذرة هيليوم واحدة، وهذا ما يحدث في النجوم فيما يعرف بعملية «الاندماج النووي-Nuclear fusion»، فإذا قمنا ببعض الحسابات استنادًا إلى عمر الكون، وإلى قوانيننا الفيزيائية المعروفة، فنستطيع التنبؤ بأن في ظروف كهذه، ستكون نسبة الهيليوم في يومنا هذا هي 1:10 من المادة الموجودة في الكون، ثم نأتي على أرض الواقع لنقيس نسبة الهيليوم وتكون المفاجأة، نسبة الهيليوم مطابقة لحساباتنا في ظروف كون بانفجار عظيم!

وهذا أيضًا يعتبر دليلًا قويًا على صحة نظرية الانفجار العظيم. لكن قد يسأل سائل: “هل نعلم كل شيء عن الكون الآن؟”

و الإجابة هي: “لا وبكل تأكيد”

إذ أن كل ما نعلمه عن كوننا كميًا هو 5% فقط من الكون. كل المادة التي نحن مصنوعون منها نحن والنجوم، لا تحظى إلا بنصيب 5% فقط من الكون.

فنحن لا نعلم ما يجعل المجرات متماسكة بهذا الشكل، فأطلقنا عليها اسم «المادة المظلمة-Dark matter»، كما أننا لا نعرف طبيعة القوة التي تتسبب في توسع الكون من الأساس، ونسميها «الطاقة المظلمة-Dark energy»، كما أننا أيضًا لا نعرف ما تسبب ببداية الكون، لا نعلم ما هو سبب الانفجار العظيم، إذ أن الكون كان كثيفًا وساخنًا للغاية بدرجة لا تسمح لقوانيننا الفيزيائية المعهودة بالعمل.

فهناك الكثير والكثير الذي لا نعلمه عن الكون وعنّا، في الواقع نحن نجهل عن الكون أكثر مما نعلم، وكما ترى عزيزي القارئ، هناك الكثير من جوائز نوبل في انتظار من يجيب عن هذه الأسئلة، ومن يدري؟ أليس من الممكن أن يكون أنت من يفعل؟

من كورس تابع لCoursera، مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

اقرأ المزيد حول: داروين لم يكن أول من وضع نظرية التطور

Exit mobile version