5 أمراض غيرت التاريخ

تركت الأمراض بصمات واضحة على جبين التاريخ. يعد انخفاض حجم السكان وتقليل التنوع الجيني وتغير المناخ بعض الأمثلة البسيطة الدالة على التأثير الذي يمكنك أن تتوقعه إثر كل وباء. سنعرض في هذه المقالة 5 أمراض غيرت التاريخ وكان لها تأثيرًا كبيرًا على العالم.

5- الاستعمار وتغير المناخ  

بعد وصول الإسبان إلى منطقة البحر الكاريبي، انتقلت أمراض مثل الجدري والحصبة والطاعون الدبلي إلى السكان الأصليين من قبل الأوروبيين. دمرت هذه الأمراض السكان الأصليين، إذ مات ما يصل إلى 90 في المائة في جميع أنحاء القارتين الشمالية والجنوبية. عند وصوله إلى جزيرة هيسبانيولا، واجه كريستوفر كولومبوس-Christopher Columbus شعب تاينو، 60 ألف نسمة. وقبل حلول 1548، بلغ عدد السكان أقل من 500. تكرر هذا السيناريو نفسه في جميع أنحاء الأمريكتين.

في عام 1520، دٌمرت إمبراطورية الأزتك بسبب عدوى الجدري. قتل المرض العديد من ضحاياه وتسبب في عجز الآخرين. لذلك لم يتمكنوا من مقاومة المستعمرين الإسبان وتركوا المزارعين غير قادرين على العمل مساحات الزراعة الخاصة بهم.

والجدير بالذكرأن الأبحاث التي أجريت في 2019، خلصت إلى وفيات 56 مليون أمريكي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كان السبب الأول لها هو المرض. كما أن محاولة زراعة الأرض الزراعية غير المحروثة وإنبات النباتات بها، تسببت في جذب المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. مما ساهم في حدوث فترة برودة شديدة للكوكب. وصفها المؤرخون بالعصر الجليدي الصغير. يمكننا القول بأن الاستعمار أثر على مناخ الأرض.

4- الكوليرا ونشأة علم الأوبئة 

عام 1854، أزال جون سنو-John Snow مقبض مضخة المياه، ليُنشئ علمًا جديدًا من علوم الطب! فقد كانت بداية نشأة علم جديد “علم الأوبئة-Epidemiology” على يد مجموعة من الأطباء أبرزهم الطبيب البريطاني جون سنو لعمله في تحديد مصدر تفشي الكوليرا.

شك سنو في الطريقة التي ينتشر بها المرض، رافضًا نظرية الميازما-Miasma والتي تفترض أن الهواء الملوث أو الفاسد هو سبب بعض الأمراض كالجدري والكوليرا والزهري، ولاحظ كيفية ظهور مجموعات من الأمراض بين الأشخاص الذين استخدموا مضخات مياه معينة. ساعد تدخله في إزالة مقبض المضخة المصابة على تقليل معدلات العدوى أثناء الوباء. جون سنو هو أول من اعتمد الاسلوب الوبائي في السيطرة انتشار المرض.

3- الانفلونزا الإسبانية ومعاهدة فرساي  

عام 1918، دمرت الأنفلونزا الإسبانية العالم وأصابت قرابة ثلث السكان. تسببت في إتلاف خلايا الدماغ، مما أثّر على قدرة الدماغ على العمل مؤدية أحيانًا إلى الذهان.

أُصيب وودرو ويلسون-Woodrow Wilson الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة بالأنفلونزا في ذلك الوقت. لعب ويلسون دورًا أساسيًا في مفاوضات معاهدة فرساي، ولا سيما مساعدة رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنسو-Georges- Clemenceau.

كان ويلسون في فترة العلاج خلال مرحلة المعاهدة، وكان دائم التعب والإرهاق والبُطء، مما جعله يتغافل عن الكثير من الأمور والمفاهيم. فأشار العديد من العاملين بالبيت الأبيض إلى التغير الكبير في سلوكه، إذ تخلى عن الكثير من أفكاره وآراءه حول المعاهدة.

توالت التقارير عن التغير الحاصل بشأن إدارة ويلسون. فمُنحت السلطة لكليمنسو. كما يروي التاريخ، فإن قسوة معاهدة فرساي أدت إلى كارثة ألمانية كشلْ الاقتصاد الألماني. كما لعبت دورًا في اكتساب هتلر السلطة. يمكن القول بأن كل هذه التطورات كانت نتيجة إصابة وودرو ويلسون بالانفلونزا الإسبانية.

2- طاعون جستنيان والقضاء على الإمبراطورية البيزنطية

ظهر لأول مرة في مصر، ثم انتشر طاعون جستنيان عبر فلسطين والإمبراطورية البيزنطية، ثم في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. غير الطاعون مسار الإمبراطورية، وسحق خطط الإمبراطور جستنيان لإعادة الإمبراطورية الرومانية إلى بعضها البعض وتسبب في صراع اقتصادي هائل. وينسب إليه أيضًا خلق الجو المروع الذي حفز الانتشار السريع  للمسيحية.

في نهاية المطاف وعلى مدى القرنين التاليين، قتل حوالي 50 مليون شخص -26% من سكان العالم- . ويعتقد أن يكون أول ظهور كبير للطاعون الدبلي، والذي يؤدي إلي تضخم الغدد الليمفاوية، وينتقل عن طريق الفئران وينتشر عن طريق البراغيث.

1- مرض السل والموضة 

في أواخر 1800s، أصبح السل -المرض المعدي في الرئتين- وباءً في الولايات المتحدة وأوروبا. كان المرض موجودًا لفترة طويلة. فتك بالبشر ببطء شديد، لكنه اتُخذ على محمل آخر! بدأت تصبح صفات مرض السل وأعراضه رومانسية في العصر الفيكتوري، فأصبحت الموضة بين النساء أن تأخذ مظهرًا شاحبًا ونحيلاً. بل وأصبح المرض نفسه اتجاهًا عصريًا. فأثر ذلك بشدة على تصاميم الفساتين والأزياء.

أثار ذلك التوجه بعض حملات الصحة العامة الكبرى في الولايات المتحدة، وأصبح هناك حملة ودعوة لجعل الفساتين والتنانير النسائية أقصر لمنعها من التقاط السُل من الشارع. كما أصبح هناك دعوات لحلق اللحى والشوارب بسبب احتمال نمو البكتيريا في شعر الوجه.

انتشار الوباء لا علاقة له بالتقدم أو التطور، حتى التطور العلمي والطبي لم يستطع وقايتنا من الأوبئة حتى يومنا هذا، تلك كانت -ليس على سبيل الحصر- 5 أمراض غيرت التاريخ وملامح بعض الحضارات.

المصادر

the conversation
bbc
smithsonianmag
history
worldhistory

عندما واجهت لندن أزمتين في نفس الوقت

بين عامي 1665 و 1666 شهدت مدينة “لندن” مأساتين متعاقبتين: الطاعون العظيم ويتبعه حريق كبير، كان الطاعون أسوأ ما واجهته لندن منذ أن حل الموت الأسود عام 1348، فقدت لندن حوالي 15-20% من سكانها، أما الحريق فقد إجتاح ربع المدينة وشرد حوالي 100000 شخص.

سبب الطاعون

كان وباء لندن هو آخر انتشار للطاعون الدبلي في بريطانيا، بعد التنقيب واستخراج ثلاثة آلاف ونصف هيكل عضمي من شارع “ليفربول”، أكدت الإختبارات وجود حمض نووي من بكتيريا yersinia pestis التي نسببت في الطاعون الدبلي سابقا.

أعراض الطاعون

وصف الكاتب “دانيال ديفو” (في القرن ال18) الحدث في مجلة عام الطاعون، المصير البشع لسكان لندن، فقد تسبب الطاعون بحمى عنيفة، وقيئ، وصداع شديد، وآلام في الظهر، وآخرون يعاونون من تورمات على مستوى الرقبة والفخذ والإبط ، أما البعض الآخر فقد عانوا في صمت.

انتشار المرض:

تم الإشتباه بإنتشار المرض في شتاء عام 1664 لكنه لم ينتشر بشكل مكثف إلى غاية ربيع عام 1665، ففر الملك “تشارلز الثاني” وحاشيته من لندن في أوائل الصيف ولم يعودوا إلا في “فبراير” التالي.

في ديسمبر 1665 انخفض معدل الوفيات فجأة واستمر في الانخفاض خلال الشتاء إلى غاية بداية عام (1666) مع تسجيل وفيات قليلة نسبيا في ذلك العام فقد انتشر المرض على نطاق واسع في البلاد.

في عام 1667 اختفى الوباء كليا من انجلترا ويرجح أن زواله كان تلقائيا. كانت الفئران والبراغيث هي الناقل لهذا المرض وانتشرت في الشوارع المليئة بالقمامة والنفايات، خاصة في المناطق الأكثر فقرًا.

حريق عام 1666

في ستينيات ذلك القرن، لم يكن الناس على علم بأخطار الحريق على عكس اليوم، كانت المباني مصنوعة من الخشب، والقش، وبعد صيف طويل وجاف عانت المدينة من نقص المياة وجفاف البيوت الخشبية مما سهل حرقها.

بدأ الحريق عن طريق الخطأ في متجر خباز، ورغم أنه إدعى كونه أوقف النار، إلا أنه بعد 3 ساعات، (أي في الواحدة صباحا)، كان منزله قد إتقد بالنار.

في البداية كان الأمر غير مثير للقلق بدرجة كبيرة لأن الحرائق شائعة آنذاك، لكن سرعان ما خرجت النيران عن السيطرة وإنتشرت في أكثر من 13000 منزل آخر. دمر الحريق الهائل معضم مدينة لندن (التي كانت أصغر من لندن حاليا ) لكنه لم يصل لبعض المناطق.

غالبا ما يرغب البشر في العثور على الجانب المشرق في الكارثة، لذا شاعت أسطورة تقول أن الحريق العظيم أنهى الطاعون بطرد الفئران التي كانت تنشر الوباء.لكن حقيقة، تشير البيانات إلى أن الحريق لم يؤثر على الطاعون، ولا توجد أي صلة بينهما، ولم يعلم المؤرخون السبب الحقيقي الذي أدى لتوقف الوباء عن الانتشار.

حتى في القرن ال21، لايزال الطاعون مرضا خطيرا، في (2017) أدى تفشي الطاعون في مدغشقر إلى (2417) إصابة و(209) وفاة، كان العلاج بالمضادات الحيوية فعالا ضد الوباء لكن في غياب التشخيص والعلاج يمكن أن يكون مميتا.

مصادر:

LONDON FIRE BRIGADE
HISTORY
BRITANNICA

المزيد: الموت الاسود، كيف تتبع علماء الآثار مخلفاته؟

كيف أسقط “طاعون أثينا” العصر الذهبي اليوناني ؟

كيف أسقط “طاعون أثينا” العصر الذهبي اليوناني ؟

لايوجد ماهو أسوأ من وباء قاتل، إلا وباء قاتل حل في خضم أزمة عصيبة، حيث تكون أوضاع المنطقة مهترئة على جميع الأصعدة.

هذا ما حدث في أثينا عام 430 ق.م، كانت الحرب البيلوبونسية آنذاك في عامها الثاني، مما أودى بحياة حوالي 100000 شخص وأزال القناع عن التصدعات التي تتخلل الحياة والسياسة الآثينية ، لقد كانت كارثة ذات أبعاد ملحمية لم تغير فقط الحرب البيلوبونسية، ولكن التاريخ اليوناني بأكمله.

أعراض الطاعون

توقف المؤرخ تيوسيديديس عن سرد أحداث الحرب وسعى في تقديم وصف دقيق لأعراض الطاعون بالرغم من أنه لم يكن طبيبا، قد وصف حالة الذين بدت عليهم أعراض مشابهة لأعراضه لأنه اصيب أيضا به.

المؤرح تيوسيديدس

ووصف تيوسيديديس كذلك المرضى الذين يعانون من حمى شديدة لدرجة عدم احتمال الرقيق من اللباس، إضافة إلى الظمأ الشديد المتواصل، كما واجه العديد من المصابين أرقا وقلقا مستمرا، وقد توفي العديد من المصابين بعد 7-9 أيام من ظهور الأعراض يتمكن بعض المرضى الذي يمكن اعتبارهم “محظوظين” من تجاوز الفترة الأولى من الإصابة، ولاحظ تيوسيديدس” أن المرض يعاني من “تقرح عنيف” و”إسهال شديد” مما يودي بحياته، أما من تمكنوا من النجاة فقد أصيبوا بتشوهات على مستوى أعضائهم التناسلية وأصابع أقدامهم والتلمى وفقدان الذاكرة، وفي بعض الحالات تقوم الطيور التي اعتادت على تناول لحوم البشر بإماتة نفسها بسبب أكلها اللحم المصاب والمتعفن.

ما هي طبيعة المرض؟

منذ ما يقارب ال2500 عام حاول المؤرخون والأطباء تحديد طبيعة المرض الذي إجتاح أثينا، لم يحدد توسيديدس المرض بدقة لأنه لم يكن طبيبا، بل إكتفى بوصف أعراض المرض وردود فعل الناس ونتائج مسار المرض لقد إجتهد الأطباء بتشخيص المرض والعلاج لكنهم فشلوا إضافة إلى إصابات كبيرة من طرفهم جراء الإحتكاك المباشر بالمرضى.

تم اقتراح العديد من مسببات الطاعون من قبل العلماء المعاصرين بما في ذلك الجدري الطاعون الدبلي التفويد والحصبة والطاعون والجمرة الخبيثة والحمى القرمزية وانفلونزا الطيور، وحتى فيروس الإيبوالا، تم تبرءة كل هذه الأمراض من التسبب بالوباء إما أنها لاتتناسب تماما مع الوصف التاريخي أو أنها ظهرت حديثا كالإيبولا.

نتائجه

تشير التقديرات إلى أن واحد من ثلاثة من سكان آثينا قد أصابه المرض، فقد أدى إلى فقدان جلي وكبير في الموارد البشرية وقسم كبير من قادة المدينة، إلى جانب إنخفاض كبير في معنويات المدنيين الناجين، مما أدى إلى هزيمة واستسلام بعد نهاية الحرب، ولم تستعد أثينا في المستقبل قوتها ومجدها السابقين.

بدأ الناس في إنفاق المال بتهور لإعتقادهم أنهم لن يعيشوا طويلا، بينما أصبح بعض الفقراء أثرياء فجأة بفضل ما ورثوه من أقاربهم، إضافة إلى الفساد الأخلاقي الذي انتشر لإعتقاد الناس أن حياة قصيرة ومحدودة لاتجبرهم على التصرف بشرف والحفاظ على سمعتهم وكان الإنتشار المطلق للمرض سببا في إمتناع بعض الناس الإهتمام بالمرضى الآخرين خوفا من العدوى فقد مات الكثير منهم وحيدون، كما تم العثور على مقبرة جماعية عشوائية خلال 1994-1995 تحتوى على رفات 240 شخصا كما تسبب الطاعون بزعزعة العقيدة وزيادة الشك الديني وبعد أن أصيب الناس دون إعتبار لمدى إيمانهم، شعروا أن الإلهة قد تخلت عنهم، وتم التخلي عن فكرة الخير لأن الناس شعروا أنها لم تعد مهمة، ففي النهاية سيموتون، كان هناك إنهيار في القانون والنظام والديمقراطية، وفي النهاية خسرت أثينا الحرب.

المقبرة التي عثر فيها على رفات الضحايا

يمكنك أيضًا قراءة الطاعون الذي أسقط الإمبراطورية البيزنطية

المصادر

targethealth
atheninsider
theatlantic
greece

الأوبئة والاقتصاد في التاريخ؛ هل يختلف تأثير COVID-19 على الاقتصاد عن غيره؟

إن الأوبئة هي عامل حتمي ومؤثر في سير حلقة الاقتصاد وتطوره، فقد جعلت مظاهر الاقتصاد الكبير من شبكات التجارة المترابطة والمدن الاقتصادية الكبرى من المجتمعات موطنًا كبيرًا للثراء ولكنها أيضًا جعلتها أكثر ضعفًا في مواجهة الأوبئة، فمنذ إمبراطوريات العصور القديمة وحتى مراحل الاقتصاد العالمي الحاضر؛ يُتوقع أن يكون تأثير COVID-19 مختلفًا عما سبقه من الأوبئة والجوائح في العصور السابقة من الناحية الاقتصادية، ومع معرفة القليل من المعلومات عن تلك الفيروسات والبكتريا، فإن عدد الضحايا سيكون على مستوى مختلف عن ضحايا الأوبئة السابقة كوباء الموت الأسود أو الأنفلونزا الإسبانية، ومع ذلك؛ فإن خراب الماضي يقدم لنا بعض الدلالات حول تأثير فيورس COVID-19 على تغيير خريطة الاقتصاد العالمي.

على الرغم من التأثير المروع للأوبئة على البشر؛ إلا أن أثارها الإقتصادية ليس بنفس الدرجة من السوء على المدى الطويل، فقد قضى الموت الأسود على ثلثي سكان أوروبا وترك ندوبًا قاسية في تاريخ القارة البيضاء، ولكن في أعقابه؛ كانت المساحة المزروعة أكثر بكثير من طاقات العمال المتوفرين لزراعتها، فقد أدت قلة العمالة الزراعية نتيجة ارتفاع عدد الضحايا إلى زيادة قوة العمال وقدرتهم على المساومة على الأرض وامتلاكها من مُلاكها مما ساهم في انهيار النظام الاقتصادي الاقطاعي، ويبدو أنها كانت سببًا في أن يصبح اقتصاد أجزاء من شمال غرب أوروبا في مسار واعد ومتقدم، فقد ارتفعت الدخول الحقيقة للعمال الاوروبيين بشكل واضح بعد ذلك الوباء الذي ضرب القارة بين عامي 1347- 1351م ، وفي تلك الأوقات – فترة ما قبل العصر الصناعي –  عادة ما أدت هذه الدخول المرتفعة إلى نمو سكاني أسرع وبالتالي إلى قلة نسبة محدودي الدخل – كما لاحظ توماس مالتوس Thomas Malthus (باحث سكاني واقتصادي سياسي إنجليزي)  –  ولكن لم تكن قاعدة مالتوس هذه قابلة للتطبيق في جميع أنحاء أوروبا كلها، فلم تثبت نظريته صدقها بعد انحسار الوباء.

يناقش كل من نيكو فويقلاندرز Nico Voigtländer ( من جامعة كليفورنيا – لوس أنجلوس) وهانز جواكيم فوث Hans-Joachim Voth ( الآن بجامعة زيورخ) فكرة أن الدخل المرتفع الناتج من سنوات الطاعون أدى إلى زيادة الإنفاق على السلع المصنعة ذاتيًا داخل المدن وبالتالي أدى إلى ارتفاع مستوى التحضر فيها، لقد دفع الطاعون وبشكل فعال أجزاء من أوروبا كانت تعاني التوزان بين الأجور المنخفضة وقلة التحضر إلى مسار أكثر ملائمة لتطور اقتصادي تجاري ثم صناعي بعد ذلك.

وبالمثل؛ فقد حدث ما يشبه ذلك في أعقاب وباء الأنفلونزا الإسبانية التي قتلت ما بين 20- 100 مليون شخص خلل الفترة من 1918- 1920م، إذ لم تعد اقتصاديات الصناعة التي واكبت أوائل القرن الـ20 تلائم ما جاء به مالتوس، ومع ذلك ؛ وحسب ما يراه كل من إليزبيث بيرنرد ( جامعة برانديز ) ومارك سيغلر ( جامعة ولاية كليفورنيا ) أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكثر الدول تضررًا من وباء الأنفلونزا الإسبانية ولكنها نمت بشكل أسرع اقتصاديًا من غيرها عقب تلك الجائحة.

في الولايات المتحدة الأميريكية، وبعد السيطرة والتحكم على مجموعة من العوامل الاقتصادية والديموغرافية وجدوا أن وفاة إضافية واحدة لكل ألف شخص ساهمت في زيادة متوسط النمو السنوي للدخل الحقيقي للفرد على مدى عقد لاحق على الأقل بنسبة 0.15 نقطة مئوية، وعلى الرغم من أن حصيلة COVID-19 من الضحايا من المرجح أن تكون قليلة جدًا لتعزيز هذه الفكرة( زيادة الأجور) إلا أنها قد تجبر الشركات على تبني تقنيات جديدة من أجل العمل في الوقت الذي ستصبح المخازن والمكاتب فارغة دون المساس بدرجات النمو والإنتاجية .

ورغم كل التحليلات التي في ظاهرها إيجابية، لا يستبعد الباحثون الأثر والتأثير الشديد لفيروس COVID-19 على الاقتصاد العالمي إذا لم يتم احتواء الوباء بشكل أسرع ، وإذا تم ذلك؛ يمكن أن لا يستمر تأثيره السلبي على الاقتصاد لفترة طويلة ، ولكن على العكس إذا لم يتم احتواءه بسرعة يمكن أن يكون قويًا بما يكفي لإغلاق بعض الشركات الكبرى مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في نسبة البطالة.

استطاعت المخاوف من انتشار فيروس كورونا في زعزعة الأسواق العالمية

وهنا يجب أن يبرز دور الحكومات وتدخلها للتخفيف من حدة الأزمات التي تسببها الأوبئة، عن طريق تقديم الأموال بشكل مباشر إلى الأسر المتضررة مع تقديم الدعم المناسب للعمال من نسبة الأموال المخصصة للطوارئ في تلك البلاد، مع استعداد نفسي لنسبة من فئة العمالة لخسارة وظائفهم، ومن خلال ما تسببه هذه الأوبئة وبشكل خاص COVID-19 من حالة عزل للدول وخاصة الولايات المتحدة فإن تأثيره على ما يمكن تسميته بالتموج الإقتصادي أمر لا مفر منه.  ومن المؤكد أن عدة قطاعات ستضرر بشكل كبير ومن أولها المتاجر والمطاعم ( التي أغلقت أبوابها تمامًا ) ومعها شكرات الطيران والسياحة بسبب القيود على السفر والتنقل، وهناك بعض الصناعات التي ستتأثر بشكل أقل وخاصة تلك الصناعات البعيدة عن المجال الطبي والذي يقتصر الضرر عليهم في قلة الطلب على صناعتهم؛ وفي ضوء ذلك تضطر البنوك إلى التساهل في سداد القروض لأن جزء من قاعدة عملائها فقد عمله.

يعتبر الكثيرون أن فيروس كوفيد 19 قد يعتبر الصدمة الاقتصادية الأسرع والأعمق في التاريخ ، فقد تأثر الاقتصاد العالمي بشكل سريع خلال ثلاثة أسابيع فقط في ظل الأزمة الحالية، فالأمر قد استغرق فقط 15 يومًا ليهبط سوق الأسهم الأميريكية بنسبة 20% وهو أسرع إنخفاض شهدته تلك السوق على الإطلاق، ويتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الأميريكي بنسبة سنوية تبلغ 6% ،وقد حذر وزير الخزانة الأميريكي من أن معدل البطالة قد يرتفع إلى أعلى من 20% وهو ضعف مستوى النسبة خلال الأزمة الحالية .

للمزيد حول تأثير الكورونا على الاقتصاد العالمي: ما هو تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي ؟

المصادر :

economist

.theguardian

investopedia

Exit mobile version