كيف يفسر علم النفس السلوكيات المتعلّقة بالجوع والطعام؟

من البديهي القول أن الحاجة إلى الطعام هي واحدة من الحاجات الفيزيولوجية الأساسية للحياة. لذلك فإن هذه الحاجة لم تحافظ فقط على الحياة البشرية، بل لعبت دورًا أساسيًا في صقل  سلوكيات الإنسان الحديث عبر التطور لملايين السنين. في القرن العشرين، بدأت محاولات علم النفس في تفسير السلوكيات المتعلقة بالطعام. فما هي أبرز النظريات حول ماهية الجوع؟ وكيف يفسر علم النفس السلوكيات المتعلّقة بالجوع والطعام؟

نظريات النقطة المحددة:

يعتقد غالبية الأشخاص أن الجوع ينتج عن نقص في الطاقة، بحيث أن جسدنا يطلب الطعام للحفاظ على مستوى الطاقة لديه. ويسمّى هذا الاعتقاد ب”Set-point assumption – اعتقاد النقطة المحددة”. وهو يقارن الجسم بالمنظم الحراري (الترموستات) الذي يعطي الحرارة أو التبريد بحيث تصبح حرارة المنزل أقرب إلى النقطة المحددة (Set-point).

وقد طرح العلماء نوعين من نظريات النقطة المحددة هما:

  • نظرية توازن السكري: تعتبر هذه النظرية أن هدف تناول الطعام الأساسي هو الحفاظ على توازن مستوى السكري. وتصف هذه النظرية بشكل رئيسي شعوري الجوع والشبع وتربطهما بمستوى السكر في الدم. إذ تعتبر أننا نشعر بالجوع عند انخفاضه، وننهي وجبتنا عند استعادة مستواه الطبيعي.
  • نظرية توازن مستوى الدهون:  تعتبر أن كل شخص يملك مستوى دهون، وأن أي انحراف عن هذا المستوى يقابله تعديلات في نسب الأطعمة، وتصف هذه النظرية عملية تنظيم وزن الجسم (على الأمد الطويل).

إذًا فإن هاتين النظريتين لا تتعارضان، بل هما تتكاملان في وصف عمليات الجوع والشبع (بدء الوجبة وإنهائها) من جهة، ووصف تنظيم وزن الجسم من جهة أخرى.

نقد نظريات النقطة المحددة:

واجهت نظريات النقطة المحددة العديد من الانتقادات بحيث اعتبرها الكثير من الباحثين غير كافية لتفسير سلوكيات تناول الطعام.

لا تفسّر هذه النظريات اضطرابات الأكل المنتشرة حول العالم، كالسمنة مثلًا. إذ تدل هذه الاضطرابات أن الأشخاص يميلون إلى الأكل بالرغم من وجود مخزون كافٍ من الطاقة (الدهون) في جسدهم.

كذلك فإن هذه النظريات غير قابلة للتطبيق في حالة  أسلافنا، الذين كانوا يمرون بفترات متقطعة من توفر الطعام بكثرة أحيانًا وفترات أخرى من نقص الطعام الحاد. لذلك كانوا بحاجة لتناول أكبر كمية ممكنة من الدهون خلال توفرها لتخزينها لفترات لاحقة.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الباحثون أن نقص مستوى السكر في الدم نادرًا ما يحفز الشعور بالجوع. إذ إن الشخص يحتاج لحقن إبرة الأنسولين (مادة تخفّض مستوى السكر في الدم)، لكي يشعر بالجوع.

كما أن الكثيرين من الباحثين يعتبرون أن هذه النظريات تتجاهل الكثير من العوامل التي تؤثر في سلوكيات الأكل كالتذوق والتعلم والعادات الاجتماعية وغيرها.

نظريات الجوع والطعام الحديثة:

نظرية الحافز الإيحابي للطعام:

على عكس نظريات النقطة المحدّدة، تعتبر نظرية الحافز الإيجابي أن الذي يدفعنا لتناول الطعام ليس هو نقص مخزون الطاقة بل توقع اللذة التي تنتج عن الطعام. وقد أثبتت العديد من الدراسات ثبات هذه النظرية عند البشر وعند الحيوانات. نذكر منها دراسة أُجريت عام 1980 على فئران بحيث تم إضافة وجبات من الشوكولا والخبز على وجباتها الأساسية (الكافية أساسًا). وبيّنت النتائج زيادة بنسبة 84% في كمية السعرات الحرارية، وازداد وزنها بحوالي 48% بعد 120 يوم.

أثبتت الدراسات كذلك أن العديد من العوامل تؤثر في كمية الطعام المتناولة؛ مثل نكهات الأطعمة وتوقيت الوجبات ووجود العائلة أو الأصدقاء خلال الوجبة، وغيرها من العوامل.

نظرية وودز- Woods :

عارض الباحث ستيفن وودز نظرية النقطة المحددة أيضًا، واعتبر أن تناول الطعام يشوش التوازن في الجسد. إذ أن بعد تناول وجبة طعام، تتدفق كمية كبيرة من الدم إلى الجهاز الهضمي، وترتفع نسبة السكر في الدم، كما ترتفع حرارة الجسم.

لذلك اعتبر وودز أنه من الصحي تناول العديد من الوجبات الصغيرة ( 6 إلى 7 مرات في اليوم) بدل تناول 3 وجبات كبيرة.

النظرية التطورية للجوع والطعام:

بحسب النظرية التطورية للطعام، طوّرت الثدييات نظام تغذية لتجنب فقدان مخزون الطاقة، وذلك لأن الثدييات (وأسلافنا من البشر) عاشت في محيط ذي كميات طعام غير ثابتة. لذلك يميل البشر إلى تناول كميات كبيرة من السكريات والدهون والأطعمة المالحة، بهدف تخزين كميات من الطاقة. يمكننا بهذا فهم سبب تفاقم اضطراب السمنة في المجتمعات الحديثة حيث الأطعمة متوفرة بشكل دائم وبكميات كبيرة.

المصادر:

edx

University of British Columbia

إقرأ أيضًا: ما هو الدافع (الحافز) في علم النفس

فوز برنامج الغذاء العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام لعام 2020

فوز برنامج الغذاء العالمي (WFP) بجائزة نوبل للسلام 2020 

«لجهوده في القضاء على الجوع، ومساهمته في تحسين الأوضاع من أجل السلام في مناطق النزاع والدور المُحرّك والفاعل في مكافحة استخدام الجوع كسلاح في الحروب والنزاعات».

يلتزم المجتمع الدولي بالقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية في العالم بحلول عام 2030، لكن لا يزال هناك واحداً من بين كل تسعة أشخاص في العالم لا يملك ما يكفيه من الغذاء. فيأتي الغذاء وما يتعلق به من مساعدات في صميم الجهود الساعية إلى كسر هذه الحلقة من الجوع والفقر.

ما هو برنامج الغذاء العالمي (WFP)؟

برنامج الغذاء العالمي (برنامج الأغذية العالمي) (WFP) هو فرع المساعدات الغذائية للأمم المتحدة وأكبر منظمة إنسانية في العالم تعالج الجوع وتعزز الأمن الغذائي. 

وفقًا لتصريحات المنظمة فهم يوفرون مساعدات غذائية لما يقارب 91.4 مليون شخص في 83 دولة كل عام. من مقرهم الرئيسي في روما وأكثر من 80 مكتبًا محليًا حول العالم، يعمل برنامج الأغذية العالمي لمساعدة الأشخاص الذين لا يستطيعون إنتاج الطعام أو الحصول على ما يكفي منه لأنفسهم وأسرهم. وهم عضو في مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية وجزء من لجنتها التنفيذية. 

مقر برنامج الغذاء العالمي في روما

تاريخ المنظمة

تأسس برنامج الأغذية العالمي عام 1963 بعد مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة FAO (الفاو) عام 1960، عندما اقترح «جورج ماكغفرن-George McGovern» مدير برنامج الغذاء من أجل السلام في الولايات المتحدة -وقتها- إنشاء برنامج مساعدات غذائية متعدد الأطراف. 

تم إنشاء برنامج الأغذية العالمي رسميًا عام 1963 من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة على أساس تجريبي لمدة ثلاث سنوات ثم تم تمديد البرنامج بشكل دائم عام 1965.

ما سبب فوز برنامج الغذاء العالمي بالجائزة؟

عام 2015 تم اعتماد القضاء على الجوع كأحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لكن عام 2019  عانى 135 مليون شخص من الجوع الحاد وهو أعلى رقم شهده العالم منذ عقود وجاءت معظم الزيادة بسبب الحرب والنزاع المسلح،  فقدم برنامج الأغذية العالمي المساعدة لما يقرب من 100 مليون شخص في 88 دولة.

 كما ساهمت جائحة الفيروس التاجي (كورونا) في زيادة عدد ضحايا الجوع في العالم في بلدان مثل: اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وجنوب السودان وبوركينا فاسو، أدى الصراع العنيف والوباء إلى ارتفاع كبير في عدد الأشخاص الذين أصبحوا اليوم يعيشون على شفا المجاعة، وفي مواجهة هذا الوباء أظهر برنامج الأغذية العالمي قدرة رائعة على تكثيف جهوده كما صرحت المنظمة نفسها:

 «حتى يوم اكتشاف لقاح طبي، الغذاء هو أفضل لقاح ضد الفوضى».

جهود المنظمة

يوميًا؛ يقوم البرنامج بأرسال 5600 شاحنة، و20 سفينة، و92 طائرة لإيصال الأغذية وغيرها من المساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها. ويقوم سنويًا بتوزيع ما يقرب من 15 مليار حصة غذائية بتكلفة تقديرية تصل إلى 0.31 دولاراً أمريكياً للحصة الواحدة. وتعكس هذه الأرقام دور البرنامج الحيوي في الاستجابة لحالات الطوارئ، فهو قادر على إنجاز المهمة بسرعة كبيرة حتى في أصعب البيئات.

وقد كان برنامج الأغذية العالمي مشاركًا نشطًا في العملية الدبلوماسية التي بلغت ذروتها في مايو 2018 بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 2417  والذي تناول لأول مرة بشكل صريح الصلة بين الصراع المسلح والجوع. كما شدد مجلس الأمن على التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالمساعدة في ضمان وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين، وأدان استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.

مؤتمر الإعلان عن فوز برنامج الغذاء العالمي بالجائزة

اليوم في معهد نوبل في أوسلو صرحت رئيسة لجنة نوبل النرويجية  «بيريت ريس أندرسن-Berit Reiss-Andersen» أن الحائز على جائزة عام 2020  هو برنامج الأغذية العالمي لأنها أرادت 

«تحويل أنظار العالم إلى ملايين الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يوشكون أن يواجهوا هذا الخطر … وأن الجوع يستخدم كسلاح حرب ونزاع».

سيعاني الأطفال في اليمن من الجوع والفقر لمدة 20 عامًا بسبب الحرب

وقالت أندرسون:

«إن الجائزة هي دعوة للمجتمع الدولي لتمويل وكالة الأمم المتحدة بشكل كاف لضمان عدم تجويع البشر. وقالت إن برنامج الأغذية العالمي كان من الممكن أن يحصل على الجائزة من دون تفشي جائحة فيروس كورونا. لكن الفيروس عزز أسباب إعطائه لبرنامج الأغذية العالمي، بما في ذلك الحاجة إلى التعاون الدولي في وقت الأزمة العالمية».

من كان المرشحين هذا العام؟

وصُرح سابقًا بأن هناك 318 مرشحًا قيد الدراسة هذا العام، منهم 211 فردًا و 107 منظمة، ومن بين الشخصيات الأخرى التي تم اعتبارها: الناشطة السويدية في مجال المناخ «جريتا شونبرغ-Greta Thunberg» البالغة من العمر 17 عامًا، والمنشق الروسي وزعيم المعارضة «أليكسي نافالني-Alexei Navalny» الذي تعافى من هجوم بغاز الأعصاب ألقى باللوم فيه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومنظمة الصحة العالمية لدورها في التصدي لوباء فيروس كورونا.

دونالد ترامب مرشح لنوبل للسلام!

على صعيد أخر صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  إنه كان يجب أن يفوز بجائزة السلام العام الماضي؛ والتي منحت لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بعد أن أبرم اتفاق سلام مع إريتريا، وقال البيت الأبيض إن ترامب رشح لجائزة 2021 عن الوساطة التي أجراها لتطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل.

قيمة الجائزة

مُنحت مائة جائزة نوبل للسلام منذ عام 1901 حتى الآن لأفراد و24 جائزة لمنظمات، بينما يتم الإعلان عن الفائزين بجميع جوائز  نوبل في ستوكهولم، تُمنح جائزة السلام في العاصمة النرويجية أوسلو.

إلى جانب المكانة الأدبية الهائلة للجائزة، تبلغ القيمة المادية للجائزة 10 ملايين كرونة أي أكثر من مليون دولار أمريكي وميدالية ذهبية يتم تسليمها في حفل يقام سنويًا في اوسلو في 10 ديسمبر ذكرى وفاة مؤسس الجائزة ألفريد نوبل، لكن سيتم إلغاء حفل هذا العام بسبب الوباء العالمي.

وفي النهاية اختتم بيان نوبل بقول:

«إن عمل برنامج الأغذية العالمي لصالح البشرية هو مسعى ينبغي لجميع دول العالم أن تؤيده وتدعمه».

Exit mobile version