ما هو السديم؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

ما هو السديم؟

السديم هو سحابة ضخمة من الغبار والغاز تحتل الفراغ بين النجوم وتعمل كمهد لميلاد النجوم الجديدة. نشأت جذور كلمة سديم من الكلمة اللاتينية (nebula)، والتي تعني ضباب وبخار ودخان. تتكون السدم من الغبار والعناصر الأساسية مثل الهيدروجين والغازات المتأينة الأخرى. تتشكل إما من خلال سحب من الغاز والغبار البينجمي (interstellar) البارد أو من خلال تداعيات المستعر الأعظم (supernova). على سبيل المثال، في سديم كارينا، تتآكل النجوم الشابة الساخنة وتُنحت الغيوم في هذا المشهد الخيالي عن طريق إرسال رياح نجمية كثيفة وإشعاع فوق بنفسجي حار. حيث يتم تمزيق المناطق منخفضة الكثافة في السديم بينما تقاوم الأجزاء الأكثر كثافة التعرية وتبقى كأعمدة سميكة.

من هو مكتشف السدم؟

كما هو الحال مع معظم الأشياء في السماء، يمكن للكثير من الناس المطالبة بلقب مكتشف السدم. قد يكون أول ذكر لها في عام 964 م من قبل عالم الفلك الفارسي “عبد الرحمن الصوفي”، الذي كتب عن مجرة المرأة المسلسلة، عندما استطاع ملاحظة وجود سحابة صغيرة مميزة في الفضاء. كما لاحظ علماء الفلك العرب والصينيون الأوائل نشوء سديم السرطان نتيجة انفجار مستعر أعظم عام 1054م. ولكن لم يتم ملاحظة السدم بشكل كبير حتى حلول القرن السابع عشر الذي صاحبه تقدم هائل في علم البصريات. وفي عام 1610م، اكتشف “نيكولاس كلود فابري دي بيريس” سديم الجبار، والذي تمت ملاحظته مرة أخرى بعد ذلك في عام 1618م من قبل “يوهان بابتيست سيسات”. وعلى الرغم من ذلك، فقد حصلنا على الملاحظات التفصيلية الأولى للسدم من قبل العالم الشهير “كريستيان هويجنز” في عام 1659.

بعد حوالي 50 عامًا، كتب “إدموند هالي” عن ستة سدم مختلفة. وبعد ذلك توافدت الأسماء الشهيرة على السدم على مر السنين. وقد ساعد “إدوين هابل” في تصنيفهم بناءً على أطياف الضوء التي تنتجها، واكتشف أيضًا أن جميعها تقريبًا مرتبطة بالنجوم وتضيء بضوء النجوم.

طريقة تكون النجوم في السدم:

تتكون السدم من الغبار والغازات، معظمها من الهيدروجين والهيليوم. وينتشر الغبار والغازات في السدم بشكل كبير، ولكن الجاذبية يمكن أن تبدأ ببطء في تجميع كتل الغبار والغاز معًا. كلما كبرت هذه الكتل، أصبحت جاذبيتها أقوى وأقوى. في نهاية المطاف، تصبح كتلة الغبار والغاز كبيرة جدًا بحيث تنهار بفعل جاذبيتها. يؤدي الانهيار إلى تسخين المادة الموجودة في مركز السحابة، وهذا اللب الساخن هو بداية تكون النجم.

أنواع السدم:

السديم الكوكبي (planetary nebula)

 وهو من فئة السدم اللامعة التي تقوم بتوسيع طبقات من الغازات المضيئة التي تطردها النجوم المحتضرة. عند رصدها عن طريق التلسكوب، نرى أنها تتمتع بمظهر مدمج دائري نسبيًا بدلاً من الأشكال الفوضوية غير المنتظمة للسدم الأخرى ومن هنا جاء اسمها بسبب تشابهها مع أقراص الكواكب عند رؤيتها بالأدوات الخاصة في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تم اكتشاف السدم الكوكبية الأولى.

سديم هيليكس (Helix Nebula) من فئة السديم الكوكبي

السديم الانبعاثي (emission nebula)

في علم الفلك، يرتبط الضوء الساطع المنتشر أحيانًا بالنجوم التي تتجاوز درجة حرارتها 20000 كلفن. كانت عملية الإثارة اللازمة لتوفير الطاقة الضوئية وطاقة الراديو المرصودة في مثل هذه المناطق الغازية لغزًا فلكيًا لفترة طويلة. وقد وُجد أن الضوء فوق البنفسجي من النجم يؤين الهيدروجين القريب. من ثم تبعث ذرات الهيدروجين الضوء المرئي بعد إعادة اتحاد الإلكترونات والنوى وتنخفض الذرات إلى مستويات طاقة أقل.

جزء من سديم الوردة (Rosette Nebula) من فئة السديم الانبعاثي

سديم الانعكاس (reflection nebula)

هو عبارة عن سحابة بينجمية تكون عادةً سديمًا مظلمًا (أو سحابة جزيئية) ولكن غبارها يعكس الضوء القادم من نجم لامع قريب ليس ساخنًا بدرجة كافية لتأيين الهيدروجين الموجود في السحابة.

السديم المظلم (dark nebula)

هو عبارة عن سحابة من الغبار تحجب الضوء عن الأشياء الموجودة خلفها. إنها تشبه إلى حد كبير السدم الانعكاسية في التركيب ولكنها تبدو مختلفة في المقام الأول بسبب موضع مصدر الضوء. عادة ما تُرى السدم المظلمة جنبًا إلى جنب مع السدم الانبعاثية والانعكاسية. ومن المحتمل أن يكون سديم رأس الحصان في الجبار أشهر مثال على السديم المظلم. وهو عبارة عن منطقة مظلمة من الغبار على شكل رأس حصان تحجب الضوء من سديم انبعاثي أكبر بكثير خلفها.

سديم رأس الحصان (Horsehead Nebula) من فئة السديم المظلم

بقايا المستعر الأعظم (supernova remnant)

هي سحب من الغاز تتوسع بسرعة مئات أو حتى آلاف الكيلومترات في الثانية نشأت من انفجارات حديثة نسبيًا للنجوم الضخمة. إذا كانت بقايا المستعر الأعظم أصغر من بضعة آلاف من السنين، فقد يُفترض أن الغاز في السدم قد قذف في الغالب من النجم المتفجر. خلاف ذلك، سيتكون السديم أساسًا من غاز بين نجمي جرفته البقايا المتوسعة للأجسام القديمة.

بقايا مستعر أعظم

هل يمكن رؤية السدم بالعين المجردة؟

بعض السدم ساطعة بما يكفي لتراها بالعين المجردة. وسديم الجبار هو أحد تلك السدم المميزة، ويقع بين النجوم في السيف الخاص بشكل الجبار في كوكبة الجبار. ويمكن رؤية العديد من السدم من خلال التلسكوبات، اعتمادًا على عدد النجوم المحيطة بها والتي تلقي الضوء على غيوم الغبار التي تشكل السدم. ومع ذلك، غالبًا ما يكون من الصعب التفريق بين العناقيد النجمية والمجرات والسدم بسبب تركيبتها المتشابهة.

المصادر:

التاريخ الكبير: لماذا يهتم العلماء بدراسة النجوم؟

لم تتوقف السماء عن سحرنا يومًا، حتى أننا نجد القمر، والنجوم مذكورين في كثير من أغانينا، فالسماء بنجومها كانت وما زالت مصدر إلهام لنا نحن البشر، لكن ما هي النجوم وكيف تتكون؟ ولماذا يهتم العلماء بدراسة النجوم؟

أكثر النجوم في كوننا هي نجوم صغيرة ذات كتلة قليلة، بحجم شمسنا أو أصغر، وهي أبرد بكثير من يا النجوم، لذا فلونها أحمر وتُدعى بال «أقزام حمراء-Red dwarfs»، ولكنها ليست مشوقة للحد الكافي، فنحن نتحدث هنا عن النجوم العملاقة، التي هي أكبر من شمسنا على الأقل ب 8 مرات، وقد تسطع أكثر بمليون مرة من سطوع الشمس!

تعيش هذه النجوم حياة مغايرة تمامًا لحياة شمسنا، ففي نهاية حياتها تنفجر في إنفجار خلاب مهيب يدعى بال«سوبرنوفا-Supernova»، تاركة خلفها لوحة جميلة من أجمل وأبهى الألوان، مثل التي نراها في السدم التي يعج كوننا بها، كما لعبت هذه النجوم دورًا حيويًا في تشكيل كوننا بشكله الحالي، فبعد الانفجار العظيم بفترة وجيزة، لم يكن هناك أي مصدر للضوء، كان الظلام والصمت يخيمان على كوننا بأسره، فيما يعرف باسم «العصور الكونية المظلمة-Cosmic dark ages»، ولكن بعد حوالي 100 مليون سنة، تكونت هذه النجوم العملاقة، التي عاشت حياة قصيرة، ثم انفجرت في حدث السوبرنوفا العظيم، وتوالت الأجيال النجمية، جيلًا بعد جيل بمرور الزمن، وأثناء فترة حياة تلك النجوم كان إشعاعها ورياحها النجمي يزيدان من حرارة الغازات من حولهم، مؤديين إلى حدوث عملية «التأين-Ionization»، محدثة ثقوبًا وفقاعات في تلك الغازات من حولها، وعلى مدار الوقت، تقوم تلك النجوم بتغيير شكل المجرات التي تحتويهم، مؤدية إلى شكل كوننا الحالي الذي نعيش فيه.

لماذا يهتم العلماء بدراسة النجوم من الأساس؟

أحد أكثر الأشياء إثارة للدهشة في كوننا هو التنوع الكبير للعناصر، تلك العناصر التي نحن وكل ما حولنا مصنوعون منها، ومن أمثلة هذه العناصر هو عنصر الأوكسجين الذي نتنفسه، وأيضًا عنصر الكربون، الذي هو حجر الأساس لجميع المركبات العضوية، ويلعب دورًا محوريًا في تكوين أنسجتنا وعضلاتنا، كذلك عنصر الكالسيوم، الموجود في أسناننا وعظامنا، وكذلك عنصر الحديد الذي يجري في دمنا.

على الرغم من ذلك التنوع، فالعناصر التي كانت موجودة بعد الانفجار العظيم هي الهيدروجين، والهيليوم، وقليل من الليثيوم، إذا من أين أتت كل تلك العناصر؟

يعتقد المجتمع العلمي أن الفضل في ذلك يرجع إلى النجوم، ولكن كيف ذلك؟

كيف تُشكّل النجوم العناصر؟

يبدأ الأمر بقوة الجاذبية، حيث تضغط الجاذبية الغازات سويًا، مؤدية إلى زيادة حرارتها، حتى تصل درجة الحرارة في المركز إلى ما يزيد عن المليون درجة، هذه الدرجة عالية بما يكفي للسماح بعملية الاندماج النووي، حيث تندمج ذرتان من ذرات الهيدروجين لتكوين ذرة من الهيليوم، ولكن هذا في النجوم التي هي بحجم شمسنا أو أكبر قليلًا، حيث أن النجوم العملاقة لا تتوقف عند هذا الحد، وإنما تستمر بدمج ذرات الهيليوم لتكوين الكربون والأوكسجين.

إذا كان النجم كبيرًا كفاية، فإنه سيستمر في دمج العناصر وصولًا إلى عنصر الحديد، ومن ثم تنفجر تلك النجوم العملاقة، في مشهد مهيب، مطلقة ما بجعبتها من مادة إلى الفضاء الشاسع، مضيفة عناصر جديدة إلى جدولنا الدوري.

يبدو غريبًا أليس كذلك؟ فالأوكسجين الذي تتنفسه بينما تقرأ هذا المقال الآن مصنوع في نواة أحد النجوم كتلك التي تراها في سماء الليل، أضف إلى ذلك أنك أنت نفسك تتكون من ذرات صنعت في نواة أحد النجوم أيضًا!

إنه لشيء مبهر بحق، ولا يسعنا إلا أن نقول أكثر من قول عالم الفيزياء الفلكية الشهير «كارل ساجان-Carl Sagan»: “أنت مصنوع من غبار النجوم”.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

فراشة جديدة في الفضاء، يرصدها سبيتزر

فراشة جديدة في الفضاء، يرصدها سبيتزر

بالنظر في السماء البعيدة، تجد الكثير من التراكيب الكونية الجميلة، منها العنيفة والمتلألئة والمضيئة والجميلة. وكثيرًا ما ترصد تلسكوباتنا تراكيب ذات أشكال مألوفة. فها هو تلسكوب سبيتزر يطري علينا بصورة جديدة لسديم نجمي لفراشة كبيرة حمراء اللون. ولا يقتصر الأمر على هذا فقط، بل وتعد هذه الفراشة حاضنة نجمية ضخمة.

تلك الفراشة الحمراء المحلقة في الفضاء، هي في الواقع حاضنة لمئات النجوم الوليدة. هذا ما كشفته صورة الأشعة تحت الحمراء التي التقطها تلسكوب سبيتزر الفضائيّ التابع لوكالة ناسا. هذه الفراشة ليست سديم الفراشة المشهور NGC-6302، بل هي سديم نجميّ أخر يسمّى «Westerhout 40 (W40»، وهي سحابة ضخمة من الغبار والغاز في الفضاء، والتي تعد بيئة مثالية لنشأة النجوم. وتعد منطقة “الجناحين” عبارة عن فقاعات وكرات من الغاز الساخن، والغبار ما بين النجميّ الذي يهب من النجوم العملاقة الضخمة وشديدة السخونة في تلك المنطقة.

بجانب كونها جميلة، فإن الفراشة W40 تظهر لنا كيف أن عملية نشأة النجوم قد تؤدي إلى تدمير وتشتيت السحب الجزيئية العملاقة التي نشأت منها. لنشرح ما يحدث بشكل بسيط. في البداية داخل السحب الجزيئية العملاقة، تقوم الجاذبية بتجميع الغبار والغاز في كتل كثيفة، وما أن تصل كثافتها إلى نقطة حرجة، يتكوّن النجم الأوليّ الوليد. عندما يبدأ النجم الوليد سلسلة تفاعلاته الانصهارية النووية في باطنه، فإنه يطلق رياح نجمية قوية تُزيح المواد والغازات من حوله. وبجانب ذلك أيضًا، هناك الرياح المتولدة من النجوم العملاقة، والرياح الناتجة من انفجار بعض النجوم في الجوار، كل هذه الأنواع من النشاطات قد تكوّن ما يشبه الفقاعات مثل فقاعات فراشة W40. لكن هذه النشاطات قد تؤدي إلى تكسير الكتل الكثيفة التي تخلقها الجاذبية، وتشتيت الغازات المتجمعة مع بعضها، مما يؤدي لتعطيل عمليات ولادة نجوم جديدة.

إن المواد المكوّنة لجناحي فراشة W40، هي عبارة عن كتل الغاز الكثيفة والمقذوفة من المجموعة النجمية الضخمة والساخنة الموجودة في المركز، أو منطقة ما بين الجناحين. من أحد نجوم هذه المجموعة النجمية الضخمة هو النجم W40 IRS 1A، وهو نجم من النوع O-type يقع بالقرب من مركز المجموعة النجمية. تبعد الفراشة W40 عن الشمس حاولي 1400 سنة ضوئية، وهي تقريبًا نفس المسافة التي يبعدها عنا السديم الشهير سديم الجبار «Orion Nebula». ويعد السديمين هما أقرب المناطق المكتشفة، والتي تتشكل فيها النجوم الضخمة العملاقة، والتي تصل كتلتها لعشر مرات كتلة الشمس.

مجموعة نجمية أخرى تسمى «Serpens South» يمكن رؤيتها أعلى يمين فراشة W40 في تلك الصورة. وعلى الرغم من أن كلًّا من المجموعة النجمية القريبة من المركز والمجموعة النجمية «Serpens South» هما في الواقع صغيران عمريًا، حيث تصل أعمارهما إلى أقل من بضعة ملايين من السنين، إلا أن المجموعة «Serpens South» هي أصغر عمرًا. حيث ما تزال نجومها الصغيرة داخل سحبها الخاصة التي نشأت منها. لكنها في يوم ما ستكوّن فقاقيعها الخاصة. التقط سبيتزر أيضًا صورة مفصلة للمجموعة النجمية «Serpens South».

الصورة التي التقطها تلسكوب سبيتزر الفضائي للمجموعة النجمية «Serpens South».

تتكون صورة سبيتزر من أربع صور تم التقاطها بكاميرا الأشعة تحت الحمراء «IRAC» الموجودة في التلسكوب أثناء مهمته الرئيسية. وذلك بعدة أطوال موجية من نطاق الأشعة تحت الحمراء: 3.6 ، 4.5 ، 5.8 و8.0 مايكرومتر، وهي تمثل الألوان الأزرق والأخضر والبرتقالي والأحمر في الصورة. إن الجزيئات العضوية المسمّاة الهيدروكربونات العطرية (الأرينات) يتم تنشيطها بواسطة الاشعاعات ما بين النجمية، لتصبح متوهجة عند الأطوال الموجية القريبة من 8.0 مايكرومتر، مما يعطي السديم اللون المحمر. النجوم المشعة في الاطوال الموجية القصيرة تظهر باللون الأزرق. بعض النجوم الصغيرة والتي لاتزال محاطة بأقراص من الغبار، تظهر متوهجة في الصورة باللون الأصفر.

 

 

المصادر:

Exit mobile version