استكشاف مملكة مؤاب في قلب الأردن

مملكة مؤاب، واحدة من أهم الممالك  في منطقة الشرق الأوسط خلال العصور القديمة، وقد تأسست في منطقة الأردن الحالية. كانت مملكة مؤاب تقع على مسارات التجارة الرئيسية في المنطقة. مما جعلها مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا حيويًا.دعونا نستكشف سوياً غنى تراثها وتاريخها عبر العصور.

جغرافية ونشأة المملكة

مملكة موآب، هي مملكة قديمة كانت تقع في الأراضي التي تعرف اليوم باسم الأردن، في منطقة جبلية تمتد بمحاذاة الضفة الشرقية للبحر الميت من مدينة الكرك شمالًا حتى مدينة الشوبك، وكان يحدها من الشمال وادي حسبان الذي كان يفصل بينها وبين دولة عمون، بينما كان يحدها وادي الموجب من ناحية الجنوب، حيث كان يفصل بينها وبين دولة أدوم، أما من ناحية الشرق فكانت تحدها بادية الشام، وكانت ديبون أو ذيبان هي عاصمة الدولة المؤابية.

تأسست المملكة المؤابية في القرن الثالث عشر قبل الميلاد واستمرت حوالي 9 قرون قبل أن تسقط في القرن الرابع قبل الميلاد. كما إن حدود الدولة المؤابية لم تكن مرسومة بدقة، حيث كان الاعتماد الأساسي على رسم الحدود قائم على الفواصل الطبيعية، لهذا كانت تبعية الأراضي في كثير من الأحيان تتداخل معًا.

إلى جانب أن الدولة المؤابية تعرضت للعديد من التغيرات على مر تاريخها بسبب الحروب التي دخلت فيها، ومرورها بفترات من القوة والضعف، وتوسعها حينًا على حساب الأراضي المجاورة. وخسرانها لجزء من أراضيها حينًا أخرى، وبحسب ما تقول التوراة فإن مملكة مؤاب كانت مشتركة في الحدود مع البحر الميت من الغرب، ومدينة عمون والصحراء العربية من الشرق، ومملكة إدوم من الجنوب، لكن هناك اختلاف بين العلماء فيما يتعلق بالحدود.

اللغة المؤابية

كانت اللغة المؤابية لغة كنعانية منقرضة لها علاقة وثيقة باللغة العبرية التوراتية والعمونية والأدومية، وكانت تستخدم في هذا الوقت في مؤاب (المنطقة التي تشمل وسط الأردن وغربه الآن)، في النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد، وكتبت اللغة بالأبجدية الفينيقية، وهذا بحسب ما يشير إليه نقش ميشع الذي يعد النص الوحيد المعروف لهذه اللغة والذي سنتحدث عنه بشكل مفصل في نهاية المقال.

أشهر الملوك وأعمالهم

تمتاز مملكة مؤاب بتاريخها العريق وبملوكها الذين تركوا بصماتهم في تاريخ المنطقة. يعتبر الملك مؤاب بن عدي واحدًا من أبرز هؤلاء الملوك، حيث كان له دور بارز في توسيع نفوذ المملكة وتعزيز هويتها الوطنية. فقد كان يتمتع بشخصية قيادية قوية ورؤية استراتيجية، حيث نجح في توسيع حدود مملكته.

شرع الملك ميشع ببناء حصون إضافية تضمن حماية مملكته من أي اعتداء خارجي جديد مثل (حصن بعل يمون، حصن كرجتان، حصن بيت بموت، حصن برز، حصن مادبا، وحصن بيت دبلتان)، ثم أعاد بناء جميع المدن والقرى التي هدمتها الحرب، ومن أهم هذه المدن مدينة ذيبان التي اتخذها عاصمة له، وبنى بها ضاحية جديدة سماها قرحي، ضمت قصره الجديد، بالإضافة لمعبد ضخم للإله كموش. عدا عن المؤسسات الادارية، وبيوت الوزراء والقادة.

الحياة الدينية في المملكة

اعتمد  المؤابيون كثيراً على آلهتهم في الحروب، حيث شنّوا الحروب باسمها، واستنصروها في حالات الضعف أو قبيل المعارك الهامة. إلا أن ذلك لم يكن يمنعهم من احترام الديانات والآلهة المختلفة التي تعبدها الشعوب المجاورة. كما توافرت قواسم مشتركة عديدة بين الديانة المؤابية وديانات جيرانهم، وبالأخص ديانات أشقائهم في الممالك الأردنية المجاورة (مملكة أدوم ، مملكة عمون ).

كما أن أحد أهم مميزات الديانة الأردنية المؤابية هو عدم تعدد الآلهة وكثرتها مثل الشعوب المجاورة في تلك الحقبة الزمنية. حيث اكتفوا  المؤابيون بالإله كموش وزوجته الإلهة عشتر- كموش. وقد امتاز الإله كموش وزوجته عشتر- كموش بهالة من القدسية. حيث سمي الأشخاص والمدن تيمناً بهم، وأنشئت لهم معابد ضخمة، وقدّمت لهم الأضاحي والقرابين.

تمثال للإله كموش

علاقاتها مع الممالك المجاورة

مملكة مؤاب كانت تتمتع بعلاقات معقدة مع الممالك الأخرى في المنطقة خلال العصور القديمة. إذ كان لها علاقات دبلوماسية وتجارية مع الممالك المجاورة مثل مملكة مملكة يهوذا ( مملكة اسرائيل القديمة). وكانتا جارتين في العصور القديمة وتتشاركان الحدود والتأثيرات الثقافية والسياسية. وتتصارعان أحيانًا للسيطرة على المناطق الحدودية. ومع ذلك، كانت العلاقات بينهما تتغير مع تقلبات السياسة والتحالفات في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، كانت مملكة مؤاب تتفاعل مع الإمبراطوريات العظمى. مثل الآشورية والبابلية.و كانت تقوم بتبادل  الهدايا الرسمية مع الممالك الأخرى كجزء من علاقاتها الدبلوماسية بين المملكتين.

الحالة الاقتصادية في المملكة

اقتصاد مملكة مؤاب كان متنوعاً ونشطاً. كانت المملكة موقعاً هاماً للتجارة بين الشرق والغرب، مما جعلها مركزاً تجارياً مزدهراً. كما كان لديها موارد طبيعية غنية مثل الزراعة وتربية الماشية، بالإضافة إلى الصناعات اليدوية مثل النسيج والفخار والمعادن. استفادت المملكة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي على طرق التجارة الرئيسية في المنطقة، مما سهل تبادل البضائع والثقافة مع الشعوب الأخرى.

الفنون والعمارة

في فترة مملكة مؤاب، شهدت الفنون والعمارة تطوراً ملحوظاً. كانت المملكة تضم مجموعة من المعابد والمباني الدينية الرائعة، مثل المعبد الذي عُرف باسم “الدير” في مدينة العاصمة الحالية عمان. كما كانت هناك تحف فنية مهمة مثل التماثيل البرونزية والنقوش الحجرية التي تعكس الحضارة والفنون في تلك الفترة. تُعتبر النقوش الصخرية في مواقع مثل مدينة بقيعة وتل العيس شاهدًا مهمًا على الفنون والحياة اليومية في مملكة مؤاب.

أهم الاكتشافات الاثرية في المملكة

مملكة مؤاب في الأردن تمتلك تاريخاً غنياً بالاكتشافات الأثرية المهمة. ومنها:

قلعة الكرك

كانت قلعة الكرك من أهم مدن مملكة مؤاب سواء قبل أو بعد حكم الملك ميشع المؤابي، وكان اسمها كير مؤاب وبقي حتى الاحتلال الصليبي لبلاد الشام (1096 – 1291). خلال هذه الفترة غير الصليبيين اسم كير مؤاب إلى قلعة المؤابيين وهو الاسم الحالي للمدينة. يعود تاريخ إنشاء أساسات قلعة الكرك إلى عصر المؤابيين نحو عام 860 ق م. وقد استخدمها الأنباط بدليل وجود تماثيل نبطية منقوشة في الأسس الأولى بالقلعة. وظلت في العصر الروماني ومن ثمَّ البيزنطي درعًا واقيًا للأردن، حيث أشارت إليها خريطة مادبا الفسيفسائية بين مجموعة قلاع هذه المنطقة.

قلعة الكرك من الداخل

مسلة ميشع

ازدهر تاريخ هذه الدولة في عهد الملك المؤابي «ميشع» (855 -810ق.م). الذي تعود إليه مسلة ميشع التي عثر عليها في ذيبان، والموجودة اليوم في متحف اللوڤر في باريس. وتُعدّ هذه المسلة من أشهر المسلات والنقوش التي عثر عليها في الأردن، وتعود أهميتها إلى الانتصارات التي حققها الملك المؤابي ميشع على اليهود الذين كانوا يطمعون في الاستيلاء على أرض مؤاب. يعود تاريخ هذه المسلة إلى عام 842ق.م، وقد عثر عليها في منطقة ذيبان، وتعدّ هذه المسلة المحطمة إلى أجزاء من أهم الوثائق المتعلقة بتاريخ مؤاب.

بالإضافة إلى معبد ديني يعود لعصر الحديد، وقد عُثر عليه في العاصمة الحالية للمملكة الأردنية عمان. كما تشمل الاكتشافات الأخرى مقابر وآثار تعود لفترات مختلفة من التاريخ المؤابي، مثل مدينة تل العيس ومدينة بقيعة، التي تعود إلى العصور البرونزية والحديدية.

مسلة ميشع الموجود في متحف اللوفر _ باريس

سقوط المملكة

وبحلول عام 591 قبل الميلاد. قام المؤابيون بعقد تحالف مع مصر ضد بابل، فقام نبوخذ نصر بشن حملة على هذا الحلف سنة 589 قبل الميلاد. واستطاع احتلال الطرق التي تؤدي لمصر. ونجح في السيطرة على عدة مدن ثم وصل إلى مؤاب وعمون وأسر العديد من شعبها معه إلى بابل، بينما فر الكثير منهم لمصر، وكان هذا في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، حيث انهارت مؤاب تمامًا ولم يعد يذكر اسمها تقريبًا، وأصبحت الأراضي التي كانت تتبعها ضمن مملكة الانباط.

1. Britannica.com
2. Historyfile.com
3. Britannica.com
4. Researcher
5. Researcher

إعادة ترميم وجه شانيدار زد امرأة النياندرتال القديمة من كهوف العراق

في اكتشاف رائد، أعاد فريق من علماء الآثار في المملكة المتحدة بناء وجه امرأة نياندرتال عمرها 75 ألف عام، مما يتحدى التصور السائد منذ فترة طويلة عن إنسان نياندرتال باعتباره وحشيًا وغير متطور. وتم العثور على جمجمة المرأة، التي حملت اسم Shanidar Z، في عام 2018 في كهف Shanidar في كردستان العراق، حيث تم اكتشاف ما لا يقل عن 10 من النياندرتال سابقًا في الستينيات. وقد دفع هذا الاكتشاف الأخير الخبراء إلى إعادة النظر في لغز إنسان النياندرتال، الذي انقرض في ظروف غامضة منذ حوالي 40 ألف سنة، أي بعد بضعة آلاف من السنين فقط من ظهور البشر العاقل.

أمضى فريق من جامعتي كامبريدج وليفربول جون موريس عقودا في كشف أسرار كهف شانيدار، حيث عثروا على بقايا العديد من النياندرتال، بما في ذلك شانيدار زد، التي دُفنت في وضعية النوم تحت علامة حجرية عمودية ضخمة. وكشف هذا الاكتشاف عن جانب أكثر تعقيدًا وتطورًا لدى إنسان النياندرتال، لوجود أدلة على الطقوس الجنائزية ورعاية المعاقين. بينما نتعمق في قصة Shanidar Z، نستكشف التاريخ المنسي لإنسان النياندرتال، ورحلة الاكتشاف العلمية، والاكتشافات المفاجئة عن أسلافنا القدماء، فهيا بنا.

الإنسان البدائي المنسي: فصل الحقيقة عن الخيال

لقرون عديدة، أُسيء فهم قضية إنسان النياندرتال، وتم تهميشه، وتصويره على أنه وحشي وغير متحضر. تعود جذور هذا المفهوم الخاطئ إلى أوائل القرن التاسع عشر عندما تم اكتشاف أول حفريات إنسان نياندرتال في وادي نياندر بألمانيا. تم إعادة بناء الاكتشافات الأولية، بما في ذلك الحفريات من وادي نياندر، من وضع متهالك، مما أدى إلى مظهر يشبه الغوريلا. وهو ما عزز تصور الجمهور عن إنسان نياندرتال على أنه غير متحضر وغير ذكي.

في أوائل القرن العشرين، أدى اكتشاف حفريات إنسان نياندرتال في أوروبا، وخاصة في فرنسا وإسبانيا، إلى موجة من التغطية الإعلامية المثيرة، التي صورت إنسان نياندرتال على أنه متوحش وفظ. لقد تم ترسيخ صورة إنسان نياندرتال المزمجر الذي يحمل الهراوة في الثقافة الشعبية، مما أدى إلى سردية كاذبة ستستمر لعقود من الزمن.

يمكن إرجاع جذور هذا المفهوم الخاطئ أيضًا إلى إعادة البناء الأولية لحفريات إنسان نياندرتال في أوائل القرن العشرين. حيث أعاد عالم الحفريات الفرنسي مارسيلين بول بناء هيكل عظمي لإنسان النياندرتال بعمود فقري شديد الانحناء، مما أدى إلى ظهور الصورة النمطية “لرجل الكهف”. أدى هذا التحريف المبكر إلى تحديد طريقة تصور الجمهور للنياندرتال، مما أثر على الفن والأدب وحتى وسائل الإعلام الشعبية.

في الواقع، كان إنسان النياندرتال قابلاً للتكيف بدرجة كبيرة، وواسع الحيلة، وذكيًا. وكان يعيش في بيئات قاسية ويطور هياكل اجتماعية معقدة. لقد دفعتنا الاكتشافات الأخيرة، بما في ذلك اكتشاف شانيدار زد، إلى إعادة تقييم فهمنا لإنسان النياندرتال، مما يكشف عن صورة أكثر دقة وتعاطفا. وبينما نواصل كشف أسرار هؤلاء البشر القدماء، فإننا مجبرون على مواجهة تحيزاتنا ومفاهيمنا الخاطئة، وفصل الحقيقة عن الخيال في القصة الرائعة لإنسان نياندرتال.

التاريخ العلمي لاكتشافات إنسان نياندرتال

إن اكتشاف Shanidar Z ليس حادثة معزولة، بل هو تتويج لقرون من البحث والاستكشاف العلمي. إن تاريخ اكتشافات إنسان نياندرتال هي قصص رائعة لم تخل من التقلبات والمنعطفات، وتتميز بالنقاش والجدل، وفي نهاية المطاف، تؤدي إلى فهم أعمق لأبناء عمومتنا القدماء.

في القرن التاسع عشر، قوبلت اكتشافات النياندرتال الأولى بالتشكيك وحتى بالسخرية. تم اكتشاف أول حفرية للنياندرتال عام 1856 في وادي النياندرتال بألمانيا، ومن هنا جاء اسم النياندرتال. ومع ذلك، لم يبدأ المجتمع العلمي في أخذ إنسان نياندرتال على محمل الجد إلا في أوائل القرن العشرين.

كانت الحفريات الرائدة التي قام بها رالف سوليكي في كهف شانيدار في الستينيات بمثابة نقطة تحول في أبحاث الإنسان البدائي. أثار اكتشافه للعديد من الهياكل العظمية للنياندرتال، بما في ذلك هيكل شانيدار 1 الشهير، موجة جديدة من الاهتمام بهذا النوع. تحدت النتائج التي توصل إليها سوليكي وجهة النظر السائدة عن إنسان نياندرتال باعتباره وحشيًا وغير متطور، وبدلاً من ذلك أشارت إلى أنه ربما كان لديهم طبيعة أكثر تعقيدًا وتعاطفًا.

على مر العقود، أدى التقدم التكنولوجي، مثل التأريخ بالكربون المشع والتحليل الجيني، إلى توسيع نطاق فهمنا لإنسان النياندرتال بشكل كبير. على سبيل المثال، أدى اكتشاف الحمض النووي لإنسان النياندرتال في البشر المعاصرين إلى طمس الخطوط الفاصلة بين جنسنا البشري وجنسهم، وكشف عن تاريخ أكثر تعقيدا من التزاوج والتعايش.

يعد الاكتشاف الأخير لشانيدار زد بمثابة شهادة على قوة البحث العلمي والتعاون. لقد وفرت إعادة بناء وجهها وتحليل هيكلها العظمي نافذة فريدة على حياة وموت امرأة إنسان نياندرتال منذ أكثر من 75000 عام. وبينما نواصل اكتشاف أدلة جديدة وإعادة فحص البيانات الموجودة، فإننا مضطرون إلى إعادة تقييم افتراضاتنا حول إنسان النياندرتال ومكانته في القصة البشرية.

لغز عمره 75000 عام ينكشف

في أعماق كهف شانيدار، الواقع في جبال زاغروس بكردستان العراق، كمن سر عمره 75 ألف عام. لعقود من الزمن، ظلت بقايا امرأة النياندرتال، شانيدار زد، مخفية، وهيكلها العظمي مجزأ ومسطح، في انتظار أن يتم اكتشافها. إن قصة اكتشافها هي شهادة على قوة المثابرة. أدى عدم الاستقرار السياسي في العراق إلى تأخير المزيد من الاستكشاف للموقع بعد ما قام به رالف سوليكي. حتى عاد فريق من جامعتي كامبريدج وليفربول جون موريس إلى الكهف في السنوات الأخيرة.

ركز الفريق، بقيادة البروفيسور جرايم باركر، في البداية على تأريخ المدافن. وفهم الأسباب وراء الانقراض الغامض لإنسان النياندرتال منذ حوالي 40 ألف عام. ولكن عندما تعمقوا أكثر في الموقع، عثروا على أكثر مما توقعوا. تم العثور على جمجمة شانيدار زد، المحفوظة جيدًا بشكل ملحوظ. بدت مسطحة بسمك 2 سم فقط، ويرجع ذلك على الأرجح إلى سقوط صخرة على رأسها بعد وقت قصير من وفاتها. وكشفت جهود التنقيب وإعادة البناء الدقيقة التي قام بها الفريق منذ ذلك الحين عن امرأة في منتصف الأربعينيات من عمرها. كانت مدفونة في وضع النوم تحت علامة حجرية ضخمة. يشير هذا الوضع المتعمد إلى مستوى من التعقيد والسلوك الشعائري. يتحدى هذا السلوك وجهات نظرنا التقليدية عن إنسان نياندرتال باعتباره وحشيًا وغير متطور.

بينما نتعمق أكثر في حياة Shanidar Z، نبدأ في كشف أسرار الأنواع التي أسرت الخيال البشري لعدة قرون.

تجميع الماضي معًا: إعادة بناء وجه شانيدار زد

كانت إعادة بناء وجه Shanidar Z عملية شاقة ومعقدة تتطلب خبرة فريق متعدد التخصصات من العلماء. بدأت الرحلة بالتنقيب الدقيق لشظايا الجمجمة من كهف شانيدار في كردستان العراق. كانت الشظايا حساسة للغاية، تشبه في اتساقها قطعة البسكويت المغمسة في الشاي، مما يصّعب التعامل معها. استخدم الفريق، بقيادة إيما بوميروي، عالمة الأنثروبولوجيا القديمة من كامبريدج، مادة تدعيم خاصة لتقوية الأجزاء في مكانها قبل إزالتها في عشرات الكتل الصغيرة المغلفة بالرقائق. تم بعد ذلك نقل الكتل إلى المختبر، حيث تم تنظيف القطع وفحصها وتحليلها بعناية.

وكانت الخطوة التالية هي إعادة بناء الجمجمة باستخدام أكثر من 200 قطعة، وهي عملية تشبه أحجية الصور المقطوعة ثلاثية الأبعاد. وقد عمل الفريق بدقة، لضمان وضع كل جزء بدقة لإعادة تكوين شكل الجمجمة الأصلي. وبمجرد إعادة بناء الجمجمة، أنشأ الفريق نموذجًا ثلاثي الأبعاد. وتم إرساله بعد ذلك إلى فناني الحفريات أدري وألفونس كينيس في هولندا. استخدم الأخوان التوأم خبرتهما لإضافة طبقات من العضلات والجلد المُصنَّع، مما أعاد الحياة إلى وجه شانيدار زد.

كشفت عملية إعادة البناء النهائية عن وجه لا يشبه أي وجه إنسان نياندرتال معروف من قبل. كان وجه Shanidar Z أكثر شبهاً بالإنسان، مع جبهة أكثر نعومة وحاجب أقل بروزًا مما كان متوقعًا. تشير إعادة البناء إلى أن الاختلافات بين إنسان النياندرتال والبشر قد لا تكون صارخة كما كان يعتقد سابقًا.

إن أهمية إعادة البناء هذه تتجاوز الكشف عن مظهر شانيدار زد. فهي تسلط الضوء على التهجين بين إنسان نياندرتال والإنسان، والذي أدى إلى أن كل شخص على قيد الحياة اليوم تقريبًا يحمل الحمض النووي للنياندرتال.

المصدر: Meet Shanidar Z: 75,000-Year-Old Neanderthal Woman’s Face Reconstructed : ScienceAlert

تنصيب سليم الأول وظهور مسألة الصفويين، في مسألة الغزو العثماني لمصر

بتولي السلطان سليم الأول للعرش العثماني، كان قد صحب ذلك تغيير جذري في استراتيجية  سياسة الدولة العثمانية التوسعية. فمعه توقفت الغزاوات التوسعية ناحية الغرب واتجهت ناحية الشرق الإسلامي. فبدأ سليم عهده بالدبلوماسية والسلمية متمثلا في إقامة سفارات مع كل من فيينا وهنغاريا وروسيا من أجل تأمين الالتفات نحو الشرق. وبعد ما عرضناه من جذور الصراع بين المماليك والعثمانيين فلا أهمية هنا لمناقشة عديد الآراء حول تفسير هذا التغيير في الاتجاه نحو الشرق الذي اتخذه سليم الأول. فالفترة ما قبل عصر سليم قد مهدت الطريق وهيأت للصدام الحتمي، ومعظم هذه الأحداث قد عاصرها سليم واليًا. وقد أثرت في تكوينه السياسي وفي نظرته لدولة المماليك.

صراع ثلاثي

ولأن هذه الحرب في معظم الأحيان لم تكن في صالح العثمانيين. فهذا التحرك ناحية الشرق ليس مرده إلى إنقاذ العالم الإسلامي من التحرك الإسباني في البحر المتوسط أو خطرالبرتغاليين في المحيط الهندي، كما يقول بعض الباحثين المؤدلجيين. وإنما كان من أجل تصفية الموقف الملتبس في المشرق الإسلامي حول مسألة السيادة الإسلامية العليا. ففي مطالع القرن السادس عشر الميلادي، كان هناك تنافس عميق وعنيف في الشرق بين ثلاث قوى تعمل كل منهم على سيادة العالم الإسلامي. فبجانب دولة المماليك والتي كانت احتفظت بمقرالخلافة وتسيطرعلى ثلاث مدن إسلامية مقدسة وهي مكة والمدينة والقدس، وترى أنها دولة الإسلام العظمى ومركز ثقله. 

ثانيهم، الدولة العثمانية التي تعتبر نفسها أقوى دولة إسلامية منذ سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح، الذي حاول إرساء بعض النفوذ العثماني المعنوي والمادي في بعض المدن المقدسة كمكة والمدينة. وكان أول من فطن له هو خشقدم كما وضحنا سابقا، وذلك حتى قبل أن يدرك السلطان قايتباي بصورة مؤكدة مجيء خطر الزحف العثماني صوب السلطنة المملوكية بتدخلهم في شئون إمارتا قرمان ودلقادر المشمولتين بالحماية المملوكية.

ثالثهم، الدولة الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل التي حاولت الولوج إلى منطقة صراع  النفوذ على هذه المنطقة. اعتقد الصفويون أن القضاء على الدولة العثمانية سيؤدي حتما إلى اضمحلال وابتلاع دولة المماليك وليس العكس. فعلى خلاف ما يرى بعض الباحثين بأن المماليك قد أصبحوا قوة تابعة فعليا للعثمانيين بعد تدمير الأسطول المصري بمعركة (ديو)، فهناك من يرَ من المؤرخين الأتراك مثل كيلماز أزوتونا أنها قد أصبحت تابعة حتى قبل عهد السلطان سليم الذي وضع يديه فعليا وعمليا على الأسطول المصري. بل ومنذ عهد بايزيد الثاني الذي أرسل البعثات والمهمات الاستراتيجية والبحارة والفنيين العسكريين والجنرالات العثمانيين إلى مصر.

الخطط الصفوية

لطالما كانت السلطنة المملوكية تمر بفترة انحطاط وتدهور وآخذة في الآفول، وهذا ما كان يدركه جيدا الشاه اسماعيل. فإذا كانت الدولة العثمانية تمتلك قوة بحرية وبرية شرسة جالت بها شرقي أوروبا، كانت قوة فارس الصفوية تتنامى على نحو لم يسبق له مثيل. وقد كانت قوة المماليك أضعف من مجابهة العثمانيين أو الصفويين بحريا كان أو بريا، وهذه حقيقة لم يفطن لها بعد المماليك في مصر.

لذلك وبعد أن انتصر الشاه اسماعيل على دولة (ألاق قوينلو) داخل فارس الكبرى وجعل من تبريزعاصمة له، عمل على حملاته الهامة في ما وراء حدود فارس. فهاجم مرعش والبستان وإمارة دلقادر. ومنذ ذلك الحين، أعلن عن بزوغ قوى إقليمية جديدة، تقف ندا لند مع كل من المماليك والعثمانيين لسيادة المنطقة. فبعد فارس تطلع الشاه مدفوعا بأسباب سياسية ومذهبية واقتصادية  لضم العراق، والذي كان لا يزال تحت حكم مراد بن يعقوب بن مرزا أحد أحفاد أوزون حسن.

أسباب مذهبية

من حيث الأسباب المذهبية، عمل الشاه على نشر المذهب الإثنى عشري بحيث اعتبر نفسه المدافع الأول عن هذا المذهب الشيعي. واعتقد أن بنشره ذلك المذهب وسيطرته على العراق، يكون قد حازعلى مكانة رفيعة لدى المسلمين الشيعة بما للعراق من أهمية مذهبية. ولا شك أن العراق مركز المذهب وثقله بضمه مزارات وعتبات وجبانات أئمتهم وبه مجمل تراثهم، مما سيساعده على التوجه قدما نحو إقامة دولة شيعية كبرى.

أسباب اقتصادية

العامل الإقتصادي الواضح من فكرة ضم العراق، يكمن في الرقعة الزراعية الخصبة للعراق القادرة على تلبية حاجة سكان إيران الكبرى. يضاف إلى ذلك، رغبة الشاه في إحكام السيطرة على الطريق التجاري الرابط بين ديار بكر والموصل والذي يصب في عمق وادي الرافدين نحو الخليج العربي عبر بغداد، ومنه الولوج إلى بلاد الشام ومن ثمّ إلى عالم البحر المتوسط.

كانت هذه غايات وأهداف الشاه اسماعيل من ضم العراق، والتي كان قد ركن إليها مراد بن يعقوب. وأدرك مراد في الوقت نفسه عجزه عن أن يقف بمفرده أمام أطماع وطموحات الشاه، فلجأ للسطان الغوري الذي أدرك بدوره هو الأخر توجه الشاه صوب المشرق العربي حيث السلطنة المملوكية. فأراد الغوري أن يعد العدة ويرسل التجريدات والحملات للتصدى لتلك التحركات. وعلى ما يبدو أن تحركات البرتغاليين في المحيط الهندي وسواحل البحر الأحمر قد حالت بين الغوري وبين الشاه في ذلك التوقيت.

استغلال الظرف

واستغلالًا لهذه الظروف التي تمر بها السلطنة المملوكية، هاجم الشاه الحدود الشمالية الشرقية متمثلة في ملطية. فتصدى له علاء الدولة وأجبره على الارتداد إلى حدود دولته، قبل أن تدخل القوات الصفوية إلى داخل الحدود المملوكية عبر البيرة. من الناحية الأخرى وفي هذه الأثناء، بنى الشاه سياسته التوسعية على ركيزيتين.

خطة الشاه

أولا،عمل الشاه على عقد تحالفات مع القوى المؤثرة والمعادية للماليك والعثمانيين حينئذ. فيحدثنا ابن إياس عن أن حاكم البيرة قد ألقى القبض على شخص قبرصي يحمل خطابا من الشاه اسماعيل إلى بعض ملوك الفرنج وقناصلهم بدمشق والإسكندرية. ويدعوهم لأن يكونوا عونا له على سلطان مصر بأن: “يجوا هم من البحر لمصر ويجي هو من البر”. كما يطلب منهم العون بإرسال إمدادات عسكرية للقضاء على الدولة العثمانية. مما حدى بالسلطان المملوكي القيام باستدعاء سفراء الفرنج بكل من ثغر الاسكندرية ودمشق وطرابلس اعتراضا على جواسيس اسماعيل الصفوي.

وثانيا، عمل الشاه على بث المذهب الشيعي بالأناضول داخل الحدود العثمانية. فما كان من السلطان بايزيد الثاني إلا أن قام بإرسال الرسل للشاه اسماعيل لثنيه عن نشر مذهبه داخل حدود دولته. ولم يقم بايزيد بأي عمل جدي ضد تحركات الشاه الدعوية والسياسية، حيث أنه على الأغلب لم يقدر خطورة أطماع الشاه بتحركاته هذه. وظلت الأمور على حالها إلى أن تغيرت تلك المعادلة السياسية وانقلبت رأسا على عقب، بموت السلطان بايزيد الثاني وتولي ابنه السلطان سليم الأول سلطنة الدولة العثمانية. وقد لمع دور سليم الأول في عملياته ضد الصفويين وإدراكه للخطرالشيعي، منذ أن كان حاكما لطرابزون جراء جهود الشاه في تحويل الأناضول للمذهب الشيعي كخطوة للسيطرة على الدولة العثمانية من الداخل. مما كان سيؤدي إلى فتح الطريق أمامه لدى الإنكشاريين، وإجبار بايزيد الثاني تخليه عن عرش السلطنة له رغم كونه أصغر اخواته السلطان أحمد والأمير قورقود سنا.

قضاء سليم على الصفويين

يعتبر عهد سليم الأول البداية الحقيقية للصراع العثماني الصفوي سياسيا واقتصاديا وعقائديا. ومن أسباب ذلك أيضا خلافا لسعي الشاه في نشر المذهب الشيعي داخل حدود الدولة العثمانية، هو إيواء الإيوان الصفوي لعشرات الأمراء العثمانيين الهاربين من سليم الأول، خشية تنفيذ قانون نامة ضدهم أو تصفيتهم في صراعه الداخلي. وما أن فرغ سليم من بعض المراسم الدموية التي دأب العثمانيون على تنفيذها تأمينا لعرشه، إلا أن بدأت مساعيه في تجهيز جيشه لمحاربة الشاه والزحف نحو أزنيق وقونية وقيسارية. وعند موقع اسمه جالديران التقى الجمعان، فانهزم الصفويون وتشتتوا وحقق سليم بقواته انتصارا كبيرا. وزحف بقواته نحو العاصمة تبريز ولم يبق فيها سوى وقت قليل بعد ضغط من قادة جيشه بالمغادرة.

تلك كانت حلقة ثالثة من حلقات سلسلة بعنوان “في مسألة الغزو العثماني لمصر وللشام”.

المصادر:
ابن اياس بدائع الزهور في وقائع الدهور، أجزاء الثالث والرابع والخامس.
العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك لابن أجا.
إنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر العسقلاني.
أخرة المماليك لابن زنبل.
در الحبب في تاريخ أعيان حلب لابن الحنبلي.
حوادث الزمان في وفيات الشيوخ والأقران لابن الحمصي.
مفاكهة الخلان في حوادث الزمان لابن طولون.
مقالة نهاية سلاطين المماليك، دكتور محمد مصطفى زيادة.
المجتمع المصري تحت حكم العثماني مايكل وينتر.
تاريخ الدولة العثمانية، يلماز اوزتونا.
تاريخ المماليك، محمد سهيل طقوش.
دراسة بعنوان “التجسس في العصرين الأيوبي والمملوكي”، عبدالله عيد كمال.
تكوين العرب الحديث، سيار الجميل.
– التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية، محمد بن أبى السرور الصديقي البكري.
الفتح العثماني للشام ومصر، أحمد فؤاد متولي.

استكشاف مملكة لحيان في العلا

تتميز مملكة لحيان الغامضة، بطبيعتها الجميلة وثقافتها الثرية. إذ  تقع في قلب الشرق الأوسط، وهي تحتوي على مجموعة متنوعة من المزايا التي تجعلها مملكة فريدة من نوعها. ولكن هناك في لحيان أكثر من ما يبدو. في هذا المقال، سنطرح نظرة على أهميتها وميزاتها الجذابة.

موقع مملكة لحيان الحالي

تعتبر مملكة لحيان مملكة حضارية مهيبة تابعة لمملكة معين. وقد أقيمت في مستوطنة دادان وتيماء ومدائن الأسود وجبل عكمة إقليم الحجاز غرب شبه الجزيرة العربية. وتقع في الوقت الحالي في دولة المملكة العربية السعودية. وكانت تسمى في الفترة الأولى دادان ودامت دادان في مرحلتها الأولى في الفترة ( 600 ق.م – 100 ق.م). وثم في مرحلتها الثانية في الفترة الممتدة بين سنة 107م و150م.

أصل وتاريخ المملكة

في عصر ما قبل الميلاد أقامت جالية معينية قادمة من الجوف باليمن. دولة وحضارة في دادان وتيماء شمال الحجاز، كانت تسمى مستوطناتهم دادان. وفي فترة من الفترات أقام المعينون في مدينة دادان لتصبح عاصمة ثانية لهم في الشمال.

وتعد مملكة لحيان من أهم المحطات التجارية على طريق القوافل. مما جعل هذا الموقع يقوم بدور مهم في الحالة الاقتصادية للمجتمع المعيني . وتتميز العلا بقربها من ساحل البحر الأحمر فهي لا تبعد عنه أكثر من مسيرة خمسة أيام. حيث يتوجه التجار إلى الموانئ القريبة لإجراء عمليات البيع والشراء مع التجار الإغريق والمصريين وغيرهم.

نظام الحكم والملوك

تعاقب على حكم مملكة لحيان بعد إعادة بنائها مرة أخرى. واستقلالها عن الأنباط العديد من الملوك، منهم -بجانب تيمي- الملك تامني بن تيمي، والملك تارتلو الملقّب بـ”سكيوبس”، والملك عبدنان، والملك صلحان، والملك فضج، والملك عمدان، والملك شهر بن عاسفان. وغيرهم من الملوك الذين كانت تتميز فترات حكمهم بقصر مدّتها.

تميزت المملكة في عهد الملوك السابقين ب كثرة السرقة والحوادث وانتشر السكر والعربدة في الشوارع، وفَقَدَ المزارعون حماسهم والتجّار رزانتهم. ولم يكن الحكم مستقرًّا في المجمل، بل أن السلطة كانت في يد رئيس مجلس الشعب (هجبل). مما أدّى في النهاية إلى سقوط المملكة عام 150م. وتشتّت شعبها بين العراق وعاد ومكة وقليل منهم من بقيَ في العلا.

ديانة المملكة وأهم الآلهة

كانت ديانة اللحيانيين ديانة وثنية في المقام الأول تعتمد على تعدد الآلهة، ومن أبرز الآلهة التي كانت منتشرة في المملكة الإله ذو غابة. والذي كان يقع مقرّه في وسط العاصمة العلا، وكان هناك فناء كبير به حوض ماء يغتسل منه كل من يريد التعبُّد، وكان شعب مملكة لحيان يتقرّبون لآلهتهم بالدعاء والنذر لتوسيع الرزق وشفاء المرضى.

والدليل على ذلك إنه كان هناك شهر يُشدّ فيه الرحال إلى مقرّ الإله. حيث كانوا يقيمون بالقرب منه وينحرون الذبائح ويقدّمون النذور، ولم يكن ذو غابة هو الإله الوحيد. فهناك آلهة أخرى مثل الإله ود، والإله سلمان، والإله بعل سمن، والإله عجلبون. وكما كانت هناك حرية في التعبُّد دون قيود أو ضغوط أو استهداف من أنصار هذا الإله أو ذاك.

الثقافة واللغة والفنون

وقد تميزت هذه الحضارة العريقة في العديد من المجالات، مثل: الفنون والكتابة والتجارة والبناء، ولا تزال آثارهم باقية هناك حتى يومنا هذا. وكان اللحيانيون يتحدثون لغة عربية شمالية. وكان خطهم الذي يكتبون به هو الخط اللحياني المنبثق عن الخط المسند الجنوبي، وكانت حروف الهجاء عندهم 28 حرفًا كاللغة العربية اليوم. وتشير الوثائق والرسوم التاريخية إلى وجود مدارس لتعليم القراءة والكتابة في العلا، ما يبرهن على اهتمام مملكة لحيان بالتعليم والتعلم.

كما عرف اللحيانيون الموسيقى والفنون ويمارسون العزف على الآلات الوترية كالسمسمية والمزامير، وهو ما توثّقه الرسوم المنقوشة على بعض الواجهات الصخرية لجبل العكة. وبعض الجدران الأخرى في العلا، والتي كشفت عن امتهانهم لبعض المهن الفنية كالنحت والصياغة.

وتتميز منازلهم بالطريقة المعمارية التربيعية، أي بنوا البيوت بشكل مربّع لا تزيد فتحتها عن متر واحد، وعمقها في داخل الصخر حوالي مترَين، ومن أشهر البيوت بيت الأسدين. وكما تميّزوا بنحت الجبال واتخاذها بيوتًا للتباهي ودفن موتاهم بها، ومن أكثر مظاهر التحضر عند اللحيانيين حرية التملك للمرأة وهو ما أثبتتها نقوشهم.

النشاط الاقتصادي

ساعد الموقع الاستراتيجي للحيان في أن تكون قوة اقتصادية كبيرة. إذ كانت واحدة من أهم المحطات التجارية التي تربط بين الشرق والغرب، ما أهّلها لأن تكون قبلة القوافل التجارية، البرّية والبحرية، القادمة من الهند إلى مصر وبلاد الرافدين. وما حوّلها مع مرور الوقت إلى سوق كبير للتجارة الحرة بين الحضارات التي كانت متواجدة في ذلك الوقت. وكما تميّزت مملكة لحيان بتجارة وتصدير البخّور والعطور والبهارات، بجانب المواد الغذائية أبرزها الحبوب والتمور والأعلاف.

كما ازدهرت الزراعة بفضل مصادر المياه المتوفرة، سواء كانت مياه جوفية يتمّ استخراجها عن طريق حفر الآبار، أو مياه الأمطار والسيول وبناء السدود. ومن ثم تميّزت منطقة شمال الجزيرة العربية، بالرخاء الزراعي والحدائق الغنّاءة والمزارع المنتشرة، وقد وثّقت النقوش التي وُجدت في العلا وجود بعض المحاصيل الزراعية كالنخيل.

ومن المؤكد أن الزراعة لا تقوم في مكان ما إلا إذا توفرت به المياه. وسواء كانت هذه المياه جوفية يتم استخراجها عن طريق حفر الآبار. أو بناء السدود التي تحجز خلفها مياه السيول والأمطار. وعلى هذا الأساس قامت الزراعة في مدن شمال الجزيرة العربية كالمملكة وما جاورها.

وتشير النقوش المعينية التي تم العثور عليها بالمنطقة إلى وجود محاصيل زراعية أبرزها ثمار النخيل. ويعتبر التمر مصدر رئيسي في الغذاء للحاضرة والبادية. لاحتوائه على أهم العناصر الغذائية وكذلك لسهولة تخزينه وقابليته للتخزين لمدَّة طويلة. وكذلك لسهولة نقله من مكان إلى آخر. وللنخيل فوائد كثيرة فمن سعفه تصنع البسط ومــن ليفه تصنـع الحبال ومــن جذوعه تسقف المنازل. فقد كان النخيل له فوائد عديدة لذلك نرى المعينيين الشماليون اهتموا بزراعته في ذلك الوقت.

أشهر الآثار المكتشفة في لحيان

يوجد العديد من المكتشفات الأثرية الخاصة بهذ المملكة ومن بينها:

تماثيل لحيانية

تمثال الملك اللحياني هو عمل فني منحوت من الحجر الرملي الأحمر. إذ يُمثل أحد الملوك اللحيانيين، ويعود إلى الفترة ما بين القرن الخامس والقرن الثالث قبل الميلاد. يصل ارتفاع التمثال إلى 2.3 متر، ويزن 800 كليو جرام، كما يظهر النحت عضلات الجذع في البطن والصدر.

  مدائن الأسود (مقابر الأسود)

توجد في مملكة لحيان مئات المقابر وأبرزها المنقوش في الواجهة الصخيرة جنوب الموقع مما يدل على المكانة الاجتماعية لمن دفنوا هناك، وتضم مقبرة الأسود قبوراً منحوتة في الصخر ومزينة بنقوش من الأسود في واحة دادان القديمة، ومن المعتقد أنها كانت خاصة بحكام محليين أو بأشخاص مؤثرين آخرين. وتتألف هذه القبور من فتحات مربعة الشكل على ارتفاعات مختلفة من جانب جبل دادان. إذ يبلغ عمق تجاويفها حوالى مترين، ويعود تاريخها تقريباً إلى القرن الخامس قبل الميلاد؛ فهي الفترة المحتملة لاستيلاء مملكة دادان على المنطقة. ويذكر الباحثون أن اختيار رسم الأسد على واجهات هذه المقابر. هذا كان بسبب ما يمثله الأسد من رمز للقوة والمنعة في ثقافات العالم القديم.

  آثار جبل عكمة

تحول جبل عكمة الأثري شمال العلا إلى وجهة سياحية متفردة يقصده الزوار من مختلف دول العالم. بعدما أعادت الهيئة الملكية لمحافظة العلا، المكان إلى متحف نابض بالحياة ليكون جزءاً من التراث العالمي، فقد يحتوي «عكمة» على كتابات ونقوش الأثرية تعود إلى الحضارة اللحيانية في القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد. وهو عبارة عن واد ضيق ينحدر من جبل عكمة وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من مدينة العُلا، وهو ذو لون داكن يميل للون الأحمر، وشاهق الارتفاع، وكما توثق هذه النقوش والكتابات تاريخ مملكة لحيان وحضارتها وتفاعلاتها المجتمعية وعلاقاتها الخارجية وتنظيماتها وقوانينها الداخلية.

ويعد الجبل جزءًا من تاريخ وحضارة مملكة لحيان وهو أكبر مصدر معلومات عن الاقتصاد والتجارة والخراج والضرائب. وكان موقعًا مهيبًا على طرق التجارة القديمة، ويضم أكثر من 500 كتابة منحوتة على المنحدرات والواجهات الصخرية التي تعود إلى الفترتين الدادانية واللحيانية، ويعد أكبر مكتبة مفتوحة في الجزيرة العربية.

1. Research
2. Research
3. Jornals
4. Britannica
5. Britannica
6. Britannica

نبذة عن تاريخ مملكة معين القديمة

المعينيون أقدم شعب عربي حمل لواء الحضارة، وقد بلغتنا أخبارهم من الكتابات المدونة بالمسند، والكتب الكلاسيكية اليونانية والرومانية. سكن أهل معين منذ أن ظهروا في التاريخ على المسرح السياسي في الجوف بين نجران وحضرموت في أرض خصبة منبسطة، في مملكة معين وعاصمتها قرناو على ضفة وادي مذاب.

أصل وتاريخ مملكة معين

تعد معين من الممالك العربية القديمة في اليمن وشبة الجزيرة العربية، فقد كان المعينيين أبناء عمومة السبئيون والحضارمة. إلا أن النسابين العرب لم يذكروا هذه الشعب ولا أحد من ملوكهم ولا صلتهم مع سبأ بل طوى كل ذلك النسيان إلى أن كشفت عنها مجموعة من الآثار المكتشفة في القرن العشرين.

المعينيون هم في الاصل فريق من السبئيون. وعندما ضعفت مملكة سبأ، انقسمت القبائل السبئية إلى أربعة أقسام وعرف كل قسم باسم خاص به. فمنهم المعينيون وعاصمتهم (قرناو)، والسبئيون وعاصمتهم (مأرب)، والقتبانيون وعاصمتهم (تمنع)، وكانت أراضيها تشمل عدة قبائل.

حكام مملكة معين

امتلكت مملكة معين حكومة ملكية يرأسها حاكم يلقب بلقب “ملك”. غير أن هذه الحكومة وكذلك الحكومات الملكية الأخرى في جنوب الجزيرة العربية، أجازت أن يشترك شخص أو شخصان أو ثلاثة مع الملك في حمل لقب “ملك”. وإذا كان حامل ذلك اللقب من أقرباء الملك من الدرجة الأولى، كأن يكون ابنه أو شقيقه.

وقد وصلت إلينا جملة كتابات، لقب فيها أبناء الملك أو أشقاؤه بلقب ملك، وذكروا مع الملك في النصوص. ولكننا لم نعثر على كتابات لقب فيها أحد بهذا اللقب، وهو بعيد عن الملك، أي ليس من أقربائه. وربما كانت هذه المشاركة في اللقب، في ظروف خاصة وفي حالات استثنائية. وليس من الواضح في الكتابات العربية الجنوبية أكانت مجرد مجاملة وحمل لقب، والدوافع التي حملت أولئك الملوك على السماح لأولئك الأشخاص بمشاركتهم في حمل اللقب.

ومن الملوك الذين حكموا مملكة معين. كما جاء بما عثروا عليه من أنقاض الجوف وعددهم ٣٦ ملكا يشترك كل بضعة منهم باسم واحد. كما تميز بعضهم عن بعض بالألقاب. وسنوجز بعض من اسماؤهم مرتبة حسب تشابهها:

1. اب يدع
2. اب يدع بتع
3. اب يدع ريام
4. اليفع
5. اليفع ياسر
6. اليفع بتع
7. اليفع ريام
8. وقه إل بتع
9. وقه إل صديق
10. وقه إل ريام

النشاط الاقتصادي في المملكة

مثل المعينيون الصلة الحضارية بين اليمن والعالم الخارجي من خلال عملهم بالتجارة. ويمكن القول أنهم سيطروا على التجارة العالمية في العالم القديم. وقد انعكس نشاطهم التجاري على مناطقهم التي ازدهرت وأصبحت مدن وحواضر تضاهي الحضارات المعاصرة الاخرى في بلاد الرافدين ومصر.

فقد كانت التجارة هي العمود الرئيسي، ثم ما يتحصل عليه من الضرائب على التجارة والزراعة. وكذلك عائدات الاراضي الزراعية التي تستغلها الدولة أو تقوم بتأجيرها. وكان للمعابد عائدات خاصة بها وأراضي يعود ريعها للمعابد، وكذلك النذور التي تقدم للمعابد. أما بالنسبة للتداول، فقد تعاملت مملكة معين بنظام المقايضة، ثم عرفوا النظام النقدي وقاموا بصك عملة خاصة بهم. وقد عثر على قطعة نقدية لملك معيني وهي العملة التي كان يطلق عليها اسم رخمة.

وصل تجار مملكة معين بتجارتهم إلى جزيرة ديلوس في بحر إيجة في النصف الأخير من القرن الثاني ق. م. حيث وجدت فيها آثار صغيرة نقشت بنصوص عربية تدعو لأصحابها آلهة معين (وآلهة سبأ).

الحياة الدينية في مملكة معين

كان في كل مدينة معبد، وأحياناً عدة معابد خصصت لأصنام شعب معين. وقد خصص كل معبد بعبادة صنم واحد، يكرس المعبد له، ويسمى باسمه، وتنذر له النذور، ويشرف على إدارته مجموعة ورجال دين يقومون بالشعائر الدينية ويشرفون على إدارة أوقاف المعبد. ويعرف الكاهن والقيم على أمر الصنم عندهم ب “شوع”، وقد وردت اللفظة في جملة نصوص معينية.

وأما “ود”، فقد ظلت عبادته معروفة في الجاهلية إلى وقت ظهور الإسلام، وقد ورد اسمه في القرآن الكريم. كما تحدث عند ابن الكلبي في كتابه “الأصنام”، وذكر إن قبيلة “كلب” كانت تعبده بدومة الجندل. وكتب اسم “ود” بحروف بارزة على جدار في “القرية” “قرية الفأو”، وذلك يدل على عباده هذه الصنم في هذه البقعة.

أشهر المدن المعينية

كان من مدن مملكة معين، مدينة قرناو (معين)، وهي عاصمة الدولة، وتقع في المنطقة الشرقية في الجوف. كانت قرناو من المدن المشهورة بمعابدها وخاصة معبد الإلهة عشتار والذي وجد خارج أسوار المدينة. ومنها مدينة براقش وقد اكتشفوا فيها حوالي 154 نقشاً.

وقد وردت إشارات لها في نقش النصر الخاص بالملك كرب ال وتر حيث كانت إحدى المدن السبئية ثم أصبحت مدينة معينية. وتأتي هذه المدينة بعد معين من حيث الأهمية، وتمتعت بموقع تجاري مهم على طرق التجارة بين مأرب ونجران. وقد حوت المدينة العديد من المعابد ومنها معبد للإله نكرح الهة الشمس في إحدى ضواحي المدينة. وتعتبر لكثرة معابدها وكأنها العاصمة الدينية لدولة معين.

نهاية المملكة

إذا كان ازدهار مملكة معين عائداً بالدرجة الأولى لنشاطهم التجاري وسيطرتهم على الطرق التجارية منذ القرن الرابع ق.م. فإن نهاية هذه المملكة سياسياً جاء نتيجة لظروف خاصة بالطرق التجارية أيضًا. إذ أدى ازدهار دولة الأنباط وتوسعها وسيطرتها على الطرق التجارية حتى مناطق ديدان، والتي كانت تتبع للمعينيين تجارياً، قد أفقد المعينيين ميزة التحكم في الطريق التجاري الواصل بين اليمن وبلاد الشام. إضافة إلى بروز قوة الدولة الحميرية، وكل ذلك جعل مملكة معين تنتهي سياسياً في حدود القرن الأول ق.م بدليل أنها لم تذكر كدولة حين قدمت الحملة الرومانية.

المراجع:

1. Britannica

2. britannica
3. Research
4. Research

تمرد كريول

عندما نذكر العبيد يأتي في مخيلتنا رهطٌ من الأفارقة مكبلين بالأصفاد، يركبون سفن الاتجار بهم بإذلالٍ وانكسار. فقد صورتهم لنا بعض الكتابات كأنهم خلقوا عبيدًا، ولم تكن لهم رغبة في التحرر. بل ينسب فضل التحرر عادة لمن أجبروهم منذ بادئ الأمر على تلك الحياة. ورغم ذلك، فتاريخ العبيد خاصةً عبيد الولايات المتحدة مليء بحالات التمرد والثورات. ورغم تلقيهم للتعنيف الجسدي والنفسي جراء ذلك التمرد، إلا أن حملاتهم المتتالية في الحصول على حريتهم لم تتوقف يومًا. ونجد في تمرد سفينة كريول خير مثالٍ على ذلك.

يتم تصنيف تمرد سفينة كريول على أنه واحد من أشهر حالات التمرد الناجحة، والتي ثابر فيها 135 عبد لاقتناص حريتهم. انطلقت سفينة الكريول في رحلة من رحلاتها المعتادة لتجارة العبيد عام 1841، بدأت مسيرتها من ميناء ريتشموند محملة بـ 103 عبد. وعند مرورها بمدينة هامبتون رودز حمّلت 32 عبد آخرين. إضافة لذلك كان هناك بعض تجار العبيد مع عبيدهم الثمانية، وتبغ مرسل لأجل التجارة وتبادل السلع. إضافة إلى زوجة القبطان وابنته. كان خط سير السفينة يبدأ بريتشموند ليصل إلى نيو أورليانز لإيصال حمولة العبيد كالمعتاد. ولكن شيئًا ما غير مسار تلك الرحلة ومصير من عليها، لم يكن مخطط له. [1]

كيف بدأ التمرد على سفينة كريول؟

في السابع من نوفمبر عام 1841 وبعد حوالي أسبوع من انطلاق الرحلة التجارية تمرد 19 عبدًا على متن سفينة كريول الأمريكية. لم يكن العبيد على سفينة كريول مكبلين كباقي السفن، بل تم الاكتفاء بوضعهم في زنازين داخل المركب واحدة للرجال وأخرى للنساء. حيث دارت مشاورات بين 19 عبدًا حول إمكانية تحررهم، إما الآن أو يبقوا عبيدًا للأبد. ترأس تلك المجموعة عبد يدعى ماديسون واشنطن، حيث كان يرأس مطبخ العبيد. وكان لذلك أفضلية له في استكشاف السفينة بحرية، والوصول كذلك للأسلحة. [2]

 بدأت الاشتباكات بين العبيد التسعة عشر وطاقم السفينة بعد أن اكتشف زيفانيا جيفورد الرقيب الأول على متن السفينة واشنطن في قسم النساء. فطالبه بالكشف عن هويته لتعجبه من وجود رجلٍ في سجن النساء الممنوع عليهم. ليجره إلى السطح ويبدأ الاشتباك بينهما فيصاب الرقيب بجروح بليغة ويفر هربًا لتحذير طاقم السفينة. وهنا نادى واشنطن العبيد في الأسفل قائلًا: “هيّا يا رجال، لقد بدأنا الطريق ويجب علينا المضي قدمًا”. [2]

ليصعد 3 عبيد آخرين بقيادة بِين بلاكسميث إلى جون هيويل أحد أشهر تجّار العبيد ويجهزوا عليه. وأصابوا بعدها القبطان وعدد من طاقمه. وجراء ذلك الاشتباك أصيب أحد العبيد بجروح بليغة ليموت بعد ذلك. [1]

ماديسون واشنطن

كان أبرز هؤلاء العبيد هو ماديسون واشنطن، وهو عبد ولد في العبودية وتذوق الحرية للمرة الأولى قبل عامين من حادثة تمرد كريول عندما هرب إلى كندا. التقى واشنطن في طريق هربه بالمناضل الأمريكي روبرت بورفيس، فاستضافه خلال رحلة هربه ليتشاركا الحلم ذاته بالتحرير. افتتن واشنطن بآرائه حول إلغاء العبودية وقانون الإعدام، وألهمته قصص التمرد الناجحة التي حكاها بورفيس كتمرد أميستاد. [2]

كان لقاء واشنطن و بورفيس نقطة تحول أخرى في حياة العبد المحرر، والذي لم يلبث في ذلك الوضع كثيرًا. حيث عاد بحثًا عن زوجته، محاولًا تحريرها كما تحرر هو، ليقع في شباك الحكومة الأمريكية ليصبح بعد ذلك شعلة تمرد كريول. [2]

سيطرة العبيد على السفينة

بعد أن تصاعد التوتر على متن كريول أجبر العبيد مشرف الطاقم ويليام ميرت بالسلاح على الإبحار بهم بعيدًا عن سواحل أمريكا. واحتجزوا القبطان وأفراد عائلته في مقدمة السفينة مع اثنين من العبيد كحراسة لهم. اقترحوا حينها أن يبحر بهم ميرت إلى ليبيريا الواقعة في غرب أفريقيا. ولكن بسبب نقص المؤونة أخبرهم المشرف باستحالة تلك الخطة.[1]

وبعد أن احتدمت النقاشات اقترح بلاكسميث أن يبحروا إلى وجهة ليس للسلطة الأمريكية إمرة عليها. فكانت وجهتهم إلى سواحل الجزر الغربية الهندية الكامنة تحت وصاية الانتداب البريطاني. ولم يكن ذلك الاقتراح فقط لكون جزر الباهاما مستعمرة بريطانية، بل لعلمهم بأن عبيد هيرموسا قد حصلوا على حريتهم في العام السابق بموجب قرار بريطاني. فتنامى الأمل على سفينة كريول، وأبحر العبيد بحثًا عن حريتهم.[1]

ما مصير العبيد على متن السفينة؟

رست السفينة في جزيرة ناسو عاصمة الباهاما، ليطأ ربان ناسو وطاقمه من السكان السود المحليين سفينة كريول ويعلن نهاية ذلك التمرد. و قبل أن يزف إليهم خبر حريتهم بموجب القانون البريطاني لعام 1833، والذي ينص على منع تجارة العبيد على الأراضي البريطانية.استطاع المشرف ابلاغ القنصل الأمريكي بما حدث من تمرد عبيد الكريول عن طريق حرس السواحل، وما أسفرت عنه من إصابة قبطانها وقتل أحد التجار.[1]

ليرسل الحاكم البريطاني فرانسيس كوكبيرن 25 جندي إلى السفينة ليمنعوا التسعة عشر عبدًا المحركين لذلك التمرد، والمتسببين كذلك في تلك الحادثة من النزول حتى يتم التحقيق معهم. ولكن ليس بواسطة السلطة المحلية، بل بإرسال تقرير للحكومة الرئيسية في لندن لتنظر ماذا تفعل بالجناة. ورفض كذلك كوكبيرن طلب القنصل الأمريكي بالتحفظ على السفينة حتى تأتي قوة عسكرية أمريكية وتتعامل معهم كونها سفينة أمريكية مختطفه. بل وتحرر بعد ذلك من تبقى من العبيد غير المشاركين في الحادث، وسمح لهم بالخروج وممارسة حياتهم الطبيعية مرة أخرى.[2]

قرر بعض المحررين أن يكملوا حياتهم في جزر الباهاما، وقرر البعض الآخر السفر إلى جزيرة جمايكا. ولكن ليس كل اختيار يعني حرية. فهنالك خمسة من العبيد أختاروا أن يعودوا مرة أخرى إلى العبودية، وكانت حريتهم في عبوديتهم. وفي إبريل من العام التالي تم الإفراج عن 17 عبد من المحتجزين الباقين على قيد الحياة من بينهم شعلة التمرد واشنطن، ليحصل مرة أخرى على حريته ولكن تلك المرة للأبد. وتحول بذلك واشنطن كأيقونة للحرية في تاريخ العبيد، وأصبح تمرد كريول أحد أبرز وأنجح حركات العبيد التحررية والتي أثمرت عن حرية 128 عبد اقتنصوا حريتهم بأيديهم.[1]

الخلافات الأمريكية البريطانية حول سفينة كريول

احتدمت الخلافات الأمريكية البريطانية بسبب القانون البريطاني لتحرير العبيد، ليس لاعتراض أمريكا على قناعة البريطانيين بتحرير العبيد. بل لتطبيق قانون تحرير العبيد على السفن الأمريكية التي تحمل ما اعتبرته أمريكا ملكية لها من عبيد، واعتبروا ذلك تعدٍ واضح على ممتلكاتهم الخاصة. وتفاقمت النزاعات القضائية في المحاكم الدولية حول قانون تحرير العبيد، ومدى صلاحيته في القانون الدولي عبر الحدود والقارات.[2]

فبعد وصول أخبار سفينة كريول إلى وزير الخارجية الأمريكي دانييل ويبستر، استشاط غضبًا واعتبر ما حدث من الحكومة البريطانية انتهاك لقانون أمريكا بالتعدي على ممتلكاتها. ولكن لم يسفر ذلك إلا عن استهجان بريطانيا لذلك ودحضها لذلك القانون الأميريكي بقانونها المعني بإلغاء العبودية. وأنها لا تملك الحق باحتجاز أي إنسان دون تهمة جنائية. [2]

لم يكن تمرد كريول حدثًا عابرًا، بل تسبب في احتدام الخلافات بين الحكومتين. حيث سافر وفد بريطاني بقيادة اللورد أشبورتون إلى أمريكا لحل الأزمة الحدودية بين الأراضي والمستعمرات البريطانية الكندية، وأراضي أمريكا الشمالية. ولكن لم تسفر المفاوضات عن شيء فاضطر أشبرتون بالتعهد بعدم المساس بالسفن التجارية الأمريكية. [2]

وقامت اللجنة المسؤولة عن تسوية القضية بمنح أصحاب العبيد المحررين تعويضًا بقيمة 110,330 دولار. وتم ترسيم الحدود لتحصل أميريكا على نصف الأراضي المزعومة من كندا بموجب شروط معاهدة ويبستر- أشبرتون. وأخيرًا تعهدت الحكومات المشاركة في المعاهدة بمنع تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي، لتنتهي بذلك التجارة العالمية للعبيد وتستمر التجارة المحلية في أميركا حتى منتصف القرن التاسع عشر. [2]

المصادر:

1- BlackPast.org

2- History.com

من هم الحوريون، وما علاقتهم بمملكة ميتاني؟

في سجلات الحضارات القديمة، تظهر مملكة ميتاني، ملتفة بالغموض والعظمة. إذ تقع ميتاني في قلب بلاد ما بين النهرين، وتتردد تأثيراتها عبر ممرات الزمن، صدى لقصص القوة مع تكشف تدريجي لرمال التاريخ عن عالم ميتاني الغامض. كاشفًا عن عالم شهد صراعات إمبراطوريات، وتشكلت فيه تحالفات، وازدهرت فيه حضارة وسط تيارات مضطربة في الشرق القديم.

من هم الحوريون

الحوريون من الشعوب الغير سامية وقد ظهروا في التاريخ من منتصف الألف الثالث ق.م، حيث كانو ممثلين بأعداد قليلة في شمال بلاد النهرين شرقي نهر دجلة. ثم زاد عددهم منذ عهد سلالة أور الثالثة ، وزادت مساحة الأراضي التي شغلوها وأصبح لهم كيان سياسي. وفي ذلك الحين كان الساميون اكثرية في وسط الفرات وجنوب سورية وفلسطين.

تاريخ ونشأة مملكة ميتاني

بدأت مرحلة تكون دولة ميتاني بعد اغتيال الملك الحثي مورشيلي الأول. الذي بدأ حكمه نحو عام 1620ق.م، فمنذ ذلك الحين أخذ الحوريون والحثيون يتبادلون الغزوات. عبر المنطقة الجبلية الفاصلة بين سورية وبلاد الأناضول. ويبدو أن نشوء ميتاني حينذاك كان قائماً على تحالف من عدة كيانات سياسية حورية.

وفي مطلع القرن الخامس عشر قبل الميلاد. ظهر اسم ميتاني أول مرة في نقوش المقابر المصرية، أما النصوص الآشورية فقد كانت تشير إلى هذه المملكة باسم خانيغَلبات. كما أوردت المصادر المصرية القديمة الاسم السوري لهذه المملكة، وهو نهارينا أو نهريما.

أهم ملوك المملكة

لا يعرف سوى القليل عن الملوك الميتانيين الأوائل؛ بسبب تدمير ثقافتهم لاحقًا على يد الآشوريين. لكننا نعرف أسماءهم من المراسلات التي جرت بينهم وبين الدول الأخرى في زمانهم. ويبدو أن أهم ملوك ميتاني من القرن 16 ق.م هم: كيرتا وابنه شوتارنا الأول وباراتارنا ، أما الملك ( شوشتاتار). فقد وسع حدود دولته بفتحه ألالاخ ونوزي وآشور وكيزواتنا. هَزمت مصر (بقيادة تحوتمس الثالث الذي حكم نحو 1479-1425 ق.م) جيوشَ ميتاني في حلب بعد صراع طويل حول السيطرة على منطقة سوريا.

في عهد الملك شوتارنا الثاني، بلغت مملكة ميتاني قمة مجدها ونفوذها وصارت عضوًا في ما يُعرف اليوم بنادي القوى العظمى الذي يضم أقوى دول المنطقة حينها: مصر وبابل وحاتي (مملكة الحيثيين بالأناضول). وأكثر عهود ملوك ميتاني توثيقًا هي عهدي شوتارنا الثاني وابنه توشراتا، وسبب ذلك هو المراسلات المعروفة برسائل العمارنة، وحتى هذين العهدين ليسا مكتملين.

الحرب مع مصر

اتسع نطاق مملكة ميتاني، مما أثار القوى الكبرى المعاصرة، وسعى الحثيون والآشوريون إلى التحالف معهم ضدها. وتأثرت المملكة بذلك، واضطر ملكها سوشتتر نحو1420ق.م إلى عقد اتفاق سلام وتعاون مع مصر حفاظاً على وحدة مملكته. بل مدّ نفوذه إلى سهل كيليكية أيضاً، وهذا ما أثار الملك الحثي توتخاليا الأول، فقام بحملات على حلب وشمالي سورية.

توثق التحالف الحوري المصري أكثر في مطلع القرن الرابع عشر ق.م. بعقد مصاهرات سياسية، فاقتصرت السيادة المصرية على المناطق الساحلية إلى أوجاريت (رأس شمرا)، والداخلية إلى سهل حمص. ثم ظهرت صراعات دموية ضمن الأسرة الحاكمة في ميتاني حول وراثة العرش. بعد موت ملكها شترنا الثاني، فتوقفت الصلات مع مصر، واستقلت مناطق نينوى (الموصل).

كما ظهرت بوادر تحالف حثي آشوري ضد ميتاني، ثم أعاد حسن العلاقات مع مصر بمصاهرة جديدة دونت أخبارها في «رسالة ميتاني» المكتشفة في تل العمارنة جنوبي مصر، وتعد أهم وثيقة لغوية وأطول نص باللغة الحورية، حتى اليوم. وهي تتحدث عن المفاوضات المتعلقة بزواج ابنة الملك توشراتا (تادوخيبا). أو باللغة الحورانية تتو ـ خِبا (نفرتيتي) من الفرعون أمنوفس الثالث في أواخر عهده. وهناك بعض التكهنات في هذا الصدد تدعي أن نفرتيتي و تادو-هِبا هي امرأة واحدة.

اللغة والكتابة

اعتمد الحوريون الكتابة المسمارية في تدوين لغتهم الهندو ـ آرية، كما دونوا وثائق باللغتين الأكادية والحثية. انتشرت لغتهم على نطاق واسع عند اتساع مملكتهم في أواسط الألف الثاني ق.م، وصارت تأخذ مكانها ضمن المعاجم متعددة اللغات.

كما تم العثور على مجموعات من الوثائق الحورية في نوزي (جنوبي كركوك) ومحيطها. وفي ماري (تل الحريري) وإيمار (تل مسكنه) على الفرات الأوسط. وفي أوغاريت، وفي العاصمة الحثية حاتوشا (بوغازكوي شرقي أنقرة)، كما ترد تعابير ومفردات وأسماء أعلام حورية. في كثير من الوثائق المكتوبة المكتشفة في مناطق الشرق القديم المختلفة.

أهم الالهة

عبد الحوريين آلهة خاصة، طابقوها بمرور الزمن. مع آلهة معروفة في بلاد الرافدين وسورية، ومن أقدمها آلهة إيبلا ومنها (أشتبي، أدمّا، إشخارا). أما أبرزها فهو كمَربي أبو الآلهة، وقد صارت مدينة أوركيش المركز الرئيس لعبادته.

ومن الآلهة التي عبدوها : تشوب ملك الآلهة وإله الطقس، ثم في حلب وإبلا، وقرينته خِبات التي تمتعت بمكانة متميزة في شمالي سورية، والهة الحب والحرب شاووشكا (عشتار الحورية)، وشيميك إله الشمس. وكُشُخ إله القمر، وغيرها. كما أسهمت الهجرة الحورية الثانية التي أثمرت عن نشوء مملكة ميتاني في انتشار عبادة آلهة هندو ـ آرية قديمة (ميثرا، فارونا، إندرا، ناستيا) في المنطقة.

بالإضافة إلى أن الحوريين مارسوا شعائر دينية خاصة، وكانت لهم أعياد محددة الزمان. وقد احتفلوا بها في المعابد وفي غابات صغيرة مقدسة. وركزت الشعائر على مسائل تطهير الروح والبركة الإلهية والتفكير والتأثيرات السحرية، كما اهتم الحوريون بالتعويذات والنبوءات والكهانة والعرافة. وتأثر الحثيون وغيرهم بالمعتقدات الدينية الحورية.

آثار مملكة ميتاني

تعد آثار الحوريين المادية المكتشفة قليلة نسبياً، فالعاصمة وشّوكاني لم تكتشف بعد. والتنقيب في أوركيش مازال يركز على القصر الملكي العائد إلى 2250ق.م تقريباً.

إذ عثر على آثار حورية متفرقة وفي مواقع متباعدة، ويصعب الحديث حالياً عن خصائصها العامة المشتركة، ما نجده في النماذج الفخارية المعروفة بـ«فخار نوزي» المتميزة بأسلوب تشكيلها وزخرفتها وألوانها، وكذلك في «أختام كركوك» الأسطوانية المتميزة بموضوعات المشاهد المصورة عليها وبمادة صنعها وأسلوب النقش فيها.

نهاية مملكة ميتاني

بدأت علامات الضعف بالظهور على ميتاني في أواخر عهد الملك تشراتّا، إذ ازدادت الدولة الحثية المنافسة قوة في عهد ملكها سوبيليليوما الأول. الذي تمكن من الاستيلاء على كركميش نحو عام 1340ق.م.

في ذلك الحين دبت الخلافات بين أعضاء الأسرة الحاكمة. وأصبحت ميتاني تابعة للدولة الآشورية. ولم تستطع مصر مساعدة حليفتها السابقة ميتاني؛ بسبب الضعف الذي كانت تعانيه على أثر حركة أخناتون الدينية. وما ترتب عليها من مشكلات داخلية.

بذلك مهد كله الفرصة للملك الآشوري شلمنصـر الأول.  لكي يوجه الضربة الأخيرة لميتاني ليلحقها بالدولة الآشورية ويهجّر 14400 نسمة من سكانها. أما بقية الحكام الميتانيين فقد انسحبوا إلى الشمال الشرقي. وهناك أنشؤوا مملكة صغيرة عرفت باسم حوري  التي أصبحت نواة لدولة أورارطو في الألف الأول قبل الميلاد.

المراجع

1. britannica
2. Worldhistory
3. Britannica
4. Historyfile
5. Researcher

تأخير الانهيار بين حكمة مملوكية وغضب عثماني، في مسألة الغزو العثماني لمصر

تحدثنا كتب التاريخ هنا أنه رغم انتصار المماليك على العثمانيين في أول صدام مسلح بين الطرفين بسبب علي دولات، فقد آثر قيتباي حقن الدماء وأرسل قاصده جاني بك بهدية فخمة لترضية بايزيد الثاني. غير أن صدى الهزيمة التي منى بها العثمانيين قد زادت نار العداوة والغضب لدى السلطان العثماني وحملته على الانتقام الثاني من قايتباي. في هذه الأثناء وعند تحرك قاصد المماليك بهدف الصلح، كانت أعمال التجسس العثمانية عاملة بشدة في سلطنة المماليك، لتهيئة الأمر لجعل مصر والشام إيالات عثمانية. فالمصادر العثمانية تتحدث وقتذاك عن شخص مملوكي يدعى خاير بك قدم من الشام، التقى مع علاء الدولة أمير ذولقادر فأرسله إلى الصدر الأعظم مصلح الدين بك حاملا معه الرسائل والأخبار لكي يعرضها على السلطان. والرسالة محفوظة في أرشيف طويقبوسرايي باستنبول تحت رقم 06201.

قد تكون هذه أولى خيوط الخيانة لخاير بك الذي لم تحدده المصادر التاريخية. وقد لعب خاير بك الدور الأهم في زوال سلطنة المماليك الذي كلف مصر استقلالها ومركزيتها لعدة قرون. وبدافع هزيمة بايزيد الأولى هذه، رفض كل نداءات الصلح واعتدى على حدود المماليك المجاورة لتخوم الدولة العثمانية. فسيّر له قيتباي حملة بقيادة القائد أزبك وانتهت معركتهما بهزيمة العثمانيين وأسر أحد أمرائهم وهو أحمد بك ابن هرسك.

عاود بايزيد الكرة بعد عام تقريبا بالمناوشة، فأرسل له قيتباي الأمير أزبك مرة ثانية. وقبل أن يصطدم الطرفان، أرسل ثمة جاسوس يدعى إياس رسالة للسلطان العثماني يصف له فيها الاضطراب الذي ساد مصر والشام على يد العربان بقيادة يونس بك ابن عمر وأحمد بك ابن طلحة وجمعة أمراء الفيوم، ويستحثه على اقتناص الفرصة لإخضاع دولة المماليك بإرسال سفنه إلى طرابلس الشام والإسكندرونة. وحرك السلطان العثماني أسطوله نحو شواطيء الاسكندرونة، إلا أن عاصفة عاتية هبت وأغرقت معظم قطعه ولم تنجح خطة بايزيد في قطع الطريق على قوات الأمير أزبك، كي لا يصل إلى أذنة الذي حاصرها ثلاثة أشهر حتى سلمت له. وعاد أزبك منتصرا وفي ركبه عددا من الأسرى العثمانيين الذين دخلوا في خدمة المماليك واقتطعت لهم ثكنات سميت ب”العثمانية” نكاية في بايزيد.

إصرار بايزيد أمام سيف أزبك

اعتزم بايزيد المضي في هذه الحرب حتى النهاية، فالديوان العثماني لم يكن قد اعتاد على إنهاء حرب لم تكلل بالنجاح، على حد تعبير المؤرخ التركي يلماز أزوتونا. فلم يكد الأمير أزبك يولى وجهه شطر إلى القاهرة، حتى تحركت حملة عثمانية ثالثة جنوبا صوب المملكة المملوكية بأطراف أسيا الصغرى. فرد عليها قيتباي بتسيير حملة عسكرية لحماية نيابة حلب على أن يدعمها بجيش كبير إذا تطلب الأمر ذلك. غير أن قيتباي ظل يبحث عن سبل عقد الصلح مع بايزيد الثاني لسوء أحوال الخزانة السلطانية جراء النفقات الحربية التي صرفت للحملة الأولى والثانية. ومن سوء الطالع في هذه الأثناء، أن المماليك الجلبان قاموا بإشعال فتيل الفتنة معترضين الأمراء وطالبين منهم أن ينفق السلطان لهم مقابل نصرهم على العثمانيين. وأمام رفض قايتباي لشح الخزانة السلطانية، تهيأ الجلبان للإقتتال وإشهار السلاح.

وبعد توسط  من الأمير أزبك تقرر صرف خمسين دينار لكل مملوك مع بداية السنة. وكانت أحداث الجلبان هذه كاشفة للضعف العام الذي مُني به النظام المملوكي. وتحت كل هذه الضغوط التي أحاطت بقايتباي، ظل يعلل النفس بآمال الصلح مع بايزيد في حكمة مملوكية وغضب عثماني. وآية ذلك كان وصول القاصد العثماني من قبل داوود باشا مدعاة إلى الأمل في الصلح. ويبدو أن قايتباي كان متشككا في جدية بايزيد في الصلح فعمل في الوقت نفسه على إتمام الإستعدادات العسكرية.

فبينما كانت مفاوضات الصلح جارية، وصلت الأخبار بأن جندًا عثمانية تجمعت قرب قيصرية. وأن علاء الدولة أرسل إلى قيتباي يخبره بوصول فرقة عثمانية إلى بلدة كولك قرب الحدود المملوكية. لذلك أعد بالقاهرة جيشا أعلن فيه على رؤوس الأشهاد أنه سوف يقود الجيش بنفسه إلى الشام. في هذه الأثناء تحرك أزبك بجيشه نحو الشمال وبعث ماماي الخاصكي كرسول إلى الفرقة العثمانية لبحث سبل التصالح، غير أن العثمانيين قبضوا عليه وسجنوه. ملّ أزبك الإنتظار، فتوجه بجيشه صوب العثمانيين وجلاهم عن كولك، ثم زحف منتصرا نحو قيصرية وهزم الحامية العثمانية هناك وأسر كثيرا من قادتها. ثم تحرك بجيشه نحو ماونده دون أي اشتباك أو قتال، وعاد إلى مصر ودخل القاهرة دخول الظافر المنتصر.

خطوة لتأجيل الانهيار المملوكي

لم يفرح قايتباي كثيرا بهذا الإنتصار الثالث والسريع على بايزيد الثاني. إذ توقع ما قد تثيره هذه الهزيمة من سوء طالع في نفس السلطان العثماني، من عزم على الإنتقام لشرفه العسكري. لا سيما والخزائن السلطانية خاوية على عروشها خاصة في ظل تدهور الأوضاع الداخلية عقب الحملة الأخيرة والتي تركت أثرا سلبيا على الاقتصاد المملوكي، مقابل الموارد العسكرية الطائلة للعثمانيين. فعقد مجلسا بقبة يشبك وشرح الموقف شرحا جليا بحضرة القضاة الأربعة وقال لهم: “بأن ابن عثمان ليس براجع عن محاربة عسكر مصر. وأن أحوال البلاد الحلبية قد فسدت وآلت إلى الخراب، وأن التجار منعوا ما كان يجلب إلى مصر من الأصناف. وأن المماليك الجلبان يرمون مني النفقة وإن لم أنفق عليهم شيئا نهبوا مصر والقاهرة وحرقوا البيوت.” لذلك اقترح قيتباي من القضاة أن يوافقوه على جباية أجرة سنة كاملة عن جميع ممتلكات الأوقاف، فوافقوه على جباية خمسة أشهر فقط، إضافة إلى جبايات أخرى بسائر مصر والشام، وامتلأت  القاهرة بأخبار الحرب، وعزم السلطان على أن يخرج هذه المرة على رأس الجيش.

إن المتأمل في خطبة أو خطاب قايتباي هذا أمام مجلسه، يجد صدى وإشارة واضحة لما قد آلت إليه أحوال البلاد من خراب بمصر والشام نهاية القرن التاسع الهجري أو الخامس عشر الميلادي. فحلب قد خربت عن آخرها وضاق الأمر بالناس ذرعا من عسكر المماليك وسلاطينهم. فمع كل تجريدة عسكرية على عدو لهم، يفرضون الضارئب الفاحشة على الناس ويسلبون التجار أموالهم. وإذا كانت دمشق هي قاعدة الجيش المصري للانطلاق نحو الشمال والتي تحملت عبء تكاليف الحملات العسكرية هذه قد تقهقرت وخربت، فالجنود المماليك قد عاثوا في الأرض فسادا ونهبوا وسرقوا وحلوا محل أهلها في سكنى الديار. مما أجبر نائبها يشبك الجمالي على ترك منزله والخروج من المدينة خوفا على حياته، حسب تعبير ابن طولون.

إسقاطات خطبة قايتباي على مستقبل المماليك

سيخلف ذلك السلوك الأثر السلبي على فلول عسكر المماليك بعد معركة مرج دابق. فحينما يعلم الحلبيون وأهل دمشق بهزيمة المماليك على يد سليم الأول، اتخذونها فرصة للإنتقام وتصفية ما يجدونه أمامهم من جنود. أما الشيء الأكثر خطورة في كلام قيتباي هو الإشارة إلى انحلال النظام الداخلي للجيش المملوكي وعقيدته التي كانت مبنية على أساس الطاعة العمياء لأستاذه والقناعة التامة بما يخصص له من نفقة أو إقطاع. فقد تداعى هذا النظام كثيرا وتصدع  بنيان وأساس النظام السياسي المملوكي. حيث باتت المماليك الجلبان آداة للفوضى والعدوان ضد أهالي البلاد الأمنين وشوكة في حلق كل سلطان مهددين بالثورات ضدهم كل حين وأخر. وتحت وطأة هذه الضغوط المالية على قايتباي وإنفلات جبهته الداخلية وأخبار الحرب الشاملة تدوي في القاهرة، فقد حدث ما لم يكن في الحسبان.

الدبلوماسية تنقذ الوضع

عاد القاصد المملوكي ماماي الخاصكي من البلاد العثمانية بصحبة قاضي قضاة بروصة الشيخ علي الجلبي، يحمل تفويضا بالصلح على شروط قايتباي. وهنا التقت مصالح المماليك والعثمانيين في الصلح ولكل أسبابه، وذلك على مضض من اتجاه كبير في مجلس الحرب العثماني. وكان باي تونس الحمصي المتوكل على الله -مدفوعا بتحركات الجيوش المسيحية بقيادة فيرديناند الخامس وزوجته إزابيلا الأولى لانتزاع غرناطة أخر المعاقل الإسلامية بالأندلس، ومحاولة توحيد قوتي العالم الإسلامي الأولى والثانية لتدارك الخطر الذي يواجه سكان الأندلس والشمال الإفريقي – هو من لعب دور الوساطة والاتفاق على إرجاع الوضع على ما كان عليه قبل الحرب. فعادت تبعية إمارة بني رمضان وذلقادر إلى المماليك، وإمارة قرمان تحت النفوذ العثماني. فأنقذت الحكمة المملوكية المماليك من الغضب العثماني ولو مؤقتًا.

يبدو أن أسباب الصلح العثمانية هي إعادة ترتيب الأوضاع وبحث سبل فهم أسباب تفوق المماليك في هذه الحرب التي ظلت طيلة ثمانية أعوام حسوما. فسياسة الدولة العثمانية العالمية التي بزغت منذ سقوط القسطنطينية، ألزمت جراء هذه الحرب المملوكية العثمانية الأولى توجيه الأنظار إلى جوقور أوفا التي احتلتها عدة مرات. وأظهرت ضرورة توسع العثمانيين في الأناضول ثم هبوطهم لا محالة إلى العالم العربي لحل مشكلة الحدود نهائيا. وحينها سيحشد العثمانيين كل قواهم في حربهم  الفاصلة ضد المماليك لسيادة العالم الإسلامي. ومعها ستذهب الدولة المملوكية من مسارح التاريخ إلى كتبه وتقبع في خيالات المؤرخين.

تلك كانت حلقة ثاني حلقات سلسلة بعنوان “في مسألة الغزو العثماني لمصر وللشام”.

المصادر:
ابن اياس بدائع الزهور في وقائع الدهور، أجزاء الثالث والرابع والخامس.
العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك لابن أجا.
إنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر العسقلاني.
أخرة المماليك لابن زنبل.
در الحبب في تاريخ أعيان حلب لابن الحنبلي.
حوادث الزمان في وفيات الشيوخ والأقران لابن الحمصي.
مفاكهة الخلان في حوادث الزمان لابن طولون.
مقالة نهاية سلاطين المماليك، دكتور محمد مصطفى زيادة.
المجتمع المصري تحت حكم العثماني مايكل وينتر.
تاريخ الدولة العثمانية، يلماز اوزتونا.
تاريخ المماليك، محمد سهيل طقوش.
دراسة بعنوان “التجسس في العصرين الأيوبي والمملوكي”، عبدالله عيد كمال.
تكوين العرب الحديث، سيار الجميل.
– التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية، محمد بن أبى السرور الصديقي البكري.
الفتح العثماني للشام ومصر، أحمد فؤاد متولي.

استكشاف أسرار مملكة الرُها القديمة

في أعماق أروقة التاريخ وعلى أرض الشرق الأوسط، تتجسد مملكة الرُها القديمة كرمز للثراء الثقافي والتاريخي. إذ إنها أحدى الحضارات القديمة التي تنسجم ببهائها وتعمقها مع خيوط الزمن. حيث تتلاقى الأساطير والحقائق في سرد ملحمي يروي قصة هذه البقعة الفريدة.

موقع مملكة الرُها

تقع مملكة الرُها في منطقة الجزيرة الفراتية. وتحديداً في الجزء الشمالي من سوريا بين نهري دجلة والفرات(جنوب شرق تركيا حالياً). تأسست هذه المملكة في مدينة الرُها عام (132 ق.م _ 244 م).

وقد سميت بعدة اسماء منها (اسروينا، أورهي، أدما، اديسا، عربايا). لأن سكانها من العرب الآراميين وكانت نسبة من سكانها من اليهود. وهذا ما كان يميزها عن باقي المدن. ويذكر إنها أولى الممالك التي اعتنقت الديانة المسيحية؛ ولهذا لقبت باسم المدينة المقدسة.

تاريخ مملكة الرُها

 كانت مملكة الرُها مستوطنة قديمة، تم اختيارها لموقعها المفيد على سهل خصب مع مياه وفيرة من فرع قريب من نهر الفرات، بينما كانت محمية أيضاً بحلقة من التلال إلى الجنوب.

كان الموقع مركزاً لعبادة إله القمر. حيث قام سلوقس الأول، أحد قادة الإسكندر الأكبر المقدونيين الذين أسسوا الإمبراطورية السلوقية. بتأسيس المدينة كمستوطنة عسكرية في عام 304 قبل الميلاد. وأعطاها سلوقس الاسم الجديد للرها (إديسا)، بعد الاسم الأصلي للعاصمة القديمة لمقدونيا.

في القرن 2 قبل الميلاد، أصبحت العاصمة والمقر الملكي لمملكة الرُها. بالإضافة إلى أنَّ سكان الرُها كانوا مزيجاً من اليونانيين والبارثيين والآراميين الساميين. على الرغم من أن المملكة كانت في الواقع، دولة تابعة لبارثيا، إلا أنها أثبتت أنها منطقة عازلة مفيدة بين تلك الإمبراطورية والإمبراطورية الرومانية الناشئة.

حكام مملكة الرُها

حكمت الرها أسرة ذات أصول عربية وهي الأسرة الأبجرية. وسميت كذلك؛ نسبة لتكرار اسم ابجر او أبكر بين حكامها. ومعنى (ابجر) في اللغة الأرامية (أعرج). ومعناها باللغة العربية (صاحب الكرش). وكان عدد الحكام الذين توالوا على عرش مملكة الرُها ٣٠ ملكاً. وسنبرز منهم أهم الحكام:

أول ملك محلي استولى على عرش مملكة الرُها كان (اريو). ثم خلفه على حكم المملكة الملك (عبدو بن زرعو). الذي خلفه (أبراداشت) ، وخلفه (بكرو الأول) في سنة 94 ق.م شاركه في الحكم (معنو) وذلك لمدة أربعة أشهر. ثم شاركه في الحكم (أبجر بيقا) الذي قتل الملك (بكرو الثاني) في سنة 92 ق.م واستولى على عرش المملكة. وبعد ذلك خلفه أبجر الخامس أوكاما (الأسود) الذي كان من أهم الملوك المؤثرين في تاريخ المدينة، خصوصاً على صعيد الأسبقية الدينية المسيحية عبر مراسلاته الشهيرة مع المسيح و تلاميذه، وعبر دعوتهم مراراً إلى المدينة لإضفاء البركة عليها.

في السنة العاشرة لمملكته حدثت فتنة في أورهاي نفي على أثرها الملك أبجر أوكاما. و حكم عوضاً عنه أخوه (معنو الرابع). وأخيراً كان (أبجر الحادي عشر أبراهاط) سنة 242م، لم يستمر حكمه سوى سنتين، ومع نهاية حكم (أبجر الحادي عشر)، انتهت مملكة الرُها سياسياً.

الأوضاع الاقتصادية

شكلت الزراعة المصدر الأول للإقتصاد في الرُها، وعماد ثروة البلاد، ويشرف على الأراضي الزراعية الواقعة حول المدينة موظف يدعى (والي العرب). يقوم بجباية الضرائب من السكان ويحمي المزارعين من تعديات البدو والاعراب.

كما تركزت الزراعة في الأرياف والقرى وأهمها: زراعة الكروم والحبوب والخضار، ولم تكن حياة الفلاحين مرفهة وكثيراً ما كانوا يعجزون عن دفع الضريبة المتوجبة عليهم. كما شغل الصّناع مكانة متميزة في مملكة الرُها فقد أدّت التجارة دوراً مهماً في تعزيز مكانة مملكة الرُها وإنماء ثروتها.

فقد كان معظم التجار من المحليين والسلعة الرئيسة فيها الحرير. غير أن الحركة التجارية تراجعت بعد تحول طرق التجارة إلى البحر الأحمر ثم تدهورت بعد أن عمد الرومان إلى تربية دودة الحرير وإنتاج هذه السلعة ما أثّر ذلك على أوضاع التجار فترك قسم كبير منهم حرفتهم وانضموا إلى الحرس الملكي.

الديانة واللغة

اعتنق أهل مملكة الرها في بداية حياتهم، الوثنية كما انتشرت في بلاد الرافدين، وتقوم على عبادة الكواكب وبعض مظاهر الطبيعة. وتسمى الناس باسمائها وشيدوا لها الاصنام والمعابد وقدموا لها الاضاحي. نذكر أهم الهتهم: الشمس وسموها بعل عجلول، والقمر وأطلقوا عليه اسم سين ورسموه على نقودهم وتيجان ملوكهم. بالاضافة إلى بعلشمين وهو كبير الالهة.

واعتنقت فيما بعد الديانة المسيحية في العصر البيزنطي، فقد كان الأدب السرياني المسيحي الذي  تشكل منذ اللحظات الأولى لوجود المسيحية، ترسخ مع الزمن، ليصبح جزءاً من تاريخ المدينة السريانية، التي قامت بتصديره إلى العالم المسيحي في الخارج، لتتأثر بها المناطق القريبة كأرمينيا بداية وروسيا في وقت متأخر.

وصلت شهرة المدينة في ذلك العصر إلى أقاصي أديرة وكهوف الرهبان في الغرب الأوربي. تربعت المدينة في العهد البيزنطي على قائمة المدن في الأهمية بالنسبة للدين المسيحي، عبر تقليدها العريق في الأدبيات الدينية. ويبدأ التقليد المسيحي الرهاوي بنقاش فكرة دخول المسيحية إلى بلاد ما بين النهرين وإلى الرها على الأخص.

إن التقليد في كنيسة مملكة الرها وما بين النهرين عموماً؛ يؤكد أن الرسل الذين بشروا في هذه المنطقة هم أربعة: توما الرسول؛ حواري المسيح، ثم التلميذ أدي من السبعين الذين اختصهم المسيح للكرازة. ترسخ هذا التقليد في كتب تاريخ مدينة الرها مع بدايات القرن الثالث الميلادي، ليزداد رسوخاً خلال القرون اللاحقة.

بعض المؤرخين يرجح أن يكون للمجوس الذين زاروا القدس، لرؤية المسيح، دور في نشر الدين في منطقة ما بين النهرين في القرن الأول الميلادي، بعد عودتهم إلى بلادهم. كما كانت لغة المملكة الرسمية هي اللغة السريانية والتي تسمى “لغة الرها” حيث أن هذه اللغة نشأت وانتشرت من هذه المدينة، وفي هذه المدينة استحدث الخط الأسطرنجيلي من الخط التدمري. والذي هو بدوره مستحدث من الآرامي والمسند اليمني.

البقايا الاثرية في الرها

شهدت بقايا أثرية قليلة ثمينة من تاريخ مملكة الرها الطويل والحافل بالأحداث لا تزال مرئية اليوم. ولعلَّ أكثر ما يلفت الانتباه هو عمودين، يبلغ ارتفاع كل منهما حوالي 18.2 متر (60 قدما)، يقفان على قلعة المدينة. كانت الأعمدة تعلوها ذات مرة تماثيل الملك أبجر الثامن وملكته ولكنها تعود إلى القرنين 3 و 4 الميلاديين كما هو موضح في نقش سرياني على إحدى القواعد.

تنتمي إلى تاريخ مماثل بقايا بركتين كبيرتين من الأسماك، كانتا تستخدمان في السابق للحفاظ على سمك الشبوط (الكارب) لاستخدامات دينية لآلهة الخصوبة.  وهناك بعض الأجزاء من جدران التحصين في المدينة لا تزال في الموقع والعديد من المقابر والفسيفساء من أواخر العصور القديمة وأوائل العصور الوسطى في الرها. غالبية هذه الفسيفساء تعود للطبقات العليا الغنية، وغالباً ما تُظهر مشاهد من الحياة اليومية أو تمثيلات لشاغلي القبر وأسرهم.

أيقونة منديل الرها

وفقاً للأسطورة التي تم تسجيلها لأول مرة في القرن ال 6 الميلادي، أصبح (أبغار الخامس)، ملك الرها في أوائل القرن الأول الميلادي، مريضاً بشكل خطير ودعا يسوع المسيح لعلاجه. كان غير قادر على الزيارة شخصياً، ضغط المسيح على وجهه على قطعة قماش، مما ترك انطباعاً، ثُم أرسل قطعة القماش إلى أبغار. عند تلقي الهدية، تم شفاء الملك بأعجوبة وأصبح مسيحياً. والأهم من ذلك، كان يرافق المنديل رسالة، تعتبر في حد ذاتها أثراً مُقدساً، تنُصُّ على أنه طالما كانت المدينة في حوزتها المنديل، فلن يتم الاستيلاء عليها أبداً من قبل جيش العدو.

يبدو أن قصة المنديل استندت إلى التحول الفعلي إلى المسيحية لملك لاحق يحمل نفس الاسم، أبغار التاسع. مهما كانت أصول القصة، فإن الحقيقة المهمة هي أن شعب الرها، إلى جانب العديد من الآخرين في العالم المسيحي، اعتقدوا أنها صحيحة.

علاوةً على ذلك، تم نسخ الصورة الموجودة على أيقونة المعجزة، والتي ربما تكون أول الآثار المقدسة من نوعها، في العديد من اللوحات الجدارية والقباب في الكنائس حول العالم المسيحي حيث أصبح التمثيل القياسي المعروف باسم “المسيح ضابط الكُل” مع وجه المسيح الأمامي الكامل يحمل كتاب الإنجيل في يده اليسرى ويؤدي بركة بيمينه. ستلهم الصورة أيضا تصميم عملات الإمبراطورية البيزنطية. كان للمانديليون تأثيرات أخرى أيضا، حيث تم الاستشهاد بالأيقونة بشكل متكرر في الحجج اللاهوتية لتجسد المسيح كرجل حقيقي خلال العصور الوسطى.

الحملة الصليبة الثانية وانهيار مملكة الرها

دعا البابا أوجينيوس الثالث الذي حكم (1145-1153 م) رسمياً إلى شن حملة صليبية، ما يعرف الآن باسم الحملة الصليبية الثانية. الذي قاد الحملة الصليبية الملك الألماني كونراد الثالث ولويس السابع ملك فرنسا.

كما تم نهب المدينة مرة اخرى احتفاءً بقوة نور الدين زنكي الجديدة. وتم ذبح جميع المواطنين الذكور المسيحيين في المدينة، وتم بيع النساء والأطفال في العبودية، تماما كما حصل مع زملاؤهم الغربيون قبل عامين. لضمان عدم إمكانية استخدام الرها مرة أخرى من قبل العدو. وتم تدمير تحصيناتها بشكل منهجي.

المراجع:

1. Worldhistory
2. Britannica
3. Newadvent.org
4. Abouthistory
5. Historyfiled

نشأة فكرة الغزو العثماني لمصر وللشام ونبوءة ابن خلدون

نرفض من منظور تاريخي الحكم القائل بأن الغزو العثماني لمصر وللشام، إنما كان نتيجة لسلسة متصلة من سوء الفهم بين تحركات الغوري وسليم الأول. فلا يعقل أن يحرك كلاهما جيشًا بكامل لواءاته بلا هدف استراتيجي واضح المعالم، لذلك لا نتفق مع ما ذهب إليه الباحث مايكل وينتر ومن دار في فلكه من الباحثين العرب، من أنه حين قاد سليم جيشا قويا في شمال الشام لم يكن واضحًا ما إذا كان يوجه نحو المماليك أو الفرس، وأن تقدم الجيش المملوكي نحو حلب بقيادة قنصوه الغوري خطوة غير عادية. بل إننا نجد رواية عند ابن الحمصي في تناوله لأحداث شهر ربيع الأخر من عام 920 هجرية أي حتى قبل موقعة جالديران بثلاثة شهور يتحدث عن تجمع عسكري للعثمانيين بقيادة السلطان سليم وانتشار الأقاويل بأن مملكة الجراكسة هي المقصودة بهذا التمركز على ما سيأتي بيانه.

نشأة فكرة الإمبراطورية العالمية

لم تكن الأحداث التي دارت بين السلطان قنصوه الغوري والسلطان سليم هي ما أدت إلى الغزو العثماني لمصر والشام. فلم تكن وليدة فترة حكمهم، وإنما كانت لها جذور عميقة وممتدة في التاريخ وترجع إلى عهود سابقة عليهم. وما أعتقده أن فكرة ضم بلاد الشام ومصر للحظيرة العثمانية، هي فكرة قديمة لدى السلاطين  العثمانيين. فإذا كان العثمانيين يرجعون بأصولهم إلى قبائل رعوية يتنقلون من مكان لأخر، أخذين في ضم الأراضي تلو الأراضي ويوحدون القبائل والإمارات ويخضعونها تحت سطوتهم، وعاشوا طيلة تاريخهم في حروب دموية توسعية.

وإذا كان التاريخ العثماني في مجمله يمتاز بصبغة إسلامية في عقيدته السياسية والتوسعية ضمن فلسفة الجهاد. فبطبيعة الحال هنا أن يتطلعوا إلى إقامة دولة عالمية إسلامية، ولن تقم لهذه الدولة المزمعة قائمة دون تغيير محور ارتكاز العالم الإسلامي من شمال أفريقيا وغرب آسيا حيث وجود الخلافة العباسية بالقاهرة، إلى أقصى بلاد الجنوب الشرقي لأوروبا حيث القسطنطينة أواستنبول. فالفكرة وإن كانت قديمة، فإنما قد اختمرت واكتملت في خُلد العثمانيين لحظة سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح  حينما بدأت الدولة طور الإمبراطورية في منتصف القرن الخامس عشر. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الفكرة استراتيجية عامة لدى سلاطين آل عثمان حتى نُفذت على يد السلطان سليم الأول.

في الوقت الذي كانت فيه القاهرة تسُر وتحتفل للانتصارات العثمانية في أوروبا لاسيما فتح القسطنطينية. لم تكن آراء محمد الفاتح في الدولة المملوكية وسلاطينها -كما يحدثنا المؤرخ التركي يلماز أزوتونا- آراءًا طيبة على أي حال، رغم إخفائها بدقة ومهارة. فالسلاطين المماليك بالنسبة لمحمد الفاتح ” عبيدًا شركسيين”  لا ينحدرون مثله من أوغزخان. وبينما هو الخلف الشرعي لبني سلجوق، وبني سلجوق هم أسياد أسياد ” الأتابكة الزنكيين” الأيوبيين الذين هم أسياد المماليك. لذلك فإذا كان المماليك يتمتعون بفضل الإسلام، فالعثمانيون قد تقلدوا سيفه.

نبوءة ابن خلدون

لم يدر في خلد سلاطين المماليك هذه الأفكار الخطيرة التي لدى العثمانيين عنهم أو رغبتهم في تحقيق الغزو العثماني لمصر والشام. كما لم يدر في خلدهم أيضا بطبيعة الحال بعد احتلالهم البلقان ودويلات أسيا الصغرى، أن العثمانيين سيعملون على إخضاع السلطنة المملوكية لهم. وكان تجسيد هذه الفكرة بطريقة عملية قد حدثت زمن السلطان خشقدم حينما أتاه قاصد من لدى محمد الفاتح عام 868 هجرية و1464 ميلادية حينما رفض السفير العثماني الإنحناء أمام السلطان المملوكي بالقاهرة. خالف السفير بفعلته الأعراف الدبلوماسية المتبعة آنذاك

“فلم يُقبّل الأرض على جاري العادة من القصّاد، فحنق منه السلطان ولم يخلع عليه، ولما قرأ مكاتبة ابن عثمان، لم يجد بها ألقابا بما جرت به العادة فزدات حنقه وكاد أن يفتك بالقاصد ويشوش عليه فمنعوه الأمراء من ذلك، وكان هذا سببا لوقوع العداوة بين سلطان مصر وبين ابن عثمان واستمرت الوحشة عمالة بينهما إلى دولة الأشرف قيتباي”على حسب تعبير ابن إياس. 

ونحن لا نتفق مع ما ذهب إليه ابن إياس من فهم هذا التصرف من السفير العثماني على علاته هكذا دون التعمق في فهم دلالاته. وإنما كانت الاختبار الحقيقي لتجسيد فكرة الأحقية بالزعامة الإسلامية الكامنة لدى العثمانيين منذ زمن طويل. وخلاف لابن إياس، هناك مؤرخ ألمعي أخر وهو ابن خلدون،  كان قد استقرأ هذه الفكرة عند العثمانيين وتنبأ بالوضع الذي ستؤول إليه تلك الوقائع السياسية نهاية المطاف. يحدثنا ابن حجر العسقلاني في كتابه “إنباء  الغمر” في وقائع سنة 797، من أن الظاهر برقوق كان يشير دائما إلى تحذير ابن خلدون له بمقولته “ما يُخشى على مُلك مصر إلا من ابن عثمان”. وهذا على الرغم من وجود الخطر التيموري وقتذاك، فالظاهر برقوق يقول: “لا أخاف من اللنك فإن كل أحد يساعدني عليه وإنما أخاف من ابن عثمان”.

حذر وريبة رغم خطر تيمورلنك

لا نتفق مع ما ذهب إليه د. محمد مصطفى زيادة في مقالته ” نهاية السلاطين المماليك في مصر”، من أن المتتبع لحوادث الشرق الأوسط من أوائل القرن الخامس عشر إلى أوسطه لا يستطيع أن يجد فيها ما يدل على احتمال وقوع الحرب المملوكية العثمانية. فالترجمة الحقيقية لفكرة ضم ممتلكات وأراضي السلطنة المملوكية إلى السلطنة العثمانية، إنما بدأت باكرا منذ عهد السلطان مراد الأول 1359-1382، حينما أرسل قصاده إلى السلطان برقوق ليحذره من مغبة تحرك تيمور لنك وخطره على المماليك أو العثمانيين سواء. ورغم مخاوف السلطان برقوق من هذا الخطر التيموري القادم نحو بلاده، إلا أنه كان يخاف أكثر وأكثر من أطماع العثمانيين في مملكته. وبالفعل صدقت مخاوف السلطان برقوق الذي كان قليل الثقة ببايزيد الأول. فالسلطان  بايزيد هاجم قيصرية، والتي كانت مشمولة بحماية المماليك. ولكن مع  تجدد الخطر التيموري تجاه الأراضي العثمانية، بادر بايزيد بالاعتذارعما بدر منه تجاه قيصرية، واتخذ من سياسة التقرب نهجا مع برقوق لأنه يعلم بأن لا نصير له سوى المماليك.

هكذا كانت سياسة العثمانيين المتبعة مع المماليك، غلب عليها الود وتبادل الهدايا بفضل عداوة الخطر التيموري. بل وقد تصل إلى حد التحالف وعدم إظهار أية أطماع لصد هذا الخطر المدمر. غير أن أطماع العثمانيين كانت تدفعهم من آن لأخر للإغارة على بعض مناطق مشمولة بحماية المماليك. ففي عهد السلطان فرج، أسفرت محاولة بايزيد الصاعقة عن إظهار وجه العثمانيين الحقيقي برغبتهم الدائمة في تزعم العالم الإسلامي وحرمان المماليك من هذا الشرف. ففي سنة 1400، استولى بايزيد الصاعقة على ملطية وحاصر دارندة. وبعدها حاول التقرب مع السلطان المملوكي لصد الخطر المغولي القائم، لكن تم رفض طلب التحالف بعد مشاورة أمرائه. وكانت هذه فرصة جيدة سنحت لتيمور لنك من هزيمة القوتين كلا على حده. فهزم المماليك بالقرب من دمشق عام 1400، وهزم بايزيد الصاعقة وأسره في موقعة “جوبوق أووه” بالقرب من أنقره من عام 1402. وهذه الهزيمة توصف في الأدبيات التركية بإحدى أكبر الكوارث والتي أخرت نمو العثمانية وفتوحاتها نحو نصف قرن بتعبير ” يلماز أزوتونا”.

الحدود الشمالية تشعل الخلاف

بتولية خشقدم عرش السلطنة المملوكية، ما لبست العلاقة أن ساءت مع السلطان محمد الفاتح نظرا لاصطدام مصالح الدولتين في مناطق شرق الأناضول وجنوبه. فبدأ العثمانيون يتدخلون في شئون بعض الإمارات المشمولة بحماية المماليك، كإماراتي ذو القادر وقرمان. وقد ارتكزت عليهما الدولة المملوكية في الدفاع عن أمن أطرافها الشمالية. فكانت إمارة ذو القادر أيام حكم سليمان بك الذي كان على علاقة  حسنة سواء بالمماليك أو العثمانيين، بيد أن كل طرف  كان يريد تنصيب أمراء معينين يضمن ولائهم. فتمكن شاه بوداق من حكم الولاية وتحالف مع المماليك، على غير رغبة محمد الفاتح الذي تدخل من جانبه وأستطاع أن يعين مكانه شاه سوار لتأكده من ولائه للعثمانيين. الأمر الذي حمل خشقدم على الغضب، غير أن القدر لم يمهله  الكثير للرد عليه.

وعندما قويت شوكة شاه سوار تمرد على العثمانيين فسنحت الفرصة للماليك لتجريد حملة عسكرية عليه، وتمكنوا من أسره وشنقه على باب زويلة ونصّب قيتباي مكانه شاه بوداق مرة ثانية. لم يستسلم محمد الفاتح للأمر، فقام بمساعدة علاء الدولة صنيعة العثمانيين الذي كان يسميه ابن إياس بعلي دولات وبه بُدء أول صدام مسلح بين الطرفين. فيقول ابن إياس: “إن أصل هذا الصراع، كان تعصب ابن عثمان لعلي دولات وكان ابن عثمان متحاملا على سلطان مصر في الباطن بسبب أشياء لم تبدو للناس”. وعلى ما يبدو أن السبب المباشر لهذا الصراع المسلح هو رغبة العثمانيين الإنتقام من المماليك لإيوائهم ومؤازرتها للأمير جم. فجهز بايزيد حملة عسكرية بمساعدة قوات تركمانية منشقة عن المماليك لمساعدة علاء الدولة لمهاجمة ملطية. فتصدى لهم تمراز الشمسي واستطاع أن ينزل هزيمة فادحة بالعثمانيين، وعادت القوات المملوكية لثكناتها العسكرية مكللة ببشائر النصر.

تلك كانت حلقة أولى حلقات سلسلة بعنوان “في مسألة الغزو العثماني لمصر وللشام”.

المصادر:
ابن اياس بدائع الزهور في وقائع الدهور، أجزاء الثالث والرابع والخامس.
العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك لابن أجا.
إنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر العسقلاني.
أخرة المماليك لابن زنبل.
در الحبب في تاريخ أعيان حلب لابن الحنبلي.
– حوادث الزمان في وفيات الشيوخ والأقران لابن الحمصي.
مفاكهة الخلان في حوادث الزمان لابن طولون.
مقالة نهاية سلاطين المماليك، دكتور محمد مصطفى زيادة.
المجتمع المصري تحت حكم العثماني مايكل وينتر.
تاريخ الدولة العثمانية، يلماز اوزتونا.
تاريخ المماليك، محمد سهيل طقوش.
دراسة بعنوان “التجسس في العصرين الأيوبي والمملوكي”، عبدالله عيد كمال.
تكوين العرب الحديث، سيار الجميل.
– التحفة البهية في تملك آل عثمان الديار المصرية، محمد بن أبى السرور الصديقي البكري.
الفتح العثماني للشام ومصر، أحمد فؤاد متولي.

من هو ماركو بولو؟

يعد “ماركو بولو”  واحدًا من أهم الرحالة وأكثرهم تأثيرًا، حيث قام بمجموعة من الرحلات الكشفية. أضافت رحلاته قدر كبير من الوصف والتسجيل إلى رصيد التراث والمعرفة الجغرافية في العصور الوسطى.

نشأة ماركو بولو

ليس هناك تاريخ محدد لولادة “ماركو بولو”، إنما توجد تخمينات، ولكن التاريخ الأقرب إلى التصديق هو عام 1254م. حيث ولد ماركو في البندقية وكان والده “نيكولو” تاجرًا بحريًا بين البندقية والشرق الأوسط. وكان يتمتع بثروة ومكانة عظيمة في البندقية. انطلق “نيكولو” وشقيقه “مافيو” في رحلة تجارية قبل ولادة ماركو، وفي عام 1260 أقام الشقيقان في القسطنطينية. وتوقعوا حدوث تغيير سياسي، فقاموا بتصفية ثروتيهما إلى مجوهرات واتجهوا إلى آسيا. وقابلا “قوبلاي خان” أكبر ملوك امبراطورية المغول وحفيد “جنكيز خان”. وفي تلك الأثناء، كانت والدة ماركو تحتضر لتتولى عمته تربيته، فتعلم ماركو التجارة والقليل من اللاتينية.

حياته

كان اللقاء الأول بين ماركو ووالده في عام 1269م حيث بلغ من العمر خمسة عشر عامًا، وذلك بعد عودة والده وعمه من رحلتهم. وفي عامه السابع عشر اصطحباه معهما إلى آسيا، وعادوا من تلك الرحلة بعد 24 عامًا ومعهم العديد من الثروات والكنوز. ولكن تزامنت عودتهم مع حرب البندقية و جمهورية جنوى، فانضم ماركو إلى قوات البندقية، ووقع في الأسر لعدة أشهر من قبل جنوى. كان يملي فيهم ما رآه في رحلته لزميله في السجن “روستشيلو دا بيزا”، والذي قام بجمع ما أملاه عليه ماركو عن الصين والهند واليابان إضافة إلى حكايات من بلده وقام بنشرها. وسرعان ما انتشر الكتاب في أوروبا، وعُرف بكتاب “رحلات ماركو بولو”، حتى أنه ألهم كريستوفر كولومبس في رحلاته.

في أغسطس 1299م، أطلق سراح” ماركو بولو” وعاد إلى البندقية، وكان والده وعمه قد اشتريا منزلًا كبيرًا في “كونترادا سان جيوفاني كريسوستومو”. كما طورا أنشطة شركتهم، مما جعل ماركو تاجرًا ثريًّا. موّل ماركو العديد من البعثات إلى الشرق الأوسط. وتزوج من”دوناتا بادوير” في عام 1300م، ورزقا بثلاث بنات هن “فانتينا، وبيليلا، وموريتا”.

أهم رحلات ماركو بولو

قام”ماركو بولو” برحلتين مهمتين نحو الصين مرورًا بالشرق الأوسط. وأهمية تلك الرحلات تتمثل فيما تم تجميعه من معلومات حول الصين والمناطق المجاورة. مثل التبت وبورما، والتي نقلها إلى أوروبا عند عودته.

خرجت الرحلة الأولى من البندقية متجهة إلى هرمز عند مدخل الخليج العربي. ثم اتجهت شمالًا متتبعة طريق الحرير عبر وسط آسيا مرورًا ببلاد الرافدين وفارس وبلخ. وزار القائمين على الرحلة في طريقهم بخاري ثم اتجهوا إلى البامير. ثم واحة كشغر ومنها إلى لوب نور، وعبروا بعدها صحراء جوبي القاحلة حتى وصلوا إلى الصين. وقد زار الأخوان بولو وبصحبتهما ماركو بلاط خان الصين العظيم “قوبلاي خان” الذي رحب بهم وأبدى رغبته في الاستفادة من الحضارة الغربية. لذلك طلب من الأخوين بولو تسليم رسالة يطلب فيها إرسال مئة من العلماء ورجال الدين لتعليم المغول مبادئ الدين المسيحي والثقافة الغربية. ولكن البابا رفض طلب زعيم التتار.

انتظر الأخوان 12عامًا للقيام بالرحلة الثانية، والتي لم يتغير خط سيرها عن الرحلة الأولى. حيث خرجوا من البندقية ووصلوا إلى الصين بعد ثلاث سنوات. وهناك قابلوا خان الصين محملين بالهدايا من البابا “جريجوري العاشر” الذي اعتلى عرش البابوية. ووافق على الطلب السابق لزعيم التتار بإرسال العلماء ورجال الدين.

وفاة الرحالة العظيم

في عام 1323م، مرض “ماركو بولو”، وبعد عام واحد من مرضه كان يحتضر، فأحضرت عائلته” جيوفاني جويستينياني” قس سان بروكولو، ليوثق وصيته. وقد عين ماركو زوجته دوناتا وبناته قائمين بتنفيذ الوصية، كما كان للكنيسة جزء من تركته. فوافق ماركو وأمر بدفع مبلغ إضافي لدير سان لرونزو. حيث كان يرغب أن يدفن في هذا المكان، ثم أطلق سراح العبد التاتاري الذي رافقه من آسيا. وقسّم ما تبقى له من الممتلكات ما بين الأفراد، والمؤسسات الدينية والنقابات التي انتمى إليها. كما ترك خلفه ديون عديدة مثل 300 ليرة لأخت زوجته. وبعض الديون لدير سان جيوفاني وسان باولو، ورجل دين يدعى “بينفينوتو”.

لا يمكن تحديد الموعد الدقيق لوفاة “ماركو بولو”. وذلك طبقا لقانون البندقية الذي ينص على أن اليوم ينتهي عند غروب الشمس. ولكنه كان بين غروب الشمس يوم 8 و9 يناير 1324م. 

المصادر:

[1] Marco Polo | Biography, Accomplishments, Facts, Travels, & Influence | Britannica

[2] Marco Polo: Biography, The Travels of Marco Polo, Kublai Khan

[3] Marco Polo – Wikipedia

نبذة عن مملكة نوميديا وأهميتها قديماً

عرفت منطقة شمال إفريقيا تعاقب عديد الحضارات على حكمها، من ذلك الممالك الأمازيغية، ولعلّ أشهرها مملكة نوميديا التي وحّدت المنطقة تحت راية مملكة واحدة وأخرجتها من التشتّت إلى الاندماج لتكون قوّة كبيرة قاربت أن تضاهي قوة قرطاج وروما في ذلك الوقت.

نبذة تاريخية عن مملكة نوميديا

تعد مملكة نوميديا واحدة من الممالك الأمازيغية القديمة والتي نشأت في الجزائر حوالي سنة 202 قبل الميلاد لتشمل الجزائر وجزء من ليبيا وتونس والمغرب. فقد كان يوجد قبل تأسيس مملكة نوميديا مملكتين أمازيغيتين في أرض الجزائر هي مملكة “الماسيل”  في الشرق، ومملكة “المازيسيل”  في الغرب. 

خلال تلك الفترة كانت الحرب البونيقية مشتعلة بين قرطاج وروما وكانت مملكة الماسيل حليف للرومان في حين أن مملكة المازيسيل كانت حليف لقرطاج وبسبب ذلك شجعت قرطاج ملك المازيسيل صيفاكس بالتوسع ضد مملكة الماسيل بسبب مساندتهم للرومان وبذلك اشتـعلت حرب طاحنة بين المملكتين الأمازيغيتين.[1]

فقد تمكن ملك الماسيل “ماسينيسا”  من هزيمة ملك المازيسيل “صيفاكس”  في معركة سيرتا سنة 203 قبل الميلاد وقام بتوحيد المملكتين الأمازيغيتين في مملكة واحدة وهي “مملكة نوميديا”  وبفضل ماسينيسا نجح الرومان من هزيمة قرطاج مما أتاح له الفرصة لتوسيع مملكتة على حساب الأراضي القرطاجية. [2]

أبرز ملوك مملكة نوميديا

يعد الملك ماسينيسا، مؤسس الدولة النوميدية، الذي حكم من عام 202 ق.م حتى وفاته في عام 238ق.م. وامتدت فترة حكمه قرابة 54 عاماً. ثانياً الملك ميسيبسا. وهو ابن المؤسس ماسينيسا. ولد عام 200 ق.م وحكم من 148 إلى تاريخ وفاته 118 ق.م.

بالإضافة إلى الملك ماستنبال الذي كان الشريك الثالث على عرش مملكة نوميديا مع اخويه، وحكم نوميديا من عام 148 ق.م إلى تاريخ وفاته 140 ق.م. وقد كان ابنه يوغرطة الأبن له من زوجته القرطاجية.

وأخيراً يوغرطة فقد ولد عام 160 ق.م. ولم يعجبه تقسيم المملكة من قبل عمه ميسيبيسا ليكون شريكاً عليها مع ولدي عمه. فتخلص منهما ووحد الدولة. وخاض أشهر حرباً شرسة ضد الرومان. و يوبا الأول الذي حكم من 60 ق.م حتى  عام 46 ق.م وهو آخر ملك نوميدي. وأصبحت المملكة بعدها مقاطعة رومانية.[3]

الملك يوغرطة

الحياة الأقتصادية في المملكة

مارس النوميديون لكسب معيشتهم الصيد إلى جانب الزراعة وتربية الماشية. حيث توفرت بنوميديا مادة القنص، فإلى جانب الأستفادة من لحم وجلود الحيوانات المصطادة. فكان من الضروري القضاء على بعض الحيوانات المفترسة التي أصبحت خطر يهدد السكان ومالديهم من ثروة حيوانية مستأنسة.

فقد ظهرت بوادر زراعة الحبوب لأول مرة في منطقة الصحراء الوسطى. حيث أظهرت الرسومات الجدارية في مملكة نوميديا عرض لمشاهد تتعلق باجراءات الزرع والحصاد. وكانت أدواتهم الفنية والتي كانوا يستخدمونها في حياتهم الزراعية مشتملة على فؤوس ومطاحن وفخار. إضافة إلى بقايا لتجهيز بدائي للري غرب المملكة. وزراعة أشجار الزيتون واستخراج الزيت منه وأعتبروه من المواد الأساسية. فإلى جانب استخدامه للأغراض المنزلية كانوا يدهنون به عضلاتهم خلال الحرب.[4]

الحياة والمجتمع في المملكة

ووفقًا للمؤرخين اليونانيين والرومان فقد اتبع النومانديون في حياتهم نظاماً غذائياً نباتياً، وأعرضوا عن تناول الكحوليات، وتشاركوا في ممارسة التمارين الرياضية بصورة منتظمة،، وكانوا يرتدون الصنادل أو يذهبون حفاة، فأسلوب الحياة النباتي عالِ الطاقة إلى جانب مناخ المنطقة أتاح لهم حياة طويلة وصحة قوية.

وعادةً ما كان يتم الإشادة بالنوميديين من قبائل المسيلي لبراعتهم الشديدة في التعامل مع الخيول وترويضها أكثر حتى من نظرائهم في الماسيسيلي، ويتردد بأن الناس هناك قد نشأوا بنوع من الاتصال الوثيق مع خيولهم لدرجة أنهم شكلوا حالة من الارتباط الشعوري غير المحسوس مع خيولهم فلم يتطلبوا السرج أو اللجام للتعامل معها،

وقد حاول الرومان وكذلك القرطاجيون استغلال هذا الامتياز فاستخدموا الفرسان النوميديين كجنود مرتزقة خلال فترة الحرب البونيقية الثانية، حيث وضعوا ضد بعضهم البعض بحسب ولاءاتهم المعلنة.[2]

المعبودات في مملكة نوميديا

لم يعرف النوميديون وحدة دينية. فقد آمنوا نوعاً ما بتعدد الآلهة، وقاموا بتقديم القرابين لأرواح السابقين وتبجيل الموتى ( الملوك منهم بشكل خاص) واتَّبعوا نوعاً من التقويم القمري، حيث قاموا أيضاً بعبادة الشمس والقمر، وفي فترة تاريخية لاحقة بدأت عبادة أشكال من الآلهة الشخصية أو المجسمة (أي تلك التي تحمل بعض الصفات الإنسانية).

حيث يزعم البعض بأنها أسفرت عن بعض من أهم الآلهة التي تم تصديرها إلى مصر القديمة مثل: أمون، وأوزوريس، ونيث، ويرجع البعض من المؤرخين القدماء أصول هذه الآلهة إلى ليبيا والتي تعني لحد ما نوميديا.[3]

أهم المعابد في المملكة

صومعة الخروب

صومعة الخروب هي التسمية التي أطلقها السكان على المعبد وتعني “البرج”، ومعروف باسم قبر قسطنطين. ويقع هذا المعبد على هضبة على بعد ٣ كيلومترات شمال شرق قرية الخروب. وينتمي معبد الخروب إلى نوع المعابد ذات الأدوار والذي اعتاد تشييده منذ القرن الرابع ق.م في كل من مدن أسيا وسوريا وصقلية، ولا ينتمي إلى العهد الروماني.[5]

ووفقاً لوثيقة من متحف سيرتا الوطني فإن الحفريات التي قام بها علماء الآثار الفرنسيون بين عامي 1915 و 1916 تثير احتمال أن تكون حجارة الضريح من الطراز الهيليني التي استوردها العمال اليونانيون الذين عملو تحت يد ملوك نوميديا خاصة ماسينيسا وابنه الأكبر ميكيبسا المعروفان لتحمسهما بالفن الهيليني القديم.[1]

المعبد الملكي الموريتاني

يقع هذا المعبد بين الجزائر العاصمة ومدينة شرشال ويقع على مرتفع يصل طوله إلى 261 م فوق سطح البحر. له شكل اسطواني ذو صفائح يعلوه مخروط مدرج.  ومصنف كمعلم وطني وضمن مواقع التراث العالمي حسب اليونسكو.

يمتازُ الضريح بانعكاس أشعّة الشمس الذهبيّة على مياه البحر، وتحيطُ به الأشجار الكثيفة، وقد اكتشفه دريان بيربروجر عالم الآثار الفرنسيّ، ويحتوي الضريح على نقوش تمثّل صورة أسد ولبؤة، وأروقة، والمبنى.

كما عُرف باسم “قبور الرومية” كما يسميه السكان المحليون، وكان يحتوي على أربعة أبواب وهمية متقابلة من الجهات الأربع شرق غرب، وشمال جنوب، تشبه في تقاطعها بخط نظر بين كل جهتين متقابلتين صليباً لاتينياً، فاعتقدوا أن القبر مسيحي، ولكن اتضح انه قبر لملكة رومانية، بني في إبان حكم الرومان لمملكة موريتانية القيصرية.[4]

نهاية مملكة نوميديا

لم يحقق ماسينيسا جميع طموحاته، أي أن يوسع مملكته على حساب قرطاجة وموريتانيا، وتوفي قبل أن تنهار قرطاجة التي كان ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض عليها وضمّها إلى مملكته الواسعة الأطراف،فلما أحس الرومان بما كان يطمح إليه ماسينيسا وهو توسيع مملكته على حساب جيرانه الأعداء، سارعت روما إلى تقسيم عرشه بين أولاده الثلاث، وهم (ماسيبسا ومستنبعل وغولوسن). كما تم توزيع السلطات بين الابناء الثلاثة بحضور سيبون الافريقي الذي حاصر قرطاجة، وجاء ليعلن تبعية مملكة نوميديا للعاصمة روما سنة 40 قبل الميلاد.[5]

المراجع
1. britannica.com
2. Thinkafrica.net
3. Academic.accelerator.com
4. Hatshepsut.com
5. Ancientplace.africa.com

ماذا تعرف عن مملكة كرمة، وأين تقع؟

كان النوبيون مجموعة من القبائل، التي تعيش في مناطق شمال السودان، يعود إلى ما قبل الميلاد بكثير، وتمتد مناطقهم من جنوب مدينة الخرطوم وحتى حدود السودان الشمالية مع مصر. وهذه المناطق بقعة ثرية بالحضارات والممالك كمملكة كرمة التي سنتناول الحديث عنها في هذا المقال.

نشاة مملكة كرمة

نشأت مملكة كرمة في منطقة دونغولا في السودان الحديث، وهي مملكة نيلية أفريقية قديمة، عاصمتها مدينة كرمة، ظهرت في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، وسيطرت في أوج قوتها على العديد من الشلالات على نهر النيل، والتي كانت تغطي أراضي واسعة.

فقد برزت كقوة في المنطقة؛ بسبب موقعها الاستراتيجي الواقع على العديد من طرق القوافل المتجهة إلى مصر، والبحر الأحمر، والقرن الأفريقي. وبذلك فرضوا ضرائب ورسوم باهظة على جميع قوافل التجارة المارة عبر هذه الطرق، وكانت هذه الضرائب السبب الأساسي في ثروة كرمة.[1]

أبرز حكام المملكة

تشير الدراسات إلى وجود العديد من الملوك الذين حكموا مملكة كرمة. فقد بدأ الحكم من عهد الملك كاشتاوتنتهي حتى عهد الملك مالنقين، والقصر الملكي وكانت مروي مركزاً إقليمياً وكانت المقابر الملكية في مدينة الكرو التاريخية. يأتي من بعده الملكة ماكيدا ويحتمل أن تكون هي بلقيس ملكة سبأ.

بالإضافة إلى الملك اسركماني العام 950 قبل الميلاد. وأخيراً كادملو فقد  وجد نحت لها في أحد المعابد القريبة. وقد امتد حكم هؤلاء الملوك لمدة قرن تقريباً ما بين 690 و590 قبل الميلاد، وبما أنهم كانوا يحكمون كلا من مصر والسودان.[2]

مجتمع كرمة

حضارة كرمة كانت ريفية في المقام الأول، حيث كان عدد سكان مدينة كرمة حوالي 2000 نسمة فقط. فقد مارس النوبيون في هذه الفترة الزراعة والصيد وتربية الماشية مثل الأبقار والأغنام، وعملوا في ورش تنتج السلع الخزفية والمعدنية. القطع الأثرية الأكثر ارتباطاً بحضارة كرمة هي على الأرجح الدفوفة (المعابد).

ولذلك أبقت مواد البناء المصنوعة من الطوب اللبن الجزء الداخلي منها باردة على الرغم من الشمس النوبية الحارة، في حين سمحت الأعمدة الطويلة بتدفق هواء أكبر. كانت جدرانها مزينة بالبلاط ومزخرفة برسومات متقنة، وبعضها مبطن بالذهب.[4]

أهم المعالم في مملكة كرمة

أثبتت الدراسات والأعمال الآثرية التي أجريت على مواقع حضارة كرمة. إن هذه الحضارة لها الكثير من المخلفات الآثرية المادية التي تعكس النشاطات المعمارية لأهل هذه الحضارة. هذا بجانب بعض المخلفات التي تصور المخلفات الدينية والممارسات الثقافية التي كانت سائدة. ومن أبرز الآثار الموجودة في المملكة حتى الآن.

الدفوفة الشرقية والغربية

تعتبر من أهم معالم كرمة الآثرية، وأكثر الهياكل غرابة في النوبة والوحيدة من نوعها في الوجود وهما عبارة عن مبنى ومعبد جنائزي كبير من الطوب اللبن التي تبعد حوالي 3,5 كم من مجرى النيل.[3]

فقد تأتي أهمية الدفوفتان على أنهما مدافن حكام وسكان فترات حضارة كرمة المتعاقبة. إضافة إلى وجود المقابر التي تحمل شكل الكوم المستدير من الخارج. أما حفرة الدفن فهي دائرية أو بيضاوية تم فيها دفن صاحب القبر على عنقريب من الخشب ويحيط به الأثاث الجنائزي المكون من عدة أشياء منها الأواني الفخارية وأدوات الزينة.[5]

عادات الدفن في كرمة

تتميز طقوس الدفن في الديفوفة بأنها تحوي ما بين 20 و 30 قبر لملوك ورعايا هذه المملكة، والتي تعتبر شاهداً على طقوس دفن يعود تاريخها إلى حوالي 2500 قبل الميلاد. كما كانت تحتوي على جثمان الشخص المتوفى في وضعية الجنين، حيث يكون رأسه متجها نحو الشرق، ووجهه نحو الشمال.

كما كان سكان المنطقة يتبعون طقوس دفن خاصة. ومن هذه الطقوس، إحياء مراسيم تأبين متكررة لعدة سنوات. وهي مراسيم تجتمع فيها العائلة حول القبر لمشاركة الميت في مأدبة كبرى. تُترك بعدها الأواني مقلوبة فوق الأرض في دليل على تقاسم الوجبة مع الميت.[4]

علاقة المملكة مع مصر

تشير المصادر التاريخية إلى أن مملكة كرمة ومصر كانتا تتفاعلان بشكل كبير خلال الفترة الزمنية التي امتدت من حوالي 2500 قبل الميلاد إلى 1500 قبل الميلاد. في البداية، استخدم الملوك الكوشيون كرمة للدفن الملكي والاحتفالات الخاصة. مما يوحي ببعض الارتباط فيما بينهم.[3]

كما كان لها صلات تجارية معها وتتمثل في المنتجات الحيوانية والعاج والأبنوس. كما أنشأ المصريون الحصون في الحدود الجنوبية لمصر لتأمين تجارة وتأمين مصر من أي خطر. لأنهم كانوا يتخوفون أي هجمات من الجهة الجنوبية.

سقوط كرمة

غزت المملكة المصرية في عهد الفرعون تحتمس الأول من الأسرة الثامنة عشر في مصر مملكة كرمة في عام 1504 قبل الميلاد، ودمر عاصمتها مدينة كرمة، وأنشأ فيها مستوطنة جديدة، تُعرف اليوم باسم الدقي جل (ومعناها التل الأحمر)، ثم وضعوا نائباً فيها ليحكمها ويحافظ على أراضيها وثرواتها، واستمر المصريون في حكم كرمة، حتى ظهرت مملكة كوش، بعد تفكك المملكة المصرية خلال فترة عرفت باسم انهيار العصر البرونزي.[5]

المراجع

1. Heritagedaily.com
2. Unchicago.edu
3. History.com
4. Thinkafrica.net
5. Thearchaeologist.com

مملكة المناذرة، أول ممالك العرب قبل الاسلام

تعتبر مملكة المناذرة واحدة من الممالك العربية التي حكمت قبل الإسلام. وتميزت بالقوة والحضارة المذهلة التي ما تزال آثارها قائمة إلى هذا اليوم. وفي هذا المقال سنقدم أبرز المعلومات المتعلقة بمملكة المناذرة.

التأسيس والنشأة

المناذرة هم سلالة عربية حكمت العراق قبل الإسلام، ويعود نسبهم إلى بني لخم من تنوخ. هاجر المناذرة من مأرب في اليمن، بعد خراب سد مأرب، وكوّنوا مملكة قوية من أقوى ممالك العراق العربية قبل الإسلام. فكانت هذه المملكة هي امتداد للممالك العربية التي سبقتها مثل مملكة الحضر. وقد امتدت مملكة المناذرة من العراق ومشارف الشام شمالاً، حتى عمان جنوباً، متضمنة البحرين، وهجر، وساحل الخليج العربي. واستمرت مملكتهم في الحيرة حتى احتلها الفرس في مهدها. وبهذا أصبحت مملكة شبه مستقلة وتابعة للفرس، ومع ذلك أكملت الحيرة ازدهارها وقوتها. كان لمملكة المناذرة دور مهم بين الممالك العربية، فقد عززت علاقاتها مع الحضر وتدمر والأنباط والقرشيين. [1]

الحيرة عاصمة المملكة

الحيرة هي عاصمة المناذرة وقاعدة ملكهم، ويرجع أقدم ذكر للحيرة لعام (132م). وقد رابطت بها قوات مملكة تدمر، حيث تقع الحيرة قرب الكوفة حالياً وقريبة من نهر الفرات. ويمر في الحيرة نهر متفرع، كان يروي الحيرة، ومنه كانوا يركبون القوارب حتى الخليج العربي. كانت المملكة تتحدث العربية والآرامية والفارسية، وكان لها إسهامات كبيرة في الحياة الفكرية والدينية. كما اعتن أهل مملكة المناذرة وملوكها الديانة المسيحية التي دخلت إلى العراق في القرن الأول الميلادي، غير إنها انتشرت في القرن الثالث الميلادي. وأسس أهل المناذرة مذهبأ خاصا بهم سمي المذهب النسطوري والذي تمايز عن بعض معتقدات الكنائس الرومانية والقبطية. [3]

ملوك المناذرة

أول من حكم الحيرة كانوا من بني تنوخ، إذ كانت هذه القبيلة قد وصلت إلى البحرين من اليمن واستقرت فيها. ثم انتقل القبيلة إلى العراق بقيام الحرب الأهلية في فارس، فهاجروا إلى منطقة الحيرة والأنبار. وكان اسم الملك الأول “مالك بن فهم” وهو من الأزد، ثم انتقل الحكم بعدها إلى جذيمة الأبرش الذي يعود في نسبه إلى العرب العاربة. وفي مطلع القرن الخامس، يظهر اسم النعمان الأول، وعُرف باسم النعمان السائح؛ لأنه ترك ملكه في أواخر أيام حكمه، وخرج مستخفياً هارباً لا يعلم به أحد. وذكر عن النعمان أنه كان محارباً قوياً ورجلاً حازماً، اشترك في معارك كثيرة مع عرب الشام، كما ينسب إليه بناء قصر الخورنق. [4]

الحياة الفكرية والأدبية

كانت الحيرة منبرًا للفكر والمعرفة وزخرت بمعاهد العلم ومدارسه. وقد تلقى إيليا الحيري مؤسس دير مار إيليا دراسته الدينية في إحدى مدارس الحيرة، إضافة إلى مار عبدا الكبير دراسته في إحدى مدارس الحيرة، وكذلك نصير أبو موسى بن نصير فاتح الأندلس. كما تعلم المرقش الأكبر الكتابة وبعض العلوم في الحيرة. [1]

كان لموقع الحيرة بالغ الأثر في تلاقح الحضارات. إضافة إلى اهتمام ملوك الحيرة بالتدوين، إذ أمر النعمان بن المنذر بنسخ أشعار العرب فنسخت له. وقد عثر على بعضها مدفوناً في قصره الأبيض في زمن المختار، وكانوا ملوك المناذرة يشجعون الشعراء بالعطايا. ومن شعراء الحيرة، المثقب العابدي، و النابغة الذبياني، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، وعمرو بن قميئة، وولبيد بن ربيعة. كانت الحيرة مركزاً علمياً هاماً، وملتقى الأدباء في الجاهلية. وكان النعمان بن المنذر يجتمع بأدباء العرب في قصر الخورنق، ويقيم مهرجاناً أدبياً يسمى “المؤتمر”، فكانت الحيرة محجاً للأدباء والمثقفين. [2]

أهم الآثار الموجودة في المملكة

تركت مملكة المناذرة الكثير من الآثار الشاهدة على حضارتها العريقة، من أبرزها ما يأتي:

1. قصر الخورنق

الخورنق هو قصر بُني في نواحي العراق. ويعتقد أنه كان موجوداً قرب ما يسمى حالياً أبو صخير جنوب العراق. بناه النعمان بن امرؤ القيس في القرن الرابع الميلادي، وقد ورد الحديث عنه في أحاديث العرب وأشعارهم. ويُروى أن قصر الخورنق كان أحد أجمل قصور الكوفة، وقد استغرق بناؤه عشرين عاماً. وبعد أن انتهى البناء، عرضه على الملك النعمان، انبهر بن المنذر أشد الانبهار.

جزاء سنمار

وتحكي الروايات أنه قيل للملك أن هناك قطعة حجرية أو عمودًا بالقصر لو زالت لسقط القصر كله، وإنه لا يعلم مكانها غير الباني. وقيل إنه قال: “إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هُدم تداعى القصر بأكمله”. وأضاف: “لقد صممت هذا القصر لك وحدك، ولا يمكن لأي شخص مهما كان أن يشيد مثله. ولقد تركت آجرة (طوبة) في موضع محدد، إن أزحتها من مكانها انهدم القصر برمته. فإن تعرضت مملكتك لغزو، أو تمكَّن الأعداء منك، فما عليك إلا أن تزيلها من موضعها فينهدم القصر فوق رؤوسهم جميعاً، وتهرب أنت ولن يبقى لهم شيء.” فقال النعمان: “ومن يعلم بأمر هذه الآجرة؟!” قال سنمار: “أنا وأنت فقط يا مولاي.” فتوجس الملك منه ريبة وخوفاً، وأحاطت به الوساوس والظنون. ورأى النعمان أن هذا السر الخطير يجب ألا يعلم به أحد؛ فباغته على حين غرة، ودفعه من على قمة القصر فمات. [3]

2. قصر السدير

قصر السدير هو أحد القصور التي بناها المناذرة اللخميون، في الحيرة بالقرب من قصر الخورنق. وينسب بناء قصر السدير إلى الملك النعمان الأول الملقب بالأعور والذي حكم الحيرة (390-420م). ويقع السدير في البرية ما بين الحيرة و بلاد الشام، واشتهر النعمان بن امرئ القيس بانه باني الخورنق والسدير. كانت للقصرين شهرة عظيمة في تاريخ الحيرة. كما يقال أنه شهد أحد أهم المؤتمرات في التاريخ العربي قبل الإسلام وهو «مؤتمر الخورنق». ففي هذا المؤتمر حاول الملك اللخمي توحيد كلمة العرب، للحد من نفوذ الدولة الساسانية. [4]

دير مار إيليا

 هو دير يقع في الجانب الأيمن من نهر دجلة جنوب الموصل، أسسه الراهب ايليا الحيري في نهاية القرن السادس الميلادي والذي جاء من مدينة الحيرة. ترك إيليا كل ما يملكه، ورحل عن مدينته للتنسك، حيث قصد نصيبين، ثم بنى ديره هذا بعد ذلك. وفي دير مار إيليا عدد كبير من الزخارف والنقوش، وفي عام 1743م قام قائد فارسي بتدميره فأوقع فيه الخراب والدمار، وحالياً هو مجموعـة أطلال مهجورة. [4]

انهيار مملكة المناذرة

وفي النهاية يمكن القول أن نهاية مملكة المناذرة جاءت نتيجة لعدة عوامل، منها الحروب والصراعات الداخلية والتحالف مع الفرس والرومان. كما أن الحروب الداخلية بين الأمراء والملوك على السلطة كانت من العوامل التي أدت إلى انهيار المملكة. بالإضافة إلى الحلفاء الفرس والرومان الذين ساهموا في إضعاف المملكة وتقوية منافسيها. [5]

المراجع

1. Britannica.com
2. Iranicaonline
3. Historytoday.com
4. Arabian Chronicle: Lakhmid Kingdo
5. Ancient- epic

عوالم من الصخر، استكشاف مملكة الأنباط

تضم شبه الجزيرة العربية العديد من الممالك القديمة التي حكمت المنطقة خلال العصور القديمة. ومن بين هذه الممالك مملكة الأنباط التي نجحت في تحويل الصخر والحجارة إلى مدن وقرى لا تزال حاضرة إلى الآن.

نشأة وتاريخ الأنباط

الأنباط قوم من العرب جاؤوا من قلب شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وشمالي الحجاز. حيث كان مجيء الأنباط إلى جنوبي الأردن نحو القرن السادس ق.م على الأرجح، على أن أول ذكر لهم في التاريخ، يعود إلى عام 312 قبل الميلاد عندما غزاهم «أنتيغون» أحد قادة الاسكندر المقدوني ولكنه باء بخيبة الأمل.

ويُقسم تاريخ الأنباط إلى فترتين أساسيتين، تمتد الأولى من 312 قبل الميلاد حتى احتلال الرومان لبلاد الشام. وتمتد المدة الثانية من عام 64 قبل الميلاد حتى عام تأسيس الإمبراطور الروماني ترايانوس للولاية الجديدة التي سميت «الولاية العربية» وعاصمتها بصرى، وقد حلت محل مملكة الأنباط. وهم أيضاً عرب وموطنهم كان يسمى «العربية  الحجرية» وأسماء الأعلام لديهم عربية (حارث – عبادة – مالك – قصي – جميلة)، ومعبوداتهم عربية (ذو الشرى واللات والعزى وهُبَل ومَناة).

البتراء عاصمة الأنباط

البتراء هي مدينة أثرية وتاريخية تقع في محافظة معان في جنوب المملكة الأردنية الهاشمية، وتشتهر بعمارتها المنحوتة بالصخور ونظام قنوات جر، وتعتبر واحدة من أهم المعالم الأثرية في العالم. كانت البتراء عاصمة مملكة الأنباط القديمة، وكانت محطة استراتيجية على طريق الحرير. وتعتبر البتراء موقعًا أثريًا مهمًا للغاية، وقد تم تسجيلها كموقع للتراث العالمي من قبل اليونسكو في عام 1981م. وتحتوي البتراء على العديد من المعالم الأثرية الهامة، مثل الخزنة والمعبد الكبير والمسرح والدير. وتعتبر البتراء وجهة سياحية شهيرة في الأردن وتستقطب السياح من جميع أنحاء العالم.

خزنة البتراء

تعتبر الخزنة الصخرية الضخمة المَعلَم الأهم في الموقع الأثري الرئيسي ضمن مدينة البتراء جنوب الأردن التي يطغى عليها لون رمالها وجبالها الوردية. شهد المكان وعبر سنوات سبقت التقويم الميلادي رحلات أهل الصحراء وأصول عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم. حيث يستدعي الوصول إلى الخزنة المرور في طريق يشق جبال صخرية على الطرفين ويطلق عليه “سيق” يمر وسط أجزاء طبيعية وأخرى منحوتة.

وأثناء تجاوز “سيق” الصخور مشياً على القدمين أو بواسطة عربة يجرها حصان يوجّهه مُرشد من أبناء المكان. يمكن مشاهدة بقايا أقواس بمثابة بوابة للمدينة على جانبيها قنوات مياه وسدود وبعض الأحجار التي تنتشر بين أرضية من البلاط تنسجم مع محراب بارز وتماثيل يونانية. وبمجرد عبور “السيق” تظهر الخزنة عبر مبنى أثري محفور في الصخر يستقبل ولوج المدينة الوردية التي انضمت عام 2007 إلى عجائب الدنيا السبع وفق التصنيف الجديد وقتها. وقد حازت البتراء على غطاء التراث العالمي عام 1985 وأُدرجت ضمن محمية طبيعية ذات تقييم متقدم.

تتكون واجهة المبنى من طابقين بارتفاع يصل إلى 40 متراً وعرض يقترب من 25 متراً. فيما تشير معلومة مُرفقة على أحد الأعمدة الصلبة إلى افراغ المكان من مئات آلاف الأمتار المكعبة من الحجر الرملي عند اعادة اكتشافه في القرن التاسع عشر، وذلك من أجل الحصول على شكل أثري كفيل بمقاومة ظروف طبيعية. 
يوجد أعلى الخزنة قناة مائية تسهم في منع احتجاز الأمطار بما لا يؤثر سلباً في البناء. أما على بعض الجوانب، فثمة ثقوب مزدوجة يعتقد أنها كانت تستخدم في تثبيت “السقالات” لإنجاز عمليات النحت.

الديانة السائدة في مملكة الأنباط

الديانة النبطية تشبه ديانة العرب قبل الإسلام، كانت تقوم بالأصل على تقديس الأجسام الفلكية وغيرها من عناصر الطبيعة وبعض القيم كالشجاعة والعدالة. وبعض الأرباب كانوا بالأساس أرباب لقبيلة معينة أو مكان محدّد كما يدل اسمائها ونسبتها بـ «ذو» والأرباب. والربات لا يمثلون تمثيلاً تشخيصياً بل رمزياً، إذا صح التعبير، ويتقرب الناس منها بالنذور والأضحيات وبالدعوات.

ومن معبودات مملكة الأنباط اللات واسمها يعني الربة وهي موحدة بأثينا. وكانت عبادتها غالباً في القسم الشمالي من بلاد الأنباط، وقد اختلطت خصائص اللات بالعزى أحياناً. أما ربة القَدَر فهي «مَناة» اسمها يتردد كثيراً في كتابات المدافن خاصة في موقع الحجر (مدائن صالح). وتقابل مناة بالربة نيمسيس، ومناة لدى عرب الحجاز هي الثالثة في ثالوث الربّات  اللات والعزّى ومناة.

أشهر ملوك الأنباط

ليس بين الباحثين اتفاق على سياق الترتيب الذي توالى فيه الملوك على حكم مملكة الأنباط. فقد يعد حارثة الأول أول ملك نبطي وتطول المدة بعد حارثة الأول حتى نسمع عن ملك نبطي آخر. والأخر هو عبادة الأول الذي استمر في عهده النزاع بين الأنباط والحشمونيين. والذي انتصر عليهم في معركة أم قيس. وتلاه الحاكم الحارث الثالث حيث يعتبر المؤسس الحقيقي لمملكة الأنباط. يقترن اسم الحارث بفتوحات كبرى وانتصارات هيأت المجال للأنباط أن يوسعوا نطاق أملاكهم على حساب السلوقيين واليهود في آن واحد.

النشاط الاقتصادي في المملكة النبطية

كان الاقتصاد النبطي يقوم أساساً على التجارة والوساطة وعلاقة الأنباط بالبطالمة، والسلوقيين ومن ثم بالرومان. وانتشارهم على طول طريق التجارة الدولية بين البحر الأحمر وسورية ناتج غالبًا عن الحاجة إلى ضمان السير الطبيعي المأمون لتجارتهم الناجحة. فقد كان أقدم تجارة للأنباط هي إنتاج الإسفلت وبيعه لمصر حيث يستخدم في التحنيط. وقيامهم بالمبادلات الدولية والسيطرة على طرق التجارة العالمية مستفيدين من موقعهم الممتاز الذي تتلاقى عنده أهم طرق القوافل، ومنها الطرق الجنوبية الشمالية التي تصل اليمن وحضرموت ببلاد الشام. مرّت تجارة الأنباط بمحاذاة البحر الأحمر ثم تفرعت إلى موانئ البحر المتوسط. هناك طريق أخرى غربية تسير من معان باتجاه غزة وشمالي مصر، كما أن هناك طريق ثالثة شرقية تجتاز دُومة الجندل (واحة الجوف اليوم) لتتصل بمنطقة الخليج العربي.

على هذه الطرقات كانت تتم المبادلات التجارية لبضائع كالعطور والبخور واللبان من الجزيرة العربية والحرير والرياش من فارس والهند وما وراء النهر. بينما الزجاج والتماثيل والأخشاب والأقمشة والحبوب من بلاد الشام. وقد جمَّع الأنباط من هذه العمليات أموالاً طائلة، مكنتهم من إقامة مملكتهم القوية التي كان قوامها طبقة من أغنياء التجار ورجال القوافل. تحلقت دولة الأنباط حول عاصمة منيعة هي البتراء، فضربوا العملة الخاصة بهم ووضعوا مكوساً على الترانزيت وعلى البيع والشراء. وكان يحمي هذه المصالح هجانة شديدو البأس وجيش متمرس.

الفن والنحت النبطي

إن الفن النبطي فن مَحلّي متأثر بفن جنوبي الجزيرة العربية والرافدين، وقد طبع بطابع هلنستي خاصة من مدرسة الاسكندرية والمدرسة السورية، نتيجة للقرب الجغرافي والعلاقات السياسية والاقتصادية المشتبكة. وتجلى الفن النبطي أكثر ما تجلى في العمارة، وخاصة عمارة المدافن، والمعابد التي أصبح لها طابع متميز.

تركز معظم فن العمارة في مدينة البتراء وتجلَّى بنحت الصخر الرملي الجميل وإنشاء الأوابد في أعماقه أو على ذراه حتى لو كانت معابد أو مسارح. وقد برز الفن النبطي خاصة بنحت واجهات معمارية زخرفية رشيقة بديعة للأوابد، وأكثرها من المدافن. وتعتمد هذه الواجهات على زخرف المدرجات وأشكال الصور، وعلى كل حال فإن الأنباط، في حدود ما يعرف من منحوتاتهم، أمناء للتقاليد الشرقية في الميل إلى النقش البارز أكثر من الميل إلى التماثيل.

أما نحت التماثيل لدى الأنباط فهو أقل طرافة وأهمية، وهو منفَّذ بالحجر الكلسي أو الرملي في الجنوب وبحجر البازلت في الشمال. ومنه ما هو محليِّ صرف، ومنه ما هو تقليد لموضوعات إغريقية، أو مزيج من الفن الإغريقي والتقاليد المحلية.

لغة مملكة الأنباط

لغة الأنباط كانت اللغة النبطية. وهي لغة سامية شرقية قديمة كانت تكتب في المملكة النبطية القديمة التي كانت تقع في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية وجنوب الشام. يعتقد أن اللغة النبطية كانت بالأبجدية النبطية، وكانت لها تأثير كبير على اللغة العربية واللغات السامية الأخرى في المنطقة.

أهم المواقع النبطية

تقع واحة العلا إلى الجنوب من الحجر وفيها كتابات نبطية. فقد كشفت بعض النصوص في واحة الجوف (دُومة الجندل في المملكة العربية السعودية)، وقد عمل الآثاري بيتر بار بالتعاون مع دوائر الآثار السعودية بمسح لهذه المواقع في أواخر الستينات. ومن المواقع النبطية الأخرى وادي رمّ شرقي العقبة وتنور غربي طريق البتراء _ الكرك، وموقع عَبْدة (أفدات) في شبه جزيرة سيناء. وتوجد مأدبا وكانت من أهم المراكز النبطية، وفي بصرى (في سورية) يوجد العديد من الآثار كالحي النبطي والأقواس النبطية. 

نهاية المملكة النبطية

تم تدمير مملكة الأنباط على يد الإمبراطور الروماني تراجان في عام 105 ميلادي. وتشير المصادر إلى أن هناك عدة أسباب لانهيار المملكة النبطية، بما في ذلك الصراعات الداخلية والتقلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكانت المملكة تعتمد بشكل كبير على التجارة والتحكم في طرقها في المنطقة. ولكن مع تغيّر الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، مما أدى إلى تراجع نفوذ المملكة وتدهور اقتصادها.

المراجع

1. Worldhistory
2. Britannica
3. Alchetron.com
4. Historyfiles
5. History.com

Exit mobile version