التنافر المعرفي: عندما تفشل النبوءة وينتصر الوهم على الحقيقة!

هذه المقالة هي الجزء 18 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

يصعب تغيير الإنسان الملتزم بقناعة راسخة، فإذا عارضته سيشيح بوجهه عنك، وإذا واجهته بالحقائق والأرقام سيسألك عن مصادرك، وإذا احتكمت إلى المنطق فلن يفهم وجهة نظرك

هكذا كتب ليون فيستنجر في كتابه «عندما تفشل النبوءة-When Prophecy Fails» الذي يناقش فيه واحدة من أغرب التجارب التي شهدها. وما يرتبط بها من أحد أهم مفاهيم علم النفس الاجتماعي: «التنافر المعرفي-Cognitive Dissonance»

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

تعريف التنافر المعرفي

التنافر المعرفي هو أحد مفاهيم علم النفس الاجتماعي. ويشير إلى حالة التوتر أو قلة الراحة أو انعدام الانسجام التي تنتاب الشخص حينما تتعارض معتقداته أو مواقفه مع سلوكه. ينتج عن هذا التصادم (بين ما يؤمن به الشخص وما يسلكه بالفعل) شعور بالتناقض أو التصارع، يجعله يغير سلوكه أو يحوّر معتقداته للعودة إلى الراحة والانسجام.

درس فيستنجر هذا التأثير، كما درس الآليات المختلفة التي يسلكها البشر للتغلب على الصراع والوصول إلى حالة الانسجام الداخلي. توصل فيستنجر إلى نتائجه من خلال مجموعة من الدراسات، منها تجربته الكلاسيكية عن التنافر المعرفي. وهاك مقطع منها:

تجربة فيستنجر وكارلسميث عن التنافر المعرفي 1954

خطوات التجربة

جعل فيستنجر المشاركين يقومون بعدد من الأنشطة المملة. ثم طلب منهم مساعده أن يخبروا المشارك التالي كذبًا أن التجربة ممتعة مقابل قدر من المال، المجموعة الأولى مقابل 20 دولارًا والمجموعة الثانية مقابل دولار واحد فقط. سألهم فيستنجر في نهاية التجربة عن انطباعهم عنها، هل كانت التجربة ممتعة؟ هل تشارك بها مرة ثانية؟

يأتي الرد البديهي في أذهاننا جميعًا أن من حصلوا على 20 دولارًا سيجيبون بنعم، على عكس من حصلوا على دولار واحد. لكن ما حدث هو العكس تمامًا! تصدمنا الشابة التي حصلت على دولار واحد وقضت كل هذا الوقت في نشاط ممل بجوابها: “نعم لقد استمتعت وإذا اتيحت الفرصة سأود المشاركة مرة ثانية”

النتائج

فسر فيستنجر النتائج كما يلي: اختبرت المجموعة التي حصلت على قدر أكبر من المال تنافرًا أقل. بمعنى أن الدافع للكذب كان واضحًا وهو الحصول على المال، لذا لم يختبر هؤلاء تنافرًا بين ما يعتقدونه (أن النشاط ممل) وما يفعلونه (الكذب والقول أن النشاط ممتع) لأن الدافع موجود.
أما المجموعة التي حصلت على مبلغ تافه اختبرت تنافرًا أشد. لأنهم لم يستطيعوا إقناع أنفسهم أنهم فعلوها من أجل المال، كما لم يستطيعوا مواجهة حقيقة الموقف (إهدار وقتهم في نشاط ممل والكذب بشأنه) لذا يلجأ العقل إلى الخداع! فيخبر المرء نفسه أن النشاط كان ممتعًا وليس بهذا السوء وربما يفعله مرة ثانية.
ألا يبدو هذا السلوك مألوفًا إليك؟

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

عندما تفشل النبوءة

لم تقتصر دراسات فيستنجر على التجربة السابقة فقط، بل نشر في كتابه عندما تفشل النبوءة أحد الأمثلة الحية المدهشة لمفهوم التنافر المعرفي.

عندما تفشل النبوءة

صاحب فيستنجر عدد من الأفراد المنتمين لطائفة دينية تؤمن بالتواصل مع الكائنات الفضائية. ادّعت زعيمة هذه الطائفة أنها تلقت رسائل سماوية تنبأها بموعد نهاية العالم، لذا قامت هي وعدد من التابعين المخلصين ببيع بيوتهم وجميع ممتلكاتهم استعدادًا لتلك النهاية. وحينما جاء اليوم الموعود ولم يحدث شيء، خرجت لتخبرهم أنهم فعلوا الصواب وأنهم أنقذوا العالم بإيمانهم وإخلاصهم. وبدلًا من أن يندم هؤلاء على فعلهم المتهور ويواجهوا الحقيقة، ازداد حماسهم وانتمائهم!

هذا المثل واقعي للغاية وصادم للغاية عند النظر إليه. لقد هجر هؤلاء الأشخاص عائلاتهم وباعوا جميع ممتلكاتهم سعيًا وراء معتقد. ولك أن تتخيل مقدار التنافر الذي أصاب أحدهم في هذا الموقف، إنها هزة عنيفة وضربة قوية في صميم إيمان راسخ بذل الكثير في سبيله. فيجد نفسه في موقف ممزقًا بين ما يعتقد أنه الحقيقة والحقيقة الفعلية، فيتزعزع انسجامه وتتبدد راحته ويبدأ العقل الخداع!

من الجدير بالذكر أن جميعنا نختبر التنافر المعرفي بنسبة أو بأخرى. لكن ما نحن بصدده الآن هو مثال عنيف لما يمكن أن يؤدي إليه هذا التنافر. فقد تجاهل هؤلاء الأشخاص حقيقة ساطعة حتى لا تتصارع مع معتقدهم المسبق. وهذه الآلية بالتحديد واحدة من آليات ثلاثة شرحها فيستنجر لكيفية تجاوز التنافر المعرفي.

كيف نتجاوز التنافر المعرفي؟

لقد ذكرنا في تعريف التنافر المعرفي أنه حالة من التصارع بين المعتقد والسلوك ينتج عنه التوتر وتبدد الانسجام. لذا لكي يتخلص الشخص من هذا الإزعاج ويستعيد توازنه يلجأ إلى تحوير أحد هذين المتغيرين (إما المعتقد أو السلوك) عن طريق آليات ثلاثة. ولفهم الأمر بشكل أوضح سنطبق كل واحدة من الآليات على شخص مدخن يعلم ضرر التدخين ولا يقلع عنه.

  • تغيير المعتقد أو السلوك المسبب للتنافر كليًا، لكي تستعيد العلاقة بين المتغيرين اتزانها.

في حالتنا هذه يكون تغيير السلوك (الإقلاع عن التدخين) هو الحل لتجاوز التنافر المعرفي. لكن يمكننا توقع أن هذه الآلية بالتحديد صعبة التحقيق، لأنها تتضمن تغييرمعتقد راسخ أو سلوك اعتاد الشخص فعله.

  • تحصيل معلومات جديدة تدحض المعتقد المسبب للتنافر.

يعلم المدخن أن التدخين يسبب سرطان الرئة ويهدد الحياة، لكنه مع ذلك مستمر بسلوك التدخين. ولكي يتغلب على هذا التنافر يبحث على معلومات مثل: لم تؤكد الأبحاث بعد علاقة التدخين بسرطان الرئة.

  • تقليل أهمية المعتقد المسبب للتنافر.

قد يقنع المدخن نفسه أن التدخين ليس بهذا السوء، فحياة قصيرة يتمتع فيها بالتدخين خيرٌ من حياة طويلة خالية من هذه المتعة.

أمثلة من الحياة

لا تقتصر نتائج التنافر المعرفي على الدراسات المعملية فقط، فيمكن للأشخاص التلاعب بالتنافر المعرفي بأشكال مختلفة في حياتنا اليومية. وينتج عن هذا ظواهر جادة وخطيرة للغاية. منها ظاهرة «التشويش-Hazing»

يشير مصطلح التشويش إلى المضايقات التي يتعرض لها المبتديء عند انضمامه لمجموعة جديدة أو التحاقه بعمل جديد. وأحيانًا لا يتوقف الأمر عند المضايقات فقط بل يصل إلى حد الإذلال والإهانة لذا يعد فعلًا غير قانوني.

وما يحدث هو تعرض طالب مستجد يريد الانضمام لمجموعة ما لشتى أنواع الإهانة والتعذيب لفترة من الزمن. وتمامًا كما حدث مع الشابة التي أهدرت وقتها في نشاط ممل مقابل دولار واحد، يقنع هؤلاء الطلاب أنفسهم أنهم خاضوا الكثير المعاناة في سبيل هذه المجموعة، لذا لا بد أنها ممتعة وتستحق هذا العناء.

يظهر التشويش أيضًا عند السياسين، عندما يترشح أحدهم للانتخابات ويطلب تطوع الشباب لمساعدته بدون مقابل. هذا أمر حسن بالنسبة إليه لأنه لن يضطر لدفع المال وهذا بديهي. كذلك سيكون هؤلاء الشباب أكثر ولاءًا وانتماءًا لقضيته. وسبب ذلك هو التنافر المعرفي، فإذا عرض مائة دولار مقابل العمل سيدرك المتطوع أنه يفعله من أجل المال، أما إذا فعله بدون مقابل سيقنع نفسه أن هذا المرشح يستحق الدعم.

مثال آخر أكثر غرابة يظهر عند المعالجين النفسيين. يطلب المعالج المال مقابل العلاج لشتى الأسباب أولها أننا جميعًا نحب المال، ثانيًا أن العلاج المجاني عادة ما يفشل. لا بد أن يبذل المريض شيئًا في سبيل العلاج ليشعر بقيمته، حيث يقوده التنافر المعرفي إلى تقدير العلاج الذي بذل المال من أجله وبالتالي يستفيد منه.

الأمر ليس صراعًا وحسب

والآن لنلقي نظرة أعمق في أسباب حدوث التنافر المعرفي، ليس الأمر صراعًا بين معتقد وسلوك غير متسقين وحسب، ولكن التنافر أكثر دقة من ذلك. فنحن نحوّر أفكارنا أو سلوكنا حتى لا نفقد نظرتنا الأخلاقية المنطقية لأنفسنا. عودة إلى تأثير التشويش، هناك سبب واضح وصريح وراء تقبل الأشخاص الإذلال والإهانة في سبيل القبول بمجموعة، وهو أنهم هذا النوع من الأشخاص الذي يتقبل الإذلال والإهانة. لكن العيش مع هذه الحقيقة أمر مروع وصعب، ومن هنا ينشأ التنافر فيبحثون عن إجابة لا تشوه نظرتهم لأنفسهم مثل: لا بد أنها مجموعة رائعة وتستحق العناء!

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

وبهذا يمكننا إنهاء حديث اليوم، التنافر المعرفي ببساطة هو فكرة أن كل ما تفعله منطقي وأخلاقي، فإذا فعلت شيئًا يُظهرك أحمقًا أو متلاعبًا ستحوّره داخل مخك ليصير منطقيًا في نظرك.

اقرأ أيضًا: التحيز المعرفي والتحيز للتوكيد

المصادر

ملخص رواية هكذا كانت الوحدة للكاتب خوان خوسيه مياس.

تأملت حجم الأشياء كما لو كانت بانتظار أن ينبع من ذلك التأمل فكرة ما.. مفهوم ما .. أو ربما حكم ما يلخص معنى الحياة ! أو ربما اتجاه طريقها في حالة ما إذا كان ثمة طريق آخر لن يقودها إلى المقبرة.. لكن لم يحدث أي شيء”.

هكذا كانت الوحدة رواية للكاتب والقاص الإسباني «خوان خوسيه مياس – Juan José Millás». ولد خوان في عام 1946م بأسبانيا، درس الآداب والفلسفة في جامعة كوم بلوتس ويعتبر من أهم كتاب الأدب الاسباني المعاصر وحاز على العديد من الجوائز مثل جائزة «  نادال-Premio Nadal »عام 1990 عن روايته هكذا كانت الوحدة.

“فكرت والسماعة في يدها في أن هذه أفضل ساعة للرحيل عن ذلك العالم “.

حينما تلقت إلينا خبر وفاة والدتها عبر سماعة الهاتف من زوجها إنريكي كانت منهمكة في عملية إزالة الشعر عن ساقها اليمنى وبدلًا من البكاء والانهيار المصحوب لهذا الموقف تعلقت عينا إلينا بالساعة المعلقة في حجرة الصالون، الزمن يعبر بسرعة ستتوالى الأيام وستلحق بأمها.

 ألا يجعل ذلك موت أمها تأكيد لحدث مفروغ منه؟

على أي حال موت والدتها بالنسبة لها أمر حدث منذ زمن لطالما كانت علاقتها بوالدتها مضطربة كانتا دائمتا الشجار حتي إنها انقطعت عن زيارتها قبل وقت كبير من وفاتها، كان والدها يُرجع ذلك إلى كونهما متشابهتين كثيرًا من وجهة نظره على الأقل.

آلالام القولون وسيجارة

تمضي إلينا المراسم الجنائزية في حالة من اللامبالاة أو بالأحرى حالة من اللاوعي، ربما بسبب السيجارة التي دخنتها قبل مراسم الجنازة والتي تركتها تنام في سلام في تلك الليلة فطوال مراسم الجنازة كانت تمضي من اتجاه لآخر مشوشة.

بينما كانت تلاحظ زوجها إنريكي شديد التفاعل مع الآخرين لقد ورثت ابنتها مرسيدس تلك الصفة من والدها .

في الصباح التالي لمراسم الجنازة تستيقظ إلينا بحال أفضل بعدما عانت من نوبة الآلام قولون في وقت متأخر من ليلة الجنازة تذهب لتستحم وفجأة يتبدد ذلك الشعور ليحل مكانه شعور بالفراغ.

تذكرت وفاة والدها قبل ثماني سنوات لأول مرة تشعر بأنها يتيمة تحاول ألا تغرق في موجة بكاء تقرر بعدها أنها لن تذهب إلى مراسم الدفن كان على إنريكي خلق مئات الأعذار لإبنتها وأختها ليبرر غيابها.

بعد عدة أيام من انقضاء مراسم دفن والدتها تقضي إلينا نهار كان يمكن أن يصف بالجيد لولا مداهمة نوبة من نوبات الآلام القولون لها.

لقد خرجت في ذلك النهار وأخذت وجبة في إحدى المطاعم وتمشت في شوارع المدينة ولكنها شعرت بتوعك مُفاجئ انتهي بإغماء في إحدى مراحيض حضانة كانت الأقرب لها وقت حدوث ذلك.

حينما عادت إلى المنزل كانت أفضل لقد طلب لها العاملون في هذه الحضانة سيارة لتقلها، كان زوجها في المنزل يعد حقائبه عندما وصلت، “منذ متى وأنت تعمل في أيام الإجازات” تسأل إلينا فيجيب “أنه عليه حضور إحدى المؤتمرات المهمة”.

يثير ذلك شكوك إلينا فتغيبه الطويل عن البيت وسفرة متعللاً بالعمل حتى في أيام الإجازات وراءه شيء آخر.

تدرك إلينا جيدًا الهوة العميقة بينها وبين إنريكي لقد تغير كثيرًا منذ عرفته لقد تحول تقريباً من ذلك الشاب الطموح الذي أحبته إلي رجل لايهمه سوى جني الأموال وإجراء الصفقات التي تدر عليه الأرباح.

بالطبع هو فقط، لقد استثني إلينا من تلك الأعمال منذ زمن، فرصيدها تحت تصرفه تقريبًا.

على خلفية ذلك تتعاون إلينا مع إحدى مكاتب التحريات الخاصة لتأتيها الإجابة، نعم لقد كان يخونها زوجها لقد شاهده المحقق الخاص مع سكرتيرته في إحدى الفنادق بمدريد.

” فكرت إلينا أنها إذا رمت حجارة بداخل الدولاب لن تسمع له قرار عند ملامستها عمقه “.

يأتي يوم إفراغ شقة والدتها المتوفاة وتصر إلينا على عدم أخذ أي شيء من الأثاث، تتجول بالردهات وأخيرًا تقودها قدمها إلى غرفة والدتها حيث تجلس علي سرير والدتها تلمح بعض الرزم بجانب السرير، فتشرع في فحص هذه الرزم وتقرأ بعض الصفحات، إنها مذكرات أمها.

تسرع إلينا في إخفاء المذكرات بحالة من التوتر الشديد، تعود لبيتها  لتكمل القراءة، تقطع قرأتها طرقات الباب لم يكن إنريكي قد عاد بعد من السفر، وكذلك ليس من عادة مرسيدس ابنتها زيارتها في تلك الساعة المتأخرة في الحقيقة لا فتلك الساعة أو غيرها لو احتاجت شيء ستذهب مباشرة لأبيها.

فتحت الباب لقد كان خوان أخيها يحمل كرسي سرعان ما وضعه في إحدي زاويا الصالون وعلق على الحائط ساعة بنادول.

كان الكرسي والساعة في ذلك الوضع تمامًا في بيت والدتها و كثيرًا ما تشاجرت مع أمها على وضيعة تلك الساعة و الكرسي، رحل خوان بعد تناول الشاي ليترك إلينا وحيدة ولكن ليس تمامًا فقد كانت بصحبة الكرسي والساعة والمذكرات.

تتوالي التقارير الأسبوعية من وكالة التحقيق عن زوجها تقر التقارير بخاينته المستمرة وأعماله الغير قانونية .

فبدأت في تسميتها إلينا لا أعرف ماذا كانت لتسميني هيا لذلك أطلقت نفس الاسم على ابنتي الكبري”.

تتشبث إلينا بفكرة قرأتها في مذكرات والدتها وهي وجود  شبيه لكل إنسان أو قرين على الجانب الآخر من العالم يشعر ويتأثر به، يقرر نفس قراراته ويتألم حينما يتألم الآخر، وأننا مدينين لهذا الشخص الآخر الذي يشبهنا الذي لن نلقاه إلا في لحظتنا الاخيرة.

 أنقذت تلك الفكرة والدتها في طفولتها من الوحدة وإلينا أيضًا، ربما لذلك طلبت إلينا من المحقق الذي يراقب زوجها أن يتركه و يراقبها ربما أرادت أن تري نفسها من خلال شخص أخر كما فعلت والدتها ورأت نفسها من خلال قريناتها تلك.

قرأت في مذكرات والدتها وكان التاريخ في مذكراتها يشير إلى قبل وفاتها بعدة أيام أن ” إنه أخر يوم لي لقد زارتني قرينتي اليوم” لقد كانت هي من زارتها، لقد كانت إلينا نفسها.

“المقعد لكي أجلس عليه وأتخلص من هذا الخلط  والساعة لاقيس به مقدار التحول “.

إلينا تتلقى التقارير عنها تقرأها وهي في كرسي والدتها العتيق والساعة فوق رأسها تدق وتتبعها بمضي الوقت لقد طلبت من المحقق أن يكون ذاتيًا في تقريره عنها وقد كان.

لقد ذكر كل شيء إدمانها المخدرات الذي أصبح واضحًا على عينيها الغائرتين، استغلال زوجها المادي لها وبُعد ابنتها عنها، ولقد أكد ذلك البعد بينها وبين ابنتها أنها علمت بخبر حملها من أخيها خوان حينما التقته في إحدى المطاعم بناء على طلبها.

يطلب إنريكي مصاحبتها ليطلعها على أحد أعماله في بروكسل. لقد كانا كلاهما يعرفان تقريبًا إن تلك أخر عطلة لهما معاً، ولكن ما لفت نظر إلينا حقًا أنها لمحت امرأة تشبهها تعبر ردهة الفندق، إنريكي لم يرها لقد كانت قريناتها تُنبأها إن هذا الفصل في حياتها قد انتهى.

” قصصت شعري قصصته قصيرًا جدًا كفتاة صغيرة فكرت أنني كان يجب أن أقصه قبل أن أشغل شقتي الجديدة لأكمل التحول أنا إنسانة أخرى”.

تتقرر إلينا الانفصال عن إنريكي وتبدأ في استأجار شقة وتحاول البحث عن وظيفة، وبالطبع تنقل الكرسي والساعة للشقة الجديدة وتتلقى المزيد من التقارير الأسبوعية عن نفسها “لقد استأجرات شقة جديدة، ويبدو أنها تبحث عن وظيفة لقد شوهدت اليوم تذهب للتسوق وكانت تبدو بصحة جيدة وقل غوران عينيها “.

هكذا كانت تقرأ إلينا على كرسي والدتها في شرفة شقتها الجديدة التقرير الجديد عنها من محققها الخاص.

التضحية بالأطفال .. قصة فينيقيو قرطاجة

المكان 《منطقة تانيت – The Precinct of Tanit》 في قرطاجة (تونس حاليًا) أما الزمان فبين القرنين السابع والثاني قبل الميلاد. يتقدم رجل بقدمه اليمنى إلى الأمام، مرتديًا زيه الكهنوتي، يحمل بيده اليسرى ما يبدو وكأنه طفل صغير بدون ملامح، يرفع يده ليطلب من الآلهة تقبل قربانه ويحرق الطفل. فما الدافع وراء التضحية بالأطفال حرقًا؟

توفيت قرطاجة

يقع توفيت قرطاجة خارج المدينة وما نسميه اليوم توفيت كان مدفن كبير لجثث الأطفال المحترقة. هذا ما توصل له 《لورنس ستاجر –LAWRENCE STAGER》 الذي كان مسؤول الحفريات في مدينة تونس من سنة 1975 إلى سنة 1980. (1) لقد استخدم الفينيقيون التوفيت كمدفن للجثث المحترقة من القرن الثامن قبل الميلاد حتى القرن الثاني ق.م. حيث تدمرت قرطاجة على يد الرومان. (2) وجد ستاجر في الموقع بقايا جثث محترقة لآلاف الأطفال الرضع مدفونة مع بقايا عظمية تعود لحيوانات كالخراف والماعز والطيور في جرار تعلوها علامات حجرية منحوتة (مسلات)، وغالبًا ما تحمل نقوشًا أيقونية فسرها بعض الباحثين على أنها تدل على التضحية بالأطفال.

تضحية أم بروباغاندا؟

بالعودة إلى الماضي، إلى الزمن الذي ازدهرت فيه قرطاجة، كان الإغريق والرومان في كتاباتهم الأدبية يتهمون الفينيقيين في قرطاجة بالتضحية بأطفالهم للإله 《كرونوس – kronos》 من أجل كسب المعارك، وجاءت الأدلة الأثرية المتمثلة بعظام الأطفال الكثيرة المحترقة في منطقة توفيت لتدعم كتاباتهم، لكن العداوة بين الرومان والفينيقيين في قرطاجة كانت معروفة، لذلك بقيت هذه الكتابات محط جدل كبير وغير موثوقة في الأوساط العلمية كونها يمكن أن تكون بروباغاندا مغرضة ضد القرطاجيين. سنة 2010 قام عالم الأحياء والأنثروبولوجيا 《جيفري إتش شوارتز – Jeffrey H. Schwartz》 من جامعة بيتسبرغ بأول دراسة على عينات من بقايا الهياكل العظمية البشرية المحترقة (348 جرة دفن، العدد = 540 فردًا) التي استخرجها من التوفيت القرطاجي(1)

جرى هذا البحث بناءًا على دراسة تكوين الأسنان وأنسجة المينا وعلى عظام من الجمجمة 《العظم الصدغي- Temporal bone》 مع الأخذ بالحسبان الآثار المحتملة لانكماش العظام الناجم عن الحرارة. الهدف الأساسي من الدراسة كان معرفة ما إذا كان البشر المدفونين في التوفيت أضحيات محروقة حية أم أحرقوا بعد الموت كما كان شائعًا في العالم القديم. لكن دراسة شوارتز وعلى عكس المتوقع أظهرت أن معظم العينات تعود لأجنة ماتت قبل فترة الولادة، أو ما بين 5-6 أشهر بعد الولادة، وبدلا من الحديث عن التضحية كسبب للوفاة يقول شوارتز أن هذه النسبة من الأعمار تتوافق مع البيانات الحديثة حول وفيات الفترة المحيطة بالولادة، أي أن هذه الوفيات طبيعية. وفي قرطاج تفاقمت نسبة الوفيات بسبب العديد من الأمراض التي كانت شائعة في العالم القديم كما في المدن الكبرى الأخرى، مثل روما وبومبي. إذن كان توفيت قرطاجة مدفن للأطفال أو الأجنة الذين ماتوا قبل الولادة أو بعدها بفترة وجيزة، بغض النظر عن سبب الوفاة. يبقى أن الأمر لم ينتهي هنا فكل فرضية علمية تحمل هامشها من الخطأ.

تأريخ الأعمار دليل على التضحية

إن إثبات التضحية بالبشر من عدمه عموما يعتمد بشكل كبير على القدرة على تحديد أعمار العظام المدروسة، والعمر ليس من السهل تحديده. في السنة التالية لنشر شوارتز لبحثه قامت 《باتريشيا سميث – Patricia Smith》 المتخصصة في البيولوجيا والأنثروبولوجيا وفريق من المتخصصين، بنشر ورقة بحثية اعتمدت فيها على مجموعة من التقنيات الجديدة لتأريخ الأعمار، وقد بينت الدراسة أن معظم الأطفال في قرطاجة قد ماتوا بين شهر وشهر ونصف بعد الولادة، لذلك اعتبرت سميث أن التضحية بالأطفال كانت محتملة جدا. (2)

إقرأ أيضًا: ما هو التحنيط الذاتي ؟

تقول سميث في دراستها أنه من أكثر القضايا المحورية في النقاش عن كيفية تقدير أعمار الرضع هو كيفية تأثير حرق الجثث على العظام المستخدمة في التأريخ. وتقول سميث أن هذه الدراسة اعتمدت على مجموعة من التقنيات منها 《القياس الحيوي- biometry》،《والمجهر الضوئي-light microscopy》 لتحديد عمر العظام للأطفال.

طول الأسنان يحدد عمر الميت

باستخدام طول الاسنان، وبعد تصحيح الانكماش، وجدت سميث وفريقها أن عمر الاطفال الرضع في توفيت بلغ ذروته بين الشهر والشهر والنصف مع بعض العينات التي وصل عمرها لأربع سنوات، وهذا التوزيع العمري يختلف عما هو موجود في مدافن الرضع في المواقع الأثرية الأخرى الذين ماتوا بشكل طبيعي. هذا التوزيع العمري، وكذلك المعاملة الجنائزية الخاصة للأطفال الرضع، يدعم الأدلة النصية والأيقونية التي تقول: إن الفينيقيين مارسوا التضحية بأطفالهم. وهذا ما عارض دراسة شوارتز الذي قال إن توفيت قرطاجة قد استخدم كمقبرة لدفن الرضع المجهضين أو الذين ماتوا قبل الولادة.

من ناحية أخرى حسب سميث فإن حرق الجثث على نار مكشوفة هو طقس أكثر تكلفة ويستغرق وقتًا طويلاً من الدفن وفي معظم المجتمعات عادة ما يتم هذا الطقس لكبار السن أو للنخبة في المجتمع. وقد توصلت سميث إلى قناعة بأن الفينيقيين أحرقوا الجثث في أماكن مفتوحة وليس في أفران مغلقة بعد أن وجدت اختلافات في نسبة الحرق على العينات التي درستها وأرجعت ذلك إلى تساقط بعض العظام وعدم تعرضها لنار كافية أثناء عملية الحرق. أمر أخر يدعم فرضية سميث، في مدينة قرطاجة بأكملها كان نمو الأشجار نادرًا إن لم يكن غائبًا. (3)

إذا فندرة الأشجار جعلت عملية الحرق مكلفة جدا، فلم قد يلجأ الفينيقيون إلى حرق جثث أطفالهم المتوفين وتحمل كل هذه التكلفة بدل دفنهم بطريقة اعتيادية؟ لذلك وكما تفترض سميث فقد ضحى الفينيقيون بأطفالهم كنوع من الطقوس الدينية التي تقربهم من الآلهة.

آلة الزمن هي الحل

بالنسبة للفريقين فكلاهما على حق، ومع أن الإثنين اعتمدوا على تقنيات علمية دقيقة في تحليل العظام إلا ان نتائجهم أتت مختلفة والسبب في ذلك يعود للتفسير العلمي للفرضيات المطروحة، وهذا ما يميز العلوم الإنسانية بشكل عام عن غيرها، فالتفسير والتحليل فيها لا ينتهي. بعد البحث الذي نشر سنة 2011 عن سميث وفريقها والذي ناقض بحث شوارتز عاد الأخير في السنة التالية إلى نشر ورقة بحثية ليرد على نقد سميث لبحثه. (4) وبناءًا على خبرة شوارتز الطويلة في دراسة العظام يؤكد أن معظم العينات من التوفيت التي درساها كانت تعود لأجنة قد ماتوا قبل الولادة. كما أن شوارتز قد اعترض على بحث سميث واعتبر أن الأخيرة قد أخطأت في حساب انكماش العظام بسبب الحرق ومن هنا فقد أخطأت بتأريخ عمر العظام وبسبب هذا الخطأ توصلت لنتيجة أن التضحية بالأطفال كانت محتملة. إن قضية التضحية بأطفال قرطاجة لم تحسم بعد، بانتظار اكتشافات أثرية جديدة في المستقبل لتحل المشكلة، أو ربما إذا حصلنا على ألة زمن سنعرف الحقيقة.

المصادر

  1. Schwartz J, Houghton F, Macchiarelli R, Bondioli L. Skeletal Remains from Punic Carthage Do Not Support Systematic Sacrifice of Infants. PLoS ONE. 2010;5(2):e9177.
  2. Smith P, Avishai G, Greene J, Stager L. Aging cremated infants: the problem of sacrifice at the Tophet of Carthage. Antiquity. 2011;85(329):859-874.
  3. Zeist W, Veen M, DIET AND VEGETATION AT ANCIENT CARTHAGE THE ARCHAEOBOTANICAL EVIDENCE. Groningen Institute of Archaeology University of Groningen. 2001
  4. Schwartz J, Houghton F, Bondioli L, Macchiarelli R. Bones, teeth, and estimating the age of perinates: Carthaginian infant sacrifice revisited. here.

أنماط الأبوة والأمومة وتأثيرها على الأبناء

تعتبر السنوات الأولى من حياة الفرد من أهم فترات التطور، فالأطفال في تلك المرحلة يصبحون كالإسفنج يمتصون كل شيء من آبائهم، فهم قبلتهم وجهة إتصالهم الوحيدة. وبالتالي فإن أسلوب الأبوة والأمومة والطريقة التي يتفاعل بها الآباء مع الأبناء لها تاثير كبير على أطفالهم. فقد يكون هذا التأثير طويل المدى وقد يكون قصير المدى؛ فهو يؤثر على جميع جوانب الأطفال، من طريقه التفكير حتى طريقه ملابسهم.

في عام 1983، تم توسيع نظرية «ديانا بومريند-Diana Baumrind»، التى طورت ثلاثة أنماط رئيسة للأبوة والأمومة لتصبح أربعة أنماط بواسطة «ماكوبي ومارتن- Maccoby and Martin» وآخرون. فما هما الأربعة أنماط الأساسية في التربية؟ وما هي نتيجة اعتماد كل نمط في التربية؟ وما هو النمط الأمثل؟ وكيف تحدد نمط الأبوة والأمومة المناسب لأطفالك؟

ما هي الأبوة والأمومة؟

تُعرف الأبوة والأمومة على أنها كوكبة من المواقف أو الأنماط للسلطة الأبوية تجاه الطفل والتى تُنقل إليه، مما يخلق السياق العاطفي للتعبير عن سلوك الوالدين. فيُعتقد أنه يوفر المناخ العاطفي للتفاعل بين الوالدين والأطفال، كما أن لها تأثير كبير على نوعية حياة الأسرة.

أهمية الأبوة والأمومة في التربية

إن للآباء والامهات وظيفة يمكن وصفها بأنها الأصعب على الإطلاق، فيُسند إليهم تربية الأبناء ودعمهم، فيمر الشخص خلال فتره نموه بعِدة مراحل وتغيرات، بما في ذلك التغيرات البيولوجية والعاطفية والمعرفية والإجتماعية. فمن الضروري أن يحاول الوالدان تحقيق التوازن في جميع الجوانب. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال معرفة أهم المؤثرات السلوكية إلى جانب بيئة التربية.

كما يتأثر أسلوب التربية بترتيب الطفل، فيتأثر أسلوب الأبوة تجاة الطفل الثانى مثلاً بالتجربة التى مر بها الوالدان أثناء تربيتهم للطفل الأول وهكذا.

وفي بعض الأحيان قد يتعارض كل ذلك مع عوامل أخرى بيولوجية أو بيئية، وبالتالي فإن تحقيق هذا التوازن يمكن أن يُصبح صراعًا للآباء.

نظرية بومريند لأنماط الأبوة والأمومة

في الستينيات ابتكرت عالمة النفس «ديانا بومريند-Diana Baumrind» أربعة أنماط مختلفة من الأبوة والأمومة. بناءًا على الملاحظة والتحليلات، وهم:

نمط الأبوة الموثوقة

نمط الأبوة السُلطوية

نمط الأبوة المُتساهلة

نمط الأبوة الغير مسئولة

وقد صُنفت هذه الأساليب على أساس جانبين أساسيين من جوانب السلوك الأبوي هما: الرقابة الأبوية- Parental Control والدفء الأبوى Parental Warmth. دعنا سريعًا نذكر ما ينطوي عليه المصطلحين:

تشير الرقابة الأبوية إلى الدرجة التي يدير بها الآباء سلوك أطفالهم. بدءًا من التحكم الشديد إلى التراخي، بالإضافة إلى وضع القواعد وتلبية المطالب.

أما عن الدفء الأبوي، فهو يشير إلى الدرجة التي يتقبل بها الآباء سلوك أطفالهم ويستجيبون لها.

1- نمط الأبوة الموثوق

الآباء الموثوقون حازمون مع أطفالهم، لكنهم مانحون جيدون للدفء في نفس الوقت. فالأسلوب الموثوق يعتمد على وضع قواعد معينة للأبناء مع إتاحة الفرصة لهم للمناقشة والاستدلال. فهو اتصال ثنائى الإتجاه.

دائما ما تكون لديهم توقعات عالية من أبناءهم، يشجعونهم على الاستقلال مع الإشارة إلى حدودهم. يستخدم أيضًا هؤلاء الآباء أنظمة المكافآت لتقدير العمل الجيد وتحفيز أطفالهم.

تُظهر الملاحظات أنه عندما يتبنى الوالدان طريقة الأبوة هذه، يكون الطفل قادرًا على التفاوض وإجراء المناقشات بشكل أفضل. ذلك لإنه اعتاد على التعبير عن نفسه أثناء المناقشات مع الوالدين. نظرًا لإن آراءه وأفكاره تؤخذ دائمًا على محمل الجد في المنزل.

فالأطفال الذين يدركون أن آراءهم مهمة وتؤخذ في الاعتبار. يكونون أكثر وعيًا ومسئولية اجتماعيًا؛ مما يعزز ثقة الأبناء بأنفسهم وقدراتهم ومهاراتهم.

2- نمط الأبوة السلطوي

الآباء الذين يتبنون هذا الأسلوب تجدهم يمارسون سيطرة شديدة على أطفالهم، ولا يمنحون الدفء الكافي. فهم يطورون نظامًا للعقوبات من أجل تصحيح أي سلوك غير مرغوب. عادة ما يرون معاملتهم لأبناءهم على أنها حب قاسي. هذا النمط من الأبوة مُقيد وغالبًا ما يكون إتخاذ القرارات حكرًا على الوالدين فقط دون التشاور مع الأبناء. فلا تُجرى أية مناقشات ولا تتبادل الآراء. قليلا ما تُشَجَّع الأبناء على الاستقلالية. أظهرت الملاحظات أن الأطفال مُتلقيّ ذلك النمط إما يميلون إلى الخضوع والإعتماد على والديهم، أو التمرد إظهار ميولاً عدوانية.

3- نمط الأبوة المتساهلة

يتميز الوالدين الذين يتسمون  بنمط التربية المتساهلة بالدفء الشديد والسلبية. مثل هؤلاء الآباء لا يطلبون الكثير من أطفالهم، يواجهون صعوبة في قول لا لأبناءهم؛ بسبب الخوف من استيائهم. الوالدان غير نشطين في جوانب صنع القرار في حياة أبناءهم؛ وبالتالي يتخذ الأطفال العديد من القرارات المهمة بمفردهم. فهم يقدمون النصيحة فقط لأطفالهم، لكن القرار النهائي يُتخذ في النهاية من قِبل الطفل نفسه. أطفال ذلك النمط من التربية لا يدركون مفهوم العواقب. كما أنهم لم يعتادو على الحرمان، مما يؤدي إلى وجود مشاكل في ضبط النفس لديهم. تتأثر علاقتهم مع أقرانهم الآخرين أيضًا؛ لإنهم يميلون إلى تطوير قضايا الأنا فيظهرون بمظهر الأنانيين.

4- نمط الأبوة المهملة

آباء ذلك النمط ليسوا دافئين وليس لديهم أي مطالب من أبناءهم. هم غير مشاركين في أمور أطفالهم ولا يتفاعلون معهم -إلا إذا لزم الأمر- فهم غير مبالين بمشاعر أو حتى مكان تواجد أطفالهم. يميلون إلى الإنشغال بحياتهم الخاصة أو التركيز على الذات فقط. هؤلاء الآباء لا يأخذون في الاعتبار أفكار وآراء أطفالهم. عادة ما يكون هذا النمط من الأبوة نتيجة استسلام الوالدان أو نتيجة الإحباط أو التعب. يظهر أطفال هذا النمط سلوكيات مثل سلوك أطفال الآباء المتساهلين.

بعض العوامل التي تؤثر على أسلوب الأبوة والأمومة المُتبع في الأسرة

مدى توافق أسلوب الوالدان في المنزل، إذا كان الوالدان يتبعان أسلوبان مختلفان من الأبوة -على سبيل المثال: يمكن أن تكون الأم متساهلة والأب سُلطويًا. فمن الضروري أن يجد الوالدان طريقة للعمل معًا والتنازل عن الأسلوب الغير مُوفق في مواقف معينة؛ من أجل الحصول على نتيجة إيجابية. فقد يؤدي عدم موافقة كلا الوالدان علانيةً  أثناء إتخاذ القرارات المتعلقة بالطفل إلى نزاع يمكن للطفل الإستفادة منه لحسابه. – على سبيل المثال: إذا قال الأب أنه لا يُسمح لاطفل بالذهاب إلى مكان ما، لكن والدته قالت نعم! سيستمر الطفل في الذهاب إلى المكان الذي منع الأب الذهاب إليه. على الرغم من تحذيره للطفل من ذلك، لإن الطفل يعلم أن الأم ستضمن عدم توقيع العقوبة.

سلوك الطفل نفسه قد يحكم أسلوب الأبوة المُتبع، يؤثر سلوك الطفل أيضًا على أسلوب التربية. على سبيل المثال: قد يؤدي الطفل المتمرد المُتحدي إلى قيام والديه بممارسة سيطرة قُصوى (النمط السُلطوي) من أجل تقويم الطفل، أو إهمال الطفل (النمط الغير مسئول) لمجرد أن الوالدين قد استسلموا وكلْوا. من ناحية أخرى، فإن الطفل الذي لديه دوافع ذاتية ومتعاون، من شأنه أن يدفع والديه إلى استخدام أسلوب تربية أكثر موثوقية وبناء علاقة جيدة مع طفلهم. وهناك بعض العوامل الأخرى التي قد تؤثر على أسلوب الأبوة والأمومة المُتبع مثل قلة النوم، الاجهاد، حالة مزاج الوالدين، مسئوليات الوظيفة، القيود المالية، التوتر، القلق،..

كيف يمكن تحديد أسلوب الأبوة والأمومة الأمثل؟

بينما لا يوجد أسلوب تريية واحد يمكن وصفه بالأمثل أو الأنسب -بناءًا على الأبحاث والتحليلات- يعتقد علماء النفس أن أسلوب الأبوة والأمومة الموثوق هو الأسلوب الأكثر فائدة، فهم يزعمون ان هذا الأسلوب هو الأكثر مرونة ويحقق التوازن الصحيح بين الرقابة ودفء الوالدين. إذ يُظهر الأطفال الذين يخضعون لأسلوب التربية الموثوقة لديهم علاقة صحية مع والديهم حتى بعد أن يصبحوا بالغين. ومع ذلك من المهم أن نفهم أن هناك العديد من العوامل تلعب دورًا فيما يتعلق بتربية الأطفال، على رأسها الإختلافات الثقافية.

ما هي أهمية الخلفية الثقافية في تحديد النمط الأبوي المناسب؟

من الضروري مراعاة التأثيرات الثقافية في الأسرة. فقد لا تكون أساليب الأبوة والأمومة الموثوقة هي الأنسب لتربية الأطفال من خلفيات عرقية واجتماعية واقتصادية مختلفة. فتُشير الأبحاث أن الأساليب الموثوقة تعمل بشكل أفضل مع الأطفال في جميع الطبقات. في حين أنه قد لا يكون الخيار الأنسب للأطفال الناشئين في ظل قيود اجتماعية واقتصادية معينة. فقد وُجد أنه عندما يعيش الطفل في بيئة آمنة، فإن السماح له بقدر من الحرية المرونة سيُبشر بالخير للطفل وسيتبع ذلك نتائج إيجابية. ومع ذلك قد لا يكون هذا الحال بالنسبة للطفل الذي يعيش في بيئة شديدة الخطورة .سيحتاج الطفل الذي يعيش في مثل هذه البيئة درجة أعلى من التحكم – على سبيل المثال: بالنسبة لطفل نشأ في أسرة مكونة من ثلاثة أفراد في أرقى ضواحى لوس أنجلوس- كاليفورنيا. سيحقق أسلوب الأبوة الموثوقة نتائج إيجابية من الطفل، هنا يتمتع الطفل بامتياز عدم التعرض للتحيز العنصري أو الجنساني ويحيا في مكان آمن. بما أن والديه مستقران اقتصاديًا بشكل واضح للعيش في هذا المكان، فلا ضغوط اجتماعية ولا اقتصاديه على الأسرة.

خُذ مثالاً آخر، من ناحية أخرى، فتاة آسيوية صغيرة تنشأ في أسرة متوسطة الحال بلا أب، تخضع للتحيز العنصري والجنساني. تكافح والدتها من الناحية المالية، فتعمل في وظيفتين لتوفير وجبة على المائدة. لن يعمل أسلوب الأبوة الموثوقة هنا، بدلاً من ذلك ستكون هناك حاجة إلى مزيج من أساليب الأبوة الأخرى لتحقيق النجاح.

عادة ما تُستخدم أساليب الأبوة السلطوية من قبل الآباء الذين ينتمون إلى الأقليات العرقية. على الرغم من أن أسلوب التربية هذا يرتبط بالنتائج الإيجابية المنخفضة، إلا أنه عندما يُطبق من قِبل مجموعات الأقليات مقل العائلات الآسيوية والإفريقية، فإنهم يميلون إلى تحقيق نتائج إيجابية. فإن تحديد أهداف معينة صارمة وحازم يعمل بشكل أفضل لهذه العائلات، ويمكن رؤيته من حيث النجاح الأكاديمي أيضًا -وهو شئ يُقدره الآسيويون جدًا- كما أن هناك شريحة كبيرة جدًا من عائلات الأقليات العرقية تعيش في أحياء خطرة بها العديد من المخاطر التي تُهدد سلامتهم وأمنهم. هذا يتطلب من الآباء وضع قواعد صارمة كتقييد التواجد خارج إطار الجماعة أو المنزل، على الرغم من مقاومة الأطفال لهم، إلا أن هذا هو الخيار الأكثر أمانًا

الخلاصة

يُعد اختيار النمط الأبوي الصحيح أمرًا بالغ الأهمية لضمان التطور الإيجابي للأبناء. الأبوة والأمومة موضوع مُعقد جدًا وتؤثر عليه عوامل مختلفة، يجب على المرء ألا يتبنى أسلوب الأبوة والأمومة بشكل أعمى لمجرد أن أقرانه يتبعونه، ولا يسعى لإتباع أحدث الإتجاهات. عندما يتعلق الأمر بالتربية، سيأخذ الوالد الجيد في الإعتبار حاجة الطفل والأسرة أثناء إتخاذ القرارات. فلا يوجد أسلوب تربية مثالي يمكن تطبيقه بالتساوي على جميع المواقف والظروف كما لا توجد صيغة مؤكدة للنجاح بل يجب على الوالدين التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للطفل بناءًا على الموقف. في حين أن أسلوب الأبوة الواحد يمكن أن يعمل بشكل مثالي لعائلة واحدة، فقد يلزم مزيج من أساليب الأبوة والأمومة لعائلة أخرى.

المصادر

ncbi

greatschools

melbournechildpsychology

apa

ncbi

springer

كيف يفسّر العلم نظريات المؤامرة؟

مع انتشار فيروس الكوفيد 19 منذ حوالى السنة، ومع اكتشاف عدد من اللقاحات المضادة له في الأشهر الأخيرة، انتشرت بشكل كبير نظريات المؤامرة حول نشر الفيروس من قبل سلطات معينة تارةً وزرع شريحة من خلال اللقاح تارةً أخرى، وغيرها العديد من النظريات. ولكن نظريات المؤامرة ليست جديدة، فهي واكبت البشر في الكثير من الأحداث الضخمة سابقًا، لكن وسائل الإعلام والتواصل الحديثة تساهم في انتشارها أكثر من ذي قبل. فكيف يفسّر العلم نظريات المؤامرة؟ وما هي الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع البعض إلى الإيمان بها؟

ما هي نظرية المؤامرة؟

يمكن تعريف نظرية المؤامرة بمحاولة لتفسير أحداث معينة على أنها مقصودة ومُنفذة من قبل أفراد أو مجموعات لغايات خبيثة أو مؤذية، والاقتناع بها بدلًا من الرواية الرسمية أو العلمية. بل في بعض الحالات، تُستخدم هذه الرواية لإثبات النظرية المزعومة.

وبحسب دراسة نُشرت عام 2018 في “SAGE journals”، تتضمن إجمالًا نظريات المؤامرة خمسة عناصر على الأقل. أولًا، تفسر هذه النظريات علاقات تشابك بين عناصر مختلفة من أشخاص أو مجموعات أحداث أو مواضيع، أي أنها تتضمن نمطًا معينًا (Pattern) لتفسير هذه العلاقات. ثانيًا، تعتبر نظريات المؤامرة (كما يعبّر اسمها) أن الحدث المُنفّذ هو حدث مقصود. ثالثًا، هي تشمل مجموعة أو ائتلافًا من المتورطين، أي أنها لا تنسب تنفيذ الفعل إلى فرد بل إلى مجموعة. رابعًا، تنطوي نظرية المؤامرة على عامل الأذى والتهديد. وخامسًا، تتضمن عامل السريّة، مما  يُصعِّب مهمة نفيها.   

كيف يفسر العلم انتشار نظريات المؤامرة؟

كتب المؤرخ الأميركي «هوفتاتشر – Hofsdadter» في العام 1966 عن بارانويا السياسة الأميركية في كتابه “The Paranoid Style in American Politics” عن ظاهرة نظريات المؤامرة، واعتبره مرتبطًا بشكل أساسي بالسياسة. كما قارنها بالحالة العيادية النفسية حيث يتوهّم المريض أن أحدًا يتربّص به ليأذيه. وقد أثّر هذا الكتاب على التفسيرات التي تبعته عن نظريات المؤامرة، فاعتبرها العديد من علماء النفس أنها نتيجة مباشرة للأمراض النفسية، كوهم الارتياب (Paranoia) والفصام والنرجسية. لكن هذا التفسير لا يكفي نظرًا لانتشار نظرات المؤامرة بين أعداد كبيرة من الناس، في مختلف الدول ومن مختلف الأعمار. لذلك فتش العلماء عن العديد من الأسباب النفسية والاجتماعية والسياسية لتفسير الانتشار الواسع لنظريات المؤامرة حول العالم.

ضعف التفكير النقدي والتحليلي:

تبين الدراسات أن نظريات المؤامرة تكون أكثر انتشارًا في صفوف الأفراد الأقل تعليمًا، وذلك بسبب ضعف التفكير النقدي (Critical thinking) الذي يشكل حماية من نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن المستوى الأكاديمي لا يشير بالضرورة إلى مستوى التفكير النقدي، لأنه مرتبط أيضًا بالنظام التعليمي ونوعيته.

التفتيش عن الشعور بالسيطرة:

أشار هوفتاتشر إلى أن نظريات المؤامرة تنتشر بشكل أكبر بين الفئات الأضعف. وقد أكّد بعده علماء النفس أنها تنتشر في الفترات الأقل استقرارًا أي في مواجهة الكوارث الطبيعية والأحداث الأمنية والأزمات المالية والأوبئة. فبحسب عالم الاجتماع «تيد غورتزيل – Ted Goertzel»، يلجأ الناس إلى نظرية المؤامرة عندما يفقدون أدوات مواجهة حدث معين، فتعوّض عندهم شعور العجز بشعور أكبر بالسيطرة. في المقابل، يعتبر عالم النفس الاجتماعي الهولندي جان-ويليام فان بروجين أن الشعور بالسيطرة يعزز الحماية من الإيمان بنظريات المؤامرة.

كما تُشير دراسات أخرى أن انتشار نظريات المؤامرة مرتبط بشكل وثيق بفقدان الأمن السياسي-الاجتماعي.

يفتش الأفراد في هذه الحالة عن شعور بالسيطرة، لكن الواقع أن ضحايا نظريات المؤامرة يصبحون أقل قدرة على الفعالية والمواجهة، فقد بينت البروفيسورة الأميركية في علم الاجتماع «كارن دوجلاس – Karen Douglas» أن الأشخاص الذين يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة يكونون أقل مشاركةً في العمليات السياسية (كالانتخابات مثلًا) والانتظام في مجموعات، لأنهم يكونون أقل إيمانًا بالقدرة على التأثير والتغيير.

الدوافع الاجتماعية:

قد تكون الدوافع الاجتماعية جزءاً أساسيًا من اللجوء إلى نظريات المؤامرة، التي غالبًا ما تكون أكثر تفشيًا عند المجموعات المغلوبة أو الضعيفة (مثلًا عند مؤيدي الحزب الخاسر في انتخابات معينة) وعند المجموعات التي تعاني من النبذ أو التمييز لأسباب عنصرية أو إثنية أو طبقية. فيكون الإيمان بنظريات المؤامرة في هذه الحالة يشكل تعويضًا نفسيًا جماعيًا عند الفئة الضعيفة، وهروبًا من الشعور بالذنب الجماعي (بسبب الوضعية الضعيفة للجماعة).

كما أن الدراسات النفسية الاجتماعية تربط بين نظريات المؤامرة والنرجسية الجماعية وهي الشعور بالفخر بالانتماء لجماعة معينة، والشعور بأن هذه الجماعة غير مُقدّرة بشكل كافي من قِبل جماعات أخرى.

الأسباب التطورية:

قدّم علم نفس التطور تفسيرات متعددة لنظريات المؤامرة، واعتبرها نتيجة ثانوية لسمات تكييفية اكتسبها البشر خلال تطورهم، سنذكرها فيما يلي.

السمة الأولى هي القدرة على تمييز الأنماط (Pattern perception)، فنحن البشر نعتمد الأنماط، أي الربط بين عناصر مختلفة، كوسيلة لتعلم وفهم كل ما حولنا. وقد ورثنا هذه القدرة من أسلافنا، الذين تمكنوا من اكتساب الأنماط، وربط الأسباب بالنتائج، من أجل إدراك المخاطر وتجنبها.

لكن هذه السمة، على الرغم من أهميتها، قد توقعنا بالخطأ، وقد تدفعنا إلى خلق روابط وهمية بين عناصر غير مترابطة بالضرورة. فنميل مثلًا إلى نسب مشاعر بشرية للحيوانات أو الآلات أو غيرها، أو نميل إلى خلق أسباب تآمرية لنتائج معينة.

السمة الثانية هي كشف النية (Agency detection)، وهي القدرة التكيفية التي تجعلنا قادرين على فهم نية الأعمال، سواءً كانت جيدة أو سيئة. وتعد هذه السمة مهمة جدًا للبشر إذ مكنتهم من التعاطف والتعاون وتجنب المخاطر. ولكن المبالغة بنظام كشف النوايا قد يجعلنا مشككين بقوة، مما يخلق المجال لنظريات المؤامرة.

أما السمة التطورية الثالثة المسؤولة عن نظريات المؤامرة فهي إدراك ومعالجة الخطر والتهديد (Threat management). فقد عاش أسلافنا في محيط محفوف بالمخاطر، مما سمح بتطوير نظام عقلي يسمح بتوقعها وبالتالي تجنبها. وقد يكون خلق أو تبني نظرية المؤامرة نتيجة لنظام كشف التهديد، مما يخلق شعورًا بالأمان عند البشر.

ختامًا، مازالت الدراسات غير وافية لشرح وتفكيك نظريات المؤامرة، نظرًا لحجم انتشارها في العالم. كما أننا بحاجة ملحة لدراسات حول نتائجها على ضحاياها. ولكن الأكيد أن مواجهة نظريات المؤامرة ممكن من خلال إعلاء صوت العلم والحقيقة على أي صوت آخر.

المصادر:

PubMed

SAGE Journals

Britannica.com

The British psychological society

من هم الملوك الثلاثة في قصة عيد الميلاد؟

تذكر العديد من ترانيم عيد الميلاد الملوك الثلاثة، الذين يتبعون نجمًا فيأتون لتكريم عيسى الرضيع في بيت لحم. لم يدعهم الكتاب المقدس ملوكًا كما لم يذكر عددهم- بل وصفهم بـ “حكماء من الشرق”. في العديد من البلاطات في الشرق، بما في ذلك بابل القديمة وبلاد فارس، غالبًا ما قدم المنجمون المتعلمون والممارسون لفن السحر خدماتٍ كمستشارين قُسُوسِيّين. في القرون التي تلت ذلك، تم تناقل كون «المجوس-Magi» الثلاثة على أنهم ملوك.

وفقًا لـ «كتاب متى-the Book of Matthew»، قاد نجمٌ لامعٌ المجوس من الشرق حتى توقف “فوق المكان الذي يوجد فيه الطفل”، و “وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ” (متى 1:24).

يقدم الملوك الثلاثة هداياهم ليسوع في لوحة «تمجبد المجوس للطفل يسوع-The Adoration of the Magi» لساندرو بوتيتشيلي.

ركع المجوس للطفل يسوع و “وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا”. ربما تكون هداياهم إشارةً إلى رؤية إِشَعْيَاء
للأمم تقدم الجزية للقدس: “تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ.”(متى 11:2، إشعياء 60:6).

كان الملك هِيرُودِس قد سمع شائعات عن ولادة “ملك” جديد وبحث بغيرةٍ عن الطفل. في كتاب متى، توقف المجوس عند قصر هيرودس في طريقهم إلى بيت لحم، وطلب منهم الملك إخباره بمكان هذا المولود الجديد، حتى يمكنه أيضًا الذهابُ إليه وتقديم الولاء له. لكن المجوس حُذِّروا في المنام من العودة إلى هيرودس، ولذلك غادروا إلى بلدهم عبر طريق آخر ولم يسمع عنهم الملك مرةً أخرى (متى 2:12).

بناء خلفية للقصة

وضعت الروايات اللاحقة للمجوس اسمًا وحددت أراضيهم الأصلية: جاء ملكيور من بلاد فارس، وغاسبار (يُسمى أيضًا “كاسبار” أو “جاسبر”) من الهند، وبلطاسر من الجزيرة العربية. كانت لهداياهم معاني رمزية خاصة أيضًا: الذهب يدل على مكانة يسوع “ملك اليهود”؛ يمثل اللبان ألوهية الطفل؛ ويلمح المر إلى موت يسوع.

يبدو أن الصور الشعبية لعيد الميلاد لا تنطبق تمامًا مع قصة ميلاد المسيح، تصور ظهور الملوك الثلاثة في بيت لحم في عيد الميلاد، لكن الاحتفالات التقليدية لعيد الميلاد تتقدم على زيارتهم بـ 12 يوم. يُطلق عليه «عيد الغطاس-Epiphany»، أو عيد العماد أو عيد الدنح، وهو الاحتفال الرسمي بوصول المجوس وهو أحد أقدم الأعياد المسيحية. يحتفل الروم الكاثوليك بعيد الغطاس في 6 يناير، وتحتفل الديانات المسيحية الأرثوذكسية في 19 يناير.

المصادر: Christianity Today, National Geographic, National Museum of American History
إقرأ أيضًا: متلازمة القدس: بين الايمان والجنون

بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟

هذه المقالة هي الجزء 17 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟ هل وجدت نفسك يومًا في موقف محرج وأخذت تعيده في رأسك مرارًا وتكرارًا معتقدًا أنها نهاية العالم؟ هل وقفت أمام حشد للتحدث وشعرت بنظراتهم تخترقك كأنهم يقرأون كل ما تشعر به؟ موقف ليس بالهين، من منا يريد هذا القلق في حياته؟ لا أحد بالطبع. لكن أنا هنا لأخبرك أنك لست وحدك، كما سأطلعك على رأي العلم في هذه المواقف، وربما تدهشك النتائج!

«تحيز التمركز حول الذات-Egocentric Bias»

تحيز التمركز حول الذات هو نوع من التحيز المعرفي يجعل الأشخاص متمركزين حول وجهة نظرهم عن الحياة والأحداث التي تحدث لهم أو لغيرهم. وبالتالي يجدون صعوبة في استيعاب اختلاف وجهات نظر الآخرين، أو يتجاهلونها كليًا. هناك العديد من الأمثلة التي يظهر فيها هذا النوع من التحيز منها:

  • شعور الشخص في الأحاديث العامة أمام جمهور بالتوتر، كما يعتقد أن توتره واضح تمامًا للجميع، فقط لأن توتره واضح لنفسه.
  • عدم قدرة الشخص الذي تعرض لموقف محرج أن يتناساه، كما يبالغ في احتمالية تذكر الجميع لهذا الحدث. فقط لأنه يتذكره جيدًا.
  • اعتقاد الشخص أن زملائه وأصدقائه يتشاركون جميع معتقداته ومبادئه، ذلك لأنه منغمس بها كليًا للدرجة التي لا تمكنه من تخيل أن الآخرين قد يمتلكون آراءًا مخالفة.

وكما يتضح من الأمثلة سنناقش تحيز التمركز حول الذات اليوم في إطار اجتماعي، بالتحديد على مستوى الفرد، كيف يرى الفرد أفعال الآخرين وكيف تكون ردود أفعاله عليها؟

تأثير تسليط الضوء

عرفنا أن تحيز التمركز حول الذات يظهر في كثير من التعاملات الحياتية. ونجد المشترك بينها جميعًا اعتماد الشخص بشكل أساسي على وجهة نظره، فيُسقط مشاعره وأفكاره ومعتقداته ورغباته على الآخرين. مستهينًا أو متجاهلًا مشاعرهم أو أفكارهم الخاصة.

هناك نمطان يظهر فيهما تحيز التمركز حول الذات بشكل واضح وخاص. أولهما «تأثير تسليط الضوء-Spotlight Effect»

يمكننا فهم هذا التأثير من خلال المثال الذي طرحناه سابقًا عن الموقف المحرج وعدم قدرة المرء على تناسيه. فيُعرف علماء النفس الاجتماعي هذا التأثير أنه ميل الشخص للإفراط في تقدير انتباه الآخرين له. فيشعر كأن الضوء مسلط عليه بينما يغفل حقيقة تمركز اهتمام الآخرين حول أنفسهم أيضًا.
أول من درس هذا التأثير وقدمه للعالم هو عالم النفس الاجتماعي توم جيلوفيتش. أحد أشهر التجارب التي قام بها وأكثرها طرافة هي تجربة القميص. سأل جيلوفيتش مجموعة من الطلاب أن يرتدوا قمصانًا ليومهم الدراسي اللاحق. ارتدت نصف المجموعة قمصانًا مطبوع عليها صور محرجة مثل صورة هتلر، وارتدى النصف الآخر قمصانًا مطبوع عليها صور لشخصيات محبوبة مثل مارتن لوثر كينج أو بوب مارلي. ثم سألهم في نهاية اليوم عن تقديرهم لنسبة الأشخاص الذين لاحظوا قمصانهم، كذلك سأل طلابًا عشوائيين في الحرم الجامعي إذا ما لاحظوا أحد هؤلاء الطلاب ذوي القمصان الرائعة أو المحرجة.

جاءت نسبة المشاركين (تقديرهم لنسبة الأشخاص الذين لاحظوهم) مقارنة بنسبة الطلاب (الأشخاص الذين لاحظوهم بالفعل) 2:1. فعندما اعتقد المشاركون أن مائة شخص لاحظ قمصانهم، كانت النسبة الفعلية خمسين شخصًا فقط.

قام جيلوفيتش وغيره بعدد من التجارب الأخرى حتى تأكد من وجود تأثير تسليط الضوء. وهو اعتقاد الأشخاص أن الآخرين يراقبونهم طوال الوقت بينما الحقيقة أنهم لا يفعلون، بل هم منشغلون في مراقبة أنفسهم فقط!

وهم الشفافية

النمط الثاني الذي يظهر فيه تحيز التمركز حول الذات هو «وهم الشفافية-Illusion of Transparency» هذا النمط هو ببساطة اعتقاد الشخص أنه أكثر شفافية ووضوحًا مما هو/هي عليه بالفعل. فيميل إلى المبالغة في تقدير ما يظهر من مشاعره. والمثال على ذلك ما طرحناه في بداية المقال عن الشخص الذي يتحدث أمام جمهور فيشعر أن نظراتهم تخترقه، ويمكنهم رؤية توتره بمنتهى الوضوح.

اختبر العلماء وهم الشفافية بعدد من الدراسات، منها: دراسة طلب فيها العلماء من المشاركين قول عدد من الجمل أمام جمهور، بعضها حقيقي وبعضها كاذب. ثم سؤالهم عن توقعاتهم هل سيصدقهم الجمهور أم لا؟

اعتقد أغلب المشاركين أن دلائل الخداع من توتر وقلق ظهرت على وجوههم عند قول الجمل الكاذبة، وهو ما تعارض مع النتائج الفعلية. بالرغم من مقدرة الأشخاص على اكتشاف الجمل الكاذبة في بعض الأحيان، إلا أن الأغلب لم يستطع ذلك. وهنا نستطيع القول أن وهم الشفافية له وجهان. الأول: إجادة البشر للكذب أكثر مما يعتقدون. الثاني: مبالغة البشر في تقدير ما يظهر من مشاعرهم، فيشعرون تحت الضغط أن جميع أسرارهم ونقاط ضعفهم واضحة أمام الجميع. وهو ما يتعارض مع الواقع بالطبع.

السؤال الأهم: لماذا؟

يمكننا ملاحظة التشابه العام بين نمطي التحيز، فكلا من تأثير تسليط الضوء ووهم الشفافية يتشابه في مصدره. وهو التركيز على آرائنا وأفكارنا ومشاعرنا وصعوبة التحول منها لتبني آراء وأفكار ومشاعر الآخر. والسؤال الأهم هنا: لماذا يحدث ذلك؟

  • السبب الأول بديهي نوعًا ما، نحن نقضي جُل أوقاتنا في التفكير واختبار الأحداث من وجهة نظرنا الشخصية. وبالتالي حينما نشعر بضرورة تبني موقف الآخر أو النظر إليه من وجهة نظره، نجد صعوبة في ذلك. فلا نستطيع الخروج من دائرة أحكامنا ومعتقداتنا، ونعتقد أن الجميع يشاركوننا إياها.
  • ثانيًا الاستدلال: الاستدلال هو اختصارات ذهنية يستخدمها المخ لاتخاذ القرارات وإصدار الأحكام بسرعة وبسهولة، على حساب الوقوع في بعض الأخطاء أحيانًا. يحدث التحيز حينما يستخدم المخ هذه الاختصارات ويفترض أن الآخرين يشاركوننا نفس أفكارنا عوضًا عن تقييم أفكارهم بالفعل.

الرهاب الاجتماعي وتأثير تسليط الضوء

يختبر مصابو الرهاب الاجتماعي خوف مزمن من أي نشاط اجتماعي. خاصة المواقف التي تتضمن احتمالية الحرج أو الرفض أو إصدار الأحكام. وبالرغم من معرفة هؤلاء الأشخاص عدم منطقية خوفهم إلا أنهم لا يستطيعوا التحكم به، وينتهي بهم الأمر متجنبين أغلب هذه المواقف أو مجبرين أنفسهم عليها تحت ضغط وقلق كبير.

يرتبط تأثير تسليط الضوء الذي ناقشناه مسبقًا بهذه الفئة من الأشخاص بشكل كبير. فعلي الرغم من أن جميعنا يختبر الحرج أو القلق في مواقف ما، إلا أن هذا الشعور متضخم للغاية عند مصابي الرهاب الاجتماعي. فيشعرون أن العيون والأضواء مسلطة عليهم في كل لحظة تفحص وتدقق وتضخم عيوبهم. وقد يصل بهم الأمر إلى عدم القدرة على متابعة الحياة بشكل طبيعي. مثال: إذا كنت مصابًا بالرهاب الاجتماعي وخرجت إلى عملك دون أن ترتب شعرك، ستشعر أن الجميع ينظرون ويطلقون أحكامهم عليك، وربما تشعر بالخجل وتختبيء من زملائك في العمل معتقدًا أنهم سيسخرون منك أو يشفقون عليك.

الخطوة الأولى في طريق التعايش مع هذا الرهاب هو الوعي. وعيك ومعرفتك بحقائق بسيطة مثل تأثير تسليط الضوء أو وهم الشفافية يمكن أن يقلل الضغط الذي تشعر به بشكل كبير. ماذا نحتاج أكثر من حقائق مثبتة علمًا كي نتأكد أن البشر لا يلاحظوننا بالقدر الذي نعتقده ولا يقرأون أفكارنا؟

لكن هنا يجدر ذكر أمر آخر وهو أن المعرفة لا تساوي الحل، بعض الحالات لا يكفيها سرد الحقائق والتجارب العلمية كي تتحسن، بل يمكننا القول أن هذا هو الأغلب. وهنا يجدر بالشخص مراجعة الطبيب والالتزام بأدوية معينة.

بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟

البشر ليسوا قارئي أفكار

هكذا أود أن أختم حديث اليوم، بتذكير بسيط أن البشر لا يستطيعون قراءة أفكارنا ورؤية نقاط ضعفنا. كذلك لا يهتمون كثيرًا بعثراتنا المحرجة وعلى الأغلب لا يتذكرونها. لكن فلتنذكر نحن ما ناقشناه عن بعض مفاهيم علم النفس الاجتماعي (على مستوى الفرد) وهي وهم الشفافية وتأثير تسليط الضوء. كذلك الدور الذي يلعبه هذا التأثير عند مرضى الرهاب الاجتماعي.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام: لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

كيف تساعد طفلك المصاب بعسر القراءة؟

يتعلم كل طفل ويتطور وفقًا لقدراته وسرعته الخاصة وبشكل فردي. والقراءة مهارة لا تختلف عن المهارات الأخرى. فمن الشائع جدًا أن يجد الأطفال صعوبة في القراءة في مراحل تعليمه الأولى. لكن ماذا إذا أصبح تعلم القراءة صراعًا مستمرًا يجعل الطفل متخلفًا عن أقرانه؟ سيؤدي به الأمر إلى ما يعرف بـ اضطراب التعلم كما يعرف بأنه عُسر القراءة. فما هو عسر القراءة وكيف تساعد طفلك الذي يعاني من صعوبات التعلم الأكثر شيوعًا؟

ما هو عسر القراءة؟

عسر القراءة هو نوع من صعوبات التعلم، يعاني فيه الطفل من صعوبة معالجة الكلمات او الأرقام. وهناك أنواع من صعوبات التعلم، عسر القراءة هو المصطلح المستخدم للتعبير عن صعوبة تعلم القراءة على الرغم من أن الطفل حقًا يريد التعلم. كما يؤثر عسر القراءة على قدرة الأطفال على إدراك الأصوات في اللغة والتلاعب بها. فيصبح لديهم صعوبة في تشفير الكلمات الجديدة أو تقسيمها إلى أجزاء يمكن نطقها مفردة. فيسبب ذلك صعوبة في القراءة والكتابة والهجاء. قد يعوضون ذلك عن طريق حفظ الكلمات الجديدة، وقد يكونون بطيئين في استرجاع الكلمات المألوفة.

إن عسر القراءة ليس انعكاس لمدى ذكاء الطفل- في الواقع هو فجوة بين قدرة الطفل وانجازه_ فيستطيع بعض الأطفال المصابين بعسر القراءة م اكبة أقرانهم بجهد إضافي على الأقل في المراحل الأولى من التعليم الأساسي. لكن بحلول الصف الثالث أو الرابع من المرحلة الأولى في التعليم عندما يحتاجون إلى أن يكونوا قادرين على القراءة بسرعة وطلاقة من أجل مواكبة مهارتهم، فإنهم يشعرون أن هناك مشكلة! بالمساعدة وبعض أساليب التعويض عن ضعفهم في معالجة الكلمات، يمكن للطلاب الذين يعانون من عسر القراءة تعلم القراءة والتفوق أكاديميًا.

ما مدى انتشار عسر القراءة؟

تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من واحد من كل خمسة أطفال يعاني من عسر القراءة. وأن من 80 إلى 90 بالمائة من الأطفال الذين يعانون اضطرابات التعلم يعانون من عسر القراءة. وتشير الدكتور سالي شايويتز- المدير المشارك لمركز ييل لعسر القراءة والإبداع، إلى أن العديد نن الأطفال لا يتم تشخيصهم لإن الصعوبات في المدرسة تعزى -بشكل غير صحيح- إلى الذكاء، مستوى الجهد، الأداء والعوامل البيئية. وعلى الرغم من أن الخبراء كانوا دائمًا ما يؤكدون أن صعوبات التعلم تشيع بين الأولاد بصورة أكبر من الفتيات؛ إلا أن الأبحاث الحالية تشير إلى أنه يؤثر على الأولاد والبنات على حد سواء.

ما هي علامات عُسر القراءة؟

تلك هي بعض السلوكيات والأعراض التي تُعتبر علامة على أن الطفل. مصاب بعُسر القراءة:

  • يبذل مجهودًا كبيرًا في تعلم القوافي البسيطة.
  • قد يعاني من تأخر الكلام.
  • يكرر أو يحذف الكلمات القصيرة أو الروابط أثناء النطق مثل و..و .. لكن ،..
  • يجد صعوبة في التمييز بين اليمين واليسار.

وعلى صعيد المدرسة، نجد الأطفال المصابون بعسر القراءة يقومون بما يلي:

  • يجدون صعوبة في نطق كلمات جديدة.
  • يفتقر الطفل إلى الطلاقة في الكلام مقارنةً بأقرانه.
  • يقرأ كلمات الجملة أو الأرقام بشكل عكسي.
  • لديه صعوبة في تدوين الملاحظات أو نسخ الكلمات من على السبورة أو اللوحة التعليمية.
  • يبذل مجهودًا في ربط الأصوات بالحروف وتسلسل الأصوات وترتيبها.
  • يتعثر قي تهجئة الكلمات الشائعة.
  • التهرب من القراءة بصوت عالٍ.

ونجد أن عسر القراءة يؤثر على الأطفال خارج المدرسة، فنجدهم يعانون من بعض الأمور الأخرى كالآتي:

  • يجدون صعوبة في فك وفهم الرموز والشعارات
  • يكافحون عند محاولة تعلم قواعد الألعاب مع أقرانهم.
  • يجدون صعوبة في تتبع الاتجاهات متعددة الخطوات.
  • يجدون صعوبة في تعلم لغة أخرى.
  • يصبحون محبطين بشكل كبير، مما يؤثر على استقرارهم واتزانهم العاطفى.

ومن هنا يمكننا القول بأن صعوبات التعلم يمكن أن يمتد أثرها إلى ما هو أبعد بكثير من القراءة، فيمكن أن يؤثر على الأطفال اجتماعيّا ونفسيًا.

كيف يمكن أن يؤثر عسر القراءة على الأطفال اجتماعيًا ونفسيًا؟

تقول سكوت بيزيلكز- المدير التنفيذي لمدرسة اعداديه متخصصة في تعليم الأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلم،

“يمكن للشخص المصاب بعسر القراءة والذي يعانى من صعوبات في العثور على الكلمات أن يواجه مشكلة في لغته التعبيرية”

كما تؤكد:

“غالبًا ما يُتهمون بعدم بذل جهد كافٍ لتعلم القراءة”

ولهذا تأثير إجتماعي كبير، إذ يجعلهم يشعرون بعدم الراحة تجاه أنفسهم. وغالبًا ما يعاني الأطفال – خاصة أولئك الذين لم يتم تشخيصهم بعد- من تدني احترام الذات لقلقهم وشعورهم بأن هناك شيئًا ما خطأ لديهم.

حيال تلك المشكلة تقول د. بيزيلكو:

“الكثير من عملنا مع الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة هو مساعدتهم على إعادة اكتشاف ذكائهم”

وتؤكد:

“لإنهم توقفوا عن الإيمان بأنفسهم”

كيف يتم تشخيص عسر القراءة؟

من السهل أن تلتفت إلى هذا الأمر إذا كان طفلك لا يؤدي الأداء المتوقع في القراءة حسب مرحلته التعليمية، يمكنك حينها التواصل مع المدرسة التابع لها طفلك لطلب إجراء تقييم صعوبات التعلم، الذي بدوره يحدد العجز في القدرة على القراءة مع استبعاد الأسباب الأخرى المحتملة، كمشاكل السمع أو أحد العومل الاجتماعية أو البيئية أو المعرفية. ثم مشاركة النتائج معك.

ستحاول المدرسة بعد ذلك تقديم توصيات حول كيفية دعم وتعويض تلك الصعوبة لرفع أداء طفلك. يمكنك أيضًا اللجوء إلى المختصين أيضًا في هذا علاج مثل تلك المشكلة كالطبيب النفسي، أخصائي علم النفس بالمدرسة أو أخصائي التخاطب واللغة، لدعم طفلك والحصول على أفضل الأساليب العلاج والمساعدة.

متى يجب عليك تقييم طفلك؟

يقترح الخبراء والباحثون أنه لا يجب خضوع الطفل لتقييم صعوبات التعلم وعسر القراءة حتى يبلغ سن ست سنوات على الأقل. كما ينصحون بأنه مجرد ظهور فجوة الذكاء ومهارات القراءة أو ظهور بعض أعراضها في الصف الأول من التعليم الأساسي مثلاً، فمن الجيد أن تبدأ في فك ضفائر تلك المشكلة والتعامل معها لمساعدة طفلك باللحاق بأقرانه وتعزيز صورته الذاتية التى قد تكون “هشة”.

كيف يمكنك تقديم الدعم والمساعدة للأطفال الذين يعانون من عسر القراءة؟

لا يعني تشخيص صوبات التعلم أن طفلك لن يتعلم القراءة أبدًا! بل هناك العديد من برامج القراءة مثل:

  • نموذج ويلسون للقراءة-Wilson Reading System
  • منهج أورتن جيلينجهام -The Orton-Gillingham Approach
  • منهج منع الفشل الأكاديمي- (Preventing Academic Failure (PAF)
  • برنامج لينداموود- Lindamood-Bell Program
  • اسلوب RAVE-O

تلك البرامج يمكنها أن تساعد طفلك، والتى تتضمن بعض المميزات التى تعمل بشكل أساسي على المهارات الأساسية مثل:

  • وجود تعليمات متعددة الحواس في تعلم مهارات فك التشفير.
  • التكرار ومراجعة الكلمات بإستمرار.
  • التركيز
  • العلاج والممارسة في مجموعة أو بشكل فردي.
  • الإعتماد بشكل كبير على حاسة البصر واستخدامها في ربط المعلومات.
  • استراتيجيات لمساعدة الأطفال على استخلاص المعنى مما يقرؤنه
  • ويمكن للمعالج المختص تحديد البرنامج المناسب والأمثل حسب مرحله طفلك.

طرق اخرى لدعم الطفل المصاب بعسر القراءة.

من المهم جدًا دعم جهود طفلك من خلال التشجيع والمساعدة في القراءة في المنزل. حاول أن تمنح طفلك دائمًا فرصًا لبناء الثقة والنجاح في مجالات أخرى مثل الرياضة والهوايات كما يمكنك القيام ببعض الأشياء التى يمكن أن تساعد الطفل المصاب بعسر القراءة مثل :

  • الإستماع الي الكتب الصوتية كبديل للقراءة.
  • الكتابة على الكمبيوتر أو الجهاز اللوحي بدلاً من الكتابة باليد.
  • استخدام التطبيقات والألعاب التى تجعل عملية التعلم ممتعة عن طريق استخدام الكلمات في الألعاب.
  • استخدام المسطرة لمساعدة طفلك على القراءة بخط مستقيم مما يحافظ على تركيزه.

يمكنك أيضًا الاطلاع على آثار التأديب الجسدي للأطفال من هنا التأديب الجسدي للأطفال

فلسفة الجنس والجنسانية


فلسفة الجنس والجنسانية

ما هو مثير في الجنس هو وجوده خارج الأمور العادية طيلة التاريخ، لم يُعتبر قط كنشاط عادي يُمارس خارج الاعتبارات الأخلاقية. حيث كان ولا يزال موضوع الخلافات العظمى والجوهرية.

يمثل الجنس حالة غريبة في تاريخ التحريم والتقديس، كأنه من المحال أن يؤخذ الجنس دون شروط وملاحظات مسبقة. كما يقع الجنس غالبًا على التخوم الفاصلة بين الرؤى والمذاهب والتوجهات الفكرية والدينية والسياسية.

كان الجنس قديمًا كواهب الكينونة تارة، ومفسدها تارة أخرى. حيث نجد شعوبًا قد قامت بتقديس الجنس وبناء المعابد للأعضاء التناسلية، ونجده لدى شعوب أخرى وهو في خانة الشر الكبير.

منذ القِدم وإلى الآن وجدلية التحريم والتقديس مستمرة، ففي عالمنا اليوم هناك معسكرين:

  • المعسكر الذي يجد في الجنس وسيلة للانجاب والتكاثر وممارسته تكون ضمن شروط وتحديدات دينية.
  • المعسكر الآخر يرى في الجنس حق شخصي يحدده الفرد بإرادته الحرة، بل ويمثل ركناً رئيسًا في الحداثة.

    في هذا المقال سنبين بعضاً من جوانب فلسفة الجنس أو الجنسانية، و سنناقش الطروحات المختلفة حول هذا اللغز الكوني.

الجنس في الحضارات القديمة


نقرأ في ملحمة جلجامش كيف تمكنت بغيٌ من ترويض الوحش أنكيدو الذي كان” يجوب السهوب والتلال ويأكل العشب ويرعى الكلأ مع حيوانات البر ويسقى معها عند مورد الماء “(1). ومن ثم بعد أن “تعلم الوحش فن المرأة، فانجذب إليها، ولبث أنكيدو يتصل بالبغي ستة ايام وسبع ليال“(1).

ثمة الكثير من الإشارات المهمة في هذا النص، إذ أن الجنس قادر على تغير التصميم أو الماهية. فإنكيدو صنعته الآلهة وحشًا؛ حتى حولته بغيٌ إلى إنسان يشعر ويحب ويصادق بواسطة الجنس.

وفي الحضارة الرومانية كان الجنس جانبًا طبيعيًا من جوانب الحياة، ولم يكن هناك تمييز بين الجنس المغاير أو الجنس المثلي -لم يكن هناك حتى اعتراف لغوي بأن المثلية الجنسية تختلف عن الجنس المغاير- والتي يمكن الاستمتاع بها طالما أن طرفيها مشاركين برغبتهما(2). كما كانت هناك مهرجانات خاصة بالجنس مثل مهرجان (Lupercalia).

لوحة جدارية من مدينة بومبي الرومانية، تعود للقرن الأول الميلادي، مكتشفة في غرفة نوم منزل سينتناريو.


في معظم الحضارات القديمة كانت هناك آلهة للخصوبة والولادة والجنس، وهذا ما يدلنا إلى كونية الجنس في الخطاب الإنساني.
ففي الصين القديمة كان هناك (هو تيابانو–Hu Tiabano) إله المثلية الجنسية. والإله (يو لوي–Yue Loe) كان يساعد الأفراد في إيجاد الزوج وكانت في يده خيوط القدر.

الإلهة أفروديت تركب عربة يجرها الإلهان أريوس وهايميروس_ 400_450ق.م

ولدى الأغريق كان هناك أيروس بن أفروديت وهو المسؤول عن الرغبات والجاذبية الجنسية، وفي الهند كانت راتي إلهة الانجذاب الجنسي(3).

تاريخ فلسفة الجنس والجنسانية

تقتضي ضرورة التوضيح أن نفرق بين الجنس كموضوع رئيس في الفلسفة وبين الجنس كعنصر من عناصر الحياة الزوجية.

الحضارة الإغريقية

نجد في فلسفة ما قبل سقراط بعض الإشارات إلى الجنس ضمن قالب العلاقة الزوجية كما هو الحال مع فيثاغورس وأرخميدس وبعض السفسطائيين، لكنهم لم يتطرقوا إليه كمسألة فلسفية بحتة.

بدأ أفلاطون يفلسف الجنس في محاورتي الندوة وفيدروس، ووصفه بأنه شغف قوي لامتلاك ما هو خير وجميل. أما تلميذه أرسطوطاليس لم يحسن الحديث عن أيروس بشكل مستقل، واكتفى بضمه إلى موضوع الفضيلة والعفة في كتابه (الأخلاق النيقوماخية)(4).

العصر الهنلستي

وفي العصر الهيلنستي، كات ثمة هناك مدرستين: الأبيقورية والرواقية.

تصنف الأبيقورية الجنس ضمن الرغبات الطبيعية غير الضرورية، بحيث يجب اشباعها بشكل معتدل دون أن تسيطر تلك الرغبات على الإنسان(5).

أما الرواقية لم تجد في الجنس ما هو ضروري، لذا فضلت الحب النقي والصداقة على النشاط الجنسي.

العصور الوسطى

أما في العصورالمظلمة حسب تعبير فرانشيسكو بتراركا، يصف القديس أوغسطين الجنس كغواية وشر عظيم، ويدعو إلى عدم ممارسة الجنس إلا بهدف الإنجاب لأن الأطفال هم الثمرة الوحيدة المهمة للنشاط الجنسي(6).

ولدى الأكويني الجنس وسيلة طبيعية للتكاثر داخل إطار زواج شرعي، وكل نشاط جنسي آخر يعتبررذيلة وضد إرادة الله(7).

عصر النهضة

حرر الفن الجسد من الاتهامات الدينية وارتفع به إلى فضاءات أيروتيكية وجمالية مختلفة، بحيث صار للجسد العاري نوعاً من الفضيلة. ولم يكن الفن يُمارس بمعزل عن الدين إنما في بيوت الدين نفسها، لذا نجد بدايات تصوير ونحت الأجساد العارية في الكنيسة. حيث تم تصويرالمسيح والأنبياء والقديسين على جدران الكنائس(8).
ومع بداية من القرن السادس عشر صار الجنس يشكل موضوعًا ذو شأن في الخطاب الفلسفي، ناقش ميشيل دي مونتين النشاط الجنسي في كتابه(قوة الخيال).

كما ذكر ديكارت في (عواطف الروح)، وديفد هيوم في رائعته (مقال في الطبيعة البشرية) أن العلاقة الجنسية تتكون من ثلاثة عناصر متنافرة: اللطف والشهوة والاستجابة الجمالية.

عصر التنوير

ناقش روسو الموضوع في سياق حياته في كتاب الاعترافات. بينما وصف كانط الجنس كرغبة شريرة ومدمرة للطبيعة البشرية. بينما حرر ماركيز دي ساد الجنس من كل القيود الممكنة وأباحه بشكل عام.

ودافع جون ستيورات ميل عن تعدد الزوجات والحرية الجنسية وبيوت الدعارة. بيد أن نيتشه لم يبالي بموضوع الجنس كثيرًا بل انتقد الحرية الجنسية لكونها تفسد طبيعة الإنسان.

القرن العشرين

كانت كتابات فرويد الأكثر جرأة في مجال الجنس، واعتبره الحجر الأساس في بناء الشخصية(4). أما برتراند راسل كان أقرب في بداية كتاباته إلى ستيورات ميل، وفي النهاية لم يكن مع الممارسات الجنسية خارج الزواج.

أما سارتر ربط بين حرية الآخر والجنس. ولكن العلاقة الجنسية وفقًا لسارتر تنتهي بالسادية أو المازوشية وبالتالي النشاط الجنسي يكون بمثابة انتهاك حرية الآخر(4).

أما ميشيل فوكو كان الأكثر إثارة للجدل، فقد كان مثلي الجنس من جهة وربط بين الجنس والسلطة من جهة أخرى. حيث ميز بين الجنس والجنسانية وفقًا للسياق الذي تجد فيه السلطة نفسها، ففرق بين التجارب الثلاث في تطور موضوع الجنس.

في اليونان القديمة كانت تجربة الجنس هي تجربة الذات. وفي المسيحية كانت تجربة الجسد، وفي الغرب ظهرت التجربة الجنسانية ما بين القرن السابع عشر والتاسع عشر(9). في حين وصف بول ريكور الجنس بأنه نهر الحياة.

الميتافيزيقيا المعادية للجنس

تدعي الميتافيزيقيا المتشائمة بأن الشخص الذي يرغب جنسيًا بشخص آخر، يجعل من ذاك الشخص موضوعًا للجنس قبل وأثناء النشاط الجنسي.

يقول كانط في (المحاضرات الأخلاقية): “يحول الجنس المحبوب إلى موضوع للشهية وهذا بحد ذاته يعد تدميرًا للطبيعة البشرية“(10). ويُقام هذا الادعاء على أن الوجود الإنساني سامي أو على حد تعبير كانط غاية -لا وسيلة.


حين يتحول الإنسان إلى موضوع يصبح كأي شيء آخر، بحيث يجوز ممارسة الكثير من الخداع للوصول إليه. وبعد قضاء الحاجة الجنسية، يصبح المحبوب شيئا مستهلكًا يمكن الاستغناء عنه.

فيصف برنارد بريم الأمر: “التفاعل الجنسي هو في الأساس تلاعب جسدي وعاطفي ونفسي وحتى عقلي“(10).إن هذا التفاعل يعد انتهاكًا بحق ذات الآخر، وذلك لأن الجوانب الجنسية منه تكون هدفًا لرغبتنا مع إهمال كل جانب آخر.

وهنا يقول كانط: “الجنس ليس ميل إنسان نحو إنسان آخر، بل فقط نحو جنس الآخر، أي الجانب الجنسي وحده يكون موضوع الرغبة”(10). علاوة على ذلك، يفقد الطرفين شخصيتهما، وذلك لأن الطرف الأول يفقد إرادته بخضوعه لرغبته الجنسية وبالتالي يستهدف الطرف الآخر إلى أن يفقد هو بدوره شخصيته إلى حد الاستهلاك.

يذهب كانط بعيدًا في هذا الاتجاه ويقول: “إذا كان الرجل يريد اشباع رغباته، وتريد المرأة اشباع رغبتها؛ يثير كل منهما رغبة الآخر، وهنا تتلاقي ميولهما، لكن الهدف ليس الطبيعة البشرية إنما الجنس، فيذهب كل منمها إلى افساد طبيعة الآخر البشرية، ويجعلان من الإنسانية أداة لإشباع شهواتهما وميولهما، وبالتالي ينزلان بالإنسان إلى مستوى الطبيعة الحيوانية“(10).

الميتافيزقيا الداعمة للجنس


تفترض الميتافيزيقيا المتفائلة أن الجنس هو آلية ترابط، تجمع الناس معًا بشكل طبيعي جنسيًا ولا جنسيًا في نفس الوقت.

ويتضمن النشاط الجنسي إرضاء الذات والآخر، ويولد تبادل المتعة كلاً من الامتنان والمودة، والتي بدورها تعمّق العلاقات الإنسانية وتجعلها أكثر جوهرية عاطفيًا.

كما يرى هذا الاتجاه في الجنس أكثر من مجرد جماع بين زوجين، بل يمثل الجنس قيمة كونية حتى خارج الزواج ودون أن يكون الهدف هو الانجاب، وهنا يدافع راسل عن الجنس بأنه يحافظ على كرامة الإنسان وطبيعته(11).

ويبين بول ريكور بأنه “حين يتعانق كائنان، هما لا يعرفان ماذا يفعلان، لا يعرفان ماذا يريدان، لا يعرفان عما يبحثان، لا يعرفان ماذا يجدان…الجنس بلا معنى لكنه يمتاز بكونه يعيد ربط الكائن البشري بقوة كونية“. ويضيف “أن الحياة وحدها بعينها كونية، كلية لدى الكل، وأن شأن البهجة الجنسية أن تجعلنا نشارك في هذا اللغز“(12).

الحق الطبيعي عند توما الأكويني


يستنتج توما الأكويني بأن ما هو طبيعي في النشاط الجنسي هو دافع الانخراط في الجماع عند الجنسين، ويعتبر الجماع آلية صممها الله لضمان الحفاظ على الأنواع الحيوانية بما فيها البشر.

وبالتالي فإن ممارسة هذا النشاط هو التعبير الطبيعي الأساسي عن الطبيعة الجنسية للإنسان. لأن الله صمم كل عضو من أعضاء الجسم لتأدية وظيفة معينة، فالعضوين الذكري والأنثوي هما من صنع الله ووظيفة الأول هو زرع الحيوانات المنوية في الثاني. وأن ايداع الحيوانات المنوية في أي مكان آخر غير العضو الأنثوي يعد خروجًا عن التصميم الذي أراده الله والحكمة الإلهية(10).

ويعتبر الأكويني الاستمناء والمثلية واستخدام أعضاء غير جنسية في الفعل الجنسي أنشطة مخلّة ومهينة وشاذة. وذلك لأنه كما الهدف من أعضاء الجسم واضح فإن الغاية من الجنس واضحة أيضًا وهي الإنجاب.

الأخلاق العلمانية عند توماس ناجل

يرفض توماس ناجل أخذ الأكويني بما هو مشترك بين الإنسان والحيوان، لذا نجد ناجل يركز على ما هو مختلف بين الإنسان والحيوان. أي ما يميز حياة الإنسان الجنسية عن الحياة الجنسية للحيوان.

ويجادل ناجل بأن الانحراف الجنسي لدى البشر يجب أن يُفهم على أنه ظاهرة نفسية وليست فيسيولوجية تشريحية كما ذهب الأكويني. وذلك لأن الجانب النفسي للإنسان هو الذي يميزنا عن الحيوان، وبالتالي فإن كل حساباتنا حول النشاط الجنسي الطبيعي يجب أن تعترف بأن نفسية الإنسان فريدة ومميزة(10).

إن النفسية الطبيعية للإنسان تكون واضحة حينما يستجيب كل طرف بإثارة جنسية حين يلاحظ الإثارة الجنسية للطرف الآخر (10). أي العلاقة الطبيعية، هي أن يشعر الطرفين بالإثارة الجنسية، وفي هذا اللقاء يكون كل طرف مدركًا بنفسه وفي نفس الوقت يدرك الطرف الآخر على أنهما يمثلان ذاتًا وموضوعًا في تجربتهما الجنسية المشتركة، بمعنى ألا يكون أحدهما إلغاءً ونفيًا للطرف الآخر. بذا، فأن الانحراف الجنسي هو غياب هذا الوعي المشترك بدور الطرفين في العملية.

ولا يعتبر ناجل المثلية أو الجنس الشرجي أو استخدام الأعضاء غير الجنسية والأدوات والجنس غير الهادف للانجاب نشاطًا شاذا، طالما تتحقق رغبة الطرفين الواعية. أما الاستمناء والاغتصاب من الانحرافات الجنسية وذلك لعدم تحقيق رغبة الطرف الآخرأوغيابه.

الخلاصة

في البداية اتخذ الجنس موقعًا خاصًا في الخطاب الأسطوري للحضارات القديمة، ومع بداية التفلسف اليوناني تحول إلى موضوع خاص لمناقشات عقلية.

وفي العصور المظلمة استسلم للنقاش اللاهوتي والحكم الكنسي. ومع عصر النهضة صار الجنس موضوعًا فنيًا في السياقات الجمالية، إلى أن صار مسألة من مسائل الفلسفة من جديد ابتداءً من القرن السادس عشر.

وبات بات له مكانة في الحقل العلمي مع فرويد. ومع بروز الحركات النسوية والمثلية وتطور البحوث السايكولوجية والاجتماعية والانتروبولوجية وحتى الفزيولوجية في موضوع الجنس، صار للجنس مكانة مختلفة في الخطاب الفلسفي وحتى الديني.

لكن الإشكال الجنسي سيظل قائمَا في الخطاب الإنساني نظرًا لما يحمله من قيمة في صنع السرديات الحداثية أو في خلق جدالات أخلاقية.

المصادر

1- طه باقر، ملحمة كلكامش، ص41-42.

2- ancient.eu

3- theoi

4- encyclopedia

5- themontrealreview

6- thebodyissacred

7- theo.kuleuven.b

8- bbc

9- plato.stanford

10- iep.utm.edu

11- russell-j

12- فتحي المسكيني، هجرة إلى الإنسانية، الطبعة الأولى 2016، منشورات الاختلاف،ص58-59

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

هذه المقالة هي الجزء 16 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟ وقعت العديد من الأحداث الشنيعة أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ولعل أبرزها المحرقة الجماعية (الهولوكوست) لليهود على يد النازيين في معسكرات الإبادة. بعد انتهاء الحرب العالمية وإعلان هزيمة الحزب النازي وانتحار هتلر، عُقدت محاكمة نورمبرغ لمحاكمة مجرمي الحرب وقادة الحزب ومرتكبي الإبادة الجماعية. حاول هؤلاء الدفاع عن أنفسهم وساقوا عددًا من المبررات ولعل أكثرها إثارة للاهتمام هو الإدعاء أنهم كانوا يطيعون أوامر السلطة وحسب. لك أن تتخيل مدى برودة هذا الإدعاء واستفزازه لمشاعر الضحايا أو ذويهم أو حتى عالِم نفس فضولي!

دراسة ميلغرام

قرر ستانلي ميلجرام عالم النفس في جامعة يال التحقق من إدعاء الألمان بشأن السلطة، فقام بدراسة للإجابة عن السؤال أيهما ينتصر: الطاعة/ الخضوع للسلطة أم الإرادة/ الضمير البشري؟

https://www.youtube.com/watch?v=mOUEC5YXV8U
مقطع مختصر لتجربة ميلغرام

أُجريت الدراسة عام 1961 في جامعة يال، حيث نشر ميلجرام إعلانًا في الجريدة يطلب متطوعين من الرجال للمشاركة في تجربة عن الذاكرة والتعلم. تقدم أربعين مشاركًا ما بين عمر العشرين والخمسين، جُمع كل واحد منهم مع أحد الحلفاء (ممثل يوظفه القائم بالتجربة يدعي أنه مشارك حقيقي) وقاموا بسحب ما. رتب ميلجرام السحب بحيث يحصل المشارك على دور المعلم والممثل على دور المتعلم دائمًا. من الجدير بالذكر أن ميلجرام لم يظهر في مكان التجربة وإنما عين ممثلًا يرتدي معطفًا أبيضًا ليقوم بدوره. يشرح هذا الممثل للمشارك أن عليه طرح الأسئلة على المتعلم وإذا جاءت إجاباته خاطئة يصعقه كهربيًا، بحيث تزداد شدة التيار عند كل إجابة خاطئة، بداية من 15 فولت وانتهاءًا بـ 450 فولت.

هدف التجربة وخطواتها

هدِف ميلجرام من هذه التجربة معرفة مدى تأثير السلطة على الأشخاص العاديين، وتحت أي ظروف يمكن لهؤلاء الأشخاص ارتكاب أفعال سيئة.

تجري خطوات التجربة كما يلي: يذهب الممثل (المتعلم) إلى غرفة أخرى وتُثبت الإلكترودات بذراعه بينما يحصل المشارك الحقيقي (المعلم) على قائمة بالأسئلة. يبدأ المشارك بقراءة الكلمات ويجيب الممثل دائمًا إجابات خاطئة ثم يدعي التألم والصراخ حينما يضغط المشارك على زر الصعق. يزداد توتر المشاركين بمرور الوقت لسماعهم تألم الشخص في الجانب الآخر، وعندما يعترض أحدهم أو يطالب بالتوقف يستخدم الممثل بالمعطف الأبيض نبرة واثقة ويوضح لهم وجوب استمرار التجربة وأنه يتحمل المسئولية كاملة.

نتائج التجربة

قبل بداية التجربة سأل ميلجرام عددًا من الأشخاص وعلماء النفس عن توقعاتهم لنسبة الأشخاص الذين سيصلون إلى أقصى شدة للصعق الكهربي (450 فولت) وجاءت توقعاتهم أن النسبة لن تتعدى 2%. أثبتت النتائج الفعلية عكس ذلك تمامًا، حيث أشارت الدراسة أن 65% من المشاركين وصلوا إلى الحد الأقصى (450 فولت) و 100% من المشاركين تخطوا حاجز 300 فولت وذلك رغم سماعهم صراخ وتألم الشخص على الجانب الآخر.

يقول ميلغرام:

“على الرغم من أهمية الجوانب الأخلاقية والقانونية لمفهوم الطاعة إلا أنها تخبرنا القليل عن سلوك الأشخاص في المواقف الحقيقية. لقد أعددت تجربة بسيطة في جامعة يال لأختبر قدر الألم الذي يسببه شخص إلى آخر فقط لأن عالم بمعطف أبيض أمره بذلك. عندما حرضت السلطة الحازمة المشاركين ضد الوازع الأخلاقي القوي وهو عدم إيذاء الآخرين، وبالرغم من أن صرخات الألم كانت تملأ آذانهم، انتصرت السلطة دائمًا”

الوصفة المثالية للجريمة!

أعاد ميلجرام التجربة ثماني عشرة مرة بتعديلات مختلفة ليختبر العوامل التي تؤدي إلى هذه النتائج، وجاءت ملاحظاته كالتالي:

تقل نسبة الأشخاص الذين يصلون إلى الحد الأقصى للصدمة الكهربية (450 فولت) في عدد من الحالات:

  • عند نزع سلطة جامعة يال من المعادلة، والقيام بالتجربة خارج الجامعة.
  • عندما يكون المعلم والمتعلم في غرفة واحدة بحيث يمكن للمشارك أن يراه ويلمسه.
  • عندما يتلقى المشارك التعليمات هاتفيًا.
  • عندما يتلقى المشارك التعليمات من شخص عادي لا يرتدى المعطف الأبيض.
  • عندما يثور أحدهم ويرفض استكمال التجربة فيتبعه المشاركين الآخرين.
  • عند منح المشاركين اختيار مستوى الصدمة الكهربية، فيختارون الأقل دائمًا.

وبجمع هذه العوامل معًا توصل ميلجرام إلى الوصفة المثالية لجعل شخص ما يرتكب جرمًا شنيعًا:

  1. السلطة (سلطة جامعة يال- سلطة العلم والمعطف الأبيض)
  2. ثقة وثبات القائم بالتجربة (لو أظهر القائم بالتجربة توتره أو خوفه لاختلفت النتيجة)
  3. المسافة بين المعلم والمتعلم.
  4. موقف جديد بلا أي خبرة سابقة عن كيفية التصرف معه.

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

القوى المحركة للشر

الآن كيف يمكن لعناصر هذه الوصفة المثالية أن تدفعنا إلى فعل جرم شنيع؟ ما الذي يحدث على مستوى سيكولوجي فردي يقلل من فداحة الشر ويُسهل ارتكابه؟

هناك اثنان من العوامل الرئيسية التي يمكن وصفها بقوى الشر، أولها:

«تجريد الشخص من فردانيته-Deindividuation of self»

ويحدث ذلك بعدد من الوسائل التي تقلل من شعور المرء بنفسه كفرد مستقل وبالتالي تقلل من شعوره بالمسئولية: –

  • استقبال الأوامر من شخص أو سلطة أخرى.

وبالتالي تتغير عقلية الفرد من: أنا أرتكب فعلًا خاطئًا، إلى: أنا فقط مجرد أداة في يد سلطة أخرى تتحمل المسئولية. يعد تحمل المسئولية بالتحديد أحد العوامل المحورية التي فسر بها ميلجرام نتائج دراسته. فأشار أنه عند تواجد سلطة يراها المشاركون قانونية أو أخلاقية (مثل سلطة العلم) يتحول الشخص في تصرفاته من الحالة الفردية إلى «الحالة العاملية-Agentic State» فيقل شعوره بالمسئولية ويسهل ارتكاب الخطأ.

  • وجود الشخص في مجموعة.

عندما يتواجد الفرد في مجموعة يقل شعوره بفرديته ومسئوليته عن أفعاله. وأشهر الأمثلة التي يبرهن بها علم النفس ذلك: «حادثة كيتي چينوفيز-Kitty Genovese Case»

كيتي جينوفيز فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها. تعرضت لاعتداء أثناء عودتها من العمل أدى إلى وفاتها، حدث الاعتداء في مساحة مفتوحة أمام المبنى الذي تسكنه. وأشار تقرير جريدة نيويورك تايمز أن ما يقرب من 38 شخصًا شهد الحادث ولم يبلغ الشرطة أو يقدم المساعدة. (من الجدير بالذكر أن الجريدة أصدرت تقريرًا آخرًا عام 2016 تعتذر عن التقرير القديم وتصف أرقامه بالمبالغ فيها، كما تؤكد تواجد بعض الأشخاص وتقديمهم المساعدة وقت الحادث بالفعل)

فسر علم النفس هذه الظاهرة فيما يعرف بـ «تأثير المارة-Bystander Effect» وهو انخفاض الشعور بالمسئولية عند التواجد في مجموعة، مثلما تشاهد محتاجًا في الشارع، فتحدث نفسك أنني لست مضطرًا لتقديم المساعدة، من المؤكد أن شخصًا آخرًا سيقدمها. ويوضح علماء النفس أن هذا التفكير يخلق حالة من «تفرق الشعور بالمسئولية-Diffusion of responsibility» فتقل احتمالية تقديم المساعدة.

  • إغفال الهوية

مثلما يفعل الجنود في الحروب فيرسمون على وجوههم أو يرتدون الأقنعة، تعد هذه الوسائل نوعًا من إخفاء الهوية، فيتحرر صاحبها من شعوره بفرديته (لست أنا من يرتكب الفعل السيء) وبالتالي يقل شعوره بالمسئولية.

القوة الثانية: استصغار الآخرين

على عكس الدافع الأول، يعتمد هذا الدافع على تجريد الآخر من فرديته. فهذا الشخص الآخر ليس شخصًا بعد الآن، ولن أشعر بالذنب إن آذيته. وهناك عدد من الوسائل التي تجعلنا نستصغر الآخرين أو ننسى أنهم بشر مثلنا. وهي: –

  • المسافة

كما وضحت تجربة ميلجرام، كلما ابتعدت الضحية عن ناظر المعلم فلا يستطيع رؤيته أو لمسه، يقل إدراكه له كفرد. وبالتالي تقل المسئولية فيصل إلى الحد الأقصى للصدمة الكهربية رغم سماعه صرخات الألم. وتنعكس النتائج عندما يكون الشخصان في نفس المكان.

  • حس الدعابة

لا يقتصر حس الدعابة على الضحك والخفة فقط، بل يمكن أن ينطوى على جوانب أكثر قتامة وخطرًا. فعند استخدامه للسخرية من شخص ما، ستراه تدريجيًا أقل إنسانية منك، مما يزيد من احتمالية الأذى ونقص الشعور بالمسئولية.

  • تجاهل الأسماء

ينص أحد بنود تصريح الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: ” كل فرد لديه الحق في اسم ” وربما تظن أن هذا أمر بديهي. لماذا نحتاج إلى بند لتأكيده؟ والحقيقة أن تجاهل اسم شخص ما أو محوه يقلل من أهميته وقيمته كفرد. يقل احتمال أذاك لشخص ما إن كنت تعرف اسمه، أما عند تجاهله تزداد احتمالية الأذى ويقل الشعور بالمسئولية.

  • التقزز

التقزز شعور عالمي يشعر به جميع البشر، وأساسي له تعبير وجهي مميز. تثير العديد من الأشياء شعورنا بالتقزز مثل البراز أو البول أو الدم أو القيء أو اللحم المتعفن. يمكن أن يمتد شعور التقزز للبشر أيضًا. إذا شعرت بالتقزز تجاه شخص ستقل أهميته وإنسانيته في نظرك، وتزداد احتمالية عدوانك عليه دون شعور كبير بالمسئولية.

تشير مقولة الفيلسوفة مارثا نوسباوم:

“دائمًا ما ارتبطت صفات التقزز باليهود والنساء والمثليين جنسيًا والمنبوذين والفقراء على مدار التاريخ، فكان يُنظر إليهم كأنهم أصحاب أجسام مدنسة”

كل شخص ينتمي لهذه الفئات تعرض لنوع من الاعتداء أو الأذى، وساهم شعور التقزز الذي حمله الناس تجاه هذه الفئات في تقليل إنسانيتهم في نظرهم، وبالتالي تسهيل الاعتداء عليهم دون احساس كبير بالمسئولية.

تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

أود أن أنهي الحديث بأشهر الانتقادات التي وجهت لتجربة ميلجرام. يجدر بالذكر أن هذا النوع من التجارب لا يسمح بتكراره حاليًا ولا يعد أخلاقيًا. فلم يكن من حق القائم بالتجربة تحت أي ظرف من الظروف أن يضع المشاركين تحت هذا الضغط، ليخرج أحدهم من الغرفة وهو يعلم أن بإمكانه إيذاء شخص ما وربما قتله إذا توافرت الظروف لذلك. لكن على الرغم من ذلك تظل أعمال ميلجرام عن الطاعة والسلطة مثيرة للاهتمام وتكشف لنا جوانب مثيرة وغامضة عن النفس البشرية لم نكن نعلم بوجودها!

اقرأ أيضًا: الاستثمار الأبوي كيف نفسر الاختلافات بين الرجال والنساء؟

المصادر

  1. BBC
  2. Simplypsychology
  3. Britannica
  4. Verywellmind

ما سر اكتساب الثروة؟ وهل الموهبة جزءٌ منه؟

إذا كنت تتساءل ما سر اكتساب الثروة ولماذا يبدو أقرانك أكثر نجاحًا منك، قد لا يكون ذلك لأنهم أفضل أداءًا في وظائفهم: فوفقًا لنموذج كمبيوتر لمحاكاة الثروة، قد يرجع ذلك إلى مجرد فرصة عشوائية. من خلال تمثيل رسومي لفترة عمل مدتها 40 عامًا، أعادت محاكاة كمبيوتر مفصلّة إنتاج نموذج توزيع الثروة للعالم الحقيقي بدقة، لكنها وجدت أن من هم في قمة الهرم المالي هم الأكثر حظًا وليس الأكثر موهبة.

الهدف من الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة كاتانيا في إيطاليا هو ليس جعلك تشعر باليأس وعدم وجود جدوى في الحياة، ولكن لفهم الدور الذي تلعبه الفرصة في الطريقة التي نستثمر بها وقتنا ومواردنا في مجالات متعددة. اللغز الذي شرعوا في حله هو: إذا كانت الموهبة والذكاء والاستعداد للعمل والعوامل الأخرى التي من شأنها أن تساعدك عادةً في الحياة موزعة بالتساوي بين السكان، فلماذا لا تخضع الثروة لهذا التوزيع المتساوي؟ بشكلٍ عام، يتمتع 10% من البشر بـ 85% من الثروة – إذن ما سر اكتساب الثروة؟ كتب الباحثون:

“تُظهر محاكاتنا بوضوح أن هذا العامل هو مجرد حظٍ محض.”

بدأ الفريق بـ 1000 فرد أو وكيل افتراضي تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر. يتم توزيع الموهبة بشكل طبيعي حول مستوى متوسط​، مع بعض «الانحراف المعياري-Standard deviation» – لذا في النموذج، كل شخص لديه بعض المواهب، لكن لا أحد لديه قدر أكثر بكثير أو أقل بكثير من أي شخص آخر. كما يبدأ الجميع بنفس مستوى الثروة. يتم بعد ذلك إدخال أحداثٍ عشوائيةٍ في المحاكاة، والتي يمكن للأفراد استخدامها لزيادة ثروتهم إذا كانوا محظوظين، أو قد تسبب هذه الأحداث نقصان في مستويات ثروتهم إذا كانوا سيئي الحظ. عندما تم تحليل النتائج النهائية، بدا توزيع الثروة كما هو الحال في العالم الحقيقي، حيث يمتلك حوالي 20% من الناس 80%. تم تكرار المحاكاة عدة مرات للتحقق من سلامتها.

لكن أغنى 20% لم يكونوا الأكثر موهبة بنفس النسبة، بل في الواقع كانوا الـ 20% الأقل موهبة. إذًا الحد الأقصى للنجاح لا ينجمع دائمًا مع الحد الأقصى للموهبة، بل ربما العكس صحيح. في الواقع، انتهى الأمر بأصحاب الدخل المرتفع من الموهوبين في مكان ما بالقرب من المتوسط​​. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص في قمة هرم الثروة قد حظوا بأوفر قدر من الحظ خلال أحداث حياتهم المحاكاة، في حين أن أولئك الذين في أسفل الهرم عانوا من الأحداث الأقل حظًا.

يريد الفريق الذي يقف وراء الدراسة استكشاف كيف يمكن استخدام النموذج لتحقيق أكبر ربحٍ ممكنٍ من الاستثمارات في كل شيء بدءًا من التمويل العلمي إلى الأعمال التجارية. على سبيل المثال، إذا كان الحظ يلعب مثل هذا الدور الكبير، فقد يكون من الأفضل استثمار الموارد بالتساوي بين الشركات، بدلاً من التركيز على الأشخاص الذين كانوا أكثر نجاحًا في الماضي. تجدر الإشارة إلى أن العمل لم يخضع بعد لـ «مراجعة الأقران-peer review»، لذلك لا يمكننا استخلاص الكثير من الاستنتاجات العامة منه إلى أن يتم تحليله بدقة أكبر. ومع ذلك، فهو تفسيرٌ مثيرٌ للاهتمام لمشكلةٍ حيرت العلماء لفترةٍ طويلةٍ جدًا.

المصادر: Science Alert, arXiv, ResearchGate, Scientific American
إقرأ أيضًا: بيت الحكمة: بذرة الرياضيات المعاصرة

العِرق والعنصرية في علم الاجتماع

هذه المقالة هي الجزء 8 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

مع دخولنا السنة الواحدة والعشرين من الألفية الثالثة، ما زالت الممارسات العنصرية متواجدة بقوة، ولو بنسب متفاوتة، في جميع المجتمعات. رغم النبذ الظاهر للأيدولوجيات العنصرية التي سادت في القرون الماضية، لكنها باقية. ما زال لون بشرتك يؤثر على فرصك في التعليم والعمل والصحة والاقتصاد والسياسة، حتى في أكثر الدول تقدمًا. وقد أثارت حركة «Black lives matter» قضية العنصرية مؤخرًا في الولايات المتحدة الأميركية والعالم. بيّنت الحركة أن ما يحدث ليس مجرد ممارسات فردية، بل هي جزء من أنظمة اجتماعية كاملة قائمة على التمييز. فكيف يعرّف علم الاجتماع العِرق والعنصرية؟ وكيف يفسّر هذا العلم العنصرية في العالم الحديث؟

تعريف العِرق والإثنية (أو الأصل الإثني)

 بحسب علم الاجتماع، يُعتبر مفهوم «العِرق- Race» بناء اجتماعي يقوم على تصنيف الجنس البشري إلى  فئات مختلفة، على أساس الخصائص الجسدية (كلون البشرة وشكل العيون) والثقافية. ويُعد هذا المفهوم حديثًا نسبيًا، أي أنه بدأ مع اكتشاف القارة الأميركية والسيطرة عليها من قبل الأوروبيين. عرف الأوروبيين عن أنفسهم أنهم “بيض”، وتكرر الأمر مع فترة الاستعمار الأوروبي للدول الأفريقية، أي في القرن السابع عشر. ومن هنا، تم تصنيف البشر إلى العرق الأبيض والأسود والأصفر.

أما «الانتماء الإثني- Ethnicity» فهو، بحسب معظم علماء الاجتماع، مختلف عن العِرق. الانتماء الإثني يشمل الأصول المشتركة والتاريخ والممارسات الثقافية، وبالتالي هو مفهوم أكثر مرونة ويتخذ طابعًا ذاتيًا إجمالًا. وتتقاطع الإثنية مع الجنسية أحيانًا ولكنهما غير متطابقتين. فمن الممكن أن يكون شخصان من جنسية مشتركة (أميركية مثلًا) ومن أصول إثنية مختلفة (عربية أو لاتينية أو أفريقية).

العِرق والإثنية هما مفهومان اجتماعيان، أي أنهما لا ينتجان عن فروقات حقيقية بيولوجية، بل عن فروقات بناها المجتمع ثقافيًا على مر الزمن.

تعريف العنصرية

يعرّف علم الاجتماع العنصرية بعنصرين أساسيين. العنصر الأول هو الأيديولوجية العنصرية التي تؤمن بفوقية عِرقٍ على آخر، بيولوجيًا أو ثقافيًا أو أخلاقيًا. أما العنصر الثاني فهو الممارسات (الفردية والاجتماعية) التي تقوم على التمييز بين الأعراق المختلفة.

نبذة تاريخية عن مفهوم العِرق: الوهم الذي ما زال يسيطر على العالم

انتشرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر نظريات علمية زائفة (Pseudoscience)  كنوع من التبرير للاستعمار الأوروبي للدول الأفريقية، الذي رافقه الكثير من الظلم والقتل والاستغلال، والذي كان حافلًا بالإبادات الجماعية وأنظمة العبودية والإتجار بالبشر.

نذكر مثلًا نظرية عالم النبات السويدي «كارولوس لينايوس- Carolus Linnaeus»، الذي صنف البشر، في سنة 1735، إلى أربعة “أعراق”:

– العِرق الأميركي ذو اللون الأحمر، وقد وصفه بأنه عنيد وانفعالي، ومحكوم بعاداته وتقاليده.
– العِرق الآسيوي “الشاحب مع شعر أسود”، وقد وصفه أنه متكبّر ومحكوم بالآراء.
– العرق الأفريقي “الأسود”، و اعتبره كسولًا ومهملًا وماكرًا، ومحكوم بشهواته.
– العِرق الأوروبي “الأبيض” واعتبره عِرقًا متفائلًا و مُبتكرًا، وهو محكوم بالقوانين.

كذلك انتشرت، بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، نظرية «الداروينية الاجتماعية – Social Darwinism» التي طبقت مبادئ نظرية الانتقاء الطبيعي التي طرحها داروين لتفسير العلاقة بين الأنواع، على البشر. ويعتبر عرّابو هذه النظرية، أمثال البريطاني «هربرت سبنسر- Herbert Spencer» والأميركي «ويليام غراهام سامنر- William Graham Sumner» أن المجتمعات تتطور من خلال الانتقاء الطبيعي. كما اعتبر العرابون أن “البقاء للعرق الأصلح”. وقد خدمت هذه التفسيرات للنظرية الرأسمالية والتيار السياسي المُحافظ، وسياسات الاستعمار.

وعلى الرغم من عنصرية هذه الأفكار وعدم ثباتها، انتشرت في كل العالم وزرعت بذور التمييز والتفرقة التي ما زلنا نحصدها حتى اليوم.

كيف قارب علم الاجتماع مفاهيم العرق والعنصرية؟

يمكن الحديث عن مرحلتين مختلفتين من المقاربة السوسيولوجية لمفهوم العنصرية.

المرحلة الأولى تمتد بين أواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين. وقد كان علم الاجتماع في تلك الفترة يعتبر أن العنصرية تقتصر على الممارسات الفردية. كما تأثر علماء الاجتماع في الفترة نفسها بالداروينية الاجتماعية، فبدل أن يدرسوا العنصرية كمشكلة اجتماعية، استخدموا الافتراضات العنصرية نفسها لتبريرها.

من الاستثناءات القليلة لهذه المرحلة هي نظرية عالم الاجتماع الأميركي «دو بوا – W.E.B. du Bois». كان دو بوا أول أميركي من أصول أفريقية يحصّل درجة الدكتوراه في جامعة هارفرد. كان دو بوا ناشطًا حقوقيًا في محاربة العنصرية. وقد كان من أوائل علماء الاجتماع الذين درسوا الجذور السياسية والاقتصادية للعنصرية. كما طرح “دو بوا” في كتابه الشهير «The Souls of Black Folk» (عام 1903) نظرية الوعي المزدوج، التي تفترض أن الفرد المنتمي إلى جماعة مظلومة يعيش صراعًا داخليًا بين نظرته إلى نفسه ونظرة الجماعة الظالمة إليه، التي غالبًا ما تكون نظرة من الاحتقار والدونية.

أما المرحلة الثانية، فهي تمتد بين منتصف القرن العشرين حتى يومنا هذا. تناول علم الاجتماع فيها موضوع العنصرية بنظرة اجتماعية شاملة.

بدأت هذه المرحلة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي بلغت فيها العنصرية أعلى مستوياتها، ودفعت البشرية ثمن هذه العنصرية غاليًا.

تفسيرات العلماء للعنصرية تجاه المغتربين

حاول بعض العلماء تفسير العنصرية تجاه المغتربين أو اللاجئين بالاختلافات بينهم وبين الآخرين. واعتبروا أن العنصرية تختفي وحدها عندما “ينصهر” هؤلاء مع مجتمعهم الجديد. لكن هذه النظرية لم تكن كافية بالنسبة إلى علماء الاجتماع.

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ترافقت حركة الحقوق المدنية مع ازدياد الهجرة وسقوط الاستعمارات. مما أدى إلى نبذ العنصرية و انخفاض السلوكيات العنصرية العلنية. لكن هذا كله لم يكن كافيًا لإنهاء التمييز العنصري، بل استُبدلت العنصرية العلنية القديمة بأنواع أخرى من التمييز. شملت أنواع التمييز الأخرى توزيع الثروة والعمل والسكن والتعليم والأحكام القضائية وغيرها. ومن هنا، وُلدت نظريات اجتماعية جديدة ومعاصرة لتفسير العنصرية.

نظرية التكوين العرقي

طرح العالمان الأميركيان «أومي و وينانت – Omi and Winant» نظرية التكوين العرقي. تربط نظرية التكوين العرقي الإطار العرقي بالأحداث التاريخية الاقتصادية والسياسية، وهو بناء اجتماعي-ثقافي بحت، يتغير عبر الزمن.

تفسير بونيلا سيلفا

ي عام 1997، اعتبر العالم الأميركي «بونيلا سيلفا – Bonilla-Silva» أن الأنظمة الاجتماعية العنصرية تخلق وتعزز الأيديولوجيات العنصرية. بدورها الأنظمة نفسها. فبحسب ماركس وانجلز “إن أفكار الطبقة الحاكمة هي الأفكار الحاكمة في كل عصر”. وبما أن ال”بيض” هم من يتحكمون بالسياسة في أميركا، من الطبيعي أن تنتشر أيديولوجيتهم العنصرية.

تقاطع باتريسيا هيل كولينز

كما تشير عالمة الاجتماع «باتريسيا هيل كولينز – Patricia Hill Collins» إلى تقاطع (Intersectionality) قضية التمييز العنصري مع كل قضايا التمييز الطبقي والجندري، ولا يمكن درس كل منها على حدة.

التحيز الضمني

بالإضافة إلى ذلك، يتم الحديث في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي عمّا يسمى بالتحيز الضمني (Implicit Bias)، وهو الاعتقاد الضمني وغير الواعي بفوقية عرق على آخر. وقد لا يظهر هذا النوع من التحيز في الدراسات الاستقصائية أو الأسئلة، بل هو يظهر بشكل غير مباشر في السلوكيات خلال الحياة اليومية. وهي غالبًا ناتجة عن أحكام مسبقة أو صور نمطية تجاه فئات معينة. حتى أن بعض العلماء اقترح أن هذه النظرة العنصرية الدونية قد تصيب الفرد تجاه عرقه نفسه. وقد أثارت هذه الفكرة جدلًا واسعًا بين اعتبار هذه النظرية لمجرد إلقاء اللوم على الضحية، وبين اعتبار النظرة الذاتية جزء من المشكلة.

ختامًا، إن  العنصرية لا تظلم الجماعات التي تتعرض لها فقط، بل هي تظلم البشرية جمعاء لأنها تحرمها من الاستفادة من طاقات رهيبة يملكها أفراد من أعراق مختلفة، لكنها تبقى رازحة تحت وزن التمييز الثقيل. فمتى ستتخلص البشرية من وهم الأعراق؟

إقرأ أيضًا: تعريف الحركة النسوية وتاريخها

المصادر

American Sociological Association
Britannica
Elsevier

تاريخ البيتزا

تاريخ البيتزا

في عام 1831 وصف «صموئيل مورس-Samuel Morse» مخترع التلغراف البيتزا بأنها نوع سيئ من الكعك بل الأكثر إثارة للغثيان مغطاة بالطماطم والفلفل الأسود والسمك وإنها تشبه قطعة خبز تم إخراجها للتو من المجاري!

تُرى ماهو تعليق محبي البيتزا اليوم على رأي مورس ؟

من أين بدأت البيتزا …ماذا تعني كلمة بيتزا أصلاً؟


تشير بعض المصادر إلى أن كلمة بيتزا جاءت من كلمة «pina» اللاتينية والتي تعني خبز أو رقاقة، إلا أنه هناك جدل كبير حول أصل الكلمة.

على كل حال لقد تناول الفينيقيون البيتزا في العصور القديمة بصورتها البسيطة كخبز مسطح ُيتبل بالأعشاب ويطهى على حجر ساخن.

وقد عبر هذا النوع من الطعام البسيط إلى الإغريق فأطلقوا عليها «Plankuntos» ومن ثم إلى روما ومصر وبابل. وقد أشاد بها المؤرخون القدامى مثل هيرودوت وكاتو الأكبر.

ومع ذلك لم تظهر البيتزا بشكلها الحديث المتعارف عليه الآن حتى أوائل القرن التاسع عشر بمقاطعة كامبانيا في مدينة نابولي، والتي تأسست كمستوطنة يونانية قبل 600 عام قبل الميلاد.

طعام الفقراء .. يصبح طعاماً قومياً

موقع مدينة نابولي

في أوائل القرن الثامن عشر أصبحت نابولي مدينة مزدهرة، وواحدة من أكبر مدن أوروبا وواجهة بحرية كبرى منتعشة بالتجارة الخارجية. مما عزز التدفق المستمر للقرويين من الريف لنابولي حيث تضخم عدد السكان في نابولي من 200,000 إلى 399,000نسمة. من عام 1700م وحتى 1748م وأدى ذلك بالطبقة المهاجرة التي كانت تطمح في فرص أفضل إلي الوقوع في الفقر المدقع.

وقد أطلق سكان نابولي على تلك الطبقة«lazzari- لازاروني». وتقول الكتابة «كارول هيلستوسكي Carol Hylstowsky» مؤلفة كتاب «pizza-بيتزا» و أستاذة التاريخ بجامعة دنفر”كان الكثير من الفقراء يعيشون في منازل صغيرة للغاية وأحيانا كثيرة بدون منازل فحتاج هؤلاء إلى طعام رخيص الثمن ويمكن استهلاكه بسرعة “. وقد وجدوا ضالتهم في البيتزا وليس المهاجرين فقط بل وشريحة الفقراء في نابولي عموماً. وكانت تؤكل مع كل شيء تقريباً، و تباع في أزقة نابولي من قبل الباعة الجوالين أو المطاعم الغير مرخصة.

بائع بيتزا من نابولي في القرن التاسع عشر

وهكذا ظلت البيتزا مرتبطة بهذه الطبقة الفقيرة فوصف المؤلفون البيتزا بالطعام المثير للاشمئزاز بما فيهم المؤلفين الإيطاليين. وفي أواخر القرن التاسع عشر ومع ظهور كتب الطبخ الأولى تم تجاهل البيتزا بشكل واضح من الذكر في تلك الكتب.

بيتزا مارجريتا

الملكة مارجريتا التي سميت البيتزا باسمها


في عام 1889م زارت الملكة مارجريتا و الملك أمبرتو الأول مدينة نابولي، وكان الزوجين ضجرين من الأطعمة الفرنسية الفاخرة. لذلك أرادت الملكة تذوق البيتزا، وتم تقديم فطيرة البيتزا المغطاة بالطماطم والجبن الابيض والريحان إلى الملكة ومنذ ذلك الحين سمي هذا النوع من الفطائر ببيتزا مارجريتا.

وتعد هذه الحادثة نقطة تحول في تاريخ البيتزا فقد لاقت رواجاً في مجتمع الطبقة الأرستقراطية والمجتمع الإيطالي عموماً. وعلى الرغم من ذلك ظلت البيتزا غير معروفة بشكل كبير خارج إيطاليا حتى عام 1940م.

بحلول القرن التاسع عشر هاجر الكثير من النابوليين إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثاً عن فرص للعمل في المصانع. وهاجرت البيتزا مع المهاجرين من نابولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهكذا تطورت البيتزا في أمريكا، وفي عام 1905م افُتتح أول مطعم البيتزا في نيويورك.
وعندما غزا جيش الحلفاء إيطاليا في عام 1943م عرفوا البيتزا وأحبها وذلك ساهم في انتشار البيتزا بشكل كبير.

ومنذ عام 1950 حتى اليوم مع التطور التكنولوجي والاقتصادي ومع اكتساب الوقت وتيرة سريعة ازداد الطلب على الوجبات السريعة خصوصًا البيتزا حيث يتم إنتاج ملايين من أطعمة البيتزا التي ترضي جميع الاذواق.

المصادر:

1- historytoday

2- history

3- wonderopolis

4- spizzicorestaurant

5- altohartley

معنى الحياة في الرهان المعرفي

معنى الحياة في الرهان المعرفي

جئتُ لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرتُ قدامي طريقًا فمشيت
وسأبقى ماشيًا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئتُ؟ كيف أبصرتُ طريقي؟
لستُ أدري!

يثير إيليا أبو ماضي في قصيدة الطلاسم أكثر القضايا قدمًا في تاريخ السؤال البشري. اعتاد الإنسان أن يستفسر عن معنى وجوده في سياقات متباينة ووضع فرضيات كثيرة للوصول إلى إجابة مقنعة، بحيث يمكن وصف المسيرة البشرية بأنها مسيرة موجهة نحو إيجاد معنى للحياة.

وحتى تبدو الحياة ذات قيمة ومعنى، كان على الإنسان أن يتجاوز ظاهرها المادي ويدعي بأنه ثمة هناك جوهر يسكن العالم/الوجود. وهذا ما دفعه إلى تصورات أسطورية في البداية، فقام بأسطرة كل شيء وعرَفه في ظل قوى خفية.

لكن مع مرور الوقت لم يكف الناس عن طرح هذا السؤال بل احدثوا بعض التغيرات في سياقها وحسب. فمنهم من ادعى بأن المعنى يكمن في علاقاتنا الروحية، ومنهم من انزل المعنى إلى مستوى الجسد وقال بأن حياة ذات معنى تتحقق بتحقيق رغباتنا الشخصية. في حين رأى بعضهم في صنع معنى من قبل الفرد كحل حاسم، لكن اخذ اليأس بعضهم من هذا السؤال وقالوا بأن الحياة تفتقر إلى القيمة والمعنى أساسًا.

وفي هذا المقال، سوف نسلط الضوء على النظريات التي ناقشت معنى الحياة.

المنظور الديني:

مسألة معنى الحياة من المسائل المفضلة في النقاش الديني. وقد يحدث أن يتفرد الدين في تقديم الإجابة؛ وذلك لأن الدين نفسه قائم على وجود معنى للحياة سلفًا. ويتمادى في هذا الجانب ويرى في تلك الغاية قيمة أكثر مما تحمله الحياة، لأن تلك الغاية تسبق الحياة ومتقدمة عليها.
على رغم من وجود ديانات كثيرة تتنازع فيما بينها في أكثر القضايا جوهريةً، إلا أن هناك وجهة نظر بهذا الخصوص. وهي: حياة ذات معنى تتطلب وجود الله والإيمان به. بمعنى أن وجود الله جنبًا إلى جنب مع الارتباط المناسب به ضروريين وكافيين لتأمين حياة ذات معنى(1).

يرى الدين في حياة الفرد على أنها جزء من خطة الله في خلق الكون، وما يجعل من حياته ذات قيمة كبيرة ومعنًى نهائي هو أنه يساعد لله في تحقيق تلك الخطة وذلك القصد الإلهي، وإذا ما فشل الفرد في فعل ما يريده الله، يسود اللا معنى في حياته(2).

وفي هذا الصدد يكتب الفيلسوف بليز باسكال: “هذه الهاوية اللانهائية لا يمكن ملؤها إلا بما هو لا متناه وثابت، أي بالله نفسه”. ويعترف القديس أوغسطينيوس: “لقد صنعتنا لنفسك. وقلوبنا مضطربة إلى أن تستقر فيك”(1).

المنظور العلمي:

السؤال عن معنى الحياة إذا ما طُرح في سياق علمي سيحدث الكثير من المغالطات لسببين على الأقل.

أولًا: هناك شيء من الأنانية البشرية في هذا السؤال، إذ نبحث عن معنى يتوافق مع مصالحنا الإنسانية. وهذا السؤال يفترض مسبقًا بأن المعنى يُقاس على الإنسان. أي الإنسان هو العنصر المحكي في تحديد المعنى؛ والعلم لا يمكنه التعامل مع مسألة كهذه. فالإنسان مجرد حلقة تطورية وكيان حيوي كسائر الكائنات.

ثانيًا: لا يتعامل العلم مع غاية الأشياء بالمعنى الذي نريده إنما مع آلية عملها، واستنتاج قيمة أو معنى من هذه الآلية لا يعدو أن يكون أكثر من تأويل فلسفي أو ديني.

ويخبرنا العلماء أن الوجود نشأ من تفاعل عشوائي بين المواد الكيميائية والغازات، وإذا كان له معنى فهو كئيب وضيق جدًا.

فالإنسان حاله حال الأميبا وغيرها من الكائنات، معنى حياته هو انتشار المادة الجينية، هذا صحيح وفي نفس الوقت مؤسف(3). تشبه الحياة لعبة، الهدف منها هو الإستمرار في اللعب.

استطاعت بعض الجينات والأنساب النبيلة من البقاء في اللعبة لفترة أطول، ولكن أين هو المعنى في لعبة لم يسن قواعدها أحد، وفي النهاية لا يمكن الفوز بها. إذن ليس هناك ثمة معنى جوهري للبقاء على قيد الحياة(4). ويعلق لورانس كراوس على ذلك ويقول: “حقيقة تطورنا على هذا الكوكب هي مجرد حادث كوني، والاشخاص الذين يعتقدون بخلاف ذلك من المحتمل أنهم يعانون من وهم ديني”(5).

الطبيعانية أو المذهب الطبيعي:

هناك طبيعانية ذاتية وأخرى موضوعية. الأولى تتميز بكونها متفائلة، فهي تدعي بأن حياة ذات معنًى قوي ممكنة حتى ولو لم يكن هناك إله أو عالم ما بعد الحياة أو فوقها.

وهي تسلم بأن حياة ذات معنى تختلف من شخص لآخر وتقوم على حصول الفرد ما يريده بقوة أو من خلال تحقيق أهداف محددة ذاتيًا أو من خلال تحقيق ما يعتقد المرء أنه مهم حقًا، كما الاهتمام بشيء ما أو حبه بصدق من شأنه أن يجعل الحياة ذات معنى(1).

لكن يؤخذ على هذا المذهب تطرفه الذاتي، فتطبيقه سيكون بمثابة تبرير لكل الأفعال الشنيعة والوحشية طالما أن الأشخاص الذين يقومون بهكذا أفعال يجدون راحة وطمأنينة فيها.

في الطرف المقابل هناك، الطبيعانية الموضوعية. يحاول المذهب الموضوعي معالجة الفجوات التي تتخلل المذهب الذاتي، وهو يؤكد بأن حياة ذات معنى تتأسس على التواصل الفعال والمناسب مع الحقائق الموضوعية المستقلة عن عقل الفرد(1).

ومن الجدير بالقول هو أن الموضوعية لا ترفض الذاتية دائمًا. بل نجد أحيانا أنها ترى في الجانب الذاتي كشرط مهم لتحقيق حياة ذات معنى، وبهذا الصدد تقول سوزان وولف: “ينشأ المعنى عندما يلتقي الانجذاب الذاتي مع الجاذبية الموضوعية”(2).

المنظور الوجودي:

يقسم البعض الوجودية إلى وجودية دينية وأخرى ملحدة، لكن كما يقول بول ريكور التصنيف شأن بيداغوغي وليس معرفي.

ومن جانب آخر يرفض كبار الوجوديين فكرة التمذهب، أي لا يدعون وجود فلسفة وجودية أو موجودية بحتة. لكن هناك نوع من التوافق بين ما نطلق عليهم فلاسفة الوجودية حول إشكال المعنى.

فهم يرفضون وجود معنى للحياة، أي معنًى جاهز، لكنهم يعولون على إمكانية خلق معنى ما في سياق الحرية الفردية. وهذه الحرية كما يقول سارتر، يتم تحديدها بمعزل عن أي تحديد مسبق من قبل الإله أو من خلال قيم أو معرفة موجودة سلفًا”(6).

ولأن الوجودية تخرج الإنسان إلى سياق مختلف عن سياق وجود باقي الكائنات. فهي تركز على الوجود الإنساني على أنه نمط خاص من الكينونة كما يقول هايدغير. فالإنسان حين يلقى في الوجود لا يحمل معه أي معنى أو جوهر، بل هو من يقوم بصنع معنى لوجوده بعد أن يدركه على نحو خاص(6).

وهنا يقول هايدغر في كتابه الأهم (الكينونة والزمان): “السؤال عن معنى الحياة هو السؤال حول كيفية عيش حياة أصيلة، حياة تكون حياتنا نحن دون أن تكون محددة مسبقًا في المجتمع، وأن تعيش حياة أصيلة هي أن تختارها بنفسك”(7).

ولنيتشه فكرة مشابهة، فهو يرسم صورة الإنسان على أنه جسر لا هدف، ويؤكد على أنه مهما كان معنى الحياة أو سيكون، فهو معنًى أرضي وليس سماويًا، ومعنى الحياة هو أن يتم خلقه لا اكتشافه(7).

المنظور العدمي:

ما هو جدير بالإشارة إليه في البداية، أن ما يجعل العدمية مختلفة عن الوجودية هو كونها ترفض حتى إمكانية خلق المعنى.

فهي لا ترفض وجود معنى جاهز وحسب بل تشك حتى في مزاعم الوجودية حول إمكانية صنع معنًى ما؛ وذلك لأنه حياة ذات معنى غير ممكنة على الإطلاق. تركز العدمية على عنصرين مهمين في حياة الإنسان، الشعور بالملل وعدم الرضى، بحجة أن الملل يصف الحياة بشكل كاف على أنها بلا معنى، كما أن حياة الإنسان تفتقر إلى القدر المطلوب من الرضى ليمنحها معنى(1).

وتؤكد بأن ما من شأنه أن يجعل الحياة ذات قيمة إما لا يمكن أن يوجد أو لا يمكن الحصول عليه. كما تزعم بوجود شيء ما في الحالة الإنسانية تمنع المعنى من الظهور(2).

خلاصة:

معنى الحياة من القضايا التركيبية كما يقول أدوارد مور. فمهما حاولنا أن نجعل منها قضية موضوعية نسقط في فخ الذاتية. حكمنا على طبيعة الأشياء لا يتعدى كونه تأويلًا شخصيًا منا، وحتى تلك الاحكام تتغير حسب الزمن وتأخذ مكانها أحكام أخرى. لكن مع ذلك، من الضروري أن يستمر الإنسان في بحثه عن المعنى، وقد يكون البحث هو نفسه المعنى. لا يمكن التغاضي عن أهمية البحث طالما أن السؤال لا يتوقف عن الظهور، ويعد من الاسئلة الحاضرة على الدوام في ظل عالم لا يسكت فيه صوت الحرب. في الوقت ذاته قد يساعدنا هذا السؤال لأن نعيد النظر في الكثير من السرديات التي تربطنا بالعالم وبالآخرين وبأنفسنا.

المصادر:

ملخص رواية “رادوبيس” للكاتب نجيب محفوظ

ملخص رواية “رادوبيس” للكاتب نجيب محفوظ

تعتبر الرواية واحدة من روايات الثلاثية التاريخية التي كتبها نجيب محفوظ والتي تضم رواية رادوبيس بالإضافة إلى روايتي عبث الأقدار وكفاح طيبة، وتميزت بأبعاد سياسية ألقت الضوء على الواقع المصري المعاصر من خلال صراع الملك مع السلطة الدينية وكيفية تعامله مع العصيان الشعبي الذي واجهه أثناء فترة حكمة وعلاقته بالجميلة رادوبيس.

تدور أحداث الرواية في مصر القديمة يوم الاحتفال بعيد النيل المقدس، كانت آبو عاصمة مصر تشهد جموع الشعب القادمين لمشاهدة موكب الملك والاحتفال بالعيد، تجمع الناس في الطريق الطويل الممتد بين قصر الملك ومعبد النيل وشق الجموع هودج رادوبيس الجميلة ليثير جلبة في أرجاء المكان ويلفت انتباه الجميع، كانت رادوبيس غانية صاحبة جمال فاتن يذيب القلوب تقيم في قصرها الأبيض الساحر في جزيرة بيجة بالقرب من العاصمة تستقبل فيه كبار القوم الذين يغدقونها بالهدايا الثمينة أملًا في نيل رضاها والنظر إلى وجهها المشرق.

مضت دقائق طويلة بعد وصول رادوبيس حتى بدأت طلائع الجيش تسير صفوفًا متراصة على أنغام الموسيقى الحربية، ثم ظهرت العجلة الفرعونية التي تحمل الملك الشاب تتقدم الموكب، تعالت الهتافات للملك وامتلأ الجو بالحماسة ولكن بين كل تلك الأصوات أفلت صوت يصيح ليحيي صاحب القداسة “خنوم حتب” وزير الملك ورددت خلفه عشرات الأصوات، أسرها الملك في نفسه وتحكم في غضبه ولم يبد على ملامحة أي تعبير.

تأثرت رادوبيس بما حدث ورجعت إلى قصرها مثقلة القلب تحمل معها صورة الملك في قلبها الذي لم يعرف الحب قبل رؤيته، وعند وصولها لحديقة القصر قررت أن تستحم في البركة عسى أن تتخلص من همومها وفي أثناء ذلك حلق نسر بالقرب من البركة واختطف صندلها الذهبي الثمين وطار بعيدًا وسط نظرات الدهشة والفزع من رادوبيس ووصيفاتها.

بعد انتهاء يوم الملك الطويل اختلى بصاحبيه سوفخاتب كبير الحجاب وطاهو رئيس الحراس، واستطاع حينها أن يعبر عن غضبه الشديد بسبب تلك الهتافات الغادرة، وكان الكهنة ثائرون على الملك الشاب لأنه يريد أن يأخذ بعض الأراضي المخصصة للمعابد والفائضة عن حاجتهم لبناء القصور والمقابر ليتمتع بحياة سعيدة عالية وتُمجد فترة حكمه في التاريخ ولكن رفض الكهنة كان صارمًا وحاولوا جاهدين أن يردوا الملك عن قراره بمساعدة خنوم حتب الذي يقف في صفهم ضد الملك، وفي أثناء حديث الملك الغاضب سقط على حجره صندل ذهبي ألقاه نسر من السماء وحلق مبتعدًا.

فحص الملك الصندل بعناية وعثر على صور فارس وسيم يقدم قلبه هدية على يديه المبسوطة نقشت على باطن الصندل، ومن النقش عرف سوفخاتب صاحبته وأخبر مولاه عن جمالها الأخاذ، أما طاهو فقد كان قلبه يخفق بشدة بسبب ولعه برادوبيس وحبه لها ورجاءه في رضاها عنه الذي لم ينله حتى الآن.

ذهب طاهو على الفور لتحذير رادوبيس وإعلامها بعزم الملك على زيارتها وحثها على السفر بعيدًا خوفًا من أن يتخذها الملك لنفسه ويحرم هو منها، ولكنها لم توله أي اهتمام وأعلنت عن رغبتها بلقاء الملك مما أثار حنق طاهو وغادر غاضبًا، وبعد رحيله ظلت رادوبيس مستيقظة مشغولة البال حتى غلبها النوم وفي اليوم التالي زارها الملك في قصرها ودار بينهما حديث قصير أسعد قلبها ووثق بينهما علاقة ستدوم طويلًا.

انتشر خبر علاقة الملك برادوبيس كالنار في الهشيم وثار حنق الشعب على الملك بسبب الثروة التي بددها تحت قدمي فاتنته، واستغل الكهنة الأمر لمصلحتهم وخطبوا في الناس ليشتعلوا غضبا ووصفوا الملك بالملك العابث، وتوترت العلاقة كثيرًا بين الملك وخنوم حتب وقلت اللقاءات التي تجمعهم فقرر خنوم حتب التحرك والذهاب إلى الملكه نيتوقريتس ليحثها على المساعدة ويعرض عليها التماسات الكهنة بشأن أراضي المعابد، مما دعاها للذهاب إلى الملك بنفسها لتعرضهم عليه وأن تترك كبريائها المجروح جانبًا بسبب رادوبيس وتقدم مصلحة البلاد أولًا ولكنها رُدت خائبة، وقرر الملك إعفاء خنوم حتب من منصبه وتعيين سوفخاتب مكانه.

ورأت نيتوقريتس أن لا تستسلم وتذهب إلى رادوبيس علها تستطيع أن تؤثر على الملك الشاب وترجعه عن قراره، ولكن رادوبيس أهانت الملكة إهانة بالغة ولم تلق الملكة من زيارتها سوى الألم والحسرة ورُدت خاسرة وانعزلت في مخدعها لا تلوي على شيء، أما رادوبيس فبدأت تفكر في حل ليتخلص الملك من أولئك الكهنة الذين يعكرون صفو حياتها مع حبيبها.

عرضت رادوبيس على الملك أن يحشد الجنود ليخرس الكهنة ويخلق علة وداع وهمي لحشدهم، فيرسل إلى ملك النوبة يطلب منه إرسال رسول برسالة كاذبة عن تمرد قبائل المعصايو التي عقد معها الملك صفقة سلام، الطعام الوفير لهم مقابل الأمان للقوافل التجارية، وعند ذلك يستطيع أن يحشد الجنود دون أن يثير حنق الشعب أو يلفت انتباه الكهنة، أعجب الملك بالفكرة ودهش بذكاء رادوبيس وسرعان ما أخبر بها صديقيه، وشرع في تنفيذها.

اختارت رادوبيس بنامون صبي المثال هنفر الذي شيد لها قصرها رسولًا يحمل رسالة الملك، كانت رادوبيس تثق به كثيرًا واستغلت ولعه بها وأقنعته بالذهاب وضمنت ولائه، ومضت الأيام ثقيلة في انتظار عودة بنامون الصغير من مهمته، وكان الملك صابرًا على خنوم حتب وزياراته المتعددة للأقاليم والتفاف الناس حوله حتى تتم خطته وينتقم لكرامته المهانة.

وبعد مدة ليست بقصيرة وصل بنامون لقصر رادوبيس ومعه رسول ملك النوبة بالرسالة الوهمية، وكان ذلك قبل عيد النيل بوقت قصير وهللت رادوبيس بعودة رسولها الأمين، وجاء يوم عيد النيل وكالعادة استقبلت آبو الوافدين للاحتفال ولكن هذه المرة كان الغضب يحتد في القلوب، ولم يأت الشعب للاحتفال ولكن أتى ثائرا على حاكمه، واشتبكت قوات الحرس مع بعض المتمردين وانتشرت الفوضى، وأمر الملك باجتماع عاجل مع سادة البلاد والكهنة وبدأ بتنفيذ خطته وإخبارهم بأمر الرسول وتمرد قبائل المعصايو الوهمي، فأثنى السادة على حشد الجنود والاستعداد للقتال، أما الكهنة فكان عندهم رأي آخر، فقام أحدهم في دهاء وأخبر الجميع أن قادة قبائل المعصايو جاءوا اليوم ليقدموا فروض الولاء والطاعة للحاكم ودخل الرجال القاعة وحييوا الملك ثم انصرفوا محطمين معهم خطة رادوبيس، أيقن الملك بالخيانة وظن بنامون واش لعين.

ازدادت اشتباكات الشعب مع القوات وارتفعت الهتافات الغاضبة ضد الملك والمطالبة بنيتوقريتس حاكمة للبلاد بدلًا عنه، قرر الملك الخروج لشعبه وحيدًا بعد أن قدمت له نيتوقريتس ولاءها، ارتدى زيه الحربي ووقف عند بوابة القصر وأمر الحراس بالانسحاب وانتظرهم في شموخ، عند دخول الجموع الغاضبة من بوابة القصر دهشوا للقاء الملك وحيدا يقف بين صاحبيه دون حماية، وتوقفوا لحظات صامتين إلا أن سهمًا غادرًا شق سحابة الصمت وأصاب الملك في مقتل فهوى ساقطًا بين أيدي طاهو وسوفخاتب الذين حملوه إلى داخل القصر تغمره دموع نيتوقريتس.

كان السهم نافذا وأدرك الملك نهايته فطلب منهم أن يرجعوه إلى رادوبيس ليموت بين يديها طالبًا من الملكة نيتوقريتس العفو والغفران فأمرتهم الملكة بتلبية طلبه، وعند وصوله لرادوبيس هالتها الصدمة واختنقت ببكاء مكتوم كاد أن يفجر قلبها من الحزن، وعندما لفظ الملك أنفاسه الأخيرة حضرت وصيفة نيتوقريتس لتعيد جثمان الملك إلى القصر وتم نقله رغم صرخات رادوبيس المتوسلة بأن يتركوه وكانت ذاهبة ورائه إلا أن طاهو أوقفها واعترف لها بخيانته للملك بسببها، فلم يطق فوز الملك بقلب رادوبيس الذي سعى له منذ زمن طويل فقرر الانتقام بالخيانة التي تسببت في موت الملك الشاب.

عندما رحل طاهو عن رادوبيس قررت بعدها إنهاء حياتها بالسم فلم يعد لوجودها في الحياة أهمية بعد كل ما حدث، ونقلتها وصيفتها لبلد أخرى حتى تستطيع دفنها بصورة لائقة لأنها كانت تعلم أنها لن تستطيع فعل ذلك في بلد لعن رادوبيس وجمالها إلى الأبد.

للمزيد من ملخصات الكتب

إقرأ أيضًا:

ملخص رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ

رحلة ابن فطومة ، ملخص رواية للكاتب نجيب محفوظ

Exit mobile version