أبراج الصمت ” دخمه” كيف دفن الزرادشتيون موتاهم؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 8 في سلسلة أغرب طقوس الدفن عبر التاريخ

أبراج الصمت ” دخمه” كيف دفن الزرادشتيون موتاهم؟

الطقوس الزرادشتية في الدفن تعد طقوس غريبة، ومميزة، دفعت قناعات الزرادشتيين بقدسية عناصر الطبيعة، لتفادي تلويث الجثث فيها. ورُفِع الموتى إلى أبراج الصمت في طقس دفنٍ سماويّ.


أحد أبراج الصمت ” دخمه” في مدينة يزد


لمحة عن الزرادشتية:


تعد الزرداشتية من أقدم الأديان التوحيدية القائمة حتى يومنا هذا. و هي من الأديان المجوسية، نشأت على يد زرادشت في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد فارس. وكانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الأخمينية والباراثية والساسانية.
قام زرادشت بتبسيط مجمع الآلهة الفارسية القديم وتحويله إلى ثنائية كونية، وتتمثل بالحرب المستمرة بين الخير والشر، الخير متمثلًا بالإله الأعلى في الزرادشتية وهو “أهورا مازدا” أو سيد الحكمة، وهو الخالق ويمثل النور والحكمة.
والشر متمثلًا ب “أهريمان” الذي مثل الشر، والدمار، والظلام.
تركز الزرادشتية على تقديس عناصر الطبيعة. أي الماء والأرض والنار والهواء. ولكن النار كانت الأكثر تقديسًا، ودخلت كعامل رئيسي في طقوسهم، كما هو الحال في معابد النار. ومنه نشأ الاعتقاد الخاطئ أن الزرادشتيون يعبدون النار، وفي الواقع فإن تقديسهم للنار نابع من قدسية الإله الأعلى أهورا مازدا الذي يمثل النور، تُعتبر النار وسيطًا تُكتسَب من خلاله البصيرة الروحية والحكمة.


الموت في الزرادشتية:


يؤمن الزرادشتيون بالحساب بعد الموت، فالجنة للزرادشتي الصالح والجحيم للأشرار منهم. كما تؤكد الزرادشتية على أهمية النقاء والطهارة في الحياة، وارتباط الطهارة الروحية بالطهارة الجسدية. وبالتالي فإن التلوث الجسدي يؤدي للتلوث الروحي. فعملية تحلل الجثث من أنواع التلوث الجسدي ولا يجب خلطها بعوامل الحياة الرئيسية بشكل مباشر وإلا لوثتها.
والروح تهيم لعدة أيام بعد الوفاة، وفي هذا الوقت تعرض الجثة لخطر سكنها من قبل شياطين الجثث ال”ناسو”  لذلك توجب تطهيرها قبل الدفن.
لذلك ابتعد الزرادشتيون عن الدفن الأرضي، والدفن النهري، والحرق.  وهذا ما دفعهم لاعتماد أبراج الصمت أو ما يعرف بالدخمه في اللغة الفارسية القديمة.


أبراج الصمت:


وهي المدافن الرسمية عند الزرادشتيين. تتمثل في برج دائري الشكل أطرافه أعلى من المنتصف. السطح مقسم لثلاثة دوائر، الدائرة الخارجية والأعلى مخصصة لجثث الرجال، وفي المنتصف جثث النساء، والدائرة الأقرب للمركز مخصصة للأطفال.
في منتصف البرج حفرة عميقة تجمع فيها العظام بعد أن تجف الجثث وتتفكك بالتدريج عن طريق عوامل الطبيعة، وتمر بطبقات من الفحم والرمل إلى أن تتحلل كليًا وتصرف إلى المياه.
تمدد الجثث على السطح وتقدم للطيور الجارحة لتأكلها، وهذا قريب من مبدأ الدفن السماوي عند البوذيين في التيبت. ولكن الاختلاف يكمن في المنطق الذي دفعهم للجوء للدفن السماوي. ركز المنطق الزرادشتي على عدم تلويث عناصر الحياة الأساسية بالجثة المتحللة. أما بوذيو التيبت ركزوا على أهمية عدم بقاء مخلفات من الجسد لأنه أداة أو مركبة للروح في رحلة الانبعاث “سامسارا” بالإضافة لرمزية النسور في الديانة البوذية.
ولكن كلا الديانتين ركزتا على أن الجسد هدية سخية للنسور وعلى أهمية السخاء في حياة الانسان.

مراسم الدفن:

تحضير الجثة للدفن:


تغسل جثة المتوفي بسائل الغوميز “مياه وبول الثور”. وتحضر الثياب التي سيدفن فيها الميت، وبالطبع هذه الثياب سيتم التخلص منها بعد احتكاكها بالميت لأن الجثة تلوثها.
تُوضع بعدها الجثة على غطاء أبيض ليلقي عليها أهل الميت الوداع الأخير، ولكن محظور عليهم لمسها. ولأن الجثة تستقطب الشياطين يحرس الجثة كلب لطرد الشياطين والأرواح الشريرة في طقس يدعى ” ساجديد”.
يسمح لغير الزرادشتيين بمشاهدة الجثة ووداع المتوفي، لكن يحظر عليهم مشاهدة باقي مراسم الدفن.

طقوس حفظ الجثة من التلوث:


بعد تحضير الجثة للدفن، تسلم لحاملي الجثث المختصين، وهم الوحيدون المخولون بالاقتراب من الجثة بعدها.
يقومون بغسل ثياب الميت في محاولة لإبعاد التلوث قدر المستطاع، ويلف القماش الأبيض الذي وضعت عليه الجثة حولها مثل الكفن.
تُرسم دوائر حول الجثة كحاجز روحي لمنع انتشار تلوث الجثة ولتحذير الزوار حتى يحافظوا على مسافة آمنة منها.

الطقوس الأخيرة في أبراج الصمت:

تُنقل الجثة إلى “الدخمه” أي برج الصمت، ودائمًا ما يتم النقل في النهار، ويكون عدد حاملي الجثة عدد زوجي دائمًا.
يتبعهم أهل الميت في ثنائيات، وكل ثنائي يحملون قطعة قماش تدعى ال”بايواند”.
يقرأ راهبان الصلوات ثم ينحنون أمام الجثة. ثم تُزال الثياب والكفن عن الجثة بأدوات لتجنب اللمس. تترك الجثة أمام الطيور لتأكلها وغالبًا تتم هذه العملية في ساعات، ثم ترمى العظام المتبقية في الحفرة الموجودة في منتصف البرج.

طقوس الحداد وتذكر المتوفي بعد الجنازة:

تتلى الصلوات على الميت لمدة ثلاثة أيام بعد الوفاة، ساد الاعتقاد أن روح الميت لا تغادر الأرض ضمن الأيام الثلاثة الأولى.
في اليوم الرابع تصعد الروح إلى جسر الحساب، أو ما يعرف باسم “شينفات”. في الأيام الثلاثة الأولى يتفادى أهل الميت أكل اللحم وحتى الطبخ في المنزل التي غُسِلت فيه الجثة. ويقوم الأقارب بمهمة تحضير الأكل في منازلهم.
يحرق البخور في منزل الميت في أيام الحداد الثلاثة، وفي الشتاء لا يقترب أحد من المنطقة التي غُسلت فيه الجثة لمدة عشر أيام. ويترك فيها مصباح مشتعل. أما في الصيف فيمنع الاقتراب منها لثلاثين يومًا.

إن هذه الطقوس ممنوعة في إيران من عام 1970، لكن ما تزال قائمة في مناطق من الهند، حيث يعيش قسم من الزرادشتيين، والجدير بالذكر أن النقص في أعداد  الطيور التي تأكل الجثث يهدد هذه الطقوس في مدينة مومباي في الهند.
أما الزرادشتيين الذين يعيشون في المناطق التي تمنع قوانين الدولة طقوسهم، قاموا بالتكيف مع بيئتهم المحيطة عملًا لتعاليم زرادشت التي تحتم على الفرد التكيف مع مجتمعه. فيقوم معظمهم بدفن الجثة في صفيح معدني أو محاطة بالإسمنت. فهم بذلك لا يلوثون الأرض ولا يخالفون تعاليمهم وفي نفس الوقت لا يخالفون القوانين السائدة في مجتمعهم. تبدو لنا هذه الطقوس غريبة، بل وحتى مرعبة. ولكن من المهم دائمًا معرفة ما الذي يدفع الناس للقيام بطقوس تختلف عما نعرفه، فالهدف الأسمى في نظر الزرادشتيين هو المحافظة على عدم التلوث وعلى طهارة الأرض ونقاوتها من تلويث الجثث.






من هم الملوك الثلاثة في قصة عيد الميلاد؟

تذكر العديد من ترانيم عيد الميلاد الملوك الثلاثة، الذين يتبعون نجمًا فيأتون لتكريم عيسى الرضيع في بيت لحم. لم يدعهم الكتاب المقدس ملوكًا كما لم يذكر عددهم- بل وصفهم بـ “حكماء من الشرق”. في العديد من البلاطات في الشرق، بما في ذلك بابل القديمة وبلاد فارس، غالبًا ما قدم المنجمون المتعلمون والممارسون لفن السحر خدماتٍ كمستشارين قُسُوسِيّين. في القرون التي تلت ذلك، تم تناقل كون «المجوس-Magi» الثلاثة على أنهم ملوك.

وفقًا لـ «كتاب متى-the Book of Matthew»، قاد نجمٌ لامعٌ المجوس من الشرق حتى توقف “فوق المكان الذي يوجد فيه الطفل”، و “وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ” (متى 1:24).

يقدم الملوك الثلاثة هداياهم ليسوع في لوحة «تمجبد المجوس للطفل يسوع-The Adoration of the Magi» لساندرو بوتيتشيلي.

ركع المجوس للطفل يسوع و “وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا”. ربما تكون هداياهم إشارةً إلى رؤية إِشَعْيَاء
للأمم تقدم الجزية للقدس: “تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ.”(متى 11:2، إشعياء 60:6).

كان الملك هِيرُودِس قد سمع شائعات عن ولادة “ملك” جديد وبحث بغيرةٍ عن الطفل. في كتاب متى، توقف المجوس عند قصر هيرودس في طريقهم إلى بيت لحم، وطلب منهم الملك إخباره بمكان هذا المولود الجديد، حتى يمكنه أيضًا الذهابُ إليه وتقديم الولاء له. لكن المجوس حُذِّروا في المنام من العودة إلى هيرودس، ولذلك غادروا إلى بلدهم عبر طريق آخر ولم يسمع عنهم الملك مرةً أخرى (متى 2:12).

بناء خلفية للقصة

وضعت الروايات اللاحقة للمجوس اسمًا وحددت أراضيهم الأصلية: جاء ملكيور من بلاد فارس، وغاسبار (يُسمى أيضًا “كاسبار” أو “جاسبر”) من الهند، وبلطاسر من الجزيرة العربية. كانت لهداياهم معاني رمزية خاصة أيضًا: الذهب يدل على مكانة يسوع “ملك اليهود”؛ يمثل اللبان ألوهية الطفل؛ ويلمح المر إلى موت يسوع.

يبدو أن الصور الشعبية لعيد الميلاد لا تنطبق تمامًا مع قصة ميلاد المسيح، تصور ظهور الملوك الثلاثة في بيت لحم في عيد الميلاد، لكن الاحتفالات التقليدية لعيد الميلاد تتقدم على زيارتهم بـ 12 يوم. يُطلق عليه «عيد الغطاس-Epiphany»، أو عيد العماد أو عيد الدنح، وهو الاحتفال الرسمي بوصول المجوس وهو أحد أقدم الأعياد المسيحية. يحتفل الروم الكاثوليك بعيد الغطاس في 6 يناير، وتحتفل الديانات المسيحية الأرثوذكسية في 19 يناير.

المصادر: Christianity Today, National Geographic, National Museum of American History
إقرأ أيضًا: متلازمة القدس: بين الايمان والجنون

Exit mobile version