ما أهمية استقرار الأسرة في حياة الطفل؟

يؤثر هيكل الأسرة وتكوينها على نمو الطفل. فهناك كثير من الأطفال يكبرون في أسر غير تقليدية. وهناك من يولدون ويترعرعون في أسر تقليدية، فهل النتيجة واحدة؟ وهل لنظام الأسرة وتكوينها أثر على نمو الطفل وتحسنه اجتماعيًا ونفسيًا ودراسيًا؟ وما أهمية استقرار الأسرة في حياة الطفل؟

أهمية الأسرة في حياة الطفل

تعتبر الأسرة نواة تكوين المجتمع، فهي المصدر الأول والمثل الأعلى لتربية الأطفال، إذ يتلقى فيها الأطفال القوة والاستقرار والقيم الاجتماعية.

لذا ثبات الأسرة واستقرارها عامل مهم لتنشئة الطفل، فالطفل يولد لا يعلم شيئًا، فتكون أول طريقة يتعلم بها عن طريق مراقبة الحياة اليومية التي يحيا فيها، فيبدأ في التقليد والمحاكاة، فسلامة الأسرة وجودتها من أساسيات نمو الطفل.

من هنا نجد أن الأسرة مسؤولة عن تشكيل الطفل والتأثير على قيمه ومهاراته وتنشئته الاجتماعية.

تعلم القيم

عندما تتعامل مع طفلك أو مع الناس عمومًا، مراعيًا الأخلاق المرغوبة مجتمعيًا، متجنبًا الغير محمود منها، سيلاحظ طفلك ذلك بالتأكيد، بل وسيقوم بالتقليد، فالطفل كقطعة الإسفنج، يمتصون كل شيء حولهم دون تمييز بين المحمود وغير المحمود.

وفي المراحل المتقدمة تكون لك الأولوية، والمساحة الكبرى لدى طفلك للحديث عن القيم وأهمية مراعتها، كذلك شرح العواقب الناتجة عن مخالفتها. إذا، عند تعلم القيم، نجد أن الأسرة هي النموذج الأول والأهم في تلقيها.

تعلم المهارات المختلفة

عندما يولد طفلك يبدأ بتعلم المهارات الحركية واللغوية والإدراكية والعاطفية،

وتقع مسؤولية تعليم هذه المهارات إلى حد كبير على عاتق الأسرة. مثلًا، فإن العمل الذي يحدده الوالدان في المنزل لتعليم هذه المهارات أكثر فعالية بكثير من الأعمال والإزامات التى يخضع فيها الطفل لرعاية شخص آخر. سيتعلم طفلك منك كيفية الجلوس والمشي واللعب وطريقة الأكل،… وهكذا. ربما تبدو هذه الأمور طبيعية جدًا بالنسبة إليك، لكنها مهارات يجب أن تصقل في سن صغيرة جدا.

كذلك المهارات اللغوية، عنصر أساسي آخر من عناصر دور الأسرة في تنمية الطفل. إذا لم تتحدث إلى طفلك وتعلمهم لغتك وأسلوبك، فإنها لن تنتقل إليهم أبدًا، لذا فتعليم أطفالك المهارات اللغوية منذ الصغر يعتبرأساسي لنمو الطفل.

والمهارة الأخرى الهامة جدًا لنمو الطفل هي المهارات العاطفية. فالمهارات العاطفية مهمة طوال حياة الطفل، فمن خلالها يتعلم الطفل كيف يكون لديه تعاطف مع الآخرين، وكذلك يمكنه تعلم كيفية التعامل مع النجاحات والإخفاقات التي تحدث دومًا في الحياة. إذا كان طفلك لا يملك المهارات العاطفية المناسبة، فلن يكون قادرًا على التعامل مع النتائج السيئة. كما يؤدي الافتقار إليها إلى خيارات غير سديدة عندما يكبر في السن.

فتصبح الأسرة مفيدة جدًا في تنمية مهارات الطفل خاصةَ عند تعدد الأطفال.

كذلك المهارات الاجتماعية المختلفة، تعززها الأسرة ذات العلاقات الناجحة، فتدريب وتعليم الطفل كيفية إجراء تفاعلات وجهًا لوجه أمر بالغ الأهمية في نمو الطفل. لأن التفاعلات المباشرة تتطلب استجابات فورية، وتعبيرات جسدية، وإشارات، وتحكم في النغمات الصوتية معينة.

الأسرة المصدر الأول للأمان

يحصل الطفل على إحساسه الأساسي بالأمن من عائلته وأسرته. ويعتمد عليها في الحصول على احتياجاته الأساسية كالمأوى والغذاء والملبس.

كذلك الأمن العاطفي في المنزل مهم جدًا لنمو الطفل وهو نوع من الأمان الذي لن يجده في أي مكان آخر. ففي المنزل حيث يتعلم الطفل كيف يكون نفسه فعلًا ويعبر عن نفسه بالكامل. لذا فإن تهيئة بيئة آمنة ومفتوحة في المنزل أمر حيوي ومهم للنمو الجيد.

فإحساس الأمن داخل الطفل هو سمة إيجابية مدى الحياة. ينمو الأمن ببناء الثقة بين أفراد الأسرة والطفل. عندما يشعر الطفل أن بإمكانه الوثوق بالآخرين من حوله، حينها سيكون أكثر راحة ليكون نفسه فعلا.

تأثير الطلاق على الأطفال

الطلاق يمثل تحولًا محوريًا في حياة جميع أفراد الأسرة، وغالبًا ما يكون مؤلمًا في عالم الطفل، بل يعتبره الطفل فقدان للأسرة. فهو أمر لا يتمنى الأطفال السماع عنه مطلقًا، ويواجهون صعوبة في تصور شكل حياتهم بعد ذلك. كما أن عمر الطفل وقت طلاق الوالدين يؤثر أيضًا على كيفية استجابته وعلى ما يجب استيعابه عن هيكل الأسرة الجديد.

فخلال سنوات الطفولة الأولى، يكون ارتباط الطفل بوالديه شيء رئيسي، وبالتالي فإن أي اضطراب كبير في حياتهما المنزلية قد يكون من الصعب عليه قبوله وفهمه. والأسوأ من ذلك، قد يعتقد الأطفال في هذا العمر أنهم أنانيون لطلبهم عدم الانفصال وربما يعتقدون أنهم هم السبب في انفصال والديهم. وقد يبكون ويريدون المزيد من الاهتمام أكثر من المعتاد، قد ينتابهم إحساس الخوف من التخلي عنهم.

آثار نفسية وقد يزيد الطلاق من خطر مشاكل الصحة العقلية لدى الأطفال والمراهقين. وبصرف النظر عن حالات الطلاق قد تزيد من خطر مشاكل الصحة العقلية لدى الأطفال والمراهقين. وبغض النظر عن العمر والجنس والثقافة ، يعاني أطفال الآباء المنفصلين بزيادة المشاكل النفسية.

فقد يتسبب الطلاق في حدوث اضطراب تكيف في الأطفال. كما أكدت الدراسات أن معدلات الاكتئاب والقلق أعلى في الأطفال المنفصلين آباءهم.

في حين أن الطفل قد يشعر في بداية الأمر بالضعف أو الحزن بشأن الطلاق، تشير الدراسات إلى أن أطفال الأسر الواقع فيها أمر الطلاق معرضون لخطر الإصابة بالاكتئاب. والأكثر إثارة للقلق.

كما تؤثر حالة الطلاق على علاقاتهم الاجتماعية، فقد يواجهون صراعات في علاقاتهم الخاصة، إذ أن الانقسام بين الوالدين قد يغير موقف الطفل تجاه العلاقات بشكل عام. وقد تكون أقل إثارة للدخول في علاقات طويلة الأمد وملتزمة.

والمرور بتجربة الطلاق في الأسرة يجعل خيار عدم تكوين أسرة خيارًا أوليًا لدى الطفل وقد يظهر له أن هناك العديد من البدائل لنماذج الأسرة. وقد يختارون المعاشرة فقط أي العيش معًا دون أن يكونوا متزوجين بدلًا من الزواج.

تأثير الطلاق على السلوك والأداء الأكاديمي

قد يعاني الأطفال من الأسر المطلقة من مشاكل سلوكية مثل اضطرابات السلوك، والانحراف، والسلوك الاندفاعي أكثر من الأطفال في الأسر المستقرة. بالإضافة إلى زيادة المشاكل السلوكية، قد يتعرض الأطفال أيضاً لمزيد من الصراع مع الأصدقاء بعد الطلاق.

أما عن الأداء الأكاديمي فالأطفال في الأسر غير المستقرة، لا يؤدون دائمًا بشكل جيد أكاديميًا، خاصةً إذا كان الطلاق مفاجئ وغير متوقع، في حين أن الأطفال من الأسر ذات الدلالات والمؤشرات التي تلوح بوقوع الطلاق، قد يكونون أفضل حالًا عن السابق ذكرهم.

قد يعاني الأطفال من الأسر المطلقة من مشاكل سلوكية مثل اضطرابات السلوك، والانحراف، والسلوك الاندفاعي أكثر من الأطفال في الأسر المستقرة. بالإضافة إلى زيادة المشاكل السلوكية، قد يتعرض الأطفال أيضاً لمزيد من الصراع مع الأصدقاء بعد الطلاق.

أما عن الأداء الأكاديمي فالأطفال في الأسر غير امستقرة، لا يؤدون دائمًا بشكل جيد أكاديميًا، خاصةً إذا كان الطلاق مفاجئ وغير متوقع، في حين أن الأطفال من الأسر ذات الدلالات والمؤشرات التي تلوح بوقوع الطلاق، قد يكونون أفضل حالًا عن السابق ذكرهم.

تعتبر تربية الأطفال أمرًا صعبة للغاية، لكنها مجزية جدًا. تذكر أن التربية ليست  أن تعلم طفلك فقط، بل تأكد من أنك تتصرف بالطريقة التي تتوقع أن يكون بها طفلك. من المستحيل أن تكون تمثل المثالية طوال الوقت، ولكن يمكنك أن تسعى دائمًا لأن تكون أفضل ما لديك عندما يتعلق الأمر بدورك في نمو الطفل. لا يوجد شخص مثالي ولا توجد عائلة مثالية.

ومع ذلك ، فإن معرفة مدى أهمية دور الأسرة في تنمية الأطفال أمر بالغ الأهمية. كوالدين، فأنتم أول معلمين لطفلكم. دوركم أكثر من كونه رعاية وتلبية طلبات ورغبات، معظم ما يتعلمه طفلك يحدث في المنزل مع عائلته. وعليك خلق بيئة يمكن فيها لطفلك أن يتعلم المهارات والقيم المناسبة وكذلك أن كيف ينشأ اجتماعيًا بشكل جيد وقوي، وأن يحصل على الأمن، كل ذلك يخلق أساسًا متينًا يمكن لطفلك  أن ينمو عليه.

المصادر

ncbi1

verywellfamily 2

ncbi3

ncbi4

ncbi5

كيف يتعلم الأطفال ضبط النفس؟

إن الحاجة إلى التحكم في الذات يُمكن أن يشعر البعض وكأنها مُضايقة في بعض الأحيان وشفقة أحيانًا أخرى، ولكن المهم والمطلوب هو تأثيرها القوي المذهل. يتعلق ضبط النفس بالقدرة على إدارة السلوكيات والعواطف للوصول إلى هدف طويل المدى.

لا يعني ذلك قطعًا أن الأطفال الذين يفتقرون إلى السيطرة على النفس، يفتقرون إلى الذكاء. أحيانًا يكون لدىأح الأفراد المتسرعون والذين يميلون إلى إلى المخاطرة نقاط قوة. وقد يصبحون مغامرين ومكتشفين وأصحاب مشاريع أو ربما مخترعين. لكن مع بعض المتاعب المتوقعة. وعلينا كأبوين أو رعاة مساعدتهم على إزالة العقبات والمتاعب من طريقهم قدرالإمكان، وتعلم الانضباط الذاتي وممارسة ضبط النفس هو أحد الأدوات السحرية في عملية التربية، لذا، يتساءل البالغون دائمًا: كيف يتعلم الأطفال ضبط النفس؟

ما هو الانضباط الذاتي لدى الأطفال؟

عُرف التحكم الذاتي بطرق عديدة مثل قوة الإرادة أو الانضباط الذاتي أو صوت الضمير الداخلي. لكن مهما كان تعريفك الخاص للانضباط الذاتي، فتظل وظيفة التحكم الذاتي هي القدرة على تنظيم نفسك وإدارة مهامك.

فالتحكم في الذات جزء من مجموعة من المهارات التي تسمح للأطفال والبالغين بإدارة أفكارهم وأفعالهم ومشاعرهم حتى يتمكنوا من إنجاز أمورهم، لذا يمنح الخبراء تلك المهارات سمة تنفيذية. فبالنسبة للأطفال، فإن تنظيم الجلوس، اللعب، مواعيد الوجبات والواجبات، وغيرها تنطوي على ممارسة التحكم والانضباط الذاتي بشكل مبسط، فهي مهارات تنمو مع الوقت.

وتقوم الرقابة الذاتية مباشرة على صنع القرار. فنقص السيطرة على النفس أثناء الطفولة المتمثل أكثر الأوقات في القليل من الطعام الممتع، أو وقت أكثر من المهام والواجبات المنزلية، مع القليل من نوبات الغضب. وعلى المدى القصي، قد تبدو الآثار المترتبة على هذه القرارات بسيطة إلى حد ما. ولكن أثناء مرحلة المراهقة، قد تكون عواقب سوء اتخاذ القرارات والافتقار إلى السيطرة على النفس وخيمة، سواء على المدى القصير أو الطويل.

ففي مرحلة المراهقة، تكون التجارب التي يتعرض إليها أطفالنا إلى حد كبير خارج أيدينا. هنا حيث يبدأون في اكتشاف من هم وأين وكيف يتلائمون مع العالم. ومستوى سيطرتهم على أنفسهم في هذه المرحلة من أهم الأمورالواجب عليهم ممارستها. لأنها ستلعب دورًا كبيرًا في اتخاذ قراراتهم وخوض تجاربهم، كذلك طريقة تطور دماغهم أثناء انتقالهم إلى مرحلة البلوغ. التحكم الذاتي في مرحلة الطفولة يؤدي إلى التحكم الذاتي في مرحلة المراهقة والذي بدوره يُهيئ دماغ طفلك للحياة.

كيف أصبح الانضباط الذاتي ضرورة؟

لقد حظيت دراسة نيوزيلندية  بإشادة دولية لضخامة بياناتها. إذ تابع الباحثون 1000 طفل منذ ولادتهم وحتى سن 32. فبدا الأطفال ذوو المستويات الأعلى من السيطرة على النفس في سن الخامسة كونهم أكثر عرضة “كبالغين” لأن يكونوا أكثر صحة وأكثر ثراء وأقل عرضة للإدمان أو الإدانة الجنائية.

من الناحية الدراسية، فإن للانضباط الذاتي أثر إيجابي على نتائج التعلم عمومًا، فهو العامل الرئيسي الذي يؤثر على المتعلم، إذا يسمح للمتعلم بتحقيق الأهداف الرئيسية.

ومن المعروف أن يميل عموم الأطفال إلى التمتع بمهارات ضعيفة في التنظيم الذاتي.

ولا يمكن إغفال وجود الكثير من التباين الفردي أيضًا. فبعض الأطفال لديهم المزيد من المشاكل في تنظيم أنفسهم، ويجدون صعوبة في ممارسة ذلك وتنظيمه.

ونعلم أن الكثير يعتمد على عمر الطفل. إذ يفتقر الأطفال الصغار إلى السيطرة الذاتية على الأطفال الأكبر سنًا. وتتطور السيطرة على النفس على مر السنين، مع حدوث بعض أكبر التغيرات بين سن 3 و 7 سنوات.

 وقد خلصت دراسة بارزة أجريت على مدى ثلاثة عقود إلى أن مستوى السيطرة على النفس لدى الأطفال البالغين من العمر خمس سنوات، هو أحد أكبر الأدلة على جودتهم الصحية والمالية، بالإضافة إلى نجاحهم كبالغين. ومعرفة كيفية زيادة السيطرة على النفس لدى الأطفال يمكن أن تساعدهم على السير على طريق يزدهرون ويتألقون فيه.

على الرغم من إشارة بعض الدراسات إلى أن الجينات تلعب دورًا في تشكيل تطور التنظيم الذاتي، إلا أنه يمكن أن يكون لدينا تأثير كبير على الطريقة التي يتصرف بها أطفالن ولكن، هل يستطيع الطفل مقاومة الإلهاءات؟ أيستطيع الإهتداء بالحافز الداخلي؟ هل يمكنه تأخير إشباع رغباته؟ أيمكنه رسم خططه المستقبلية والسير وفقًا لها؟

كيف نغرس ممارسة التنظيم الذاتي في سلوك الطفل؟

تؤكد الدراسات أن ذلك ممكن. يمكن بالفعل أن يستفيد الأطفال عندما نزيل أو نقلل الإغراءات والإلهاءات، وعندما نخلق بيئات تكافئ ضبط النفس. ويحتاج الأطفال أيضًا إلى رسائل تذكير في الوقت المناسب للبقاء على المسار الصحيح، ونصائح عملية ملموسة للبقاء على درب الدوافع، والتغلب على العقبات. وبصفتك الشخص البالغ أو المرشد في حياة طفلك، فإنك في وضع يسمح لك بتعزيز قدرتهم على النجاح وتحقيق العديد من الإنجازات في مرحلة البلوغ من خلال تعزيز قدرتهم على التحكم في الذات. فهل يمكن يمكن التدرج والوصول إلى الانضباط الذاتي عن طريق إزالة المشتتات والإلهاءات فقط؟ أم هو مسار يجب أن يسير فيه الطفل أيًا كانت المغريات؟ وكيف يمكن ذلك على أية حال؟

سنسرد لك بعض النقاط التي يمكنك من خلالها مساعدة طفلك على ممارسة تطوير التحكم في الذات:

  • اخلق الفرص لذلك دائمًا

اتاحة الفرص التي يتعين عليهم فيها أن يقرروا ما إذا كانوا سيمارسون السيطرة على أنفسهم أو يستسلمون للإغراء. مثال على ذلك، التصرف في الأموال وادخارها، مع إيضاح مستوى التقدم كل فترة.

  • وضع الحدود

توفر الحدود فرصًا لتعلم كيفية التنظيم الذاتي. فإذا لم تكن هناك حدود، إذًا من المستحيل تقريبا بالنسبة للطفل أن يعرف متى يحتاج إلى اللجوء إلى التحكم الذاتي. من المهم أن يعرفوا أين هي الحدود.

  • خلو البيئة المحيطة من الإجهاد قدر الإمكان

يعمل الإجهاد دائما على تعطيل المكابح العقلية، فالطفل في حالة التعب أو الإرهاق يفقد هدوءه، ويجد صعوبة في السيطرة على ذاته، كولي أمر عليك تقليل المشتتات ليسهل سيطرته على نفسه كطفل.

 وأشهر مثال على تلك الحالة هي المعركة القائمة بإستمرار أمام المحال التجارية أو محلات الألعاب، لا يمكنك إخفاء المحال من أمام أعينه، لكن يمكنك التحدث معه قبل الخروج، مؤكدًا له أنك متفهم أنه يريد شراء أشياء أو ألعاب لكن ليس هذا هو اليوم المناسب، وعليكما ترتيب تلك الأشياء وكتابتها سويًا في وقت لاحق، وهنا عليك الإلتزام بخطة زمنية للشراء. في تلك الحالة تكون قد جنبته الرغبة الحثيثة في الشراء هذا اليوم، وجنبته الارهاق النفسي في إقناعك بالشراء.

  • اترك له بعض المساحة

أنت أولًا وأخيرًا تتعامل مع طفل، يحب أن يشعر بالاستقلال وحرية الإرادة، فستجده لن يلتزم طول الوقت بخطه تضعها له، طالما الحدود موضوعة وواضحة، فلا قلق، فقط عدِد وضعه باستمرار في الواقف التي تُذكره بضرورة ضبط النفس والتحكم في الرغبات.

  • علمهم كيف يصرفون انتباههم (الصمود)

دائمًا ما يكون الانتظار قاسي جدًا على الأطفال، فهو يدفع الأطفال في التفكير المستمر فيما يريدون القيام به، لكن مهم جدًا تعويدهم الصمود والانتظار، وخلق المواقف لممارسة ذلك باستمرار، تعمد جعلهم يقومون بنشاط آخر بينما هم منغمسون في الانتظار، مع بعض المجهود الذهني.

  •  تعزيز وعيهم الذاتي

كلما زاد الوعي الذاتي لدى طفلك، كلما زادت سيطرته على سلوكه. ساعده على فهم الأشياء التي تميل إلى تقليل قدرته على ضبط النفس. استكشف قبله ما يحدث قبل أن يتخذ قرارات متهورة. ساعده يفهم نفسه بصدق وواقعية، هل هو يشعر بالتعب؟ هل هو إجهاد؟ أم جوع؟ ربما ملل أوقلق؟ دعه هو يجيب عن سؤاله لنفسه، فكلما زاد وعيه، كلما زاد تمكنه من الانصراف عن الأشياء التي تميل إلى إضعاف قدرته على ضبط النفس.

أخيرًا

من الطبيعي أن يحبط الأطفال أحيانًا، أو يندفعوا أحيانًا أخرى. سيجد كل طفل أسلوب لشق طريقة في العالم. وضبط النفس كبناء يُبنى بمرور الوقت، ولا هناك عجلة لهم لأن يصبحوا خبراء. فهي صفة يمكن تعزيزها مهما كانت أعمارهم. من البديهي أن يستغرق بناء الإنسان الصحي الواعي القوي وقتًا. كل ما عليك القيام به كمُرشد وموجه هو توفير الفرص التي سترعاهم بشكل جيد، وإرشادهم لكي يكونوا أفرادًا مميزين وناجحين لأنهم يستحقون منك أن تبذل المجهود لكي يُصبحوا كذلك.

المصـــــادر

pnas

ncbi

americanscientist

mackillop

kidshealth

sciencedirectassets

التبني تجربة اجتماعية أم تحدٍ تربوي؟

التبني هو علاقة يقوم فيها زوجان أو أسرة بالحصول على صلاحية انضمام طفلٍ لا يمكن لوالديه البيولوجيين تربيته لأي سبب. فيعتبر نقلًا قانونيًا لجميع حقوق الطفل إلى الزوجين أو الأسرة، ويتوجب على الوالدين المتبنيين الالتزام بحقوق الطفل، من رعاية كاملة وتربية، فيحصل على جميع الفوائد العاطفية والاجتماعية[1]. سنتناول في هذه المقالة لمحة تاريخية عن التبني، وسنحاول معرفة هل التبني تجربة اجتماعية أم تحدٍ تربوي؟

لمحة تاريخية عن التبني

يوجد مفهوم التبني في مختلف الثقافات والبلدان ويمكن أن نتتبعه حتى روما القديمة، حيث المنشأ، متتبعين رحلة تطوره قوميًا ثم دوليًا.

ظهرت الصورة الأولى لنظام التبني في القرن السادس. فحسب نصوص القانون الروماني Codex Justinianeus. فإنه يمكن للحاكم أو البطريرك أن يستعين بطفل من أسرة أخرى “نبيلة” في حالة احتمالية وفاته دون وريث”ذكر”. فكان هدفه تقليديًا هو مواصلة خط الذكور لأغراض الإرث والوراثة؛ وكان معظم المتبنين من الذكور. إذ تلجأ الأسرة الحاكمة لتبني طفل من أسرة ذات عدد كبير من الأطفال. فيتمتع هذا الطفل بكافة الحقوق التى قد يتمتع بها الطفل الحقيقي للأسرة في حال وجوده. كما يرث كباقي أفراد الأسرة الجديدة.

واستمر التبني في هذا السياق إلى حدود الإمبراطورية البيزنطية (330 إلى 1453) حتى أواخر العصور الوسطى (1300 إلى 1500) . ثم بدأت القوانين تتغير، إذ لم يسمح القانون الفرنسي بالتبني، كما حظر القانون الإيطالي والقانون العام الإنجليزي التبني حظرًا صريحًا. وذلك بسبب التحول في السياسية خلال تلك الفترة (فترة العصور الوسطى). إذ أُعيدت صياغة قوانين المواريث وأصبح الميراث قاصرًا على صِلات القرابة بالدم فقط. في محاولة للحفاظ على أعراق الأسر المالكة والتحكم في الثروات المملوكة لها.

في ذلك الوقت، كان هناك أطفال بحاجة للتبني، ومع حظر تبنى الأطفال، بدأ إيداع الأطفال فاقدي العائل في مبانٍ وطنية أو مراكز دينية. حيث اعتنى بهم مسؤولي الدير أو المؤسسة الدينية. وعندما يشتد عضد الطفل ويكبر، يقوم بالخدمة في هذا الدير أو المؤسسة التي تولت رعايته. ومع تزايد عدد الأطفال عديمي المأوى، بدأت الكنيسة في تنظيم الممارسة المؤدية إلى ظهور دور الأيتام الرسمية الأولى في أوروبا.

ثم توسعت مراكز الرعاية تلك بسرعة إلى خارج الكنيسة. وسرعان ما تم الزّج بالأطفال كقوة عاملة في القطاع العام والخاص دون النظر إلى حقوقهم من الدعم. ثم ولدت فكرة استعباد الكفلاء كفرصة لنقل الأطفال من دور الأيتام المزدحمة إلى كفالة أُسر تُعلم الطفل حرفة أو مهنة ليعول نفسه أو أسرته الكافلة. وغالبًا ما يتم إجبارهم على التلمذة الصناعية تلك حتى بلوغهم سن الرشد.

واستمر هذا الشكل من العبودية بإسم التبني حتى متصف القرن التاسع عشر. حين ظهر سياق أيديولوجي جديد وهو النظر في أهمية دور الجماعة في حياة الفرد. فبرزت أهمية رفاه الأطفال عديمي الأُسر، واعتبار التبني وسيلة لتعزيز مصلحة الطفل وتوفير مناخ أفضل لتنشئته.[2]

أول قانون للتبني

في عام 1851، صدر قانون ماساتشوستس لتبني الأطفال. والذي يقتضي بضرورة تأكد القاضي من حصول الوالدين المتبنيين على موافقة الوالدين البيولوجيين أو الوصي على الطفل. بالإضافة إلى ضرورة التأكد وإثبات القدرة والإمكانات الكافية لتربية الطفل المتبني بما في ذلك توفير فرصة التعليم المناسبة له. وتُترك الموافقة على قرار التبني للقاضي. مما جعل مسألة التبني إحدى شؤون الدولة وتتم تحت إشرافها. ويعتبر قانون ماساتشوستس هو أول قانون تبني يهدف إلى حماية حقوق الطفل.[3]

واستمرت فكرة التبني في النمو والتحور مرورًا بفكرة قطارات الأيتام وذلك نتيجة اكتظاظ دور الأيتام بالأطفال بعد أن أوقفت الحرب الأهلية حالات التبني. فجاء تشارلز لورينغ برايس، مدير جمعية نيويورك لمساعدة الأطفال بفكرة قطارات الأيتام، وهي فكرة قائمة على نقل الأطفال من المدن مثل نيويورك وبوستن إلى الغرب الأمريكي، لتتبناهم أُسر تقوم على رعايتهم وتشغيلهم في نفس الوقت. وقد كانت بعض تلك الأسر جيدة وصالحة بينما كان بعضها الآخر سيئًا وغير مُخول برعاية الطفل، إذ تعرضه لأسوأ معاملة.[4]

التبني دوليًا

بدأ تاريخ التبني الدولي بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية. إذ أُرسل الأطفال اليتامى من ألمانيا إلى الأسر في اليونان واليابان وحتى الولايات المتحدة. فكانت الأسر في الولايات المتحدة ترسل وكيلًا إلى المحكمة لإكمال إجراءات عملية التبني في بلد المنشأ للطفل. ولهذا وصفت بكونها “تبني بالوكالة”. وقد استمرت بل وتزايدت عمليات التبني تلك، خاصة في أعقاب الحروب الفيتنامية والكورية.

استمر”التبني بالوكالة” حتى عام 1955، حينما مارس هاري وبيرثا هولت الضغط على الكونجرس لتولي مسؤولية عمليات التبني المستجدة. فأُنشئت أول وكالة دولية للتبني باسم وكالة هولت الدولية لخدمات الأطفال. والتى ما تزال قائمة حتى اليوم.[5]

التبني حتى يومنا هذا

منذ الستينات، نما نشاط الوكالات في تحديد أو تصنيف الأطفال المنتظرين في دور الرعاية. فقد وصف بعضهم بأن لهم احتياجات خاصة بعد تشخيص إعاقة. أو صنّفوا حسب أعمارهم، أو تم وضعهم كمجموعات أخوية. وقد يصنفون حسب العرق أيضا. ومنذ تلك الفترة زاد قبول تبني الأطفال ذوي الرعاية الخاصة للإهتمام بتعليمهم. واستمرت عمليات التبني في التوسع والإزدياد، فعندما فتحت الصين أبوبها أمام فرص التبني عام 1992، ارتفعت أعداد حالات التبني إلى عنان السماء.[6]

وخلال عام 2004 (ذروة التبني الدولي) تمت 22.990 حالة تبني من بلد أجنبي إلى الولايات المتحدة. وخلال العام نفسه حدثت 45.288 حالة تبني في العالم كله. وقد اكتسب الأمر أهمية بالغة لضمان حق الطفل المُتبنى في التعليم، فقد نشأت اتفاقية لاهاي عام 1993 لتكفل حقوق الطفل المدفوعة والحرص على أخلاقية ومشروعية إجراءات التبني. خاصةً بعد إحاطة أكثر عمليات التبني الدولي بشائعات الفساد مما أدى إلى إغلاق بعض الدول أبوابها وقوانينها الباب في وجه عمليات التبني عامةً.[7]

الأبوة والأمومة سلوك يتسم بالتحدي لأطفال التبني

يواجه الآباء بالتبني معرفة ما الذي يدفع طفلهم إلى التصرف بالطريقة التي يتصرفون بها وما يمكنهم فعله لمساعدتهم على التعامل.

من المهم إدراك واستيعاب أن الصدمة النفسية التي عانى أو يعاني منها الطفل قبل أن ينضم لأسرتك يمكن أن تظهر في سلوكه، مستواه التحصيلي،.. فلابد من استيعابها وتسلحك بالموارد المناسبة للتعامل مع الطفل وتهذيبه ودعمه. ولتعلم أن مرحلة انتقال الطفل إلى منزلك ليست النهاية، وأنها مرحلة خطرة لابد من الاستعداد المناسب لها. فمن المهم إدراك تلك الحقيقة الصعبة. فبناء المهارات للوالدين مهمة ليست سهلة وعلينا أن نقوم بالعمل لمعرفة ما يحتاج إليه طفلنا كي ينجح، كما نحتاج أيضًا إلى معرفة ما يجري داخلنا والذي قد يحوُل دون نجاح الطفل في بيوتنا.

علي مدى سنتين، أجريت دراسة على بعض الأطفال المُتبنين مؤخرًا من مؤسسات الرعاية، يظهر الأطفال تحسنًا كبيرًا لكن غير كامل من ناحية معالم النمو. فقد بُنيت الدراسة على الفحص البدني وتقييم كفاءة عمل الغدد ونمو العظام، كذلك الاختبارات المعرفية العصبية، والفحوصات السلوكية. خلصت الدراسة إلى أن الأطفال يعانون من عجز وخلل في النمو المعرفي مع تحسن الضوابط والمؤثرات. فالتماسك الأسري وإتاحة فرصة التعبير عن الذات عاملان مهمان للتطور السلوكي المعرفي، ويطوران مشاكل سلوكية أقل. والعكس، فالتنازع الأسري وزيادة فرض القواعد والتقييد يطوران خللا معرفيا وسلوكيا.[8]

إذ تؤدي البيئة الأسرية المتماسكة إلى تخفيف حدة المحن والخبرات القاسية السابقة لدي الأطفال الصغار. بينما تركز النزاعات الأسرية على تذكر الشدائد السابقة.

 وتؤثر عوامل أخرى كثيرة على نمو الطفل. فهناك عاملان يشيعان عند آباء الأطفال الحاضنين أو المتبنين هما الصدمة وتأخر النمو. فكما ذكرنا سابقًا فإن سوء الأحوال الأسرية هو مجرد مثير للصدمة التي تعرض لها الطفل سابقًا. والتأخيرات في النمو يمكن أحيانًا أن تكون سابقة أو تتعايش مع الصدمات الناجمة عن الإساءة أو الإهمال التي تعرض لها أطفالنا.

المسائل السلوكية والعاطفية في الأطفال المتبنين

إن الأطفال المتبنين لديهم سلوكيات واحتياجات فردية كمثل الأطفال الطبيعيين، بل قد تتطلب السلوكيات التي طورت وتشكلت في الحياة المؤسسية أو دور الرعاية، بالإضافة إلى تلك التي تنتج عن اضطراب كبير في الحياة أو نتيجة التعرض إلى صدمة، اهتمامًا خاصًا. والأسرة المتبنية هي المسؤولة عن تولي مهام التربية والتهذيب والتطوير، والأخذ في الاعتبار أن المعاملة المناسبة للطفل المتبني ذو التاريخ المختلف من الخبرات والصدمات قد تكون مختلفة عن المعاملة المناسبة للأطفال البيولوجيين، إنه حقًا تحدٍ كبير!

قد يكون للأطفال المتبنيين مشاكل سلوكية مثل نوبات الغضب العنيفة أو التحفيز الذاتي الحسي في أوقات التوتر أو الإثارة، وقد يمتثلون أيضًا لسلوكيات مُعارضة أو عدوانية أو اكتئاب  أو قلق.

كما قد تؤثر الاختلافات الثقافية أيضًا على سلوك الطفل بطرق لا يسهل على الأسرة إدراكها. كما قد يصعب على الأطفال الجدد في الأسرة (المتبنون) فهم عواطف الآخرين مما يتسبب في حدوث فجوة اجتماعية. من الممكن أيضًا أن تتعارض السلوكيات السابق تطورها ( في دور الرعاية) مع السلوكيات الجديدة المرغوبة أو غير اللائقة في الأسرة. لعل أحد أهم المعضلات هو التعلق، التعلق وتنمية الثقة بين الطفل وأفراد الأسرة، والأسرة كلها ككيان. والسنوات القليلة الأولى في حياة الفرد هي الأضعف والأنسب لتطور التعلق، فيعتبر زرع الثقة والأمان في نفس الطفل تحديا كبيرا، يولد النجاح فيه التعلق ونمو الإحساس بالإنتماء لدى الطفل.[9]

التبني والصحة العقلية

تبين بعض الدراسات التي أجرتها الولايات المتحدة أن الأطفال المتبنين معرضون لمشاكل عاطفية وسلوكية أكثر من الأطفال غير المتبنين.

وعندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين التبني والصحة العقلية، فالمعرفة هي القوة. وبوصفك أحد الوالدين، فإن مجرد إدراك أن طفلك قد يتعرض لواحدة أو أكثر من أي مشاكل قد تؤثر على صحته العقلية يشكل خطوة أولى هامة. ولأن الأطفال غير قادرين عادة على التعبير أو حتى تحديد ما يشعرون به، فمن غير المرجح أن يطلبوا المساعدة. من خلال تثقيف نفسك عن المشاعر التي يعيشها المتبنون نتيجة تبنيهم، يمكنك توفير دعم أفضل يحتاج إليه طفلك.

عادة ما يحتاج الطفل الذي يصارع أي اضطراب اكتئابي أو قلق أو سلوك إلى خطة علاج متعددة الأوجه لمعالجة السلوك و الوصول للاستقرار العاطفي في المنزل وفي المدرسة وفي البيئة الاجتماعية. اعتمادًا على عوامل مثل عمر الطفل وشدة الاضطراب، قد يشمل العلاج شكلًا من أشكال العلاج التفاعلي مثل الفن أو المغامرة أو الموسيقى أو اللعب. هذه العلاجات يمكن أن تساعد في التواصل مع مشاعرالطفل وتعلمه السلوكيات الإيجابية. وبينما تتابع العلاج لطفلك، لا تهمل بقية العائلة. فالمرض العقلي هو مرض يصيب كل شخص في المنزل. والواقع أن متلازمة الاكتئاب بعد التبني هي حالة معروفة لدى الآباء الذين تبنوا طفلاً مؤخراً. الأعراض مشابهة للاكتئاب بعد الولادة في الآباء والأمهات.[10]

المصادر

[1]adoption

[2]adoption

[3]britannica

[4]socialwelfare

[5]uoregon

[6]brandeis

[7]brandeis

[8]ncbi

[9]chop

[10]evidence

الأبوة والأمومة والعلم

توقع طفل جديد هو حالة من الفرح والإثارة العظيمة، لكنها تُمثل بعض القلق للآباء والأمهات. فتحمل الشهور التسع للحمل الكثير من مشاعر القلق والرهبة والخوف من فكرة تحمل مسئولية رعاية وتربية و تنشئة فرد جديد. لنعتبر أن تلك الفترة فرصة لنمو طفلك الأول، وفرصة لتمنحك وقتًا لإعداد نفسك وحياتك لواحد من أكبر التغيرات و الاضطرابات التى قد تواجهها على الإطلاق. فلنبدأ بوضع الأبوة والأمومة في ميزان العلم حتى نُلم بأهم المؤثرات التي تؤثر على عملية التنشئة من حيث كونها بيئية أم جينية؟

العلوم والأبوة والأمومة

يمكن أن يبدو العلم والأبوة والأمومة وكأنهما عالمان منفصلان، ولكن من خلال بعض الملاحظات الدقيقة، يمكن للمرء أن يكتشف أن هناك الكثير من أوجه التشابه.  فكر في الأمر، العلم يدورحول الاستجواب و الإثبات والتحليل وحل الشكوك والمجهول في الحياة. ولا يوجد هناك تجربة تمتلىء بالشكوك والأمور المجهولة كما الأبوة والأمومة. فيمكن للعلم أن يساعد في إعداد الآباء لهذا التغيير الكبير في الحياة، حتى يتمكنوا من تجربة المزيد من المتعة في تلك العملية وتقليل الضغط، كما يمكنه المساعدة في كيفية الاستعداد عاطفيًا لطفل جديد، وكيفية مساعدة الأشقاء الأكبر سنًا على التكيف مع أخ أو أخت جديدة، وأكثر من ذلك.

التنشئة مقابل الطبيعة

عبر مجموعة واسعة من الدراسات، غالبًا ما يستنتج الباحثون أن البيئة المنزلية وتربية الأطفال مرتبطة ارتباطا سببيًا. في المقابل، تظهر الدراسات الجينية السلوكية أن الآباء يؤثرون على أطفالهم من خلال تزويدهم بالبيئة والجينات، مما يعني أن البيئة التي يوفرها الآباء لا ينبغي اعتبارها في غياب التأثيرات الوراثية، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات خاطئة حول السببية.

فمعظم الآباء يقضون ساعات متباينة في اتخاذ القرارات بشأن البيئة التي يوفرونها لأطفالهم. الأدب العلمي يعكس هذه الفكرة. عبر مجموعة واسعة من الدراسات من العديد من المجالات النفسية، كثيرًا ما يستنتج الباحثون أن الآباء والأمهات في البيئة يقدمون نتائج الأطفال مرتبطة سببيًا، من خلال الانتقال البيئي. فعلى سبيل المثال، لفت انتباهنا في دراسة أجريت لفحص ارتباط وجود مكتبة منزلية كمراهقة ولاحقا للبالغين في مجال الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والمهارات التكنولوجية.

واستخدمت هذه الدراسة مجموعة بيانات غنية للغاية ومزودة بالطاقة، ووجدت ارتباطاً بين عدد الكتب في بيوت المراهقين وأداء محو الأمية في مرحلة البلوغ. وخلصوا إلى أن “النمو مع المكتبات المنزلية يعزز مهارات الكبار”، مما يستنتج وجود صلة سببية. وهنا نناقش كيف أن العلاقة المتبادلة بين البيئات التي يوفرها الآباء، و “بيئة التنشئة” ونتائج أطفالهم قد تكون ناجمة تمامًا عن ارتباط سببي، أو أكثر أهمية، قد تكون ناجمة جزئيًا أو كليًا أيضًا عن خلط وراثي، وبعد تسليط الضوء على المشكلة، يقترح العلم سبلاً تُمكن علماء علم النفس من دراسة المسائل البحثية المتصلة ببيئة تربية الأطفال ونتائج الأطفال بطرق تفسرأو على الأقل تعترف  بالخلط الجيني.

السيطرة الجينية والتعرض للبيئة

علم الوراثة السلوكي

علم الوراثة السلوكي هو دراسة الاختلافات النفسية بين الأفراد وكيفية خلق العوامل الوراثية وغير الوراثية لتلك الاختلافات.  سعى الباحثون في علم الوراثة السلوكي إلى تحديد مدى إمكانية تفسير مختلف الاختلافات المحددة في سلوكيات الناس وصفاتهم بالاختلافات في شفرتهم الوراثية. فيرسم المسار من جينات المرء إلى الشخص في الواقع.  فالمزيد من العلم حول قوة الجينات له تأثيرات على فهم الأمراض العقلية والاختلافات النفسية بين الأفراد، فضلاً عن الآثار النفسية للعوامل غير الجينية.

تظهر عقود من العمل من علم الوراثة السلوكي أن سمات الأطفال تتأثر بالتأثيرات الوراثية والبيئية، والأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لمعظمها هو أن التأثيرات الجينية كثيرًا ما ينظر إليها على أنها مقاييس البيئة، مما يشير إلى أن السياقات المحيطة بالأطفال تقع جزئيا تحت السيطرة الجينية. فعلى سبيل المثال ، وجد التحليل الفوقي وجود دعم تراكمي للتأثيرات الجينية على الأطفال الذين تلقوا تعليمهم، بمعنى أن هناك تأثير وراثي على التعرض للبيئات  تسمى العلاقة بين الجينات والبيئة. ويصف الترابط بين الجينات والبيئة  بالعملية التي يؤثر بها النموذج الجيني للشخص على تعرضه للبيئة.

ليست الحالة أن الجينات تفعل ذلك مباشرة، ولكن بدلًا من ذلك تصبح النماذج الجينية مهمة لجوانب من شخصيتنا، سلوكنا وإدراكنا، والتي بعد ذلك تؤثر على كيفية تفاعلنا مع بيئتنا وكيفية تفاعل الآخرين معنا. ولا يقتصر مفهوم تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به عن قصد وديناميكية على علم الوراثة السلوكي.

علم الوراثة والسلوك

قد يبدو واضحًا أن الجينات التي يرثها الناس من والديهم ويشاركونها مع أشقائهم لها تأثير على السلوك والمزاج. وكثيرًا ما يكون الأفراد أكثر تشابهًا في طائفة متنوعة من الطرق لأفراد الأسرة المباشرين من الأفراد الأبعد منهم، أو غير الأقارب. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من الاختلافات الملحوظة داخل الأسرأيضًا. وقد استخدم العلماء مجموعة من الأساليب للتدقيق في كيفية ومدى تفسير الاختلافات الوراثية للاختلافات النفسية.

الجينات والسلوك

يستخدم العلماء أساليب متخصصة لاستكشاف الروابط بين الجينات  والفروق الفردية. الدراسات التي أجريت على التوائم الذين إما لديهم جينومات متطابقة أو لا لديهم تسمح بتقديرات درجة تحريك الجينات للتباين في الصفات النفسية. كما استخدمت أساليب أخرى مثل دراسة الأطفال المتبنين وآبائهم بالتبني أو بيولوجيًا. برزت دراسات الارتباط على نطاق الجينوم كنهج رئيسي في علم الوراثة السلوكي. يستخدم نظام المعلومات الجغرافية الاختبارات الجينية لتحديد العديد من الاختلافات الجينية بين العديد من الأفراد. ثم تحليل الارتباط بين هذه الاختلافات وسمات الشخصية أو النتائج الأخرى.

العلاقة بين الجينات والبيئة

على وجه التحديد، هناك ثلاثة أنواع من العلاقات بين الجينات والبيئة التي يمكن أن تؤدي إلى التشابك الجيني:\

أولا- الارتباط الجيني – البيئي السلبي

يصف هذا الارتباط بين النمط الجيني الذي يرثه الطفل من والديه والبيئة التي يربي فيها الطفل. وهناك طريقة أخرى للتفكير في ذلك، وهي أن الجينات هي متغير ثالث يؤثر على كل من بيئة التنشئة التي يتلقاها الطفل فضلًا عن صفاته الخاصة، عن طريق انتقال الجينات من الآباء إلى الأطفال. وهذا يعني أنه لا يمكن استخلاص استنتاجات سببية بين بيئة التربية وسمات الأطفال.

ثانياً-  الترابط الجيني – البيئي

وهو عندما تقوم سمة الشخص المؤثر وراثيًا بتحفيز أو إثارة استجابة محددة من الآخرين في البيئة. على سبيل المثال، وُجد أن جينات الشخص ترتبط بتقييمها على أنها -أكثر حبًا- من قبل الآخرين، مما يعني أن كيف يُنظر إليك الآخرون كشريك اجتماعي، ومن ثم التفاعل المحتمل معك، تتأثر بجيناتك!

ثالثا- الارتباط النشط بين الجينات والبيئة

وهو ارتباط صفات الشخص المؤثرة وراثيًا والبيئات التي تختارها، فعلى سبيل المثال، ترتبط سمة الشخصية المؤثرة وراثيًا في التنشئة الاجتماعية، التي تقاس في مرحلة الطفولة بالتعرض لبيئات محفوفة بالمخاطر. قد تصل إلى تعاطي المواد المخدرة في مرحلة المراهقة، إذ أن الأطفال ذوي التنشئة الاجتماعية المنخفضة يتعرضون لبيئات أكثر خطورة.

إن الثلاث أنواع لديهم القدرة على سحب المزيج الحقيقي من التأثيرات الجينية والبيئية التي تنتقل بين الآباء والأطفال (أي التشابك الجيني) ولكن من المفهوم أن الترابط بين الجينات والبيئة السلبية له تأثير أكبر في الطفولة.

اللغة مثالًا

فلنأخذ اللغة مثالًا، لتعلم لغة، يحتاج الرضيع إلى جينوم بشري واضح يجعلهم قادرين على لتعلم لغة بشرية، ولكنها تحتاج أيضا إلى التعرض لها. إلى الكلمات والجمل في بيئتهم .الحيوانات غير البشرية مثل الخنازير أو السناجب لن تتعلم اللغة أبدًا مهما تحدثنا معهم. وعلى نفس المنوال، الأطفال البشر الذين لا يتعرضون إلى اللغة في وقت مبكر من الحياة ينتهي بإعاقة عميقة. حتى العمليات البيولوجية الأساسية جدًا، مثل كيف تتطور العين في مرحلة الطفولة؟ تنطوي على تفاعلات معقدة بين الجينات والبيئة.

حتى وإن جادل بعض العلماء بأن اللغة قد تنشأ بالكامل بدون جينات أو بالكامل بدون مدخلات بيئية. فإننا قد نطرح سؤالًا أكثر حدة وتحديدًا، ما السبب في اختلافنا؟ نحن نختلف في الطول، نحن أيضًا نختلف في مقدار حديثنا، نختلف في شخصيتنا، نختلف في سرعة تعلمنا  وسرعة تأثرنا.

والسؤال  هنا هو ما هو السبب في هذا التباين؟ لماذا يميل البعض إلى التحدث كثيرًا والبعض الآخر لا يتحدث بنفس القدر؟

لماذا بعض الناس أكثر عنفًا وأكثر عرضة للغضب ؟ لماذا بعضنا أفضل في الرياضيات أو العلوم أو العزف على الجيتار؟

الإجابة بكل وضوح هي أن في كل شخص، تلعب كل من الجينات والبيئة دورًا في تطوير سماته.

وحتى عند الوصول إلى تلك الأرضية من الحقيقة، لا يزال بوسعنا أن نتساءل عما إذا كانت هناك اختلافات بين الناس بسبب الاختلافات الوراثية بينهم أو بسبب تجارب مختلفة كان لديهم. وكذلك الاختلافات بين الناس  فيما يتعلق ببعض السمات،

يعزى ذلك أساسًا إلى الاختلافات في علم الوراثة، أو أنها ترجع في المقام الأول إلى تجاربنا  المختلفة في الحياة؟

هذا السؤال هو الأكثر منطقية، فعلى سبيل المثال، سواء كنا نتكلم الفرنسية أو الإنجليزية نسبة 100 في المائة تحددها الاختلافات هي الخبرة و0 في المائة حسب الاختلافات في الجينات. ومن ناحية أخرى نعرف أن سمات مثل الذكاء أو العدوانية أو العصبية غير ممكنة بدون الجينات والتعرض لخبرات في العالم الخارجي. فاتضح أنه يمكننا دراسة ما يسبب الاختلافات بين الناس ولماذا بعض الناس أكثر عصبية أو عدوانية من الآخرين. عن طريق أساليب قوية طُورت من قِبل علماء الوراثة السلوكية.

وأخيرًا، هل يمكن للجينات أن تتنبأ بسلوك الشخص المستقبلي؟

ونظراً لأن علم الوراثة لا يشكل سوى جزء من الفروق النفسية بين الناس، فإن الاختبار الجيني لن يكون قادراً أبدًا على التنبؤ بسلوك الفرد. لكن يأمل بعض الباحثين في أن تعمل درجات المخاطر الجينية-PRS والتي توفر معلومات عن احتمالات حدوث نتائج معينة (مثل تطوير اضطراب عقلي) استنادًا إلى العديد من الاختلافات الجينية الصغيرة،  كأداة مفيدة لتقييم المخاطر في المجالات النفسية. إلا أن القدرة التنبؤية لهذه الدرجات محدودة حاليًا. وهناك قيود أخرى تدفع باحثين آخرين إلى التساؤل عن مدى فعاليتها في نهاية المطاف في التنبؤ بالنتائج النفسية.

المصادر

theguardian

cdc

nature

psychologytoday

فيثاغورس بين التصوف والعلم والفلسفة

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة مدخل إلى فلسفة ما قبل سقراط

يمثل فيثاغورس المثلث الإشكالي في الفلسفة الإغريقية، لكونه يجمع الأنداد في صيغة موحدة، لا في طرحه إنما في شخصه أيضًا. بدأت الفلسفة وهي ترسم تخوم العداء والصراع مع النظرة الدينية في آغورا التي ترى العالم كهبة إلهية. والعلم أيضًا وهو في طوره الجيني اختار لنفسه طريقًا غريبًا عن المقترب الديني في التفسير. بيد أن فيثاغورس يشق طريقه في الجهة الجامعة بين التصوف والعلم والفلسفة، إذ أن الاضداد تقول بعضها على النغم الكوني. في هذا المقال سنسلط الضوء على فيثاغورس الشخص والفيلسوف والعالم.

سيرة فيثاغورس

ولد فيثاغورس حوالي عام 570 ق.م. في صيدا (فينيقيا)، يُقال أنه منذ البداية اقتنع الناس بأنه ابن الإله لجماله ولذكاءه. بعد ظهور الطاغية بوليقراط ترك البلاد نحو الملطية حيث هناك طاليس وأناكسيماندر وأناكسيمانس. اعجب به طاليس وحثه على الإبحار إلى مصر للاختلاط مع الكهنة  حيث سيحصل منهم على كل ما يجعل منه حكيمًا في عيون أكثرية البشر(1). وفقًا لـيميلخا تواصل فياغورس في مصر مع الكهنة واختلط مع الأنبياء هناك.

بعد مضي اثنين وعشرين عامًا يحتل الملك الفارسي قمبيز مصر فيرحل فيثاغورس نحو بلاد ما بين النهرين ويسكن في بابل اثني عشر عامًا، وهناك يتعرف على العلوم الدينية ويخالط المجوس كما يستوعب قضايا الحساب والموسيقى.

يعود إلى ساموس وهو في السادسة والخمسين غير أنه لا يجد من يفهمه سوى فتى يتخذه فيثاغورس في البداية خادمًا. بسبب الموقف الاحتقاري من أهل ساموس يرحل إلى إيطاليا، أي اليونان الكبرى.

قام فيثاغورس بتأسيس أخوية صوفية في مدينة كروتون وهناك يبدأ الناس في التعرف على هذا المعلم الجديد الذي سيعلمهم كيفية الوصول إلى السعادة. مجده الناس كثيرًا وادرجوه في عداد الآلهة وبصفته نصف إله يحب البشر(2).

بعد سنوات تتعرض الأخوية إلى القمع والاضطهاد من قبل السلطات، فتمت إبادة الفيثاغوريين جميعًا ولم يسلم منهم إلا عدد قليل ليموتوا في النهاية من القهر والأسى.

مفهوم الفلسفة عند فيثاغورس

إن مفهوم الفلسفة في زمن الفلاسفة الأوائل كان مفهومًا وظيفيًا على الأكثر، إذ أن القصد من التفلسف كان بلوغ السعادة الإنسانية بمعناها الواسع. يُعتقد أن فيثاغورس هو أول من أطلق على نفسه لقب الفيلسوف، والفيلسوف هو من يتأمل في كل ما هو جميل. ومعنى “الجميل” عند فيثاغورس لا يقتصر على الجانب الظاهر والمحسوس من الموجود، بل يشمل السبب الذي أوجده أي الله وجوهره وتناسقه مع باقي الموجودات في الحدود الكونية. (3)

كما أن التربية تدخل في الاهتمام الفلسفي عند فيثاغورس؛ ذلك لأن التربية هي التي تحدد الطبيعة الإنسانية وتصقلها بروح نقية. إن الفلسفة إذن هي التأمل في الجميل وتقويم طبيعة البشر.

الأخلاق عند فيثاغورس

كانت الأخلاقيات الفيثاغورية متأثرة بالعقلية الأورفية؛ لم يفلسف فيثاغورس الأخلاق نفسها بل وضع قائمة من النصائح والمحرمات. لهذا يمكن القول بأنه فضلًا عن التأثير الأورفي كان قد تأثر بالروحانيات الشرقية، فهو أقرب إلى نبي في هذه المسألة. من المبادئ المهمة عند فيثاغورس:

  1. عند الأصدقاء كل شيء مشترك.
  2. تهذيب الجسد والابتعاد عن الشهوات.
  3. الفكر الحر.
  4. تعلم الصمت.
  5. احترام الكبار والخالدين لأن رأيهم هو الأصلح.

تصور فيثاغورس الكون على أنه كائن حي يتنفس وأن الكائنات قد انفصلت من هذا الكون/الكل وتلوثت بالوجود المجزأ. فهدف فيثاغورس إذن هو أن يقرب الكائن الإنساني من هذا الكل، طالما وجوده يمثل اغترابًا، من خلال الممارسة الروحانية (4).

التربية عند فيثاغورس

وفقًا لفيثاغورس، لا يختلف البشر عن الحيوانات، والإغريق عن البرابرة، والمولودون أحرارًا عن العبيد والفلاسفة عن المجدفين إلا في شيء واحد وهو التربية(5). إن عملية التربية هي ممارسة عقلانية للوصول إلى الرحم الأولي حيث التناسق. والتربية الجيدة لا تتحقق من خلال نظام الفرض والعقوبة إنما التعزيز المستمر. كما أن فيثاغورس أشار إلى البيئة المناسبة لنجاح العملية التربوية. ومن الجدير بالإشارة هو أن الأخوية الفيثاغورية كانت تخضع الشخص لاختبارات تستمر للسنوات ليتأكدوا بأنه يستحق العضوية(4).

الموسيقى وفق الفيثاغورسية

إن فكرة التناغم أو التناسق تعد فكرة رئيسة في فلسفة فيثاغورس، فهذا التناغم هو الذي يبقي الكون في حالة وجود. قال فيثاغورس بوجود الانسجام الشامل والغناء المتناغم للمجالات السماوية والكواكب المتحركة فوقها، وأن أغانيها لها دوي أقوى ونقاء أجلى من أي أغنية أبدعها البشر. (6).

لذلك أدخل الموسيقى في المجال الأخلاقي، حيث يمكن بواسطة أنغام وألحان وإيقاعات جميلة شفاء الأخلاق والطباع والشهوات البشرية واستعادة حالة التوازن الأولى. (7).

الهندسة الكونية

بينما ذهب فلاسفة الميليت (ملطية) إلى تحديد العنصر الأولي الذي منه جاء كل شيء، قام فيثاغورس بمقاربة مختلفة كل الاخلاف. اعتقد بأن عناصر الأعداد هي عناصر الأشياء وأن العالم عدد، لكن الأعداد كهندسة لا حساب. فالعالم في الحقيقة وفي جوهره إنما هو أشكال هندسية، وهذه الطبيعة الهندسية أهم من الماء والهواء…إلخ ( (8

المصادر:

  1. يمليخا، فيثاغورس حياته وفلسفته، ترجمة زياد الملا، ص18.
  2. نفس المصدر، ص30.
  3. https://plato.stanford.edu/entries/pythagoras/
  4. https://apeironcentre.org/the-pythagorean-way-of-life/
  5. يلميخا، مصدر سابق، ص41.
  6. نفس المصدر، ص58-59.
  7. https://courses.lumenlearning.com/musicappreciation_with_theory/chapter/pythagoras/
  8. عزت قرني، الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، ص31.

الذكورة والأنوثة، صفات مكتسبة أم تصنيف بيولوجي؟

إن التنشئة الاجتماعية بين الجنسين هي العملية التي يتم من خلالها توعيه الجنسين بمسؤوليتهما المنفصلة، بعبارة أخرى هو تعلم التوقعات الاجتماعية التي تخص جنسًا معينًا. هناك العديد من التعريفات والتفسيرات التي قدمها علماء الاجتماع لتسليط الضوء على جوانب التنشئة الاجتماعية بين الجنسين وتعريف ماهي الذكورة والأنوثة. فما هي أهم العوامل التي تؤثر في توزيع الأدوار؟ وما مدي تأثير كلا من التنوع البيولوجي وتقاليد المجتمع في فرض الدور الاجتماعي للفرد؟

الجنس من المنظور الاجتماعي

الجنس والهوية أمران حاسمان في تحديد أدوار الفرد في المجتمع، يخلق تصور المجتمع والقوالب النمطية حول النوع الاجتماعي حاجة للتوافق مع المعايير الجنسانية التي يمليها المجتمع. فأدوار الجنسين والصور النمطية تجعل الأطفال في سن مبكرة يعرضون السلوك المناسب للجنس كما تُمليه الأعراف الثقافية.

فهم الجنس: التحليل النفسي للجنس

ينظر علماء النفس إلى الجنس على أنه شرط أن يكون الفرد ذكرًا أو أنثى. في السياق الإنساني، يعكس التمييز بين الجنسين استخدام هذه المصطلحات، فهو يشير عادةً إلى الجوانب البيولوجية للذكور أو الإناث. كما يشير إلى الجوانب النفسية والسلوكية والاجتماعية والثقافية لكونك ذكرًا أو أنثى. فالجنس هو جانب أساسي لاستكشاف الهوية الاجتماعية، فهو يحدد على الأغلب أدوار وتوقعات الفرد في بنيات المجتمع الموجودة مسبقًا.

ولفهم علم نفس الجنس وتأثيراته على الهوية الشخصية والداخلية للفرد؛ طور علماء النفس عِدة نظريات حول الجنس البيولوجي والجنس الاجتماعي والثقافي. والتي تهدف إلى فهم تشكيل وتطوير أداء الجنسين وتفسيرات الفروق بينمها. كذلك التحيزات والتوافق والقوالب النمطية.

ستتناول المقالة التالية إحدى أهم الأعمال البحثية حول علاقة التباين الجنسي وأدوار العمل في المجتمع وهي رواية (الجنس والمزاج قي ثلاث مجتمعات بدائية- Sex and temperament in three primitive societies). والتي تطرح سؤالاً في غاية الأهمية: هل الذكورة والأنوثة صفات مكتسبة أكثر من كونها تصنيفات بيولوجية؟

مارجريت ميد – الجنس والمزاج في ثلاث مجتمعات بدائية

مارجريت ميد- Margaret Mead، عالمة الأنثروبولوجيا الثقافية، تمكنت من تحقيق عملٍ رائد من خلال كونها من أوائل الأفراد الذين أثبتوا أهمية تمايز الثقافات وتأثير ذلك على السلوكيات والمزاجات الفردية. فقد ربطت ميد هذه الجوانب بالجنس، وألفت ما يصل الى 20 كتابًا بناءًا  على أبحاثها.

تتناول روايتها، الجنس والمزاج في ثلاث مجتمعات بدائية التي صدرت عام 1935 مظاهر الدور الاجتماعي في ثلاث قبائل في أجزاء مختلفة من غينيا الجديدة. قررت ميد أن تستكشف حياة القبائل الثلات: أرابيش– Arapedh، مندوجومورMundugumor، تشامبوليTchambuli طوال رحلة حياة الأفراد هناك من الطفولة حتى البلوغ.

فتتحدى الرواية المفاهيم التقليدية المتعلقة بمعنى الأنوثة والذكورة. ذلك من خلال تحديد التباين في أدوار الجنسين الموجودة في جميع الثقافات في العالم. كما تُثير روايتها هذه النقاش الكلاسيكي حول “الطبيعية مقابل التنشئة” والتفاعل الحاصل بين الإثنين في تحديد الاختلافات بين الرجال والنساء.

لخصت مارجريت ميد عِدة ملاحظات أساسية تساعدنا في فهم كيف أن التنوع أو التقسيم الجنسي التقليدي للعمل على أساس أدوار الجنسين، يتم تقسيمه بالكامل من قِبل المجتمع الذي نعيش فيه اليوم وليس له علاقة ببيولوجياتنا.

1- قبيلة أرابيش- Arapesh

بالنسبة لقبيلة أرابيش، خَلُصَت الملاحظات التى قدمتها ميد إلى أن الأفراد الذين ينتمون إلى هذه الجماعة كانوا من عشاق السلام، ليس لديهم وعي بمفاهيم مثل “الحرب” و “الاعتداء” و”اللجوء للحرب وأدواته”. أدى هذا الميل نحو السلام  وغياب مفهوم الحرب إلى نشوء مجتمع بلا مناصب قيادية، فكلهم مسئولون ويستمتعون بالعديد من الأنشطة الترفيهية مثل البستنة والصيد. بالإضافة إلى الأنشطة التى تقع في جُعبة مهام الأم كتربية الأطفال والعناية بهم، يتشاركها الرجال والنساء سويًا في تناغم قوي. فإن أهم ما يميز ويهتم به أفراد هذه القبيلة هو اللين واللطف، فهي صفة أساسية.

من ناحية الدور الجنسي، فكما ذكرنا، تنسج القبيلة المساواة في تقسيم العمل بين الرجال والنساء. إذ أن هناك مشاركة لكلا الجنسين- ذكورًا وإناثًا- فيما يُسمى بـ ” الأدوار الأمومية” مثل تربية الأطفال. فتربية الأطفال كانت مهمة الأب والأم حد على حد سواء. يتم أداؤها بإخلاص. توصلت ميد إلى أن أرابيش في الغالب أمومية في جوانبها الذكورية، أنثوية في جوانبها الاجتماعية.

2- قبيلة موندوجومور- Mondugumor

تميزت قبيلة موندوجومور بشكل حاد مع أرابيش، بسبب الصفات التي يمتلكونها. السمة البارزة لهذه القبيلة هي نظام “التجارة”، الذي يتفرع داخل الهياكل الاجتماعية للأسرة. بمعنى أن رجال الأسرة سواء كانوا آباءًا أو أبناء، لهم الحق في التجارة بالنساء مقابل زوجة أخرى وهكذا. إذ يمكن للأب أن يتاجر بالبنت أو الأخت. ويمكن للإبن أن يتاجر بالأخت مقابل الزوجة،.. ونتيجة لذلك، ساد شعور بالتنافس والعداء بين الأب والابن. علاوة على ذلك، غالبًا ما كانت الأمهات ينظرن إلى بناتهن على أنهن ” منافسات جنسيات” ويستكنن مشاعر الغيرة تجاة بناتهن.

في هذا النموذج الأسري، كان يُنظر للبنات على أنهن حلفاء لآباءهن، وكان يُنظر للأبناء على أنم حلفاء لأمهاتهم. مما خلق نوعًا من الانقسام في الأسرة. حيث أدت مشاعر العداء والريبة والوحشية -التى يتقاسمها الرجال والنساء على حد سواء- إلى تفاقم هذا الانقسام. فالإعلان عن الحمل داخل الأسرة كان يؤدي إلى نزاع زوجي حتى ولادة الطفل – ذكرًا كان أو أنثى- إذ يعني ذلك بدء التنافس.

بالنسبة للأطفال تلك القبيلة، تبدأ رحلة حياتهم بشكل سلبي؛ بسبب البيئة المشحونة التى ينبتون فيها. تستمر هذه التجربة السلبية طوال فترة حياة الطفل حتى مرحلة البلوغ، فيصبح جزءًا من النزاع وهكذا. كما أدت هذه الشخصيات القوية والعدوانية وربما الوحشية لهؤلاء الأفراد إلى كثرة نشوب الحروب والعدوان، مما جعلها قبيلة صيد بالدرجة الأولى.

3- قبيلة تشامبولي- Tchambuli

كان لأهل تشامبولي خصائص وميزات تتناقض بشدة مع سمات أرابيش وموندوجومور. في الواقع كان لديهم سمات فريدة من نوعها، فقد صورت قبيلتهم انعكاسًا في الأدوار التي يؤديها الرجال والنساء- عما هو شائع في العالم– ، أي أن الأدوار الجنسية التقليدية للرجال والنساء تبدلت في هذا المجتمع.

من ناحية الدور الأدائي فالنساء في هذه القبيلة قامت بالدور الغير تقليدي، فهن من يقمن بالتجارة والصيد والنسيج وكسب قوت اليوم لأسرهم. بالإضافة لكونهن مقدمات العاطفة والرعاية؛ فهن لا يعتنين بأطفالهن فحسب، بل يدللن ويعاملن أزواجهن أيضًا كأولاد صِغار وليسوا نظرائهم.

من ناحية أخرى، يقوم رجال هذه القبيلة بمزيد من الأنشطة الترفيهية والتزيين والتجميل. وقد شاع ما يُسمى بـ “بيوت النساء” حيث تقوم النساء بأدوارهن المنزلية والتمتع بصحبة بعضهن البعض. مقابل ذلك كان هناك بيوت “الطقوس والترفيه” خاصة بالرجال.

إذًا، يمكن لك أن تتخيل بسهولة كيف كان نظام السُلطة في هذه القبيلة التي تبدلت فيها معايير ومفاهيم الأنوثة والذكورة، فالمجتمع كله بأيديّ النساء. فما زلن يبرزن كأبوين أساسيين، ساعياتٍ إلى تحقيق التوازن بين حياتهن المنزلية وحياتهن العملية.

ما أهمية دراسة الجنس والمزاج في ثلاث مجتمعات مجتمعات مختلفة؟

صرَّحت ميد أنه بينما قامت كل ثقافة بطريقة ما بإضفاء الطابع المؤسسي على أدوار الرجال والنساء، إلا أنها لم تكن بالضرورة من حيث التناقضات بين الشخصيات المحددة لكلا الجنسين ولا من حيث الهيمنة والخضوع. فكما ذكرنا سابقًا، ساعدت دراسة الجنس والمزاج في ثلاث مجتمعات بدائية في هذه القبائل الثلاث على فهم كيفية اختلاف أدوار الجنسين في عِدة بيئات مختلفة جغرافيًا وثقافيًا وتكيفًا. وقد توصلت ميد إلى أربعة استنتاجات أساسية هما:

أولاً: لا يوجد أساس للسلوك الذكوري أو الأنثوي المرتبط بالجنس.

ثانيًا: كانت الاختلافات في الأدوار الجنسية للرجال والنساء في هذه القبائل الثلاث بمثابة إثبات أو دليل على أن التكيف الثقافي والاجتماعي للأفراد كان له تأثيرًا أكبر على سلوكهم وأدوراهم مقارنةً بالتأثير البيولوجي.

ثالثا: تؤدي الثقافات المختلفة إلى تكوين شخصيات مختلفة من حيث التنشئة.

رابعًا: تربية وتنشئة الفرد أكثر أهمية وتأثيرًا من الطبيعة.

ملاحظات حول نظرية ميد

لقد ذكرت ميد أن الغرض من هذا العمل لم يكن فقط لتحديد الأدوار النمطية للجنسين، لكن أيضًا لمراقبة وتحليل ثقافة تختلف فيها المشاعر بشكل صارخ عن تلك الموجودة في العالم في ذلك الوقت.

وعلى الرغم من أن العمل يحظى بالتقدير الكبير لوجهة النظر البناءة التي يقدمها حول الصور النمطية المرتبطة بأدوار النوع الاجتماعي والجنسي. إلا أنه أيضًا تلقى انتقادات بسبب حتميته الثقافية الصارمة. فعندما تظهر مسألة الانحرافات الثقافية أو المجتمعية في الصورة، كانت تلجأ ميد إلى تفسير نفسي أكثر يعترف بمدى وجود المتمردين في كل ثقافة. وكيف لا ينجح المجتمع دائمًا في فرض قِيمه وتعريفاته. إذ يُظهر هؤلاء المتمردون تباينًا بين ما يتوقع المجتمع منهم وبين ميولهم الفطرية. كما أشاد علماء الاجتماع بعمل ميد لإنه يصور كيف يمكن استنتاج المبادئ الاجتماعية

الخلاصة

من خلال أوراق ميد البحثية، يمكننا أن نفهم كيف أن المعتقدات حول التقسيم الجنسي للعمل في المجتمع التى تستند إلى بيولوجيا الرجال والنساء هي حجة لا أساس لها. لذلك، من الخطر على المجتمع أن يُصرح بالخصائص المحددة التي يجب أن يمتلكها الرجال والنساء بسبب جنسهم (معايير الذكورة والأنوثة). من الخطأ وصف بعض الشخصيات بأنها أنثوية وأخرى على أنها ذكورية. فمن أجل مواجهة هذه المشكلة، هناك حاجة لقبول السمات الأنثوية والذكورية في كل من الرجال والنساء. بل يمكن القول إن تصنيف السمات هو أساس المشكلة. فمن الممكن أن تتنوع وتتداخل السمات التي يمتلكها الفرد الواحد.

المصادر

voicesofyouth

oneworldeducation

unicef

BCcampus

أنماط الأبوة والأمومة وتأثيرها على الأبناء

تعتبر السنوات الأولى من حياة الفرد من أهم فترات التطور، فالأطفال في تلك المرحلة يصبحون كالإسفنج يمتصون كل شيء من آبائهم، فهم قبلتهم وجهة إتصالهم الوحيدة. وبالتالي فإن أسلوب الأبوة والأمومة والطريقة التي يتفاعل بها الآباء مع الأبناء لها تاثير كبير على أطفالهم. فقد يكون هذا التأثير طويل المدى وقد يكون قصير المدى؛ فهو يؤثر على جميع جوانب الأطفال، من طريقه التفكير حتى طريقه ملابسهم.

في عام 1983، تم توسيع نظرية «ديانا بومريند-Diana Baumrind»، التى طورت ثلاثة أنماط رئيسة للأبوة والأمومة لتصبح أربعة أنماط بواسطة «ماكوبي ومارتن- Maccoby and Martin» وآخرون. فما هما الأربعة أنماط الأساسية في التربية؟ وما هي نتيجة اعتماد كل نمط في التربية؟ وما هو النمط الأمثل؟ وكيف تحدد نمط الأبوة والأمومة المناسب لأطفالك؟

ما هي الأبوة والأمومة؟

تُعرف الأبوة والأمومة على أنها كوكبة من المواقف أو الأنماط للسلطة الأبوية تجاه الطفل والتى تُنقل إليه، مما يخلق السياق العاطفي للتعبير عن سلوك الوالدين. فيُعتقد أنه يوفر المناخ العاطفي للتفاعل بين الوالدين والأطفال، كما أن لها تأثير كبير على نوعية حياة الأسرة.

أهمية الأبوة والأمومة في التربية

إن للآباء والامهات وظيفة يمكن وصفها بأنها الأصعب على الإطلاق، فيُسند إليهم تربية الأبناء ودعمهم، فيمر الشخص خلال فتره نموه بعِدة مراحل وتغيرات، بما في ذلك التغيرات البيولوجية والعاطفية والمعرفية والإجتماعية. فمن الضروري أن يحاول الوالدان تحقيق التوازن في جميع الجوانب. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال معرفة أهم المؤثرات السلوكية إلى جانب بيئة التربية.

كما يتأثر أسلوب التربية بترتيب الطفل، فيتأثر أسلوب الأبوة تجاة الطفل الثانى مثلاً بالتجربة التى مر بها الوالدان أثناء تربيتهم للطفل الأول وهكذا.

وفي بعض الأحيان قد يتعارض كل ذلك مع عوامل أخرى بيولوجية أو بيئية، وبالتالي فإن تحقيق هذا التوازن يمكن أن يُصبح صراعًا للآباء.

نظرية بومريند لأنماط الأبوة والأمومة

في الستينيات ابتكرت عالمة النفس «ديانا بومريند-Diana Baumrind» أربعة أنماط مختلفة من الأبوة والأمومة. بناءًا على الملاحظة والتحليلات، وهم:

نمط الأبوة الموثوقة

نمط الأبوة السُلطوية

نمط الأبوة المُتساهلة

نمط الأبوة الغير مسئولة

وقد صُنفت هذه الأساليب على أساس جانبين أساسيين من جوانب السلوك الأبوي هما: الرقابة الأبوية- Parental Control والدفء الأبوى Parental Warmth. دعنا سريعًا نذكر ما ينطوي عليه المصطلحين:

تشير الرقابة الأبوية إلى الدرجة التي يدير بها الآباء سلوك أطفالهم. بدءًا من التحكم الشديد إلى التراخي، بالإضافة إلى وضع القواعد وتلبية المطالب.

أما عن الدفء الأبوي، فهو يشير إلى الدرجة التي يتقبل بها الآباء سلوك أطفالهم ويستجيبون لها.

1- نمط الأبوة الموثوق

الآباء الموثوقون حازمون مع أطفالهم، لكنهم مانحون جيدون للدفء في نفس الوقت. فالأسلوب الموثوق يعتمد على وضع قواعد معينة للأبناء مع إتاحة الفرصة لهم للمناقشة والاستدلال. فهو اتصال ثنائى الإتجاه.

دائما ما تكون لديهم توقعات عالية من أبناءهم، يشجعونهم على الاستقلال مع الإشارة إلى حدودهم. يستخدم أيضًا هؤلاء الآباء أنظمة المكافآت لتقدير العمل الجيد وتحفيز أطفالهم.

تُظهر الملاحظات أنه عندما يتبنى الوالدان طريقة الأبوة هذه، يكون الطفل قادرًا على التفاوض وإجراء المناقشات بشكل أفضل. ذلك لإنه اعتاد على التعبير عن نفسه أثناء المناقشات مع الوالدين. نظرًا لإن آراءه وأفكاره تؤخذ دائمًا على محمل الجد في المنزل.

فالأطفال الذين يدركون أن آراءهم مهمة وتؤخذ في الاعتبار. يكونون أكثر وعيًا ومسئولية اجتماعيًا؛ مما يعزز ثقة الأبناء بأنفسهم وقدراتهم ومهاراتهم.

2- نمط الأبوة السلطوي

الآباء الذين يتبنون هذا الأسلوب تجدهم يمارسون سيطرة شديدة على أطفالهم، ولا يمنحون الدفء الكافي. فهم يطورون نظامًا للعقوبات من أجل تصحيح أي سلوك غير مرغوب. عادة ما يرون معاملتهم لأبناءهم على أنها حب قاسي. هذا النمط من الأبوة مُقيد وغالبًا ما يكون إتخاذ القرارات حكرًا على الوالدين فقط دون التشاور مع الأبناء. فلا تُجرى أية مناقشات ولا تتبادل الآراء. قليلا ما تُشَجَّع الأبناء على الاستقلالية. أظهرت الملاحظات أن الأطفال مُتلقيّ ذلك النمط إما يميلون إلى الخضوع والإعتماد على والديهم، أو التمرد إظهار ميولاً عدوانية.

3- نمط الأبوة المتساهلة

يتميز الوالدين الذين يتسمون  بنمط التربية المتساهلة بالدفء الشديد والسلبية. مثل هؤلاء الآباء لا يطلبون الكثير من أطفالهم، يواجهون صعوبة في قول لا لأبناءهم؛ بسبب الخوف من استيائهم. الوالدان غير نشطين في جوانب صنع القرار في حياة أبناءهم؛ وبالتالي يتخذ الأطفال العديد من القرارات المهمة بمفردهم. فهم يقدمون النصيحة فقط لأطفالهم، لكن القرار النهائي يُتخذ في النهاية من قِبل الطفل نفسه. أطفال ذلك النمط من التربية لا يدركون مفهوم العواقب. كما أنهم لم يعتادو على الحرمان، مما يؤدي إلى وجود مشاكل في ضبط النفس لديهم. تتأثر علاقتهم مع أقرانهم الآخرين أيضًا؛ لإنهم يميلون إلى تطوير قضايا الأنا فيظهرون بمظهر الأنانيين.

4- نمط الأبوة المهملة

آباء ذلك النمط ليسوا دافئين وليس لديهم أي مطالب من أبناءهم. هم غير مشاركين في أمور أطفالهم ولا يتفاعلون معهم -إلا إذا لزم الأمر- فهم غير مبالين بمشاعر أو حتى مكان تواجد أطفالهم. يميلون إلى الإنشغال بحياتهم الخاصة أو التركيز على الذات فقط. هؤلاء الآباء لا يأخذون في الاعتبار أفكار وآراء أطفالهم. عادة ما يكون هذا النمط من الأبوة نتيجة استسلام الوالدان أو نتيجة الإحباط أو التعب. يظهر أطفال هذا النمط سلوكيات مثل سلوك أطفال الآباء المتساهلين.

بعض العوامل التي تؤثر على أسلوب الأبوة والأمومة المُتبع في الأسرة

مدى توافق أسلوب الوالدان في المنزل، إذا كان الوالدان يتبعان أسلوبان مختلفان من الأبوة -على سبيل المثال: يمكن أن تكون الأم متساهلة والأب سُلطويًا. فمن الضروري أن يجد الوالدان طريقة للعمل معًا والتنازل عن الأسلوب الغير مُوفق في مواقف معينة؛ من أجل الحصول على نتيجة إيجابية. فقد يؤدي عدم موافقة كلا الوالدان علانيةً  أثناء إتخاذ القرارات المتعلقة بالطفل إلى نزاع يمكن للطفل الإستفادة منه لحسابه. – على سبيل المثال: إذا قال الأب أنه لا يُسمح لاطفل بالذهاب إلى مكان ما، لكن والدته قالت نعم! سيستمر الطفل في الذهاب إلى المكان الذي منع الأب الذهاب إليه. على الرغم من تحذيره للطفل من ذلك، لإن الطفل يعلم أن الأم ستضمن عدم توقيع العقوبة.

سلوك الطفل نفسه قد يحكم أسلوب الأبوة المُتبع، يؤثر سلوك الطفل أيضًا على أسلوب التربية. على سبيل المثال: قد يؤدي الطفل المتمرد المُتحدي إلى قيام والديه بممارسة سيطرة قُصوى (النمط السُلطوي) من أجل تقويم الطفل، أو إهمال الطفل (النمط الغير مسئول) لمجرد أن الوالدين قد استسلموا وكلْوا. من ناحية أخرى، فإن الطفل الذي لديه دوافع ذاتية ومتعاون، من شأنه أن يدفع والديه إلى استخدام أسلوب تربية أكثر موثوقية وبناء علاقة جيدة مع طفلهم. وهناك بعض العوامل الأخرى التي قد تؤثر على أسلوب الأبوة والأمومة المُتبع مثل قلة النوم، الاجهاد، حالة مزاج الوالدين، مسئوليات الوظيفة، القيود المالية، التوتر، القلق،..

كيف يمكن تحديد أسلوب الأبوة والأمومة الأمثل؟

بينما لا يوجد أسلوب تريية واحد يمكن وصفه بالأمثل أو الأنسب -بناءًا على الأبحاث والتحليلات- يعتقد علماء النفس أن أسلوب الأبوة والأمومة الموثوق هو الأسلوب الأكثر فائدة، فهم يزعمون ان هذا الأسلوب هو الأكثر مرونة ويحقق التوازن الصحيح بين الرقابة ودفء الوالدين. إذ يُظهر الأطفال الذين يخضعون لأسلوب التربية الموثوقة لديهم علاقة صحية مع والديهم حتى بعد أن يصبحوا بالغين. ومع ذلك من المهم أن نفهم أن هناك العديد من العوامل تلعب دورًا فيما يتعلق بتربية الأطفال، على رأسها الإختلافات الثقافية.

ما هي أهمية الخلفية الثقافية في تحديد النمط الأبوي المناسب؟

من الضروري مراعاة التأثيرات الثقافية في الأسرة. فقد لا تكون أساليب الأبوة والأمومة الموثوقة هي الأنسب لتربية الأطفال من خلفيات عرقية واجتماعية واقتصادية مختلفة. فتُشير الأبحاث أن الأساليب الموثوقة تعمل بشكل أفضل مع الأطفال في جميع الطبقات. في حين أنه قد لا يكون الخيار الأنسب للأطفال الناشئين في ظل قيود اجتماعية واقتصادية معينة. فقد وُجد أنه عندما يعيش الطفل في بيئة آمنة، فإن السماح له بقدر من الحرية المرونة سيُبشر بالخير للطفل وسيتبع ذلك نتائج إيجابية. ومع ذلك قد لا يكون هذا الحال بالنسبة للطفل الذي يعيش في بيئة شديدة الخطورة .سيحتاج الطفل الذي يعيش في مثل هذه البيئة درجة أعلى من التحكم – على سبيل المثال: بالنسبة لطفل نشأ في أسرة مكونة من ثلاثة أفراد في أرقى ضواحى لوس أنجلوس- كاليفورنيا. سيحقق أسلوب الأبوة الموثوقة نتائج إيجابية من الطفل، هنا يتمتع الطفل بامتياز عدم التعرض للتحيز العنصري أو الجنساني ويحيا في مكان آمن. بما أن والديه مستقران اقتصاديًا بشكل واضح للعيش في هذا المكان، فلا ضغوط اجتماعية ولا اقتصاديه على الأسرة.

خُذ مثالاً آخر، من ناحية أخرى، فتاة آسيوية صغيرة تنشأ في أسرة متوسطة الحال بلا أب، تخضع للتحيز العنصري والجنساني. تكافح والدتها من الناحية المالية، فتعمل في وظيفتين لتوفير وجبة على المائدة. لن يعمل أسلوب الأبوة الموثوقة هنا، بدلاً من ذلك ستكون هناك حاجة إلى مزيج من أساليب الأبوة الأخرى لتحقيق النجاح.

عادة ما تُستخدم أساليب الأبوة السلطوية من قبل الآباء الذين ينتمون إلى الأقليات العرقية. على الرغم من أن أسلوب التربية هذا يرتبط بالنتائج الإيجابية المنخفضة، إلا أنه عندما يُطبق من قِبل مجموعات الأقليات مقل العائلات الآسيوية والإفريقية، فإنهم يميلون إلى تحقيق نتائج إيجابية. فإن تحديد أهداف معينة صارمة وحازم يعمل بشكل أفضل لهذه العائلات، ويمكن رؤيته من حيث النجاح الأكاديمي أيضًا -وهو شئ يُقدره الآسيويون جدًا- كما أن هناك شريحة كبيرة جدًا من عائلات الأقليات العرقية تعيش في أحياء خطرة بها العديد من المخاطر التي تُهدد سلامتهم وأمنهم. هذا يتطلب من الآباء وضع قواعد صارمة كتقييد التواجد خارج إطار الجماعة أو المنزل، على الرغم من مقاومة الأطفال لهم، إلا أن هذا هو الخيار الأكثر أمانًا

الخلاصة

يُعد اختيار النمط الأبوي الصحيح أمرًا بالغ الأهمية لضمان التطور الإيجابي للأبناء. الأبوة والأمومة موضوع مُعقد جدًا وتؤثر عليه عوامل مختلفة، يجب على المرء ألا يتبنى أسلوب الأبوة والأمومة بشكل أعمى لمجرد أن أقرانه يتبعونه، ولا يسعى لإتباع أحدث الإتجاهات. عندما يتعلق الأمر بالتربية، سيأخذ الوالد الجيد في الإعتبار حاجة الطفل والأسرة أثناء إتخاذ القرارات. فلا يوجد أسلوب تربية مثالي يمكن تطبيقه بالتساوي على جميع المواقف والظروف كما لا توجد صيغة مؤكدة للنجاح بل يجب على الوالدين التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للطفل بناءًا على الموقف. في حين أن أسلوب الأبوة الواحد يمكن أن يعمل بشكل مثالي لعائلة واحدة، فقد يلزم مزيج من أساليب الأبوة والأمومة لعائلة أخرى.

المصادر

ncbi

greatschools

melbournechildpsychology

apa

ncbi

springer

Exit mobile version