ملخص رواية “رادوبيس” للكاتب نجيب محفوظ

ملخص رواية “رادوبيس” للكاتب نجيب محفوظ

تعتبر الرواية واحدة من روايات الثلاثية التاريخية التي كتبها نجيب محفوظ والتي تضم رواية رادوبيس بالإضافة إلى روايتي عبث الأقدار وكفاح طيبة، وتميزت بأبعاد سياسية ألقت الضوء على الواقع المصري المعاصر من خلال صراع الملك مع السلطة الدينية وكيفية تعامله مع العصيان الشعبي الذي واجهه أثناء فترة حكمة وعلاقته بالجميلة رادوبيس.

تدور أحداث الرواية في مصر القديمة يوم الاحتفال بعيد النيل المقدس، كانت آبو عاصمة مصر تشهد جموع الشعب القادمين لمشاهدة موكب الملك والاحتفال بالعيد، تجمع الناس في الطريق الطويل الممتد بين قصر الملك ومعبد النيل وشق الجموع هودج رادوبيس الجميلة ليثير جلبة في أرجاء المكان ويلفت انتباه الجميع، كانت رادوبيس غانية صاحبة جمال فاتن يذيب القلوب تقيم في قصرها الأبيض الساحر في جزيرة بيجة بالقرب من العاصمة تستقبل فيه كبار القوم الذين يغدقونها بالهدايا الثمينة أملًا في نيل رضاها والنظر إلى وجهها المشرق.

مضت دقائق طويلة بعد وصول رادوبيس حتى بدأت طلائع الجيش تسير صفوفًا متراصة على أنغام الموسيقى الحربية، ثم ظهرت العجلة الفرعونية التي تحمل الملك الشاب تتقدم الموكب، تعالت الهتافات للملك وامتلأ الجو بالحماسة ولكن بين كل تلك الأصوات أفلت صوت يصيح ليحيي صاحب القداسة “خنوم حتب” وزير الملك ورددت خلفه عشرات الأصوات، أسرها الملك في نفسه وتحكم في غضبه ولم يبد على ملامحة أي تعبير.

تأثرت رادوبيس بما حدث ورجعت إلى قصرها مثقلة القلب تحمل معها صورة الملك في قلبها الذي لم يعرف الحب قبل رؤيته، وعند وصولها لحديقة القصر قررت أن تستحم في البركة عسى أن تتخلص من همومها وفي أثناء ذلك حلق نسر بالقرب من البركة واختطف صندلها الذهبي الثمين وطار بعيدًا وسط نظرات الدهشة والفزع من رادوبيس ووصيفاتها.

بعد انتهاء يوم الملك الطويل اختلى بصاحبيه سوفخاتب كبير الحجاب وطاهو رئيس الحراس، واستطاع حينها أن يعبر عن غضبه الشديد بسبب تلك الهتافات الغادرة، وكان الكهنة ثائرون على الملك الشاب لأنه يريد أن يأخذ بعض الأراضي المخصصة للمعابد والفائضة عن حاجتهم لبناء القصور والمقابر ليتمتع بحياة سعيدة عالية وتُمجد فترة حكمه في التاريخ ولكن رفض الكهنة كان صارمًا وحاولوا جاهدين أن يردوا الملك عن قراره بمساعدة خنوم حتب الذي يقف في صفهم ضد الملك، وفي أثناء حديث الملك الغاضب سقط على حجره صندل ذهبي ألقاه نسر من السماء وحلق مبتعدًا.

فحص الملك الصندل بعناية وعثر على صور فارس وسيم يقدم قلبه هدية على يديه المبسوطة نقشت على باطن الصندل، ومن النقش عرف سوفخاتب صاحبته وأخبر مولاه عن جمالها الأخاذ، أما طاهو فقد كان قلبه يخفق بشدة بسبب ولعه برادوبيس وحبه لها ورجاءه في رضاها عنه الذي لم ينله حتى الآن.

ذهب طاهو على الفور لتحذير رادوبيس وإعلامها بعزم الملك على زيارتها وحثها على السفر بعيدًا خوفًا من أن يتخذها الملك لنفسه ويحرم هو منها، ولكنها لم توله أي اهتمام وأعلنت عن رغبتها بلقاء الملك مما أثار حنق طاهو وغادر غاضبًا، وبعد رحيله ظلت رادوبيس مستيقظة مشغولة البال حتى غلبها النوم وفي اليوم التالي زارها الملك في قصرها ودار بينهما حديث قصير أسعد قلبها ووثق بينهما علاقة ستدوم طويلًا.

انتشر خبر علاقة الملك برادوبيس كالنار في الهشيم وثار حنق الشعب على الملك بسبب الثروة التي بددها تحت قدمي فاتنته، واستغل الكهنة الأمر لمصلحتهم وخطبوا في الناس ليشتعلوا غضبا ووصفوا الملك بالملك العابث، وتوترت العلاقة كثيرًا بين الملك وخنوم حتب وقلت اللقاءات التي تجمعهم فقرر خنوم حتب التحرك والذهاب إلى الملكه نيتوقريتس ليحثها على المساعدة ويعرض عليها التماسات الكهنة بشأن أراضي المعابد، مما دعاها للذهاب إلى الملك بنفسها لتعرضهم عليه وأن تترك كبريائها المجروح جانبًا بسبب رادوبيس وتقدم مصلحة البلاد أولًا ولكنها رُدت خائبة، وقرر الملك إعفاء خنوم حتب من منصبه وتعيين سوفخاتب مكانه.

ورأت نيتوقريتس أن لا تستسلم وتذهب إلى رادوبيس علها تستطيع أن تؤثر على الملك الشاب وترجعه عن قراره، ولكن رادوبيس أهانت الملكة إهانة بالغة ولم تلق الملكة من زيارتها سوى الألم والحسرة ورُدت خاسرة وانعزلت في مخدعها لا تلوي على شيء، أما رادوبيس فبدأت تفكر في حل ليتخلص الملك من أولئك الكهنة الذين يعكرون صفو حياتها مع حبيبها.

عرضت رادوبيس على الملك أن يحشد الجنود ليخرس الكهنة ويخلق علة وداع وهمي لحشدهم، فيرسل إلى ملك النوبة يطلب منه إرسال رسول برسالة كاذبة عن تمرد قبائل المعصايو التي عقد معها الملك صفقة سلام، الطعام الوفير لهم مقابل الأمان للقوافل التجارية، وعند ذلك يستطيع أن يحشد الجنود دون أن يثير حنق الشعب أو يلفت انتباه الكهنة، أعجب الملك بالفكرة ودهش بذكاء رادوبيس وسرعان ما أخبر بها صديقيه، وشرع في تنفيذها.

اختارت رادوبيس بنامون صبي المثال هنفر الذي شيد لها قصرها رسولًا يحمل رسالة الملك، كانت رادوبيس تثق به كثيرًا واستغلت ولعه بها وأقنعته بالذهاب وضمنت ولائه، ومضت الأيام ثقيلة في انتظار عودة بنامون الصغير من مهمته، وكان الملك صابرًا على خنوم حتب وزياراته المتعددة للأقاليم والتفاف الناس حوله حتى تتم خطته وينتقم لكرامته المهانة.

وبعد مدة ليست بقصيرة وصل بنامون لقصر رادوبيس ومعه رسول ملك النوبة بالرسالة الوهمية، وكان ذلك قبل عيد النيل بوقت قصير وهللت رادوبيس بعودة رسولها الأمين، وجاء يوم عيد النيل وكالعادة استقبلت آبو الوافدين للاحتفال ولكن هذه المرة كان الغضب يحتد في القلوب، ولم يأت الشعب للاحتفال ولكن أتى ثائرا على حاكمه، واشتبكت قوات الحرس مع بعض المتمردين وانتشرت الفوضى، وأمر الملك باجتماع عاجل مع سادة البلاد والكهنة وبدأ بتنفيذ خطته وإخبارهم بأمر الرسول وتمرد قبائل المعصايو الوهمي، فأثنى السادة على حشد الجنود والاستعداد للقتال، أما الكهنة فكان عندهم رأي آخر، فقام أحدهم في دهاء وأخبر الجميع أن قادة قبائل المعصايو جاءوا اليوم ليقدموا فروض الولاء والطاعة للحاكم ودخل الرجال القاعة وحييوا الملك ثم انصرفوا محطمين معهم خطة رادوبيس، أيقن الملك بالخيانة وظن بنامون واش لعين.

ازدادت اشتباكات الشعب مع القوات وارتفعت الهتافات الغاضبة ضد الملك والمطالبة بنيتوقريتس حاكمة للبلاد بدلًا عنه، قرر الملك الخروج لشعبه وحيدًا بعد أن قدمت له نيتوقريتس ولاءها، ارتدى زيه الحربي ووقف عند بوابة القصر وأمر الحراس بالانسحاب وانتظرهم في شموخ، عند دخول الجموع الغاضبة من بوابة القصر دهشوا للقاء الملك وحيدا يقف بين صاحبيه دون حماية، وتوقفوا لحظات صامتين إلا أن سهمًا غادرًا شق سحابة الصمت وأصاب الملك في مقتل فهوى ساقطًا بين أيدي طاهو وسوفخاتب الذين حملوه إلى داخل القصر تغمره دموع نيتوقريتس.

كان السهم نافذا وأدرك الملك نهايته فطلب منهم أن يرجعوه إلى رادوبيس ليموت بين يديها طالبًا من الملكة نيتوقريتس العفو والغفران فأمرتهم الملكة بتلبية طلبه، وعند وصوله لرادوبيس هالتها الصدمة واختنقت ببكاء مكتوم كاد أن يفجر قلبها من الحزن، وعندما لفظ الملك أنفاسه الأخيرة حضرت وصيفة نيتوقريتس لتعيد جثمان الملك إلى القصر وتم نقله رغم صرخات رادوبيس المتوسلة بأن يتركوه وكانت ذاهبة ورائه إلا أن طاهو أوقفها واعترف لها بخيانته للملك بسببها، فلم يطق فوز الملك بقلب رادوبيس الذي سعى له منذ زمن طويل فقرر الانتقام بالخيانة التي تسببت في موت الملك الشاب.

عندما رحل طاهو عن رادوبيس قررت بعدها إنهاء حياتها بالسم فلم يعد لوجودها في الحياة أهمية بعد كل ما حدث، ونقلتها وصيفتها لبلد أخرى حتى تستطيع دفنها بصورة لائقة لأنها كانت تعلم أنها لن تستطيع فعل ذلك في بلد لعن رادوبيس وجمالها إلى الأبد.

للمزيد من ملخصات الكتب

إقرأ أيضًا:

ملخص رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ

رحلة ابن فطومة ، ملخص رواية للكاتب نجيب محفوظ

رحلة ابن فطومة ، ملخص رواية للكاتب نجيب محفوظ

رحلة ابن فطومة ، ملخص رواية للكاتب نجيب محفوظ

“عم تبحث أيها الرحالة؟ أي العواطف يجيش بها صدرك؟ كيف تسوس غرائزك وشطحاتك؟ لم تقهقه ضاحكًا كالفرسان؟ ولم تذرف الدمع كالأطفال؟” نجيب محفوظ، رواية رحلة ابن فطومة

يُحكى أن التاجر محمد العنابي الفاحش الثراء أنجب سبعة من التجار وقد جاوز الثمانين بصحة وعافية، وعندها رأى الجميلة فطومة الأزهري فتزوجها وأنجب منها فتى يدعى قنديل ولكن أخوته أطلقوا عليه ” ابن فطومة ” ثم مات أباه وهو لم يكد يحفظ شكله، ربته أمه واعتنت به على أكمل وجه فقد ترك لهم أباه ثروة تضمن له ولأمه رغد العيش حتى الممات، كانت حياته تدور حول أمه وشيخه الذي كان يعلمه، كان الشيخ قدوته وناصحه الأمين وكان دائمًا ما يحدثه عن رحلاته المتعددة والتي كان هدفها الوصول إلى دار الجبل تلك الدار التي يطلق عليها دار الكمال ولم يصل إليها أحد من الرحالة من قبل ومن وصل لم يرجع منها أبدًا، وقد اضطر الشيخ لإلغاء رحلته بسبب حدوث حرب أهلية منعته.

كان حلم قنديل أن يقوم برحلة مثل شيخه ولكن لن يستسلم حتى يصل إلى دار الجبل، وعندما شب قنديل فتنته فتاة تدعى حليمة في قريته وعزم على الزواج منها وذهب لخطبتها مع والدته وقبل أن يتم الزواج طلبها حاجب الوالي من أبيها فلم يستطع أبوها الرفض بسبب ضعف قوته وقلة حيلته أمام الوالي وحاجبه، فذاق قنديل مرارة الخسارة وانفطر قلبه على محبوبته.

بعدما خاب أمل قنديل في الحب قرر أن يلحق بحلمه ويقوم برحلة مثل شيخه، فجهز حاله وانطلق مع قافلة من التجار إلى أول بلد في خريطته وهي دار المشرق عازما على أن يدون كل ما يراه في كتاب ينشره بعد إنهاء رحلته.

الكاتب نجيب محفوظ

دار المشرق:

سار قنديل مع القافلة عقب صلاة الفجر حتى بلغ حدود دار المشرق، قابلهم مدير الجمرك وتبعهم الحرس فمضى التجار إلى السوق أما قنديل فذهب إلى فندق الغرباء ودخل غرفته والتي كانت بدائية جدًا تنم عن فقر شديد وأوى إلى فراشه مرهقًا لما لاقاه من مشقة في سفره.

عندما استيقظ في الصباح توالت عليه الصدمات بداية من أنه منع من الصلاة وممارسة شعائره الدينية في البلدة، وعند خروجه من الفندق رأى أهل البلاد جميعهم عرايا تكسوهم الأوساخ ويعلوا وجوههم الفقر والمعاناة، أما العري فقد كان العادة المألوفة لأهل البلاد ولا تلتفت أنظارهم إلا لمن يرتدي الثياب.

كانت البلدة شبه فارغة وكأنها امتداد للصحراء لا بيوت ولا حواري ولا شوارع يوجد فقط أرض على جوانبها أعشاب ترعى فيها الماشية، ويعيش أهل البلدة في خيام متناثرة يتجمع أمامها النساء يقمن بأعمالهن المعتادة من غزل وحلب للأبقار والماعز

وفي أثناء تفقده للبلدة وجد قصرًا كبيرًا في مكان معزول عن القرية تحيطه أشجار عالية ومحروس بعدد كبير من الفرسان المدججين بالسلاح، فكان جمال القصر شاذًا عن قباحة المكان فتصور أن يكون قصر الحاكم، ولكن عندما رجع للفندق سأل صاحبه عن القصر فأجابه بأن دار المشرق عبارة عن عاصمة وأربع مدن لكل مدينة سيد وهو مالك القصر ويعتبر مالك المدينة وكل الناس عبيد عنده وينفرد وحده بالخدمات الطبية والعلمية هو وأولاده، أما من يمرض من السكان فينعزل في خيمته حتى يبرأ أو يموت.

أما عيد الإله عندهم كان دربًا من الجنون، كان أهل البلاد يعبدون القمر وكان العيد يوم أن يكون القمر بدرًا يلمع في كبد السماء، كانوا يتجمعون في ساحة واسعة يملأونها بالهتافات وصيحات الفرح والتحفظ وعند ظهور القمر يصل الكاهن ويصفق بيده فتنطلق الحناجر بنشيد زلزل الأرض وعندما انتهوا خطب فيهم الكاهن بوصايا الإله  أن يبتعدوا عن الخصام ويحترسوا الشر والحقد الذي يفري الكبد وكيف أن الطمع خصلة مقيتة وأن يتمتعوا ويمرحوا ويقضوا على الوساوس بالرضى وعندما انتهى بدأ الرقص واندمج الجميع في غرام شامل تحت ضوء القمر.

وبعد أن قرر قنديل الرحيل مع القافلة رجع عن قراره عندما رأى تلك الفتاة التي تسمى عروسة والتي كانت تشبه حليمه محبوبته، فقرر الزواج منها ولكن تم الزواج على عادات البلدة فينسب الأبناء لأمهم وتستطيع  زوجته أن تتركه في أي وقت متى سأمت منه، عاش قنديل مع زوجته في سعادة وكاد أن ينسى هدف رحلته وأنجب منها أربعة أولاد حاول تنشأتهم على تعاليم بلده ودينه  ولكن رفضت زوجته ذلك وثار عليه أهل البلدة وأجبروه على الخروج من دار المشرق وترك زوجته وأولادها.

دار الحيرة:

بعد خروج قنديل من دار المشرق قرر إكمال رحلته فذهب مع القافلة إلى دار الحيرة وعند وصولهم أمرهم مدير الجمرك أن يتبعوا التعليمات وإلا لاقوا المتاعب، ذهب قنديل إلى الفندق فوجد غرفته على قدر من الرفاهية على عكس دار المشرق، وفي نفس الليلة التي وصل فيها شاهد تجهيزات جيش الحيرة يستعد للحرب على دار المشرق ورحب أهل الحيرة بالحرب ظنًا منهم أنها لتحرير شعب من طغاته الخمسة، ولكن الهدف الحقيقي وراء تلك الحرب كان الطمع في المراعي وكنوز السادة والحكام، شعر قنديل بالقلق على عروسة والأبناء فقرر البقاء في الحيرة حتى يكون قريبًا منهم أملًا في أن يجدهم يوما ما.

في أثناء تجول قنديل في البلدة وجد قصر الملك والذي هو نفسه الإله الذي يعبده أهل البلاد، وفي يده السلطة الكاملة فتذكر قنديل الوالي في بلاده وسلطته الكبيرة وهيمنته على كل موارد البلاد واحترام الناس الزائد له وخوفهم منه، وفي أثناء فحصه للقصر وجد حقل من الأعمدة مسور بسياج وعلى تلك الأعمدة رؤوس بشرية منفصلة عن أجسادها فارتعد قلبه وسأل الحراس فعرف منهم أن تهمة أصحاب الرؤوس هي الخيانة والتمرد على الإله.

وكانت البلاد تنتهج فلسفة معينة فقد كان الحاكم وأصفياؤه قادة المصانع والأرض لهم القداسة والاحترام والكثير من المزايا أما بقية الناس فلا قداسة ولا مواهب ولا أمل في حياة أفضل فهم يعملون بالأشغال اليدوية ويوفر لهم الحاكم اللقمة فلا امتيازات لهم بعد ذلك، فقد كان التعليم والعناية الطبية من حق الصفوة أما الآخرين فيجيب عليهم تقوية مواهب الطاعة والقناعة والانقياد.

وعندما عاد الجيش من بلاد المشرق منتصرًا انتظر قنديل أن يجد عروسة في سوق العبيد حتى يشتريها وبالفعل وجدها وحصل عليها وذهبت معه إلى الفندق منهارة وأخبرته كيف قتلوا أبيها ولم تجد أبناءها أبدا وأخذوها أسيرة، ولكنها وجدت السعادة من جديد عندما وجدها قنديل ولكن تلك السعادة لم تدم لأن حكيم البلدة أرادها لنفسه فوجد قنديل نفسه متهمًا بالسخرية من دين البلاد وحاكمها وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

وبعد عشرين عامًا خرج قنديل من السجن بعد ثورة أطاحت بالملك وصفوته وأمر الملك الجديد بتحرير كل ضحايا الملك الظالم من السجن، فخرج قنديل وعمره يناهز الخمسين ضعيف يرثى لحاله وقرر البقاء في الحيرة حتى يسترد قواه ثم يكمل رحلته إلى البلدة القادمة وهي دار الحلبة.

دار الحلبة:

عندما وصل قنديل إلى دار الحلبة دهش أن مدير الجمرك لم يحذرهم ولم يلقي عليه أي تعليمات فأخبره قائد القافلة أن هذه بلد الحرية الشاملة وأن كل إنسان فيها حر ومسؤول عن تصرفاته، وفي أثناء سيره في شوارع البلدة أعجب بجمالها وجمال عمرانها، ولكنه شهد لتجمع من رجال الشرطة يحققون في جريمة قتل وعلم أن مثل هذه الجرائم شائعة في هذه البلدة، كما شاهد مظاهرات من رجال ونساء تسير بحرية ويتبعهم رجال الشرطة دون المساس بهم.

فاق قنديل من دهشته على صوت الآذان ينطلق من أحد المساجد الصغيرة فاتجه للجامع مستطار القلب وسرعان ما ذهب للمسجد وتوضأ ووقف في الصف يصلي وعند انتهاء الصلاة ذهب إلى الإمام وقبله وكأنه وجد أحدًا من أهله، وعلم منه أنه هذه البلدة متعددة الديانات وكل شخص يدين بالدين الذي يريده.

أما نظام الحكم في البلاد فكان الرئيس ينتخب تبعًا لمواصفات أخلاقية وعلمية وسياسية ومدة حكمه عشر سنوات وبعدها تجرى انتخابات جديدة، وكما تضم البلاد أغنياء وفقراء فهي تضم أيضا لصوص وعاطلين وقتله.

دعاه الشيخ إلى بيته وهناك تعرف على زوجته وابنته ودهش من جرأتهما في الحديث على عكس نساء بلدته الأولى ومشاركتهم الطعام على طاولة واحدة وذلك لم يعهده أيضا حتى مع أمه وأعجب كثيرًا بابنته سامية وذكائها اللامع وملاحة وجهها.

بعد أيام علم أن الحرب ستدور بين دار الحلبة والحيرة وغاض قبله لسماع تلك الأخبار وراع لفكرة ملاحقة الحرب له أينما ذهب، وقرر البقاء حتى تستتب الأمور وتزوج من سامية ابنه الشيخ والتي غيرت فكرته عن النساء تمامًا فقد كان يرى قبلها أن المرأة ما هي إلى متعة للرجل أما سامية فكانت مختلفة تحب النقاش والمجادلة وذكاؤها لامع يثيره ويدهشه.

كانت حياته مستقرة لكنه لم ينس حلمه في السفر والترحال والوصول إلى دار الجبل فسمحت له سامية بالذهاب على شرط أن يرجع لها بعد الوصول إلى هدفه.

دار الأمان:

وصل قنديل لدار الأمان دار العدالة الشاملة وقبل ذهابه إلى الفندق نقلوه إلى مركز السياحة وهناك تم تعين مرافق خاص يلازمه طول الرحلة لا يتركه أبدًا حتى أنه يقيم معه في نفس الغرفة.

في اليوم التالي خرج قنديل ومرافقه لتفقد المدينة وهاله الخلاء، الميدان خالي تمامًا ولا يوجد بشر في الشوارع وكأنها مدينة خالية مهجورة وعندما سأل قنديل المرافق أخبره أن جميعهم في أعمالهم نساء ورجال، وأخذ يحدثه باعتزاز عن النظام المتبع في البلاد والذي يهدف لتحقيق عدالة حقيقية حتى في العمل، وكلهم في مستوى واحد للمعيشة تقريبا وكل البيوت على نفس المستوى فلا سرايا ولا قصور وحتى أقل أجر يكفي لإشباع  ما يحتاجه الإنسان المحترم.

وعلم قنديل أن لهم نظامًا غذائيًا يحتوي على كل العناصر المطلوبة لذلك فإن معظم كبار السن يتمتعون بصحة ممتازة، وفي نهاية اليوم رأى قنديل الشوارع تمتلأ بالبشر وكأنهم موج هادر ولكن في نظام وترتيب تعلو وجوههم قسمات جادة مرهقة، ثم خف الزحام وذهب كل واحد منهم إلى بيته يستعد ليوم عمل جديد.

وكان نظامهم السياسي رئيس منتخب تنتخبه صفوة منهم وتمثل رجال الصناعة والزراعة والحرب والأمان والرئيس هو المهيمن على الجيش وكل مجالات الحياة، أما الرعايا فهم مجرد موظفين  يعملون كل واحد منهم في مجاله ولا يجوز أن يتدخل أحد منهم في مجال غير مجاله.

أما في يوم العيد رأى قنديل رئيسهم وصفوته مجموعة من الرجال السمان مقارنة بأجسام الشعب الهزيلة، وصعد الرئيس يخطب فيهم وبعد انتهاء الخطبة اخترقت الميدان ثلة من الفرسان شاهرة رماحها وقد غرست فيها رؤوس بشرية كانت للمتمردين والخونة، ثم غادر قنديل البلاد وهو في حيرة من أمر هذه البلاد العجيبة.

دار الغروب ومنها إلى دار الجبل:

اتجه قنديل مع القافلة إلى دار الغروب تلك الدار التي تسبق دار الجبل مباشرة، وقد كانت الأغرب بين كل ما زاره قنديل أهلها صامتون لا يفعلون شيئا سوى الالتفاف حول شيخهم في الغابة والشروع في الغناء المتناغم بهدف الوصول إلى روح نقية تناسب الرحيل إلى دار الجبل، اشترك معهم قنديل في هذه الطقوس أملًا أن ينال مراده وينتقل إلى دار الجبل، ولكن قبل أن يتم ذلك اقتحم جنود دار الأمان دار الغروب وهجروا أهلها إلى دار الجبل واعتبروا كل من تخلف عن القافلة من أسرى الحرب.

غادرت القافلة ووصلت إلى جبل عال تقع فوقه المدينة المرادة، وقبل أن يدخل قنديل إلى المدينة أعطى كل ما كتبه إلى صاحب القافلة وطلب منه أن يعطيه إلى ما تبقى له من أهله في داره الأولى وفرد دفترا جديدًا خاصًا لدار الجبل ولكن لم يرد في أي من كتب التاريخ ذكر لصاحب هذه الرحلة بعد ذلك ولا أحد يعلم ماذا حدث، فهل وصل أم هلك؟ وهل أقام بها لآخر عمره أم استماع الرجوع إلى وطنه؟ وهل يعثر ذات يوم على مخطوط جديد لرحلته الأخيرة؟ لا أحد يعلم.

ملخص رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ

للمزيد من ملخصات الكتب

Exit mobile version