الشخصية الانطوائية وسماتها

الشخصية الانطوائية وسماتها

تعرف جمعية علم النفس الأمريكية الشخصية الانطوائية (introverted) على أنها ميل الشخص نحو العالم الخاص الداخلي لنفسه وأفكاره ومشاعره بدلاً من التوجه نحو العالم الخارجي، عالم الأشخاص والأشياء. ويعد نمط الشخصية الانطوائية من السمات التي تظهر في نطاق واسع من السلوكيات والمواقف [1].

الشخصية الانطوائية عند كارل يونغ

تحدث عالم النفس السويسري كارل يونغ (Carl Jung) عن نمط الشخصية الانطوائية في كتاب Psychological Types (1921). وقارنها مع نمط آخر، نقيض لها، وهو الشخصية المنفتحة (extroverted) [2].

يشرح يونغ أن وراء هذين النمطين المختلفين يكمن موقفان مختلفان من الحياة. وهذا يعني أن طبيعة رد فعل الشخص للظروف والعوامل المحيطة تختلف باختلاف نمط شخصيته. وتبدأ هذه الأنماط بالتكوّن في مرحلة مبكرة من حياة الشخص. كما يحدد يونغ الفرق بين نمطي الشخصية هذين عن طريق الاختلاف بتوجه الليبيدو، أو الطاقة النفسية للشخص [2].

وهنا يجب توضيح الفرق بين مفهوم الليبيدو عند سيغموند فرويد (Sigmund Freud) وعند يونغ. فقد عرف فرويد الليبيدو على أنه الطاقة الجنسية التي تقود كافة رغبات البشر واندفاعاتهم وغرائزهم. حتى وإن لم يعلموا ذلك أو يدركوه، فهذه الطاقة هي الدافع الذي يتشكّل منذ مراحل الطفولة المبكرة.

لكن يخالف يونغ فرويد هنا في توصيف الليبيدو، فلا يحصر هذا المفهوم في الطاقة الجنسية وحسب. بل يصفه بشكل أعم على أنه الطاقة النفسية التي تحفّز الأفراد عبر العديد من الطرق المهمة. وتتضمن هذه الطرق المجالات الروحية والفكرية والإبداعية. كما يرى يونغ أن الليبيدو هو مصدر إلهام الأفراد للسعي وراء المتعة والحد من النزاعات، ويعمل على تحفيز العديد من السلوكيات [2] [3].

سمات الشخصية الانطوائية ومواطن الضعف فيها

إذاً، ما هو دور الليبيدو في تحديد نوع الشخصية سواء الانطوائية أم المنفتحة؟

في الواقع، يمثل اتجاه هذه الطاقة العامل الفارق في تمييز الشخصية الانطوائية عن المنفتحة. إذ يتسم الأشخاص الانطوائيون بتوجه طاقتهم النفسية نحو الداخل. فيكون التركيز على عوامل شخصية وذاتية، لا خارجية. وهذا عكس المنفتحين الذين تتوجه طاقتهم النفسية نحو العالم الخارجي [4].

يجد الأشخاص الانطوائيون السعادة في وحدتهم، ويتميزون بامتلاك خيال خصب. كما يفضلون التفكير والتأمل على القيام بالأنشطة الفعلية. فتراهم منعزلين وهادئين، ويميلون إلى الانسحاب عن المجموعات. كما يتحفظون في التعبير عن أفكارٍ أو مشاعر أو انطباعات ذات تأثيرٍ إيجابي. بل يغلب الشك على مواقفهم وآرائهم، ويفضلون العمل منفردين. وقد تكون هذه من مواطن الضعف لديهم. ويضاف إليها عدم ثقتهم بالأشخاص عموماً، واتسامهم بالخجل والتردد، وتجنب الحياة الاجتماعية [1] [4].

تدفع هذه السمات ومواطن الضعف إلى تشكيل صور نمطية أو أفكار مغلوطة عن الانطوائيين. فيراهم المجتمع، وخاصة الأفراد من ذوي الشخصيات المنفتحة، على أنهم أنانيون ومملون، وأن حياتهم تتمحور حول ذواتهم. وهذا غير دقيق، فطبيعة تعامل المرء مع عالمه تختلف باختلاف شخصيته، على الرغم من تشابه الطرق المستخدمة في مقاربة هذا العالم، بنوعيه الداخلي والخارجي [4].

تعامل الشخصية الانطوائية مع العالم

يتحدث يونغ عن أربع وظائف نفسية يمكن للمرء – الانطوائي أو المنفتح – أن يستخدمها، أو إحداها، في تعامله مع العالم. وهذه الوظائف هي التفكير (thinking) والمشاعر (feeling) والحس (sensation) والحدس (intuition). وينتج عن بروز إحدى هذه الوظائف لدى الشخص، وتقاطعه مع نمطي الشخصية الانطوائية أو المنفتحة، أنواع أكثر للشخصيات حسب ميل أصحابها وطريقة استخدامهم للوظائف [4].

بالنسبة للتفكير، يهتم الانطوائيون بالأفكار المجردة بدلاُ من الحقائق بحد ذاتها. فالغرض من التفكير لديهم لا يتمثل بجمع المعلومات، ولا بفهم العلاقة مع العالم الخارجي. أما من ناحية وظيفة المشاعر، فيغلب المظهر البارد على من يعتمد هذه الوظيفة من الانطوائيين. إلا أنهم في الواقع أشخاص متعاطفون ومتفهمون لأصدقائهم. كما أنهم قادرون على التضحية بالذات عندما يتطلب الأمر ذلك. وفيما يتعلق بوظيفة الحس، فالانطوائيون هنا يكونون حساسين وذوي خيال واسع لدرجة قد يصعب فهمهم أحياناً. ولديهم القدرة على تخيل أشياء غير موجودة، وهذا ما يجعل منهم مهندسين أو فنانين ناجحين. وأخيراً، عندما تكون وظيفة الحدس هي السائدة، يرتفع مستوى الإبداع لدى الشخص الانطوائي، والذي يكون قادراً باللاوعي على بناء احتمالات مستقبلية متعلقة بالظروف المحيطة بتجارب موجودة في الحاضر [4].

جوانب أخرى

تشير الدراسات إلى أن عدد الأشخاص الانطوائيين يوازي عدد المنفتحين، ولكنهم بالطبع أقل ظهوراً وأكثر هدوءاً. ويعزى هذا الميل في الشخصية إلى عوامل وراثية وبيئية. ولكن يمكن أن يتعلم الانطوائيون التصرف بطريقة أكثر انفتاحاً إذا اتبعوا خطة لتغيير بعضٍ من أنماط سلوكهم. مثلاً، يمكنهم التدرب على المبادرة ببدء حديث مع أحد ما بدلاً من انتظار الشخص الآخر ليتحدث أو الانسحاب من الموقف الاجتماعي [5].

ولكن هذا لا يعني أن الشخصية الانطوائية هي أمر سلبي. بل على العكس، يتسم هذا النمط بجوانب إيجابية في طريقة تعامله مع العالم. إذ يستمتع الانطوائيون بأحاديث غنية وعميقة بدلاً من المواضيع السطحية التي لا طاقة لهم عليها. كما يمكن للانخراط بالعالم الداخلي أن يزيد من مستوى الابتكار والإنتاج الإبداعي لدى المرء. ونرى أمثلة لفنانين أو مؤلفين انطوائيين أغنوا العالم بنتاجهم الفكري كالكاتبة جي كي رولينغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، والعلماء أمثال ألبرت أينشتاين وإسحق نيوتن، والقادة كالرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن والناشطة الحقوقية روزا باركس. ولا تخلو حياة الانطوائيين من الأصدقاء. فمع أن دائرة صداقاتهم قد تكون ضيقة، إلا أنها عميقة ومنتقاة بعناية بعيداً عن العلاقات الاجتماعية العابرة أو المؤقتة [5] [6].

اقرأ أيضاً: مقدمة في علم النفس

المصادر

  1. جمعية علم النفس الأمريكية
  2. Psychological Types – Carl Jung
  3. Simply Psychology
  4. Philosophy Lander Edu
  5. Psychology Today
  6. Happier Human

ألبرت الصغير، ضحية تجارب الخوف

كيف يتشكل الخوف؟ وهل بالإمكان خلقه عند الشخص؟ هذا السؤال الذي حاول عالم النفس جون واتسون الإجابة عنه، مستخدمًا في ذلك طفلًا بعمر تسعة أشهر ليكون عينة لتجربته.

حقوق الصورة: newscientist

تجربة ألبرت الصغير

تجربة الطفل ألبرت، أو ألبرت الصغير هي تجربة قام بها عالم النفس السلوكي جون واتسون لاستكشاف التعلم العاطفي عند الطفل. أجريت هذه التجربة المضبوطة “في بيئة المختبر” عام 1920، وذلك في جامعة جونز هوبكنز، على طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر وذلك لاستكشاف موضوع التكييف الكلاسيكي. نُشرت النتائج أول مرة في عدد فبراير من مجلة علم النفس التجريبي. [1]
وكانت هذه التجربة مضبوطة، تظهر أدلة تجريبية على التكييف الكلاسيكي للبشر، ,وأظهرت أن ما قدمه بافلوف في تجاربه في التكييف المشروط على الحيوانات بالإمكان تطبيقها على البشر. وبالتالي بالإمكان خلق شعور، أو خوف عند إنسان لم يكن يخف من الشيء مسبقًأ. [1]

الأطروحة التي مهدت للتجربة

اعتمد واتسون في تجربته بشكل رئيسي على نظرية بافلوف في التكييف الشرطي، وحاول تطبيق ذلك بتعريض الطفل لمحفزات عديدة ثم ربطها بمحفزات أخرى، ليخلق لديه شعور الخوف من الفأر، الذي لم يكن يمتلكه الطفل مسبقًا. حيث يلعب التكييف الكلاسيكي دورًا رئيسيًا في تطوير المخاوف والفوبيا “الرهاب”، وقد تكون بعض أنواع التجارب ناتجة بشكل جزئي من التكييف الكلاسيكي. [2]

التكييف الكلاسيكي classical conditioning:

التكييف الكلاسيكي هو نوع من التعلم كان له تأثير كبير في مدارس علوم النفس وخصوصًا المدرسة السلوكية. اكتشفه عالم الفيزيولوجيا إيفان بافلوف. وهو عملية تعلم تحدث من خلال الارتباط بين المحفز البيئي والمحفز الذي يحدث بشكل طبيعي. يتضمن التكييف الكلاسيكي وضع إشارة محايدة قبل رد فعل طبيعي. في تجربة بافلوف الشهيرة مع الكلاب كانت الإشارة المحايدة هي صوت نغمة وكانت الاستجابة الطبيعية للكلب هي سيلان اللعاب استجابةً للطعام. ومن خلال ربط الحافز المحايد “النغمة” بالمحفز البيئي “الطعام” يمكن أن ينتج صوت النغم وحده الاستجابة الطبيعية، أي سيلان اللعاب. [3]

تفاصيل تجربة ألبرت الصغير

كان المشارك في التجربة طفل وتمت تسميته “ألبرت ب” وهو ليس اسمه الحقيقي، وهو العينة المدروسة في التجربة. الباحثان المشرفان على التجربة كانا واتسون أخصائي العلوم السلوكية وطالبته روزالي راينر.
بدأت التجربة بتعريض الطفل لعدة محفزات stimuli، منها فأر أبيض وقرد وأقنعة وصحف مشتعلة وتمت ملاحظة وتسجيل ردود أفعاله للمحفزات. الطفل لم يظهر أي خوف من أي من المحفزات التي تعرض لها.
في المرة التالية التي تم عرض الفأر على الطفل رافق ذلك إحداث واتسون لضوضاء عالية بالضرب على أنبوب معدني. وبطبيعة الحال فإن الطفل استجاب للضوضاء بالبكاء. تم إقران الضوضاء العالية بظهور الجرذ أمام الطفل لمرات عدة خلال فترات زمنية متفاوتة، وأدى ذلك لبكاء الطفل كلما رأى الفأر الأبيض، الذي ارتبط لديه بالمحفز الآخر.
كتب واتسون: “في اللحظة التي رأى فيها الطفل الفأر بدأ بالبكاء، استدار فورًا بحدة إلى اليسار، وسقط على جانبه الأيسر، وبدأ بالزحف بعيدًا عنه بسرعة، تمكننا بصعوبة الوصول له وإمساكه.” [4]

الارتباط مع نظرية التكييف الكلاسيكي

تقدم تجربة ألبرت الصغير مثالًا واضحًا عن كيفية تطبيق التكييف الكلاسيكي لتكييف الاستجابة العاطفية باستخدام المحفزات المختلفة.
المحفز المحايد: وهو محفز لا يثير أي استجابة في البداية وهو الجرذ الأبيض.
منبه غير مشروط: وهو الحافز الذي يثير استجابة انعكاسية لدى الطفل المدروس وهو الضوضاء العالية التي تسببت بالبكاء
الاستجابة غير المشروطة: وهي رد فعل طبيعي لمحفز معين “الخوف”، وفي التجربة هي خوف الطفل من الضوضاء وبكاءه.
المنبه المشروط: وهو حافز يثير استجابة بعد اقترانه بشكل متكرر بالحافز الغير مشروط، أي اقتران الحافز المحايد “الفأر” بالمنبه غير المشروط “الضوضاء” الذي يحول المحفز المحايد لمنبه مشروط.
الاستجابة الشرطية: وهي الاستجابة الناتجة عن الحافز الشرطي “الخوف” عند تعريض الطفل للمنبه المشروط “الفأر الذي اقترن بالضوضاء”. [4]

نتائج التجربة

أثبت واتسون وراينر أن الاستجابات العاطفية يمكن أن تكون مشروطة عند البشر. ولاحظا أن تعميم التحفيز قد حدث؛ أي أن ألبرت الصغير لم يخشى الفئران فقط بعد التجربة وإنما تعدى خوفه للعديد من الأجسام المشابه، أي شيء أبيض وذو فرو. وهذه الظاهرة يطلق عليها اسم التعميم.
بعد خمسة أيام وجد الباحثان أن ألبرت طور رهابًا من الأشياء التي تشترك مع الجرذ ببعض الخصائص بما في ذلك كلب العائلة، وبعض الصوف القطني. بعد أسابيع وأشهر من التجربة تمت ملاحظة ألبرت وكان خوفه من الفئران أقل وضوحًا، هذه العملية تسمى الانقراض. لم يتسنى لواتسون وراينر عكس التأثير الذي أحدثوه لدى الطفل وذلك لأن أمه قامت بسحبه فورًا بعد انتهاء التجربة. وأيضًا لم يتسنى للباحثين متابعة وضع وحالة الطفل حول الفوبيا هذه وذلك لوفاته في عمر السادسة بسبب استسقاء الرأس. [4]

نقد التجربة

كان واتسون قد خطط لعكس التكييف الذي أحدثه للطفل، وذلك بالقيام بعكس ما قام به؛ أي ربط التحفيز بمنبه شرطي محبب للطفل بدلًا من أن يكون مخيفًا له. ولكن تم سحب ألبرت من التجربة ذلك. بالتالي أصبح للطفل رعب لم يكن يمتلكه من قبل، ومن الممكن أن يرافقه طول حياته.
تعتبر ممارسة كهذه غير أخلاقية بتاتًا في عصرنا هذا وذلك بسبب المعايير التي حددتها جمعية علم النفس الأميريكية وجمعية علم النفس البريطانية. وينتقد المنهج المعرفي النموذج السلوكي لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار العمليات العقلية، ويجادلون بأن عمليات التفكير التي تحدث بين الحافز والاستجابة مسؤولة عن عنصر الشعور في الاستجابة. [5]

5- simplypsychology

كيف يفسر علم النفس السلوكيات المتعلّقة بالجوع والطعام؟

من البديهي القول أن الحاجة إلى الطعام هي واحدة من الحاجات الفيزيولوجية الأساسية للحياة. لذلك فإن هذه الحاجة لم تحافظ فقط على الحياة البشرية، بل لعبت دورًا أساسيًا في صقل  سلوكيات الإنسان الحديث عبر التطور لملايين السنين. في القرن العشرين، بدأت محاولات علم النفس في تفسير السلوكيات المتعلقة بالطعام. فما هي أبرز النظريات حول ماهية الجوع؟ وكيف يفسر علم النفس السلوكيات المتعلّقة بالجوع والطعام؟

نظريات النقطة المحددة:

يعتقد غالبية الأشخاص أن الجوع ينتج عن نقص في الطاقة، بحيث أن جسدنا يطلب الطعام للحفاظ على مستوى الطاقة لديه. ويسمّى هذا الاعتقاد ب”Set-point assumption – اعتقاد النقطة المحددة”. وهو يقارن الجسم بالمنظم الحراري (الترموستات) الذي يعطي الحرارة أو التبريد بحيث تصبح حرارة المنزل أقرب إلى النقطة المحددة (Set-point).

وقد طرح العلماء نوعين من نظريات النقطة المحددة هما:

  • نظرية توازن السكري: تعتبر هذه النظرية أن هدف تناول الطعام الأساسي هو الحفاظ على توازن مستوى السكري. وتصف هذه النظرية بشكل رئيسي شعوري الجوع والشبع وتربطهما بمستوى السكر في الدم. إذ تعتبر أننا نشعر بالجوع عند انخفاضه، وننهي وجبتنا عند استعادة مستواه الطبيعي.
  • نظرية توازن مستوى الدهون:  تعتبر أن كل شخص يملك مستوى دهون، وأن أي انحراف عن هذا المستوى يقابله تعديلات في نسب الأطعمة، وتصف هذه النظرية عملية تنظيم وزن الجسم (على الأمد الطويل).

إذًا فإن هاتين النظريتين لا تتعارضان، بل هما تتكاملان في وصف عمليات الجوع والشبع (بدء الوجبة وإنهائها) من جهة، ووصف تنظيم وزن الجسم من جهة أخرى.

نقد نظريات النقطة المحددة:

واجهت نظريات النقطة المحددة العديد من الانتقادات بحيث اعتبرها الكثير من الباحثين غير كافية لتفسير سلوكيات تناول الطعام.

لا تفسّر هذه النظريات اضطرابات الأكل المنتشرة حول العالم، كالسمنة مثلًا. إذ تدل هذه الاضطرابات أن الأشخاص يميلون إلى الأكل بالرغم من وجود مخزون كافٍ من الطاقة (الدهون) في جسدهم.

كذلك فإن هذه النظريات غير قابلة للتطبيق في حالة  أسلافنا، الذين كانوا يمرون بفترات متقطعة من توفر الطعام بكثرة أحيانًا وفترات أخرى من نقص الطعام الحاد. لذلك كانوا بحاجة لتناول أكبر كمية ممكنة من الدهون خلال توفرها لتخزينها لفترات لاحقة.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الباحثون أن نقص مستوى السكر في الدم نادرًا ما يحفز الشعور بالجوع. إذ إن الشخص يحتاج لحقن إبرة الأنسولين (مادة تخفّض مستوى السكر في الدم)، لكي يشعر بالجوع.

كما أن الكثيرين من الباحثين يعتبرون أن هذه النظريات تتجاهل الكثير من العوامل التي تؤثر في سلوكيات الأكل كالتذوق والتعلم والعادات الاجتماعية وغيرها.

نظريات الجوع والطعام الحديثة:

نظرية الحافز الإيحابي للطعام:

على عكس نظريات النقطة المحدّدة، تعتبر نظرية الحافز الإيجابي أن الذي يدفعنا لتناول الطعام ليس هو نقص مخزون الطاقة بل توقع اللذة التي تنتج عن الطعام. وقد أثبتت العديد من الدراسات ثبات هذه النظرية عند البشر وعند الحيوانات. نذكر منها دراسة أُجريت عام 1980 على فئران بحيث تم إضافة وجبات من الشوكولا والخبز على وجباتها الأساسية (الكافية أساسًا). وبيّنت النتائج زيادة بنسبة 84% في كمية السعرات الحرارية، وازداد وزنها بحوالي 48% بعد 120 يوم.

أثبتت الدراسات كذلك أن العديد من العوامل تؤثر في كمية الطعام المتناولة؛ مثل نكهات الأطعمة وتوقيت الوجبات ووجود العائلة أو الأصدقاء خلال الوجبة، وغيرها من العوامل.

نظرية وودز- Woods :

عارض الباحث ستيفن وودز نظرية النقطة المحددة أيضًا، واعتبر أن تناول الطعام يشوش التوازن في الجسد. إذ أن بعد تناول وجبة طعام، تتدفق كمية كبيرة من الدم إلى الجهاز الهضمي، وترتفع نسبة السكر في الدم، كما ترتفع حرارة الجسم.

لذلك اعتبر وودز أنه من الصحي تناول العديد من الوجبات الصغيرة ( 6 إلى 7 مرات في اليوم) بدل تناول 3 وجبات كبيرة.

النظرية التطورية للجوع والطعام:

بحسب النظرية التطورية للطعام، طوّرت الثدييات نظام تغذية لتجنب فقدان مخزون الطاقة، وذلك لأن الثدييات (وأسلافنا من البشر) عاشت في محيط ذي كميات طعام غير ثابتة. لذلك يميل البشر إلى تناول كميات كبيرة من السكريات والدهون والأطعمة المالحة، بهدف تخزين كميات من الطاقة. يمكننا بهذا فهم سبب تفاقم اضطراب السمنة في المجتمعات الحديثة حيث الأطعمة متوفرة بشكل دائم وبكميات كبيرة.

المصادر:

edx

University of British Columbia

إقرأ أيضًا: ما هو الدافع (الحافز) في علم النفس

الحدس وتفسير حدوثه في عمليات التفكير وآليات المعالجة

الحدس وتفسير حدوثه في عمليات التفكير وآليات المعالجة

ينطوي الحدس على عمليات غير واعية وسريعة وعاطفية ويتم تفسير حدوثه على أنه نتيجة لعملية تفكير سريع غير متعمد.

ما هو الحدس؟

حسب قاموس جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يعرف الحدس على أنه البصيرة أو الإحساس المباشر بالفهم، على نقيض التفكير المنطقي أو الواعي [1]. كما يعرف قاموس أوكسفورد هذه الكلمة على أنها الفهم المباشر دون تدخل المنطق. [2]

لطالما أثار مفهوم الحدس – أي قدرةُ الأشخاص على اتخاذ قراراتٍ ناجحةٍ دون التفكير التحليلي المتعمد – فضول الفلاسفة والعلماء منذ أيام الإغريق القدماء على أقل تقدير. ولكنهم لم يستطيعوا إيجاد دليل قابل للقياس على حقيقة وجود الحدس. [3]

تفسير حدوث الحدس في علم النفس

حالياً، يشكل الحدس وتفسير حدوثه موضوعاً شائعاً في علم النفس. وعلى الرغم من قبول هذه الفكرة بين كل من علماء النفس الأشخاص العاديين على حد سواء، يفتقد العلماء اختباراً موثوقاً يستطيعون من خلاله جمع بيانات موضوعية عن الحدس، أو حتى إثبات وجوده [4].

يعزو علم النفس الحدس إلى القدرة على مطابقة الأنماط. إذ يقوم العقل بالتفتيش في التجارب المختلفة المخزّنة في الذاكرة طويلة الأمد، بحثاً عن مواقف مشابهة، ويُصدر أحكاماً لحظية بناءً عليها [5].

ولكن ما هي آلية العمل التي تؤدي بالنتيجة إلى إصدار هذه الأحكام؟

كيف يفسر العلم الحدس؟

وفقاً للباحث Ben Newell من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا (UNSW)، لا يمثل الحدس عملية سحرية تأتي الإجابات فيها إلى ذهن الإنسان من العدم. بل على العكس من ذلك، تنتج القرارات الحدسية في أغلب الأحيان عن عمليات تفكير مكثفة ومستفيضة. ولكن تختلف عملية التفكير في اتخاذ القرارات الحدسية عن عملية التفكير المدروسة [6].

نظرية المعالجة المزدوجة

يعود تفسير هذا إلى نظرية المعالجة المزدوجة (dual process theory) التي تقسّم العمليات الذهنية إلى فئتين وفقاً لطريقة عملها: إما تلقائية أو مضبوطة [7]. يتصف النمط التلقائي بكونه سريعاً وترابطياً وعاطفياً، في حين يتميز النوع المضبوط بالبطء والتروي بالتفكير[8]. ويكمن الفرق بين هاتين العمليتين المختلفتين في مدى ملاحظتنا لخطوات الإدراك الوسيطة التي تحدث أثناء العملية [6].

في التفكير المدروس والمتعمّد، تنتج سلسلةٌ من الأفكار ومجموعةٌ من المعلومات تمثل الخطوات الوسيطة في وصولنا إلى النتيجة. ولكن تنعدم هذه الخطوات في عملية التفكير الحدسي، وتتم الاستجابة -سواء عن طريق اتخاذ قرار ما أو القيام بفعل معين- دون بذل جهد كبير [6]. ويتضمن الحدس تجميع حقائق ومفاهيم وتجارب وأفكار ومشاعر غير مترابطة بشكل كبير. كما أنها غزيرة ومتفرقة لدرجة يصعب معها معالجتها بشكل متعمد أو منطقي. وهذه العملية تتم بشكل لا واعي أو شبه واعي، أي أن طرق عملها مخفية للعقل الواعي. لذلك يبدو الحدس وكأنه ينشأ من العدم، ولا يمكن تفسيره فوراً أو بسهولة [9].

بحث جامعة نيو ساوث ويلز في الحدس وآثار حدوثه

بالعودة إلى جامعة نيو ساوث ويلز، قام مجموعة من الباحثين بابتكار تقنية جديدة تفسر كيف يمكن للحدس غير الواعي أن يقودنا في اتخاذ القرارات [3].

في هذه التجربة، تم تقديم معلومات ضمنية عاطفية لمجموعة من الأشخاص أثناء قيامهم باتخاذ قرارات حسية وواعية بالكامل. وتُظهر البيانات السلوكية والنفسية التي تم جمعها في البحث أنه يمكن للمعلومات العاطفية غير الواعية أن تعزز الدقة والثقة في اتخاذ القرار المتزامن معها، وتسرّع أوقات الاستجابة. وكانت نتائج البحث داعمة لفكرة أنه يمكن للمشاعر غير الواعية أن تحرف السلوك غير العاطفي المتزامن معها، وهذا ما يدعى بعملية الحدس [10].

ولكن هل يعني هذا أنه يمكننا الوثوق بحدسنا ثقة عمياء؟

عندما يحدث الحدس، هل يصيب دائماً؟

طبعاً لا!

في بعض الحالات أو المواقف الجديدة والمجردة والتي لا ترتبط بتجارب سابقة، من الضروري الاعتماد على التفكير المنطقي [2]. إذ يمكن للحدس أو نمط التفكير السريع غير المتعمد أن يوقعنا في الخطأ. ولكن وجد الباحثون في جامعة نيو ساوث ويلز في تجربتهم أن الدقة في اتخاذ القرارات بالتزامن مع المعلومات العاطفية غير الواعية كانت قد تعززت مع الوقت.

مما يعني أنه من الممكن تحسين الحدس عن طريق التمرين [10]. ولكن اتفق الجميع على أنه ينبغي علينا توخي الحذر عند الاعتماد على حدسنا. إذ توجد مواقف معينة تتطلب الاتكال على التفكير المتعمد والمنطقي.

اقرأ أيضاً: ما هي الـ ديجا فو-Déjà vu؟ وما تفسيراتها الطبية؟

المصادر

  1. قاموس جمعية علم النفس الأمريكية
  2. Intuition and Reasoning: A Dual-Process Perspective
  3. جمعية علم النفس الأمريكية
  4. Live Science
  5. Psychology Today
  6. Explainer: what is intuition?
  7. Gawronski, Bertram, and Laura A. Creighton. The Oxford Handbook of Social Cognition. Oxford University Press, 2013.
  8. Dual Process Theory of Thought and Default Mode Network: A Possible Neural Foundation of Fast Thinking
  9. The Psychology and Philosophy of Intuition
  10. Measuring Intuition: Nonconscious Emotional Information Boosts Decision Accuracy and Confidence

ما هو الدافع (الحافز) في علم النفس؟

هل تتساءل في هذه اللحظة ما الذي يدفعك إلى قراءة هذا المقال؟ وهل سبق لك أن تساءلت ما الذي يدفعك إلى القيام بكل نشاطات حياتك، من أبسطها (كاختيار طعام مثلًا) إلى أكثرها تعقيدًا (كاختيارك لمجال تخصصك مثلًا)؟ إن كل سلوك تقوم به هو في الواقع ناتج عن مجموعة من الدوافع (الحوافز) النفسية والجسدية، وقد عمل الباحثون في علم النفس على تعريف الدافع وتفسيره، وذلك لفهم السلوكيات البشرية. إذن ما هو الدافع (الحافز) في علم النفس؟ وما هي أبرز النظريات التي تفسّر الدوافع وطريقة تفاعلها مع المحيط وتأثيرها على السلوك؟

تعريف الدافع:

الدافع هو كل رغبة أو حاجة تدفعنا باتجاه سلوك معيّن. وقد صنف العلماء الدوافع إجمالًا ضمن خانتين: الدوافع الداخلية (Intrinsic motivation) والدوافع الخارجية (Extrinsic motivation).

الدافع الداخلي هو كل اندفاع ذاتي نحو سلوك معيّن، وغالبًا ما يكون السلوك نفسه مصدرًا للدافع. فالطفل مثلًا يندفع بشكل فطري إلى اللعب، لأن اللعب بحد ذاته ممتع. أما الدافع الخارجي فهو الدافع الذي يصدر من المحيط كنتيجة لسلوك معيّن. وفي هذه الحالة، يكون السلوك وسيلة للحصول على الحافز، فيعمل مثلاً الطفل على ترتيب ألعابه بهدف الحصول على مكافأة معينة.

من ناحية أخرى، تُصنف الدوافع إلى دوافع جسدية (مثل الجوع والعطش والجنس والنوم وغيرها) ودوافع نفسية أو اجتماعية (مثل اللعب والشعور بالإنجاز والاستقلالية).

أبرز النظريات حول الدافع في علم النفس:

1) نظريات الدوافع الغريزية:

تأثر علماء النفس بنظرية التطور الداروينية وحاولوا تفسير السلوك انطلاقًا من الغرائز. و قد كان عالم النفس والفيلسوف الأميركي “ويليام جايمز” من أوائل المساهمين في البحث حول الدافع. افترض جايمز أن السلوك البشري تقوده مجموعة من غرائز البقاء. ويمكن تعريف الغريزة بالسلوك الفطري الذي يولد مع الإنسان دون الحاجة إلى تعلّمه. لكن في عصر جايمز كان تعريف الغريزة غير ثابت، ويختلف من عالم نفس إلى آخر. بحسب جايمز، توجد العشرات من الغرائز مثل غريزة حماية الأم لطفلها وغريزة البحث عن السكر وغريزة الصيد وغيرها… وهي تتحكم بسلوكيات الانسان.

واجهت هذه النظرية كمًّا كبيرًا من النقد نظرًا لدور التلقين والتعلم والتنشئة الاجتماعية في التأثير على السلوك، وقد بدأ إثبات هذا الدور (تحديدًا دولا التعلم ) منذ بداية القرن العشرين.

أما اليوم، فيعتبر علماء النفس التطوري أن فهم الوظيفة التكيفية للسلوك قد يكون مفتاحًا لفهم أصله وتفسيره.

2) نظرية الدافع (Drive theory):

اشتهرت هذه النظرية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، لتفسير الحافز النفسي والسلوك والتعلم. وهي تتمحور حول فكرة الحفاظ على التوازن (Homeostasis)، فجسدنا مثلًا قادر على الحفاظ على توازن في حرارته من خلال عدد من الآليات التي تُفعل عند حدوث أي خلل في الحرارة (فترتجف العضلات في البرد، ويزيد التعرق في الحر).

كذلك، تعبر نظرية الدافع أن سلوكنا يهدف إلى الحفاظ على التوازن الجسدي والنفسي، وأن الدافع يولد عند وجود أي خلل في هذا التوازن، أي عند عدم تلبية أيٍّ من الحاجات الجسدية أو النفسية.

3) نظرية الحافز الإيجابي:

في حين ترتكز نظرية الدافع حول الدوافع الداخلية، تعتبر نظرية الحافز الإيجابي أن سلوكنا يتأثر بشكل أساسي بالحوافز الخارجية، فنبحث من خلال سلوكنا على مكافأة أو تجنب العقاب أو المشكلة. كما استندت هذه النظرية عل عدد من الدراسات التي بينت تكرار السلوكيات بشكل أكبر عند وجود مكافأة.

لكن النظرية لا تلغي دور الدافع الداخلي، بل تعيره دورًا غير مباشر في تحديد السلوك. ويعتبر عالم النفس “بول توماس يونغ” أن حالة الفرد النفسية والشعورية تؤثر في مدى تأثره بالحوافز الخارجية.

4) نظرية الإثارة للتحفيز:

بعكس نظرية الدافع التي تعتبر أن الدافع إلى السلوك هو العودة إلى التوازن، تعتبر نظرية الإثارة أن الإنسان يمكن أن يندفع لسلوك معين بهدف الحفاظ على المستوى الأمثل من الإثارة. الاستثارة ضرورة لازمة من أجل الانجاز، ونعطي مثالًا على ذلك فضولك الذي دفعك إلى قراءة هذا المقال.

وفقًا لنظرية الإثارة للتحفيز، يتمتع كل شخص بحد من الإثارة يكون الأمثل من أجل التحفيز والإنجاز. إذا انخفض مستوى الإثارة (شعرت بالنعس أو الضجر خلال الامتحان مثلًا)، ستنخفض إنتاجيتك. والعكس صحيح أيضًا، إذ أن ارتفاع الاثارة بحد كبير فوق مستواها الأمثل (شعرت بتوتر شديد خلال الامتحان) يؤثر سلبًا على إنتاجيتك.

5) النظرية الإنسانية : هرم ماسلو

بحسب ماسلو ، إن الحاجات الإنسانية هي التي تدفع بنا إلى سلوكياتنا. وقد صنف هذه الحاجات إلى خمس مستويات رئيسة بشكل هرمي وهي:

  • الأول : الحاجات الفيزيولوجية كالتنفس والغذاء والماء والإخراج والنوم والجماع.
  • الثاني: حاجات الأمان كالسلامة الجسدية والأمان الأسري والصحي والوظيفي
  • الثالث: الحاجات الاجتماعية كالصداقة والعلاقات الحميمة والأسرية
  • الرابع: الحاجة للتقدير (المكانة والثقة والشعور بالإنجاز)
  • الخامس: تحقيق الذات (تحقيق الإنجازات والأنشطة الإبداعية

ختامًا، لا يمكن اختصار فهمنا للسلوكيات البشرية ودوافعها من خلال نظرية واحدة، إذ إن الأكيد هو تداخل الدوافع الخارجية والداخلية مع عوامل أخرى بطريقة معقّدة يجعل كل منا يتصرف بطريقة فريدة، وله خياراته الخاصة. وقد يكون علم النفس بكافة تفرعاته، ما زال عاجزًا عن فهم شامل لحوافز سلوكنا.

المصادر:

edx

openstax.org

Positivepsychology.com

Researchgate.com

Psychologynoteshq

إقرأ أيضًا: إدراك الزمن: كيف يخدعنا في إدراك الوقت

دراسة الوحش، تجربة التلعثم التي استغلت الأيتام كفئران للتجارب!

يقال ان الطريق لجهنم مرصوف بالنوايا الحسنة. وهذا يبدو بوضوح في تجربة وندل جونسون التي بدأت بنوايا سليمة لإثبات منشأ التلعثم عند الطفل. وانتهت بنتائج شنيعة كان ضحيتها 22 طفل يتيم. كنيت التجربة باسم “دراسة الوحش” لتدل على وحشية هذه التجربة.

أطفال الميتم الذين أجريت عليهم التجربة، حقوق الصورة: factrepublic

دراسة الوحش: تجربة بنوايا سليمة

عام 1939 شرع وندل جونسون وطالبته ماري تيودور، في مركز أبحاث التلعثم في جامعة آيوا بإجراء دراسة على مجموعة من الأطفال في ميتم. هدفها الأساسي كان إثبات أن منشأ التلعثم من الوصم وليس بالضرورة بيولوجيًا. أي التلعثم قد يكون ناجمًا عن وصم الطفل بأنه متلعثم، وإظهار أثر التحفيز السلبي والإيجابي على نطق الطفل.
جونسون نفسه كان طفلًا متلعثمًا، وعانى خلال طفولته وشبابه من ذلك، الأمر الذي شجعه ليصبح أخصائي أمراض نطق. إذ أنه أراد أن يعرف أكثر عن أسباب التي تسبب التلعثم للأطفال. [1]


الأطروحة التي مهدت للتجربة

جادل جونسون أن التلعثم ليس ذو منشأ بيولوجي بالضرورة؛ أي أن الطفل ممكن ألا يكون متلعثماً ويكتسب ذلك بسبب التنشئة. والتلعثم قد يكون سلوكًا مكتسبًا.
أراد جونسون معارضة الأراء السائدة حول منشأ التلعثم، فكانت فكرة المنشأ البيولوجي من المسلمات في وقته ذاك، وأراد أن يبرهن على صحة أفكاره بالتجربة العملية لإثبات أن الشخص لا يولد متلعثمًا بالضرورة. [2]

تجربة تيودور وجونسون

بدأت التجربة باختيار 22 طفل من الميتم كعينة. وإجراء الاختبارات التي تقيم معدل ذكاء كل طفل، ومهارات التحدث، وهيمنة اليد اليسرى أو اليمنى. أظهر 10% من الأطفال علامات التلعثم وإعاقة الكلام. ثم تم اختيار 12 طفل من بين الأطفال الطليقين في الكلام بشكل عشوائي من العينة، وحددت مهارات الكلام لديهم على مقياس من 1 إلى 5.
قُسم الأطفال بعدها إلى مجموعة ضابطة وجموعة تجريبية. تلقى نصف هؤلاء الأطفال علاجًا للنطق، تمثل ذلك في:
-لتعزيزات الإيجابية للطفل و
-الثناء عليه عند الكلام وغرس الثقة عنده
-استخدام عبارات مثل: “لا تهتم بما يقوله الآخرون، نطقك سيتحسن مع التدريب”.
بينما تعرضت المجموعة الثانية للتالي:
-التعنيف اللفظي والجسدي أحيانًا
-استخدام العبارات السلبية وتعنيف الطفل عند ارتكابه لأبسط خطأ
-إخبارهم بشكل متكرر بأنهم متلعثمين ولن يتحسنوا في حديثهم مطلقًا. [3]


نتائج التجربة

استمرت التجربة لمدة 5 أشهر ولوحظ أن الأطفال في مجموعة العلاج السلبي بدأوا يعانون من مشاكل كبيرة في النطق والثقة بالنفس، فمن بين الأطفال الستة الطبيعيين، بدأ خمسة منهم بالتلعثم بعد العلاج السلبي. ومن بين خمسة من الأطفال المتلعثمين أساسًا تفاقمت حالة ثلاثة. فيما كان واحد من الأطفال في المجموعة المصنفة “طبيعي” يعاني من مشاكل أكبر في الكلام بعد التجربة. [2]

إخفاء النتائج عن الناس

أدرك الباحثون قوة تجربتهم وخطر آثارها، وحاولوا التراجع عن الضرر الذي تسببوا به للأطفال ولكن دون جدوى، كانت آثار وصف الأطفال المتلعثمين دائمة وكان على هؤلاء الأطفال التعايش مع هذه المشكلة طوال حياتهم .
بعد أن انتهاء التجربة لم ينشر جونسون هذه الأبحاث عكس ما فعله مع معظم أبحاثه، حيث كانت التجارب النازية على البشر في أوجها حينها وخشي جونسون من ربط تجاربه بهذه التجارب فتلحق ضررًا بسمعته. وتم إخفاء التجربة والنتائج عن الناس إلى عام 2001 حيث تم نشرها في سلسلة من المقالات في سان خوسيه نيوز. كانت هذه الأطروحة متوفرة في مكتبة الجامعة لكنها كانت مجهولة ومنسية إلى نشرها بعد عقود من إجراءها.

النقد ولا أخلاقية التجربة

الجوانب التي ظهرت فيها لا أخلاقية التجربة عديدة، فوجود نوايا جيدة عند البدء في التجربة لن يخفف من وقع الآثار السلبية للتجربة. كما وأن وندل الذي كان نفسه طفلًا متلعثمًا، كان يجري التجارب على نفسه وعلى زملاءه خلال دراستهم للتلعثم، وهذا أيضًا لن يتشفع له في جرمه بتجربته.
من جهة إجراء التجارب على الأطفال غير أخلاقي، وفكرة اختيار الطفل اليتيم الذي لا يرعاه أحد، ولن يهتم أحد إن أجرى تجربته عليه فكرة مؤلمة إنسانيًا. الجانب الآخر في لا أخلاقية التجربة كان في الإخفاء والكذب؛ القائمين بلغوا السلطات بأنهم كانوا “يعطون الأطفال بعض النصائح”. والأطفال لم يكن لديهم أي علم بكونهم جزء من تجربة حتى.
تجنبوا نشر النتائج خوفًا على سمعتهم، وكانوا على علم بأن ما يفعلونه غير أخلاقي ولكنهم استمروا في فعله وبرروه بالنوايا الحسنة. [4]

المصادر:

1- gvsu
2- uh.edu
3-pubsasha
4- nytimes

رحلة حول أهم التساؤلات عن الأحلام«كيف ومتى ولماذا نحلم؟»

لطالما كانت الأحلام محل جدال ونقاش كبير في الأوساط العلمية وغير العلمية منذ قديم الأزل. كما طُرحت العديد من التساؤلات حول الأحلام. كيف؟ ومتى؟ ولماذا نحلم؟ فاجتهد البعض لإيجاد إجابة لهذه التساؤلات وطرح البعض الآخر نظرياته. و بالتالي سنأخذكم في رحلة خلال هذا المقال إجابات علمية حول أهم التساؤلات عن الأحلام.

ما هو الحلم؟

يرتاح جسمنا أثناء النوم، لكن يظل عقلنا نشطًا ويعمل على حفظ وترتيب الأحداث اليومية، والتخلص من الأحداث غير الهامة، وخلال ذلك يمر العقل ببعض التخيلات والتهيؤات خلال مرحلة «حركة العين السريعة- (rapid eye movement(REM» والتي تُعرف بالأحلام. حيث ينفصل العقل عن الواقع ويُنشئ قصة وعالم وخاصين به. كما لا يوجد حدود لكمّ الأشياء التي يمكننا الحلم بها سواء كانت تجربة مررنا بها أو حدث ما عابر. [2] [1]

كيف ومتى نحلم؟

نحن نمر خلال النوم بخمسة مراحل متكررة، آخرها هي الـ REM وهي أكثر مرحلة مقترنة بالأحلام.
خلال مرحلة الـ REM يحدث بعض التغيرات:

  • يكون الدماغ في أعلى مراحل نشاطه خلال النوم.
  • زيادة استهلاك الدماغ للأوكسجين.
  • ارتفاع معدل التنفس.
  • زيادة ضربات القلب.
  • اربتفاع ضغط الدم.
  • تغيرات في درجة حرارة الجسد.
  • تهيج جنسي. [1]

يرسل الدماغ في مرحلة الـ REM إشارات عصبية تعمل على شلل مؤقت للعضلات وخصوصًا الأطراف، لكي يمنعنا من التفاعل مع أحلامنا في الواقع مما قد يؤدي إلى أذية أنفسنا أو من حولنا ،وتسمى هذه بـ «الحالة التناقضية-Paradoxical stat»، حيث يكون العقل في حالة نشاط يكون صور ذهنية والجسم في حالة ارتخاء. [6] [1]

أهمية الأحلام «لماذا نحلم؟»

اختلف الباحثون على إيجاد سبب واضح لأهمية الأحلام، إلا أن البعض قدم بعض الاقتراحات:

1- التدرب على «المواجهة أو الفرار-fight or flight»

تُعتبر «لوزة المخ- amygdala» من أكثر مناطق المخ نشاطا خلال الأحلام، وهي المسؤولة عن غريزة البقاء، كما أنها تكون نشطة خلال الأحلام أكثر من بعد الاستيقاظ. لذا يفترض بعض الباحثين أن العقل يقوم بالتدرب للتعامل مع التهديدات المختلفة. [2]

2- التدرب خلال «الأحلام الصافية-Lucid Dreams»

قد يتمكن بعضنا من تطويع أحلامه عن طريق التحكم في مجريات وأحداث الأحلام دون استيقاظ. وبناءًا على ذلك، اقترح بعض الباحثين أنه يمكننا التدرب على حدث ما مستقبلي خلال أحلامنا. مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن اكتساب مهارة جديدة أو تعلم شيء خارج حدود العقل. [1]

3- تخزين المعلومات والتذكر

تساعد الأحلام على تخزين المعلومات المكتسبة يوميًا، أشارت بعض الدراسات إلى أن المعلومات التي نتعلمها ونحلم بها نستطيع تذكرها بشكل أكبر من التي لم نحلم بها. حيث أنها قد تساعد أيضا في التخلص من الأحداث الغير الهامة. [2]

4- الاستشفاء

أظهرت بعض الدراسات أن الأحلام تساعد العقل للتخلص من المشاكل النفسية، حيث وجد الباحثين إن بعض مرضى الاضطراب النفسي لا يحلمون أثناء نومهم. [3]     

إنذار مبكر لمشاكل صحية

يتواصل جسدنا مع عقلنا بواسطة الأحلام. قد يرسل جسدنا إشارات مبكرة للعقل بوجود خلل ما في الجسم والذي يترجم على شكل أحلام. [1]

الإبداع وحل المشاكل «تكمن الحلول داخل أعماقنا»

الكثير من الرسّامين والمغنيين والكتّاب والعلماء استمدوا أفكارهم من الأحلام، حيث إن الأحلام تفتح أفاق جديدة في عقلك التي تكون مقيدة وقت الاستيقاظ. فمن أشهر الأمثلة هو العالم «أوجست كيكوليه- August Kekulé» الذي اكتشف شكل حلقة جزيء البنزين خلال حلمه! [4]

تفسير الأحلام

كان لتفسير الأحلام اهتمام كبير من قديم الأزل، بداية من حضارة بلاد الرافدين مرورا بالحضارة المصرية القديمة وصولًا إلى وقتنا الحالي. قرر العالم النفسي الشهير «سيجموند فرويد-Sigmund Freud»معالجة الموضوع معالجة علمية، لقد انتهج طريقًا صعبًا لتفسير الأحلام، حيث اعتمد على نفسه في إجراء تجاربه، فكان يدون أحلامه ويحاول ربطا بتفاصيل حياته حتى الشخصية منها. فلم يكن يعتقد أن الأحلام لا معنى لها بل إن كل تفصيله في الحلم ترمز إلى شيء بحياتنا اليومية. حيث كان يعتقد أنه من الأسلم والأدق عدم إجراء تجارب على مرضاه حيث إنهم بالفعل مصابين ببعض الاضطرابات مما يؤدي لعدم دقة النتائج وتعميمها على البشر.

قسّم سيجموند فرويد الأحلام إلى أحلام ظاهرية وأحلام باطنية. وقام بتعريف الأحلام الظاهرية أنها الأحلام التي لها علاقة مباشرة بالأحداث اليومية، أما الأحلام الباطنية قد تظهر بأحداث لا معني لها لكنها ترمز إلى أشياء مهمة مرتبطة بنا عاطفيا، وكلاهما عمل فرويد على تفسيرهما وخصوصا الأحلام الباطنية حيث حاول تفسير وتعميم كل رمز لا معني له في تلك الأحلام ومطابقته مع واقع الحالم. [5]

العوامل المؤثرة على تكرار الأحلام

العوامل التي تؤثر على تكرار الأحلام

كما ذكرنا سابقا معظم أحلامنا تحدث خلال مرحلة ال REM وكلما زادت، زادت معها الأحلام. فتحدث الأحلام بمعدل أكبر في الرضع عن الكبار حيث إن مرحلة ال REM تستحوذ على 50% من مراحل النوم عند الرضّع وتقل في الكبار لتصل إلى 18% فقط حيث إن العقل تقل مرونته. [6]
وهناك بعد العوامل التي قد تؤثر في حدوث الأحلام:

  • التوتر.
  • القلق.
  • الاكتئاب.
  • زيادة الوزن.
  • بعض العقارات المهلوسة.
  • السعادة. [1]

الأحلام التي نحلم بها لا تستيقظ معنا في الصباح

أثبتت الدراسات أنه لا يستطيع 90-95% من الأفراد تذكر الأحلام بعد الاستيقاظ [1]. وقد يُعزى السبب في ذلك نقص الهرمونات المسؤولة عن اَلتَّذَكُّر مثل الـ «نورأدرينالين-noradrenaline» أثناء الأحلام. [2]

لكي نكون أدق، الأحلام في الواقع لا ننساها لكننا لا نستطيع استرجاعها، قد تكون لعدم أهميتها مقارنة بأحداث أخرى أهم، وقد نتذكر الأحلام بعد فترة ما في حال إذا ما صادفنا حدث ما مشابهة لذلك الحلم، حينها نكن قادرين على استرجاع الحلم.

أحد الحقائق المهمة هو أننا نستطيع تذكر الأحلام التي استيقظنا خلالها وهذا قد يفسر سبب تذكرنا للكوابيس أكثر من الأحلام السعيدة حيث أن معظم الأفراد يستيقظون بشكل مفاجئ خلال الكوابيس، كما تترك طابع نفسي شيء مما يزيد قدرتنا علي استرجاع تلك الكوابيس. [2]

المصادر

  1. medlife
  2. healthline
  3. ted
  4. كتاب “From Alchemy to Chemistry” لـ John Read
  5. كتاب “The Interpretation of Dreams” لـ Sigmund Freud
  6. time

ما رهاب الخلاء؟ وما أعراضه وكيف يمكننا التعامل معه؟

لم أغادر منزلي سوى ثماني مرات خلال اثني عشرة عامًا، التجارب الاجتماعية تسبب لي الذعر، حتى كتابة هذا التعليق تخيفني. أنا أخطط للأمور كثيرًا قبل فعلها، حتى قبل المكالمات الهاتفية، وهذا يتطلب الكثير من الوقت والمجهود. لقد سئمت من ترك رهاب الخلاء يتحكم بي، أنا لا أعيش الحياة بالفعل. (ملحوظة: لقد عدلت هذا التعليق أربع عشرة مرة لأن نوبات الهلع لم تفارقني طوال كتابته)

كتب هذه الكلمات أحد المعلقين على مقطع فيديو يتحدث عن رهاب الخلاء، وسواء صدقت كلماته أم لا، إلا أنها حثتي للتفكر في مدى جدية هذه الحالة. ما هو هذا الرهاب؟ كيف يتضحم ليتحكم في صاحبه لهذا الحد؟ والأهم هو كيف يمكننا التعامل معه؟

ما رهاب الخلاء؟

«رهاب الخلاء-agoraphobia» نوع من اضطرابات القلق، يصيب الشخص فيمنعه من الخروج إلى العالم.

يتجنب المصاب برهاب الخلاء الأماكن العامة والمفتوحة لشعوره بالاحتجاز وعدم القدرة على الهرب.

يسبب الخجل الاجتماعي والخوف من الإذلال شعور الاحتجاز، فيتجنب الشخص على أثره أغلب الأماكن والمواقف العامة، وقد يصل به الأمر إلى عدم مغادرة المنزل لشهور وسنوات.

المعنى الحرفي للمصطلح (agoraphobia) هو الخوف من أماكن التسوق. بالتالي يمكننا استنتاج الأماكن التي يهابها المصاب برهاب الخلاء ويتجنبها وهي: 

  • مراكز التسوق.
  • المواصلات العامة.
  • المساحات المفتوحة (الجسور وساحات انتظار السيارات)
  • صفوف الانتظار والحشود.
  • المساحات المغلقة (صالات السينما والمحال)


يتجنب الشخص هذه المواقف وقد ينتهي به الأمر محتجزًا في منزله، لأنه المساحة الوحيدة الآمنة الذي يشكل ما عداه خطرًا عليه. 

الأعراض

يتميز رهاب الخلاء بعدد من الأعراض المعروفة وهي:

  • الخوف من مغادرة المنزل.
  • الأماكن المفتوحة.
  • الأماكن المغلقة مثل المسارح وصالات السينما.
  • المواصلات العامة.
  • الانخراط في المواقف الاجتماعية وحيدًا.
  • الخوف من فقدان السيطرة (الإصابة بنوبة هلع) في مكان عام.

تسبق «نوبات الهلع-panic attack» ظهور الرهاب، إذ يجد الشخص نفسه في موقف/مكان مثير لقلقه، فتظهر الأعراض التالية:

  • ألم في الصدر.
  • دوار وضيق تنفس.
  • رعشة وتعرق.
  • غثيان وقيء.
  • زيادة ضربات القلب.
  • شعور بالاختناق.

الأسباب وعوامل الخطر

يرى العلماء أن تلك الأعراض التي ذكرناها (أعراض نوبات الهلع) أصل رهاب الخلاء، إذ يهاب الشخص أن تأتيه النوبة في مكان عام فتسبب له الإحراج، ونتيجة لذلك يتجنب أغلب المواقف أو الأماكن “غير الآمنة”، فينتهي به الحال مقيدًا في منزله لا يغادره لسنوات.

بالإضافة إلى ذلك، حدد العلماء عددًا من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بهذا الرهاب وهي:

  • أن يكون الشخص مصابًا بنوع آخر من اضطرابات القلق (الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق المعمم)
  • سوابق عائلية للإصابة برهاب الخلاء.
  • سوابق للتعرض لاعتداء أو صدمة قوية.

تزداد احتمالية إصابة الشخص بهذا الرهاب عند اجتماع الأسباب التي ذكرناها معًا. ويجب الانتباه لأعراض هذا الرهاب لأن إغفاله قد يسبب مضاعفات خطيرة منها:

  • شعور عام بالوحدة والانعزال، إذ ينقطع الشخص عن عمله ودراسته وعلاقاته واهتماماته.
  • تدهور المعيشة نتيجة للصعوبات المادية، مما يزيد من الشعور بالضغط والقلق وربما يؤدي للاكتئاب.
  • قد يدرك الشخص عدم منطقية خوفه، لكنه لا يستطيع التحكم به، فيشعر بالغضب وقلة الحيلة.
  • تأُثر ثقة الشخص بنفسه، مما يزيد من شدة مخاوفه وقلقه.
  • قد يتجه الشخص لوسائل ترويح غير صحية مثل: تناول الطعام بكميات كبيرة، أو تعاطي المخدرات، أو إدمان الكحول.

العلاج

يستجيب مصابو رهاب الخلاء للعلاج ويظهرون تحسنًا معه، يختلف شكل هذا العلاج باختلاف الحالة وشدتها وتفضيلات كل مريض، لكنه بشكل عام يتضمن عددًا من الوسائل الآتية:

  • الأدوية المضادة للاكتئاب أو المضادة للقلق.
  • العلاج المعرفي السلوكي.
  • الاستشارات النفسية.
  • تمارين الاسترخاء.
  • مجموعات الدعم.
  • تعليمات ونصائح للتعامل مع رهاب الخلاء.

نصائح للتعامل مع رهاب الخلاء

ينبغي على مريض الرهاب، بالإضافة إلى طلب المساعدة من مختص نفسي، تعديل نظام حياته ليتمكن من التعامل مع أعراض الرهاب. هذه التعديلات هي:

  • ممارسة تمارين الاسترخاء لإدارة الضغط بشكل أفضل.
  • المحافظة على نظام غذائي صحي ومتوازن.
  • ممارسة الرياضة بشكل منتظم.
  • الامتناع عن المخدرات والكحوليات.
  • تقليل جرعة الكافيين اليومية.

اقرأ أيضًا: عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

المصادر

عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

“أشعر بالذنب لكوني على قيد الحياة.. وهذا شعور ثقيل
كأن تتساقط حوائط المحيط فوق رأسك.. غير عابئة بالسدود”

كُتبت هذه الكلمات بيد بايشنس كارتر ذات العشرين عامًا، التي شهدت حادث إطلاق نيران مريع بولاية فلوريدا. نجت كارتر من هذا الحادث فيما فقد آخرون حياتهم. وعلى عكس المتوقع، لا نجدها ممتنة للنجاة بل شاعرة بالذنب والثقل. فما سبب هذا الشعور؟ هذا ما سنتعرف عليه في حديثنا اليوم عن عقدة الناجي!

ما عقدة الناجي؟

«عقدة الناجي-survivor’s guilt» هو نوع من الشعور بالذنب، يختبره هؤلاء الذين نجوا بحياتهم من مواقف كارثية. عقدة الناجي ظاهرة معقدة للغاية، قد يختبرها الشخص لشعوره بالذنب لأنه مازال على قيد الحياة فيما توفي الآخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي لإنقاذ أحدهم، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لمساعدته.

يعد خبراء الصحة النفسية عقدة الناجي عرضًا مهمًا لـ «اضطراب ما بعد الصدمة-PTSD»، إذ يتلازم الشعور بالذنب مع موقف كارثي مهدد للحياة، ينجو منه الشخص فيما يفقد آخرون حيواتهم. وقد تظهر عقدة الناجي وحدها دون أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة.

اُستخدم مصطلح عقدة الناجي للمرة الأولى مع الناجين من المحرقة الجماعية (الهولوكوست)، لوصف شعورهم بالذنب بعد تعرضهم لتلك الجريمة البشعة. والآن تختبر فئات أخرى هذا الشعور مثل:

  • المحاربون القدامى.
  • مرضى السرطان.
  • ضحايا الحوادث العنيفة.
  • الناجون من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل.
  • المراسلون الصحفيون في مناطق الحروب والكوارث.
  • من شهد انتحار أحد أفراد عائلته.
  • من فقد عزيز خلال جائحة كورونا.

أعراض عقدة الناجي

عقدة الناجي تجربة معقدة للغاية، فكما ذكرنا سابقًا يختلف سبب الشعور بالذنب من شخص لآخر، إما لأنه نجا فيما توفي آخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي للمساعدة، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لإنقاذه. 

نجد العرض المشترك والأكثر وضوحًا هو الشعور بالذنب. وهناك عدد من الأعراض الأخرى التي تختلف في حدتها باختلاف حالة كل مريض. مثل: 

  • شعور بالضعف وقلة الحيلة.
  • استرجاع ذكريات الموقف الكارثي.
  • شعور بالغضب والانفعال.
  • شعور بالخوف والحيرة.
  • تقلبات مزاجية ونوبات غضب.
  • فقدان الحماس.
  • أفكار انتحارية.

    هذه هي الأعراض النفسية التي تتطابق تقريبًا مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وهناك عدد من الأعراض الجسدية منها:
  • اضطرابات الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • صداع.
  • غثيان وآلام في المعدة.
  • تسارع ضربات القلب.

عوامل الخطر

جميعنا معرضون لشدائد الحياة، وشئنا أم أبينا، نتأثر بتبعاتها. عقدة الناجي ليست استثناءًا من هذه القاعدة، إلا أنه هناك عدد من العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بها. وهذه العوامل هي:

  • تعرض الشخص لصدمات الطفولة مثل: الاعتداء أو التحرش.
  • وجود أمراض نفسية أخرى مثل: القلق أو الاكتئاب.
  • غياب الدعم النفسي من العائلة أو الأصدقاء.
  • تعاطي المخدرات أو الكحوليات.

أثبتت الدراسات وجود بعض العوامل الأخرى التي قد تزيد من صعوبة الموقف على الناجي. أهمها: الندم. يتقاطع الشعور بالذنب مع الندم في أغلب الأحيان، إذ ينظر الشخص إلى الوراء متسائلًا عما كان يمكن تقديمه لإنقاذ حياة هذا أو مساعدة ذاك. 

يقع الشخص فريسة لهذا الشعور متأثرًا بما يعرف بتحيز «الإدراك المتأخر-Hindsight Bias» إذ ينظر الشخص إلى الحدث الصادم معتقدًا أنه كان واضحًا للغاية، وكان ينبغي عليه توقع حدوثه. فيما يخبرنا الواقع بالطبع أنه بعض الأمور تحدث فقط، ولا يمكننا التحكم بها لأنها خارج نطاق إرادتنا.

كيف نتعامل معها؟

يتطلب وجود عقدة الناجي، وحدها أو مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة، تدخلًا عاجلًا. لا لتقليل الشعور بالذنب وتحسين جودة الحياة فقط، ولكن لارتباط هذه العقدة بأعراض خطيرة قد تودي بحياة الشخص. 

أثبتت الدراسات أن العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي، فعال للغاية في عكس الآثار السلبية للصدمة وعقدة الناجي.

قد يستفيد الشخص من عدد من الوسائل العلاجية الأخرى مثل: العلاج النفسي الجماعي، أو مجموعات الدعم، أو بعض الأدوية لتخفيف حدة الأعراض.

لا تقتصر رحلة العلاج على زيارة المعالج فقط والالتزام بالأدوية. الألم والحزن والذنب والندم مشاعر قوية تترك بصمتها على الجميع، ينبغي علينا معرفة كيفية التعامل معها. وهاك بعض النصائح المقترحة لذلك:

  • اسمح لقلبك أن يحزن.
    أن تشهد بشرًا مثلك يفقدون أرواحهم ،أمام عينيك، دون أن تستطيع المساعدة، أمر قاتل. اسمح لقلبك أن يحزن، وامنحه هدية الوقت حتى يكتمل شفائه. 
  • أنت فقط بشر، لا يمكنك التحكم بكل شيء.
    أتفهم رغبتك في عتاب نفسك، وإصرارك أنه كان من الممكن فعل شيء لتغيير ما حدث. لكن الحقيقة أن ما حدث قد حدث، هناك بعض الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك ولا يمكنك التحكم بها.
  • اغفر لنفسك.
    لا يسهل على أحد تحمل عواقب أفعاله، خاصة إن تسببت النتائج بالأذى. لكن الأخطاء تحدث، وجميعنا معرضون لارتكابها. اغفر لنفسك وامنح نفسك ما تحتاج من الوقت لذلك.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

حرق الأحداث قد يمنحك متعة أكبر بالقصة

إن نهاية القصة هي أحد أجزائها المفضلة لدينا، وقد نتكبد العناء فقط لتجنب سماع نهاية فيلم لم نشاهده أو كتاب لم نقرأه بعد، ثم ما أن نعرف النهاية حتى نشعر أن تجربتنا قد أفسدت تمامًا. وهذا ما يسمى بـ “حرق الأحداث”.

لذا فإن حارقي الأحداث سيئو السيئة. لكن بحثًا منشورًا في مجلة Psychological Science أظهر أن معرفة نهاية القصة قبل قراءتها/مشاهدتها لا يحد من الاستمتاع بها، بل قد يجعلك أكثر استمتاعًا بالقصة، هذه هي «مفارقة حرق الأحداث-Spoiler Paradox».

أجرى الباحثان نيكولاس كريستنفيلد وجوناثان ليفيت من جامعة كاليفورنيا، قسم علم النفس في سان دييغو، ثلاث تجارب مع اثنتي عشرة قصة قصيرة (من مؤلفين مثل جون أبدايك وأغاثا كريستي وأنتون تشيخوف). تضمنت القصص حبكات رائعة وألغاز وقصص أدبية مثيرة للعواطف. في اثنين من الظروف في التجربة، تخلوا عن نهايات القصص. في أحد هذه الظروف وضعت النهاية كنص مستقل يسبق القصة، وفي الحالة الثانية تم دمج النهاية كفقرة افتتاحية للقصة. وفي ظرف آخر، لم يتم حرق أحداث النهاية.

أشارت نتائج الدراسة إلى أنه في كل نوع من أنواع القصص، فضل المشاركون النسخ المحرقة على غيرها، وفضلوا القصص أكثر عندما تم تضمين الحرق كنص مستقل يسبق القصة. يغير هذا الاكتشاف نظرتنا التقليدية عن حرق القصص ويثير سؤالًا واحدًا كبيرًا:


لماذا؟

في عام 1944، أجرى فريتز هايدر وماري آن سيميل من كلية سميث دراسة بسيطة لكنها ذات تأثير. أظهر الباحثون للمشاركين رسمًا متحركًا لمثلثين ودائرة تتحرك حول مربع. يمكنك مشاهدة الرسوم المتحركة في الفديو أدناه.

عند مشاهدة العرض التوضيحي، من الصعب ألا تضيف حوارك الخاص لشرح ما يجري في المشهد. وجدت الدراسة أن معظم المشاركين وصفوا الدائرة والمثلث الأزرق بأنهم “واقعون في الحب” وأن المثلث الرمادي “الكبير السيئ” “يحاول الوقوف في الطريق”. كان المشاركون يستخدمون السرد لوصف الأفعال ووصف المشهد كما لو كان للأشياء نوايا ودوافع.

توضح هذه الدراسة غريزة الإنسان لسرد القصص، مما يعني أن رواية القصص تحقق أو تسهل وظيفة الإنسان الأساسية. البشر حيوانات اجتماعية والقصص هي أداة مهمة لمساعدتنا على فهم السلوك البشري وإيصال فهمنا للآخرين. هذا له علاقة بما يسميه علماء النفس «نظرية العقل-theory of mind”». إن امتلاك نظرية للعقل يعني أن لدينا القدرة على إسناد أفكار الآخرين ورغباتهم ودوافعهم ونواياهم، ونستخدمها للتنبؤ وشرح أفعال وسلوكيات الآخرين. نظرًا لأننا نمتلك القدرة على إسناد نوايا للآخرين وفهم كيف يمكن أن تسبب هذه النية سلوكًا، فإن القصص مهمة لأنها تسمح لنا بإيصال علاقة السبب والنتيجة. من المهم أن نتذكر هذا لأن هذا يعني أن القصة تعتبر جيدة إذا كانت تؤدي هذه الوظيفة: وهي توصيل المعلومات بشكل فعال للآخرين.

هذا هو السبب في أن حرق الأحداث لقصة يجعلها أكثر جاذبية من القصص التي تتركنا معلقين بنهاية غير معروفة. حرق الأحداث يجعل القصة أسهل في المتابعة والفهم من القصص التي تكون نهايتها غير معروفة. يصف المؤلفون في دراستهم كيف أن “التشويق فيما يتعلق بالنتيجة قد لا يكون ضروريًا، بل يمكن أن ثقلل المتعة نتيجة تشتيت الانتباه عن التفاصيل ذات الصلة والسمات الجمالية”.

ربما تكون قد لاحظت بنفسك كيف أن القصة الجيدة هي قصة يمكن تكرارها مرارًا وتكرارًا بنفس الاستمتاع. القصة التي تُعرف فيها النهاية مسبقًا هي قصة جيدة لأنه يمكن معالجتها بسهولة. فكر في القصص التي صمدت أمام اختبار الزمن، قصص مثل قصة حصان طروادة. على الرغم من أن النهاية معروفة جيدًا (سيختبئ اليونانيون في حصان خشبي ضخم مجوف من أجل الوصول إلى مدينة طروادة المسورة)، فإن هذا لا يقلل من قدر الاستماع إلى القصة. لأنك تشعر براحة أكبر في معالجة المعلومات – ويمكنك أن تركز على فهم أعمق للقصة. هذا مهم لأننا نستخدم القصص لتوصيل الأفكار المعقدة، من المعتقدات الدينية إلى القيم المجتمعية.

ننقل هذه الأيديولوجيات المعقدة من خلال القصص لأنه يمكن معالجتها والاحتفاظ بها بسهولة أكبر من النص المباشر. في الواقع، أظهرت الأبحاث أننا نستجيب للمعلومات بشكل إيجابي عندما تكون في شكل سردي أكثر من نص بسيط. ما يعني أن الأشخاص الذين يلجأون إلى حرق الأحداث ليسوا سيئين على الإطلاق. فهم يأخذون قصة معقدة ويبسطونها، مما يسمح لك بمعالجتها بسهولة. وهذه القدرة على معالجتها بسهولة تجعلك أكثر انخراطًا في القصة وأعمق فهمًا لها.

المصادر: ResearchGate, PsychologyToday, PsychologicalScience

إقرأ أيضًا: ما هو الكذب المرضي؟ وما أسبابه وأعراضه وعلاجه؟

متلازمة الطفل الأوسط : 5 سماتٍ مميزة للطفل الأقل حظًا!


الطفل الأكبر دومًا مسؤول، والأصغر مدللٌ ويحبه الجميع، بينما الأوسط هو الأقل حظًا دائمًا. هذه هي الصور النمطية التي نعرفها جميعًا عن ترتيب الأطفال داخل الأسرة. سنهتم اليوم بالطفل الأقل حظًا، ومتلازمة الطفل الأوسط التي سُميت باسمه. فما هي متلازمة الطفل الأوسط؟ وما مدى صحتها؟
 

تعريف متلازمة الطفل الأوسط

متلازمة الطفل الأوسط هي الاعتقاد السائد أن هذا الطفل لا يحظى بالاهتمام والرعاية الكافية من أبويه، فهو طفل مُهمل ومشتت بين ظلال أخويه الأكبر والأصغر. نتيجة لذلك يطور هذا الطفل سمات شخصية معينة تنبع بشكل أساسي من ترتيبه في العائلة.

ظهرت هذه المتلازمة كجزء من نظرية شهيرة وضعها عالم النفس ألفريد أدلر. حاول أدلر في نظريته تفسير الاختلافات بين شخصيات البشر تبعًا لموقعهم في العائلة. على سبيل المثال: 

  • الطفل الوحيد: يحب أن يكون مركز الانتباه، ويفضل صحبة البالغين، كما يجد صعوبةً في مشاركة أقرانه في الأنشطة المختلفة.
  • الطفل الأكبر: صارم ومسؤول وأكثر التزامًا بالقواعد من باقي الأخوة.
  • الطفل الأصغر: مدلل يحتاج للعناية، ويضع خططًا كبيرة لكنه يخفق في تنفيذها.
  • الطفل الشبح: الطفل الذي يُولد بعد وفاة آخر. عادةً يكون هذا الطفل معارضًا رافضًا مقارنته بذكرى الطفل الراحل.

سمات الطفل الأوسط

لم يُغفِل أدلر في نظريته الطفل الأوسط، فهو طفل يقع بين الطفل الأكبر والأكثر قدرةً وإنجازًا، والطفل الأصغر الذي يبهر الجميع بابتسامة ويحظى بكل الانتباه والرعاية. نتيجة لذلك يطور هذا الطفل عددًا من السمات الشخصية. منها:

  • التنافسية
    الطفل الأوسط طفلٌ تنافسي، فهو ينافس الأَخَوان الأكبر والأصغر ليحظى بالانتباه والرعاية. وقد يصل به هذا الأمر إلى ارتكاب أخطاء، أو المعارضة والثورة بلا سبب فقط لجذب الانتباه.
  • تزعزع الثقة بالنفس
    ينظر الطفل إلى إنجازات أخيه الأكبر الأكثر نضجًا -عقلًا وجسمًا- فلا يشعر بتميز إنجازاته.

    وهناك بعض السمات الإيجابية مثل:
  • القدرة على التعلم
    يراقب الطفل الأوسط أخاه الأكبر دائمًا، في محاولة للتعلم منه والتفوق عليه لإثارة إعجاب أبويه.
  • التعاون وتحمل المسؤولية
    يساعد الطفل الأوسط أخاه الأصغر، حيث يقوم بمراقبته والاعتناء به أو تعليمه مهارات لم يتعلمها بعد.
  • التفاوض
    مهارة التفاوض من أهم السمات التي يكتسبها الطفل الأوسط، فوجوده داخل مجموعة ينمي مهاراته الاجتماعية بشكل كبير.

أسباب متلازمة الطفل الأوسط

السبب الأساسي لظهور متلازمة الطفل الأوسط هو شعور الطفل بنقص الاهتمام والغربة بين عائلته. ما بين اهتمام الأبوين بالطفلين الأصغر والأكبر، يشعر الأوسط بقلة تميزه مقارنةً بهما، وقد ينتهي به الأمر منخرطًا في المشاعر والسلوكيات السلبية التي ترتبط بهذه المتلازمة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض العوامل المحفزة التي تساهم في ظهور المتلازمة بشكل أوضح:

  • غياب الدعم
    هو شعور الطفل بالإهمال والوحدة، وعدم قدرته على التحدث بحرية مع أبويه.
  • اضطراب الهوية
    يشعر هذا الطفل بالحيرة والاضطراب، مشتتًا بين ظلال أخويه الأكبر والأصغر.

حقيقة متلازمة الطفل الأوسط

يدور حول هذه المتلازمة الكثير من الجدل، وهناك الكثير من النتائج المتناقضة فيما يخص حقيقة وجودها.

الدراسات المؤيدة

استطلعت الدراسات علاقة الطفل الأوسط بأبويه وصحته النفسية، فوجدت أن النسبة الأكبر من المشاركين ذوي الترتيب الأوسط (مقارنةً بالأول والأخير):

  •  ليسوا مقربين من أمهاتهم.
  • لا يلجأون للأبوين وقت الحاجة.
  •  أكثر ميلًا للمثالية والالتزام.

الدراسات المعارضة

  • دحضت الدراسات المعارضة تأثير متلازمة الطفل الأوسط على إصابة الطفل بأمراض نفسية مثل: الاكتئاب.
  • أشارت دراسة حديثة واسعة إلى: عدم وجود أي تأثير دائم لترتيب المولود على السمات الشخصية له مثل: الانفتاح والقبول والاستقرار العاطفي.

نلاحظ هنا تعارض النتائج بشكل واضح بين مؤيد ومعارض. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه، سواء أثبت العلم صحة هذه النظرية أو خطأها، أن طفلك -مهما كان ترتيبه- يستحق العناية والاهتمام. وأن أسوأ ما قد يحدث له هو غياب الدعم والملاحظة، لا ترتيبه الأوسط!

اقرأ أيضا: متلازمة توريت | 7 مُضاعفات ولا أحد يعرف السبب!

المصادر

كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

 العلاقة بين علم النفس التطوري والأمراض النفسية

تُعتبر نظرية التطوّر واحدة من أهم المبادئ التأسيسية في مجال علوم الأحياء والصحة، وقد فتح علم النفس التطوري المجال أمام هذه النظرية لتكون جزءًا أساسيًا من تفسير السلوك الإنساني من جهة، وتفسير الأمراض والاضطرابات التي تصيب الصحة النفسية من جهة أخرى. إذًا كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟

ماذا قدّم علم النفس التطوري لعلم الأمراض النفسية؟

منذ نشأته، بدا علم النفس التطوري كعلم واعد في مجال دراسة السلوكيات البشرية العامة و”الطبيعية”، إلا أن استخدام نظرياته في محاولة تفسير أو معالجة الأمراض النفسية جاء خجولًا، وذلك لأن كل العاملين والباحثين في مجال الصحة النفسية منكبّين فعليًا على المعالجة الفعالة والسريعة للاضطرابات النفسية، فيما يبحث علم النفس التطوري عن الأسباب التاريخية الكامنة وفي دورالانتقاء الطبيعي في الأمراض النفسية.

منذ السبعينات، ظهرت محاولات عدة أبرزت دور التطور في علم النفس المرضي. وتستمر هذه المساهمات حتى يومنا هذا، لكنها بقيت إلى حدِّ ما متفرقة ومُشتتة، بحيث تناولت المقاربات التطورية كل مرض على حدى.

مقاربة راندولف نيسي

في عام 2015، قدّم الطبيب الأميركي «راندولف نيسي –Randolph Nesse» مقاربة شاملة، يشرح فيها أهمية مساهمات علم النفس التطوري في فهم الأمراض النفسية بطريقة واضحة، خصوصًا أن العدد الأكبر منها ذات إتيولوجيا (مصدر أو أسباب) مجهولة. يهتم نيسي بأهمية فهم أسباب ترك الانتقاء الطبيعي لهشاشة صحتنا النفسية في مواجهة الكثير من الأمراض والاضطرابات.

يساهم علم النفس التطوري في مقاربة فيزيولوجية أكثر عمقًا في مجال الصحة النفسية، وقد تجيب عن أسئلة هامة حول طبيعة عمل العلاقات البشرية والمشاعر الإنسانية. كذلك يضع إطارًا علميًا أوضح للتشخيص النفسي على أساس فيزيولوجي، ويضع إطارًا عمليًا أكثر عمقًا وتعاطفًا مع الأفراد المُصابين باضطرابات نفسية.

يحاول علم النفس التطوري فهم الفروقات الفردية التي تجعل بعض الأفراد أكثر عرضةً من غيرهم للأمراض النفسية، وأهمية التجارب الحياتية المُبكرة في بناء شخصية الفرد وتحفيز اضطرابات نفسية معينة عنده.

 «مفارقة الأمراض النفسية –Paradox of mental disorders»

تُصيب الأمراض النفسية عددًا كبيرًا من البشر. فأكثر من 10% من البشر حول العالم يعانون من مرض نفسي واحد على الأقل. ويموت سنويًا قرابة 800 ألف شخص حول العالم جرّاء الانتحار، أي بنسبة شخص واحد كل اربعين ثانية.

تتعدد وتتشابك الأسباب المؤدية لانتشار الأمراض النفسية. لكن تشير الأبحاث إلى دور مهم للجينات الوراثية في العديد من الأمراض النفسية. يبلغ حوالى الـ90 % في مرض التوحد، والـ85% في اضطراب ثنائي القطب والـ81% في مرض الفُصام.

من هنا، نشأ سؤال حول دور الانتقاء الطبيعي في بقاء الأمراض النفسية على مدى الأجيال المتلاحقة. إن كانت هذه الأمراض النفسية تضر تكيفنا ككائنات حية، فلماذا سمح الانتقاء الطبيعي ببقائها أو حتى بزيادتها؟ تسمّى هذه المفارقة بمفارقة الأمراض النفسية. ويأتي هنا دور علم النفس التطوّري في الإجابة على هذا السؤال.

كيف يفسّر علم النفس التطوري الأمراض النفسية من خلال الانتقاء الطبيعي؟

انتقلت الأمراض النفسية عبر الأجيال، ولم يتمكّن الانتقاء الطبيعي من كبحها، بل يعتقد أنه ساهم في بقائها أحيانًا. ويمكن تفسير ذلك من خلال الأسباب التالية:

  • سوء التكيف: لقد ساهم الانتقاء الطبيعي في صقل قدراتنا بحسب حاجاتنا في بيئة العصر الحجري، والتي تشكل بيئة التكيف التطوري. ولكن هذه التكييفات قد لا تناسب البيئة الحالية التي نعيش ضمنها. وقد تكون الامراض النفسية التي نعاني منها ناتجة عن سوء التكيف بين عقول العصر الحجري التي نحملها في جماجمنا وبين حاجات عالمنا اليوم.
  • الإصابة الفيروسية أو البكتيرية: تنتج بعض الأمراض النفسية عن إصابات فيروسية أو بكتيرية، سواءً في عمر بالغ أو في أشهر التكوّن الأولى في رحم الأم. كما أنها قد تنتج عن الاستجابة المناعية للجسد في وجه جسم غريب (كما في حالات أمراض المناعة الذاتية). في هذه الحالة، لا يقدر الانتقاء الطبيعي على مواجهة الإصابات. فتطوّر الفيروس والبكتيريا أسرع بكثير من تطور الإنسان بسبب كثرة أجيال الفيروس والبكتيريا مقارنة بتوالد البشر.
  • محدودية الانتقاء الطبيعي: رغم الأهمية الهائلة لهذه العملية، إلا أنها تبقى محدودة نظرًا لعشوائيتها والأخطاء المحتملة في نقل المعلومات الجينية. ويمكن بذلك أن تعزز احتمالية انتقال الأمراض النفسية بسبب عدم تأثير تلك الأمراض بشكل مباشر على توارث الصفات الجينية.
  • الدفاعات الجسدية والنفسية: بعض ردات الفعل الجسدية كالألم والسعال وارتفاع الحرارة قد تكون مزعجة، لكنها في الأساس تهدف للدفاع عن صحتنا الجسدية وحمايتنا. وغيابها نفسه يعد عرضًا مرضيًا. كذلك المشاعر السلبية كالقلق مثلًا قد يكون دفاعًا مفيدًا. وقد يعزّز القلق فرص البقاء على قيد الحياة، وبالتالي فمن الطبيعي أن يبقيه الانتقاء الطبيعي رغم كونه شعورًا سلبيًا.
  • مساومة الانتقاء الطبيعي (Trade off): في الانتقاء الطبيعي لا وجود لحلول مثالية. كل ميزة نحصل عليها نخسر في مقابلها ميزة أخرى، فنحن نملك قدرات جسدية وعقلية محدودة. لذلك قد يكون الحفاظ على الأمراض النفسية يشكل نوعًا من الحماية من خسارة ميزات معينة. وقد تكون بعض تلك الميزات ميزات عاطفية مسؤولة عما نحن عليه كمجتمعات بشرية.

مستقبل دراسة علم النفس التطوري للأمراض النفسية

ما زالت الأمراض النفسية تشكل تحدّيًا كبيرًا للبشرية. وتعتبر من الأمراض القليلة التي تفتقد للمؤشرات البيولوجية الكافية لتشخيصها، فيعتمد تشخيصها بشكل أساسي على وصف الأعراض. من هنا جاءت ضرورة استخدام علم النفس التطوري لفهم السياق الطبي التاريخي الذي أتى بهذه الاضطرابات. لا يسعى علم النفس التطوري لإيجاد نوع جديد من العلاج أو التشخيص للأمراض النفسية، بل لأن يدرس الأسباب فيساهم في نظرة أكثر شمولية وعمق لهذا النوع من الأمراض، لعل ذلك يفتح المجال أمام علاجها وتحسين حياة الملايين من البشر.

علم نفس التسويق | تعرف على أشهر 3 حيل تسويقية!

علم نفس التسويق مجال شيق وواسع. وهناك عدد من الأحداث في التاريخ التي أخفقت فيها طرق التسويق المعتادة، وأفلح فقط استخدام علم النفس لمعرفة ما يريده المستهلك حقًا. ربما تتساءل الآن، إذًا كيف بدأ الأمر؟

والإجابة هي: صندوق خليط الكعك الجاهز!

قصة خليط الكعك الجاهز

هل تساءلت يومًا عن تاريخ «خليط الكعك الجاهز-cake mix»؟ يبدو أن هذا الصندوق الصغير مر بالكثير من الأحداث المشوقة قبل أن يصل إلينا.

ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز خلال فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة. حيث توقف الناس عن خبز كعكاتهم لكثرة المكونات والخطوات، ولقلة الموارد بالطبع. نتيجة لنقص الطلب زادت كميات الطحين وفاضت، مما دفع أصحاب المطاحن إلى التفكير في وسيلة مبتكرة لبيعه. وهنا ظهرت فكرة خليط الكعك الجاهز.

ابتكر المصنعون وصفة من الطحين والدبس المجفف والبيض المجفف، وما على ربة المنزل سوى إضافة بعض الماء والاستمتاع بكعكة لذيذة. توقع المصنعون نجاحًا باهرًا، لأن الخطوات بسيطة وغير مكلفة أبدًا. زادت المبيعات بالفعل واشترى الناس خليط الكعك الجاهز، لكن استقرت الأرقام بعد فترة ولم يصل المنتج لأي شخص جديد.

قرر أصحاب المصانع تقصي الأمر، لما لم تحب المزيد من ربات البيوت هذا المنتج؟ ما العائق؟ وكيف نتخطاه؟

حل عبقري

هنا جاء دور علم النفس. ظهر عالم النفس النمساوي «إرنست ديكتر-ernest dichter» لينقذ خليط الكعك الجاهز. توصل ديكتر إلى العائق الذي منع ربات البيوت من استخدام الخليط الجاهز، وهو “الشعور بالذنب”. توقفت السيدات عن استخدام الخليط الجاهز لأنهن شعرن بالذنب، لقلة المجهود الذي يتطلبه الأمر. فلم يشعرن أنه خَبزٌ حقيقي من أجل العائلة، ولم يشعرن باستحقاق المديح.

هنا جاء ديكتر بفكرة عبقرية وهي: إضافة البيض!

كان الشعور بالذنب هو العائق الذي يقف في طريق هذا المنتج، لذا استخدم ديكتر حيلة نفسية بارعة. تسمح للسيدات بالشعور بالمزيد من المشاركة الحقيقية، على عكس خليط الكعك الأصلي، شعرت ربات البيوت أنهن يقمن بطهو حقيقي عند كسر البيض وصنع الخليط وبالتالي قل شعورهن بالذنب.

تضاعفت المبيعات بعد هذا التعديل البسيط، ومثّل نقطة الانطلاق في تاريخ خليط الكعك الجاهز. حتى صار منتجًا معتادًا في أغلب بيوت العالم اليوم.

شهرة علم نفس التسويق

لماذا أقص هذه القصة؟

أقص هذه القصة لأن تعديل ديكتر البسيط لم يؤثر على مبيعات المنتج وحسب، وإنما فتح بابًا جديدًا يُوظَف فيه علم النفس في استراتيجيات التسويق، توظيفًا يلعب على تحيزاتنا ومشاعرنا وأفكارنا لتحقيق أعلى المبيعات. لذا إن كنت صاحب مشروع أو متسوق متهور توشك بطاقته الائتمانية على الإفلاس، دعنا نتعرف على بعض مفاهيم علم النفس المستخدمة في عالم التسويق اليوم.

تأثير الشَرّك

التسويق علم واسع وكبير، ولا داعي لذكر الهدف الأهم المرجو منه وهو تحقيق أعلى المبيعات. لا يمكن تحقيق هذه المبيعات المرتفعة دون التلاعب بالأسعار، ودفع المشترين بشتى الطرق إلى شراء المنتج المستهدف.

«تأثير الشرك-Decoy Effect» أحد الوسائل التي يستخدمها المسوقون للتلاعب بالأسعار. ويحدث عندما يُعرِض المستهلك عن اختيار ما ويختار الآخر، ذلك عند مقارنتهما باختيار ثالث مختلف. هذا الاختيار الثالث هو “الفخ” أو الشرك الذي يضعه خبراء التسويق ليدفع المستهلكون في اتجاه المنتج المستهدف.

مثال: عرضت إحدى الصحف خيارين لباقات الاشتراك الشهرية بها.

  1. اشتراك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

أسفرت النتائج عن اختيار النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الالكتروني الأقل تكلفة. أما عند القيام بتعديل بسيط ومنح المشاركين ثلاثة خيارت:

  1. اشترك إلكتروني: 59$
  2. اشتراك مطبوع: 125$
  3. اشتراك إلكتروني ومطبوع: 125$

اختارت النسبة الأكبر من المشاركين الخيار الثالث الأعلى تكلفة. ونلاحظ أنه كان الخيار المستهدف منذ البداية لأنه يعود بالفائدة الأعلى على الصحيفة.

يمثل الخيار الأوسط هنا الفخ أو الشرك، الذي يجعل الخيار الثالث يبدو أكثر فائدة ومنطقية. ويجعل المستهلك يتساءل لماذا يختار الخيار الثاني بينما يمكنه دفع نفس السعر والحصول على نسخة مطبوعة؟

يلعب هذا التأثير بشكل أساسي على مشاعر المستهلك. يشعر المستهلك بالقلق وعدم القدرة على اتخاذ القرار عند عرض عدة خيارات (الظاهرة التي عرفها علماء النفس بإشكالية اتخاذ القرار). ويلجأ إلى تبسيط خياراته وعقد مقارنة بينها تبعًا لعوامل أساسية مثل السعر والجودة على سبيل المثال.

هنا يأتي دور تأثير الشرك، حيث يستخدمه المسوق الماهر لدفع المستهلك في اتجاه المنتج المستهدف (المنتج الذي يبدو للمستهلك أنه الأجود والأفضل سعرًا).

كره الخسارة

يخبرنا علم النفس أن مشاعر الخسارة السلبية أشد بأضعاف من مشاعر الكسب الإيجابية. من هنا يأتي مفهوم «كره الخسارة-Loss Aversion» وهو تحيز معرفي يشير إلى تفضيل البشر الخيار الآمن، فيفضلون تجنب الخسارة على احتمالية الكسب.

مثال: المشاعر السلبية المرتبطة بخسارة 20$ أشد من المشاعر الإيجابية المرتبطة بكسب 20$!

يعد هذا المفهوم إحدى حيل علم النفس المنتشرة في عالم التسويق. ويستغله المسوقون عن طريق عرض منتجاتهم بالشكل الذي يدفع المستهلك لشرائها، الشكل الذي يُشعر المستهلك أنه يخسر/يضيع فرصة ما إذا أعرض عن الشراء. ذلك باستخدام عبارات مثل:

  • اشترِ الآن
  • اشترك الآن
  • جرب الآن
  • احصل عليه الآن

يرتبط بتلك الوسيلة التسويقية مبدأ آخر، هو مبدأ النُدرة الذي يغذي شعور كره الخسارة ويساهم في اتخاذ قرارات شراء متسرعة. ويظهر في: الحسومات لفترة محدودة، أو المنتجات محدودة الإصدار.

تأثير الألفة

“البعيد عن العين بعيد عن القلب”

يخفي هذا المثل الشعبي الشهير أحد مفاهيم علم النفس وهو تأثير الألفة. كلما رأيت شيئًا ما مرارًا وتكرارًا، اعتدته وازداد تعلقك به.

يستخدم خبراء التسويق هذا المفهوم لزيادة شعبية منتجاتهم، عن طريق الدعاية المتكررة، واستخدام المنصات الالكترونية المختلفة لخلق حملة ترويج مستمر. يخلق هذا التعرض المنتظم لنفس المنتج نوعًا من الاعتياد والألفة الذي سرعان ما يتحول إلى إعجاب بالمنتج.

مثال: تأتي شركات الملابس أحيانًا بأغرب الصيحات التي ينفر منها الكثير. لكن بمرور الوقت وزيادة الانتشار تجد أغلب الناس يعتادونها ويبدأون بشرائها. هنا يظهر تأثير الألفة.

خاتمة

تعرفنا اليوم على ثلاث من مفاهيم علم النفس التسويق. وبالطبع لا يقتصر الأمر عليهم وحسب، بل يستخدم خبراء التسويق وعلماء النفس عشرات المفاهيم يوميًا لدفعنا بطرق بسيطة وخفية إلى المزيد من الشراء. أنت تقرر إذا كان هذا الأمر نافعًا أم ضارًا. لكن ما لا يمكننا الاختلاف عليه هو أنه ذكي للغاية ومثير للاهتمام!

المصادر

كيف يهدد التنميط جودة حياتنا؟ وكيف يمكننا التصدي له؟

هذه المقالة هي الجزء 19 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

تخيل معي أنك وضعت عددًا من الأطفال عشوائيًا في مجموعتين وذهبت بهم في رحلة ميدانية. هؤلا الأطفال لم يتقابلوا قبل مطلقًا لكنهم يتشاركون نفس السن والخلفية الاجتماعية.

بعد مرور يومين اختار الأطفال أسماءًا لمجموعاتهم، وبعد أربعة أيام احتد الصراع بين كلا المجموعتين، وبعد ستة أيام وقع الأطفال في التنميط فوصفوا مجموعاتهم بصفات محببة فيما أهانوا المجموعة الأخرى، وعندما حاولت خلق نوع من التواصل فيما بينهم ازداد الوضع سوءًا.

فما الذي حدث هنا؟

تجربة كهف روبر

ما تخليته الآن هي تجربة شهيرة في علم النفس الاجتماعي تدعى تجربة «كهف روبر-Robber’s cave experiment» قام بها عالم النفس التركي مظفر شريف. استنتج منها ما يلي:

  • عند وضع مجموعة من الغرباء سويًا في مجموعة واحدة وتوحيد أهدافهم، سينشأ نوع من التنظيم وتوزيع الأدوار فيما بينهم.
  • عند خلق تنافس بين المجموعتين حديثتي التكوين، سينشأ نوع من التفضيل بين أفراد المجموعة، والعداء تجاه أفراد المجموعة الأخرى.

نجد هنا أن هؤلاء الأطفال، في غضون أربعة أيام فقط، طوروا حسًا بالانتماء لمجموعة ما ووصفوا جميع أفرادها بالذكاء أو سرعة البديهة او غيرها من الصفات الحميدة فقط لانتماء هؤلاء الأفراد لتلك المجموعة. بينما ذموا جميع أفراد المجموعة الأخرى ووصفوهم بالكسل أو الحماقة فقط لانتماء هؤلاء الأفراد لتلك المجموعة.

ذلك “التنميط” الذي وقع فيه هؤلاء الأطفال شائع ومؤثر ويمكننا رؤيته يوميًا. فلا يقتصر على فريقين في رحلة ميدانية وإنما يمتد ليشمل مجموعات كاملة من البشر. رجال ونساء أو سود وبيض. جميعها ألقاب وفرق لا تأتي وحدها، وإنما ترتبط بها قائمة طويلة من الصفات والأنماط (إيجابية أو سلبية) وتاريخ من العنصرية.

التنميط بين الإيجابيات والسلبيات

مصطلح التنميط أو «الصور النمطية-Stereotypes» له تاريخ طويل. بداية من القرن الخامس عشر حينما كان يستخدم لوصف عملية الطباعة حتى وقتنا الحالي.

مصطلح الصور النمطية حاليًا هو عدد من المعتقدات الثابتة والمعممة على مجموعة أو طبقة من البشر. فعندما نقع في تنميط شخص ما نشير أن هذا الشخص يحمل عددًا من الصفات التي يحملها جميع أفرد مجموعته/طبقته.

لا نحتاج لذكر الوصمة السلبية التي ترتبط بهذا المصطلح، فإذا وقعت في التنميط فقد ارتكبت فعلًا سيئًا. والسؤال هنا هل التنميط بالفعل أمر سيء؟

الإيجابيات

يستخدم علماء النفس مصطلح التنميط على نطاق أوسع. نحن نتعرض لمعلومات ومؤثرات جديدة طوال الوقت، ونحلل هذه المعلومات في ضوء معارفنا المسبقة فنقوم بالتنميط أو التعميم.

إذا رأيت هيكلًا خشبيًا بأربعة أرجل وتعرفت عليه أنه مقعد، بالتأكيد ستصل إلى النتيجة أنه يمكنك الجلوس عليه، وإذا رأيت كلبًا وتعرفت عليه ستصل أيضًا إلى النتيجة أنه بالتأكيد ينبح.

تقع هذه التعميمات (أن جميع المقاعد للجلوس عليها وجميع الكلاب تنبح) ضمن نطاق التنميط.، وتكمن أهميتها في تبسيطها العالم من حولنا، فلا نضطر إلى معالجة كل شذرة من المعلومات الجديدة بل نقفز سريعًا إلى النتائج.

السلبيات

لا يصيب هذا القفز السريع إلى النتائج دائمًا، وهنا تظهر الجوانب السلبية للتنميط. فعندما يمتد الأمر إلى البشر تضعف سلطة التعميمات أمام قوة الاختلافات بين الأفراد.

هذه هي الأسباب وراء عدم صحة الصور النمطية عند البشر غالبًا:

  • التحيز للتوكيد

    هو نوع من التحيز المعرفي يتضمن تفضيلنا للمعلومات التي تتماشى مع معتقداتنا أو تحيزاتنا السابقة وتجاهل تلك التي لا تتماشى معها. إذا طبقنا هذا المفهوم على الصور النمطية سيتضح لماذا لا ينبغي الوثوق بها.

    مثال: أحد الصور النمطية عن الرجال السود أنهم يميلون للعنف، فإذا رأيت مجرمًا أسودًا سيبرز في عقلك تحيزك المسبق وتزداد اقتناعًا به، وإذا رأيته يدير عملًا ناجحًا فعلى الأرجح ستغفله وتتناساه.

  • عدم مصداقية المعلومات التي تنشأ منها الصور النمطية.

    نحصل على جميع معلوماتنا عن العالم من وسائل الإعلام (التلفاز والصحف والكتب). معلومات هذه الوسائل غير موثوق بها وغالبًا مضللة. لأنها ببساطة لا تمثل جميع الفئات في العالم، وعند تمثيلها بالفعل قد تتبنى صورًا غير واقعية ومضللة.

    مثال: تتعرض السيدات في مجال الموسيقى الكلاسيكة لصورة نمطية مفادها أنهم أقل كفاءة من العازفين الرجال. استطلعت أحد الدراسات ذلك وقامت بما يُعرف بـ «تجارب الأداء المحجوبة-Blind Auditions» وهنا يعزف المشاركون خلف ستار فلا يرى الحكم جنس المشارك. جاءت النتائج بتفوق العازفات الإناث وفوزهم بالوظيفة. يظهر لنا هذا المثال عدم صحة الصورة النمطية بالإضافة إلى أثرها السلبي على حيوات من يتعرضون إليها.

خطر الصور النمطية

لا تتوقف سلبيات الصورة النمطية عند هذا الحد، بل ترتبط بها ظاهرة غاية في الجدية والخطورة، وهي ظاهرة «خطر الصورة النمطية-Stereotype Threat». تحدث عن هذه الظاهرة عالم النفس كلود ستيل في ورقة بحثية استطلع فيها أثر (خطر الصورة النمطية) على أداء المواطنين الأمريكين ذوي الأصول الأفريقية في اختبارات الذكاء.

عرّف ستيل خطر الصورة النمطية أنه: خطورة الوقوع في أو توكيد الصفة/النمط السلبي الذي تشتهر به مجموعة معينة من البشر التي ينتمي إليها الفرد.

في حالة الأمريكين ذوي الأصول الأفريقية، يتعرض هؤلاء الأشخاص لصورة نمطية مفادها أنهم أقل ذكاءًا من المواطنين البيض. لذا عندما ذكرهم ستيل بهويتهم العرقية ثم وضعهم أمام اختبار ذكاء، تدنى أدائهم بشكل كبير.

وهنا دعني أوضح أن ستيل لم يجمع المشاركين ليلقي عليهم محاضرة عن أصولهم الأفريقية وما يشيع عن انخفاض معدل ذكاء المنتمين إليها. بل الحقيقة أن خطر الصورة النمطية يمكن إثارته بأبسط الطرق وأقلها وضوحًا مثل:

  • عندما يكون الشخص (المتعرض لصورة نمطية سلبية) وحيدًا وسط مجوعة من البشر.
    مثال: تواجد رجل أسمر البشرة وحيدًا وسط مجموعة يمكنه إثارة خطر الصورة النمطية.

  • عند التلميح للنمط السلبي الشائع عن مجموعة ما أمام شخص ينتمي إليها.
    مثال: ملأ استبيان يستطلع جنس الشخص أو عرقه قبل اختبار ما كافٍ لإثارة خطر الصورة النمطية.

  • عندما يخضع الشخص (المتعرض لصورة نمطية سلبية) للتقييم، والقائم بالتقييم لا ينتمي لنفس المجموعة المتعرضة للنمط السلبي.
    مثال: تحرز النساء نتائج أفضل في اختبارات الرياضيات عندما يكون المراقبون من الإناث لا الرجال.

  • عندما يخضع الشخص (المتعرض لصورة نمطية سلبية) للتقييم، ويكون موضوع التقييم هو نفسه الصورة النمطية السلبية.
    مثال: إخضاع المواطنين ذوي الأصول الأفريقية لاختبارات ذكاء (الصورة النمطية الشائعة عنهم أنهم أقل ذكاءًا)

كيف نتصدى لسلبيات الصور النمطية؟

قبل التطرق إلى الوسائل التي تمكننا من مجابهة الصور النمطية وتأثيراتها السلبية، أود مناقشة الأسباب التي تدفعنا إلى ذلك أولًا. لماذا نهتم بالصور النمطية؟ وما السيء حيالها الذي يستدعي المجابهة؟

أحد الدراسات قام بها عالم النفس جاك دوفيدو ليستطلع تأثير الصور النمطية على معدل توظيف الشباب. عندما أتى المتقدمون (سود وبيض) للوظيفة بتوصيات مناسبة كانت معدلات التوظيف متساوية بين العرقين، أما عند غياب التوصيات فاز البيض بمعدلات توظيف أكبر.

المغزى من هذه التجربة ليس ذم الأشخاص وعنصريتهم (من المحتمل أنهم لم يعوا أن اختياراتهم وقعت بشكل أكبر على المشتركين البيض) وإنما الاعتراف أن هذه الصور النمطية موجودة ومؤثرة.

أحد المستويات التي تتواجد بها الصور النمطية هو المستوى الباطني أو اللا شعوري، وهو المستوى الذي لا يعي فيه الشخص وقوعه في التنميط أو العنصرية.

ربما يصرح الشخص على الملأ أنه يشجع السيدات على تولي المناصب القيادية، أو يرى أن السود لا يقلون كفاءة عن البيض (وهذا هو المستوى العام/الواضح للصور النمطية) بينما يثبت تعرضه لموقف أو اختبار ما عكس ذلك (وهذا هو المستوى الباطني للصورة النمطية مثلما حدث في تجربة دوفيدو).

أحد العلماء الذين استكشفوا المستوى اللا شعوري للصور النمطية هي العالمة مهزرين باناجي. التي قامت بواحدة من أضخم الدراسات من حيث عدد المشاركين على مدار تاريخ علم النفس. وهو اختبار على الانترنت يمكنك تجربته من هنا: Project Implicit

يستكشف هذا الاختبار الصور النمطية الباطنية التي قد نحملها جميعًا ولا نعيها. ولا يقتصر هذا الاختبار على السود فقط بل النساء والمثليين جنسيًا وأصحاب الديانات المختلفة أيضًا. وما تثبته نتائج هذا الاختبار هو عدم التوافق بين نسب الصور النمطية الواضحة (التي يتحدث بها الأشخاص علانية) والصور النمطية اللاشعورية.

تدفعنا هذه النتائج للتعامل مع الصور النمطية من منطلق آخر، منطلق أننا ربما نحملها جميعًا لكن ما علينا فعله هو تطوير الوسائل للتعامل معها.

إذًا كيف نتعامل معها؟

  • الخطوة الأولى لتقليل خطر الصور النمطية هي الوعي، الوعي بالصور النمطية وتوعية الآخرين بشأنها.
  • رفض الصور النمطية بشكل واضح وعلني.
  • خلق طرق وأجواء مناسبة للاختبارات أوالوظائف بحيث لا تثير «خطر الصورة النمطية-Stereotype Threat» 
  • تبني صورة مرنة وواقعية عن الذكاء والترويج لها، يتطور الذكاء بها تدريجيًا، لا يسير في خط مستقيم.

خاتمة

هنا ننهي حديثنا عن الصور النمطية، وكيف يفسرها علماء النفس بشكل أوسع وأكثر إيجابية كوسيلة لتبسيط العالم من حولنا، كذلك كيف يمكن لهذا التنميط أن يحمل آثارًا سلبية ونتائج مدمرة على أداء الأفراد والجماعات. وأخيرًا كيف يمكن للوعي والعلم بهذا المفهوم وتفاصيله أن يجنبنا مخاطره الكثيرة.

اقرأ أيضًا: نانجيلي: تضحية فتاة من أرض السيدات ذوات النهود

المصادر

التنافر المعرفي: عندما تفشل النبوءة وينتصر الوهم على الحقيقة!

هذه المقالة هي الجزء 18 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

يصعب تغيير الإنسان الملتزم بقناعة راسخة، فإذا عارضته سيشيح بوجهه عنك، وإذا واجهته بالحقائق والأرقام سيسألك عن مصادرك، وإذا احتكمت إلى المنطق فلن يفهم وجهة نظرك

هكذا كتب ليون فيستنجر في كتابه «عندما تفشل النبوءة-When Prophecy Fails» الذي يناقش فيه واحدة من أغرب التجارب التي شهدها. وما يرتبط بها من أحد أهم مفاهيم علم النفس الاجتماعي: «التنافر المعرفي-Cognitive Dissonance»

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

تعريف التنافر المعرفي

التنافر المعرفي هو أحد مفاهيم علم النفس الاجتماعي. ويشير إلى حالة التوتر أو قلة الراحة أو انعدام الانسجام التي تنتاب الشخص حينما تتعارض معتقداته أو مواقفه مع سلوكه. ينتج عن هذا التصادم (بين ما يؤمن به الشخص وما يسلكه بالفعل) شعور بالتناقض أو التصارع، يجعله يغير سلوكه أو يحوّر معتقداته للعودة إلى الراحة والانسجام.

درس فيستنجر هذا التأثير، كما درس الآليات المختلفة التي يسلكها البشر للتغلب على الصراع والوصول إلى حالة الانسجام الداخلي. توصل فيستنجر إلى نتائجه من خلال مجموعة من الدراسات، منها تجربته الكلاسيكية عن التنافر المعرفي. وهاك مقطع منها:

تجربة فيستنجر وكارلسميث عن التنافر المعرفي 1954

خطوات التجربة

جعل فيستنجر المشاركين يقومون بعدد من الأنشطة المملة. ثم طلب منهم مساعده أن يخبروا المشارك التالي كذبًا أن التجربة ممتعة مقابل قدر من المال، المجموعة الأولى مقابل 20 دولارًا والمجموعة الثانية مقابل دولار واحد فقط. سألهم فيستنجر في نهاية التجربة عن انطباعهم عنها، هل كانت التجربة ممتعة؟ هل تشارك بها مرة ثانية؟

يأتي الرد البديهي في أذهاننا جميعًا أن من حصلوا على 20 دولارًا سيجيبون بنعم، على عكس من حصلوا على دولار واحد. لكن ما حدث هو العكس تمامًا! تصدمنا الشابة التي حصلت على دولار واحد وقضت كل هذا الوقت في نشاط ممل بجوابها: “نعم لقد استمتعت وإذا اتيحت الفرصة سأود المشاركة مرة ثانية”

النتائج

فسر فيستنجر النتائج كما يلي: اختبرت المجموعة التي حصلت على قدر أكبر من المال تنافرًا أقل. بمعنى أن الدافع للكذب كان واضحًا وهو الحصول على المال، لذا لم يختبر هؤلاء تنافرًا بين ما يعتقدونه (أن النشاط ممل) وما يفعلونه (الكذب والقول أن النشاط ممتع) لأن الدافع موجود.
أما المجموعة التي حصلت على مبلغ تافه اختبرت تنافرًا أشد. لأنهم لم يستطيعوا إقناع أنفسهم أنهم فعلوها من أجل المال، كما لم يستطيعوا مواجهة حقيقة الموقف (إهدار وقتهم في نشاط ممل والكذب بشأنه) لذا يلجأ العقل إلى الخداع! فيخبر المرء نفسه أن النشاط كان ممتعًا وليس بهذا السوء وربما يفعله مرة ثانية.
ألا يبدو هذا السلوك مألوفًا إليك؟

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

عندما تفشل النبوءة

لم تقتصر دراسات فيستنجر على التجربة السابقة فقط، بل نشر في كتابه عندما تفشل النبوءة أحد الأمثلة الحية المدهشة لمفهوم التنافر المعرفي.

عندما تفشل النبوءة

صاحب فيستنجر عدد من الأفراد المنتمين لطائفة دينية تؤمن بالتواصل مع الكائنات الفضائية. ادّعت زعيمة هذه الطائفة أنها تلقت رسائل سماوية تنبأها بموعد نهاية العالم، لذا قامت هي وعدد من التابعين المخلصين ببيع بيوتهم وجميع ممتلكاتهم استعدادًا لتلك النهاية. وحينما جاء اليوم الموعود ولم يحدث شيء، خرجت لتخبرهم أنهم فعلوا الصواب وأنهم أنقذوا العالم بإيمانهم وإخلاصهم. وبدلًا من أن يندم هؤلاء على فعلهم المتهور ويواجهوا الحقيقة، ازداد حماسهم وانتمائهم!

هذا المثل واقعي للغاية وصادم للغاية عند النظر إليه. لقد هجر هؤلاء الأشخاص عائلاتهم وباعوا جميع ممتلكاتهم سعيًا وراء معتقد. ولك أن تتخيل مقدار التنافر الذي أصاب أحدهم في هذا الموقف، إنها هزة عنيفة وضربة قوية في صميم إيمان راسخ بذل الكثير في سبيله. فيجد نفسه في موقف ممزقًا بين ما يعتقد أنه الحقيقة والحقيقة الفعلية، فيتزعزع انسجامه وتتبدد راحته ويبدأ العقل الخداع!

من الجدير بالذكر أن جميعنا نختبر التنافر المعرفي بنسبة أو بأخرى. لكن ما نحن بصدده الآن هو مثال عنيف لما يمكن أن يؤدي إليه هذا التنافر. فقد تجاهل هؤلاء الأشخاص حقيقة ساطعة حتى لا تتصارع مع معتقدهم المسبق. وهذه الآلية بالتحديد واحدة من آليات ثلاثة شرحها فيستنجر لكيفية تجاوز التنافر المعرفي.

كيف نتجاوز التنافر المعرفي؟

لقد ذكرنا في تعريف التنافر المعرفي أنه حالة من التصارع بين المعتقد والسلوك ينتج عنه التوتر وتبدد الانسجام. لذا لكي يتخلص الشخص من هذا الإزعاج ويستعيد توازنه يلجأ إلى تحوير أحد هذين المتغيرين (إما المعتقد أو السلوك) عن طريق آليات ثلاثة. ولفهم الأمر بشكل أوضح سنطبق كل واحدة من الآليات على شخص مدخن يعلم ضرر التدخين ولا يقلع عنه.

  • تغيير المعتقد أو السلوك المسبب للتنافر كليًا، لكي تستعيد العلاقة بين المتغيرين اتزانها.

في حالتنا هذه يكون تغيير السلوك (الإقلاع عن التدخين) هو الحل لتجاوز التنافر المعرفي. لكن يمكننا توقع أن هذه الآلية بالتحديد صعبة التحقيق، لأنها تتضمن تغييرمعتقد راسخ أو سلوك اعتاد الشخص فعله.

  • تحصيل معلومات جديدة تدحض المعتقد المسبب للتنافر.

يعلم المدخن أن التدخين يسبب سرطان الرئة ويهدد الحياة، لكنه مع ذلك مستمر بسلوك التدخين. ولكي يتغلب على هذا التنافر يبحث على معلومات مثل: لم تؤكد الأبحاث بعد علاقة التدخين بسرطان الرئة.

  • تقليل أهمية المعتقد المسبب للتنافر.

قد يقنع المدخن نفسه أن التدخين ليس بهذا السوء، فحياة قصيرة يتمتع فيها بالتدخين خيرٌ من حياة طويلة خالية من هذه المتعة.

أمثلة من الحياة

لا تقتصر نتائج التنافر المعرفي على الدراسات المعملية فقط، فيمكن للأشخاص التلاعب بالتنافر المعرفي بأشكال مختلفة في حياتنا اليومية. وينتج عن هذا ظواهر جادة وخطيرة للغاية. منها ظاهرة «التشويش-Hazing»

يشير مصطلح التشويش إلى المضايقات التي يتعرض لها المبتديء عند انضمامه لمجموعة جديدة أو التحاقه بعمل جديد. وأحيانًا لا يتوقف الأمر عند المضايقات فقط بل يصل إلى حد الإذلال والإهانة لذا يعد فعلًا غير قانوني.

وما يحدث هو تعرض طالب مستجد يريد الانضمام لمجموعة ما لشتى أنواع الإهانة والتعذيب لفترة من الزمن. وتمامًا كما حدث مع الشابة التي أهدرت وقتها في نشاط ممل مقابل دولار واحد، يقنع هؤلاء الطلاب أنفسهم أنهم خاضوا الكثير المعاناة في سبيل هذه المجموعة، لذا لا بد أنها ممتعة وتستحق هذا العناء.

يظهر التشويش أيضًا عند السياسين، عندما يترشح أحدهم للانتخابات ويطلب تطوع الشباب لمساعدته بدون مقابل. هذا أمر حسن بالنسبة إليه لأنه لن يضطر لدفع المال وهذا بديهي. كذلك سيكون هؤلاء الشباب أكثر ولاءًا وانتماءًا لقضيته. وسبب ذلك هو التنافر المعرفي، فإذا عرض مائة دولار مقابل العمل سيدرك المتطوع أنه يفعله من أجل المال، أما إذا فعله بدون مقابل سيقنع نفسه أن هذا المرشح يستحق الدعم.

مثال آخر أكثر غرابة يظهر عند المعالجين النفسيين. يطلب المعالج المال مقابل العلاج لشتى الأسباب أولها أننا جميعًا نحب المال، ثانيًا أن العلاج المجاني عادة ما يفشل. لا بد أن يبذل المريض شيئًا في سبيل العلاج ليشعر بقيمته، حيث يقوده التنافر المعرفي إلى تقدير العلاج الذي بذل المال من أجله وبالتالي يستفيد منه.

الأمر ليس صراعًا وحسب

والآن لنلقي نظرة أعمق في أسباب حدوث التنافر المعرفي، ليس الأمر صراعًا بين معتقد وسلوك غير متسقين وحسب، ولكن التنافر أكثر دقة من ذلك. فنحن نحوّر أفكارنا أو سلوكنا حتى لا نفقد نظرتنا الأخلاقية المنطقية لأنفسنا. عودة إلى تأثير التشويش، هناك سبب واضح وصريح وراء تقبل الأشخاص الإذلال والإهانة في سبيل القبول بمجموعة، وهو أنهم هذا النوع من الأشخاص الذي يتقبل الإذلال والإهانة. لكن العيش مع هذه الحقيقة أمر مروع وصعب، ومن هنا ينشأ التنافر فيبحثون عن إجابة لا تشوه نظرتهم لأنفسهم مثل: لا بد أنها مجموعة رائعة وتستحق العناء!

التنافر المعرفي: عندما ينتصر الوهم على الحقيقة!

وبهذا يمكننا إنهاء حديث اليوم، التنافر المعرفي ببساطة هو فكرة أن كل ما تفعله منطقي وأخلاقي، فإذا فعلت شيئًا يُظهرك أحمقًا أو متلاعبًا ستحوّره داخل مخك ليصير منطقيًا في نظرك.

اقرأ أيضًا: التحيز المعرفي والتحيز للتوكيد

المصادر

Exit mobile version