كيف يدخل الواقع الافتراضي في العلاج النفسي؟

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تؤثر الاضطرابات النفسية في واحد من كل ثمانية أشخاص في العالم. [1] مما يجعل الاضطرابات النفسية أكثر القضايا أهمية في يومنا هذا. إذ أدى انتشار الحروب وعدم الاستقرار الاقتصادي والتوترات الاجتماعية وحالات العنف العشوائي في جميع أنحاء العالم إلى زيادة الاضطراب النفسي وتأثيره على الكثيرين. فهل يقدم الواقع الافتراضي أملًا جديدًا في علاج الاضطرابات النفسية؟  

ما هو الواقع الافتراضي؟  

قد لا يعَدُّ مفهوم الواقع الافتراضي حديثًا، فقد اعتاد البشر على خلق عوالم مختلفة في مخيلتهم. فجميعنا -ربما- نخفي عوالم كاملة في مخيلاتنا ولكنها غير ملموسة أو مرئية. ولكن ليس هذا ما نعنيه عند التحدث عن الواقع الافتراضي. قد يكون التفكير في ألعاب الكومبيوتر و«الأفاتار – avatar»  (الذي هو تجسيد افتراضي في العوالم الرقمية)، الأقرب لماهية الواقع الافتراضي. حيث لا يختلف كثيرًا عن العوالم التي يمكننا صنعها في خيالنا، لكنه يجعل منها عوالم مرئية وأحيانًا ملموسة. 

فالواقع الافتراضي هو تقنية حاسوبية تحاكي الواقع وتوفر بيئة ثلاثية الأبعاد. تمكًن المستخدم من العيش فيها والتفاعل معها من خلال أدوات كالنظارات وسماعات الرأس والقفازات وبدلات الجسم.  

تاريخ الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

لا يعتبر العلاج النفسي باستخدام الواقع الافتراضي تقنية جديدة. إذ بدأ المعالجون النفسيون باستخدامها منذ بداية التسعينيات. وفي عام 1995، قدمت عالمة النفس «باربرا روثباوم – Barbara Rothbaum» وعالم الكومبيوتر «لاري هودجز – Larry Hodges» أول دراسة لاختبار فاعلية علاج الاضطرابات النفسية بالواقع الافتراضي. وقد أجريت الدراسة على شاب في ال19 من العمر كان يعاني من رهاب المرتفعات – الخوف من المرتفعات – وخاصًة المصاعد. أظهرت نتائج الدراسة أن الواقع الافتراضي يمكنه مساعدة المرضى في التغلب على مخاوفهم. حيث استطاع الشاب في النهاية ركوب مصعد زجاجي في أحد الفنادق حيث أقام في الطابق الثامن. [2]

وفي عام 1996، نشر عالما النفس «ألبرت كارلين – Albert Carlin» و«هنتر هوفمان – Hunter Hoffman» دراسة نشِرت في مجلة Behavior Research and Therapy. اختبرت الدراسة فاعلية العلاج بالواقع الافتراضي في رهاب العناكب. وقد أظهرت هذه النتائج أيضا أن الواقع الافتراضي يمكن أن يساعد المرضى في علاج رهاب العناكب. [3] 

بالرغم من أنه تم تصميم الواقع الافتراضي في البداية لعلاج الرُهاب، إلا أنه توسع ليستخدَم في الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الطعام والوزن والتوحد وغيرها. فمنذ إجراء الدراسة الأولى منذ ما يقرب 30 عامًا، تم نشر أكثر من 300 دراسة لاختبار استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي. وقد أظهرت نتائج الدراسات أن استخدام الواقع الافتراضي فعّال في اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة. وهناك أدلة متزايدة فيما يتعلق باضطرابات الطعام والوزن والإدمان. كما تعَد نتائج الدراسات حول استخدام الواقع الافتراضي في الذهان واضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واعدة. [4] 

مجالات استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

العلاج بالتعرض – Exposure Therapy  

العلاج بالتعرض هو نوع من أنواع العلاج النفسي. يساعد المرضى في التغلب على الأشياء أو الأنشطة أو المواقف التي تسبب الخوف أو القلق لديهم، من خلال دفعهم وتعريضهم بشكل تدريجي لمخاوفهم. عادة يكون العلاج بالتعرض من خلال مواجهة المرضى لمخاوفهم في الحياة الواقعية مع وجود الدعم العاطفي من المعالج. أو إذا كان قلقهم مرتبطًا بذكرى مؤلمة، فعادة ما يعيدون بناء الحدث في مخيلاتهم.

لا يختلف الواقع الافتراضي عن طرق العلاج بالتعرض التقليدية من حيث المبدأ. ويعد وسيلة تحاكي المخاوف والذكريات. وقد أجريت الدراسات على أنواع الرهاب المختلفة مثل رهاب الأماكن المغلقة، ورهاب القيادة، ورهاب المرتفعات، ورهاب الطيران، ورهاب العناكب. 

القلق الاجتماعي

في الآونة الأخيرة، اختبر الباحثون الواقع الافتراضي في مساعدة الأشخاص الذين لديهم مخاوف أكثر تنوعًا، مثل القلق الاجتماعي أو اضطراب الوسواس القهري. اختبر «ستيفن بوشارد – Stéphane Bouchard» وزملاؤه استخدام الواقع الافتراضي في القلق الاجتماعي من خلال وضع المرضى بمواقف اجتماعية افتراضية تدعوهم للتوتر مثل مقابلة عمل.

قام الباحثون بتقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات كالآتي: 17 شخصًا للعلاج بالواقع الافتراضي. و22 آخرين للعلاج بالتعرض التقليدي، الذي يتضمن تمارين مثل التحدث إلى الغرباء في الأماكن العامة. أما المجموعة الثالثة فتم تخصيصها لقائمة الانتظار ولم تحصل على علاج.

عبّر المشاركون في البداية عن درجة قلقهم وتجنبهم للمواقف الاجتماعية من 0 إلى 144، حيث 144 هي أعلى درجة للقلق. وقد تراوحت الدرجات بين 75 و85. بعد 14 جلسة علاج أسبوعية، انخفضت درجات القلق عند المشاركين الذين حصلوا على العلاج بالواقع الافتراضي بمتوسط 33 نقطة. بينما انخفضت عند المشاركين في العلاج التقليدي بمعدل 19 نقطة. بينما بقيت المجموعة الأخيرة على حالها تقريبًا. تشير هذه النتائج التي نشِرت في المجلة البريطانية للطب النفسي في أبريل 2017، إلى أن الواقع الافتراضي فعّال في معالجة القلق الاجتماعي. [5] 

اضطراب ما بعد الصدمة

بينما كرّس عالم النفس «ألبرت ريزو Albert Rizzo» الكثير من حياته المهنية لتطوير الواقع الافتراضي لعلاج قدامى المحاربين الذين يعانون من «اضطراب ما بعد الصدمة – PTSD». في عام 2004، تعاون ريزو مع روثباوم لبناء واقع افتراضي يمثل العراق وأفغانستان. حيث تكون البيئة الافتراضية مليئة بالصحاري والجبال ومدن الشرق الأوسط.

كان الهدف هو محاكاة تجارب قدامى المحاربين في زمن الحرب من أجل مساعدتهم على مواجهة تلك الأحداث الصادمة. يمكن للمعالجين تحسين محتوى هذه السيناريوهات الافتراضية. وذلك عبر التحكم في الوقت واليوم وعدد الأشخاص والأصوات المحيطة، وغير ذلك بما يتجاوز ما يمكن للمرضى استحضاره بدقة في تخيلاتهم أثناء علاج التعرض التقليدي. اختبر فريق ريزو النظام بدراسة أجريت على 162 فردًا عسكريًا. وتم تصنيفهم إما لقائمة انتظار، أو 10 جلسات علاجية تتضمن استخدام الواقع الافتراضي للعراق وأفغانستان، أو 10 جلسات من العلاج التقليدي. بالنسبة للعلاج التقليدي، قام المعالجون بتعريض المشاركين للذكريات المؤلمة في مخيلتهم وساعدوهم على وضع أنفسهم في المواقف اليومية التي يخشونها بسبب صدماتهم، مثل الأماكن العامة المزدحمة. وقد أظهرت النتائج فاعلية الواقع الافتراضي في معالجة اضطراب ما بعد الصدمة. [6] 

اضطرابات الطعام والوزن  

استُخدم الواقع الافتراضي في معالجة عدة أنواع من اضطرابات الطعام والوزن. حيث قدم الواقع الافتراضي على مدار الـ 25 عامًا الماضية حلولًا مبتكرة لمعالجة اضطرابات الطعام والوزن. عن طريق تقليل الرغبة الشديدة في تناول الطعام. وزيادة الرضا والقبول عن صورة الجسم. بالإضافة إلى تحدي مخاوف الأكل والشكل والوزن وممارسة استراتيجيات تناول طعام أكثر فاعلية. وأظهرت نتائج العديد من الدراسات المحكّمة أن الواقع الافتراضي أكثر فعالية في علاج اضطرابات الطعام والوزن من العلاج السلوكي المعرفي الذي يعَدّ الأفضل في هذا المجال. 

قدم مجموعة من الباحثين في «جامعة كنت-University Of Kent» و «جامعة قبرص-University Of Cyprus» دراسة نشِرَت في مجلة (Human–Computer Interaction).  تم فيها دخول كل من المعالجين والمرضى إلى عالم افتراضي بصورة أفاتار. وتم التعارف فيما بينهم من خلال الواقع الافتراضي ولم يتم التعارف بالواقع الحقيقي. وسمِح للمرضى بتصميم الأفاتار الخاص بهم بالطريقة التي يفضلون الظهور فيها من حيث مظهر الجسد وحجمه ولون البشرة ومظهر الشعر ولونه. وقد اعتمدت الدراسة طريقة العلاج بالتعرض للمرآة ولكن باستخدام الواقع الافتراضي.

واجه المرضى الأفاتار الذي قاموا بتصميمه. وتمت عملية التعرض تدريجيًا عن طريق التقليل التدريجي في ملابس الأفاتار حتى تم ترك الأفاتار في الملابس الداخلية فقط. خلال هذه العملية، يطلَب من المريض النظر بعناية في كل جزء من أجزاء الجسم وإجراء التعديلات المناسبة عليه. ويتخلل ذلك وصف مشاعره وأفكاره واهتماماته ومناقشتها مع المعالج. ويتم هذا التدرج بناءً على التسلسل الهرمي للمخاوف التي سجلها المريض في بداية الجلسة. 

أظهرت نتائج الدراسة أن كلًا من المعالجين والمرضى وجدوا أن هذا النوع من العلاج النفسي مفيد. إذ أتاح للمرضى الكشف على نحو مريح أكثر عن المشاعر والأفكار حول شكل الجسم والوزن، وقبول المناقشة حولها.  كما أظهرت نتائج العديد من الدراسات الأخرى أن الواقع الافتراضي تقنية فعَالة في معالجة اضطرابات الطعام. ولكن ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لدعم هذه النتائج. [7] 

الواقع الافتراضي في علاج مشكلات الوزن

التوحد 

تم استخدام الواقع الافتراضي في تقييم وعلاج الأطفال المصابين بالتوحد منذ عام 1996. وذلك لتحسين المهارات الاجتماعية والعاطفية والتواصل. حيث استخدِمت عمليات محاكاة اجتماعية تكرر أحداث الحياة الواقعية، كمحاكاة مقهى افتراضي أو حافلة أو طريق عبور. وذلك لتدريب الأطفال المصابين بالتوحد على إدارة سيناريوهات مختلفة.  تشير النتائج المتاحة إلى أن الواقع الافتراضي هو أداة واعدة لتحسين المهارات الاجتماعية والإدراك عند مرضى التوحد. ومع ذلك، لا توضح الدراسات الحالية ما إذا كان المصابون بالتوحد قادرين على تطبيق المهارات المكتسبة من الواقع الافتراضي في الحياة الواقعية. 

تشخيص المرضى  

لا يتوقف الواقع الافتراضي عند كونه وسيلة للعلاج فقط. إنما يساعد أيضًا أثناء تقييم المرضى وتشخيصهم، حيث يسمح الواقع الافتراضي بإجراء تقييم أكثر دقة. على سبيل المثال، عوضا عن محاولة المريض وصف الرُهاب من الأماكن المغلقة يمكن للمعالج أن يقيّم هذا الرهاب باستخدام مواقف افتراضية. 

بالإضافة لذلك، يساعد الواقع الافتراضي في تقييم المرضى من خلال إمكانية الكشف عن معلومات وتفاصيل قد لا يتذكر المريض حدوثها. 

3 مزايا للواقع الافتراضي في العلاج النفسي

  • الشعور حقيقيّ 

تكمن قوة العلاج بالواقع الافتراضي في حقيقة أن الإنسان يتفاعل تلقائيًا مع مسببات الخوف، حتى لو كانت في بيئة يعرف بالأصل أنها ليست حقيقية. وذلك لأن مركز التحكم العاطفي في الدماغ يستجيب للضغوط في أجزاء من الثانية أسرع بكثير مما يمكن أن يبدأه المنطق، ما يجعل ردود الفعل والاستجابات بدورها حقيقية وقابلة للتقييم والقياس. 

  • يمكن أن تكون مواجهة المخاوف أسهل في الواقع الافتراضي.  

على سبيل المثال، يمكن للمريض الذي يعاني من رهاب الطيران أن يقلع ويهبط عدة مرات في جلسة واحدة باستخدام الواقع الافتراضي دون تكلفة ومتاعب تجربة الرحلات الواقعية. كما يمكن للمحاربين القدامى الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة والذين لا يستطيعون تذكر ذكرياتهم المؤلمة بتفاصيل كبيرة، إعادة تمثيل الوقائع في بيئة افتراضية للحصول على تجربة علاجية أكثر فاعلية. 

  • إمكانية التحكم في بيئة الواقع الافتراضي  

يتيح الواقع الافتراضي إمكانية التحكم في إعدادات البيئة الافتراضية. مما يعني القدرة على تخصيص عالم افتراضي اعتمادًا على المريض. وذلك يساعد في معرفة مخاوف المريض بدقة كما يمكن أيضًا التحكم في المشاهد والأصوات والروائح مما يمكّن المعالج من معرفة ما يسبب أعلى مستوى قلق عند المريض. 

مثلًا لاستعادة المريض لذكرى مؤلمة باستخدام الواقع الافتراضي. أولًا يختار المريض المكان كنقطة تفتيش على الطريق أو مستشفى. ويبدأ بسرد الذكرى بصوتٍ عالٍ، بينما يقوم المعالج بإعداد المشهد. فإذا كان المريض يقول: أنا أقود سيارتي على الطريق وقت الظهيرة، يقوم المعالج بضبط الساعة الافتراضية وفقًا لذلك. إذا كان المريض يتذكر صوت قرقعة السيارة، يرفع المعالج صوت السيارة وهكذا. 

عوائق استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي  

  • التكلفة  

حتى وقتٍ قريب، حدّت تكلفة وتعقيدات معدات الواقع الافتراضي، التي قد تصل قيمتها إلى عشرات الآلاف من الدولارات، من استخدام الواقع الافتراضي. واقتصر استخدامه في عدد قليل من العيادات والمختبرات البحثية. أما الآن، ومع تزايد الإقبال نحو استخدام الواقع الافتراضي. توفرت معدات لا تكلف سوى بضع مئات من الدولارات مثل النظارات من شركة Oculus أو نظارات Samsung Gear التي تحول الهواتف الذكية إلى شاشات واقع افتراضي مقابل حوالي 100 دولار. 

  • الاعتبارات الأخلاقية  

تتضمن الاعتبارات الأخلاقية الخصوصية والسرية وملكية البيانات عندما يتضمن جمع المعلومات الشخصية والوصول إليها عبر الإنترنت. وهناك اعتبار آخر وهو الخوف من الخلط بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي. و يعد ذلك مهمًا لحالات خاصة مثل الذهان، حيث يمثل تشويه الواقع تحديًا بالفعل، وذلك لشدة واقعية الواقع الافتراضي.

كما علق البعض على خطورة إتاحة الوصول المستمر إلى الواقع الافتراضي من قبل المرضى. إذ يحتمَل أن يتسبب الأمر في إدمان الهروب من الإزعاج والتوتر في العالم الحقيقي.

  •  المخاطر الصحية  

المرضى الذين يعانون من نوبات هلع أو أمراض القلب أو الصرع، يمكن أن يكونوا معرضين لخطر الإصابة بالضرر النفسي من استخدام الواقع الافتراضي. بالإضافة إلى إجهاد العين والغثيان عند المصابين بدوار الحركة. 

بالنسبة للمرضى الذين يعانون من دوار الحركة، قد ينتهي بهم الأمر بالتقيؤ. كما حدث مع عالمة النفس روثباوم في بداية دراساتها، وما زال إلى الآن دوار الحركة مشكلة تواجه استخدام الواقع الافتراضي. وجدت روثباوم وزملائها حلًا لهذه المشكلة في دراساتهم اللاحقة من خلال إعطاء المرضى استراحة بعد حوالي 40 دقيقة. وكذا تحذيرهم من عدم تحريك رؤوسهم كثيرًا. 

المصادر:

1- Mental disorders (who.int)
2- Virtual reality graded exposure in the treatment of acrophobia: A case report – ScienceDirect
3- Virtual reality and tactile augmentation in the treatment of spider phobia: a case report – ScienceDirect
4- Virtual Reality Therapy in Mental Health | Annual Review of Clinical Psychology (annualreviews.org)
5- Virtual reality compared with in vivo exposure in the treatment of social anxiety disorder: A three-arm randomised controlled trial | The British Journal of Psychiatry | Cambridge Core
6- APA PsycNet
7- Full article: “Now i can see me” designing a multi-user virtual reality remote psychotherapy for body weight and shape concerns (tandfonline.com)
8- Full article: Virtual reality as a clinical tool in mental health research and practice (tandfonline.com)

لم استوحت خوارزمية البحث التناغمي من الموسيقى وكيف تعمل؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 12 في سلسلة أشهر الخوارزميات التحسينية المستوحاة من الطبيعية

تعد طريقة البحث التناغمي أحد خوارزميات الأدلة العلية الفعالة في حل المشاكل التحسينية، وذلك لكونها توفر البساطة وفاعلية البحث. فنجد أنه تم استخدامها في مواجهة عدد كبير من التحديات في مجال التحسين الحوسبي على مدار العقدين الأخيرين. اقترحها أول مرة “زونغ وو جيم ZW Geem” وزملاؤه سنة 2001، واستخدمت خوارزمية البحث التناغمي في حل الدوال التحسينية، وتصميم البنى الميكانيكية، وتحسين شبكات الأنابيب، وكذلك تحسين أنظمة تصنيف البيانات، وغيرها من التطبيقات.

وكما تشير تسميتها، فإن خوارزمية البحث التناغمي هي عبارة عن خوارزمية تحسينية استلهمت من ظاهرة طبيعية، وهي الموسيقى. فبناءً على الملاحظة استلهمت هذه الخوارزمية من فكرة أن هدف الموسيقى هو البحث عن التناغم المثالي. فكما هو معلوم، عند تأليف الموسيقيين لنغماتهم يجربون عادة عدد من التركيبات بين نغمات موسيقية معلومة من الذاكرة. هذا البحث المستمر عن النغمة المثالية انطلاقًا مما هو مكتسب عن طريق الذاكرة مماثل في الهدف والوسيلة لآلية البحث في حل المشاكل الهندسية التحسينية أي إيجاد الحل الأمثل بين عدد لا نهائي من الحلول الممكنة. ويمثل الشكل التالي ملخصًا لهذه المقاربة:

ملخص طريقة عمل خوارزمية البحث التناغمي

التناغم و الترددات

تحدد هذه النغمة المثالية اعتمادًا على المعايير الجمالية للمستمع، وهو ما يستوجب ضبط جودة جمالية الأدوات الموسيقية عبر تحديد درجة النغمة pitch، أي التردد frequency، و الطابع الصوتي timbre، أي جودة الصوت quality، والذروة amplitude، أي جهارة الصوت loudness. وتحدد الدروة انطلاقًا من المحتوى التناغمي والذي يحدد بدوره بناء على الشكل الموجي وتضمين الإشارة الصوتية.

رغم ذلك سنجد أن التناغم يعتمد بالدرجة الأكبر على نطاق التردد الذي تولده الألة الموسيقية المستعملة. فباختلاف النوتات، تختلف الترددات الناتجة بالطبع. وبالتالي يتضح أن محاولة تغيير النغمة هي في الأساس محاولة لتغيير التردد الناتج، لذا ففي النظرية الموسيقية نجد أن درجة النغمة p تمثل كمقياس رقمي باستعمال الصيغة التالية:

أو

تناغم نغمتين مع نسبة تردد 2:3 وشكلها الموجي.
نوتات موسيقية عشوائية.

ما يعني أن ل A4 رقم نغمة يساوي 69، لأن ترددها هو 440 وبالتالي لوغاريتم 1 هو صفر ومنه p=69. وعلى هذا السلم نجد أن حجم الجواب، أو الأوكتاف هو 12 وحجم نصف النغمة هو 1. كما أن النسبة بين تردد نغمتين تبعدان جواب عن بعضهما هو 2:1. وبالتالي تردد نغمة يضاعف أو يخفض إلي النصف عند تغيرها بجواب. على سبيل المثال ل A2 تردد 110Hz، بينما تردد A5 هو 880Hz. لذا فرغم كون تحديد الجمالية أمر غير موضوعي ويعتمد على أذن السامع، يمكننا وضع تقدير معياري لتقدير التناغم. وذلك بالاعتماد على نسبة التردد المنسوبة لعالم الرياضيات اليوناني القديم فيثاغورس.

كمثال نجد أن جواب بنسبة تردد 1:2 جذاب عند لعبه معا، نفس الشيء لنسبة التردد 2:3. لكن من غير المرجح لأي نغمة عشوائية مثل الممثلة أعلاه أن تصدر أي صوت جميل.

ألية عمل خوارزمية البحث التناغمي

يمكن تفصيل خوارزمية البحث التناغمي استنادًا للظاهرة المبنية عليها، أي ارتجال الموسيقي لألحانه. فعند ارتجال هذا الأخير لنغماته، يجد نفسه أمام ثلاث اختيارات لتحقيق مراده. أولها، لعب مقطوعة موسيقية معروفة من الذاكرة، أي تأدية سلسلة من الألحان المتناغمة فيما بينها دون إضافة أو تغيير. ثانيًا، يمكنه تأدية قطعة قريبة من القطعة المعروفة، أي بتغيير طفيف في النغمات. أو ثالثًا، يمكنه تركيب عدد من الألحان المختلفة ومحاولة إيجاد تناغم فيما بينها.

بناء على هذا، إذا ما عممنا اختياراتنا الثلاث هذه من أجل التحسين، نحصل على ثلاث مكونات مكافئة وهي: الذاكرة التناغمية، وضبط النغمات، وخلق العشوائية.

1. الذاكرة التناغمية

استعمال الذاكرة التناغمية أمر جد مهم بحيث يكافئ ذلك اختيار الأفراد الأصلح بين أفراد الساكنة الحالية في الخوارزميات الجينية. ما سيضمن على مر التنفيذ أن النغمات الأمثل ستحفظ وتستمر في الذاكرة التناغمية عند الجيل الجديد، أي دورة التنفيذ التالية. ولاستعمال هذه الذاكرة بفاعلية أكبر يمكننا وضع معلمة ضبط r محصورة بين 0 و 1، ونطلق عليها معدل الاعتبار أو نسبة قبول الذاكرة التناغمية. إن كانت هذه النسبة جد صغيرة سيتم اختيار عدد قليل فقط من النغمات المثلى للاستمرار، مما سيؤدي بنا لتباطؤ معدل التقارب. لكن إن كانت هذه القيمة كبيرة جدًا، أي تقارب 1، حينها سيتم استعمال كل النغمات الناتجة وتوجيهها للذاكرة التناغمية لكن دون استكشاف جيد لنغمات محتملة أخرى، ما يؤدي لإمكانية التوصل لحلول خاطئة وغير دقيقة. لهذا نستعمل عموما كقيمة ل r قيم بين 0.7 و 0.95.

2. ضبط النغمات

لتعديل النغمة قليلًا، في المكون الثاني، نستعمل طريقة تمكننا من ضبط التردد بكفاءة. نظريا يمكن تعديل النغمة بطريقة خطية أو غير خطية. لكن في التطبيق نجد أن التعديل الخطي هو المستعمل. باعتبار X old هي النغمة الحالية، نجد أن النغمة الجديدة X new تولد بواسطة الصيغة أدناه:

بحيث تعبر rand عن عدد عشوائي من التوزيع المنتظم [0,1]. هنا تمثل bp عرض النطاق، للتحكم فى مدى ضبط النغمة.

عند الملاحظة، نجد أن تعديل النغمة مماثل لعامل التطفر في الخوارزميات الجينية. وفي نفس السياق يمكننا وضع معامل لضبط معدل التعديل rpa للتحكم في درجة الضبط. وإن كان هذا المعامل جد منخفض، فلن يكون هناك تغيير ملحوظ على النغمة. لكن إن كان جد مرتفع، فقد لا تتقارب الخوارزمية، لأن التغيير سيكون جذري. لهذا، في أغلب التطبيقات، نضع هذا المعامل بين 0.1 و 0.5.

3. خلق العشوائية

أما المكون الثالث، وهو العشوائية، يهدف إلي زيادة تنوع الحلول الناتجة. فرغم أن لضبط النغمة دور مماثل إلا أن هذا الضبط محصور في ضبط محلي وبالتالي بحث محلي. إذا، يقودنا استعمال العشوائية إلى البحث في مناطق مختلفة، مما يوفر تنوعًا كبيرًا في الحلول، وبالتالي، يزيد من احتمالية إيجادنا للحل الأمثل. ويمكن تلخيص هذه المكونات الثلاث في أربع خطوات:

  1. استهلال الذاكرة التناغمية بعدد من الحلول العشوائية الممكنة، مثل الساكنة البدئية في الخوارزميات الجينية.
  2. ارتجال حلول جديدة.
  3. تحديث الذاكرة التناغمية الحالية، باستبدال الحلول المرتجلة الجيدة بالحلول الأسوأ.
  4. إعادة الخطوتين الثانية والثالثة إلي أن يتحقق شرط من شروط إنهاء التنفيذ، أي عدم إيجادنا لنغمات جيدة بعد عدد من التكرارت، أو بلوغ الحد الأقصى من التكرارات.

متحورات خوارزمية البحث التناغمي

على مر العقدين الأخيرين تم دراسة عدد كبير من متحورات خوارزمية البحث التناغمي بهدف تعزيز أدائها في مواجهة المشاكل المختلفة في مجال التحسين الحوسبي. وكأمر ضروري نجد أن “جيم”، مطور هذه الخوارزمية، قد قدم متحورًا لمعالجة المشاكل المعنية بالمتغيرات المتقطعة أي فضاءات البحث غير المستمرة وذلك بتقديم مشتقات تصادفية للمتغيرات المتقطعة. وبالطبع لا يقصد بالاشتقاق هنا الاشتقاق التقليدي في الرياضيات، بل الفرق بين نقطتين فقط. وباستعمال هذه المشتقات نحدد عدد من الاحتماليات التي تخص كل نغمة من نغمات الذاكرة الحالية، أي الذاكرة التناغمية. فنجد أن هذا المتحور قد استخدم في المشكل التحسيني الذي يخص التصميم الأمثل لقنوات نقل الموائع.

وفي نفس السياق نجد أنه قد تم تطوير عدد كبير من المتحورات من طرف عدد من المتخصصين وغير المتخصصين لحل مشاكل جد محددة، وفي أحيان أخرى تقديم إطار عام لحل مجموعة من المشاكل المتشابهة.

الخوارزميات الهجينة

يتم تطوير الخوارزميات الهجينة بدمج خوارزميتان أو أكثر بهدف تعزيز الكفاءة والأداء عموماً. فيهدف الباحثون دائما لاستغلال مميزات الخوارزميات لتحقيق الصالح المشترك أو على الأقل يبقى هذا هدفهم البدئي. لكن في الواقع لا يزال فعل هذا مشكلة بلا حل. رغم كل هذا، لا يوجد ما يمنعنا من استلهام الطرق الخوارزمية الأخرى وتحسين أداء خوارزمياتنا.

وقد قدم عمران ومادهافي المتحور Global-best Harmony Search مستلهمين أفكارًا من خوارزميات استمثال عناصر السرب Particle Swarm Optimization. في هذا المتحور يقوم تعديل النغمة انطلاقا من أفضل حل من الذاكرة التناغمية فقط، بدون اعتبار لعرض النطاق bp. وهو ما أضاف قدرات تعلم اجتماعي social learning فريدة لهذه الطريقة. وقد تم التأكد من أن أداء هذا المتحور أفضل من أداء الخوارزمية الأصل تجريبيًا.

تقدم الخوارزمية المتحورة DLHS Dynamic Local-best Harmony Search مقاربة خوارزمية تنطوي على تقسيم الساكنة الحالية إلي ساكنات فرعية، تتطور بشكل مستقل عن بعضها البعض. غير أن هذه الذاكرات الفرعية تجتمع لتكوين الذاكرة التناغمية الحالية بعد بحثها عن الحل الأمثل على حدى في مجالاتها المحلية الخاصة، مستوحاةً من النسخ المحلية لخوارزمية استمثال عناصر السرب PSO والمتحور GHS، ومقترحةً من طرف “كوان كي بان” وزملائه.

من خلال سياستها هذه واستراتيجية البحث المحلية المبسطة ، فإن المتحورة DLHS قادرة على تحقيق توازن مرضٍ بين الاستكشاف exploration والاستغلال exploitation في البحث. فنجد من بين تطبيقاتها أنها طبقت بنجاح لمواجهة مشكل الجدولة lot-streaming flow shop القائم على تقسيم عملية ما لمجموعة من العمليات المصغرة والتي تنفذ بطريقة متداخلة.

وعلى هذا المنوال، نجد العديد من المتحورات الأخرى التي استلهمت من سابقاتها منها Particle Swarm Harmony Search PSHS من طرف جيم. وإلخ.

تطبيقات خوارزمية البحث التناغمي

في العالم الحقيقي، يفيض العلم الحديث والصناعة بالمشاكل التحسينية المختلفة. فمنذ أن تم اقتراح الخوارزمية أول مرة من طرف جيم وتطبيقها لحل مشكلة تحسين شبكات توزيع المياه عام 2001، نجحت الخوارزمية في تغطية تطبيقات العديد من المجالات بما في ذلك الصناعة، ومعايير التحسين، وأنظمة الطاقة، والعلوم الطبية، وأنظمة التحكم، وتصميم البناء، وتكنولوجيا المعلومات.

مصادر
Hindawi
ScienceDirect
Nature Inspired Optimization Algorithm by Xin She Yang

الواقع المعزز والواقع الافتراضي

هذه المقالة هي الجزء 4 من 9 في سلسلة ما هو الواقع الافتراضي وكيف سيشكل مستقبلنا؟

ما المقصود بالواقع المعزز-Augmented Reality ؟

هو أحد الإبداعات التكنولوجية الحديثة التي ازداد استخدامها في الآونة الأخيرة وما زال في ازدياد مع دخولها في العديد من التطبيقات والأعمال. يمكن فهم تعريف هذه التقنية من اسمها، فالواقع المعزز يعتمد على تعزيز الواقع الذي نراه بالعين المجرّدة بمعلومات إضافية كالصوت أو النصوص أو المؤثرات بصرية لتحقيق أهداف معينة.[1]

تطبيقات الواقع المعزز

يتميز الواقع المعزز بسهولة استخدامه عن طريق الهواتف الذكية نظرًا لأنه لا يحتاج إلى تجهيزات كثيرة في أغلب الأحيان مما جعله سهل الاستخدام والتطبيق. ومن أبرز تطبيقاته:

1- أنظمة الملاحة:

يُستخدم الواقع المعزز في أنظمة الملاحة ضمن السفن والطائرات وحتى السيارات ذات خاصية القيادة الذاتية. وذلك لرسم خطوط على مسار المركبة لتحديد الطريق الصحيح تلقائيًا أو عرض معلومات حول المسافات والسرعة والمركبات المجاورة أمام المستخدم وبشكل تفاعلي.

2- الرياضة:

يُستخدم الواقع المعزز بشكل كبير في مباريات كرة القدم. فعند بث المباراة يتم عرض إحصائيات المباراة كالاستحواذ أو جهة هجوم أحد الفرق وحتى تتبع حركة أحد اللاعبين، وتظهر بشكل مؤثرات بصرية تفاعلية وكأنها ضمن الملعب وبين اللاعبين.

3- التسويق:

بعض شركات الأثاث واللوازم المنزلية تتيح للمشتري تطبيق يعتمد الواقع المعزز يوضح كيف قد يبدو الأثاث ضمن منزله قبل شراءه.

4- أنظمة الحرب الالكترونية:

دخل الواقع المعزز بشكل كبير في مجال الحروب الإلكترونية؛ فأصبحنا نراه ضمن الرادارات وأنظمة توجيه الصواريخ والطائرات المسيرة وحتى ضمن الطائرات الحربية. حيث يتيح كشف العدو بشكل تفاعلي أمام أعين الطيّار.

5- الطب:

يستخدم الجرّاحون تطبيقات الواقع المعزز لرؤية الجمجمة والدماغ بشكل ثلاثي الأبعاد قبل البدء بالعمل الجراحي. كما يستخدم الممرضون تطبيق يتيح كشف أماكن الأوردة على الجلد وذلك من أجل التأكد من موقعها قبل الحقن.

6- الألعاب:

لعل أشهرها كان لعبة « Pokemon GO» والتي تعتمد على ملاحقة شخصيات ضمن الواقع ويمكن رؤيتها على شاشة الهاتف ضمن أماكن معينة. [2]

كيف يعمل الواقع المعزز؟

يعتمد عمل وتطبيق الواقع الافتراضي على وجود كاميرا عالية الدقة. لتوضيح الفكرة سوف نعطي مثال لتطبيق للتحكم بالروبوت باستخدام الواقع المعزز، يتكون النظام من ثلاثة أجزاء رئيسية، أولًا العنصر الفيزيائي وهو الروبوت، ثانيًا « التوأم الرقمي-Digital Twin» وهو نسخة رقمية ثلاثية أبعاد عن الروبوت، ثالثًا البرنامج على الهاتف الذكي.

  1. يقوم المعالج بمعالجة الصور الملتقطة من كاميرا الهاتف أو النظارات الذكية. ثم يعمل على تحليلها وإدراك العناصر الموجودة فيها باستخدام تقنيات «منظور الحاسب – Computer Vision» وتقنيات الذكاء الصنعي.
  2. يقوم بمطابقة العنصر مع صورة ثلاثية أبعاد طبق الأصل تسمى بالتوأم الرقمي وفي حال المطابقة يتم تفعيل الواقع المعزز.
  3. يرسل الحساس الموجود ضمن نظام الروبوت المعلومات باستمرار إلى السحابة الالكترونية والتي تحتوي على التوأم الرقمي والذي يحاكي حركة الجزء الحقيقي.
  4. يتم إرسال المعلومات بعد تنظيمها إلى برنامج الهاتف الذكي والذي بدوره يؤدي إلى تغير المعلومات الظاهرة على الشاشة بشكل متزامن مع حركة الجزء الأساسي التي تلتقطها الكاميرا.
  5. يتفاعل المستخدم مع هذا النظام عن طريق أوامر موجودة على الشاشة فعندما يضغط على أمر تحريك معين ينتقل الأمر إلى التوأم الرقمي وبعدها إلى محركات الروبوت الحقيقي. رأينا أن الواقع المعزز يعتمد على الأحداث الواقعية ويضيف إليها معلومات للمساعدة على التحكم أو تحقيق أهداف أخرى.

«الواقع الافتراضي- Virtual Reality »

تطبيق الواقع الافتراضي هو عمليةُ محاكاةٍ لتجربة معينة أو إحساس معين ضمن عالم ثلاثي الأبعاد يتم توليده من قبل معالجات رسومية خاصة. يتفاعل معها المستخدم عن طريق حواسه، وبالتالي يعتمد عمل الواقع الافتراضي على حواس المستخدم وبشكل خاص على البصر والسمع. ويكون المستخدم وكأنه جزء من هذا العالم حيث يتفاعل مع عناصره كما يتفاعل مع عناصر العالم الحقيقي، مثلًا يمكنك القرع على الباب في العالم الافتراضي وتسمع صوت القرع وكأنه حقيقي.

الفرق بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز

يتم الخلط غالبًا بين مفهوم الواقع الافتراضي والواقع المعزز، ولكنهما مختلفان بشكل كبير. والاختلاف يبدأ من معنى الاسمين مرورًا بأساليب البرمجة والتطبيق وانتهاءًا بالوظيفة.[3]

تكمن أهم الفروقات في النقاط التالية:

التجهيزات:

يحتاج الواقع الافتراضي للكثير من التجهيزات كأدوات التحكم ويحتاج أيضا لمكان مجهز بحساسات و متعقبات للحركة. بينما قد لا يحتاج الواقع المعزز إلا للهاتف الذكي وأحيانًا إلى نظارات ذكية مقترنة مع الهاتف الذكي.

المعالج:

تطبيقات الواقع الافتراضي تحتاج إلى معالجات عالية الأداء تكون خاصة بها، على عكس تطبيقات الواقع المعزز والتي يمكن تنفيذها عن طريق معالجات الهواتف الذكية.

الوظيفة:

الواقع الافتراضي يتيح للمستخدم خوض تجربة خيالية أو اختبار حالة معينة قبل تنفيذها واقعيًا، بينما الواقع المعزز يهدف إلى تطوير استخدام التطبيقات الواقعية عن طريق إضافة ميزات جديدة لرؤية المستخدم.

المصادر:

[1]- Investopedia
[2]- The Franklin Institute
[3]-pcmag

مقدمة عن تعلم الآلة

مقدمة عن تعلم الآلة

ما هو مفهوم «تعلم الآلة-machine learning»؟

تعلم الآلة هو فرع من فروع «الذكاء الاصطناعي-artificial intelligence» المهتم بجعل أجهزة الكمبيوتر تعمل دون أن تتم برمجتها بشكل صريح. أي يهتم بدراسة خوارزميات التعلم القائمة بشكل أساسي على جعل أجهزة الكمبيوتر تتعلم وتتطور بمفردها دون الحاجة إلى أوامر برمجية محددة وصريحة. بعبارة أخرى، هو الفرع المهتم بجعل الآلة تحاكي عملية التعلم في الإنسان.

الفرق بين خوارزميات تعلم الآلة والخوارزميات التقليدية

الخوارزميات التقليدية تقوم على أخذ المدخلات والأوامر البرمجية في شكل كود، وبناءً على المنطق الخاص بالأوامر البرمجية تقوم بإخراج المخرجات.
أما في حالة خوارزميات تعلم الآلة فإنها تأخذ المدخلات والمخرجات معًا فيما يسمى ب «مجموعة البيانات-data set». وبناءً على مجموعة البيانات هذه تستخرج «نموذج-model» يحتوي على المنطق أو النمط بين مجموعة المدخلات والمخرجات، ويُستخدم هذا النموذج لاحقًا مع مدخلات جديدة للحصول على مخرجات(أو توقعات).

ويمكن توضيح الفرق بينهما في الصورة التالية:

تطبيقات تعلم الآلة

تستخدم خوارزميات تعلم الآلة في المشاكل المعقدة التي يصعب وصف المنطق ورائها مثل تطبيقات «التعرف على الصوت-voice recognition». تستخدم أيضًا مع المشاكل التي تتغير بياناتها بشكل مستمر مثل أنظمة توقع الاتجاه من مبيعات السلع.

ونظرًا لكثرة مجالات استخدام خوارزميات تعلم الآلة فإن تطبيقاتها لا حصر لها.

فيما يلي بعض من هذه التطبيقات:

«محركات التوصية-recommendation engines»

عندما تبحث عن فيلمٍ أو منتجٍ ما، فتجد في اليوم التالي إعلانات لمنتجات مشابهة أو أثناء تصفحك لإحدى مواقع التواصل تجد توصيات لأفلام مشابهة للفيلم الذي بحثت عنه من قبل. هذا ما تفعله محركات التوصية. وتستخدم في عملها بشكل أساسي خوارزميات تعلم الآلة.

«السيارات ذاتية القيادة-self-driving cars»

تهدف الشركات إلى تصنيع سيارات بإمكانها القيادة بأمان دون الحاجة إلى سائق. ويعتمد تصنيع هذه السيارات في الأساس على خوارزميات تعلم الآلة.

الترجمة الفورية

تعتمد الترجمة الفورية على خوارزميات تعلم الآلة، حيث أن سرعتها ومرونة ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى بسلاسة تتطلب معالجة سريعة ونموذجًا فعّالًا، وهو ما لا يمكن عمله بالخوارزميات التقليدية.

توقع الأمراض مثل الأزمات القلبية المحتملة

تقوم خوارزميات تعلم الآلة بفحص الملفات الطبية والتاريخ المرضي للمرضى ومن خلال تحليل تلك البيانات تقدّم توقعات عن أزمات القلب المحتملة للمريض. وقد تساعد تلك النتائج في إنقاذ بعض الحالات التي قد يستعصي على الطبيب وحده ملاحظتها وتشخيصها.

تصنيفات تعلم الآلة

تنقسم مناهج تعلم الآلة إلى ثلاث فئات عامة:

«التعلم الخاضع للإشراف – supervised learning»

يعتمد هذا المنهج على تعلم الآلة من بيانات (مدخلات ومخرجات) تدريبية مُصنفة. ومن خلال تحليل هذه البيانات يتم الوصول إلى نموذج يمكن استخدامه لاحقًا مع مدخلات جديدة في تحديد أصناف المخرجات بشكل صحيح.

العنصر المُميز لمنهجية التعلم الخاضع للإشراف هو عنصر التصنيف للبيانات المدخلة، فيسهل على الآلة التعلم والتمييز بين التصنيفات المختلفة. لذلك يتم تسميته بالتعلم الخاضع للإشراف، أي الخاضع للبيانات المُصنفة.

«التعلم غير الخاضع للإشراف – unsupervised learning»

تستخدم هذه المنهجية عندما يصعب تصنيف البيانات المدخلة بشكل مُسبق. فتتعلم الآلة من مجموعة البيانات الغير مصنفة وتقوم هي بتصنيفها بناءً على اكتشاف التشابهات والاختلافات الداخلية للبيانات. لذلك يتم تسميته بالتعلم الغير خاضع للإشراف، أي الغير خاضع للبيانات المُصنفة.

«التعلم المعزز-reinforcement learning»

يختص بكيفية جعل المُبرمَج (الآلة) يتخذ القرار (الاختيار) في بيئة من أجل تعظيم المكافأة الكلية. يختلف التعلم المعزز عن التعلم الخاضع للإشراف بأنه لا يحتاج إلى أي أزواج من المدخلات والمخرجات، ولكن عوضًا عن ذلك، يتم التركيز على الأداء المباشر الذي يُحسن من المكافأة التراكمية.

تاريخ تعلم الآلة

استخدم آرثر صموئيل مصطلح «تعلم الآلة-machine learning» لأول مرة في عام 1959، وهو أمريكي عمل في شركة IBM ورائد في مجال ألعاب الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي. في فترة الستينات كان الكتاب التمثيلي لأبحاث تعلم الآلة هو كتاب نيلسون عن آلات التعلم الذي كان يتعامل مع تصنيف الأنماط. واستمر الاهتمام بالتعرف على الأنماط في السبعينات.

في عام 1981، تم تقديم تقرير حول استخدام استراتيجيات تدريس جعلت الشبكة العصبية الاصطناعية تستطيع أن تتعرف على 40 حرفًا (26 حرفًا و10 أرقام و 4 رموز خاصة).

وفيما بعد، قدم توم ميتشل Tom M. Mitchell تعريفًا رسميًا واسع النطاق للخوارزميات التي تمت دراستها في مجال تعلم الآلة. يأتي هذا بعد اقتراح آلان تورينج Alan Turing في ورقته البحثية “الحوسبة الآلية والذكاء” ، حيث استبدل السؤال “هل يمكن للآلات أن تفكر؟” بالسؤال “هل يمكن للآلات أن تفعل ما يمكننا نحن (ككيانات تفكير) القيام به؟”.

واستمر التطور في مجال تعلم الآلة إلى أن وصل إلى شكله الحالي في عصرنا الحاضر. والذي يمكن وصفه باختصار شديد في أنه العلم القائم على جعل الآلة تتعلم.

مصادر

wikipedia
IBM
simplilearn

ماذا تعرف عن الـ«الإكسينوبوتات-xenobots»: روبوتات صُنعت من خلايا حية؟

ماذا تعرف عن الـ «الإكسينوبوتات-xenobots»: روبوتات صُنعت من خلايا حية؟

تُعرفُ الخلايا الجذعية المأخوذة من أجنة الضفادع على قدرتها على التحول إلى خلايا جلد وخلايا نسيج القلب، هذا في حال سُمِحَ لها بمتابعة نموها الطبيعي. لكن في ظروفٍ أخرى والّتي تشمل التكوينات المصصمة من قبل الخوارزميات والبشر، تم تكوين شئ جديد من هذه الخلايا: أول روبوتات أُنشِأت بالكامل من خلايا حية.

تم تسمية هذه الروبوتات بـ xenobots. النقط الصغيرة الحجم التي تحتوي على ما يتراوح من 500 إلى 1000 خلية والتي تمكنت من التنقل عبر طبق بتري والتنظيم الذاتي وحتى نقل الحمولات الضئيلة. هذه الـ xenobots لا تشبه أي كائنٍ حيٍ أو عضوٍ رأيناه أو أنشأناه حتى الآن.

هناك الكثير من الإمكانات للآلات الحية المصممة لمجموعة متنوعة من الأغراض، بدءًا من توصيل الأدوية للأماكن المستهدفة وحتى المعالجة البيئية. وهذا أمر رائعٌ للغاية.

وقال عالم الكمبيوتر وأخصائي الروبوتات جوشوا بونجارد من جامعة فيرمونت:

“إنها آلةٌ حية جديدة. ليست روبوتًا تقليديًا ولا نوعًا معروفًا من الحيوانات. إنها فئةٌ جديدةٌ من صُنع الإنسان: كائنٌ حيٌ قابلٌ للبرمجة.”

يتطلب تصميم الـ xenobots استخدام الحاسوب العملاق، وخوارزمية يمكن أن تجمع عملياً بضع مئات من خلايا قلب وجلد الضفدع في تكوينات مختلفة (إلى حد ما مثل طوب ليغو)، ومحاكاة النتائج.

سيقوم العلماء بتعيين النتيجة المرجوة – مثل الحركة – وستقوم الخوارزمية بإنشاء تصميمات مرشحة تهدف إلى إنتاج تلك النتيجة. تم تصميم الآلاف من تكوينات الخلايا بواسطة الخوارزمية، مع مستوياتٍ متفاوتة من النجاح.

تم التخلص من التكوينات الأقل نجاحًا للخلايا، وتم الاحتفاظ بالأنواع الأكثر نجاحًا وتنقيحها.

بعد ذلك، اختار الفريق التصميمات الواعدة للبناء الجسدي من الخلايا التي يتم حصادها من القيطم الأفريقي «Xenopus Laevis». وتم هذا العمل المضني باستخدام ملاقط مجهرية وقطب كهربائي.

عندما تم تجميعها أخيرًا، كانت التكوينات في الواقع قادرةً على التحرك، وفقًا لعمليات المحاكاة.  تعمل خلايا الجلد كنوع من السقالات لتجميع كل شيء معًا، في حين أن انقباض عضلات خلايا القلب تعمل على دفع الـ xenobots.

تحركت هذه الآلات في بيئةٍ مائيةٍ لمدةٍ تصل إلى أسبوعٍ دون الحاجة إلى مزيدٍ من العناصر الغذائية، حيث كانت تعمل بالطاقة المُزودة من مخازن الطاقة ’المحملة مسبقًا’ بشكل دهون وبروتينات.

أحد التصاميم احتوى ثقبًا واحدًا في منتصفه في محاولةٍ للحد من السحب. وجد الفريق أن هذا الثقب يمكن أن يمّر بـ «تكيّف مسبق-Exaptation» ليصبح كيسًى لنقل الأشياء. حيث أنهم أثناء تطويرهم التصميم، قاموا بدمج الكيس ونقل أشياء عن طريق محاكاة.
نقلت الـ xenobots أشياء من أماكن إلى أخرى. عندما كانت بيئتهم مليئة بالجسيمات المبعثرة، عملت الـ xenobots تلقائيًا معًا، متحركةً بشكلٍ دائريٍ لدفع الجسيمات إلى مكانٍ واحد.

إنه عملٌ رائع. وفقًا للباحثين، يمكن أن توفر جهودهم نظرة ثاقبة لا تقدر بثمن حول كيفية تواصل الخلايا والعمل معًا.

على الرغم من أن الفريق يصف الخليا بكونها “حية”، إلا أن ذلك قد يعتمد على كيفية تعريف الكائنات الحية. هذه الكائنات غير قادرة على التطور من تلقاء نفسها، لا تملك أجهزةً تناسلية، لذا فهي غير قادرةٍ على التكاثر.

عندما تنفد العناصر الغذائية في الخلايا، تصبح الـ xenobots ببساطة مجموعةً صغيرةً من الخلايا الميتة. (وهذا يعني أيضًا أنها قابلةٌ للتحلل، مما يمنحها ميزةً أخرى على الروبوتات المعدنية والبلاستيكية.)

على الرغم من أن الحالة الحالية للإكسينوبوتات غير مؤذيةٍ نسبيًا، إلا أن هناك إمكانيةً للعمل في المستقبل لدمج خلايا الجهاز العصبي، أو تطويرها في أسلحةٍ بيولوجية. نظرًا لتوسع مجال البحث هذا، سيكون هناك حاجةٌ لكتابة المبادئ التوجيهية والأخلاقيات.

ولكن هناك الكثير من الإمكانات الجيدة أيضًا.

وقال عالم الأحياء مايكل ليفين من جامعة تافتس:

“يمكننا أن نتخيل العديد من التطبيقات المفيدة لهذه الروبوتات الحية التي لا تستطيع الأجهزة الأخرى القيام بها. مثل البحث عن مُرَكباتٍ ضارةٍ أو تلوثٍ إشعاعي، وجمع  الميكروبلاستيك في المحيطات، والحركة داخل في الشرايين لإزالة الخثرات.”

تم نشر البحث في مجلة PNAS، وقد جعل الفريق الشيفرة المصدرية متاحةً مجانًا على Github.

المصدر: Science Alert

إقرأ أيضًا: هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

وفقًا لـ “صحيفة الإيكونومست” سيتم استبدال 47٪ من العمل الذي ينجزه البشر بالروبوتات بحلول عام 2037، حتى تلك المرتبطة بالتعليم الجامعي التقليدي. على مدى 50 عامًا، كان البشر قلقون من قيام الآلات بوظائفهم، وفي بعض الحالات، تحول هذا الخوف الى حقيقة. ولكن في مجالات التصميم يجني المصممون المبدعون فوائد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (Machine Learning) في التصميم والعمارة. فيوفر المصممون المزيد من الوقت للإبداع، بينما تتعامل أجهزة الكمبيوتر مع المهام التكرارية المعقدة التي تعتمد على البيانات. لكن التقدم الحقيقي في المجال يعني تحدي التعاريف التقليدية للتصميم والمصممين واعادة تعريف دور المصمم، من العمارة إلى الهندسة إلى التصنيع.

في حين أن بعض المصممين سيواجهون صعوبة في التخلص من النماذج التقليدية، سيشجع آخرون الحرية الإبداعية الجديدة التي يوفرها التعلم الآلي في العمارة. ورؤية هذه التطورات كأدوات بدلاً من عقبات يمكن أن يؤدي إلى التحرر من قيود النماذج القديمة التقليدية لدور المصمم.

تشجيع الذكاء الاصطناعي لأتمتة التصميم

يطلق مصطلح (أتمتة – Automation) على إسناد المهام التي كان يقوم بها الانسان أو المهام المستحيل القيام بها الى الآلة، لتصبح مهام آلية تلقائية. ويأخذ المجتمع الحديث الأتمتة كأمرًا مفروغًا منه. وبينما قد لا يُطلق عليهم مصطلح “روبوتات”، لكن الهواتف والطابعات وأجهزة الميكروويف والسيارات والمساعد الصوتي “اليكسا”، كلها مهام آلية لكن يتم إجراؤها يدويًا. وبالرغم أن التقنيات الآلية ليست جديدة؛ لكنها تتطور مؤخرًا، بنفس الطريقة التي يتطور بها العقل البشري وبالطريقة التي يعالج بها المعلومات.

العمليات الآلية هي بالفعل جزء لا يتجزأ من التصميم؛ لكننا سميناهم بشكل مختلف. يقول Jim Stoddart من استوديو The Living للعمارة:

“إذا كنت أقوم بتصميم شيء في برنامج (Revit)، وينتج البرنامج تلقائيًا مستندات منسقة لبناء هذا الشيء، فإنها أتمتة. إنه يفعل كل الأشياء التي اعتدت فعلها يدويًا.”

توفر الحوسبة المتطورة مزيدًا من الفرص لموازنة ذكاء الإنسان والآلة، مما يتيح لكل منهما القيام بما هو أفضل له. يقول Mike Mendelson، محاضر معتمد ومصمم مناهج في Nvidia Deep Learning Institute:

“إن أجهزة الكمبيوتر ليست جيدة في الحلول الإبداعية مفتوحة النهاية؛ فهذا لا يزال محجوزًا للبشر. لكن من خلال الأتمتة، يمكننا توفير وقت القيام بالمهام المتكررة، ويمكننا إعادة استثمار هذا الوقت في التصميم.”

الثقة في التصميم المعتمد على البيانات

في الوقت الحاضر،يمكن للمصممين إنشاء واختبار نماذج لا حصر لها قبل اعتماد أي تصميم فعلي في الإنشاء، مما يوفر الوقت والمال والموارد. في حين أن بعض سمات التصميم التي تساهم في خلق فراغًا “مثاليًا” -مثل الإضاءة النهارية، والمشتتات البصرية، وما إلى ذلك- يمكن قياسها كمياً، فإن تفضيلات الإنسان تميل إلى أن تكون معقدة للغاية بحيث لا يمكن قياسها يدويًا.

يقول Zane Hunzeker، مدير التصميم الإفتراضي والإنشاء في شركة Swinerton Builders:

“إن الشركة تستخدم بالفعل برنامجًا لتحسين التصميم استنادًا إلى تعليقات المستخدمين. أحد برامجنا في الواقع الافتراضي (VR) سيتتبع المكان الذي تنظر إليه، وإذا توقفت ونظرت إلى شيء لأكثر من نصف ثانية، فسيضع علامة صغيرة في تلك المنطقة، ثم تكرر هذا لـ 25 شخصًا في هذا المكتب، وبالتالي، تعرف أين يريد الناس أن ينظروا، وبعد ذلك يمكنك إدخال ذلك في التعلم الآلي. حتى تتمكن من توجيه أثاثك بطريقة محددة، على سبيل المثال.”

وعلى هذا النحو، يمكن تحسين التصميم بسهولة قبل تناول آخر رشفة من قهوة الصباح. كما يمكن أن يمتد تقييم (التصميم المعتمد على البيانات – Data-Driven Design) إلى مفاهيم عالية المستوى. كما يوضح Stoddart:

“يمكننا وضع شخص ما في الواقع الافتراضي، حيث يكون داخل الفراغ ونسأله، ‘هل هذا مثير أم لا؟ هل يشعرك بالترحيب؟ هل هو جميل؟’ بعد ذلك يمكننا تغذية تلك البيانات في نظام للتعلم الآلي بإعتباره (مشكلة تعلم خاضعة للإشراف من المصمم)، وفي الواقع، هذا البرنامج يساعدنا على التنبؤ، من بين الآلاف من التصميمات التي ننتجها، أي منها يقدم حلول مثيرة وذات صفات مكانية ومادية عالية المستوى والتي تستحق المزيد من الاستكشاف. “

إذًا كيف يمكن للبشر أن يتعلموا الثقة بالذكاء الاصطناعي في العمارة؟

يقول Stoddart إن الأمر كله يتعلق بالتحقق من صحة المخرجات (Validation):

“في الوقت الحالي يمكننا التحقق من صحة المخرجات، ويمكننا أن نثق بها، يمكننا في الواقع السماح له بالبدء في استكشاف الأفكار بمعنى أوسع. ليس فقط لتأكيد الأشياء التي نعرفها بالفعل، ولكن من الأفضل أن توضح لنا طرقًا بديلة لفعل الأشياء التي ربما لم نفكر فيها من قبل. “

ولكن هل يستبدل الذكاء الاصطناعي دور المصمم؟

قدرت “صحيفة التلغراف” احتمالية أن يستبدل الذكاء الاصطناعي لعدد 700 وظيفة، من دراسة أجرتها جامعة أكسفورد نشرت في عام 2013. والأخبار السارة أنه يتمتع المعماريون بواحد من أقل معدلات الاستبدال بالذكاء الإصطناعي (يبلغ 1.8٪)، وذلك مع مصممي الأزياء (2.1٪)، ومهندسي الفضاء (1.7٪)، وأخصائي علم الأحياء المجهرية (1.2٪)، وفناني الماكياج المسرحي (1٪)، علماء الأنثروبولوجيا (0.8 ٪) ومصممي الرقصات (0.4 ٪).

الأتمتة والذكاء الاصطناعي، في الوقت الحالي، لن يستبدل دور المصمم، ولكن هذا لا يعني أن المجال لن يخضع لتحولات عميقة في ممارسته: الكمبيوتر والبرامج تقضي على الأنشطة المتكررة الشاقة، وتزيد إنتاج المواد إلى الحد الأمثل، وتسمح بتصغير حجم المكاتب المعمارية. فمع مرور الوقت، هناك حاجة إلى عدد أقل من المعماريين لتطوير مشاريع أكثر تعقيدا.

في النهاية، لا يزال الإبداع عالم العقل البشري وحده. وبفضل الذكاء الاصطناعى، أصبح لدى البشر القدرة على خلق وتصميم العالم الذي يريدون العيش فيه وترك العمل الشاق للآلات.

المصادر:

Britannica

How Machine Learning in Architecture Is Liberating the Role of the Designer

?Will Automation Affect Architects

The Economist 

The Telegraph

Unsplash

إقرأ أيضًا: كيف ستطور تكنولوجيا نمذجة معلومات البناء (BIM) من تصميم وإنشاء المباني؟

كيف يشخص الذكاء الاصطناعي مرض الذهان؟

لطالما كانت اللغة أداةً رائعة، تتيح للبشر تبادل الأفكار مع بعضهم البعض. في كثير من الأحيان، إذا ما استخدمت بوضوح ودقة، فإن اللغة تؤدي إلى انسجام العقول. كما أن اللغة أيضًا الأداة الّتي يقوم بها الأطباء النفسيون بتقييم المريض لعلاج الذهان أو اضطراباتٍ عقليةٍ معينة، بما في ذلك انفصام الشخصية.

ومع ذلك، تميل هذه التقييمات إلى الاعتماد على توافر مهنيين مدربين تدريبًا عاليًا وتسهيلاتٍ كافية. وهنا تدخل فريقٌ من « آي بي إم-IBM Research» يتألف من أعضاء في مجموعات الطب النفسي الحاسوبي والتصوير العصبي في.

لقد طوروا معًا «ذكاءًا اصطناعيًا-AI» قادرًا على التنبؤ بدقة بظهور الذهان لدى المريض، والتغلب على حواجز التقييم المذكورة أعلاه. نُشرت أبحاث حول الذكاء الاصطناعي المتنبأ بمرض الذهان في مجلة «World Psychiatry».

اعتمدت المجموعة على نتائج دراسة آي بي إم لعام 2015 والتي توضح إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لنمذجة الاختلافات في أنماط الكلام للمرضى المعرضين لمخاطر عالية والذين طوروا في وقت لاحق الذهان وأولئك الذين لم يفعلوا ذلك. على وجه التحديد، حددوا كميًا مفاهيم “فقر الكلام” و “هروب الأفكار” على أنها تعقيد النحوية والتماسك الدلالي، على التوالي، باستخدام طريقة الذكاء الاصطناعي المعروفة باسم «معالجة اللغات الطبيعية-NLP».

ثم قام الذكاء الاصطناعي بتقييم أنماط الكلام الخاصة بالمرضى الذين طُلِلبَ منهم بالتحدث عن أنفسهم لمدة ساعة.
أضاف غييرمو تشيكي، الباحث الرئيسي ومدير مجموعات الطب النفسي الحاسوبي والتصوير العصبي في IBM Research:

“في دراستنا السابقة، تمكنا من بناء نموذج تنبؤي يدوي وصل إلى دقة 80%، ولكن الميزات الآلية حققت 100%.”

بالنسبة لدراستهم الجديدة، قام الباحثون بتقييم مجموعة أكبر بكثير من المرضى المنخرطين في نوعٍ مختلفٍ من الأنشطة الكلامية، وهو الحديث عن قصة قرأوها للتو. وقال تشيكي إنه من خلال تدريب الذكاء الاصطناعي الذي يتنبأ بمرض الذهان باستخدام ما تعلموه من دراسة 2015، تمكن الفريق من بناء نموذج استرجاعي لأنماط خطاب المريض.

وفقًا للدراسة، لم يتنبأ هذا النظام بالظهور النهائي لمرض الذهان لدى المرضى بنسبة دقة بلغت 83%. لو تم تطبيقه على المرضى من الدراسة الأولى، لَتنبأ الذكاء الاصطناعي بدقة 79% أيٌ من المرضى سيصاب في النهاية بمرض الذهان.

يمكن لهذه التقنية أن يساعد في النهاية أطباء الصحة العقلية وكذلك المرضى. كما كتب تشيكي في منشور لـ IBM Research يعود لعام 2017، فإن الأساليب التقليدية لتقييم المرضى غير موضوعي للغاية. يعتقد هو وفريقه أن استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي كأدوات لما يسمى الطب النفسي الحاسوبي يمكن أن يقضي على هذه المشكلة ويحسن فرص إجراء تقييمات دقيقة.

ليست هذه الدراسة الجديدة سوى واحدةٍ من جهود الطب النفسي الحاسوبي التي أجرتها شركة IBM Research. في وقت سابق من عام 2017، أجرى فريق تشيكي وباحثون من جامعة ألبرتا دراسةً من خلال مركز «آي بي إم ألبرتا للدراسات المتقدمة-IBM Alberta Center for Advanced Studies». وقد جمع هذا العمل بالذات تقنيات التصوير العصبي مع الذكاء الاصطناعي من أجل التنبؤ بالفصام عن طريق تحليل فحوصات دماغ المريض.

بالنسبة للدراسة الجديدة، يعتقد تشيكي أنه هذه خطوة مهمة نحو إتاحة التقييم النفسي العصبي لعامة الناس، ويمكن أن يؤدي التشخيص المحسن في بداية الذهان إلى تحسين العلاج.

وقال تشيكي:

“يمكن استخدام هذا النظام، على سبيل المثال، في العيادة. إن المرضى المعرضون للخطر يمكن أن يُشَخَصوا بسرعة وموثوقية بحيث يمكن تخصيص الموارد (الّتي تُعتبر محدودة دائمًا) لأولئك الذين يُرجّح أن يعانوا من أول حلقة من الذهان. يمكن للأشخاص الذين لا يمكنهم الوصول إلى عياداتٍ متخصصة إرسالُ عيناتٍ صوتيةٍ للتقييم عن بُعد من قبل الذكاء الاصطناعي الّذي يتنبأ بمرض الذهان.”

كما أضاف تشيكي بإن النهج لا يجب أن يقتصر على الذهان فقط. وقال:

“يمكن تطبيق أساليب مماثلة في ظروفٍ أخرى، على سبيل المثال، الاكتئاب.”

في الواقع، يستكشف الباحثون في IBM إمكانات الطب النفسي الحاسوبي للمساعدة في تشخيص وعلاج الحالات الأخرى، بما في ذلك الاكتئاب وأمراض الشلل الارتعاشي والزهايمر، وحتى الألم المزمن.

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً حقيقيةً في الطب، ومع وصول هذه الأنظمة المتقدمة إلى الاتجاه السائد، سندخل حقبة جديدة في مجال الرعاية الصحية، ونأمل أن يكون ذلك متاحًا لأي شخص في أي مكان للوصول إلى أفضل خيارات التشخيص والعلاج.

المصادر: Futurism
IBM Research Blog

إقرأرأيضًا: معاناة جون ناش الفائز بجائزة نوبل مع الفصام وحادث مماته

Exit mobile version