ثلاثة فائزين بجائزة نوبل للسلام 2022، من هم؟ وماذا قدموا للبشرية؟

قررت لجنة نوبل النرويجية، منح جائزة نوبل للسلام لعام 2022 للمدافع عن حقوق الإنسان «أليس بيالياتسكي» من بيلاروسيا، ومنظمة ميموريال الروسية لحقوق الإنسان، ومركز الحريات المدنية التابع لمنظمة حقوق الإنسان الأوكرانية.

ما الذي قدمه الفائزون بجائزة نوبل للسلام 2022

يمثل الحائزون على جائزة نوبل للسلام 2022 المجتمع المدني في بلدانهم الأصلية. فقد روجوا لسنوات عديدة للحق في انتقاد السلطة، وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين. كما قاموا أيضًا ببذل جهود كبيرة لتوثيق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وإساءة استخدام السلطة.

أليس بيالياتسكي

كان أليس بيالياتسكي أحد المبادرين للحركة الديمقراطية التي ظهرت في بيلاروسيا في منتصف الثمانينيات. قام أليس بتكريس حياته لتعزيز الديمقراطية والتنمية السلمية في وطنه. ومن بين العديد من الأشياء التي قام بها؛ أسس منظمة «فياسنا – Viasna» (والتي تعني الربيع باللغة البلاروسية) عام 1996، وذلك ردًا على التعديلات الدستورية المثيرة للجدل التي منحت الرئيس سلطات دكتاتورية، وأثارت مظاهرات واسعة النطاق. كما قدمت المنظمة الدعم للمتظاهرين الذين تم اعتقالهم، هم وعائلاتهم. في السنوات التي تلت، تطورت فياسنا إلى منظمة لحقوق الإنسان ذات قاعدة جماهيرية عريضة، وقامت بالتوثيق والاحتجاج على استخدام السلطات البيلاروسية التعذيب ضد السجناء السياسيين.

سعت السلطات البيلاروسية مرارًا وتكرارًا إلى إسكات أليس بيالياتسكي. فقد قامت بسجنه في الفترة الممتدة بين 2011 و 2014. وفي عام 2020 تم اعتقاله مجددا بعد مظاهرات واسعة النطاق ضد النظام، ولا يزال محتجزا بدون محاكمة حتى الآن. وعلى الرغم من المصاعب الشخصية الهائلة، لم يتنازل بيالياتسكي عن كفاحه من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في بيلاروسيا.

منظمة ميموريال الروسية لحقوق الإنسان

تأسست منظمة ميموريال لحقوق الإنسان في عام 1987 من قبل نشطاء حقوق الإنسان في الاتحاد السوفياتي السابق، الذين أرادوا التأكد من أن ضحايا قمع النظام الشيوعي لن يتم نسيانهم أبدًا. وقد كان «أندريه ساخاروف – Andrei Sakharov» (الحائز على جائزة نوبل للسلام) و«سفيتلانا جانوشكينا – Svetlana Gannushkina» (أحد أشهر المدافعين عن حقوق الإنسان) من بين المؤسسين لهذه المنظمة. ويعد المبدأ الأهم الذي تأسست عليه هو أن مواجهة جرائم الماضي أمر ضروري لمنع ارتكاب جرائم جديدة.

فيما بعد، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نمت منظمة ميموريال لتصبح أكبر منظمة لحقوق الإنسان في روسيا. حيث قامت بتجميع وتنظيم معلومات حول القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان في روسيا. وأصبحت الآن المصدر الأكثر موثوقية للمعلومات عن السجناء السياسيين في مرافق الاحتجاز الروسية. كما قامت ببذل جهود كبيرة لمكافحة النزعة العسكرية، وتعزيز حقوق الإنسان جنبًا إلى جنب مع احترام سيادة القانون.

عندما تقوم منظمات المجتمع المدني بمسامحة الاستبداد والديكتاتورية، يكون السلام هو الضحية التالية في كثير من الأحيان. يتراوح عدد ضحايا الغزو الروسي على الشيشان ما بين ثلاثين ألف إلى مئة ألف مدني. يعود الفضل في توثيق جرائم الحرب هناك إلى العديد من المنظمات المدنية الروسية وأهمها منظمة ميموريال لحقوق الإنسان. قامت المنظمة بجمع المعلومات حول الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية والقوات الموالية لروسيا بحق السكان المدنيين. ونتيجة لذلك، قُتلت «ناتاليا إستيميروفا – Natalya Estemirova» (رئيسة فرع المنظمة في الشيشان) في عام 2009، أثناء توثيقها الانتهاكات التي كان يقوم بها الجنود الروس بحق المواطنين الشيشانيين.

تعرضت الجهات العاملة في المجتمع المدني في روسيا للتهديدات، والسجن، والاختفاء القسري، والقتل طوال سنوات. وكجزء من مضايقات الحكومة لمنظمة ميموريال تم تصنيفها على أنها عميل أجنبي. وفي ديسمبر 2021، قررت السلطات تصفية ميموريال بالقوة وإغلاق مركز التوثيق بشكل دائم. تم البدء في عمليات الحل القسري في الأشهر التالية، لكن الأشخاص الذين يقودون المنظمة يقاومون الحل القسري بشتى الطرق الممكنة.

مركز الحريات المدنية التابع لمنظمة حقوق الإنسان الأوكرانية

تأسس مركز الحريات المدنية في كييف عام 2007، بهدف تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في أوكرانيا. اتخذ المركز موقفًا لتقوية المجتمع المدني الأوكراني والضغط على السلطات لجعل أوكرانيا ديمقراطية بشكل كامل. كما دعا المركز إلى انضمام أوكرانيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، بهدف تطوير أوكرانيا إلى دولة يحكمها القانون.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، انخرط مركز الحريات المدنية في جهود لتحديد وتوثيق جرائم الحرب الروسية ضد السكان المدنيين الأوكرانيين. وبالتعاون مع شركاء دوليين، يلعب المركز دورًا رائدًا بهدف محاسبة المذنبين على جرائمهم.

إحياء الأخوة بين الدول

من خلال منح جائزة نوبل للسلام لعام 2022 إلى أليس بيالياتسكي ومنظمة ميموريال الروسية لحقوق الانسان ومركز الحريات المدنية، تود لجنة نوبل النرويجية تكريم ثلاثة أبطال بارزين في حقوق الإنسان والديمقراطية والتعايش السلمي في البلدان المتجاورة؛ بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا. أعاد الفائزون هذا العام إحياء وتكريم رؤية ألفريد نوبل للسلام والأخوة بين الدول من خلال جهودهم المستمرة لصالح القيم الإنسانية ومعاداة النزعة العسكرية ومبادئ القانون، وهي الرؤية التي يحتاجها العالم اليوم.

المراجع

[1] Noble Prize

[2] The New York Times

ما هو الوباء المعلوماتي وكيف تحمي نفسك منه؟

تسببت جائحة كورونا في وفاة أكثر من ستة ملايين شخص حتى نهاية شهر ابريل 2022 (تاريخ كتابة هذا المقال). [1] كما تسببت الجائحة في أكبر ركود اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. [2] وفي نفس التوقيت، ظهر «وباء معلوماتي – Infodemic» غير مسبوق. يصف مصطلح الوباء المعلوماتي الانتشار السريع للشائعات ونظريات المؤامرة عبر المنصات المختلفة عبر العالم. فتابع معنا المقال التالي لتتعرف أكثر على الوباء المعلوماتي وأسبابه وكيف تحمي نفسك منه؟

ما هو الوباء المعلوماتي؟

تمت صياغة مصطلح الوباء المعلوماتي لأول مرة في عام 2003 من قبل «ديفيد روثكوبف – David Rothkopf » وهو كاتب صحفي في الواشنطن بوست. وليس هناك تعريف ثابت للوباء المعلوماتي. ولكن طبقًا لقاموس ميريام وبستر فهو انتشار سريع وبعيد المدى للمعلومات الدقيقة وغير الدقيقة حول شيء ما، كمرض معين مثل جائحة كورونا على سبيل المثال. ويعد الوباء المعلوماتي الذي صاحب جائحة كورنا هو أحدث وباء معلوماتي غزا العالم في العصر الحديث. وقد أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم غيبريسوس – Tedros Adhanom Ghebreyesus» في العديد من المرات أن منظمة الصحة العالمية لا تحارب وباء كورونا فقط ولكنها تحارب الوباء المعلوماتي المصاحب له أيضًا. [3]

أسباب انتشار الوباء المعلوماتي  

أجمعت العديد من الدراسات على أن وسائل التواصل الإجتماعي و نقص المعرفة العلمية هي الأسباب الرئيسية لانتشار الوباء المعلوماتي. ولا شك أن كلا السببين مرتبطين بشكل وثيق. فكافة المعلومات تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي. ولذلك تعد وسائل التواصل الإجتماعي هي الوسيلة الأولى لمتابعة الأخبار العالمية حاليًا. ونتيجة نقص المعرفة لا يتم تمييز أي من المعلومات صحيح وأيها خاطئ. وفيما يلي نستعرض كل سبب على حدة.

دور وسائل التواصل الإجتماعي في انتشار الوباء المعلوماتي

لا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في نقل اخبار العالم. فطبقًا لآخر إحصائية فإن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وصل إلى ما يقارب 3.36 مليار في عام 2020. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 4.41 مليار مستخدم بحلول عام 2025.[4] لكن بعكس المجلات العلمية فليس كل ما ينشر على مواقع التواصل يتم مراجعته من قبل المتخصصين. ونتيجة لذلك تنتشر المعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الإجتماعي بشكل كبير. فطبقًا لإحدى الدراسات فإن مواقع التواصل الإجتماعي مسؤولة بشكل مباشر عن 50 % من اجمالي المعلومات المغلوطة المنتشرة حول فايروس كورونا المستجد. فعلى سبيل المثال قامت إحدى الدراسات بتحليل المئتي فيديو أصحاب أكثر مشاهدات على موقع يوتيوب في الفترة ما بين يناير 2020 وحتى ابريل 2020 حيث كانت تلك الفترة بداية انتشار الفايرس عالميًا. وقد وجدت هذه الدراسة أن هناك 115 فيديو من الفيديوهات المئتان الأكثر مشاهدة تحدثوا عن وباء كورونا بشكل مباشر. وقد احتوى 39 فيديو منهم على معلومات مغلوطة عن الوباء. أي أن 37% من هذه الفيديوهات احتوت على معلومات مغلوطة حول فايروس كورونا المستجد. [3]

دور نقص المعرفة العلمية في انتشار الوباء المعلوماتي

ساعد نقص المعرفة العلمية في انتشار الوباء المعلوماتي بشكل كبير. فربما لو كان المجتمع أكثر وعيًا بالطريقة العلمية، لاستطاعوا التحقق مما اذا كانت المعلومات التي يسمعونها صحيحة أم خاطئة. فطبقًا لدراسة أمريكية فإن نصف الأمريكيين لا يستطيعون تمييز الأخبار الصحيحة من الأخبار الخاطئة حول فايروس كورونا. وإذا كان نصف المجتمع الأمريكي المتفتح إلى حد كبير لا يستطيع تمييز الأخبار الصحيحة من الأخبار الخاطئة فكيف الحال بالدول الأفريقية مثلًا، التي يعد الوصول فيها للانترنت رفاهية لا يمتلكها أغلب الناس.[3]

وقد تسبب نقص المعرفة العلمية في وفاة 800 شخصًا بشكل مباشر في ايران نتيجة تناول منظفات ومعقمات اعتقادًا منهم أن هذه المنظفات قادرة على منع اصابتهم بوباء كورونا. [8]

لو أن المرء ليس مسؤولا إلا عن الأمور التي يعيها، لكانت الحماقات مبرأة سلفا عن كل إثم. لكن الإنسان ملزم بالمعرفة. الإنسان مسؤول عن جهله. الجهل خطيئة.

ميلان كونديرا – رواية المحاورة

دور الانحياز التأكيدي في انتشار الوباء المعلوتي

في سلسلة من التجارب ، شرع الأستاذ المساعد بقسم علم النفس «جوردون بينيكوك – Gordon Pennycook» وزملاؤه في إحدى الورقات البحثية في استكشاف التناقض بين ما نؤمن به وما نشاركه. أولًا قام العلماء بعرض العديد من الأخبار المزيفة على المشاركين التي تتفق م سياساتهم. ومن ثم قامو بتحديد ما إذا كان بإمكان المشاركين التمييز بين الأخبار الصحيحة والأخبار المزيفة.

وقد كان المشاركون في هذا التجربة أصحاب قدرة مميزة على تمييز الأخبار الصحيحة من الأخبار المزيفة. ولكن بالرغم من ذلك، كان من المحتمل أن يشارك المشاركون مقالًا خاطئًا يمثل وجهة نظرهم السياسية بمقدار الضعف مقارنةً بتصنيفها على أنها دقيقة. على وجه التحديد ، اخطأ الأشخاص في تصنيف ما يقرب من 20٪ من العناوين الكاذبة التي تتطابق مع سياساتهم وقامو بتصنيفها على أنها أخبار صحيحة. وعلى الرغم من ذلك، قام ما يقرب من 40٪ من الأشخاص بمشاركة نفس الأخبار المزيفة. أي أن الناس على استعداد لمشاركة مقالات يعلمون أنها كاذبة لمجرد أنها تتفق مع سياسيتهم فيما يمكن تصنيفه كانحياز تأكيدي (أحد أشهر الانحيازات المعرفية الموجودة). [5]

كيف تقلل عدد المنشورات المزيفة التي تنشرها

قام دكتور بينيكوك وزملاؤه بتحديد بعض التكتيكات التي قد يستخدمها رواد منصات التواصل الاجتماعي حتى يعطي الناس الأولوية للدقة في مشاركاتهم. قام الباحثون بتجنيد أكثر من 5000 مستخدم على تويتر شاركوا مقالات من المواقع التي تنقل المعلومات المضللة بانتظام. أرسل الباحثون رسائل خاصة إلى مستخدمي تويتر هؤلاء وطلبوا منهم تقييم دقة العنواين الرئيسية قبل كل نشر. لقد تم إعداد هؤلاء المستخدمين للتفكير بشكل أكبر في الدقة بعد هذا الطلب، ونتيجة لذلك زادت دقة مشاركات هؤلاء المستخدمين بنسبة 5 إلى 10٪ . قد تبدو الزيادة من 5 إلى 10٪ صغيرة ، ولكن عندما تفكر في العدد الهائل من منشورات توتير ، فإن مثل هذا الانخفاض في مقدار المعلومات الخاطئة قد يكون كبيرًا جدًا. لذلك فإن تبني مبدأ بسيط مثل تقييم دقة المقال قبل نشره يقلل عدد المنشورات المزيفة ولو بشكل قليل. [6]

كيف تميز الاخبار المزيفة على مواقع التواصل

نظرًا لأن عبء تمييز المنشورات الصحيحة من المزيفة يقع على عاتق كل فرد فينا، فإليك بعض الاستراتيجيات لمساعدتك في تقييم صحة المعلومات الطبية بشكل عام:

قيم مصدر المعلومة

لا يوجد وقت كافٍ للخوض في الكم الهائل من المعلومات التي نواجهها ، لذا فإن أسرع طريقة لفرز القمح من القشر هي التأكد من أن الشخص الذي يدعي الادعاء هو خبير حسن السمعة. الخبراء هم المنقذون الذين ينقذون الناس من الغرق في المعلومات الخاطئة ، وهذا هو السبب في أن مقدمي الأخبار الكاذبة ينتقصون من المهنيين المؤهلين. ومع ذلك ، فإن أوراق الاعتماد الأكاديمية ليست مؤشرًا مضمونًا لجودة المعلومات. على الرغم من الخراب الذي قد يجلبه ذلك إلى حياتهم المهنية ، فإن هناك بعض الخبراء المحتالين. بينما يرتكب آخرون أخطاء صادقة. ولكن النتيجة هي أن احتمالية أن تكون نصيحة الخبير سليمة أعلى بكثير من نصيحة غير الخبراء، خاصةً عندما يتم دعم رأي أحد الخبراء من قبل خبراء آخرين. [7]

كن حذرًا من وسائط الأخبار المتحيزة

شهدت العقود الأخيرة انتشارًا للوسائط الإخبارية مثل القنوات الإخبارية والمواقع الإلكترونية التي تعد بمثابة آلات دعاية للأحزاب السياسية. في هذه الحالة، غالبًا ما تكون المعلومات التي تستهلكها متحيزة بهدف التلاعب بالمستهلك لتلبية أجندة سياسية. كيف تعرف أن الوسط الإخباري المفضل لديك متحيز؟ إحدى النصائح الواضحة هي أن الوسط الإخباري يشيد باستمرار بحزب سياسي واحد بينما يهاجم الحزب المعارض بلا هوادة. نصيحة أخرى هي الطريقة التي يتم بها نقل المعلومات: يجب أن تكون النغمة مهنية وموضوعية ، وليست مشبعة بالعاطفة والغضب والرأي الشخصي. [7]

المصادر

[1] worldometers

[2] worldbank

[3] science direct

[4] statista

[5] nature

[6] psychology today

[7] psychology today

[8] BBC

هل تيأس الحيوانات؟

يناقش الكاتب البرتغالي الكبير الحائز على جائزة نوبل للأدب – جوزيه ساراماجو – فكرة العجز واليأس في العديد من رواياته. ويفتتح أحد فقرات رواية الطوف الحجري معقبًا على شعور أحد شخصيات الرواية باليأس، فيقول

“اليأس كما نعرف جميعًا، سلوك بشري، لا نعرف خلال التاريخ الطبيعي أن الحيوانات تيأس. لكن الإنسان نفسه لا ينفصم عن اليأس، اعتاد على الحياة فيه، ويحتمله حتى آخر الحدود”.

الطوف الحجري – جوزيه ساراماجو

ورغم كون هذه الافتتاحية جميلة على المستوى الأدبي فإنها عندما توضع تحت عدسة العلم فهي ليست بالدقيقة وتحتاج إلى تصحيح.

فتابع معنا المقال التالي لتتعرف كيف يؤثر اليأس على الحيوانات بشكل عام وما هو تأثيره على البشر؟

تجربة سيليغمان وماير

شرح التجربة

في ستينيات القرن الماضي، قام عالما علم النفس «مارتن سيليغمان – Martin Seligman» و «ستيفن ماير – Steven F. Maier» بإجراء تجربة تتضمن تعليم ثلاث مجموعات مختلفة من الكلاب القفز فوق عقبة صغيرة من جانب واحد من الصندوق إلى الجانب الآخر للهروب من صدمات كهربائية. كانت المجموعة الأولى تتعرض للصدمات لأول مرة في حياتها. أما المجموعة الثانية فقد تعلمت الهروب من صدمات كهربائية ولكن في ظروف مختلفة عن ظروف التجربة. وبالنسبة للمجموعة الثالثة، فقد تعرضت للصدمات الكهربائية من قبل أيضًا. ولكن تلك الصدمات كانت مستمرة ولا يمكن الهروب منها بأي شكل.

نتائج التجربة

توقع سيليغمان وماير أن المجموعة الثانية ستكون أسرع مجموعة تتعلم الهروب من الصدمة الكهربائية ثم تليها المجموعة الأولى ثم المجموعة الثالثة. وبالفعل تعلمت المجموعة الثانية أسرع من المجموعة الأولى. ولكن ما لم يكن متوقع هو أن المجموعة الثالثة لم تحاول الهرب من الصعقات الكهربائية على الإطلاق. لقد أصبحت المجموعة الثالثة سلبية تمامًا. أصبحت الكلاب في المجموعة الثالثة تتلقى الصدمات الكهربائية ولا تقوم بأي رد فعل، حتى قام العلماء بإنهاء التجربة بدافع الرحمة.

اكتشاف العجز المتعلم

اقترح سيليغمان وزملاؤه أن الكلاب في المجموعة الثالثة تعلمت من التعرض لصدمات لا مفر منها أن لا شيء يمكن أن يفعلوه يمكن أن يحدث فرقًا. لقد كانت المجموعة الثالثة «عاجزة – helpless» عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على مصيرهم. فقد نقلت المجموعة الثالثة ما تعلموه من تجاربهم السابقة إلى هذه التجربة مثل المجموعة الثانية، ولكن في حالتهم فقد نقلوا «العجز المتعلم – learned helplessness» أو اليأس المتعلم. لقد كانت الكلاب تفتقر إلى إحساس التحكم في مصيرها. ولعل ذلك الافتقار إلى التحكم هو ما جعل هذه الكلاب تظهر مؤشرات الحزن والإكتئاب.

علاج العجز المتعلم

حاول سيليغمان فيما بعد علاج الكلاب التي أصبحت عاجزة ولا تحاول الهروب من الصعقات الكهربائية. وقد قال سيليغمان فيما بعد أنه يبدو أن علاجًا واحدًا فقط يعالج العجز في الكلاب. فقد أفترض أن الكلب لا يحاول الهروب لأنه يتوقع أن محاولة الهروب ستكون بلا جدوى. ولكن عندما تم إجبار الكلاب على معرفة أن هناك تغيير يمكن أن يحدث فرقًا عندها بدأت الكلاب القفز من تلقاء نفسها لإنهاء الصعقات الكهربائية. فقد قام سيليغمان بربط الكلاب بحبل وإجبارها على عبور العقبة حتى تتوقف الصعقات الكهربائية. وقد لاحظ سيليغمان أن القوة المطلوبة لتحريك الكلاب كانت تقل مع الوقت. فقد كانت الكلاب في البداية تقاوم الحركة بشكل كبير ولكن مع مرور الوقت كانت مقاومتها تقل، حتى أنها في النهاية كانت تكفي مجرد وخزة لجسم الكلب حتى يبدأ في عبور العقبة وإيقاف الصعقات.

ما بعد تجربة سيليغمان وماير

أعيد إجراء تجربة سيليغمان وماير على حيوانات عديدة وعلى البشر بطرق مختلفة وأعطت نفس النتائج. فقد أعيدت التجربة على الفئران والقطط والأسماك وأظهرت هذه المجموعات دائمًا عجزًا متعلمًا.

ولعل أشهر التجارب المشابهة المتعلقة بالعجز المتعلم أجريت على الفئران. ففي العادة عندما يتم الإمساك بفأر وإلقاءه مباشرة في خزان مياه فإنه يستطيع السباحة لمدة ستين ساعة قبل أن يغرق. ولكن عندما قام العلماء بالإمساك بالفئران حتى تتوقف عن المقاومة تمامًا فإنها تقاوم الغرق لمدة ثلاثين دقيقة فقط قبل أن تغرق. ولعلاج هذه الفئران من العجز المتعلم فإن العلماء قاموا بإخراج الفئران العاجزة من الماء لمدة بسيطة ثم معاودة إلقاءها في الماء مرة أخرى عدة مرات. وقد قاومت تلك الفئران التي تم إخراجها من الماء وإلقاءها فيه مرة أخرى الغرق لمدة ستين ساعة كما الفأر العادي تمامًا. لقد كانت عملية إخراج الفأر من الماء وإلقاءه فيه مرة أخرى تعطي الفأر إحساسًا بالتحكم بمصيره. ورغم كون إحساس الفأر بالتحكم بمصيره مزيفًا، إلا أنه جعله يقاوم الغرق لفترات أطول.

العلاقة بين العجز المتعلم والاكتئاب

على ما يبدو فهناك علاقة بين العجز المتعلم الذي تم وصفه أول مرة في تجارب سيليغمان وماير وبين السلوك البشري الناتج عن سوء التكيف. فعلى سبيل المثال، يعد «اضطراب الاكتئاب الشديد – Major Depressive Disorder» -الذي ينتج في الغالب نتيجة العيش في ظروف مرهقة وصعبة – مرتبط بشكل ما بالعجز المتعلم. فعلى سبيل المثال، تتشابه أعراض اضطراب الاكتئاب الشديد وأعراض العجز المتعلم في أن المصاب بأي منهما يظهر تأخر في الاستجابة للمحفزات الخارجية. كما يتشابها أيضا في أن المصاب بأي منهما يجد صعوبة في تصديق في أن محاولاته سوف تنجح.

في إحدى الدراسات المتعلقة بأعراض الاكتئاب، فقد تم تصنيف الشعور باليأس والعجز وانعدام القيمة كأعراض أساسية لمرضى الاكتئاب. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن نضوب «النورإبينفرين – norepinephrine» الناتج عن الصعقات التي لا يمكن التحكم بها يطابق الفرضية القائلة بأن نضوب النورإيينفرين أحد مسببات الإكتئاب لدى البشر.

المصادر

[1] Annual review of medicine

[2] Journal of experimental psychology

[3] Medical News Today

[4] psychiatry online

ما هي المباني الخضراء؟ وكيف تقلل من أثر البناء على البيئة؟

أثر المباني على البيئة

إذا سُئلت يومًا عن أكثر الأشياء الملوثة للبيئية والمستهلكة للموارد، فربما تكون إجابتك هي وسائل المواصلات أو المصانع. وعلى الأغلب فإن المباني سواء كانت مبنى سكنك أو مبنى الشركة التي تعمل بها لن تدخل قائمتك لأكثر الأشياء الملوثة للبيئية. ولكن طبقًا لـ«مجلس المباني الخضراء الأمريكي – U.S. Green Building Council» فإن المباني أحد أكثر الأشياء الملوثة للبيئية والمستهلكة للموارد على الإطلاق. ففي الولايات المتحدة وحدها:

  • تستهلك المباني (24-50) % من إجمالي الطاقة المستهلكة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
  • تستخدم 72 % من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة.
  • المباني مسئولة عن 38 % من إجمالي كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث في كافة أنحاء الولايات المتحدة. وبهذه النسبة فإنها تأتي في المركز الأول في قائمة المساهمين في انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة تليها وسائل المواصلات.
  • تستخدم المباني 14 % من إجمالي المياه المستخدمة في الولايات المتحدة.
  • تنتج 30 % من إجمالي النفايات في الولايات المتحدة ما يعادل 160 مليون طن من النفايات سنويًا.
  • تستهلك 40 % من المواد الخام المستخدمة في الولايات المتحدة [1]

الاستدامة

نظرًا للأهمية التي يوليها العالم للتغيرات المناخية التي تحدث اليوم، هناك الكثير من المحاولات لتقليل آثار ملوثات البيئة – فعلى سبيل المثال إن جائزة نوبل للفيزياء عام 2021 تم منحها للعلماء المساهمين في فهم أسباب التغير المناخي-. وهناك تاريخ طويل لمحاولات المعماريين لتقليل أثر قطاع الإنشاءات على البيئة، مما جعل مصطلح مثل «الاستدامة – Sustainability» أحد أكثر المصطلحات استخدامًا اليوم في مجال العمارة.

الفرق بين البناء المستدام والمباني الخضراء

يمكن تعريف بـ «البناء المستدام – Sustainable construction» على أنه بناء وتشغيل بيئة صحية معتمدة على كفاءة الموارد والتصميم المراعي للبيئة. [2] أما «المباني الخضراء – Green Buildings» فهي المباني التي تم بناءها باستخدام مبادئ ومنهجيات البناء المستدام. أي أن البناء المستدام يُعنى بالجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية للمبنى من المنظور المجتمعي. أما المباني الخضراء فهو المبنى القائم بالفعل. [1]

بعض الحلول التي تقدمها المباني الخضراء

1- حلول لمشاكل الطاقة والبيئة

يمكن استغلال شكل المبنى وتوجيهه وكتلته والاستفادة منهم في تقليل كمية الإضاءة والطاقة التي يحتاجها المبنى. فعلى سبيل المثال تستخدم «مدرسة سميث المتوسطة – Smith middle school» في أمريكا نظام إضاءة يعتمد على ضوء الشمس بالكامل كما بالصورة رقم [1].

صورة رقم [1]: مدرسة سميث المتوسطة
source : Innovative design

كما يستخدم أحد مباني «جامعة نوتينجهام -University of Nottingham» الهواء الجوي في تهوية المبنى بالكامل دون الحاجة إلى أي نظام تكييف عن طريق عمل تصميم يعمل على توجيه الهواء الجوي داخل المبنى كما موضح في الصورة رقم [2].

صورة رقم [2]: أحد مباني جامعة نوتينجهام، يمكن
ملاحظة مصيدة الرياح في الأعلى إلى اليمين
Photograph courtesy of Hopkins Architects
and Ian Lawson

بالإضافة إلى استغلال شكل المبنى وتوجيهه وكتلته يمكن أيضًا توليد الكهرباء المستخدمة للمبنى من الطاقة النظيفة. فيمكن استخدام ألواح الطاقة الشمسية في انتاج كافة الكهرباء التي قد يحتاجها المبنى. [2] فقد بيّن الباحثون أنه يمكن إنتاج كافة الكهرباء التي يحتاجها مبنى مكون من طابق واحد عن طريق تغطية السطح الخاص بالمبنى بألواح طاقة شمسية بالكامل.[3] على سبيل المثال يستخدم المقر الرئيسي لشركة فيسبوك كهرباء نظيفة بالكامل معتمداً على ألواح طاقة شمسية منتشرة على سطح المبنى بالكامل.

كما يمكن أيضًا إنتاج الكهرباء من مصادر أخرى غير الطاقة الشمسية، ففي الصورة رقم [3] يستخدم مركز التجارة العالمي في مدينة المنامة بدولة البحرين ثلاث توربينات بقطر 29 متر لإنتاج 15% من الطاقة التي يحتاجها المبنى بالكامل. [2]

صورة رقم [3]: مركز التجارة العالمي بمدينة المنامة.
Photograph courtesy of Atkins

2- حلول لمشكلة المياه

يمكن محاولة حل مشكلة المياه في المباني الخضراء بعدة طرق. فيمكن عمل نظام لتجميع ومعالجة مياه الأمطار التي تهبط في حدود المبنى واستخدامها فيما بعد لري النباتات المجاورة. كما يمكن إنشاء نظام طبيعي لمعالجة مياه الصرف باستخدام أنواع معينة من النباتات فقط فيما يعرف بـ«الأراضي المبتلة – wet lands». ولكن لعل أهم استراتيجية يمكن استخدامها لتقليل كمية المياه المستخدمة هي «التركيبات منخفضة التدفق – low flow fixtures». تعد التركيبات منخفضة التدفق هي تركيبات صحية مثل المراحيض والمباول الأحواض التي تقلل تدفق المياه أثناء استخدامها. فالمراحيض على سبيل المثال تستهلك نصف ما يستهلكه أي مبنى من المياه تقريبًا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يتم استهلاك 18.2 مليار لتر من المياه يوميًا لدفق مياه المراحيض. فإذا ما تم استبدال كافة أنواع المراحيض في الولايات المتحدة بنوع آخر منخفض التدفق، والتي تعمل بنفس الكفاءة، فيمكن توفير 25000 لتر من المياه لكل شخص يوميًا. [2]

3- حلول لمشكلة النفايات

تحاول المباني الخضراء عموما استهلاك أقل قدر ممكن من المواد الخام الجديدة، فيما يعرف بعمل «دائرة مغلقة – closed loop» للموارد. يحاول مفهوم الدائرة المغلقة جعل الموارد مستخدمة دائمًا عن طريق إعادة الاستخدام أو إعادة التدوير بدلاً من التخلص منها كنفايات في دورة حياة المبنى، أو عندما يكون هناك هالك للمنتج. ولكن وعلى عكس المعتقد الشائع فإن إعادة التدوير ليست الحل الأمثل دائمًا بالنسبة لمخلفات مواد البناء، نتيجة ما سينتج عنه من انبعاثات للغازات الدفيئة. ولكن إعادة الاستخدام لا يتطلب دخول المواد في دورة صناعية جديدة. فيمكن استخدام هالك الطوب والسراميك والخرسانة والركام والبلاط في انتاج طبقة أساسات للطرق، كما يمكن استخدامها في انتاج خرسانات جديدة خضراء. لذلك فيمكن تقليل 160 طن من النفايات سنويًا في الولايات المتحدة وحدها إذا ما تم إعادة استخدام هالك مواد البناء.  [2]

المصادر:
[1] LEED Core Concepts Guide
[2] Sustainable Construction: Green Building Design and Delivery
[3] Assessment of the Technical Potential for Achieving Net Zero-Energy Buildings in the Commercial Sector

لماذا قد نفضل الألم الأشد؟

كيف نتخذ قراراتنا؟

عندما نحدد هدفًا ما نريد تحقيقه، فإننا نسأل أنفسنا دائمًا، ما الذي أريده؟ قد يبدو هذا السؤال سهلًا، فمعرفة ما تريده يعني أنك تعرف كيف ستشعر بعد تحقيق ما تريد النهاية. ولذا فعندما نتعرض إلى خيارات مختلفة، فإن العملية التي غالبًا ما تتحكم في اختيار قرار ما تسمى «توقع المتعة – hedonic prediction». ويعني هذا باختصار أننا نختار الخيار الذي يتسبب في متعة أكثر أو ألم أقل. وتعتمد توقع المتعة في الغالب على ذكرياتنا عن التجارب السابقة التي مررنا بها. لذلك فنحن نفضل الخيارات التي نتذكر أنها كانت ممتعة ولا نفضل الخيارات التي نتذكر أنها كانت مؤلمة. ولكن ما مدى دقة تذكرنا لتجاربنا السابقة؟ هل تقدم أدلة جيدة لاختيار القرارات المستقبلية؟ [1]

كيف كانت عطلتك؟

عندما نسأل صديقًا عاد مؤخرًا من جزر البهاما، كيف كانت عطلتك؟ أو عندما نسأل صديقًا أنهى علاقته العاطفية كيف كنت تشعر وقتها؟ نحن نفترض أن الصديق يعرف الجواب. فنحن نفترض أن الصديق يتذكر بدقة المشاعر التي راودته وقتها لحظة بلحظة. وتسمى محاولة تذكر مدى الألم أو المتعة التي مررنا بها في تجربة معينة «التقييم بأثر رجعي –Retrospective assessments». يعتبر التقييم بأثر رجعي مقبول في التفاعل اليومي بين الناس مع نفس القدر من الثقة، كالإجابات على الأسئلة عن التأثير اللحظي. مثال على ذلك أسئلة مثل: هل تستمتع بعطلتك الآن؟ أو كيف تشعر الآن بعد أن انهيت علاقتك العاطفية؟ ولكن كما سنبين لاحقًا فهناك فعلًا اختلاف كبير بين الإجابة عن شعورك اللحظي وتذكرك لهذا الشعور بعد ذلك. [1]

لقد قام «دانييل كاينمان – Daniel Kahneman» عالم السلوك الحائز على جائزة نوبل بمحاولة للإجابة عن كل تلك الأسئلة السابقة. وقد استنتج كاينمان أننا إذا لم نتعرض لحدث استثنائي فارق (ذروة) خلال تجربة معينة، فإننا نتذكر تلك التجربة بالطريقة التي شعرنا بها عند النهاية فقط. وقد وجد كاينمان هذا الاستنتاج مثيرًا جدًا للاستغراب حتى أنه عنون أحد أوراقه البحثية لماذا قد نفضل ألم أكثر! [1]

نشر كاينمان العديد من الأوراق البحثية وقام بإجراء العديد من التجارب الموضحة للطريقة التي نتذكر بها تجاربنا. وفيما يلي نستعرض بعض التجارب التي قام بها كاينمان وزملائه وهي للعلم كثيرة جدًا ولا يتسع لها مقال واحد بالطبع.

لماذا قد نفضل ألم أكثر؟

لماذا نختار التعرض لضوضاء أكثر وألم أقوى؟

في إحدى التجارب، تم تعريض المشاركين لضوضاء مزعجة تختلف شدتها من صفر إلى عشرة، لفترات متتالية مدة كل فترة خمس دقائق. فمثلًا المشاركون المعرضون لضوضاء 4-5-7 معناها أنه تهم تعرضوا لضوضاء لخمس دقائق شدتها 4، ثم خمس دقائق أخرى لضوضاء شدتها 5، ثم خمس دقائق أخرى لضوضاء شدتها 7. ثم طُلب منهم بعد ذلك تقييم أي مجموعات من الضوضاء كانت مؤذية بالنسبة لهم بشكل أكبر.

لقد كانت المفاجأة هي أن مدة تعريض المشاركين لضوضاء لم تكن هي العامل الأساسي لتحديد إذا ما كانت التجربة مؤذية أكثر بالنسبة لهم أم لا. فمثلًا وجد المشاركون أن تجربة 2-5-8-4 كانت أقل ألما من تجربة 2-5-8. مع أن تجربة 2-5-8-4 هي نفس التجربة 2-5-8 مضافًا إليها خمس دقائق من الضوضاء بشدة أربعة. وهو ما يعني أن المشاركين لم يتذكروا الخمسة عشر دقيقة الأولى من الألم الأشد بمجرد أنهم حصلوا على خمس دقائق من ألم أقل. [2]

عملية منظار القولون بألم أقل!

في تجربة أخرى، تم الطلب من بعض المرضى من هم بحاجة لإجراء فحوصات منظار بالقولون الإبلاغ عن شعورهم لحظة بلحظة أثناء الفحص. ثم طُلب منهم بعد ذلك الإبلاغ عن سعورهما بعد انتهاء الفحص. يجد معظم الناس هذه الفحوصات مزعجة للغاية. حيث يتم إدخال أنبوب بكاميرا صغيرة في نهايته أعلى المستقيم ثم تحركيه للسماح بفحص الجهاز الهضمي. ولذا يتجنب المرضى بعد ذلك الخضوع لفحص دوري بعد ذلك، مما يعرضهم للخطر.

في هذه التجربة تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، المجموعة الأولى من المرضى تم عمل الفحص لهم بالطريقة الاعتيادية. أما مجموعة ثانية فقد تم عمل الفحص لهم بالطريقة الاعتيادية ثم بعد انتهاء الفحص ترك الطبيب الأنبوب في مكانه لمدة قصيرة من الزمن. على الرغم من أن بقاء الانبوب في مكانه لا يزال مؤلمًا، لكنه كان أقل ألمًا من حركة الأنبوب.

لقد قامت المجموعة الثانية بالإبلاغ عن الألم اللحظي كما المجموعة الأولى تمامًا (أي أن ذروة الألم كانت واحدة تقريبًا)، ولكن إضافة ألم أقل لمدة إضافية أخرى جعل أغلب المجموعة الثانية يقيمون تجربتهم على أنها أقل ألمًا مقارنة بالمجموعة الأولى. إذن فتلك الفترة القصيرة من الألم الأقل في النهاية أدت إلى فرق كبير. فقد كانت أغلب المجموعة الثانية لا تمانع في الذهاب إلى الفحوصات الدورية بعد ذلك بعكس المجموعة الأولى. لأنهم عندما كانوا يتذكرون التجربة التي مروا بها كانوا يتذكرون أنها لم تكن مؤلمة بالكامل. [3]

تذكر أنك لا تتذكر

يعلق «باري شوارتز – Barry Schwartz» صاحب كتاب «حيرة الاختيار- The Paradox of choice » على فكرة أننا لا نستطيع تذكر تجاربنا بدقة والكيفية التي يؤثر فيها ذلك فيما بعد على اختياراتنا فيقول:

يبدو أنه لا تنبؤنا حول ما سنشعر به بعد تحقيق هدف ما ولا ذكرياتنا عما شعرنا به خلال تجربة معينة هي انعكاسات دقيقة جدًا لما كنا نشعر به بالفعل أثناء حدوث التجربة. ومع ذلك فها هي ذكريات الماضي وتوقعات المستقبل تتحكم في اختياراتنا. وفي عالم من الخيارات الكثيرة والمربكة والمتضاربة، يمكننا أن نرى أن الصعوبة في تحديد أهدافنا بدقة — وهي الخطوة الأولى في طريق اتخاذ قرار جيد – تهيئ فيما بعد لحالة من خيبة الأمل بعد اتخاذ أي قرار. [4]

ولكن ربما كل ما علينا فعله هو تذكر أننا لا نتذكر. ربما تلك العطلة التي كنا نظن أنها جيدة وبعد تكرراها شعرنا بملل كبير لم تكن جيدة بهذا القدر. بل ما حدث في نهاية ثلاثة أسابيع من العطلة هو ما جعلنا نظن أنها جيدة لا أكثر، وهو ما جعلنا نتطلع إلى تكرارها. ربما لم تكن العلاقة التي خرجنا منها جيدة أيضًا، بل ربما كانت مؤذية طوال الفترة التي استمرت بها. ولكنها بما أنها كانت أقل إيذاءً في النهاية فإننا نتذكرها بغير الطريقة التي كانت عليها بالفعل.

المصادر

[1] SAGE Journal

[2] Journal of Behavioral Decision Making

[3] Science Direct – Pain

[4] The Paradox of Choice

مصانع الترول ودور ديمتري موراتوف في الكشف عنهم

قررت لجنة نوبل النرويجية منح جائزة نوبل للسلام لعام 2021 لكل من ديمتري موراتوف وماريا ريسا “لجهودهما في حماية حرية التعبير، وهو شرط مسبق للديمقراطية والسلام الدائم.”

وتقول لجنة نوبل عن سبب منحها جائزة نوبل للسلام لصحفيين هذا العام أن عمل الصحافة الحرة والمستقلة والقائمة على الحقائق تهدف إلى الحماية من إساءة استخدام السلطة والأكاذيب والدعاية للحرب. وكما تؤكد أيضا اللجنة أنها مقتنعة بأن حرية التعبير وحرية المعلومات تساعدان على توفير ضمان إعلام حر للجمهور. فبدون حرية التعبير وحرية الصحافة، سيكون من الصعب النجاح في تعزيز الأخوة بين الدول ونزع السلاح وخلق نظام عالمي أفضل لتحقيق النجاح في عصرنا. ولذلك فإن جائزة نوبل للسلام لهذا العام تعبر بقوة عن وصية الراحل ألفريد نوبل.

من هو ديمتري موراتوف

موراتوف هو صحفي روسي ورئيس تحرير صحيفة «نوفاجا جازيتا – Novaja Gazeta» الروسية. وقد قام بتحرير الصحيفة بين عامي 1995 و2017. في عام 2007، حصل موراتوف على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين. وتُمنح هذه الجائزة للصحفيين الذين يظهرون الشجاعة في الدفاع عن حرية الصحافة في مواجهة الاعتداءات أو التهديدات أو السجن. كما حصل على وسام جوقة الشرف عام 2010 بدرجة فارس. ويعد وسام جوقة الشرف أعلى وسام فرنسي يتم منحه. وحصل أيضًا في عام 2010، على جائزة الحريات الأربع لحرية التعبير في مدينة ميدلبورج بهولندا عن صحيفة نوفاجا جازيتا.

سبب منح موراتوف جائزة نوبل للسلام

تقول لجنة نوبل عن أسباب منح «ديمتري أندرييفيتش موراتوف» جائزة نوبل للسلام أنه قد دافع على مدى عقود عن حرية التعبير في روسيا في ظل ظروف صعبة بشكل متزايد.

فقد قام عام 1993، بتأسيس الصحيفة المستقلة نوفاجا جازيتا. وقد أصبح رئيسًا للتحرير في هذه الصحيفة منذ عام 1995، وقد ظل كذلك لمدى 24 عامًا. وتعد نوفاجا جازيتا هي الصحيفة الأكثر استقلالية في روسيا اليوم. وتتخذ الصحيفة موقفًا نقديًا بشكل أساسي تجاه السلطة. وقد جعلت الصحافة القائمة على الحقائق والنزاهة المهنية في الصحيفة مصدرًا مهمًا للمعلومات حول الجوانب الخاضعة للرقابة في المجتمع الروسي والتي نادرًا ما تذكرها وسائل الإعلام الأخرى. فمنذ إنشائها في عام 1993، نشرت نوفاجا جازيتا مقالات انتقادية حول مواضيع متنوعة. وتتراوح مواضيع الصحيفة بين الفساد وعنف الشرطة والاعتقالات غير القانونية والتزوير الانتخابي و«مصانع الترول – Troll Factories» إلى استخدام القوات العسكرية الروسية داخل روسيا وخارجها.

وقد تعرضت صحيفة نوفاجا جازيتا للعديد من المضايقات والتهديدات والعنف والقتل. فمنذ بداية الصحيفة، قتل ستة من الصحفيين العاملين بها، بمن فيهم «آنا بوليتكوفسكايا – Anna Politkovskaya». وتشتهر آنا بوليتكوفسكاياب بأنها قد كتبت مقالات توضح حقيقة الحرب في الشيشان. وعلى الرغم من عمليات القتل والتهديدات المستمرة، فقد رفض رئيس التحرير موراتوف التخلي عن سياسة الصحيفة المستقلة. وقد ظل موراتوف يدافع باستمرار عن حق الصحفيين في كتابة أي شيء يريدونه حول ما يريدون، طالما أنهم يلتزمون بالمعايير المهنية والأخلاقية للصحافة.

مصانع الترول

ما هي مصانع الترول

يأتي الاسم من مصطلح «ترول – Troll»، وهو الشخص الذي ينضم إلى مناقشة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو توتير، على سبيل المثال، وينشر تعليقات موجهة نحو رأي معين. وقد تم استخدامها في روسيا لنشر التعليقات في وسائل الإعلام الغربية لنشر تصريحات تشيد بالرئيس فلاديمير بوتين وتنتقد الفساد وسوء توزيع الثروة في الغرب.

يعمل الترول في مباني عديدة في روسيا. قد يبدو شكل المبنى الخارجي مبنى عادي تمامًا لأحد الشركات ويتم وضع أحد اللافتات فوق المبنى حتى لا يثير أي شبهات. يتم العمل في غرف تضم حوالي 20 شخصًا يتحكم فيهم ثلاثة محررين. كان المحررون يفحصون المنشورات ويفرضون غرامات إذا اكتشفوا أن الكلمات قد تم قصها ولصقها، أو كانت مخالفة للأيدولوجيا الروسية. بدأ البعض العمل هناك حيث كان مرتب الشخص أعلى من متوسط العمل في إدارة أي من صفحات التواصل الاجتماعي الأخرى. فقد روى أحد الشهود الذين عملوا هناك أنه قد حصل على 790 دولار شهريًا مقابل العمل في مصانع الترول.

وقد كان للعاملين في صحيفة نوفاجا جازيتا دورًا مهمًا في الكشف عن مصانع الترول. فقد عمل بعض الصحفيين هناك لفترة من الوقت حتى يستطيعوا تقديم وصف مفصل عما كان يحدث في داخل هذه المصانع.

مصانع الترول والانتخابات الرئاسية الأمريكية

تم اصدار لائحة اتهام رسمية، في عام 2018 في الولايات المتحدة الأمريكية، بحق عدد من المواطنين الروس والشركات الروسية. وقد تم اصدار اتهام رسمي لهم بالتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. لم يتم استخدام مصطلح مصانع الترول في اللائحة بشكل صريح ولكن تم توجيه الاتهام لوكالة أبحاث الإنترنت التي تعتبر أحد مصانع الترول. فقد كانت وكالة أبحاث الإنترنت تستخدم حسابات وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة منذ عام 2014. وقد جاء في لائحة الاتهام أن وكالة أبحاث الإنترنت، ومقرها في سانت بطرسبرغ، كان يعمل بها ما بين 200 إلى 300 شخص، وكان حوالي 80 منهم يركزون على الولايات المتحدة. وتم أدارت الوكالة مجموعة من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تبدو مثل الأمريكيين. وقد قامت بذلك لمحاولة دفع الأمريكيين أو التأثير عليهم للاعتقاد بأشياء تريدها الحكومة الروسية.

كيف تتجنب مصانع الترول

لا يقتصر وجود مصانع الترول في أمريكا فقط. ففي تحقيق أجرته شبكة CNN  الإخبارية كشفت فيه أن مصانع الترول موجودة بشكل مكثف في العديد من الدول الأفريقية.

ربما قد لا يمكنك معرفة من الشخص الجالس خلف كل شاشة يكتب تعليقًا على أي من وسائل التواصل الاجتماعي. وقد بالفعل استدعاء العديد من الرؤساء التنفيذيين لشركات التواصل الإجتماعي لجلسات استماع في الكونجرس الأمريكي بخصوص هذا الموضوع. ومن الممكن أن نتمكن قريبًا من معرفة الهوية الحقيقية لجميع الموجودين على وسائل التواصل الاجتماعي.

ورغم ما قد يمثله ذلك من تحدٍ لبعض الأشخاص الموجودين في الدول الديكتاتورية التي قد يسهل عليها ذلك فيما بعد تتبع معارضيها ومضايقتهم. ولكن حتى اللحظة فهناك العديد من الحسابات الوهمية التي تنشر العديد من التعليقات المضللة والموجهة. ولذلك من المهم تحديد المكان الذي تقوم بالحصول على معلوماتك منه. فتعليقات الفيسبوك أو توتير ليست المكان الأمثل لتبني أيدولوجية معينة أو حتى الحصول على وصفة طبية أو معلومة علمية. فقد قدمت وكالة أبحاث الإنترنت حسابات تتحدث مثل الأمريكيين الحقيقيين تمامًا. مما أوقع العديد من الأمريكيين في أحد المغالطات المنطقية وهي «مغالطة التنميط – implicit stereotype». فها هو شخص ما يتحدث مثلك تمامًا يجعل المعلومات التي قد لا تصدقها عادةً مقنعة.

المصادر

[1] Noble Prize Website

[2] The Guardian

[3] CNN

[4] US Today

3 فائزين بنوبل الفيزياء 2021، من هم؟ وماذا قدموا للبشرية؟

3 فائزين بنوبل الفيزياء 2021، من هم؟ وماذا قدموا للبشرية؟

قررت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منح 3 فائزين جائزة نوبل الفيزياء 2021 “للمساهمات الرائدة في فهم الأنظمة الفيزيائية المعقدة”. ويذهب نصف الجائزة للثنائي سيوكورو مانابي الأمريكي Syukuro Manabe والألماني كلاوس هاسلمان Klaus Hasselmann “للنمذجة الفيزيائية لمناخ الأرض، وقياس التباين والتنبؤ بشكل موثوق بظاهرة الاحتباس الحراري”. والنصف الآخر من الجائزة للإيطالي جورجيو باريزي “لاكتشاف تفاعل الاضطراب والتقلبات في الأنظمة الفيزيائية من المقاييس الذرية إلى المقاييس الكوكبية. ويتشارك الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام لدراساتهم عن الظواهر الفوضوية والعشوائية.

نبذة عن دور العلماء الثلاثة في جائزة نوبل الفيزياء 2021

كان لكل من الفائزن الثلاثة بجائزة نوبل نصيبه من الإكتشافات فقد وضع سيوكورو مانابي وكلاوس هاسلمان الأساس لمعرفتنا بمناخ الأرض وكيف تؤثر البشرية عليه. ومُنح جورجيو باريزي الجائزة لمساهماته الثورية في نظرية المواد المضطربة والعمليات العشوائية. تتميز الأنظمة المعقدة بالعشوائية والفوضى ويصعوبة فهمها. لذا تمنح جائزة هذا العام أساليب جديدة لوصف الفوضى والتنبؤ بسلوكها على المدى الطويل.

أحد الأنظمة المعقدة ذات الأهمية الحيوية للبشرية هو مناخ الأرض. أظهر Syukuro Manabe كيف أن زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تؤدي إلى زيادة درجات الحرارة على سطح الأرض. في الستينيات، قاد عملية تطوير النماذج الفيزيائية لمناخ الأرض وكان أول من اكتشف التفاعل بين توازن الإشعاع والنقل الرأسي للكتل الهوائية. وضع عمله الأساس لتطوير النماذج المناخية الحالية.

بعد حوالي عشر سنوات، ابتكر كلاوس هسلمان نموذجًا يربط بين الطقس والمناخ. وبذلك أجاب على سؤال لماذا يمكن الاعتماد على النماذج المناخية على الرغم من تغير الطقس وفوضويته. كما طور طرقًا لتحديد إشارات محددة، كبصمات الأصابع التي تتركها الظواهر الطبيعية والأنشطة البشرية في المناخ. تم استخدام أساليبه لإثبات أن ارتفاع درجة الحرارة في الغلاف الجوي ناتج عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية.

حوالي عام 1980، اكتشف جورجيو باريزي أنماطًا خفية في مواد معقدة غير مرتبة. تعتبر اكتشافاته من بين أهم المساهمات في نظرية الأنظمة المعقدة. فهي تجعل فهم ووصف العديد من المواد والظواهر المختلفة والتي تبدو عشوائية تمامًا أمرًا ممكنًا. ليس فقط في الفيزياء ولكن أيضًا في مجالات أخرى مختلفة تمامًا، مثل الرياضيات وعلم الأحياء وعلم الأعصاب والتعلم الآلي

تأثير البيت الزجاجي

درس الفيزيائي الفرنسي جوزيف فورييه، قبل مائتي عام توازن الطاقة بين إشعاع الشمس تجاه الأرض والإشعاع من الأرض. وقد أدت دراسته لفهم دور الجو في هذا التوازن. إذ يتحول الإشعاع الشمسي الوارد على سطح الأرض إلى إشعاع صادر يمتصه الغلاف الجوي وبالتالي يتم تسخين الغلاف الجوي. وقد سمى الإشعاع الصادر ب «الحرارة الداكنة – Dark Heat » .

يُطلق على الدور الوقائي للغلاف الجوي الآن اسم «تأثير البيت الزجاجي – greenhouse effect». يأتي هذا الاسم من تشابهه مع الألواح الزجاجية للبيت زجاجي. تسمح الألواح لأشعة الشمس الحرارية بالمرور من خلالها، لكنها تحبس الحرارة في الداخل. ومع ذلك، فيجب التأكيد على أن العمليات الإشعاعية في الغلاف الجوي أكثر تعقيدًا بكثير.

استمر السعي بعد فورييه – لاستكشاف التوازن بين الإشعاع الشمسي ذي الموجة القصيرة القادم نحو كوكبنا والأشعة تحت الحمراء الصادرة من الأرض على المدى الطويل على يد العديد من علماء المناخ على مدى القرنين التاليين. وتعد النماذج المناخية المعاصرة هي أدوات قوية بشكل لا يصدق، ليس فقط لفهم المناخ، ولكن أيضًا لفهم الاحتباس الحراري الذي يتحمل البشر مسؤوليته.

تستند النماذج المناخية إلى قوانين الفيزياء، وقد تم تطويرها من نماذج تم استخدامها بالأساس للتنبؤ بالطقس. حيث يتم وصف الطقس في تلك النماذج بالأرقام المستخدمة في الأرصاد الجوية مثل درجة الحرارة أو هطول الأمطار أو الرياح أو السحب، كما يتم إضافة أي تأثير آخر يحدث في المحيطات أو على اليابسة. وتعتمد النماذج المناخية على الخصائص الإحصائية المحسوبة للطقس، مثل القيم المتوسطة، والانحرافات المعيارية، والقيم العظمى والصغرى المقاسة، وما إلى ذلك. وقد لا تستطيع النماذج المناخية إخبارنا بما سيكون عليه الطقس في ستوكهولم في 10 ديسمبر من العام المقبل. ولكن يمكننا الحصول على فكرة عن درجة الحرارة أو مقدار هطول الأمطار الذي يمكن أن نتوقعه في المتوسط ​​في ستوكهولم في ديسمبر.

الدور الرئيسي لثاني أكسيد الكربون

تأثير البيت الزجاجي ضروري للحياة على الأرض لأنه يتحكم في درجة الحرارة. إذ تقوم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مثل: – ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء وغازات أخرى – بامتصاص الأشعة تحت الحمراء أولًا ثم تقوم بعد ذلك بإطلاق هذه الطاقة الممتصة مؤدية إلى تسخين الهواء المحيط للأرض وتسخين الأرض ذاتها من تحته.

تشكل الغازات الدفيئة في الواقع نسبة صغيرة جدًا من الغلاف الجوي الجاف للأرض. ويتكون من النيتروجين والأكسجين بنسبة 99% من حجمه. بينما يمثل ثاني أكسيد الكربون 0.04 % فقط من الحجم. وعلى الرغم من أن بخار الماء يعد أقوى الغازات الدفيئة، فلا يمكننا التحكم في تركيز بخار الماء في الغلاف الجوي. لكن يمكننا التحكم في تركيز ثاني أكسيد الكربون.

تعتمد كمية بخار الماء في الغلاف الجوي بشكل كبير على درجة الحرارة، مما يجعل سلسلة الأحداث تدور في حلقة. إذ يعتمد كل من بخار الماء والحرارة على الأخر في دورة لا نهائية. في حين أن زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يجعله أكثر دفئًا، مما يسمح باحتجاز المزيد من بخار الماء في الهواء. ونتيجة لذلك يزداد تأثير الاحتباس الحراري وترتفع درجات الحرارة أكثر. أما انخفاض مستوى ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى تكثف بعض بخار الماء وانخفاض درجة الحرارة.

كيف ساعد سافانتي أرهينيوس ثلاثي نوبل؟

جاء الجزء الأول المهم من حل اللغز حول تأثير ثاني أكسيد الكربون من الباحث السويدي والحائز على جائزة نوبل «سفانتي أرهينيوس – Svante Arrhenius». وبالمناسبة، كان زميله، عالم الأرصاد الجوية «نيلس إيكهولم – Nils Ekholm »، وهو أول من استخدم كلمة تأثير البيت الزجاجي في عام 1901 في وصف تخزين الغلاف الجوي للحرار وإعادة إطلاق الإشعاع.

أدرك أرهينيوس الفيزياء المسؤولة عن تأثير الاحتباس الحراري بحلول نهاية القرن التاسع عشر – وقد استنتج أن الإشعاع الصادر يتناسب طرديًا مع درجة حرارة الجسم المشع المطلقة (T) إلى أس أربعة (T⁴). وكلما كان مصدر الإشعاع أكثر سخونة، كان الطول الموجي للأشعة أقصر. إذ تبلغ درجة حرارة سطح الشمس 6000 درجة مئوية وتطلق أشعة في الطيف المرئي بشكل أساسي ومن ثم تقوم الأرض، مع درجة حرارة سطح 15 درجة مئوية فقط، بإعادة إشعاع الأشعة تحت الحمراء غير المرئية لنا. إذا لم يمتص الغلاف الجوي هذا الإشعاع، فإن درجة حرارة السطح ستكون بالكاد -18 درجة مئوية.

كان أرهينيوس آنذاك يحاول بالفعل معرفة سبب ظاهرة العصور الجليدية المكتشفة حديثًا وقتها. وقد توصل إلى استنتاج مفاده أنه إذا انخفض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى النصف، فسيكون هذا كافيًا للأرض لدخول عصر جليدي جديد. والعكس صحيح – فإن مضاعفة كمية ثاني أكسيد الكربون من شأنها أن تزيد درجة الحرارة بمقدار 5-6 درجات مئوية، وهي نتيجة، من باب الصدفة إلى حد ما، قريبة بشكل مذهل من التقديرات الحالية.

عمل النماذج لتأثير ثاني أكسيد الكربون

في الخمسينيات من القرن الماضي، كان عالم فيزياء الغلاف الجوي الياباني سيوكورو مانابي أحد الباحثين الشباب والموهوبين في طوكيو الذين غادروا اليابان بعد أن دمرتها الحرب، واستمروا في حياتهم المهنية في الولايات المتحدة. كان الهدف من بحث مانابي، مثل بحث أرهينيوس قبل حوالي سبعين عامًا وهو فهم كيف يمكن أن تؤدي المستويات المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون إلى زيادة درجات الحرارة. ومع ذلك، بينما ركز أرهينيوس على توازن الإشعاع، فقد قاد مانابي في الستينيات العمل على تطوير نماذج فيزيائية لدمج النقل الرأسي للكتل الهوائية بسبب الحمل الحراري، بالإضافة للحرارة الكامنة لبخار الماء.

ولجعل هذه الحسابات قابلة للإدارة والتحليل، اختار تقليل النموذج إلى بُعد واحد – عمود رأسي، يصل ارتفاعه إلى 40 كيلومترًا في الغلاف الجوي. ومع ذلك، فقد استغرق الأمر مئات من ساعات الحوسبة القيمة لاختبار النموذج من خلال تغيير مستويات الغازات في الغلاف الجوي. وقد كان للأكسجين والنيتروجين تأثيرات ضئيلة على درجة حرارة السطح، بينما كان لثاني أكسيد الكربون تأثير واضح. عندما تضاعف مستوى ثاني أكسيد الكربون، زادت درجة الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين. كما هو موضح في الشكل رقم (1).

صورة رقم (1)

وقد أكد النموذج أن التسخين كان بفعل زيادة ثاني أكسيد الكربون. فقد تنبأ مانابي بارتفاع درجات الحرارة بالقرب من الأرض بينما أصبح الغلاف الجوي العلوي أكثر برودة. وإذا كانت الاختلافات في الإشعاع الشمسي مسؤولة عن زيادة درجة الحرارة بدلاً من ذلك، فيجب أن يسخن الغلاف الجوي بأكمله في نفس الوقت.

قبل ستين عامًا، كانت أجهزة الكمبيوتر أبطأ بمئات الآلاف من المرات مما هي عليه الآن. لذلك، كان هذا النموذج بسيطًا نسبيًا، لكن مانابي حصل على الميزات الرئيسية بشكل صحيح.

“يجب عليك التبسيط دائمًا. إذ لا يمكنك منافسة تعقيد الطبيعة، فهناك الكثير من الفيزياء المتضمنة في كل قطرة مطر لدرجة أنك لن تتمكن أبدًا من حساب كل شي”.

مانابي

أدت الأفكار المستمدة من النموذج أحادي البعد إلى نموذج مناخي ثلاثي الأبعاد، نشره مانابي في عام 1975. ويعد نموذج مانابي خطوة كبيرة أخرى على طريق فهم أسرار المناخ.

الطقس الفوضوي

بعد حوالي 10 سنوات من مانابي، نجح كلاوس هاسلمان في الربط بين الطقس والمناخ من خلال إيجاد طريقة للتغلب على التغيرات المناخية السريعة والفوضوية التي مثلت إزعاجًا ضخمًا للحسابات. مما لا شك فيه أن كوكبنا يشهد تغيرات هائلة في طقسه لأن الإشعاع الشمسي موزع بشكل غير متساوٍ جغرافيًا وعلى مر الزمن.

الأرض مستديرة تقريبًا. لذا فإن عددًا أقل من أشعة الشمس يصل إلى خطوط العرض الأعلى من تلك الموجودة في الأسفل حول خط الاستواء. أضف إلى ذلك أن محور الأرض مائل، مما ينتج عنه اختلافات موسمية في الإشعاع الوارد. وتتسبب الاختلافات في الكثافة بين الهواء الأكثر دفئًا والهواء الأكثر برودة في حدوث عمليات نقل هائلة للحرارة بين خطوط العرض المختلفة، وبين المحيطات والأرض، وبين الكتل الهوائية الأعلى والأدنى. تؤدي كل تلك المتغيرات إلى تحكم وتوازن في الطقس على سطح كوكبنا.

أثر الفراشة

كما نعلم جميعًا، فإن إجراء تنبؤات موثوقة حول الطقس لأكثر من 10 أيام قادمة يمثل تحديًا حقيقيًا. لكن قبل مائتي عام، تنبأ العالم الفرنسي الشهير «بيير سيمون دي لابلاس – Pierre-Simon de Laplace»، أنه إذا عرفنا للتو موقع وسرعة جميع الجسيمات في الكون، فيجب أن نتمكن من حساب ما حدث وما سيحدث في عالمنا. ومن حيث المبدأ، يجب أن يكون هذا صحيحًا؛ فقوانين الحركة التي وضعها نيوتن منذ ثلاثة قرون، والتي تصف أيضًا النقل الجوي في الغلاف الجوي، حتمية تمامًا – فهي لا تحكمها الصدفة.

ومع ذلك، لا شيء يمكن أن يكون أكثر خطأً عندما يتعلق الأمر بالطقس. فمن الناحية العملية، من المستحيل أن تكون دقيقًا بدرجة كافية – لتحديد درجة حرارة الهواء أو الضغط أو الرطوبة أو ظروف الرياح لكل نقطة في الغلاف الجوي. وأيضًا نتيجة للعلاقات غير الخطية؛ يمكن للانحرافات الصغيرة في القيم الأولية أن تجعل نظام الطقس يتطور بطرق مختلفة تمامًا.

واستنادًا إلى مسألة ما إذا كانت فراشة ترفرف بجناحيها في البرازيل يمكن أن تسبب إعصارًا في تكساس، فقد سميت هذه الظاهرة ب «تأثير الفراشة – The butterfly effect». من الناحية العملية، هذا يعني أنه من المستحيل إصدار تنبؤات جوية طويلة الأجل – فالطقس فوضوي جدًا؛ وقد وصل عالم الأرصاد الجوية الأمريكي «إدوارد لورنز – Edward Lorenz» لهذا الاكتشاف في الستينيات فوضع الأساس لنظرية الفوضى الحالية.

استخراج النتائج من البيانات الصاخبة

كيف يمكننا إنتاج نماذج مناخية موثوقة لعدة عقود أو مئات السنين في المستقبل، بالرغم من كون الطقس مثالًا كلاسيكيًا على النظام الفوضوي؟ حوالي عام 1980، أظهر كلاوس هاسلمان كيف يمكن وصف ظواهر الطقس المتغيرة بشكل فوضوي بأنها ضوضاء متغيرة بسرعة. بالتالي وضع هاسلمان تنبؤات مناخية طويلة الأجل على أساس علمي ثابت. علاوة على ذلك، فقد طور طرقًا لتحديد تأثير الإنسان على درجة الحرارة العالمية المرصودة.

كطالب دكتوراه شاب في الفيزياء في هامبورغ، ألمانيا، في الخمسينيات من القرن الماضي، عمل هاسلمان على ديناميكيات الموائع. ثم بدأ في تطوير الملاحظات والنماذج النظرية لأمواج وتيارات المحيطات. ومن ثم انتقل إلى كاليفورنيا واستمر في علم المحيطات، حيث التقى بزملاء مثل «تشارلز ديفيد كيلينج – Charles David Keeling». بدأ هاسلمان مع كيلينج جوقة مادريجال. كيلينج هو أحد أعظم علماء المناخ. بدأ كيلينج في عام 1958، ما يعرف الآن بأطول سلسلة من قياسات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في مرصد «Mauna Loa» في هاواي. لم يتوقع هاسلمان أنه سيستخدم في عمله اللاحق منحنى كيلنج بانتظام، والذي يُظهر التغيرات في مستويات ثاني أكسيد الكربون.

معضلة التنبؤ المناخي

يمكن تشبيه الحصول على نموذج مناخي من بيانات الطقس الصاخبة من خلال تمشية كلب يركض بعيدًا، للخلف وللأمام، يمينًا ويسارًا وحول ساقيك. كيف يمكنك استخدام مسارات الكلب لمعرفة ما إذا كنت تمشي أم لا تزال واقفة؟ أو هل تمشي بسرعة أو ببطء؟ مسارات الكلب هي التغيرات في الطقس، والمشي الخاص بك هو المناخ المحسوب. هل من الممكن حتى استخلاص استنتاجات حول الاتجاهات طويلة الأجل في المناخ باستخدام بيانات الطقس الفوضوية والصاخبة؟

تتمثل إحدى الصعوبات الإضافية في أن التقلبات التي تؤثر على المناخ متغيرة للغاية بمرور الوقت – فقد تكون سريعة، مثل قوة الرياح أو درجة حرارة الهواء، أو بطيئة جدًا، مثل ذوبان الصفائح الجليدية واحترار المحيطات. على سبيل المثال، قد يستغرق التسخين المنتظم بدرجة واحدة فقط ألف عام للمحيطات، ولكن فقط بضعة أسابيع للغلاف الجوي. كانت الحيلة الحاسمة هي دمج التغيرات السريعة في الطقس في الحسابات كضوضاء، وإظهار كيف تؤثر هذه الضوضاء على المناخ.

ابتكر هاسلمان نموذجًا مناخيًا عشوائيًا، وأتى إلهامه من نظرية ألبرت أينشتاين للحركة البراونية، والتي تسمى أيضًا المشي العشوائي. باستخدام هذه النظرية، أوضح هاسلمان أن الغلاف الجوي سريع التغير يمكن أن يتسبب في الواقع في تغيرات بطيئة في المحيط.

أساليب النظم المضطربة

حوالي عام 1980، قدم جورجيو باريزي اكتشافاته حول كيفية تحكم الظواهر العشوائية بقواعد خفية. يعتبر عمله الآن من بين أهم المساهمات في نظرية الأنظمة المعقدة.

تعود جذور الدراسات الحديثة للأنظمة المعقدة إلى الميكانيكا الإحصائية التي طورها جيمس سي ماكسويل ولودفيج بولتزمان وجوزيه ويلارد جيبس ​​في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. كان على هذه الطريقة أن تأخذ الحركات العشوائية للجسيمات في الاعتبار، لذلك كانت الفكرة الأساسية هي حساب متوسط ​​تأثير الجسيمات بدلاً من دراسة كل جسيم على حدة. على سبيل المثال، درجة الحرارة في الغاز هي مقياس لمتوسط ​​قيمة طاقة جزيئات الغاز. تحقق الميكانيكا الإحصائية نجاحًا كبيرًا، لأنها تقدم تفسيرًا مجهريًا للخصائص المجهرية في الغازات والسوائل، مثل درجة الحرارة والضغط.

يمكن اعتبار الجزيئات الموجودة في الغاز على أنها كرات صغيرة، تطير بسرعة تزيد مع ارتفاع درجات الحرارة. وعندما تنخفض درجة الحرارة أو يزداد الضغط، تتكثف الكرات أولاً لتصبح سائلًا ثم تتحول إلى مادة صلبة. غالبًا ما تكون هذه المادة الصلبة عبارة عن بلورة، حيث يتم تنظيم الكرات في نمط منتظم. ومع ذلك، إذا حدث هذا التغيير بسرعة، فقد تشكل الكرات نمطًا غير منتظم لا يتغير حتى لو تم تبريد السائل أو ضغطه معًا. وإذا تكررت التجربة، فستشكل الكرات نمطًا جديدًا، على الرغم من حدوث التغيير بالطريقة نفسها تمامًا. فما سبب اختلاف النتائج؟

ظاهرة الإحباط

تعتبر هذه الكرات المضغوطة نموذجًا بسيطًا للزجاج العادي والمواد الحبيبية، مثل الرمل أو الحصى. ومع ذلك، كان موضوع عمل باريزي الأصلي مختلفًا نوعًا ما، فقد كان عن «الزجاج الدوار – spin glass». ويعد الزجاج الدوار هذا نوع خاص من السبائك المعدنية حيث تخلط ذرات الحديد بشكل عشوائي مثل شبكة من ذرات النحاس. على الرغم من وجود عدد قليل من ذرات الحديد، إلا أنها تغير الخصائص المغناطيسية للمادة بطريقة جذرية ومحيرة للغاية. إذ تتصرف كل ذرة حديد كمغناطيس صغير، ويطلق على الذرة الواحدة «دوارة – Spin»، وتتأثر بذرات الحديد الأخرى القريبة منها. في المغناطيس العادي، تدور جميع الدورات في نفس الاتجاه. ولكن في الدوران الزجاجي؛ تريد بعض أزواج الدورات أن تشير في نفس الاتجاه وأخرى تريد أن تشير في الاتجاه المعاكس وتسمى هذه الظاهرة ب «الإحباط – frustration ».

آثار الإحباط كثيرة ومتنوعة في كل من الزجاج المغزلي والمواد الحبيبية والتي تعد أمثلة على الأنظمة المحبطة. حيث يجب على مختلف المكونات أن ترتب نفسها بطريقة تكون بمثابة حل وسط بين القوى المضادة. السؤال هو كيف يتصرفون وما هي النتائج؟ باريسي كان الخبير اللازم للإجابة على هذه الأسئلة للعديد من المواد والظواهر المختلفة. كانت اكتشافاته الأساسية حول بنية النظارات الدوارة عميقة جدًا لدرجة أنها لم تؤثر على الفيزياء فحسب. أثرت اكتشافات باريزي أيضًا على الرياضيات وعلم الأحياء وعلم الأعصاب والتعلم الآلي. فهذه المجالات كلها تتضمن مشكلات مرتبطة بشكل مباشر بالإحباط.

درس باريزي أيضًا العديد من الظواهر الأخرى التي تلعب فيها العمليات العشوائية دورًا حاسمًا في كيفية إنشاء الهياكل وكيفية تطورها. كما تعامل مع أسئلة مثل: لماذا تتكرر العصور الجليدية بشكل دوري؟ هل يوجد وصف رياضي أكثر عمومية للفوضى والأنظمة المضطربة؟ أو – كيف تنشأ الأنماط عند تزقزق آلاف الطيور؟ قد يبدو هذا السؤال بعيدًا عن الدوران الزجاجي. ومع ذلك، قال باريزي إن معظم أبحاثه قد تناولت كيفية تحول السلوكيات البسيطة إلى سلوكيات جماعية معقدة، وهذا ينطبق على كل من الزجاج الدوار والطيور.

“تُظهر الاكتشافات التي تم الاعتراف بها هذا العام أن معرفتنا بالمناخ تستند إلى أساس علمي متين، قائم على تحليل دقيق للملاحظات. ولقد ساهم جميع الحائزين على جائزة هذا العام في اكتساب رؤية أعمق لخصائص وتطور الأنظمة الفيزيائية المعقدة”

Thors Hans Hansson ، رئيس لجنة نوبل للفيزياء 2021

المصدر

[1] noble Prize website

لماذا تتكاثر أغلب الكائنات الحية جنسيًا؟

لماذا تتكاثر أغلب الكائنات الحية جنسيًا؟

مقدمة

يعد التكاثر الجنسي من أكثر المواضيع المثيرة في الطبيعة. وقد سماه عالم البيولوجيا «جرهام بيل – Graham Bell» «تحفة الطبيعة – The masterpiece of nature» في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه. قد يبدو التكاثر اللاجنسي -من النظرة الأولى- أبسط وأكفأ وأقل كلفة بالمقارنة مع التكاثر الجنسي. يشارك الكائن الحي بنصف عدد چيناته في أي عملية تكاثر جنسي بعكس التكاثر اللاجنسي الذي ينقل فيه الكائن الحي كامل جيناته إلى الجيل الجديد فيما يعرف بـ «ضعف تكلفة الجنس – two-fold cost of sex». ومع ذلك فإن التكاثر الجنسي يعد هو النوع السائد من التكاثر في أغلب الكائنات. وإذا كنا قد تعلمنا من نظرية التطور شيئًا، فمن المؤكد أن هذه العملية المرهقة تمت محابتها لأن لها مميزات أكثر تساعد الكائن على التكيف. فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا التكاثر الجنسي؟ وفيما يلي نستعرض بعض الأسباب التي قد تفسر لماذا يعد التكاثر الجنسي ميزة عن التكاثر اللاجنسي. [2]

دعم الطفرات النافعة

تندر الطفرات النافعة في البيئة المستقرة. يعني حدوث طفرة نافعة بمقاييس الانتخاب الطبيعي وجوب مساعدتها الكائن الحي على التكيف مع تغير البيئة. ففي التكاثر اللاجنسي، لا يمكن دمج طفرتين حدثتا في كائنين مختلفين في كائن جديد. مما يعني أن الطفرات يجب أن تحدث على التوالي، الواحدة تلو الأخرى. أما في التكاثر الجنسي، تندمج طفرات كائنين مختلفين في كائن جديد، مما يعني أن الطفرات تحدث على التوازي. وهذه أحد أهم مزايا التكاثر الجنسي. فالطفرة النافعة تنتشر أسرع وسط أفراد النوع مما يعني تكيفًا أسرع مع بيئة متغيرة. [1] قد يستنتج البعض خطًأ بأن التكاثر الجنسي يؤدي إلى تنوع أكبر في الچينات، ولذا وجب التأكيد على أن هذا غير ضروري. فلنفترض أن هناك چين مسؤول عن الطول A وآخر مسؤول عن القصر a في كائن حي. ولنفترض أيضًا أن طول الكائن يؤدي إلى أن يكون أكثر عرضة للافتراس. فعندها نظرًا لأن أغلب الأفراد الحاملين لجين A سيصبحون وجبات سهلة، فإن الجين a سيسود ضمن أفراد هذا النوع. [3]

تجميع الطفرات النافعة في وجود الطفرات الضارة

أحيانًا ما تحدث طفرة نافعة قد تفيد النوع في أحد أضعف أفراد هذا النوع. فإذا ما حدث هذا مع كائن يتكاثر لاجنسيًا فإن الطفرة النافعة قد لا تكون نافعة بدرجة كافية وسط مجموعة من چينات لا تصنف على أنها أكفأ الچينات. وقد تختفي نتيجة ضعف هذه الچينات مع التكيف مع البيئة. لكن إذا ما حدثت طفرة نافعة في أحد أضعف أفراد النوع وتكاثر هذا الفرد جنسيًا مع فرد آخر يحمل جينات أكفأ، فإن هذه الطفرة ستكون وسط چينات تُبرز ميزتها التكيفية مع البيئة المحيطة. فالتكاثر الجنسي يعني أنه حتى لو حدثت الطفرة في أضعف أفرد النوع، فإنها قادرة على أن تكون موجودة في الأجيال القادمة مع چينات أكثر كفاءة. [1]

التخلص من الطفرات الضارة

في مجتمع لاجنسي، عدا المجتمعات الكبيرة، لا يوجد فرد واحد خالي تمامًا من الطفرات الضارة. ولذا قد يكون أكثر الكائنات كفاءة هو من يمتلك طفرة واحدة ضارة. فعندما يتكاثر هذا الكائن لاجنسيًا فإن الأجيال القادمة سيحدث لها طفرات مختلفة. وإذا كان أحد هذه الطفرات ضارة أيضًا سيكون إجمالي عدد الطفرات الضارة أصبح اثنين. ومن هذه النقطة فإن عدد الطفرات الضارة نتيجة التكاثر اللاجنسي سيزداد ولا يمكن أن يقل. ولكن في التكاثر الجنسي فإنه ليس بالضرورة انتقال الطفرات الضارة من جيل إلى الجيل الذي يليه. فإذا كان أكثر الكائنات كفاءة يمتلك طفرة واحدة ضارة فإن الأجيال التالية قد تتخلص من هذه الطفرة عن طريق دمج الجينات مع الشريك الجنسي، مما يعني أن عدد الطفرات الضارة قد يزداد وقد يقل. [1]

لا ضرورة لوجود وفرة في الغذاء

على الرغم من أن التكاثر الجنسي قد يبدو مكلفًا، ولكن مع ذلك فإن الكائنات التي يمكنها التكاثر جنسيًا ولاجنسيًا تتكاثر لاجنسيًا عندما يكون هناك وفرة في الغذاء. أما عندما يقل الغذاء وتبدأ هذه الكائنات بالجوع فإن هذه الكائنات تبدأ بالتكاثر الجنسي، إذ كلما قل الغذاء أصبح التكاثر اللاجنسي محدودًا. وهذه ميزة أخرى للتكاثر الجنسي فهو لا يحتاج إلى وجود وفرة في الغذاء ففي البيئات القاسية سيكون التكاثر اللاجنسي محدودًا. [3]

استعرضنا سويًّا بعض الأسباب التي قد تفسر تميز التكاثر الجنسي عن التكاثر اللاجنسي ومع ذلك فإن هذه الأسباب لا تشرح لماذا بدأ التكاثر الجنسي من الأساس. كما تختلف ميكانيكية التكاثر الجنسي باختلاف حجم الكائنات الحية. لذا لا يمكن اعتبار أن هذه هي كافة الأسباب التي دفعت لانتشار التكاثر الجنسي في عدد كبير من الكائنات. وهناك الكثير من الفرضيات المطروحة التي تحاول تفسير ذلك التفاوت في الأنواع المختلفة. لا يمكن الجزم بشكل قاطع بسبب بدء التكاثر الجنسي وأسباب تفوقه، لكن ما يمكن الجزم به هو حدوثه منذ مليارات السنين، وأنه مستمر حتى الآن في أكثر صور الحياة تعقيدًا. وما زلنا في انتظار الكثير من الأبحاث والكثير من الدراسات لتكمل باقي القصة. [1]

المصادر

[1] onlinelibrary

[2] Springer

[3] BBC

Exit mobile version