الهلاوس في اضطراب الكرب التالي للصدمة

الهلاوس في اضطراب الكرب التالي للصدمة

وجود الهلاوس في اضطراب الكرب التالي للصدمة, لا زال محل الجدل في الدراسات العلمية. ففي الدليل التشخيصي المعتمد عالمًا, لا وجود للهلاوس بين المعايير, بيد أن بعض الدراسات تؤكد وجودها. كما أن الهلاوس مرتبطة أكثر بالأضطرايات التي تسمى بالسايكوسس (مثل شيزوفرينيا) كما قد تظهر في الاكتئاب الحاد. في هذا المقال نستعرض بعض من جوانب اضطراب الكرب التالي للصدمة واحتمالية ظهور الهلاوس لدى المرضى. من الجدير بالذكر هو أن الهلاوس تختلف عن فلاش باك المنتشرة بين مرضى PTSD.

ما هو ااضطراب الكرب التالي للصدمة (PTSD)؟

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو اضطراب يتطور في بعض الأفراد الذين عاشوا تجربة مروعة أو مخيفة أو خطيرة. من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالخوف أثناء وبعد موقف مؤلم. الخوف جزء من استجابة “القتال أو الهروب” في الجسم، التي تساعدنا على تجنب الخطر المحتمل أو التصدي له. قد يعاني الأشخاص من مجموعة متنوعة من التفاعلات بعد التعرض للصدمة، ويتعافى معظمهم من الأعراض الأولية مع مرور الوقت. أما الذين يستمرون في تجربة مشكلات قد يتم تشخيصهم بمرض PTSD.(1).

تم التعرف على اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في البداية كتشخيص في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) في عام 1980. بدأت مجالات علم الطب النفسي في هذا الوقت تفهم أن العديد من المحاربين القدامى في فيتنام قد تعرضوا لأضرار نفسية وكانوا غير قادرين على التكيف مع الحياة المدنية. لقد واجهت فكرة إضافة PTSD إلى الإطار التشخيصي معارضة في البداية، ليس أقلها لأنها تتنافى مع الطبيعة الغير نظرية للDSM بإدراج مرض له طبيعة سببية محددة وواضحة (الصدمة). ومع ذلك، تطورت فهم عام بأن أعراض نفسية تشبه تلك التي شعر بها المحاربون القدامى في فيتنام قد تنجم عن أي حادث مكثف أو مرعب أو مجهد كان يشكل تهديداً للحياة وخارج النطاق الطبيعي للتجربة اليومية. (2)

أعراض الاضطراب:

لهذا الاضطراب أعراض محتلفة, وتم تقسيمها على أربع فئات: (3)

إعادة التجربة: أفكار وذكريات وصور اقتحامية, كوابيس وأحلام مزعجة وفلاش باك.

التجنب: تجنب الأشياء والأشخاص والأماكن المرتبطة بالحدث الصادم, أو تجنب سردها أو التفكير بها.

السلبية في الاعتقاد والمزاج: فقدان الذاكرة, لوم النفس أو الآخرين, المشاعر السلبية كالخزي, الرعب, الذنب والخوف. صعوبة اختبار المشاعر الإيجابية, الشعور بالإنفصال عن الآخرين, فقدان الرغبة في الأنشطة.

فرط اليقظة: زيادة القلق, صعوبة النوم, ضعف التركيز, التهيج, نوبات الغضب والعصبية, سلوكيات تدميرية والاستجابة المفرطة.

أسباب وعوامل الخطر:

الحادث الصادم هو السبب الرئيسي للاضطراب, بيد أن ليس كل من يتعرض لحادث صادم يطور هذا الاضطراب, فثمة عوامل أخرى: (4)

 قبل الصدمة:

تسهم عوامل في تطوير اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ويمكن تصنيفها إلى عدة فئات. العوامل الطبيعية تشمل المشاكل العاطفية في الطفولة واضطرابات نفسية سابقة. العوامل البيئية تشمل الوضع الاقتصادي المنخفض، والتعليم، والتعرض للصدمة، والمصاعب في الطفولة، والسمات الثقافية، والذكاء المنخفض، والوضعية الأقلياتية، وتاريخ الأمراض النفسية في العائلة. الدعم الاجتماعي قبل تعرض الشخص للصدمة يُعَد واقيًا. العوامل الوراثية والفسيولوجية تشمل الجنس الأنثوي، وسن أصغر عند تعرض البالغين للصدمة، وبعض الصفات الوراثية والفسيولوجية.

أثناء الصدمة:

تلعب العوامل البيئية دورًا كبيرًا في تحديد احتمالية أن يتطور الشخص إلى تطوير اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). شدة الصدمة، بما في ذلك عوامل مثل الشدة، والتهديد المتصور للحياة، والأذى الشخصي، والعنف بين الأفراد، والمشاركة كمُرتكب للعمل، وشهادة فظائع، أو المشاركة في المعارك العسكرية حيث يحدث خسائر بين الأعداء، يزيد من احتمالية حدوث PTSD. علاوة على ذلك، تجربة الانفصال خلال وبعد الحدث المؤلم هي عامل خطر إضافي لتطوير PTSD.

بعد الصدمة:

تشمل العوامل الطبيعية تقديرات غير مواتية للحادث المؤلم، وآليات التكيف الغير كافية، وظهور اضطراب الإجهاد الحاد. من ناحية أخرى، تتضمن التأثيرات البيئية التعامل المتكرر مع تذكيرات بالصدمة، وحدوثات متعاقبة لأحداث حياة سلبية، وتدهور مالي أو تدهورات أخرى مرتبطة بالتجربة المؤلمة. ووجود الدعم الاجتماعي، بما في ذلك استقرار وحدات العائلة بالنسبة للأطفال، قد يعمل كعنصر حماية وربما يخفف من العواقب بعد حدث مؤلم.

انتشار الاضطراب:

في عام 2014, هاجم داعش مدينة سنجار في العراق حيث يسكن الإيزيديين وقام بحملة إبادة جماعية. تم قتل أكثر من خمسة آلاف إيزيدي وتم سبي أكثر من 5000 فتاة وأمرأة ايزيدية. تعرضت هؤلاء النساء إلى الاغتصاب والاتجار وتم عرضهن في الأسوق كسبايا. تحررت بعض من النساء والفتيات وحسب الدراسات فأن أكثر من 95% منهن يعانين من اضطراب الكرب التالي للصدمة. هذه النسبة عالية جدا لكن هناك دراسات كثيرة أثبت ذلك. (5)

بالنسبة لانتشار الاضطراب بين عامة السكان في العالم, فأن الشكل التالي يوضح ذلك. (6)

ماذا يحدث للدماغ:

تشير الدراسات على أن اضطراب الكرب التالي للصدمة يحدث تغيرات على مستوى الدماغ ونشاطه. على سبيل المثل فأن نشاط الجبهة الأمامية المسؤولة عن التفكير النقدي والمنطقي يقل, بينما يزداد نشاط amygdala وهذا الجزء مسؤول عن الإنفعالات, لهذا فأن مرضى هذا الأضطراب أكثر حساسية في الاستجابة للمنبهات لا سيما المتعلقة بالحادث الصادم. كما أن حجم هايبوكامبوس (Hippocampus) أقل في المرضى مقارنة مع غيرهم, لذا فأن الذكريات تظل متشظية في الأميكدالا ولا تدخل في الذاكرة الطبيعية أي هايبوكامبوس. (7)

الهلوسات:

بينما لا يعتبر هذا العرض جزءًا من معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) لاضطراب ما بعد الصدمة، إلا أن الأبحاث المتزايدة تشير إلى أن الهلوسات قد تكون أكثر انتشارًا مما كان معتقدًا في الأصل بين اضطرابات الطيف التي تتعلق بالصدمة.

وفقُا للدراسات فأن 46% من مرضى اضطراب الكرب التالي للصدمة لديهم هلاوس سمعية أو بصرية.  تقليديًا، تُصنَّف الهلوسات والهذيان كأعراض للاضطراب السايكوسس psychosis. وهذا النوع من الاذطرابات يتميز بعدم قدرة دماغك على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. ومع ذلك، ليست التجارب المشابهة ضمن اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بالضرورة على نحو كلاسيكي. أجريت دراسة في عام 2005 لفحص انتشار أعراض الاضطراب النفسي بين الأشخاص الذين يعيشون مع PTSD أو تعرضوا للصدمة. وقد وجد الباحثون أن مجموعة متنوعة من أعراض الاضطراب النفسي تم ملاحظتها بين المشاركين. كانت شدة الحدث المؤلم مرتبطة بشدة الأعراض التي يعانون منها. وفيما يتعلق بالهلوسات في PTSD، كانت عادة مرتبطة بتجارب الاعتداء الجنسي. (8)

إقرأ أيضًا ما هي الصدمة الثقافية وكيف تتغلب عليها؟

المصادر:

  1. https://www.nimh.nih.gov/health/topics/post-traumatic-stress-disorder-ptsd
  2. Kring, A. M., Johnson, S. L., Davison, G. C., & Neale, J. M. (2016). Abnormal Psychology (13th ed.). United States of America: United States of America.
  3. Kirkpatrick, H. A., & Heller, G. M. (2014). Post-Traumatic Stress Disorder: Theory and Treatment Update. The International Journal of Psychiatry in Medicine, 47(4), 337–346. https://doi.org/10.2190/PM.47.4.h
  4. American Psychiatric Association (Ed.). (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders: DSM-5 (5th ed). Washington, D.C: American Psychiatric Association. P. 278
  5. Kizilhan, J. I., Friedl, N., Neumann, J., & Traub, L. (2020). Potential trauma events and the psychological consequences for Yazidi women after ISIS captivity. BMC Psychiatry, 20(1), 256. https://doi.org/10.1186/s12888-020-02671-4
  6. Koenen, K. C., Ratanatharathorn, A., Ng, L., McLaughlin, K. A., Bromet, E. J., Stein, D. J., … Kessler, R. C. (2017). Posttraumatic stress disorder in the World Mental Health Surveys. Psychological Medicine, 47(13), 2260–2274. https://doi.org/10.1017/S0033291717000708
  7. Mann SK, Marwaha R. Posttraumatic Stress Disorder. [Updated 2023 Jan 30]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2023 Jan-. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK559129/
  8. https://www.jwatch.org/na51114/2020/03/26/hearing-voices-patients-with-trauma

كيف يدخل الواقع الافتراضي في العلاج النفسي؟

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تؤثر الاضطرابات النفسية في واحد من كل ثمانية أشخاص في العالم. [1] مما يجعل الاضطرابات النفسية أكثر القضايا أهمية في يومنا هذا. إذ أدى انتشار الحروب وعدم الاستقرار الاقتصادي والتوترات الاجتماعية وحالات العنف العشوائي في جميع أنحاء العالم إلى زيادة الاضطراب النفسي وتأثيره على الكثيرين. فهل يقدم الواقع الافتراضي أملًا جديدًا في علاج الاضطرابات النفسية؟  

ما هو الواقع الافتراضي؟  

قد لا يعَدُّ مفهوم الواقع الافتراضي حديثًا، فقد اعتاد البشر على خلق عوالم مختلفة في مخيلتهم. فجميعنا -ربما- نخفي عوالم كاملة في مخيلاتنا ولكنها غير ملموسة أو مرئية. ولكن ليس هذا ما نعنيه عند التحدث عن الواقع الافتراضي. قد يكون التفكير في ألعاب الكومبيوتر و«الأفاتار – avatar»  (الذي هو تجسيد افتراضي في العوالم الرقمية)، الأقرب لماهية الواقع الافتراضي. حيث لا يختلف كثيرًا عن العوالم التي يمكننا صنعها في خيالنا، لكنه يجعل منها عوالم مرئية وأحيانًا ملموسة. 

فالواقع الافتراضي هو تقنية حاسوبية تحاكي الواقع وتوفر بيئة ثلاثية الأبعاد. تمكًن المستخدم من العيش فيها والتفاعل معها من خلال أدوات كالنظارات وسماعات الرأس والقفازات وبدلات الجسم.  

تاريخ الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

لا يعتبر العلاج النفسي باستخدام الواقع الافتراضي تقنية جديدة. إذ بدأ المعالجون النفسيون باستخدامها منذ بداية التسعينيات. وفي عام 1995، قدمت عالمة النفس «باربرا روثباوم – Barbara Rothbaum» وعالم الكومبيوتر «لاري هودجز – Larry Hodges» أول دراسة لاختبار فاعلية علاج الاضطرابات النفسية بالواقع الافتراضي. وقد أجريت الدراسة على شاب في ال19 من العمر كان يعاني من رهاب المرتفعات – الخوف من المرتفعات – وخاصًة المصاعد. أظهرت نتائج الدراسة أن الواقع الافتراضي يمكنه مساعدة المرضى في التغلب على مخاوفهم. حيث استطاع الشاب في النهاية ركوب مصعد زجاجي في أحد الفنادق حيث أقام في الطابق الثامن. [2]

وفي عام 1996، نشر عالما النفس «ألبرت كارلين – Albert Carlin» و«هنتر هوفمان – Hunter Hoffman» دراسة نشِرت في مجلة Behavior Research and Therapy. اختبرت الدراسة فاعلية العلاج بالواقع الافتراضي في رهاب العناكب. وقد أظهرت هذه النتائج أيضا أن الواقع الافتراضي يمكن أن يساعد المرضى في علاج رهاب العناكب. [3] 

بالرغم من أنه تم تصميم الواقع الافتراضي في البداية لعلاج الرُهاب، إلا أنه توسع ليستخدَم في الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الطعام والوزن والتوحد وغيرها. فمنذ إجراء الدراسة الأولى منذ ما يقرب 30 عامًا، تم نشر أكثر من 300 دراسة لاختبار استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي. وقد أظهرت نتائج الدراسات أن استخدام الواقع الافتراضي فعّال في اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة. وهناك أدلة متزايدة فيما يتعلق باضطرابات الطعام والوزن والإدمان. كما تعَد نتائج الدراسات حول استخدام الواقع الافتراضي في الذهان واضطراب طيف التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واعدة. [4] 

مجالات استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي

العلاج بالتعرض – Exposure Therapy  

العلاج بالتعرض هو نوع من أنواع العلاج النفسي. يساعد المرضى في التغلب على الأشياء أو الأنشطة أو المواقف التي تسبب الخوف أو القلق لديهم، من خلال دفعهم وتعريضهم بشكل تدريجي لمخاوفهم. عادة يكون العلاج بالتعرض من خلال مواجهة المرضى لمخاوفهم في الحياة الواقعية مع وجود الدعم العاطفي من المعالج. أو إذا كان قلقهم مرتبطًا بذكرى مؤلمة، فعادة ما يعيدون بناء الحدث في مخيلاتهم.

لا يختلف الواقع الافتراضي عن طرق العلاج بالتعرض التقليدية من حيث المبدأ. ويعد وسيلة تحاكي المخاوف والذكريات. وقد أجريت الدراسات على أنواع الرهاب المختلفة مثل رهاب الأماكن المغلقة، ورهاب القيادة، ورهاب المرتفعات، ورهاب الطيران، ورهاب العناكب. 

القلق الاجتماعي

في الآونة الأخيرة، اختبر الباحثون الواقع الافتراضي في مساعدة الأشخاص الذين لديهم مخاوف أكثر تنوعًا، مثل القلق الاجتماعي أو اضطراب الوسواس القهري. اختبر «ستيفن بوشارد – Stéphane Bouchard» وزملاؤه استخدام الواقع الافتراضي في القلق الاجتماعي من خلال وضع المرضى بمواقف اجتماعية افتراضية تدعوهم للتوتر مثل مقابلة عمل.

قام الباحثون بتقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات كالآتي: 17 شخصًا للعلاج بالواقع الافتراضي. و22 آخرين للعلاج بالتعرض التقليدي، الذي يتضمن تمارين مثل التحدث إلى الغرباء في الأماكن العامة. أما المجموعة الثالثة فتم تخصيصها لقائمة الانتظار ولم تحصل على علاج.

عبّر المشاركون في البداية عن درجة قلقهم وتجنبهم للمواقف الاجتماعية من 0 إلى 144، حيث 144 هي أعلى درجة للقلق. وقد تراوحت الدرجات بين 75 و85. بعد 14 جلسة علاج أسبوعية، انخفضت درجات القلق عند المشاركين الذين حصلوا على العلاج بالواقع الافتراضي بمتوسط 33 نقطة. بينما انخفضت عند المشاركين في العلاج التقليدي بمعدل 19 نقطة. بينما بقيت المجموعة الأخيرة على حالها تقريبًا. تشير هذه النتائج التي نشِرت في المجلة البريطانية للطب النفسي في أبريل 2017، إلى أن الواقع الافتراضي فعّال في معالجة القلق الاجتماعي. [5] 

اضطراب ما بعد الصدمة

بينما كرّس عالم النفس «ألبرت ريزو Albert Rizzo» الكثير من حياته المهنية لتطوير الواقع الافتراضي لعلاج قدامى المحاربين الذين يعانون من «اضطراب ما بعد الصدمة – PTSD». في عام 2004، تعاون ريزو مع روثباوم لبناء واقع افتراضي يمثل العراق وأفغانستان. حيث تكون البيئة الافتراضية مليئة بالصحاري والجبال ومدن الشرق الأوسط.

كان الهدف هو محاكاة تجارب قدامى المحاربين في زمن الحرب من أجل مساعدتهم على مواجهة تلك الأحداث الصادمة. يمكن للمعالجين تحسين محتوى هذه السيناريوهات الافتراضية. وذلك عبر التحكم في الوقت واليوم وعدد الأشخاص والأصوات المحيطة، وغير ذلك بما يتجاوز ما يمكن للمرضى استحضاره بدقة في تخيلاتهم أثناء علاج التعرض التقليدي. اختبر فريق ريزو النظام بدراسة أجريت على 162 فردًا عسكريًا. وتم تصنيفهم إما لقائمة انتظار، أو 10 جلسات علاجية تتضمن استخدام الواقع الافتراضي للعراق وأفغانستان، أو 10 جلسات من العلاج التقليدي. بالنسبة للعلاج التقليدي، قام المعالجون بتعريض المشاركين للذكريات المؤلمة في مخيلتهم وساعدوهم على وضع أنفسهم في المواقف اليومية التي يخشونها بسبب صدماتهم، مثل الأماكن العامة المزدحمة. وقد أظهرت النتائج فاعلية الواقع الافتراضي في معالجة اضطراب ما بعد الصدمة. [6] 

اضطرابات الطعام والوزن  

استُخدم الواقع الافتراضي في معالجة عدة أنواع من اضطرابات الطعام والوزن. حيث قدم الواقع الافتراضي على مدار الـ 25 عامًا الماضية حلولًا مبتكرة لمعالجة اضطرابات الطعام والوزن. عن طريق تقليل الرغبة الشديدة في تناول الطعام. وزيادة الرضا والقبول عن صورة الجسم. بالإضافة إلى تحدي مخاوف الأكل والشكل والوزن وممارسة استراتيجيات تناول طعام أكثر فاعلية. وأظهرت نتائج العديد من الدراسات المحكّمة أن الواقع الافتراضي أكثر فعالية في علاج اضطرابات الطعام والوزن من العلاج السلوكي المعرفي الذي يعَدّ الأفضل في هذا المجال. 

قدم مجموعة من الباحثين في «جامعة كنت-University Of Kent» و «جامعة قبرص-University Of Cyprus» دراسة نشِرَت في مجلة (Human–Computer Interaction).  تم فيها دخول كل من المعالجين والمرضى إلى عالم افتراضي بصورة أفاتار. وتم التعارف فيما بينهم من خلال الواقع الافتراضي ولم يتم التعارف بالواقع الحقيقي. وسمِح للمرضى بتصميم الأفاتار الخاص بهم بالطريقة التي يفضلون الظهور فيها من حيث مظهر الجسد وحجمه ولون البشرة ومظهر الشعر ولونه. وقد اعتمدت الدراسة طريقة العلاج بالتعرض للمرآة ولكن باستخدام الواقع الافتراضي.

واجه المرضى الأفاتار الذي قاموا بتصميمه. وتمت عملية التعرض تدريجيًا عن طريق التقليل التدريجي في ملابس الأفاتار حتى تم ترك الأفاتار في الملابس الداخلية فقط. خلال هذه العملية، يطلَب من المريض النظر بعناية في كل جزء من أجزاء الجسم وإجراء التعديلات المناسبة عليه. ويتخلل ذلك وصف مشاعره وأفكاره واهتماماته ومناقشتها مع المعالج. ويتم هذا التدرج بناءً على التسلسل الهرمي للمخاوف التي سجلها المريض في بداية الجلسة. 

أظهرت نتائج الدراسة أن كلًا من المعالجين والمرضى وجدوا أن هذا النوع من العلاج النفسي مفيد. إذ أتاح للمرضى الكشف على نحو مريح أكثر عن المشاعر والأفكار حول شكل الجسم والوزن، وقبول المناقشة حولها.  كما أظهرت نتائج العديد من الدراسات الأخرى أن الواقع الافتراضي تقنية فعَالة في معالجة اضطرابات الطعام. ولكن ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لدعم هذه النتائج. [7] 

الواقع الافتراضي في علاج مشكلات الوزن

التوحد 

تم استخدام الواقع الافتراضي في تقييم وعلاج الأطفال المصابين بالتوحد منذ عام 1996. وذلك لتحسين المهارات الاجتماعية والعاطفية والتواصل. حيث استخدِمت عمليات محاكاة اجتماعية تكرر أحداث الحياة الواقعية، كمحاكاة مقهى افتراضي أو حافلة أو طريق عبور. وذلك لتدريب الأطفال المصابين بالتوحد على إدارة سيناريوهات مختلفة.  تشير النتائج المتاحة إلى أن الواقع الافتراضي هو أداة واعدة لتحسين المهارات الاجتماعية والإدراك عند مرضى التوحد. ومع ذلك، لا توضح الدراسات الحالية ما إذا كان المصابون بالتوحد قادرين على تطبيق المهارات المكتسبة من الواقع الافتراضي في الحياة الواقعية. 

تشخيص المرضى  

لا يتوقف الواقع الافتراضي عند كونه وسيلة للعلاج فقط. إنما يساعد أيضًا أثناء تقييم المرضى وتشخيصهم، حيث يسمح الواقع الافتراضي بإجراء تقييم أكثر دقة. على سبيل المثال، عوضا عن محاولة المريض وصف الرُهاب من الأماكن المغلقة يمكن للمعالج أن يقيّم هذا الرهاب باستخدام مواقف افتراضية. 

بالإضافة لذلك، يساعد الواقع الافتراضي في تقييم المرضى من خلال إمكانية الكشف عن معلومات وتفاصيل قد لا يتذكر المريض حدوثها. 

3 مزايا للواقع الافتراضي في العلاج النفسي

  • الشعور حقيقيّ 

تكمن قوة العلاج بالواقع الافتراضي في حقيقة أن الإنسان يتفاعل تلقائيًا مع مسببات الخوف، حتى لو كانت في بيئة يعرف بالأصل أنها ليست حقيقية. وذلك لأن مركز التحكم العاطفي في الدماغ يستجيب للضغوط في أجزاء من الثانية أسرع بكثير مما يمكن أن يبدأه المنطق، ما يجعل ردود الفعل والاستجابات بدورها حقيقية وقابلة للتقييم والقياس. 

  • يمكن أن تكون مواجهة المخاوف أسهل في الواقع الافتراضي.  

على سبيل المثال، يمكن للمريض الذي يعاني من رهاب الطيران أن يقلع ويهبط عدة مرات في جلسة واحدة باستخدام الواقع الافتراضي دون تكلفة ومتاعب تجربة الرحلات الواقعية. كما يمكن للمحاربين القدامى الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة والذين لا يستطيعون تذكر ذكرياتهم المؤلمة بتفاصيل كبيرة، إعادة تمثيل الوقائع في بيئة افتراضية للحصول على تجربة علاجية أكثر فاعلية. 

  • إمكانية التحكم في بيئة الواقع الافتراضي  

يتيح الواقع الافتراضي إمكانية التحكم في إعدادات البيئة الافتراضية. مما يعني القدرة على تخصيص عالم افتراضي اعتمادًا على المريض. وذلك يساعد في معرفة مخاوف المريض بدقة كما يمكن أيضًا التحكم في المشاهد والأصوات والروائح مما يمكّن المعالج من معرفة ما يسبب أعلى مستوى قلق عند المريض. 

مثلًا لاستعادة المريض لذكرى مؤلمة باستخدام الواقع الافتراضي. أولًا يختار المريض المكان كنقطة تفتيش على الطريق أو مستشفى. ويبدأ بسرد الذكرى بصوتٍ عالٍ، بينما يقوم المعالج بإعداد المشهد. فإذا كان المريض يقول: أنا أقود سيارتي على الطريق وقت الظهيرة، يقوم المعالج بضبط الساعة الافتراضية وفقًا لذلك. إذا كان المريض يتذكر صوت قرقعة السيارة، يرفع المعالج صوت السيارة وهكذا. 

عوائق استخدام الواقع الافتراضي في العلاج النفسي  

  • التكلفة  

حتى وقتٍ قريب، حدّت تكلفة وتعقيدات معدات الواقع الافتراضي، التي قد تصل قيمتها إلى عشرات الآلاف من الدولارات، من استخدام الواقع الافتراضي. واقتصر استخدامه في عدد قليل من العيادات والمختبرات البحثية. أما الآن، ومع تزايد الإقبال نحو استخدام الواقع الافتراضي. توفرت معدات لا تكلف سوى بضع مئات من الدولارات مثل النظارات من شركة Oculus أو نظارات Samsung Gear التي تحول الهواتف الذكية إلى شاشات واقع افتراضي مقابل حوالي 100 دولار. 

  • الاعتبارات الأخلاقية  

تتضمن الاعتبارات الأخلاقية الخصوصية والسرية وملكية البيانات عندما يتضمن جمع المعلومات الشخصية والوصول إليها عبر الإنترنت. وهناك اعتبار آخر وهو الخوف من الخلط بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي. و يعد ذلك مهمًا لحالات خاصة مثل الذهان، حيث يمثل تشويه الواقع تحديًا بالفعل، وذلك لشدة واقعية الواقع الافتراضي.

كما علق البعض على خطورة إتاحة الوصول المستمر إلى الواقع الافتراضي من قبل المرضى. إذ يحتمَل أن يتسبب الأمر في إدمان الهروب من الإزعاج والتوتر في العالم الحقيقي.

  •  المخاطر الصحية  

المرضى الذين يعانون من نوبات هلع أو أمراض القلب أو الصرع، يمكن أن يكونوا معرضين لخطر الإصابة بالضرر النفسي من استخدام الواقع الافتراضي. بالإضافة إلى إجهاد العين والغثيان عند المصابين بدوار الحركة. 

بالنسبة للمرضى الذين يعانون من دوار الحركة، قد ينتهي بهم الأمر بالتقيؤ. كما حدث مع عالمة النفس روثباوم في بداية دراساتها، وما زال إلى الآن دوار الحركة مشكلة تواجه استخدام الواقع الافتراضي. وجدت روثباوم وزملائها حلًا لهذه المشكلة في دراساتهم اللاحقة من خلال إعطاء المرضى استراحة بعد حوالي 40 دقيقة. وكذا تحذيرهم من عدم تحريك رؤوسهم كثيرًا. 

المصادر:

1- Mental disorders (who.int)
2- Virtual reality graded exposure in the treatment of acrophobia: A case report – ScienceDirect
3- Virtual reality and tactile augmentation in the treatment of spider phobia: a case report – ScienceDirect
4- Virtual Reality Therapy in Mental Health | Annual Review of Clinical Psychology (annualreviews.org)
5- Virtual reality compared with in vivo exposure in the treatment of social anxiety disorder: A three-arm randomised controlled trial | The British Journal of Psychiatry | Cambridge Core
6- APA PsycNet
7- Full article: “Now i can see me” designing a multi-user virtual reality remote psychotherapy for body weight and shape concerns (tandfonline.com)
8- Full article: Virtual reality as a clinical tool in mental health research and practice (tandfonline.com)

ما هي الاضطرابات النفسية؟

هذه المقالة هي الجزء 1 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

ما هي الاضطرابات النفسية؟

ستأخذنا هذه السلسلة في رحلة نتعرف فيها على أشهر الاضطرابات النفسية، وكيف تؤثر هذه الاضطرابات على جودة حياة الإنسان، ولكن قبل البدء يجب التعرف على ما معنى اضطراب نفسي؟ ومتى يعتبر الخلل مرضًا؟ كذلك سنتحدث على تأثير الحرب العالمية الثانية في تصنيف هذه الأمراض.

ما هي الاضطرابات النفسية؟

أصبحت الاضطرابات النفسية ولا سيما عواقبها وعلاجها مصدر قلق أكبر، وتحظى باهتمام أكبر مما كانت عليه في الماضي.

إن الاضطرابات النفسية موضوع اهتمام بارز لعدة أسباب. على الرغم من كونها دائمًا دائمًا شائعة، ولكن القضاء على العديد من الأمراض الجسدية الخطيرة التي أصابت البشر سابقًا، أو العلاج الناجح لها جعل الأمراض العقلية سببًا أكثر وضوحًا للمعاناة، وتمثل نسبة أعلى من الأشخاص المعوقين بسبب المرض.

علاوة على ذلك، بدأ الجمهور يتوقع أنه يمكن لمهن الطب والصحة العقلية أن تساعد في تحسين نوعية الحياة عن طريق تحسين الأداء العقلي والبدني على حد سواء. وبالفعل أصبح هناك انتشار واضح لكل من العلاجات الدوائية والنفسية. كما أدى انتقال العديد من المرضى النفسيين الذين لا تزال تظهر عليهم أعراض واضحة من المستشفيات العقلية إلى المجتمع المحلي إلى زيادة وعي الجمهور بأهمية وانتشار المرض النفسي.

على الرغم من زيادة الاهتمام بالاضطرابات العقلية إلا أنه لا يوجد تعريف بسيط ومحدد للاضطراب النفسي عالميًا. وَيرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحالات العقلية، أو السلوك الذي يُنظر إليه على أنه غير طبيعي في ثقافة ما قد يُنظر إليه على أنه طبيعي أو مقبول في ثقافة أخرى، وفي أي حال من الصعب رسم خط يفصل بوضوح بين الأداء العقلي غير الطبيعي والصحي.

تعريف المرض النفسي أو تعريف المرض العقلي

إن التعريف الضيق للمرض العقلي سيصر على وجود مرض عضوي للدماغ سواء بنيوي أو كيميائي حيوي. أما التعريف الواسع بشكل مفرط من شأنه أن يعرّف المرض العقلي بأنه ببساطة نقص أو غياب للصحة العقلية – أي حالة من الرفاه العقلي والتوازن والمرونة حيث يمكن للفرد أن يعمل بنجاح، ويكون قادر على أن يتحمل ويتعلم كيف يتعامل مع الصراعات والضغوط التي تواجهه في الحياة.

هناك تعريف مفيد أكثر ينسب الاضطراب العقلي إلى الاختلالات أو الاضطرابات النفسية، أو الاجتماعية، أو البيوكيميائية، أو الجينية في الفرد.

يمكن أن يكون للمرض العقلي تأثير على كل جانب من جوانب حياة الشخص بما في ذلك التفكير، والشعور والمزاج، والنظرة العامة، ومجالات النشاط الخارجي مثل الأسرة، والحياة الزوجية، والنشاط الجنسي، والعمل والترفيه، وإدارة الشؤون المادية، ويهتم علم النفس المرضي بدراسة هذه العمليات.

تؤثر معظم الاضطرابات النفسية سلبًا على شعور الأفراد تجاه أنفسهم وتضعف قدرتهم على المشاركة في علاقات مفيدة للطرفين.

يدرس “علم النفس المرضي-psychopathology” بطريقة منهجية الأسباب والعمليات والمظاهر العرضية للاضطرابات النفسية. إن الدراسة الدقيقة والملاحظة والاستفسار التي تميز تخصص علم النفس المرضي هي بدورها أساس ممارسة الطب النفسي (أي علم تشخيص الاضطرابات النفسية وعلاجها وكذلك التعامل معها و الوقاية منها).
يشمل الطب النفسي وعلم النفس والتخصصات ذات الصلة مثل علم النفس الإكلينيكي والاستشارات مجموعة واسعة من التقنيات والأساليب لعلاج الأمراض العقلية، وتشمل هذه استخدام العقاقير ذات التأثير النفساني لتصحيح الاختلالات الكيميائية الحيوية في الدماغ، أو غير ذلك لتخفيف الاكتئاب والقلق والحالات العاطفية المؤلمة الأخرى.

وهناك مجموعة أخرى من العلاجات المهمة وهي العلاجات النفسية، والتي تَسعى إلى علاج الاضطرابات النفسية بالوسائل النفسية والتي تنطوي على العلاج بالكلام، والتواصل بين المريض وشخص مدرب في سياق علاقة شخصية علاجية بينهما. تركز الأنماط المختلفة للعلاج النفسي بشكل متنوع على التجربة العاطفية والمعالجة المعرفية والسلوك العلني.

كيف يتم تشخيص الاضطراب النفسي؟

لا توجد عمومًا اختبارات دم أو فحوصات دماغية يمكن أن تؤكد وجود مرض عقلي ولكن يمكن أن تكون هذه الاختبارات مفيدة في استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى للأعراض.

يتم تعريف كلمة “التشخيص” بطريقتين مختلفتين، وهما: ” فحص شخص ما لتحديد مرض أو مشكلة ما”، ويشير أيضًا إلى “بيان أو استنتاج يصف مرضًا”.
تعكس عملية تشخيص المرض العقلي كلا التعريفين ويمكن تلخيصها في ثلاث خطوات رئيسية:


1. جمع المعلومات
سيقوم أخصائي الصحة العقلية أولاً بجمع المعلومات من الشخص من خلال مقابلة مفصلة تتضمن اكتشاف اهتمامات الشخص الرئيسية، وأعراضه، وتاريخ حياته. يتم أحيانًا الحصول على معلومات إضافية من أسرة الشخص أو مقدمي الرعاية، ومن سجلات العلاج السابقة. قد يتم تضمين الفحص البدني والاختبارات المعملية والاستبيانات النفسية غالبًا لاستبعاد الأمراض الأخرى.

2. تضييق الخيارات
بعد ما يتم الحصول على كل هذه المعلومات ودمجها؛ سيبدأ الأخصائي في تحديد ما إذا كانت أعراض الشخص تتطابق مع تشخيص رسمي واحد أو أكثر. يتكون كل تشخيص من قائمة بالعلامات أو الأعراض الشائعة. سيقارن الأخصائي الأعراض التي يعاني منها الشخص بقائمة الأعراض التي تتضمن تشخيصًا محددًا. إذا كانت أعراض الشخص مطابقة تمامًا لتلك الموجودة في القائمة الرسمية لاضطراب معين، فيمكن عندئذٍ إجراء التشخيص.
تم وصف أعراض الأمراض العقلية المختلفة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي. يستخدم الأطباء هذا الدليل لتحديد المرض العقلي.

3. تكوين انطباع تشخيصي
بعد مراجعة جميع المعلومات سيشكل المحترف انطباعًا أوليًا أو مؤقتًا باستخدام مصطلحات التشخيص المعمول بها.
يوجد أكثر من مائتي تشخيص مختلف للاضطرابات النفسية. على سبيل المثال إن الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، ورهاب الخلاء، واضطراب تعاطي الكحول أمثلة على التشخيص.

تصنيف الاضطرابات النفسية

كانت الحاجة إلى تصنيف الاضطرابات النفسية واضحة طوال تاريخ الطب، ولكن حتى وقت قريب لم يكن هناك اتفاق يذكر بشأن الاضطرابات التي يجب تضمينها والطريقة المثلى لتنظيمها. اختلفت أنظمة التصنيف العديدة التي تم تطويرها على مدار السنوات الماضية في تركيزها النسبي على الظواهر والمسببات والدورة كميزات محددة.

تضمنت بعض الأنظمة عددًا قليلاً فقط من فئات التشخيص، وشملت الأخرى الآلاف. علاوة على ذلك، اختلفت الأنظمة المختلفة لتصنيف الاضطرابات النفسية فيما يتعلق بما إذا كان هدفها الرئيسي هو الاستخدام في الإعدادات السريرية، أو البحثية، أو الإدارية.

نظرًا لأن تاريخ التصنيف واسع جدًا بحيث لا يمكن تلخيصه هنا فإن هذا المقال يركز فقط على أشهر نظامين للتقسيم، وهما الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)، والتصنيف الدولي للأمراض (ICD).

تصنيف الجمعية الأمريكية للطب النفسي

نشرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية في عام 1952، وكان يعتمد على نظام ICD-6 والنظام العسكري. احتوى الدليل الأول-1 DSM على حوالي 60 اضطرابًا واستند إلى نظريات علم النفس غير الطبيعي وعلم النفس المرضي، وكان للحرب العالمية تأثيرًا واضحًا في إصداره، واستمر تحديث DSM من الإصدار الأول للخامس الّذي صدر في عام 2013.

التصنيف الدولي للأمراض النفسية

أما التصنيف الدولي للأمراض-ICD فهو وظيفة أساسية لمنظمة الصحة العالمية منصوص عليها في دستورها، وصدقت عليها جميع الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية البالغ عددها 193 دولة.

إن التصنيف الدولي للأمراض موجود منذ أكثر من قرن وأصبح مسئولية منظمة الصحة العالمية عندما تأسست في عام 1948 كوكالة من وكالات الأمم المتحدة. قبل عام 1980 عكست أنظمة التشخيص النفسي أفكار التحليل النفسي السائدة في ذلك الوقت مؤكدة على دور الخبرة، والتقليل من أهمية علم الأحياء.

كان نظام DSM و ICD مختلفين في الماضي ولكن الآن أصبح النظامين متشابهين جدًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاتفاقات التعاونية بين المنظمتين، وكذلك لأنه ليس من المفيد للمجال أن يكون هناك نظامان منفصلان لتصنيف الاضطرابات النفسية.

يتم تصنيف الاضطرابات النفسية في DSM في آخر إصداراته إلى 20 صنف تشمل:
1. اضطرابات النمو العصبي
2. الاضطرابات العصبية
3. اضطرابات النوم واليقظة
4. اضطرابات القلق
5. اضطرابات الاكتئاب
6. الاضطراب ثنائي القطب والاضطرابات ذات الصلة

7. طيف الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى
8. الصدمات والاضطرابات المرتبطة بالتوتر
9. الاضطرابات المرتبطة بالمخدرات والإدمان
10. اضطرابات الشخصية
11. الاضطرابات التخريبية والسيطرة على الانفعالات والسلوك
12. الوسواس القهري والاضطرابات ذات الصلة
13. اضطرابات الأعراض الجسدية
14. اضطرابات التغذية والأكل
15. اضطرابات الإقصاء
16. اضطراب تعدد الشخصيات
17. الاختلالات الجنسية
18. اضطراب الهوية الجندرية
19. الانحراف الجنسي
20. اضطرابات أخرى

سنتحدث في هذه السلسلة على أشهر الاضطرابات التي يشملها هذا التصنيف.

تأثير الحرب العالمية الثانية على تصنيف الاضطرابات النفسية

ما قبل الحرب العالمية الثانية:

في الولايات المتحدة كان الحافز الأولي لتطوير تصنيف للاضطرابات النفسية هو الحاجة إلى جمع المعلومات الإحصائية. ما يمكن اعتباره المحاولة الرسمية الأولى لجمع معلومات حول الصحة العقلية في الولايات المتحدة هو تسجيل تكرار حالات “الجنون” كما تعرف سابقًا في تعداد عام 1840، وفي تعداد عام 1880 تم تمييز سبع فئات من الاضطرابات النفسية: الهوس، والكآبة، والهوس الوحشي، والشلل الجزئي، والخرف، وهوس الاكتئاب، والصرع.

في عام 1917 طورت الجمعية الأمريكية للطب النفسي جنبًا إلى جنب مع اللجنة الوطنية للصحة العقلية خطة اعتمدها مكتب الإحصاء لجمع إحصاءات صحية موحدة عبر المستشفيات العقلية.

على الرغم من أن هذا النظام كرس مزيدًا من الاهتمام للفائدة السريرية أكثر من الأنظمة السابقة إلا أنه كان لا يزال تصنيفًا إداريًا في المقام الأول.
في عام 1921 غيرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي- APS اسمها، وتعاونت لاحقًا مع أكاديمية نيويورك للطب لتطوير تصنيف مقبول على المستوى الوطني للأمراض النفسية، والذي سيتم دمجه في الطبعة الأولى من التسمية الموحدة للأمراض الصادرة عن الجمعية الطبية الأمريكية. تم تصميم هذا النظام في المقام الأول لتشخيص المرضى الداخليين الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية شديدة.

ما بعد الحرب العالمية الثانية:

تم تطوير نظام تصنيف أوسع بكثير في وقت لاحق من قبل الجيش الأمريكي (وتم تعديله من قبل إدارة المحاربين القدامى) لدمج عروض العيادات الخارجية لجنود الحرب العالمية الثانية، وقدامى المحاربين على سبيل المثال الاضطرابات النفسية والفسيولوجية والشخصية والاضطرابات الحادة.
في الوقت نفسه نشرت منظمة الصحة العالمية (WHO) الطبعة السادسة من التصنيف الدولي للأمراض، والتي تضمنت لأول مرة قسمًا للاضطرابات النفسية.

تأثر التصنيف الدولي للأمراض السادس بشدة بتصنيف إدارة المحاربين القدامى وشمل 10 فئات للذهان والاضطرابات النفسية وسبع فئات لاضطرابات الشخصية والسلوك والذكاء.

قامت لجنة APA المعنية بالتسميات والإحصاءات بتطوير متغير من التصنيف الدولي للأمراض تم نشره في عام 1952 كإصدار أول من DSM. احتوى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية على مسرد لأوصاف فئات التشخيص وكان أول دليل رسمي للاضطرابات النفسية يركز على الاستخدام السريري.

وبالتالي نلاحظ أن الحرب العالمية الثانية كانت حجر الأساس لوضع تصنيف معتمد يصنف الاضطرابات النفسية ويمثل قاعدة رئيسية لتشخيصها.

في الحقيقة إن الحروب بصفة عامة شكلت نقلة في فهمنا للاضطرابات النفسية كذلك، فبعد وقت طويل من الاعتقاد بأن الاضطرابات النفسية خلل جسدي في الدماغ يولد به الإنسان أتت عدة حروب لتبرهن على أن المرض النفسي يحدث لعدة أسباب متداخلة تشكل البيئة والظروف سببًا مهمًا ضمنها.

بالإضافة إلى ما هي الاضطرابات النفسية؟ اقرأ أيضًا: أشهر 10 اضطرابات نفسية: مقدمة حول اضطرابات الشخصية

مصادر ما هي الاضطرابات النفسية؟ :

1. britannica.com
2. healthdirect.gov
3. psychologytoday.com
4. psychiatry.org
5. apa.org

اضطراب الشخصية الهستيرية

هذه المقالة هي الجزء 8 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب الشخصية الهستيرية

تعكس الشخصية أنماطًا متأصلة بعمق في السلوك والطريقة التي يدرك بها الأفراد أنفسهم وعالمهم، ويفكرون بها. سمات الشخصية هي سمات بارزة وليست بالضرورة مرضية على الرغم من أن بعض أنماط الشخصية قد تسبب مشاكل شخصية.

تشير اضطرابات الشخصية إلى أنماط تفكير وسلوك جامدة وغير مرنة وغير قادرة على التكيف مما يؤدي إلى ضعف في الأداء و/ أو ضائقة داخلية كبيرة. تبدأ معظم اضطرابات الشخصية في الظهور في مرحلة المراهقة أو بداية البلوغ، وتكون مستقرة بمرور الوقت، وتؤدي إلى اضطراب أو ضعف داخلي كبير.

يقع اضطراب الشخصية الهستيرية تحت مظلة المجموعة الثانية من اضطرابات الشخصية، ويُظهر الأفراد المصابون به انفعالية مفرطة – ميل إلى النظر إلى الأشياء بطريقة عاطفية – والبحث المستمر والمفرط عن الاهتمام. يشعر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب بعدم الراحة أو بعدم التقدير عندما لا يكونون مركز الاهتمام.

قد تشمل السلوكيات النموذجية السعي المستمر للقبول أو الاهتمام، وقد يتصرف الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الهستيرية بطريقة تتمحور حول الذات أو يحاولون إغراء الأشخاص جنسيًا في مواقف غير مناسبة بما في ذلك العلاقات الاجتماعية والمهنية بما يتجاوز ما هو مناسب للسياق الاجتماعي.

قد يكون المصاب مفعم بالحيوية والدرامية، وقد يجذب في البداية معارف جدد بحماسه أو انفتاحه الواضح أو مغازلته، ومع ذلك؛ قد يحرِجون أيضًا الأصدقاء والمعارف من خلال العروض العامة المفرطة للعاطفة، مثل احتضان المعارف بشغف، أو البكاء بلا حسيب ولا رقيب على النكسات البسيطة، أو نوبات الغضب. وتقدر البيانات المأخوذة من المسح الوطني الوبائي للكحول والحالات ذات الصلة للعام 2001/2002 أن نسبة انتشار اضطراب الشخصية الهستيرية هي 1.84%.

أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية

سبب اضطراب الشخصية الهستيرية غير معروف، ولكن قد يكون لكلا من الوراثة والبيئة دور في حدوث المرض على سبيل المثال؛ يشير ميل اضطراب الشخصية الهستيرية إلى الانتشار في العائلات إلى أن القابلية الجينية للاضطراب قد تكون موروثة، ومع ذلك فإن طفل أحد الوالدين المصاب بهذا الاضطراب قد يكرر ببساطة السلوك وبالتالي يكون هذا السلوك مكتسب وليس وراثي.

يتم تشخيص هذا الاضطراب عند النساء بنسبة أكثر من الرجال على الرغم من أن بعض الخبراء يؤكدون أنه يتم تشخيصه في كثير من الأحيان عند النساء لأن السعي وراء الاهتمام والمبادرة الجنسية أقل قبولًا اجتماعيًا بالنسبة للنساء مقارنة بالرجال.

عادةً ما يكون الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب قادرين على العمل بمستوى عالٍ ولديهم أداء جيد في البيئات الاجتماعية والمهنية، ولكن غالبًا ما يضطرون إلى علاج الاكتئاب عندما تنتهي علاقاتهم الرومانسية، وغالبًا ما يفشلون في رؤية وضعهم بشكل واقعي بدلاً من ذلك يميلون إلى المبالغة في التأمل، وبدلاً من تحمل مسؤولية الفشل أو خيبة الأمل يلقي المصابون بالاضطراب باللوم على الآخرين.

لأن المصابون يميلون إلى الرغبة في التجديد والإثارة، فقد يضعون أنفسهم في مواقف محفوفة بالمخاطر، وهذا السلوك أحيانًا يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.

أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية

اضطراب الشخصية الهستيرية ليس اضطرابًا نفسيًا مدمرًا. يعمل معظم الأشخاص بنجاح في المجتمع والعمل. في الواقع عادةً ما يتمتع الأشخاص المصابون بمهارات رائعة في التعامل مع الأشخاص، ولكن لسوء الحظ غالبًا ما يستخدمون هذه المهارات للتلاعب بالآخرين.

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الإصدار الخامس يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الهستيرية من خمسة (أو أكثر) من الأعراض التالية على الأقل:

  • 1. لا يرتاح الشخص في المواقف التي لا يكون فيها محور الاهتمام.
  • 2. لديه تفاعلات مع الآخرين تتسم بسلوك غير لائق ومغري جنسيًا أو استفزازي.
  • 3. يعرض تحولات سريعة وتعبيرًا ضحلًا عن المشاعر.
  • 4. يستخدم انتباهه الجسدي باستمرار للفت الانتباه.
  • 5. التعبير المبالغ فيه عن العاطفة.
  • 6. يتأثر بسهولة بالآخرين أو بالظروف.
  • 7. يعتبر العلاقات أكثر حميمية مما هي عليه في الواقع.

إذا كنت مصابًا بهذا الاضطراب فقد تشعر أيضًا بالإحباط أو الملل بسهولة من الإجراءات الروتينية، أو تتخذ قرارات متهورة قبل التفكير، أو تهدد بالانتحار من أجل جذب الانتباه، ولكن قد يفكر المصاب بالانتحار حقًا خاصة إذا تداخلت حالته مع اضطراب في المزاج مثل الاكتئاب.

هل يفتقر المصاب إلى التعاطف؟

قد يبدو المصاب غير متعاطف لكنه يعاني حقًا من قلة الوعي الذاتي وانخفاض الذكاء العاطفي هذا ما يجعله يتلاعب بالأشخاص في المواقف التي لا يكون فيها مركز الاهتمام.

هل اضطراب الشخصية الهستيرية مرتبط بالنرجسية؟

يمكن أن تتداخل الشخصية النرجسية والشخصية الهستيرية أحيانًا. يقع هذان الاضطرابان ضمن المجموعة الثانية لاضطرابات الشخصية. يعاني الأشخاص في هذه المجموعة من أنماط التفكير والسلوك التي لا يمكن التنبؤ بها أو عدم انتظامها هم أيضًا غارقون في الدراما العالية التي تتمحور حول الذات.

تشخيص اضطراب الشخصية الهستيرية

لا يوجد اختبار محدد يستخدم لتشخيص هذا الاضطراب؛ إذا كنت منزعجًا من أعراضك وتطلب رعاية طبية، فمن المحتمل أن يبدأ مقدم الرعاية الأولية الخاص بك بأخذ تاريخ طبي كامل، وقد يُجرون فحصًا جسديًا لاستبعاد أي مشاكل جسدية يحتمل أن تكون سببًا لأعراضك. إذا لم يجد مقدم الرعاية الأولية سببًا جسديًا لأعراضك فقد يحيلك إلى طبيب نفسي.
يتم تدريب الأطباء النفسيين بشكل خاص على التعرف على الاضطرابات النفسية وعلاجها.
سيتمكن الطبيب النفسي من استخدام أسئلة الخبراء للحصول على رؤية واضحة لتاريخ سلوكك. سيساعد التقييم الدقيق لسلوكياتك مقدم الرعاية الأولية في تشخيصك. ومع ذلك لا يعتقد معظم الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة أنهم بحاجة إلى علاج أو مساعدة مما يجعل التشخيص صعبًا.
يتلقى العديد من الأشخاص المصابين التشخيص بعد خضوعهم للعلاج من الاكتئاب أو القلق، وعادةً ما يكون ذلك بعد علاقة فاشلة أو نزاعات شخصية أخرى.

ما هي مضاعفات اضطراب الشخصية الهستيرية؟

يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب على العلاقات الاجتماعية أو الرومانسية للشخص، وكيفيه تفاعل الشخص مع الخسائر أو الإخفاقات. الأشخاص المصابون أيضًا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من عامة الناس.

العلاج

بشكل عام لا يعتقد الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الهستيرية أنهم بحاجة إلى العلاج.
يميلون أيضًا إلى المبالغة في مشاعرهم وكراهية الروتين مما يجعل اتباع خطة العلاج أمرًا صعبًا، ومع ذلك قد يطلبون المساعدة إذا كان الاكتئاب_الذي قد يكون مرتبطًا بخسارة أو علاقة فاشلة_أو مشكلة أخرى ناجمة عن تفكيرهم وسلوكهم تسبب لهم الضيق.

العلاج النفسي (نوع من الاستشارة) بشكل عام هو العلاج المفضل لاضطراب الشخصية الهستيرية. الهدف من العلاج هو مساعدة الفرد على الكشف عن الدوافع والمخاوف المرتبطة بأفكاره وسلوكه، ومساعدة الشخص على تعلم الارتباط بالآخرين بطريقة أكثر إيجابية.
يمكن استخدام الأدوية لعلاج الأعراض المؤلمة – مثل الاكتئاب والقلق – التي قد تحدث مع هذا الاضطراب.

مصادر:
1. Healthline
2. Clevelandclinic
3. WebMD
4. Psychology today

ما هو اضطراب الشخصية المُرتابة ؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 19 في سلسلة رحلة بين أشهر الاضطرابات النفسية

أشهر 10 اضطرابات نفسية: اضطراب الشخصية المُرتابة

يقع اضطراب الشخصية المرتابة تحت مظلة المجموعة الأولى من اضطرابات الشخصية. ويكون الأشخاص المصابون بأحد اضطرابات هذه المجموعة غريبين أو شاذين في سلوكهم.

السمة الأساسية للأشخاص المصابون بهذا الاضطراب هي الريبة، والشك المستمر في الآخرين دون سبب كافٍ للشك. وعادة لا يستندون إلى الواقع كما لا يعترفون بأن لديهم مشاعر سلبية تجاه الآخرين. إنهم لا يثقون في الناس لدرجة أنهم لن يناقشوا ما يشعرون به. وقد يتساءل المصاب حتى عما إذا كان بإمكانه الوثوق بأخصائي الصحة العقلية والشك في دوافعه في محاولة مساعدته.

غالبًا ما يبدأ هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة أو المراهقة المبكرة. ويبدو أنه أكثر شيوعًا عند الرجال منه لدى النساء. وتقدر الدراسات أنه يؤثر على ما بين 2.3 ٪ و 4.4 ٪ من عامة السكان.

أعراض وعلامات اضطراب الشخصية المرتابة

أعراض الاضطراب كما هي مفهرسة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5):

1. انعدام الثقة والشك بالآخرين بحيث يتم تفسير دوافعهم على أنها خبيثة يبدأ هذا الشك في بداية مرحلة البلوغ. ويكون في مجموعة متنوعة من السياقات مثل: الاشتباه دون أساس كافٍ في أن الآخرين يستغلونه، أو يؤذونه، أو يخدعونه. كما ينشغل المصاب بشكوك غير مبررة حول ولاء أو مصداقية الأصدقاء أو الشركاء. ويحجم عن الوثوق بالآخرين بسبب الخوف غير المبرر من استخدام معلوماته الشخصية. يقرأ ملاحظات أو أحداث حميدة على أنها مهينة أو مهددة، ويحمل باستمرار ضغينة (مثل عدم التسامح مع الإصابات أو الإهانات). سريع الرد بغضب أو للهجوم المضاد، ولديه شكوك متكررة دون مبرر فيما يتعلق بإخلاص الزوج أو الشريك الجنسي.

2. قد لا تحدث هذه الأعراض كنتيجة للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب أو الاضطراب الاكتئابي المصحوب بسمات ذهانية أو اضطراب ذهاني آخر. وقد لا يرجع إلى التأثيرات الفسيولوجية لحالة طبية أخرى. وهناك كذلك أعراض أخرى من الممكن تواجدها وتختلف شدتها حسب الحالة مثل:
تداخل معتقدات المصابون بالإضافة لعادات اللوم مع قدرتهم على تكوين علاقات وثيقة. وكذلك غالبًا ما يتقبلون النقد بشكل سيئ، ويعانون من هجمات عاطفية على شخصياتهم لا تظهر للآخرين. ويتفاعلون بشكل عام مع الغضب ويسارعون إلى الانتقام. وقد يصبحون مسيطرين وغيورين، ولا يستطيعون رؤية دورهم في المشاكل أو النزاعات، ويعتقدون أنهم دائمًا على حق.

ما هي المضاعفات المرتبطة باضطراب الشخصية المُرتابة؟

يمكن أن يتداخل التفكير والسلوكيات المرتبطة بالاضطراب مع قدرة الشخص على الحفاظ على علاقاته، فضلاً عن قدرته على العمل مع فريق.
في كثير من الحالات يتورط الأشخاص المصابون في معارك قانونية يقاضون فيها أشخاصًا أو شركات يعتقدون أنها تسعى للحصول عليهم.

ما هي أسباب اضطراب الشخصية المُرتابة؟

السبب الدقيق لهذا الاضطراب غير معروف، ولكن من المحتمل أنه ينطوي على مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية. وقد يظهر هذا الاضطراب لأول مرة في مرحلة الطفولة أو المراهقة. قد يبدو الأشخاص الذين يعانون من العزلة، ولديهم علاقات سيئة مع أقرانهم وقلق اجتماعي، وقلة التحصيل الأكاديمي، وفرط الحساسية، والأفكار الغريبة، والتخيلات الخاصة على أنهم “شاذون” أو “غريبو الأطوار” وهم أهداف جيدة لإثارة المرض.

يعتقد أيضًا أن تجارب الطفولة المبكرة، بما في ذلك الصدمات الجسدية أو العاطفية تلعب دورًا في تطوير هذا الاضطراب. من جانب آخر، هناك بعض الأدلة على زيادة انتشار هذا المرض بين أولئك الذين يعاني أقاربهم من الفصام، وقد يشير هذا إلى وجود صلة جينية بين الاضطرابين.

كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية المرتابة؟

إذا ظهرت على الشخص أعراض سيبدأ الطبيب في التقييم عن طريق إجراء فحص طبي شامل. على الرغم من عدم وجود اختبارات معملية لتشخيص اضطرابات الشخصية على وجه التحديد إلّا أن الطبيب يستخدم العديد من الاختبارات التشخيصية لاستبعاد المرض الجسدي كسبب للأعراض.

على سبيل المثال قد يتم الخلط بين تعاطي المخدرات طويل الأمد وبين هذا الاضطراب، وبالتالي يجب التأكد من أن هذه الأعراض حدثت بسبب تعاطي المخدرات.

إذا لم يجد الطبيب سببًا جسديًا للأعراض فقد يحيل الشخص إلى طبيب نفسي أو أخصائي نفسي مدرب خصيصًا لتشخيص الأمراض العقلية وعلاجها. يختلف اضطراب الشخصية المرتابة عن الاضطرابات الذهانية مثل الفصام أو الاضطراب الوهمي، وعلى عكس هذه الاضطرابات يفتقر المصاب باضطراب الشخصية المرتابة إلى التشوهات الإدراكية على سبيل المثال سماع الأصوات، أو التفكير الوهمي الغريب.

يستخدم الأطباء النفسيون وعلماء النفس أدوات مقابلة وتقييم مصممة خصيصًا لتقييم اضطراب الشخصية، وسيقوم أخصائي الصحة العقلية بإجراء تقييم شامل قد يسأل فيه عن طفولة الشخص ومدرسته وحياته العملية وعلاقاته.

ليس كل شك وريبة دليلًا على وجود الاضطراب

يجب دائمًا اعتبار الاستجابة الطبيعية للظروف غير العادية كجزء من التشخيص التفريقي للمريض ذي السمات التي توحي باضطراب الشخصية المرتابة. يمكن اعتبار سمات اضطرابات الشخصية بشكل عام على أنها متغيرات شديدة وغير قادرة على التكيف للسمات الطبيعية.

من جهة أخرى يجب الأخذ في الاعتبار بأن الشك قد يكون قابلاً للتكيف في بيئات معينة، وقد يظهر أعضاء مجموعات الأقليات على وجه الخصوص تفكيرًا دفاعيًا يمكن فهمه في السياق الاجتماعي الأوسع بدلاً من أن يكون مؤشرًا على الاضطراب العقلي.

كما يُظهر العديد من الناس عدم الثقة والشك من وقت لآخر ، ولكن نظرًا لأنها عابرة وقابلة للتعديل وليست مدمرة بشكل كبير فإن هذه الظواهر ليست مرضية. لذلك من الأفضل تصور أن اضطراب الشخصية المرتابة سريريًا على أنه شكل مفرط التعميم من عملية نفسية مشتركة وقابلة للتكيف والتي في شكلها الطبيعي لها بعض القيمة التطورية من خلال تسهيل اكتشاف التهديدات التي يتعرض لها الشخص من قبل الآخرين، ولكن المصابون بهذا الاضطراب يظهرون هذه السمة بشكل مفرط للدرجة اللتي تجعلها عائق في حياة الشخص، وتسبب له القلق والعجز.

المراضة المشتركة لاضطراب الشخصية المرتابة

تعد الإصابة المرضية المشتركة لهذا الاضطراب مع اضطرابات الشخصية الأخرى أمر شائع وتحدث في أكثر من نصف الحالات، خاصة مع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وقد يأتي هذا الاضطراب مشتركًا كذلك مع الاضطرابات النفسية الأخرى.

المراضة المشتركة مع القلق الاجتماعي

قد يظهر اضطراب الشخصية المرتابة في البداية مع شكاوى من القلق لكن الفحص الدقيق للحالة العقلية سيكشف عن السمات الأساسية الكامنة وراء هذه الشكاوى.

وهناك بعض التداخل لهذا الاضطراب مع اضطرابات القلق مثل الرهاب الاجتماعي والقلق الاجتماعي؛ كلاهما قد ينطوي على انسحاب اجتماعي ومخاوف بشأن تقييم الآخرين، ولكن الفارق الجوهري هو أنه في اضطراب الشخصية المُرتابة هناك تصور لضرر مخطط من قبل الآخرين الحاقدين، وليس مجرد الانشغال بالأحداث السلبية في المستقبل أو التعرض للتدقيق العام، كما تشير إحدى الدراسات إلى أن أكثر من نصف المصابين باضطراب الشخصية المُرتابة يعانون أيضًا من اضطراب الهلع.

المراضة المشتركة مع الاكتئاب

هناك علاقة معقدة بين المزاج والتفكير بارتياب. قد تظهر الاضطرابات الاكتئابية مصحوبة بأعراض الريبة والشك، إلا السيرة المرضية الدقيقة للمريض سوف تميز اضطراب الشخصية المرتابة في حالة وجوده، وفي حالة وجود أعراض وعلامات واضحة لمرض اكتئابي يجب معالجة هذه الأعراض قبل أن يتم تشخيص اضطراب الشخصية المُرتابة بأي ثقة؛ لأنه ربما يكون الشك والارتياب سببه الاكتئاب وليس اضطراب الشخصية المرتابة.

علاج اضطراب الشخصية المرتابة

غالبًا لا يسعى الأشخاص المصابون إلى العلاج بمفردهم لأنهم لا يرون أنفسهم على أنهم يعانون من مشكلة، أمّا عندما يُطلب العلاج فإن العلاج النفسي اللذي يمثل شكل من أشكال الاستشارة هو العلاج المفضل.
من المحتمل أن يركز العلاج على زيادة مهارات التأقلم العامة، وكذلك على تحسين التفاعل الاجتماعي والتواصل واحترام الذات.

نظرًا لأن الثقة عامل مهم في علاج هذا الاضطراب تحديدًا فإن العلاج يمثل تحديًا نظرًا لأن الأشخاص المصابون لا يثقون بالآخرين. نتيجة لذلك لا يتبع العديد من الأشخاص خطة العلاج الخاصة بهم.

لا يعتبر الدواء عمومًا محورًا رئيسيًا لعلاج هذا الاضطراب، ومع ذلك يمكن وصف الأدوية مثل مضادات القلق أو مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للذهان إذا كانت أعراض الشخص شديدة أو إذا كان يعاني أيضًا من مشكلة نفسية مرتبطة بها مثل القلق أو الاكتئاب.

على الرغم من أنه لا يمكن الشفاء من هذا الاضطراب؛ إلا أن العلاج قد يسمح للشخص المعرض لهذا الاضطراب بتعلم طرق أكثر إنتاجية للتعامل مع المواقف، ويكون قادر على الزواج وشغل وظيفة.

مصادر
1. webmd.com
2. clevelandclinic.org
3. healthline.com
4 .mayoclinic.org
5. psychologytoday.com
6. cambridge.org

ما هي الاضطرابات التفارقية؟

ما هو التفارق؟ وما هي الاضطرابات التفارقية؟

«التفارق-dissociation» هو شعور الشخص بانفصاله عن تجربته الحسيّة أو أفكاره أو إحساسه بالهوية أو تاريخه الشخصي.
يتسبب التفارق في تشويش أربع مناطق للأداء الشخصي التي عادة ما تعمل سويًا بسلاسة وبشكل تلقائي:

  • الهوية
  • الإدراك
  • الذاكرة
  • الوعي بالذات والمحيط


حدوث أي انقطاع أو خلل في ذلك النظام من الوظائف التلقائية يؤدي إلى ظهور أعراض التفارق. (1)

«الاضطرابات التفارقية-dissociative disorders» هي الاضطرابات الناتجة عن اختبار شعور التفارق والتي تتضمن مشاكل في الذاكرة أو الهوية أو العاطفة أو الإدراك أو السلوك. تختلف أعراض الاضطرابات التفارقية حسب نوع الاضطراب. (2)

حسب المراجعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) تنقسم الاضطرابات التفارقية إلى ثلاث أنواع رئيسية:

«فقدان الذاكرة التفارقي-dissociative amnesia»

تتضمن أهم أعراضها عدم القدرة على تذكر المعلومات الشخصية وهذا يختلف عن النسيان الطبيعي للأشياء، ففي فقدان الذاكرة التفارقي يوجد صعوبة واضحة في التذكر أو عدم التذكر بشكل كلي معلومات شخصية أو أحداث حدثت في الماضي.

يمكن لفقدان الذاكرة التفارقي أن يكون:

  • موضعي: عدم القدرة على تذكر حدث أو فترة زمنية معينة (الأكثر شيوعًا).
  • انتقائي: عدم القدرة على تذكر جانب معين من حدث أو بعض الأحداث خلال فترة زمنية محددة.
  • معمم: فقدان كامل للهوية والتاريخ الشخصي (نادر).

عادةً ما يرتبط فقدان الذاكرة التفارقي بتجارب صادمة سابقة في فترة الطفولة، فتكون المعلومات المنسية مرتبطة بشكل كبير بأحداث مأساوية سابقة ومشاعر مؤلمة.

«اضطراب الهوية التفارقي- dissociative identity disorder»

عرف سابقًا ب «اضطراب تعدد الشخصيات-multiple personality disorder». يتميز هذا الاضطراب بالتحول بين عدة هويات بديلة، أي وجود عدة هويات مختلفة داخل نفس الشخص. يكون لكل هوية اسم فريد وتاريخ شخصي وخصائص فريدة عن الهوية الأخرى، شاملة اختلافات واضحة في نبرة الصوت والجنس والسلوكيات وحتى الصفات الجسدية مثل الحاجة إلى النظارات. هناك أيضًا اختلافات في مدى معرفة كل هوية بالآخرين. (3)

تتضمن الأعراض ما يلي:

  • وجود هويتين مميزتين أو أكثر (أو “حالات شخصية”) يمكن ملاحظتها وملاحظة التبديل بينها من قبل الآخرين أو حتى من قبل الفرد نفسه.
  • فجوات مستمرة في الذاكرة حول الأحداث اليومية والمعلومات الشخصية أو الأحداث الصادمة الماضية.
  • تتسبب الأعراض في عوائق كبيرة في حياة الفرد الاجتماعية أو المهنية أو مجالات الحياة الأخرى المتعلقة بأداء الفرد.

«اضطراب الاغتراب عن الواقع-تبدد الشخصية – derealization-depersonalization disorder»

يتكون هذا الاضطراب من شقين:

«الاغتراب عن الواقع-derealization»

يتضمن هذا الاضطراب الشعور بالانفصال عن الآخرين وأن الأشياء المحيطة يحومها الضباب كالحلم، وقد يتضمن أيضًا الشعور بتباطؤ الوقت أو تسارعه وأن العالم يبدو غير واقعي.

تشمل الأعراض:

  • شعور بالاغتراب عن البيئة المحيطة أو عدم الألفة بها — كأن تشعر على سبيل المثال بأنك في فيلم أو حلم.
  • الانفصال العاطفي عن الأشخاص المهمين بحياتك، كما لو أنه يفصلك جدار زجاجي عنهم.
  • شعور المريض بتشوش البيئة المحيطة به أو عدم وضوحها أو انعدام الألوان بها أو بأنها ثنائية الأبعاد أو زائفة أو على جانب آخر فرط الوعي بهذه البيئة ووضوحها له.
  • تشوش في إدراك الزمن، كالشعور بأن الأحداث التي جرت مؤخرًا من الماضي البعيد.
  • تشوش في تقدير مسافة الأجسام وحجمها وشكلها.

«تبدد الشخصية-depersonalization»

يتضمن هذا الاضطراب إحساسًا مستمرًا أو عرضيًا بالانفصال عن النفس كأنك تراقب نفسك وأفعالك ومشاعرك وأفكارك من مسافة كما لو كنت تشاهد فيلمًا.

تشمل الأعراض:

  • الشعور بأنك مراقب خارجي لأفكارك ومشاعرك وجسمك أو أجزاءٍ منه — تشعر بأنك تطفو في الهواء فوق نفسك على سبيل المثال.
  • الشعور بأنك إنسان آلي وفقدت القدرة على التحكم في كلامك وحركاتك.
  • تشعر بأن جسمك وساقيك وذراعيك في حالة تشوه أو تضخم أو تقلص، أو أن رأسك مغلف بالقطن.
  • التخدير العاطفي أو البدني لحواسك أو استجاباتك للعالم حولك.
  • الشعور بفقد العاطفة في ذكرياتك، وأنها قد تكون ذكرياتك الخاصة أو لا.

الأسباب

عادةً ما تتطور الاضطرابات التفارقية كطريقة للتعامل مع الصدمة. غالبًا ما تتشكل الاضطرابات لدى الأطفال الذين يتعرضون لاعتداء جسدي أو جنسي أو عاطفي طويل الأمد أو في بعض الأحيان في بيئة منزلية مخيفة. يمكن أن تؤدي ضغوط الحرب أو الكوارث الطبيعية أيضًا إلى الاضطرابات التفارقية.

العلاج

العلاج الرئيسي للاضطرابات التفارقية هو العلاج النفسي ويسمى أيضًا بالعلاج الاستشاري أو العلاج بالحوار. والهدف هو السيطرة على الأعراض حتى تخف أو تختفي. يتضمن هذان العلاجان النفسيان العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الديناميكي النفسي.

مصادر

1 verywellmind
2 American psychiatric association
3 mayo clinic

ما هو اضطراب طيف التوحد ؟

يعد «اضطراب طيف التوحد -Autism spectrum disorder» من الاضطرابات العصبية التطورية. وتتميز تلك الاضطرابات بمجال واسع من أعراض واعتلالات تظهر في سن مبكرة من مرحلة الطفولة وتستمر مدى الحياة. ومن بينها صعوبات في التعلم والتواصل الاجتماعي وغلبة الأنماط الحركية والكلامية المتكررة إضافة إلى السلوك العدواني في بعض الحالات.

تبعًا لمنظمة الصحة العالمية فإن اضطراب طيف التوحد في مرحلة نمو مستمر بمعدل انتشار عالمي وصل إلى مريض واحد من كل 160 طفل مع شيوع أكبر بأربع إلى خمس مرات لدى الذكور منه لدى الإناث.

تأثير اضطراب طيف التوحد على الدماغ

تمت دراسة التغيرات البنيوية والوظيفية الطارئة على بنية الدماغ لدى مرضى التوحد وذلك باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي (MRI) التي تعد من أكثر التقنيات المستخدمة في هذا المجال.

أظهرت التحاليل أنّ لدى الأطفال ما بين السنتين والخمس سنوات تطورًا غير طبيعي في تلافيف الفصين الجبهي والصدغي (الجانبي) للدماغ وكميةً أقل من المادتين الرمادية والبيضاء وحجمًا أقل للجسم اللوزي، وذلك بالمقارنة مع الأطفال السليمين من هذا الاضطراب. وفي مقارنة أخرى باستخدام الرنين المغناطيسي ثلاثي الأبعاد (3D MRI) لوحظ ازدياد في حجمي المخ والجسم اللوزي لدى الأطفال المصابين من عمر الثلاثة إلى أربع سنوات مقارنة بالأطفال السليمين من نفس العمر. (1)

تشخيص اضطراب التوحد

شهد العقد الماضي تقدمًا ملحوظًا في مجال تشخيص الاضطراب من حيث تطوير الفحوصات الكاشفة والأدوات اللازمة لها، كما تعمّق فهم العلماء في التباين الكبير للأعراض والأنماط السلوكية بين المرضى.

يتصف تشخيص مرض التوحد بالصعوبة ذلك لأنّ الطفل قد يقوم بسلوكيات معينة ناتجة عن عوامل غير مرتبطة بالاضطراب،مثل العمر والإدراك المعرفي المرتبط بالبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الطفل.

في أعمار معينة قد ترتبط بعض الخصائص المعروفة في التوحد باضطرابات مختلفة لذلك يتطلب إجراء التشخيص فحوص دقيقة ومنتقاة بعناية يقوم بها أخصائيين على مستوى عالي من الاحترافية وينبغي لهذه الفحوص أن تؤمن معلومات دقيقة حول مقدرات الطفل وأدائه الوظيفي العام في كل من المجالات اللغوية والمجالات غير لغوية وبالتالي توفير نقطة انطلاق حاسمة للطبيب لتحقيق أفضل النتائج الممكنة. من المهم جدًا الفصل بين تقييمات المهارات اللغوية والمهارات غير اللغوية فالعديد من الأطفال المصابين بالتوحد قد يظهرون مهارات حركية غير متوقعة إذا ما نظرنا إلى أنماطهم اللغوية المتكررة وطريقة لعبهم بالمقارنة مع أقرانهم غير المصابين.(2)

العوامل المسببة للاضطراب

لايوجد في الوقت الرهن تفسير شامل لاضطراب طيف التوحد إلا أن الدراسات الحالية ترجع الاضطراب لأسباب بيئية ووراثية، وفي دراسة مؤخرة أجريت على مرضى يابانيين اكتشف العلماء طفرتين في موقعين مختلفين من جين(DAB1) المسؤول عن إنتاج بروتين داخل خلوي يلعب دورًا أساسيًا في عمليات التموضع العصبي الصحيح والتشكل الطبقي الخلوي أثناء تطور الدماغ بالإضافة إلى دوره في وظائف التشابك العصبي والتعلم والذاكرة في دماغ البالغ.

لا يمكن اعتماد نتائج هذه الدراسة كتفسير نهائي للاضطراب. فلا بدّ من زيادة حجم العينة المدروسة لتحقيق تقييم أكثر شمولية للجين (DAB1) والجينات المتعلقة به. (3)

علاج اضطراب التوحد

للأسف لا يوجد حتى الآن أي علاج فعال وجذري لاضطراب طيف التوحد. فالطرق العلاجية الحالية والتدخلات الطبية المدروسة كلها تسعى إلى تخفيف الأعراض المعيقة وتطوير القدرات الإدراكية والمهارات الحياتية اليومية للطفل المصاب. فاكتساب مهارات اجتماعية تساعده في الاندماج والمشاركة الفاعلة في مجتمعه المحيط.

يؤثر اضطراب طيف التوحد على شخصية كل مصاب بشكل قد يختلف كثيرًا عن المصابين الآخرين فيكون لكل طفل قدراته و مشكلاته الخاصة في السلوك والتواصل والإدراك، وهذا ما يتطلب خططًا علاجية تشترك بها عائلة المريض مع الطبيب المعالج لتلبية الاحتياجات الخاصة للطفل المصاب لتحقيق أفضل نتائج ممكنة. تركز الخطط العلاجية بشكل أساسي على العلاج النفسي والسلوكي، وقد يلجأ الطبيب إلى العلاج الدوائي للتخفيف من أعراض القلق والاكتئاب ورفع مستويات الطاقة والقدرة على التركيز. بالنسبة للأطفال الأكبر عمرًا والبالغين فهناك جهود تبذَل لتطوير خطط علاجية مناسبة لهم، ذلك لأنّ الخطط الحالية وللأسف لاتحقق نتائج فعالة بالنسبة لهذه الفئة من المصابين.(4)

في الآونة الأخيرة تزايد الوعي الشعبي حول هذا الاضطراب وعواقبه، وبات المجتمع العربي أكثر تقبلًا لشريحة المصابين به، وتزايد عدد الجمعيات والجهات المعنية بحماية حقوقهم ومساعدتهم في الاعتماد على أنفسهم ليصبحوا أعضاء فاعلين ومؤثرين في مجتمعاتهم.

المصادر

1_ nature
2_ ncbi
3_ nature
4_ cdc



ما هي حقيقة متلازمة الخرف ؟

تخيل نفسك في المكان الذي لطالما عشت فيه، محاط من كل جانب بالفوضى، منعزل وكأنك الوحيد الموجود على هذه الأرض، لست يائسًا ولا حزينًا فحياتك مثالية بخلاف ما يراه الأخرون من حولك، المكان حيث تتواجد يشير لرغبة جامحة تجبرك على جمع كل ما تطاله يدك، من المؤسف إخبارك بإنك في حضرة متلازمة ديوجين، سميت باسم الفيلسوف اليوناني ديوجينيس سينوب، ويطلق عليها عدة أسماء أخرى تشمل: متلازمة الخرف الاجتماعي أو متلازمة الخلل الاجتماعي الحاد، ومتلازمة الإهمال الذاتي، ومتلازمة فوضى المنزل.

«متلازمة ديوجين-Diogenes syndrome»:

هي اضطراب سلوكي يصيب البالغين من الرجال والنساء، يحدث عادة في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، ولكن هناك حالات تم تشخيصها في منتصف العمر.

تشير الأبحاث إلى أن هذا الاضطراب أكثر شيوعًا بين الأشخاص ذوي الذكاء المتوسط، حوالي 0.05 في المئة من الناس الذين تجاوزوا 60 عامًا والذين يعيشون بمفردهم، يعانون من ديوجين، وتبعًا للأبحاث أن الخرف قد يكون موجودًا في 15٪ من المصابين، ولكنه ليس هو السبب الوحيد.

لمتلازمة ديوجين نوعان:

متلازمة ديوجين الأولية: يتم تشخيصها في حالة نفي وجود أي مرض عقلي أخر.
متلازمة ديوجين الثانوية: تكون نتيجة لمتلازمة أخرى من اضطرابات الصحة العقلية.
نسبة الإصابة في الأولية والثانوية تمثل ما يقرب من 50 في المئة.

ما هي أعراض هذه المتلازمة؟

تظهر الأعراض عادة مع مرور الوقت، وغالبا ما تشمل الأعراض المبكرة الانسحاب من الحياة الاجتماعية وتجنب الآخرين حيث يميل هؤلاء المرضى للعزلة الشديدة، ويتميزون أيضًا بالاكتناز المفرط أو جمع الأدوات المنزلية والنفايات، والإهمال الشديد لأنفسهم ولما يحيط بهم، مما يؤدي إلى سوء النظافة، في مثل هذه الحالات تزيد احتمالية الإصابة ببعض الأمراض مثل: الالتهاب الرئوي، و«التهاب الجلد passivata»، أو التعرض لحوادث مثل: السقوط والحرائق.

مريض مصاب بمتلازمة ديوجين يميل للعزلة الشديدة، والاكتناز المفرط أو جمع الأدوات المنزلية والنفايات، والإهمال الشديد لنفسه ولما يحيط به

قد يُظهر المرضى سوء التقدير إضافةً لسلوكيات غير مناسبة.
من المؤسف أن هؤلاء المرضى غير مدركين تمامًا لوضعهم الصحي، ولا يشعرون بالخجل من عاداتهم، كما يرفضون الدعم ومد يد العون لهم.

هل لمتلازمة ديوجين ارتباط بالأمراض العقلية الأخرى؟!

الإجابة نعم، غالبًا ما ترتبط هذه المتلازمة بالأمراض العقلية والتي تشمل:
انفصام فى الشخصية، و«اضطراب الوسواس القهري-obsessive-compulsive disorder»، والكآبة،  والإدمان على الكحول، بعض الناس لديهم أعراض ذهانية أو سمات شخصية حادة قد تكون علامات على اضطراب الشخصية.

هل من عوامل خطر تؤدي للإصابة بهذه المتلازمة:

في كثير من الأحيان تكون حادثة معينة هي السبب في ظهور الأعراض، مثل: وفاة الزوج أو غيره من الأقارب أو التقاعد أو الطلاق، هناك بعض الحالات الطبية التي قد تؤدي إلى ظهور الأعراض، منها: السكتة الدماغية، أو فقدان الحركة بسبب التهاب المفاصل أو كسر العظام، أو فشل القلب الاحتقاني، أو مرض عقلي، أو مشاكل في الرؤية، أو كآبة، أو تعاطي المخدرات.

على ماذا يعتمد تشخيص هذه المتلازمة:

نادراً ما يتواصل الأشخاص المصابون بمتلازمة ديوجين للحصول على المساعدة، ولكن الأشيع هو تواصل أحد أفراد العائلة للحصول على المساعدة نيابة عن الشخص المريض، وقد يأتي التشخيص نتيجة لشكاوى الجيران، ومن أجل التشخيص الصحيح يبحث الطبيب عن أدلة في تاريخ الشخص السلوكي والاجتماعي.
إن الفحص البدني واختبارات تصوير الدماغ، مثل: التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي المحوسب، يساعد الطبيب في اختيار العلاج الأفضل.

هل من علاج لهذه المتلازمة:

قد يكون من الصعب علاج هذه المتلازمة عند بعض المرضى، ولكن الرعاية المستمرة مهمة إذ أنهم معرضين لخطر الإصابة بمرض أو حادث يهدد حياتهم.
أخصائي اجتماعي قد يكون قادر على المساعدة في مثل هذه الحالة، خاصةً إذا كان الفرد لديه تاريخ من الشكاوى من قبل الجيران أو غيرهم.
الأدوية المستخدمة لعلاج القلق أو اضطراب الوسواس القهري أو الاكتئاب أو الذهان أيضًا قد تجدي نفعًا.

متلازمة ديوجين ليست مرض!

حسب الأبحاث لا تصنف متلازمة الديوجين كمرض، إذ هناك تشخيصات أخرى كثيرة تشمل مثل هذه الأعراض، منها: الاكتناز القهري، والانفصام فى الشخصية، والكثير غيرهم.

المصادر:

medicalnewstoday

healthline

Exit mobile version