مدخل إلى الأخلاقيات في العمل

ما هي الأخلاقيات؟

تشكّل الأخلاقيات أساساً لعمليات اتّخاذ القرار سواءاً في الحياة اليومية أو في الأعمال. فسيرة الإنسان تحددها مجموعة قراراته، الصغير منها والكبير. وتأخذ عملية اتخاذ القرار شكل السلسلة -كما في لعبة كانسة الألغام-، حيث يفتح كل قرار الباب لمجموعة أخرى من القرارات، وهذا يعني أن قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن ما هو صائب وما هو خاطئ هي الحد الفاصل بين حياة ناجحة وحياة أقل نجاحاً.

وتوفّر الأخلاق مجموعة من معايير السلوك التي تساعدنا على تحديد التصرّف المناسب للمواقف وأبعاد تصرّفاتنا على حيوات الآخرين. فالأخلاق على اختلاف مناهجها هي الأساس الذي نأخذ به في عملية صنع القرار، وهي التي توفّر لنا الأسباب والحجّة لاتّخاذ أحد القرارات دون غيره [1].

يتقاطع هدف الأخلاق مع هدف القانون، وأيضاً مع هدف الدين بشكل جزئي في أن الثلاثة يوفّرون إجابات عن أسئلة كيفية العيش مع الآخرين. لكن بالرغم من أن العديد من الأديان تشجّع اتخاذ القرارات الأخلاقية إلا أنها لا تعالج النطاق الكامل للخيارات الأخلاقية التي نواجهها. وقد يخيّل لنا أن القانون بدوره أيضاً يوفّر أرضية مرجعية للأخلاق إلا أن القانون يُبنى بمبادئ توجيهية عالمية، وغير قادر على الاستجابة للسياقات الفردية -جميع المواقف التي نجد أنفسنا إزائها في حياتنا الفردية-. فضلاً عن أن القانون بطيء في معالجة المشاكل. ويواجه صعوبة في تصميم وتطبيق المعايير الأخلاقية في بعض المجالات الهامة [1].

كما أن الإنسان في سياق حياته اليومية قد يقع في فخ اعتبار أن الأخلاق واحدة. فيخلط الأخلاق بعضها ببعض، كما قد يخلط بين الطرق والأساليب لتنفيذ القرارات الأخلاقية والقرارات الأخلاقية ذاتها. ويمكن أن يفيد الوعي بالمغالطات المنطقية في الحد من هذا الخلط. حيث يعتمد القرار الأخلاقي على قيم معينة تتعلق بالجدارة والثقة، والاحترام، والمسؤولية، والإنصاف، والرعاية والمواطنة الصالحة. وتولّد القرارات الأخلاقية سلوكيات أخلاقية بدورها، وتوفّر أساساً نظرياً للأخلاقيات في العمل [2].

أهمية أخلاقيات العمل

تأتي أهمية الأخلاق في العمل على أساس المسؤولية المشتركة للعاملين، وذلك في ثلاثة مواضيع [2]:

  • الحفاظ على ثقة الجمهور.
  • إنفاق واستخدام الموارد بالطريقة المُثلى.
  • المسؤولية أمام أصحاب المصلحة من مانحين ووكالات تمويل وطلاب وأولياء أمور.. الخ.

ومن الممكن توزيع القيم الأخلاقية الأساسية في عالم الأعمال إلى مجموعة القيم التالية [2]:

  1. الجدارة بالثقة: افعل ماستقول أنك ستفعله. تصرّف بنزاهة، واوف بالوعود، واجعل أفعالك تتسق مع أقوالك. كن مخلصاً لمن لم يكن حاضراً، وحافظ على السمعة الطيّبة.
  2. الاحترام: معاملة الآخرين بأفضل مما يعاملوك. كُن منفتحاً ومتسامحاً مع الخلافات، وراعِ الآخرين وهذّب تدخّلاتك، وتعامل بسلام، وعامل الآخرين بالطريقة التي يريدون أن يُعاملوا بها.
  3. المسؤولية والإنصاف: افعل ما هو متوقّع منك فعله وتحرّى العدالة في سلوكك وأحكامك. وحافظ على الانضباط الذاتي، وفكر مليّاً قبل الفعل، وتحمّل مسؤولية أفعالك، ولا تتحيّز، واسمع للآخرين.
  4. الرعاية: أظهر اهتمامك وعبّر عن امتنانك، واغفر للآخرين، وساعد من يحتاجك.
  5. المواطنة: لتكن عضواً فاعلاً، تعاون مع زملائك في العمل، وشارك معلوماتك، وابق على اطلاع، وأحسن للجوار. التزم بالقانون، واسعى للصالح العام.

وتقوم الكثير من المؤسسات والشركات بصناعة مدوّنة سلوك يوقّع عليها الموظف حال التحاقه بالوظيفة. ومدونة السلوك هي إحدى طرق التحدث بوضوح ومشاركة الأخلاقيات المهنية. تشمل أيضاً مشاركة العواقب التأديبية التي تلزم خرق مدوّنة السلوك هذه، غير أنه ثمة مدوّنات أخلاقية أخرى تتعلّق بحساسية وطبيعة مهن معيّنة مثل قسم أبقراط في المجال الطبّي. والمدوّنة الأخلاقية أو ما تسمّى بمدوّنة السلوك تهدف بشكل عام إلى منع الفساد، والحفاظ على أداء صحيح، ومشرّف، ولائق ويمنع تضارب المصالح [3].

بحث في أساس أخلاقيات العمل

إذا ما وضعنا الأخلاق تحت المجهر سنجد أنه لا وجود لنهج أخلاقي واحد مثالي وكافي. وإنما هناك مناهج أخلاقية متنوّعة قد تشترك في نواحي وتتباين من نواحي أخرى. وهي تعمل إلى جانب بعضها البعض بحسب إملاءات سياق اتخاذ القرار، وبحسب ميولات المشاركين في عملية صنع القرار. ومعرفتنا لهذه الأنواع الأخلاقية تزيد من قدرتنا -كصنّاع قرار- على الحوار مع الآخر، و تحسّن من القدرة على تفّهم منطلقاته النظرية. مما يجعلنا نهتدي إلى القرارات الصائبة دون إلحاق الضرر بعملية التواصل والحفاظ على بيئة عمل تعاونية.

أولاً) منهج الصالح العام وتاريخه

من الممكن أن يكون الكذب فعل أخلاقي عند التركيز على العواقب.

أصل هذه النهج الفيلسوف اليوناني أبيقور «270-347 D.C» مؤسس الفلسفة الأبيقورية. والتي ذهبت إلى أن المتعة هي القيمة الجوهرية للإنسان، أما باقي الأمور هي مجرد طرق لتأمين هذه المتعة.

خضعت هذه الأخلاق إلى تطوير على يد الفيلسوف البريطاني جيريمي بينثام «1748-1832». حيث صنّف في نظامه الأخلاقي الأفعال الجيدة تبعاً لمقدار ما تجلبه من متعة، وتحجبه من ألم، وذلك لمجموعات من الناس وليس للفرد الواحد نفسه. وذهب بعدها جون ستيورات ميل «1806-1873» إلى أن الأمر ليس حكراً على المتعة المادية فقط، بل بمقدار ما يجلب سلوكنا من سعادة للكم الأكبر من الناس. ومنهج “الصالح العام في الأخلاق” مستمد من هذا النوع، وتبلور بشكل خاص مع أفلاطون «347-427 ق.م» وأرسطو «322-384 ق.م». ودعمه فلسفة جان جاك روسو «1712-1778»، حيث يتحدد الفعل الجيد بحسب هؤلاء الفلاسفة بقدر ما يساهم في الحياة المجتمعية الأخلاقية، ويؤكد هذا النهج على الاحترام والتعاطف مع الآخرين ويأخذ ويسترشد بالإرادة العامة. [2]

ثانياً) منهج الواجب وتاريخه: التركيز على الواجبات والالتزامات

الكذب غير أخلاقي، بغض النظر عن العواقب.

يعود أصل المنهج الفعلي إلى كانط «1724-1804»، إلا أن بعض الفلسفات الدينية تعرّضت له بشكل غير مباشر، مثل أعمال القديس أوغسطين «350-430». ويشدد هذا النهج على أهمية الإرادة الشخصية والنية في اتخاذ القرار الأخلاقي. وعند كانط لا يتعلق فعل الصواب بعواقب أفعالنا، فهي أشياء لا سيطرة لنا عليها في النهاية. بل الصواب متعلق بالنوايا السليمة، والنابعة من حتمية الواجب الإنساني الذي يتلخّص بالتالي: “تصرف بطريقة تعامل الإنسانية، سواء في شخصك، أو في شخص آخر. ودائما كغاية لا كوسيلة حتى النهاية”.

ويندرج قانون حامورابي الذي ينص على وجوب معاملة الأحرار على حد سواء، والعبيد على حد سواء، وبدون الاهتمام بالعواقب ضمن هذا النهج. كما تندرج الأخلاقيات الدينية المستمدة من الأمر الإلهي ضمن هذا النهج أيضاً. فالمعيار الأخلاقي بحسب الأخلاقيات الدينية هو ما يقرّه الله في شرعه وما يلزم أتباعه به، دون أن يلزَم الله بمعيار معين للصواب والخطأ [2].

ثالثاً) منهج الفضيلة وتاريخه: التركيز على الشخصية التي يجب أن نكونها

من يكذب، يمكن أن يقوم بأي فعل آخر غير أخلاقي، وهذا الشخص ليس فاضلاً.

ليس لهذا المنهج أصل معيّن إلا أن له شعبية في حضارات شرق آسيا، ويظهر في تعاليم كونفوشيوس «551-479 ق.م». حيث يؤكد كونفوشيوس على أن الخلوق هو الذي يتصرف بذكاء وبطريقة مناسبة في مجموعة متنوعة من المواقف. والأخلاق حسب منهج الفضيلة لا ترتبط بسلوك معين يقوم به الشخص في موقف معين، بل هي سمت لهذا الشخص. ويجب أن تتجسّد الفضائل الإنسانية المُثلى في حياته ككل، ووفق هذا الإطار يعمل منهج الفضيلة. وحسب أفكار كونفوشيوس؛ فإن أخلاق الفضيلة تُعلّم بالقدوة، وعملية التدريب والتعليم الأخلاقي هي أمر جاد وملزَم [2].

ثلاثة أطر لأخلاقيات العمل

تتطلب عملية اتخاذ قرارات أخلاقية جيّدة حساسية مدرّبة، وطريقة في موازنة الاعتبارات التي يجب أن تؤثر على اختيارنا لمسار العمل. حيث تشكّل عملية اتخاذ القرار بطريقة أخلاقية منتظمة “حدساً أخلاقياً”. هذا الحدس سيمكّننا من التقرير الأخلاقي التلقائي. ويشبه هذا الأمر العزف على البيانو و قيادة السيّارة. وبما أنه لا يوجد نظرية أخلاقية مثالية تصح في كافة السياقات، فمن الضروري التفكير وفق ثلاثة أطر:

مصدر: https://www.brown.edu/academics/science-and-technology-studies/framework-making-ethical-decisions

والملاحظ أن الأسئلة الأخلاقية في كل إطار غير متعارضة، إلا أنه يمكن استخدام كل إطار بهدف تحقيق بعض التقدم في تقديم إجابات لأنفسنا وللآخرين. ففي كثير من الحالات، قد تؤدي الأطر الثلاثة إلى استنتاجات متشابهة حول ما يجب فعله. إلا أن الأطر المختلفة قد تعطي أسباب مختلفة للوصول إلى هذه الاستنتاجات.
ومن الخطوات التي تمر بها عملية التقرير هي [1]:

  • تحديد الجوانب الأخلاقية للمسألة المطروحة.
  • الأخذ بالاعتبار جميع مصالح الأطراف المعنية.
  • جمع كل المعلومات ذات الصلة.
  • صياغة الإجراءات والنظر في البدائل عن طريق الأسئلة التالية:
    • نفعي أوّلي: ما الإجراء الذي سينتج أكثر فائدة وأقل ضرراً؟
    • واجبي حقوقي: ما الإجراء الذي يحترم حقوق كل من له مصلحة؟
    • واجبي تحرّي العدالة: ما الإجراء الذي يعامل الناس على قدم المساواة؟
    • نفعي ثانوي: ما الإجراء الذي يخدم المجتمع ككل، لا بعض الأعضاء فقط؟
    • فضائلي: ما الإجراء الذي يقودني إلى التصرف كنوع الشخص الذي يجب أن أكونه؟
  • بعد صياغة الإجراءات يتم اتخاذ القرار.
  • معاينة النتائج وتقييمها والتفكّر فيما إذا كان من الممكن تغيير شيء ما لتحسين النتيجة.

الأخلاقيات الشخصية في مقابل الأدوار في العمل

ترتكز مرجعياتنا الأخلاقية على أحد المناهج الأخلاقية السابقة (منهج النفعية والصالح العام، أو منهج الواجب، أو منهج الفضيلة). إلا أننا قد نشهد تعارضاً بين أدوارنا في العمل وبين ما تمليه عليه أخلاقياتنا الشخصية. فكل مهنة تلعب دوراً في المجتمع وتتطلب ممارسات متخصصة للوصول إلى الأهداف المهنية. لكن في الوقت ذاته، قد نكون أمام مواقف مثيرة للجدل، وإليكم مثالاً عن هذه المواقف [3].

توصيف الحالة: لدى منظّمة خيريّة هدف الحصول على طعام لمنطقة تعاني من مجاعة، وتعيّن عليها اختيار أشخاص لتلبية أدوار مختلفة في توصيل الطعام. من هؤلاء المختارين موظّف لديه شاحنات لنقل الطعام من المخزن إلى الأشخاص المحتاجين. ويتّضح أن هذا الشخص منخرط في أنواع غير قانونية من الأنشطة مثل الابتزاز. وله سوابق في استخدام المال الذي يوفّره له صاحب المصلحة (المنظمة في حالتنا هذه)، وذلك في أغراض غير قانونية. وهذه الممارسات تتسبب في حصول تهديدات وأضرار فعلية لأشخاص آخرين. غير أن ثمة حاجة لهذه الشاحنات ولا توجد وسيلة نقل أخرى متاحة.

التعارض الأخلاقي: إعطاء الأعمال إلى مجرم هو دعم غير مباشر للأنشطة الإجرامية.
كيفية الحل: يمكن للموظف حل المأزق عن طريق استراتيجية لوبان المؤلفة من أربع خطوات [4]:

  1. أن يكون الفرد قادراً على تبرير المؤسسة الاجتماعية ذات الصلة بناء على الصالح الأخلاقي الذي تقوم به.
  2. تبرير دوره المهني بناءاً على هيكل المؤسسة.
  3. تبرير الالتزام بدور خاص -والذي يعتبر قيد البحث- من خلال توضيح أن السلوك المطلوب ضروري لذلك الدور.
  4. تبرير الفعل الذي يتطلّبه الدور من خلال توضيح أن الالتزامات بالدور تتطلّب هذا الفعل.

وإذ كان هناك ترابطاً في الإجابات؛ يكون من الواجب القيام بالفعل، وإن تعارض مع الأخلاقيات الشخصية. وهذه الخطوات عبارة عن إطار إرشادي فقط يوفر مساءلة نقدية لدورنا المهني. وعليه؛ قد يجد الموظّف المسؤول عن التعاقد مع موظف الشاحنات؛ أنه لا ينبغي أداء المتطلّب المهني هذا.

مثلاً: إذا توفّرت شاحنات أخرى لكن الحصول عليها يستلزم جهد إضافي، فلا يوجد حينها خطأ في اتباع الخطوتين 1و 3. لكن الخطوة 4 ستكون غير ممكنة حيث التزامات الدور تفترض هذه المهمة. وهنا نجد أن التعارض بين الأخلاقيات المهنية والشخصية تعارض وهمي.

مغالطات أخلاقية

تؤدي اللامبالاة بعملية اتخاذ القرار، أو عدم توافر الوعي الأخلاقي عند من يقوم باتخاذ القرار إلى مجموعة من المغالطات، نذكر منها [2]:

  1. هذا ضروري إذن هو أخلاقي: حيث ليس كل ما هو ضروري هو أخلاقي.
  2. فخ الضرورة الزائف: قد نبالغ في تقدير تكلفة القيام بالشيء الصحيح، ونصوّب تفكيرنا تجاه تنفيذ الأمر بأي وسيلة ممكنة. وعلينا أن نستحضر هنا أن الضرورة تفسير وليست حقيقة.
  3. إذا كان الأمر قانونياً وجائزاً، إذن هو مناسب: ليس كل ما هو قانوني أخلاقي بالضرورة. حيث أن ما هو متاح فعله حسب اللوائح القانونية، لا يعفينا من مهمة أن تكون لنا أخلاق شخصية.
  4. إنها مجرد جزء من الوظيفة: كون الفعل جزء من الوظيفة لا يعني أن الفعل أخلاقي بالضرورة أو يصح في كافة السياقات. فالأشخاص الواعون يشعرون أنهم مبررون للقيام بأشياء في العمل يعرفون أنها خاطئة في سياقات أخرى.
  5. كنت أفعل ذلك من أجلك فقط: هذا التبرير يضع قيمتي الصدق والاحترام مقابل قيمة الاهتمام. كما يبالغ في تقدير رغبة الآخرين في الحماية من الحقيقة، وهو التبرير الأساسي للكذبة البيضاء.
  6. الجميع يفعل ذلك: لا يمكن أن نأمن لأرقام الجموع التي تفعل أمر ما للتدليل على صحّته أخلاقيًا. وتنطوي هذه المغالطة على خلط بين السلوكيات، والعادات الثقافية، والتنظيمية، والمهنية والمعايير الأخلاقية.
  7. حان الوقت: حيث يشعر من هو مرهق أو يتقاضى راتب منخفض أن الوقت حان لبعض الامتيازات البسيطة. ويعتبرها تعويض عادل لقاء خدماته المقدّمة. ومنها قبول الإكراميات، واساءة استخدام الإجازة المرضية، والاستخدام الشخصي للوازم المكتبية، إلخ.
  8. أنا فقط أحارب النار بالنار: وهذا افتراض خاطئ. يُبنى على أساس ردة الفعل، فلا أخلاقية الشخص الآخر معي يعني أن سلوكي غير الأخلاقي معه مبرر بدوره. وهذا الأمر يعرّض نزاهتك للخطر.

في الوقت الذي نلعن به الظلام، لابد أن نشعل شمعة. وكما تعج أعمالنا اليومية بمواقف تتطلّب منا اتخاذ قرارات صائبة، من المفيد أن نشعل الشموع عوضاً عن تحطيم ما تبّقى منها. ومن المهم التفكير بإنسانية ومسؤولية حول مواقفنا وأفعالنا، وآثار هذه الأفعال ليس فقط على الآخرين، بل على أنفسنا أيضاًَ كأثر رجعي. لعلّ هذا التفكير يكون معدياً ويمكّننا من العيش السعيد.

المصادر

[1] Brown University
[2] UC SanDiego
[3] UNODC
[4] .Lawyers and Justice: An Ethical Study, Luban David

مبدأ عدم الضرر في التدخّلات الإنسانية

مبدأ «عدم الضرر – Do Not Harm»

اشتهر في الأوساط الطبية قَسَم سمّي «قسم أبقراط – Hippocratic Oath». ويعتمد هذا القسم على نص أصلي تم تكييفه بحسب الثقافات، إلا أنه حافظ على قوامه المعنوي وأصل فكرته. وتدور فكرة القَسَم حول القول الأشهر المنسوب إلى أبقراط بترجمة لاتينية ” primum non nocere”  ومعناها بالعربية “أولاً، لا تؤذي” وذلك كأساس للتدخّلات الطبّية [1].

وقد ورد في السياق نفسه لدى أبقراط في أعماله عن الأوبئة؛ عبارة يونانية ترجمت إلى التالي:

“في حالة المرض، يجب على المرء أن يضع في اعتباره شيئين، ليكون مفيدًا لا يسبب ضررًا” [1].

أبقراط

ولا تنحصر الإشارة إلى تجنب الضرر عند أبقراط، فالمفهوم بدوره تناوله التراث الإنساني العقائدي والديني. حيث عرّجت بعض الديانات والأيديولوجيات على أهمية عدم الضرر بالآخر كناموس أخلاقي. فنجد في الإسلام -نموذجاً- حديث نبوي مروي عن أبي سعيد الخدري: “لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضارّه الله، ومن شاقَّ شقَّ الله عليه” [3]. ومعنى هذا أن الإنسان لا يجوز أن يضر بنفسه ولا بغيره، وفي هذا توسعة لمفهوم الضرر يشمل الضرر بالذات أيضاً.

تعريف الضرر

يرتبط مفهوم الضرر بالحرية وحدودها في القول المشهور الذي نُسب لأكثر من قائل: “ينتهي الحق في تأرجح ذراعي في أي اتجاه حيث يبدأ أنفك” [4]. ويشيع في الأوساط الشعبية قول مجهول المصدر “أنت حر ما لم تضر”. كما نجد فيما كتب «ستيورات ميل – John Stuart Mill» في كتابه “الحرية” عن دور السلطة في منع الضرر يقول:

“أن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، هو منع إلحاق الأذى بالآخرين” [5]

جون ستيوارت ميل

ويشمل الضرر أي إصابة جسدية أو عقلية، وهو شيء يتسبب في إصابة شخص أو شيء ما أو كسره أو جعله أقل قيمة أو نجاحًا. كما يمكن إطلاقه على كل فعل يشوّه أمراً أو يسبّب له التدهور والنقصان. ” [6] [7].

قد يبدو للوهلة الأولى أن التفريق بين الممارسات المضرّة وغير المضرّة بالآخر سهل، إلا أنه إذا أمعنا النظر في السلوكيات التي تصب في مصالحنا بعمومها، نجد أنها قد تتعارض مع مصالح الآخرين [8]. لذلك من اللازم أن نقوم بتحديد معنى الضرر الذي يجب تجنّبه كي لا يختلط الأمر علينا، أو نقع في فخ الأسئلة الخاطئة في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها. مثلاً: إذا استفدنا من الفوز بترقية في العمل بينما يخسر المتقدمون الآخرون، فهل يعد ذلك ضاراً بهم؟

في الحقيقة سيناريوهات من هذا النوع قد تبدو مضللة، إلا أن الضرر الذي يجب تجنّبه هو ما يُعرف بوصفه؛ انتكاسة لمصالح مهمة تعود بالنفع على الآخرين. وفي السيناريو السابق ليس الترقي حكر على شخص معين، فالفوز هنا ما دام على أساس الجدارة فهو عادل. كما يروج في أحاديثنا اليومية إلقاء اللوم على الآخرين تحت تأثير من مغالطة السيناريو، كما في المثال التالي:

لو أن صاحب سيارة تركها في مكان عمومي مفتوحة الأبواب، فقادها اللص. وأثناء رؤيته لرجال الشرطة غير الاتجاه فجأة، وضاعف سرعته، الأمر الذي تسبب في وقوع حادثة سير؟ هل صاحب السيارة له دور في الضرر؟

الجواب هو لا. لأن السببية المباشرة هنا هي التي يتعين أخذها بعين الاعتبار في حدوث الضرر.

أهمية مبدأ عدم الضرر في العمل الإنساني والإنمائي

العمل الإنساني والإنمائي هو عمل ممنهج، وله ضوابط وقواعد تهدف إلى حشد القدرات والمعارف وتوجييها بطريقة واعية. وهذا من أجل تحقيق أثر إيجابي في المجتمع، وهذا النوع من الأعمال ينطوي على مخاطر مخفيّة يعايشها عاملو الميدان بشكل مباشر. حيث يوجد خيط رفيع بين إيذاء المجتمع وإفادته. وأساس التخطيط للتدخلات الناجحة المفيدة هي أن نسأل:

من؟ أين؟ ماذا؟ متى؟ لماذا؟ كيف؟ [9]

6 أسئلة رئيسية

ولهذا وجد نهج عدم الضرر DNH والذي يقوم على عدة خطوات [9]. وهي:

  1. تحليل السياق؛ وتحديد المنطقة، والسكان المعنيين، وأطراف النزاع (حكومة، ومجموعات عرقية، ومجموعات دينية). وتحديد الأسباب الجذرية للنزاع، والتدخلات المعمولة من قبل الفاعلين المجتمعيين الآخرين، وأيضاً من قبل الجهة نفسها.
  2. ما هي الأمور التي تساهم في تكريس النزاع وتعميقه (Dividers)؟ وما هو أكثرها تأثيراً؟ أيضاً ما هي الأمور التي تربط بين الناس (Connectors)، وما هو أكثرها تأثيراً؟ ومراعاة هذه العوامل أثناء العمل.
  3. قياس آثار التدخلات على عوامل الارتباط والانفصال (Dividers and connectors).
  4. كيف أثر تدّخلنا على المجتمع المضيف، وما هي خياراتنا الأخرى المتوافرة وكيف تؤثر على عوامل الارتباط والانفصال.

يشجع نهج عدم الضرر إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، والتفكير مليّاً قبل التصرف. والهدف هو تعزيز تصميم المشروع وإدارته. أيضاً يفيد في منهجة طريقة عمل تسمح بفهم أفضل للآثار السلبية على المشاريع أو البرامج المستقبلية. وتعتبر الرغبة في علاقات جيدة مع المستفيدين هي جزء لا يتجزأ من التفكير بنهج عدم الإضرار [10].

والعمل على مبدأ عدم الإضرار في العمل الإنساني أساسي للعاملين الإنسانيين في مناطق النزاع. حيث يساعد على تحديد الأثار السلبية غير المقصودة للتدخلات الإنسانية والإنمائية في مناطق الصراع. ويمكن اعتماد هذا النهج في عملية التخطيط والمراقبة والتقييم للتأكد أن التدخل المعمول لا يؤدي إلى تفاقم الصراع بل يحسّنه [11].

محاذير العمل الإنساني والإنمائي

تفيد المنظمة السويدية “Swedish mission council” بأن هناك عدة أخطاء تتكرر بشكل كبير داخل العمل الإنساني وجب الإنتباه إليها وإلى أضرارها. فمن غير المعقول أن نساعد أحداً من ناحية ونضرّه من ناحية أخرى. وهي [12]:

  1. التناقض بين الأسلوب والفعل.

2. الإضرار بمصالح الناس.

3. التحيز في استهداف التوزيع لمجموعة من المجموعات المتنازعة دون الأطراف الآخرين.

4. التدخّل القاصر، الذي يقدم خدمة تساهم في تدمير نظام الخدمات الأخرى في المنطقة، ويؤثر على ما يربط الناس ويزيد من حدة العنف.

5. إعطاء أهلية وإضفاء صبغة شرعية للزعماء الذين نعمل معهم لتسهيل تقديم الخدمات الإنسانية.

وتفيد نتائج الاستطلاعات بأن اتّباع نهج عدم الإضرار في الأعمال الإنسانية يحسّن المساءلة تجاه المستفيدين، والعلاقات مع المستفيدين. كما يعزز فهم سياقات وديناميكيات المجتمع التي تتم فيها المشاريع. ويزيد أيضًا من درجة الثقة بالتدخّل المعمول من قبل الجهة في منطقة التدخل [10].

المصادر
[1] BMJ
[2] الطب ورائداته المسلمات، عبد الله عبد الرزاق مسعود السعيد.
[3] كنز العمال، الملتقي الهندي.
[4] Quoteinvestigator
[5] Stanford Encyclopedia of Philosophy Archive
[6] Britannica
[7] Merriam-Webster
[8] Ethics
[9] Oxfam
[10] Jean Charancle, Elena Lucchi, Incorporating the principle of “Do No Harm” How to take action without causing harm reflection on a review oh Humanity & inclusion’s practices.
[11] INEE
[12] Swedish mission council

ما هو التماسك الاجتماعي وكيف يقيس صحة المجتمع؟

تعريف التماسك الاجتماعي

يستخدم مصطلح «التماسك الاجتماعي – Social Cohesion» بطرق غير محددة إلا أنه غالباً يندرج في أحد إطارين. الأول متعلق بالسياسات العامة وإجراءاتها لشرح أهداف هذه السياسات وأسبابها المنطقية لتحسين حياة الأفراد. مثل تحسين الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية وضمان أن يكون للجميع صوت. والثانية لشرح التغييرات الاجتماعية والسياسية وأحياناً الاقتصادية الحاصلة في المجتمع [1].

وقد عرّفت «جوديث ماكسويل – Judith Maxwell»  عام 1996 المجتمع المتماسك -في ما يشير إليه الكثيرين على أنه أول ظهور رسمي للتعريف- بأنه يتضمّن وجود قيم مشتركة، وتفسيرات مشتركة للأشياء، وتقليل للتفاوت في الثروة والدخل وبشكل أعم تمكين الناس من الشعور بأنهم جزء من مشروع، وأنهم أعضاء في ذات المجتمع، ويواجهون تحديات مشتركة. ومن هنا يكون التماسك الاجتماعي؛ عملية مستمرة لتطوير مجتمع انطلاقاً من قيم مشتركة، وتحديات مشتركة، وفرص متكافئة على أساس الشعور بالأمل والثقة والعدالة [2].

ويعرّف «المجلس الأوروبي – European Council» التماسك الاجتماعي على أنه؛ قدرة المجتمع على ضمان رفاهية جميع أعضائه وتقليل التفاوتات وتجنب التهميش [3]. ويضيف «مجلس التعاون الاقتصادي – The Organization  for Economic Cooperation and Development» على هذا التعريف أن المجتمع المتماسك يتيح لأفراده فرصة الحراك الاجتماعي الصاعد. وهو غاية مرغوبة ووسيلة تنمية شاملة. فالحد من الفقر ليس كافياً بقدر ما هو مهم التركيز على برامج الحماية الاجتماعية وخلق سياسات إعادة توزيع جديدة فعّالة.

فيكون بهذا التماسك الاجتماعي الصمغ الذي يربط بين الناس، ويتعزز هذا الربط بالسعي إلى قدر أكبر من الشمولية. وزيادة مشاركة المواطنين وخلق فرص للترقي للجميع. وهذا أحد أهم الإجراءات العامة التي تعتبر الوثاق الذي يحمل المجتمع معاً في وحدة متماسكة [4]. ويرتبط الأفراد في ظل التماسك الاجتماعي على مستوى المواقف والقواعد والسلوكيات والمؤسسات بنهج يرتكز على تحقيق الإجماع ويبتعد عن الإكراه [5].

أهمية التماسك الاجتماعي؟

غالبًا ما يكون من الأسهل رؤية الخطأ في المجتمع أكثر من معرفة ما يجعله قويًا ومتماسكًا ومستقرًا. إلا أن هناك ثلاثة متطلبات لازمة لمجتمع متماسك. أولاً الثقة والاحترام. نحن بحاجة إلى روابط حقيقية بين الناس، وإلى رؤية الآخرين كبشر وليس كأدوات يمكن الاستفادة منها.

ثانياً، الوحدة في التنوع لأن كل مجتمع لديه تنوع ويجب قبول ذلك واحتضانه. ثالثاً، الهويات المرنة حتى لا نحتضن التنوع بشكل سطحي أو نتسامح فقط مع جيراننا، ولكن نبني روابط يمكن أن تقاوم توترات السرديات الحصرية والتي يسيطر عليها لون ثقافي واحد في ظل مجتمع متعدد الثقافة، مما يعزز احتماليات العنف [6].

هذه المتطلبات هي أشياء بسيطة وعملية، ولكن يجب تطويرها بطرق حساسة ثقافيًا في كل مجتمع.

وقد يفهم البعض التماسك الاجتماعي على أنه يعني الشعور بالتجانس كشكل من أشكال الوحدة الصارمة. إلا أن الروابط المشتركة لا تعنى بالضرورة وجود تشابه في اللغة أو العرق أو الدين أو نمط الحياة [3]. «وشعور التماسك – Sence of coherence» يعني قدرة الناس على التعامل مع الضغوطات اليومية وإدارة التوتر. بالإضافة إلى التفكير في الموارد الداخلية والخارجية وتحديدها وتعبئتها لخلق مواجهة فعّالة للتحدّيات المجتمعية. و «SOC – شعور التماسك» هو توجّه وطريقة في النظر تفترض أن العالم مفهوم، وقابل للإدارة وله معنى [7].

التضامن العضوي عند دوركايم

يشير عالم النفس «إيميل دوركايم – David Émile Durkheim» إلى أن الروابط في المجتمعات الحديثة المتمايزة باتت تتحول إلى نوع من “التضامن العضوي”. حيث يقوم هيكل الإنتاج الصناعي على اعتماد جميع من في هذا الهيكل على بعضهم البعض. حيث يعتمد العاملون في الصناعة والخدمات بالضرورة على المواد الخام التي يقدمها آخرون، والأغذية التي ينتجها الآخرون، ومثال الأسواق التي يتم فيها تبادل المنتجات، وهذه كلها أشكال من التضامن العضوي.

“وعي المواطنين أنهم يعتمدون على بعضهم البعض كأعضاء الجسم”

إيميل دوركايم

وفي هذا نقطة هامة على طريق تعزيز الوعي بالتماسك الاجتماعي وأهميته وذلك في ظل التباينات الشديدة بين الناس في الجماعة الواحدة، أيضاً في علاقة الجماعة الواحدة مع غيرها من الجماعات [4]. وعلى العكس من التجانس كمقوّم للتماسك الاجتماعي نجد أنه كلما كان التباين أشد بين الناس كانت الآفاق التي تزخر بها مخرجات التماسك الاجتماعي أكبر. فواقع المجتمعات اليوم معقّد ومليء بالمتغيّرات وتوافر المجتمع على أفراد و جماعات متعددة الثقافة استثمار كبير يزيد من قدرة المجتمع على الإبداع وابتكار الحلول.

التماسك الاجتماعي عند وينفريد لويس مابس

تقول الباحثة «وينفريد لويس مابس – Winnifred Louis Maps» أن التماسك الاجتماعي لا يعني التجانس. وإنما المجتمع المتماسك هو مجتمع يحترم بعضه البعض حتى لو كانوا مختلفين، حيث يوفر للناس الاختلاف دون الشعور بغياب الأمان أو فقدان الاحترام [8].

كما تضيف الباحثة أن الخلاف الآمن هو مهم بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالفئات المهمشة. حيث هناك درجة من الصراع الاجتماعي الإيجابي لازمة للتأكد من أن الفئات المحرومة يمكنها التعبير عن مظالمها [8].

ويرتبط كلام الباحثة هنا بشكل ملفت بأوضاع المجتمعات اليوم في ظل الهجرة الكثيفة والتنوع الثقافي الذي يزداد في أغلب المجتمعات. حيث مع ازدياد تباين الثقافات داخل المجتمع الواحد، تزداد الحاجة إلى فهم التماسك باعتباره توفير مساحة آمنة للآخر عوضاً عن إقصائه أو إلتهامه ضمن ثقافة أخرى. كما أن ماسبق ذكره يسلّط الضوء على ضرورة فتح باب للنقاش والحوار حول التحديات المجتمعية لإيجاد حلول مشتركة مبنية على الاحترام المتبادل والالتزام بالعدالة [8].

كيف يتحقق التماسك الاجتماعي؟

تتضمن عملية التماسك الاجتماعي مجموعة من التحركات الهامة على طول الطريق كالتحرّكات التالية [9]:

  1. التعاون مع الحكومة، ويتم عبر عدة محاور:
  • قياس التماسك ويكون هذا عن طريق وضع مقياس رصد لواقع التماسك الاجتماعي مثل مقياس Scanlon-Monash (SMI)، ويقيس واقع التماسك عبر خمس متغيرات: الانتماء، القيمة، العدالة الاجتماعية، المشاركة، والقبول [10].
  • الالتزام بالتماسك الاجتماعي كأولوية ضمن التخطيط الاستراتيجي.
  • تقييم الاستعداد وبناء القدرات.
  • تضمين أهداف التماسك الاجتماعي في السياسات والعمليات التنظيمية.

أمثلة عن تحرّكات حكومية: (1) خطة عمل توظيف السكان الأصليين والفئات الأقل اندماجاً. (2) لجنة استشارية للسلامة المجتمعية لتحسين السلامة في الأماكن العامة. (3) لجنة حي تقوم بتوثيق التحديات وتتشارك مع الناس المشاكل وتستقبل الحلول.

2. إشراك المجتمع، ويتم عبر عدة محاور:

  • تعرف على المجتمع: افهم خصائص الأشخاص الذي يعيشون ويعملون في المنطقة وما هي احتمالات التغير التي يمكن أن تطرأ عليهم مع الوقت.
  • إشراك المجتمع:  تحديد المجالات الحالية والمحتملة للتطوير والبناء انطلاقًا من نقاط القوة الحالية.
  • كن تمثيلياً وشاملاً: التأكد من سماع جميع الأصوات.
  • حصر التحديات: تحديد التوترات التي يمكن أن تقوض التماسك الاجتماعي في المنطقة واحتماليات حدوثها.

أمثلة عن إشراك المجتمع: (1) رسم خريطة تشمل التنوعات الديموغرافية في المنطقة وذلك لتكوين صورة عامة عن المجتمع المحلي الهدف، وللمساعدة في إدارة النقاشات مع الأفراد. (2) القيام بمجموعات تركيز ونقاش مع أفراد متنوّعين من المجتمع أو عبر استبيانات على الانترنت ومكالمات عبر الهاتف.

3. بناء شراكات طويلة الأمد، ويتم عبر عدة محاور:

  • تحديد الشركاء: فهم أي الشركاء يمكنهم المساعدة في بناء التماسك المجتمعي الآن أو مستقبلاً.
  • إشراك الشركاء: تطوير استراتيجية تضمن طريقة الاتصال معهم وطبيعة العلاقة التي ستكون.
  • العمل مع الشركاء لتحديد المشكلات واتخاذ القرارات عبر نموذج عمل تعاوني.
  • ضمان وجود شراكات على المدى الطويل وما يشمله من تتبع التغييرات الحاصلة في الموظفين ورعاية العلاقات بأشكالها الرسمية وغير الرسمية.

4. قم بعمل هادف يعتمد على المكان، ويتم عبر عدة محاور:

  • تمكين المجتمع وبناء قدراته للمشاركة في تخطيط وتنفيذ الأنشطة.
  • الاستعداد الدائم والعمل مع الشركاء لتطوير خطط يمكن تنفيذها سريعاً.
  • إشراك الشباب وتمكينهم من الشعور بالاتصال مع مجتمعهم وقضاياه وتوفير مساحة تفاعل آمنة.
  • تعلّم من الآخرين، لكن صمم برنامجك بشكل مناسب للاحتياج المحلي الخاص الذي لديك.
  • تطوير وسائل الاعلام والاتصال عن طريق استخدام وسائط الإعلام المتعددة للتواصل مع الناس ونشر حس التماسك الاجتماعي.

أمثلة عن الأعمال الهادفة المعتمدة على مكان: (1) أنشطة المنظمات الإنسانية المحلية والعالمية في المناطق المنكوبة في سوريا، والعراق، واليمن التي تستهدف بناء القدرات المحلية ومشاركتهم في رصد المشاكل وإبداع الحلول عن طريق ورشات العمل، جلسات التوعية، الاجتماعات، النوادي الفكرية، الأنشطة الرياضية، الأنطة الفنية والثقافية.

5. تقييم ومشاركة النتائج

  • تطوير عمل التقييم: العمل مع المجتمع على الأرض لتحديد كيفية قياس مدى ملاءمة وكفاءة إجراءات تعزيز التماسك الاجتماعي.
  • جمع بيانات التقييم: التفكير في المعلومات التي ينبغي جمعها لبناء التقييم.
  • مراجعة النتائج المحققة: هل هناك اختلاف أو أثر للأنشطة التي تمت على الأرض مع المجتمع الهدف وساهمت بتحسين التماسك الاجتماعي؟
  • تبادل الخبرات مع الآخرين.

التماسك الاجتماعي والصحة الجيدة

حددت إحدى الدراسات أن المناطق التي تتمتع بمزيد من الاستقرار السكني ومستويات أعلى من التماسك الاجتماعي لديها معدلات ضعف أقل لدى كبار السن. ووجدت دراسة أخرى علاقة مباشرة بين التماسك الاجتماعي وتحسين القدرة على أداء أنشطة الحياة اليومية، وارتفاع مستويات السعادة. كما أشارت تحقيقات أخرى لوجود روابط بين التماسك الاجتماعي والتحسن العام في الصحة النفسية، وزيادة معدلات المشي المنتظم، وارتفاع معدل استخدام الواقي الذكري، وانخفاض الاكتئاب، وتحكم أفضل في نسبة السكر في الدم، وخفض معدلات التدخين [11].

تشير النتائج المستخلصة من دراسات إضافية إلى فوائد التماسك الاجتماعي حيث تثبت علاقته بانخفاض معدلات زيادة الوزن والسمنة، ومعدلات أقل للوفيات لجميع الأسباب، وانخفاض حالات احتشاء عضلة القلب، ومعدلات أقل لإهمال الأطفال، وتحسن الحالة العامة عند أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة [11] .

وتتفق الدراسات المعمولة في التماسك الاجتماعي أن النظام الذي يدعو إلى سياسات رفاه أكثر مساواة والتي تشمل الخدمات الطبية العامة، من المرجّح أن يحافظ على صحة المجتمع ويحّسنها. كما أن عامل الثقة بين الفرد والخدمات المدنية له دور كبير في زيادة التماسك الاجتماعي. وتشير الدراسات إلى أن تبنّي بلد ما سياسة متسامحة مع المهاجرين يعني أنه يتمتع بتنوع أعلى في القيم، وجهود حكومية أفضل لضمان حصول الجميع على حقوقهم.

إن البلدان المتسامحة مع المهاجرين هي بلدان أكثر عرضة لنفقات صحية أكبر إلى جانب نفقات التعليم وتوفير الفرص المتساوية للجنسين [5]. وهذه البلدان بالذات تكون تحت ضغط لصياغة سياسات صحية تحترم الحريات الفردية والاختلافات. وتوفر بيئة ملائمة للأفراد لمتابعة صحّتهم، لأنها تعي وتفهم الظروف التي تساهم بزيادة السلوكيات المنحرفة خصوصاً العقلية والنفسية [5].

كما أن الأفراد الذي يتمتعون بحالة صحية أفضل هم أكثر قدرة على المشاركة في الأنشطة المدنية والشعور بالثقة والأمان وهو ما يعود على المجتمع بالفائدة [5].

المصادر

[1] Taylor & Francis 
[2] Jstor
[3] The Scanlon Foundation Research Institute
[4] UN
[5] International Journal for Equity in Health
[6] The S. Rajaratnam School of International Studies (RSIS) 
[7] SpringerLink
[8] sychlopaedia
[9] Australian Human Rights Commission
[10] .SMI: The Scanlon-Monash “Index of Social Cohesion” Prof. Andrew Markus
[11] National Library of Medicine

ما هو التواصل اللا عنفي وكيف يؤثر علينا وعلى أطفالنا؟

ما هو التواصل اللا عنفي؟

ظهرت فكرة اللا عنف لدى عالم النفس السريري الأمريكي الحائز على الدكتوراة؛ «مارشال برترام روزنبرج- «Marshall Bertram Rosenberg (1934 – 2015) في السبعينات [1] وذلك بتأثير من أفكار عالم النفس «كارل روجر -«Carl Ransom Rogers (1902 – 1987) حول الاستماع التعاطفي، والتقدير الإيجابي غير المشروط. حيث تعاون كارل مع «إبراهام ماسلو – Abraham Harold Maslow» (1908 – 1970) على تأسيس علم النفس الإنساني.

وفكرة «التواصل اللا عنفي – NonViolent Communication» بحد ذاتها ليست بجديدة، وإنما ظهر نشاط اللا عنف بشكل واضح في الوعي والسلوك السياسي الذي تبناه غاندي ومارتن لوثر كينج.

“اللاعنف لا يعني تجنّب العنف الجسدي الخارجي فحسب، بل أيضاً العنف الداخلي ضد الروح، أنت لا ترفض إطلاق النار على الرجل فحسب، بل ترفض أن تكرهه” [2] .

مارتن لوثر كينج

والتواصل اللا عنفي هو عملية تحويل الكلمات وردود الأفعال التلقائية إلى استجابات واعية تعتمد على إدراكنا لما نلاحظه، ونشعر به، ونريده[1] .


والإيمان بعملية التواصل اللا عنفي يقوم على استحضار أمرين:
الفارق بين “احتياجي” الأعمق وبين “ما أريده الآن” كأداة أخدّم بها احتياجي. ثم إن البشر جميعاً لديهم احتياجات أساسية، غير مشروطة بمكان أو شخص، ولا حتّى وقت، أو شيء، مثل: الاحترام، والاتصال، والتفهّم، وأن يكون مسموعاً ولديه استقلال وحريّة [1].

الخطوات الأربعة لعملية التواصل اللا عنفي

“فليكس، عندما أرى بعضًا من جواربك المتسخة مكوّرة وملقاة أسفل مائدة السفرة، والبعض الآخر منها بجوار التلفزيون. أشعر بالضيق والغيظ، لأنني أحتاج لمزيد من النظام في حجرات البيت التي نتشاركها جميعا، فهل تتكرّم بوضع جواربك المتسخة في الغسالة!”

  • ماذا ألاحظ؟

علي أن أنتبه إلى صياغة الملاحظة والتعبير عنها دون حكم أو تقييم. “فليكس، عندما أرى بعضًا من جواربك المتسخة مكوّرة وملقاة أسفل مائدة السفرة، والبعض الآخر منها بجوار التلفزيون.”

  • كيف أشعر؟

“أشعر بالضيق والغيظ” تحديد المشاعر التي نشعر بها إزاء هذا التصرف.

  • ماذا أحتاج؟

علي أن أعرف أن فهمي لشعوري هو الذي يحدد حاجتي. “لأنني أحتاج لمزيد من النظام في حجرات البيت التي نتشاركها جميعاً”

  • الطلب المحدد بدقة.

“فهل تتكرّم بوضع جواربك المتّسخة في الغسالة” [3].
وبتفكير مستمد من علم النفس، يمكننا استخدام هذا الأسلوب ليس فقط عندما نريد أن نقول شيئاً ما، بل في وإعادة صياغة طلب الشخص الآخر حسب الخطوات (ملاحظة، شعور، احتياج، طلب).

ملاحظة: “هناك نصف ساعة قبل بدء العرض وأرى أنك تتصبب عرقًا”، شعور تخميني: “هل أنت متوتر؟”، في حال أجاب بنعم نسأله عن حاجته: “هل يمكنني عمل شيء لتخفيف التوتر؟” [3].

معوقات التواصل اللا عنفي

  1. الأحكام الأخلاقية التي تصنّف الناس وأفعالهم إلى فئتين خيّر وشرّير، سوي وشاذ، ذكي وجاهل. ويحدث ذلك من قبيل؛ “مشكلتك أنك أناني جداً”، “إنه أحمق”، “إنهم منحازون”، “هذا أمر لا يليق”. وغير هذه من الإهانات والتحقير والانتقاد والشخصنة. يقول الشاعر جلال الدين الرومي: “هناك وراء أي أفكار عن الخطأ والصواب، ميدان؛ سألاقيك عنده”. بل ويعتقد روزنبرج أننا عندما نصادف شخصيات أو سلوكيات لا تعجبنا أو لا نفهمها نسارع إلى اتّهامها أو اتّهام أنفسنا، وذلك لأننا لا نفكر بالطريقة اللا عنفية وإنما نصب تركيزنا على التصنيف والتحليل والحكم والتقييم.
  2. عقد المقارنات بين أنفسنا والآخرين، ويشير روزنبرج إلى أن هذا الأمر طريقة مضمونة إلى إتعاس النفس وتدمير التعاطف.
  3. إنكار المسؤولية حيث أننا جميعاً مسؤولون عن أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا. وأي تعبير نستخدمه نحمّل الآخر فيه مسؤولية عما نشعر به أو نفكّر به أو نسلكه يعتبر مثالاً عن إنكارنا لمسؤوليتنا الشخصية كما في قول: “أنت تشعرني بالذنب”. أو قول “ما فعلته ليس سوى تنفيذ للأوامر العليا”. وكثيرًا ما نقوم بعزو أسباب أفعالنا إلى شمّاعات مثل: (1) قوى مبهمة مجرّدة. (2) حالتنا النفسية. (3) تصرفات الآخرين. (4) أوامر السلطة. (5) ضغط الجماعة. (6) القوانين والقواعد والسياسات المؤسساتية. (7) الأدوار الاجتماعية والعمرية. (8) رغبات لا يمكن السيطرة عليها.[3] .

أنواع القوة واستخداماتها في التواصل غير العنيف

ربما نحتاج إلى القوة في المواقف الحسّاسة ذات الخطر الوشيك على الحياة وحقوق الأفراد والتي يتعذّر معها الحوار. إلا أن هذا يتطلّب منا التفريق بين الاستخدام الوقائي والعقابي للقوة.

تهدف القوة الوقائية إلى منع أذى أو ظلم، أما القوة العقابية فهي تهدف إلى جعل المذنب يعاني ويدفع ثمن فعلته.

وتتمثّل القوة الوقائية في الواقع العملي حين نمسك طفلاً يجري في الشارع لمنعه من التعرض للأذى. أما العقابية تأتي على شكل صفعة أو توبيخ أو تأنيب كأن تقول للطفل: “كيف تكون بهذا الغباء؟! عليك أن تخجل من نفسك!”[3].

ويأتي تأثير القوة العقابية بشكل عكسي يدمّر الدافعية الذاتية للإنسان نحو الأشياء لأنه لا يتوقف عن القيام بها لأسباب وجيهة وإنما تفادياً للعقاب الذي ينتظره فيما لم يفعلها. هذا بدوره يقلل من تقديره لذاته، ولربما يجب أن تستدعي دائماً خطورة ما. نحن مقبلين عليه وعواقبه على الصحة النفسية لأطفالنا عندما تتأتّى لذهننا فكرة استخدام القوة العقابية [3] .

المصادر
[1] Society For Conversation Biology
[2] Journal of History Culture and Art Research
[3] التواصل غير العنيف لغة حياة، د.مارشال بي. روزنبرج. 

 

 


 

Exit mobile version