أربع طرق يؤثر بها الاكتئاب على الدماغ

أربع طرق يؤثر بها الاكتئاب على الدماغ.

الاكتئاب هو أحد أكثر أنواع الأمراض العقلية شيوعًا. يؤثر الاكتئاب على ما بين 15٪ إلى 20٪ من البشر. من المعروف أنه يؤثر على الأشخاص نفسيًا، لكنه يمكن أن يُسبب عددًا من المضاعفات الخطيرة التي تؤثر على الصحة العقلية والبدنية. يعرضك التعايش مع الاكتئاب لخطر الإصابة بأمراض جسدية خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والسكتة الدماغية. كذلك يجب ألا تخفى عليك أضراره الجسيمة على الدماغ. سنتعرف في مقالنا التالي على أربع طرق يؤثر بها الاكتئاب على الدماغ.

تقلص الدماغ

قام الباحثون بفحص 10000 شخص في 112 دراسة ووجدوا أن الذين يعانون من الاكتئاب لديهم أيضًا أحجام دماغ أقل. أظهرت الدراسات كذلك أن الأجزاء التالية هي التي تتأثر من الدماغ:

قرن آمون أو الحُصين

‏هو بنية دماغية معقدة في الفص الصدغي. لها دور رئيسي في التعلم والذاكرة. ‏هذا الجزء من الدماغ هو الذي يسجل الخوف عندما يواجهك كلب مثلًا، وقد تجعلك تلك الذكرى تشعر بالقلق من الكلاب التي تصادفك لاحقًا في الحياة. يكون الحُصين أصغر في بعض الأشخاص المصابين بالاكتئاب، وتشير الأبحاث إلى أن التعرض المستمر لهرمون التوتر يُضعف نمو الخلايا العصبية في هذا الجزء من الدماغ.

الحُصين

‏ كان هناك 24 امرأة لديهم تاريخ مع الاكتئاب وأثبتت الدراسات أن حجم الحُصين أصغر بنسبة 9٪ إلى 13٪ لدى النساء المصابات بالاكتئاب مقارنة بمن لم يعانين من الاكتئاب. إذ كلما زادت نوبات الاكتئاب لدى المرأة صغر حجم الحُصين. ‏

المهاد ‏

هو هيكل صغير داخل الدماغ يقع مباشرة فوق جذع الدماغ بين القشرة الدماغية والدماغ المتوسط ​​وله روابط عصبية واسعة لكليهما. تتمثل الوظيفة الأساسية للمهاد في نقل الإشارات الحركية والحسية إلى القشرة الدماغية.

المهاد

‏اللوزة الدماغية

هي مجموعة من الخلايا بالقرب من قاعدة الدماغ. يوجد اثنان، واحدة في كل نصف كرة أو جانب من الدماغ. ترتبط بعواطف مثل الغضب والسرور والحزن والخوف والإثارة الجنسية. تتنشط اللوزة عندما يتذكر الشخص الذكريات. يكون النشاط في اللوزة أعلى عندما يكون الشخص حزينًا أو مكتئبًا سريريًا.

اللوزة الدماغية

‏الفص الجبهي ‏

هو جزء من الدماغ يتحكم في المهارات الإدراكية الهامة لدى البشر مرتبط بالعاطفة وحل المشكلات والذاكرة واللغة والحكم والسلوك الجنسي. إنه بمثابة “لوحة التحكم” لشخصيتنا وقدرتنا على التواصل.

الفص الجبهي

‏قشرة الفص الجبهي

هي القشرة الدماغية التي تغطي الجزء الأمامي من الفص الجبهي. تلك المنطقة لها علاقة بالتخطيط السلوكي المعرفي، والتعبير عن الشخصية، واتخاذ القرار، والسلوك الاجتماعي. يرتبط مقدار تقلص هذه المناطق بشدة وطول مدة نوبة الاكتئاب. في الحُصين على سبيل المثال، يمكن أن تحدث تغيرات ملحوظة في أي مكان من 8 أشهر إلى عام خلال نوبة واحدة من الاكتئاب أو نوبات متعددة أقصر. مع ذلك، عندما يتقلص قسم من الدماغ، تُفعل الوظائف المرتبطة بهذا القسم المحدد. على سبيل المثال، تعمل قشرة الفص الجبهي واللوزة معًا للتحكم في الاستجابات العاطفية والتعرف على الإشارات العاطفية لدى الأشخاص الآخرين. يمكن أن يساهم هذا في تقليل التعاطف لدى الأفراد الذين يعانون من اكتئاب ما بعد الولادة.

قشرة الفص الجبهي

التهاب الدماغ

توجد علاقة بين الالتهاب والاكتئاب. لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الالتهاب هو مسبب الاكتئاب لعكس. كذلك التهاب الدماغ مرتبط بمقدار الوقت الذي يُصاب فيه الشخص بالاكتئاب. إذ أظهرت الدراسات أن الأشخاص المكتئبين لفترة أكثر من عشر سنوات يعانون من التهاب بالدماغ بنسبة تصل لأكثر من 30٪ مقارنة بالأشخاص المكتئبين لفترة أقل. لذلك فالتهاب الدماغ مرتبط بشكل وثيق بالاضطراب الاكتئابي المستمر. يتسبب التهاب الدماغ في موت خلايا الدماغ وذلك يؤدي إلى عدد من المضاعفات مثل:

  • تقلص الدماغ.
  • انخفاض وظيفة الناقلات العصبية.
  • انخفاض في المرونة العصبية أي قدرة الدماغ على التغيير مع تقدم العمر.

اختلالات وظيفية في:

نقص الأكسجين

يوجد علاقة بين نقص الأكسجين في الجسم والاكتئاب. إذ أن تلك التغييرات ناتجة عن تغيرات في التنفس بسبب الاكتئاب لكن أيهما مسبب للآخر غير معروف إلى الآن. إذ يُنتج العامل الخلوي استجابةً لعدم حصول الدماغ على كمية كافية من الأكسجين في خلايا مناعية معينة توجد لدى الأشخاص المصابين باضطراب اكتئابي شديد واضطراب ثنائي القطب.

يؤدي نقص الأكسجين إلى:

  • التهاب بالدماغ.
  • إصابة خلايا المخ.
  • موت خلايا الدماغ.

يمكن أن يؤدي الالتهاب وموت الخلايا إلى مجموعة من الأعراض المرتبطة بالتطور والتعلم والذاكرة والمزاج. حتى نقص الأكسجين على المدى القصير يمكن أن يؤدي إلى الارتباك. لكن ثبت أن علاجات غرفة الأكسجين عالي الضغط، والتي تزيد من دوران الأكسجين، تخفف أعراض الاكتئاب لدى البشر.

التغييرات الهيكلية والضامة

يمكن أن تؤدي تأثيرات الاكتئاب على الدماغ أيضًا إلى تغييرات هيكلية وضامة وتشمل انخفاض في وظائف كل من:

  • الحُصين؛ هذا يمكن أن يؤدي إلى ضعف الذاكرة.
  • الفص الجبهي، يمكن أن يؤدي هذا إلى منع الشخص من الإنجاز والتأثير على انتباهه.
  • اللوزة، يمكن أن يؤثر هذا بشكل مباشر على المزاج والتنظيم العاطفي.

إن احتمالية استمرار الخلل الوظيفي في الذاكرة، والوظائف التنفيذية، والانتباه، والمزاج، والتنظيم العاطفي موجودة بعد نوبات من الاكتئاب طويل الأمد.

كيف يمكنك تجنب تلك الأعراض؟

هناك بعض الخطوات بإمكانها أن تُقلل من آثار الأعراض التي ذكرناها:

طلب المساعدة: من الضروري أن تكون على أتم استعداد لطلب المساعدة دون خجل من الناس. عليك فهم أن الاكتئاب مرض جسدي.

تناول مضادات الاكتئاب: ‏قد تساعدك مضادات الاكتئاب في منع التغيرات الجسدية التي من الممكن أن تحدث -أخذها تحت إشراف طبيب من الطبع-.

قلل توترك: الطلب من شخص ما بتقليل التوتر في حياته أمر صعب ولكن هناك في الواقع بعض التغييرات البسيطة التي يمكنك إجراؤها لتقليل من توترك.

إليك بعض الطرق لتخفيف من للتوتر: ‏

  • استمع إلى الموسيقى.
  • ‏تحدث مع صديق.
  • اتبع نظام غذائي صحي.
  • قم بشرب الشاي.
  • تمرن (ولو لدقيقة).
  • ‏نم بشكل جيد.
  • خذ نفساً عميقاً من ثلاث إلى خمس دقائق.

اقرأ أيضًا: ثلاث عادات لدماغ صحي

المصادر

ما رهاب الخلاء؟ وما أعراضه وكيف يمكننا التعامل معه؟

لم أغادر منزلي سوى ثماني مرات خلال اثني عشرة عامًا، التجارب الاجتماعية تسبب لي الذعر، حتى كتابة هذا التعليق تخيفني. أنا أخطط للأمور كثيرًا قبل فعلها، حتى قبل المكالمات الهاتفية، وهذا يتطلب الكثير من الوقت والمجهود. لقد سئمت من ترك رهاب الخلاء يتحكم بي، أنا لا أعيش الحياة بالفعل. (ملحوظة: لقد عدلت هذا التعليق أربع عشرة مرة لأن نوبات الهلع لم تفارقني طوال كتابته)

كتب هذه الكلمات أحد المعلقين على مقطع فيديو يتحدث عن رهاب الخلاء، وسواء صدقت كلماته أم لا، إلا أنها حثتي للتفكر في مدى جدية هذه الحالة. ما هو هذا الرهاب؟ كيف يتضحم ليتحكم في صاحبه لهذا الحد؟ والأهم هو كيف يمكننا التعامل معه؟

ما رهاب الخلاء؟

«رهاب الخلاء-agoraphobia» نوع من اضطرابات القلق، يصيب الشخص فيمنعه من الخروج إلى العالم.

يتجنب المصاب برهاب الخلاء الأماكن العامة والمفتوحة لشعوره بالاحتجاز وعدم القدرة على الهرب.

يسبب الخجل الاجتماعي والخوف من الإذلال شعور الاحتجاز، فيتجنب الشخص على أثره أغلب الأماكن والمواقف العامة، وقد يصل به الأمر إلى عدم مغادرة المنزل لشهور وسنوات.

المعنى الحرفي للمصطلح (agoraphobia) هو الخوف من أماكن التسوق. بالتالي يمكننا استنتاج الأماكن التي يهابها المصاب برهاب الخلاء ويتجنبها وهي: 

  • مراكز التسوق.
  • المواصلات العامة.
  • المساحات المفتوحة (الجسور وساحات انتظار السيارات)
  • صفوف الانتظار والحشود.
  • المساحات المغلقة (صالات السينما والمحال)


يتجنب الشخص هذه المواقف وقد ينتهي به الأمر محتجزًا في منزله، لأنه المساحة الوحيدة الآمنة الذي يشكل ما عداه خطرًا عليه. 

الأعراض

يتميز رهاب الخلاء بعدد من الأعراض المعروفة وهي:

  • الخوف من مغادرة المنزل.
  • الأماكن المفتوحة.
  • الأماكن المغلقة مثل المسارح وصالات السينما.
  • المواصلات العامة.
  • الانخراط في المواقف الاجتماعية وحيدًا.
  • الخوف من فقدان السيطرة (الإصابة بنوبة هلع) في مكان عام.

تسبق «نوبات الهلع-panic attack» ظهور الرهاب، إذ يجد الشخص نفسه في موقف/مكان مثير لقلقه، فتظهر الأعراض التالية:

  • ألم في الصدر.
  • دوار وضيق تنفس.
  • رعشة وتعرق.
  • غثيان وقيء.
  • زيادة ضربات القلب.
  • شعور بالاختناق.

الأسباب وعوامل الخطر

يرى العلماء أن تلك الأعراض التي ذكرناها (أعراض نوبات الهلع) أصل رهاب الخلاء، إذ يهاب الشخص أن تأتيه النوبة في مكان عام فتسبب له الإحراج، ونتيجة لذلك يتجنب أغلب المواقف أو الأماكن “غير الآمنة”، فينتهي به الحال مقيدًا في منزله لا يغادره لسنوات.

بالإضافة إلى ذلك، حدد العلماء عددًا من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بهذا الرهاب وهي:

  • أن يكون الشخص مصابًا بنوع آخر من اضطرابات القلق (الرهاب الاجتماعي أو اضطراب القلق المعمم)
  • سوابق عائلية للإصابة برهاب الخلاء.
  • سوابق للتعرض لاعتداء أو صدمة قوية.

تزداد احتمالية إصابة الشخص بهذا الرهاب عند اجتماع الأسباب التي ذكرناها معًا. ويجب الانتباه لأعراض هذا الرهاب لأن إغفاله قد يسبب مضاعفات خطيرة منها:

  • شعور عام بالوحدة والانعزال، إذ ينقطع الشخص عن عمله ودراسته وعلاقاته واهتماماته.
  • تدهور المعيشة نتيجة للصعوبات المادية، مما يزيد من الشعور بالضغط والقلق وربما يؤدي للاكتئاب.
  • قد يدرك الشخص عدم منطقية خوفه، لكنه لا يستطيع التحكم به، فيشعر بالغضب وقلة الحيلة.
  • تأُثر ثقة الشخص بنفسه، مما يزيد من شدة مخاوفه وقلقه.
  • قد يتجه الشخص لوسائل ترويح غير صحية مثل: تناول الطعام بكميات كبيرة، أو تعاطي المخدرات، أو إدمان الكحول.

العلاج

يستجيب مصابو رهاب الخلاء للعلاج ويظهرون تحسنًا معه، يختلف شكل هذا العلاج باختلاف الحالة وشدتها وتفضيلات كل مريض، لكنه بشكل عام يتضمن عددًا من الوسائل الآتية:

  • الأدوية المضادة للاكتئاب أو المضادة للقلق.
  • العلاج المعرفي السلوكي.
  • الاستشارات النفسية.
  • تمارين الاسترخاء.
  • مجموعات الدعم.
  • تعليمات ونصائح للتعامل مع رهاب الخلاء.

نصائح للتعامل مع رهاب الخلاء

ينبغي على مريض الرهاب، بالإضافة إلى طلب المساعدة من مختص نفسي، تعديل نظام حياته ليتمكن من التعامل مع أعراض الرهاب. هذه التعديلات هي:

  • ممارسة تمارين الاسترخاء لإدارة الضغط بشكل أفضل.
  • المحافظة على نظام غذائي صحي ومتوازن.
  • ممارسة الرياضة بشكل منتظم.
  • الامتناع عن المخدرات والكحوليات.
  • تقليل جرعة الكافيين اليومية.

اقرأ أيضًا: عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

المصادر

علم النفس البيئي: نبذة تاريخية عن علاقة العمران بالنفس

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

كيف يتفاعل البشر مع بيئتهم؟

هل حدث من قبل أن ذهبت إلى مكانٍ ما وتوقفت منبهرًا من منظره وما أوجده من مشاعر بداخلك؟ لماذا قد نشعر بالملل إذا مشينا بجانب بعض المباني ذات الواجهات المغلقة؟ ما الذي يجعل بعض الأماكن والساحات تنبض بالحياة وبعضها الآخر موحشًا؟ هل يمكننا تحليل شخصية شخص ما من غرفته ومقتنياته؟ وما هي أضرار الازدحام على الصحة وكيف نصمم الأحياء السكنية لتكون آمنة وأيسر للسير؟ هذه الأسئلة تقع ضمن مجال علم النفس البيئي «Environmental Psychology»، و هو علم يدرس تأثير البيئة إجمالًا على التجربة والسلوك والصالح البشري العام، بالإضافة إلى تأثير الأفراد (والمجتمعات) على البيئة. وتعدد مجالاته يجعله مجالًا مثيرًا للاهتمام والبحث إذ أنه يتعلق بالكثير من القضايا التي نعيشها بشكل يومي.

البدايات: علم النفس “المعماري”

ظهر علم النفس البيئي رسميًا كفرع من علوم النفس خلال فترة الستينات. إلا أن المصطلح ظهر لأول مرة في النصف الأول من القرن العشرين، حين درس «ويلي هيلباخ» أثر عوامل بيئية مختلفة مثل اللون والشكل والشمس والقمر على أنشطة بشرية مختلفة، وقسّم البيئة إلى ثلاث نطاقات: البيئة والمجتمع والعمران (أو الحضر). اعتقد هيلباخ أن كلًّا من هذه النطاقات يؤثر على العقل البشري عبر وسيلتين: الأثر المباشر للمعاني والرموز (التجارب المباشرة للبيئة)، والأثر غير المباشر عن طريق التأثيرات الفسيولوجية على الجسم والدماغ.[1]

في هذه الفترة كانت الأبحاث التي تستكشف العلاقة بين البيئة والنفس مبعثرة إلى حد كبير، ولم يكن معترفًا بها كمجال بحثيّ مستقل. بحلول أربعينات القرن العشرين بدأت الدراسة المنهجية للمكان والحيز كما ظهرت العديد من الدراسات حول إضاءة المنازل وأثرها على الصحة وسلوكيات الأطفال في البيئات الطبيعية وغيرها. وحيث كانت معظم تلك الدراسات تركز على الكيفية التي تؤثر بها البيئات الحضرية بالأخص على إحساس وسلوكيات الناس، فقد سُميت بـ«علم النفس المعماري»، للتمييز بينها وبين دراسات علم النفس الأكثر تقليدية.

بيئة حضرية فعّالة

في تلك الفترة كان التركيز الأكبر على البيئة المبنية أو الحضرية، مثل المعمار والتقنية، وآثارها على النفس. وكان هذا التركيز على البيئات المبنية مدفوعًا بشكل كبير بالمناخ السياسي والاجتماعي في تلك الفترة. حيث كانت العمارة الحديثة تحاول معالجة تحديات ما بعد الحرب العالمية -مثل توفير الإسكان المناسب للسكان. ولهذا نشأت أسئلة حول الكيفية المثلى لبناء المنازل والمكاتب والمستشفيات لتخدم مستعمليها بأكبر فاعلية ممكنة، وكيف يمكن للمؤثرات البيئية (كالحرارة، والرطوبة، والتكدس والازدحام) التأثير على الأداء البشري وبالتالي كيف يمكن التحكم بها.

البحث الاجتماعي في المعمار

بدأت تظهر ولو بشكل طفيف أيضًا دراسات اجتماعية ونفسية حول الأثر الاجتماعي للحيّز، ـ لعل أبرزها الدراسة الرائدة لعالم النفس «ليون فيستنغر» التي أظهر فيها العلاقة بين المجاورة المكانية واحتمالية تكوين علاقات اجتماعية طويلة المدى، وهو ما أسماه بأثر المجاورة «Proximity Effect». أي أن الناس يميلون لإقامة علاقات اجتماعية أكثر مع الذين هم أقرب لهم فيزيائيًا. درس «فستنغر» سكنًا طلابيًا بمعهد إم آي تي ولاحظ أن الطلاب الذين يعيشون في غرف بجانب درج المبنى كانت لديهم علاقات اجتماعية أكثر مع باقي السكان حيث يحتكون بهم بشكل أكثر تواترًا، كما أنه كلما كانت غرفتان أقرب لبعضهما زادت فرصة ساكنيهما لتكوين صداقة.

بناءً على أبحاثه حول سيكولوجية الجماعات والانتماء، كان فيستنغر يطالب المعماريين أيضًا بأخذ الاحتياجات الاجتماعية للسكان ورغبتهم في الانتماء قيد الحسبان أثناء تصميم المناطق السكنية.[2] توالت في الفترة التالية، وبالأخص منذ الستينات، الدراسات حول البعد الإنساني في التصميم والتخطيط العمراني، مثل دراسات «كيفن لينش» عن “صورة المدينة” و«روبرت سومر» حول المساحات الشخصية ونظرية «أوسكار نيومان» حول «المساحات الآمنة – Defensible Space» لخلق أماكن أكثر أمنًا وسلامة.

علم النفس البيئي والاستدامة

الفترة التالية لنمو مجال علم النفس البيئي بدأت في الستينات، حين بدأ العالم بإدراك المشاكل والأخطار البيئية المحيطة. ومن هنا ظهرت الدراسات حول مشكلة الاستدامة ودراسة وتغيير السلوك البيئي لخلق بيئة مستدامة وصحية. شملت تلك الدراسات في بداياتها مشاكل مثل تلوث الهواء والتلوث الضوضائي، ومن ثم توسعت لتشمل مباحث كاستهلاك الطاقة ودراسة المخاطر المرتبطة بتقنيات الطاقة. في الثمانينات بدأت بالظهور أيضًا الدراسات حول جهود تحفيز الحفاظ على البيئة والتوعية المجتمعية بالسلوكيات الصديقة للبيئة. وتصاعد هذا التوجه منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، حيث صار من الواضح أن الأزمات البيئية كالتغير المناخي والتلوث والتصحر تهدد الصحة والأمن الغذائي والمائي للعالم أجمع. وبالتالي فقد تم استدعاء مفهوم للاستدامة يشمل الصالح العام البيئي والمجتمعي والاقتصادي، ويرى بعض الباحثين أن علم النفس البيئي تطور بمرور الزمن إلى “علم نفس الاستدامة” على المستويات الثلاث.

كيف نصمم مدنًا أكثر جاذبية؟

بجانب دراسة البيئة والاستدامة والطاقة التي توسعت مع اتساع الوعي بالازمة المناخية، بدأت أيضًا دراسة الكيفية التي يتفاعل بها البشر مع بيئاتهم الحضرية، وهو ما يسمى في بعض الأحيان بعلم النفس الحضري «Urban Psychology» والذي كان رائده هو المخطط الأمريكي «وليام و. وايت»،  الذي يلقب أحيانًا بأبو علم النفس الحضري.[3] كان «وايت» مهتمًا بمعرفة السبب الذي يجعل بعض الميادين والشوارع والحدائق مليئة بالناس وجاذبة للنشاط البشري، بينما تكون أخرى شديدة الوحشة ومنفرة للنشاط البشري. ولذلك قام بتصوير وملاحظة شوارع وميادين وحدائق نيويورك ليحاول تحليل العوامل التي تجعل الناس يتجمعون في مكانٍ ما.

كانت من أبرز نتائج وايت -والتي تبدو شديدة البداهة حد الضحك ربما- هي أن الناس يجلسون حيث يتوفر لهم مكان للجلوس. فلدهشة وايت نفسه كان العديد من الحدائق والميادين لا يوفر حتى مقاعد للجلوس والاستمتاع بالهواء والشمس. هذا إن لم يتم وضع موانع ضد جلوسهم حول بعض المباني؛ كما تفعل بعض الشركات والمؤسسات حين تحاول طرد المشردين والشحاذين -ومن أسماهم وايت “غير المرغوب فيهم” «Undesirables»- عن طريق تسوير مبانيها وجعل محيطها غير جذاب؛ وتكون النتيجة أن الناس يبتعدون عنه ويصبح موحشًا في حين أن أولئك غير المرغوب فيهم يحتلونه. لقد لخص وايت نتائج دراساته بقوله “أنه من الصعب جدًا تصميم مكانٍ غير جذاب للناس. ما يستحق الدهشة هو كيف يتم ذلك باستمرار”.[4]

نطاق علم النفس البيئي حاليًا

لعلنا الآن نتساءل عن حدود ونطاق علم النفس البيئي، هل هو لتصميم مبانٍ أكثر فاعلية وراحة، أم للبحث حول قضية الاستدامة ودعم مصادر الطاقة البديلة؟ هل يدرس البشر أم الحضر؟  وما هي بالضبط البيئة التي يدرس النفس البشرية ضمنها؟ الحقيقة هي أن علم النفس البيئي مجال متعدد النطاقات «Multi-disciplinary»، ويتصف بمقاربته متعددة المجالات للقضايا محل البحث وتعدد مناهجه، فهو يتداخل بشكل صميميّ مع الهندسة المعمارية وعلوم البيئة والسياسات العامة، بالإضافة إلى التبعات المجتمعية لها كالآثار الصحية والنفسية. وبالمقابل يبحث أيضًا كيف يؤثر الناس في بيئاتهم: كيف يجعلونها أكثر ذاتية، كيف يعبرون عن أنفسهم وانتماءاتهم، وكيف يدفعهم ذلك إلى الحفاظ على سلامة محيطهم وبيئتهم على سبيل المثال.

سنتحدث في مقالاتٍ تالية عن تطبيقات معاصرة لعلم النفس البيئي وأثرها في البيئة الحضرية والسلوك البشري، ولكن يكفينا في هذه الفقرة أن نبين أن العلاقة المتبادلة بين البشر وبيئتهم (حضرية كانت أو طبيعية) معقدة ومتداخلة للغاية. ولعل هذا سبب في أن علم النفس البيئي يتسم بالبحث بدافع العثور على أكثر الحلول فاعلية لمشاكل حاضرة بالفعل. إضافة إلى أن علم النفس البيئي يدرس هذه العلاقة على مستوياتٍ عدة، ابتداءً بمشاكل النفايات وإعادة التدوير على مستوى الأحياء مرورًا بالتخطيط السليم والصحي للأحياء السكنية ومناطق العمل على مستوى المدن والدول وانتهاءً بدراسة التقنيات الجديدة لمواجهة تغير المناخ على مستوى الكوكب كله.

ولذلك أيضًا، فإن هناك عدة مجالات تبحث هذه العلاقة وتتداخل مع بعضها البعض على عدة مستويات وفي عدة نطاقات.  فبجانب علم النفس البيئي، هناك على سبيل المثال أيضًا علم الاجتماع الحضري «Urban Sociology» وعلم البيئة الحضري «Urban Ecology» وعلم الظواهر أو الفينومينولوجيا المعمارية «Architectural Phenomenology»، وكلها لديها دوريات ومجلات متخصصة وبعضها يدرّس في أقسام جامعية مختصة.


المصادر:

  1. Environmental Psychology : an Introduction
  2. Blueprints for a History of Environmental Psychology
  3. Architecture and Group Membership, Leon Festinger
  4. Project for Public Spaces
  5. Social Life of Small Urban Spaces

عقدة الناجي: عندما تثقل عليك نعمة الحياة!

“أشعر بالذنب لكوني على قيد الحياة.. وهذا شعور ثقيل
كأن تتساقط حوائط المحيط فوق رأسك.. غير عابئة بالسدود”

كُتبت هذه الكلمات بيد بايشنس كارتر ذات العشرين عامًا، التي شهدت حادث إطلاق نيران مريع بولاية فلوريدا. نجت كارتر من هذا الحادث فيما فقد آخرون حياتهم. وعلى عكس المتوقع، لا نجدها ممتنة للنجاة بل شاعرة بالذنب والثقل. فما سبب هذا الشعور؟ هذا ما سنتعرف عليه في حديثنا اليوم عن عقدة الناجي!

ما عقدة الناجي؟

«عقدة الناجي-survivor’s guilt» هو نوع من الشعور بالذنب، يختبره هؤلاء الذين نجوا بحياتهم من مواقف كارثية. عقدة الناجي ظاهرة معقدة للغاية، قد يختبرها الشخص لشعوره بالذنب لأنه مازال على قيد الحياة فيما توفي الآخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي لإنقاذ أحدهم، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لمساعدته.

يعد خبراء الصحة النفسية عقدة الناجي عرضًا مهمًا لـ «اضطراب ما بعد الصدمة-PTSD»، إذ يتلازم الشعور بالذنب مع موقف كارثي مهدد للحياة، ينجو منه الشخص فيما يفقد آخرون حيواتهم. وقد تظهر عقدة الناجي وحدها دون أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة.

اُستخدم مصطلح عقدة الناجي للمرة الأولى مع الناجين من المحرقة الجماعية (الهولوكوست)، لوصف شعورهم بالذنب بعد تعرضهم لتلك الجريمة البشعة. والآن تختبر فئات أخرى هذا الشعور مثل:

  • المحاربون القدامى.
  • مرضى السرطان.
  • ضحايا الحوادث العنيفة.
  • الناجون من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل.
  • المراسلون الصحفيون في مناطق الحروب والكوارث.
  • من شهد انتحار أحد أفراد عائلته.
  • من فقد عزيز خلال جائحة كورونا.

أعراض عقدة الناجي

عقدة الناجي تجربة معقدة للغاية، فكما ذكرنا سابقًا يختلف سبب الشعور بالذنب من شخص لآخر، إما لأنه نجا فيما توفي آخرون، أو لاعتقاده أنه لم يبذل الجهد الكافي للمساعدة، أو لأن شخصًا ما فقد حياته لإنقاذه. 

نجد العرض المشترك والأكثر وضوحًا هو الشعور بالذنب. وهناك عدد من الأعراض الأخرى التي تختلف في حدتها باختلاف حالة كل مريض. مثل: 

  • شعور بالضعف وقلة الحيلة.
  • استرجاع ذكريات الموقف الكارثي.
  • شعور بالغضب والانفعال.
  • شعور بالخوف والحيرة.
  • تقلبات مزاجية ونوبات غضب.
  • فقدان الحماس.
  • أفكار انتحارية.

    هذه هي الأعراض النفسية التي تتطابق تقريبًا مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وهناك عدد من الأعراض الجسدية منها:
  • اضطرابات الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • صداع.
  • غثيان وآلام في المعدة.
  • تسارع ضربات القلب.

عوامل الخطر

جميعنا معرضون لشدائد الحياة، وشئنا أم أبينا، نتأثر بتبعاتها. عقدة الناجي ليست استثناءًا من هذه القاعدة، إلا أنه هناك عدد من العوامل التي تزيد من احتمالية إصابة الشخص بها. وهذه العوامل هي:

  • تعرض الشخص لصدمات الطفولة مثل: الاعتداء أو التحرش.
  • وجود أمراض نفسية أخرى مثل: القلق أو الاكتئاب.
  • غياب الدعم النفسي من العائلة أو الأصدقاء.
  • تعاطي المخدرات أو الكحوليات.

أثبتت الدراسات وجود بعض العوامل الأخرى التي قد تزيد من صعوبة الموقف على الناجي. أهمها: الندم. يتقاطع الشعور بالذنب مع الندم في أغلب الأحيان، إذ ينظر الشخص إلى الوراء متسائلًا عما كان يمكن تقديمه لإنقاذ حياة هذا أو مساعدة ذاك. 

يقع الشخص فريسة لهذا الشعور متأثرًا بما يعرف بتحيز «الإدراك المتأخر-Hindsight Bias» إذ ينظر الشخص إلى الحدث الصادم معتقدًا أنه كان واضحًا للغاية، وكان ينبغي عليه توقع حدوثه. فيما يخبرنا الواقع بالطبع أنه بعض الأمور تحدث فقط، ولا يمكننا التحكم بها لأنها خارج نطاق إرادتنا.

كيف نتعامل معها؟

يتطلب وجود عقدة الناجي، وحدها أو مرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة، تدخلًا عاجلًا. لا لتقليل الشعور بالذنب وتحسين جودة الحياة فقط، ولكن لارتباط هذه العقدة بأعراض خطيرة قد تودي بحياة الشخص. 

أثبتت الدراسات أن العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي، فعال للغاية في عكس الآثار السلبية للصدمة وعقدة الناجي.

قد يستفيد الشخص من عدد من الوسائل العلاجية الأخرى مثل: العلاج النفسي الجماعي، أو مجموعات الدعم، أو بعض الأدوية لتخفيف حدة الأعراض.

لا تقتصر رحلة العلاج على زيارة المعالج فقط والالتزام بالأدوية. الألم والحزن والذنب والندم مشاعر قوية تترك بصمتها على الجميع، ينبغي علينا معرفة كيفية التعامل معها. وهاك بعض النصائح المقترحة لذلك:

  • اسمح لقلبك أن يحزن.
    أن تشهد بشرًا مثلك يفقدون أرواحهم ،أمام عينيك، دون أن تستطيع المساعدة، أمر قاتل. اسمح لقلبك أن يحزن، وامنحه هدية الوقت حتى يكتمل شفائه. 
  • أنت فقط بشر، لا يمكنك التحكم بكل شيء.
    أتفهم رغبتك في عتاب نفسك، وإصرارك أنه كان من الممكن فعل شيء لتغيير ما حدث. لكن الحقيقة أن ما حدث قد حدث، هناك بعض الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك ولا يمكنك التحكم بها.
  • اغفر لنفسك.
    لا يسهل على أحد تحمل عواقب أفعاله، خاصة إن تسببت النتائج بالأذى. لكن الأخطاء تحدث، وجميعنا معرضون لارتكابها. اغفر لنفسك وامنح نفسك ما تحتاج من الوقت لذلك.

اقرأ أيضًا: تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟

المصادر

مفارقة إيكاروس، كيف يقتلك ما كان السبب في نجاحك؟

بالتأكيد العمل الدؤوب والاجتهاد هو الطريق للنجاح، ولكن ماذا لو كانت مسببات النجاح هي التي ستؤدي للفشل الذريع؟  هذا ما طرحه داني ميلر في كتابه مفارقة إيكاروس، ليوضح سبب سقوط الشركات الناشئة بعد فترة من النجاح والازدهار.

إيكاروس في الميثولوجيا الإغريقية:

تروي الأسطورة أن إيكاروس هو ابن ديدالوس، المعماري الذي بنى المتاهة التي احتوت وحش المينوتور “نصف انسان ونصف ثور” . وكان في جزيرة كريت التي حكمها الملك مينوس، وحُكِم على ديدالوس وابنه بالسجن في برجٍ في جزيرة كريت.

حاول إيكاروس وأبيه الهروب وذلك بصناعة أجنحة وتشكيلها من الشمع والريش. ولكن نبه ديدالوس ابنه بألا يطير عاليًا فيقترب من الشمس ويذوب الشمع في أجنحته، وألا يطير منخفضًا فيبتل الريش بالماء ويغرقه.

ولكن إيكاروس كان مزهوًا بأجنحته وفخورًا بحريته، فحلق عاليًا إلى أن اقترب من الشمس فأذابت الشمع وحرقت أجنحته، وهوى إلى البحر ومات غرقًا فيه.

مفارقة إيكاروس:

طرح داني ميلر في عام 1990 مفهوم مفارقة إيكاروس؛ موضحًا أن الشركات الناشئة التي تبالغ في ثقتها بقدراتها بعد نجاح مزدهر وسريع سيكون مصيرها مماثلًا لمصير إيكاروس، الفشل بسبب نفس العوامل التي أدت لنجاحها الباهر.

تؤدي العوامل المسببة في النجاح السابق؛ مثل استراتيجيات متبعة سابقًا عند استخدامها بشكل زائد عن حده إلى انخفاض المبيعات والأرباح إلى أن تصل للإفلاس.
ويحدث هذا عندما يتخذ المدراء نفس الأساليب أملًا في الحصول على نتائج مشابهة للنجاح القديم. وذلك لثقتهم العمياء فيها، وأحيانًا بسبب الغطرسة والثقة الزائدة بنجاحها.

عوامل فشل الشركات:

يقول ميلر إن انتصارات الماضي هي التي تخدع صناع القرار في الشركات وتدفعهم للإيمان بأنهم وصلوا لبر الأمان وحققوا النصر في مبيعاتهم، ويدفعهم ذلك إلى اتباع طرقهم التقليدية ذاتها، بسبب إيمانهم بأنها الطرق الناجحة كونها طرق مجربة.

عند توقع نتائج المشاريع المحفوفة بالمخاطر يقع المدراء في ما يسميه علماء النفس “مغالطة التخطيط”، ويتخذون قراراتهم بناءً على تفاؤل وهمي بدلًا من الحساب العقلاني للمخاطر والمكاسب المحتملة. ويسعون وراء أهداف غالبًا ما تفشل.

عبر الزمن، تركز الشركات على العامل الوحيد الذي ساعد في نجاحها، ولكن على حساب عوامل أخرى تهملها الشركات ولا تتكيف مع التطورات مثل وجود منافسين جدد، تغير الطلب المحلي، وجود تكنولوجيا جديدة.

أمثلة على مفارقة إيكاروس:

هناك أمثلة على ذلك أهمها شركة تيسكو بمحاولتها دخول السوق الأمريكية عام 2007. بالرغم من نجاحها البالغ في المملكة المتحدة، فشلت في دخول السوق الأمريكية وذلك لتطبيقها نفس الاستراتيجية المتبعة في المملكة المتحدة بدون مراعاة فروق العادات الاستهلاكية للمواطن الأمريكي. ما أدى لخسارات بالغة تقارب 1.8 مليار دولار وانخفاض أرباحها بمعدل 96%.

مقترحات ميلر:

يرى ميلر بضرورة تطوير المديرين لما يسميه “المرايا” أو القدرة على الوعي بالسلوك والتفكير الذاتي. ويؤكد على أهمية التطوير ومراجعة الاستراتيجيات خصيصًا التي مرّ زمن على العمل بها. بالإضافة لضرورة استخدام عدة مصادر من المعلومات عن المنافسين ومتطلبات السوق المحليّ، ومتابعة المنتجات المنافسة. حتى تتمكن الشركة من الصمود أمام تغيرات السوق يتوجب التغيير المستمر في الاستراتيجيات المتبعة للنجاح، حتى لا ينتهي بها الأمر مثل إيكاروس.

المصادر:






المس الشيطاني في مواجهة الطب النفسي

المس الشيطاني في مواجهة الطب النفسي

لابد للقارئ العربي الذي يتصفح هذا المقال الآن أن يكون قد شهد أو سمع على الأقل لمرة واحدة خلال حياته بحالة غريبة يطلق عليها الناس اسم المس الشيطاني، أو ربما اللبس، أو أي من الأسماء العامية التي تطلق على حالة عصاب نفسي معروفة في الأوساط العلمية، يُظهر من خلالها المريض أعراض تبدو للعين غير الخبيرة وكأنها ناتجة من كيان فوق طبيعي، وتسمى بـ «اضطراب الاستحواذ-possession disorder»، إذ يبدو أن للتفسير العلمي من منظور الطب رأيًا آخر مع التشخيص بدلا من الاستسلام لخرافات المس أو اللبس.

• دراسة استكشافية من افريقيا

أجرت الدكتورة (مارجولين فان دويجل Marjolein van Duijl) الباحثة في مركز الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة أمستردام ومديرة المركز الاكليني للطب النفسي في بالكبروج سلسلة من التجارب لتوثيق ومراقبة ردود أفعال 119 حالة لأشخاص من السكان المحليين في أوغندا، وصفوا من قبل العامة على أنهم تعرضوا لمس شيطاني.
وهذا أمر شائع الحدوث في بعض الثقافات الأفريقية، التي يدعي فيها السكان المحليون “تلبس” كيانات فوق طبيعية للبشر. قامت الدكتورة دويجل بمقارنة الأعراض التي أبداها المرضى مع أعراض اضطراب الاستحواذ لمقارنتها مع الأعراض الواردة في «الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية-Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders» الذي يعرف اختصارًا ب (DSM).

تتضمنت الأعراض كما وثقتها الدكتورة فان دويجل التالي:

  • تغيرات في درجة الوعي مع المحيط.
  • حركات اهتزاز سريعة لأطراف الجسم.
  • التحدث بأصوات ذات طبقات مختلفة عن أصواتهم الطبيعية.
  • أحلام غريبة.
  • الشعور بعدم القدرة على التحدث أثناء نوبات الأستحواذ. [1][2]

حسنًا، للصدفة تتطابق الأعراض التي وثقتها الدكتورة مع ما يذكره الدليل عن «اضطراب الاستحواذ-possession disorder» الذي ينتمي إلى مجموعة من الأمراض النفسية تندرج تحت اسم «الأمراض النفسية الانفصالية-Dissociative Trance Disorder» و(اختصارًا DTD). الجدير بالذكر  هنا أن الأعراض التفصيلية الناتجة عنها تختلف من ثقافة إلى أخرى حسب العقيدة ومجموعة القناعات المتبناة في المجتمع المدروس. [2]

فوارق ظاهرية وتشابه جوهري في الأعراض بين الثقافات!

يصف الدليل التشخيصي الذي ذكر آنفًا سلسلة من الأعراض التفصيلية الناتجة عن «اضطراب الاستحواذ-possession disorder» والأمر المثير للإهتمام هنا هو أن هذا النوع من الأمراض النفسية يستمد أعراضه الظاهرية والصفات التي تظهر على المصابين به من الثقافة الشعبية والدينية المنتشرة في محيط المريض، أي في حالة الدراسة التي أجرتها الدكتورة فان دويجل فإن الأعراض استُمدت من البيئة والثقافة المسيحية في أوغندا أي ثقافة الايمان بالمس الشيطاني.

تنتشر مصطلحات عديدة في الثقافات الدينية الشرقية، ففي الصين، تُفسر تصرفات مرضى اضطراب الاستحواذ على أنها تلبس يعرف بإسم «تاي فو-Tai Fu»،
وفي العالم العربي، يعرف بالمس أو تلبس بالجن، وجميعها على أي حال تصنف تحت نوع الاضطرابات النفسية التي تنتمي لعائلة (DTD) أو الأمراض النفسية الفصامية ولا علاقة لتأثيرات فوق طبيعية بها. [2]

إذن، ما هي الأسباب الحقيقية؟

1. النفسية والاجتماعية، بما في ذلك وفاة أحد الأقارب، والصراعات حول القضايا الدينية أو الثقافية ، والتوتر الداخلي بسبب الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وما إلى ذلك.
2. الصادمة في الماضي، ولا سيما في مرحلة الطفولة والتي تشمل الاعتداء الجنسي أو العنف أثناء الطفولة، والتورط في حرب، ومشاهدة عمل انتحاري وأحداث صادمة أخرى.
3. قد يكون لدى بعض الأشخاص نزعة وراثية للإصابة ببعض الأمراض العقلية مثل الاضطرابات الذهانية والعصبية، هذا النوع من الأفراد أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب الانفصامي.
4. لا يمكن التغاضي عن العوامل الثقافية لأنها تؤثر تأثيرًا عميقا في تكوين الإدراك الذي يزيد من تكوين شخصية الفرد وشخصيته، و قد تكون ظاهرة اضطراب الاستحواذ الانفصالية الموجودة في آسيا مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة في الدول الأوروبية أو الأفريقية.
5. يمكن أيضًا اعتبار النشوة شكلاً من أشكال التواصل اللاواعي للتعبير عن شيء لا يمكن الكشف عنه في حالة واعية.
6. تظهر عدة شروط أيضًا أن بعض الأشخاص يعتزمون الحصول على مكاسب ثانوية من حدث النشوة، مثل الحصول على مزيد من الاهتمام من الشريك أو الزوج والعديد من الأشخاص الآخرين. [3]

العلاج

في جميع الحالات السابقة وعند ملاحظة أي من الأعراض التي تم ذكرها عن اضطراب الاستحواذ أو أحد أعراض أمراض عائلة (DTD) في المقال يوصى دومًا بالحصول على استشارة طبية من طبيب نفسي مختص للحماية من تفاقم الوضع النفسي للمريض ولا يجوز أبدًا الاستعانة بغير الطبيب المختص لمعاينة المريض. [4]

المصادر

[1]. National Library of medicine
[2] Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th Edition: DSM-5
[3] Maceonian journal of medical science
[4] Mayo Clinc

نقد علم النفس التطوري: أبرز الانتقادات والاعتراضات

هذه المقالة هي الجزء 8 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

فرضت نظرية التطور نفسها على صعيد مختلف علوم الأحياء والطب، فدُرست الأعضاء البشرية بحسب وظيفتها التطورية، وقارن الباحثون بين البنية الجسدية البشرية وبنية باقي الثدييات والحيوانات، وقد أضافت هذه الأبحاث الكثير من التفسيرات لفهم وظائف الأجهزة وأمراضها. إلا أن نظرية التطور بقيت خارج دائرة علم النفس طويلًا، حتى نشأ مجال علم النفس التطوري في أواخر الثمانينيات.

يعتبر علم النفس التطوري علمًا حديثًا نسبيًا، وهو يهدف إلى تفسير السلوكيات والقدرات المعرفية البشرية من منظور تطوّري. لكنّه واجه وما زال يواجه الكثير من الانتقادات والاعتراضات من باحثين في مجالات علمية من جهة، ومن ناشطين سياسيين واجتماعيين ودينيين من جهة أخرى. فما هي أبرز الحجج في نقد علم النفس التطوري ؟

صعوبة اختبار نظريات علم النفس التطوري

بحسب علم النفس التطوري، يشكّل العصر الحجري القسم الأكبر من التاريخ التطوري للبشر، وبالتالي فإن دماغنا الحالي ناتج عن مجموعة من عمليات التطور في ذاك العصر. عاش أسلافنا في قبائل صيد في السافانا لزمن طويل، ويعتبر الباحثون في علم النفس التطوري أن هذه البيئة هي بيئة التكيف التطورية التي تطور دماغنا ليحل مشاكل الحياة فيها. لكن إلى أي مدى يمكن دراسة تفاصيل الحياة البشرية في هذه البيئة وهذا العصر؟

غالبًا ما يعتمد علماء النفس التطوري دلائل علوم الآثار والتاريخ لفهم طبيعة بيئة التكيّف، وهم يطرحون نظرياتهم بناءً على هذه الدلائل. لكن الصعوبة تكمن في فهم الخصائص العقلية الحالية في ضوء البيئة التطورية، خصوصًا أنه من المستحيل محاكاتها. ومن هنا، يصبح طرح النظريات حول الأصول التطورية للوظائف العقلية صعب وغير متين، وتكون هذه النظريات غير قابلة دائمًا للاختبار. بالإضافة إلى ذلك، عندما يقود علماء النفس التطوري دراسات ميدانية وتكون النتائج غير مثبتة لنظرياتهم، يعتبرون أن الدراسات الميدانية غير كافية لدحض النظريات، وذلك بسبب الفروقات الكبيرة بين البيئة التطورية والبيئة الحالية، في حين يستخدمون نتائج الدراسات الميدانية كدليل حين تتوافق مع النظريات.

في المقابل، يرد علماء النفس التطوري على هذه الاعتراضات بأنهم مُعترفين بصعوبة اختبار النظريات، لكنها ليست مهمة مستحيلة. فهم يعتمدون فقط الدلائل المؤكدة من بيئة العصر الحجري ويبنون النظريات على أساسها. كما أنهم يؤكدون أن اختبار نظريات علم النفس التطوري يمر بالمراحل نفسها التي تُجرى لاختبار نظريات علم النفس في مجالاته المختلفة.

النهج الاختزالي في علم النفس التطوري

واجهت العديد من العلوم الاجتماعية والنفسية الاعتراضات بسبب اعتبارها اختزالية، أي أنها تفسّر عمليات شديدة التعقيد بشكل مختزل. رغم أن الاختزال (Reductionism) هو استراتيجية ضرورية لفهم الظواهر المعقّدة في معظم الحقول العلمية، إلا أن الاعتراض على علم النفس التطوري يقوم على اعتباره يدرس التطوّر كسبب وحيد لمعظم السلوكيات البشرية, وهو بالتالي يُهمل تأثير عوامل أخرى كالتنشئة الاجتماعية والتراكمات الثقافية وغيرها.

التمركز حول النوع البشري

رغم أهمية الدراسات النفسية التطورية في النوع البشري، إلا أننا نشترك أسلافًا مع حيوانات أخرى خصوصًا القردة العليا والثدييات. ويعتبر العديد من الباحثين أن بعض سلوكياتنا مشتركة بيننا وبين حيوانات أخرى. لذلك فإن الدراسات النفسية المتمحورة حول حيوانات أخرى قد تكون مفيدة للغاية لفهم الفروقات بين الدماغ البشري وأدمغة غيره من الحيوانات، وبالتالي فهم الأصول التطورية للخصائص العقلية بشكل أعمق.

ما زالت أبحاث علم النفس التطور مُتمحورة بشكل أساسي على البشر، ممّا قد يعيق فهمنا للكثير من الأصول النفسية التطورية ويخفف من إنتاجية هذا المجال.

نمطية العقل الشاملة

تبنّى علماء النفس التطوري نظرية “نمطية العقل الشاملة – Massive modularity of mind” وهي النظرية التي تعتبر أن الدماغ يتألف من وحدات دماغية مختلفة، ولكل منها وظيفة معينة طوّرتها استجابةً لضغوط الانتخاب.

في المقابل، تتعارض هذه النظرية مع نظريات علم النفس التعليمي والعديد من العلوم العصبية التي تعتبر الدماغ كجهاز قابل للاستخدام العام (General purpose learning device) نتيجةً للمرونة العصبية التي يتميز بها. بحسب الباحثة في العلوم المعرفية العصبية “كارميلوف سميث -Karmiloff Smith”، الدراسات الميدانية لا تتفق مع نظرية النمطية الشاملة، وتعتبر أن تخصّص الوحدات الدماغية قد يكون ناتجًا عن نمو الطفل وتحفيزه لقدرات معينة.

رغم الانتقادات العلمية المشروعة لنظريات واستراتيجيات علم النفس التطوري، إلا أن هذا المجال العلمي فتح آفاقًا كبيرة ومهمة لدراسة القدرات المعرفية والاضطرابات النفسية والسلوكيات البشرية من منظور تطوري. ويتفق الباحثون في هذا المجال، حتى المعترضين منهم، أنه ليس من الممكن إهمال الأصول التطورية للظواهر النفسية.

ما هو علم النفس الشرعي؟

مع هوس المجتمع باكتشاف ما يدور داخل عقل المجرم، فلا عجب أن يكون مجال علم النفس الشرعي رائعًا للغاية. فيما يلي أهم ما يمكنك معرفته حول مجال علم النفس الشرعي وكيف يؤثر على نظام العدالة الجنائية.

تعريف علم النفس الشرعي

علم النفس الشرعي هو دراسة علم النفس الإكلينيكي في المواقف القانونية. يشير هذا إلى دراسة العلاقة بين علم النفس البشري ونظام العدالة الجنائية. يعتبر هذا التعريف تعريفًا واسعًا للمصطلح، يخصص مساحة للبحث والدراسة الأكاديمية لعلم النفس والقانون. بينما يمكن أن يكون هناك تعريف أضيق يشير إلى التقييم النفسي المهني للفرد الذي يشارك حاليًا في عملية قانونية. يمكن أن يكون هذا تقييمًا لفهم الحالة الذهنية للشخص أثناء الجريمة أو قدرته على المثول للمحاكمة أو يقيم مدى مصداقية الشهود، وغير ذلك.

ويعرِّف المجلس الأمريكي لعلم النفس الشرعي- American Board of Forensic psychology هذا المجال بأنه تطبيق علم النفس على القضايا التي تتعلق بالقانون والنظام القانوني.وقد نما الاهتمام بعلم النفس الشرعي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

لمحة تاريخية قصيرة

بينما يعتبر علم النفس الشرعي مجال تخصص جديد إلى حد ما في علم النفس؛ إلا أن الأيام الأولى لهذا المجال تعود إلى بدايات علم النفس. لطالما سعى الفلاسفة والعلماء إلى فهم الدوافع التى تجعل الناس يرتكبون الجرائم، أو يتصرفون بعدوانية أو ينخرطون في سلوكيات مُعادية للمجتمع. في الواقع، لقد تم الاعتراف رسميًا بعلم النفس الشرعي كمجال تخصص من قِبل الجمعية الأمريكية لعلم النفس – American Psychological Association APA عام 2001 م. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن مجال علم النفس الشرعي له جذور تعود إلى أول مختبر علم نفسWundt في لايبزيغ-ألمانيا، المختبر الذي أسسه Wilhelm Wundt عام 1879 م كأول مختبر لعلم النفس التجريبي. لم يحدث النمو الملحوظ في علم النفس الشرعي الأمريكي إلا بعد الحرب العالمية الثانية. قبل ذلك الوقت، عمل علماء النفس كشهود خبراء، ولكن فقط في المحاكمات التي لم يُنظر إليها على أنها انتهاك للأخصائيين الطبيين، الذين كان يُنظر إليهم على أنهم شهود أكثر مصداقية. في قضية هاوثورن عام 1940 م، قضت المحاكم بأن معيار الشهود الخبراء يعتمد على مدى معرفة الشاهد بالموضوع، وليس ما إذا كان الشخص حاصل على شهادة طبية.

وشهد المجال نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، إذ أصبح هناك المزيد من الطلاب المهتمين والمقبلين على هذا الفرع التطبيقي لعلم النفس. كان للأفلام الشعبية والبرامج التلفزيونية والكتب والروايات دور كبير في لفت أنظار الناس إلى هذا المجال. فغالبًا ما تصور الأبطال الرائعين الذين يتتبعون الجرائم ويتعقبون المجرمين باستخدام علم النفس. فانتبه الناس إلى مدى روعة علم النفس في الخوض في العقول لحل الجرائم وتحقيق العدالة. وبالإضافة إلى رونقه في وسائل الإعلام والأفلام؛ فهو يلعب دورًا مهمًا في الحياة الواقعية. فهو، كما ذكرنا، ينطوي على التقييم النفسي لأولئك المشاركين في المسألة القانونية.

ما أهمية علم النفس الشرعي في نظام العدالة الجنائية؟

علم النفس الشرعي له أهمية كبيرة في نظام العدالة الجنائية؛ تعطي دراسة السلوك البشري من أجل إنفاذ القانون وتحقيق العدالة فرصة لمعرفة كيف ولماذا تحدث الجرائم وكيف يمكن لقضايا الصحة العقلية الموجودة مسبقًا أن تساهم في الجريمة. أثناء الدراسة في هذا المجال، يبذل علماء النفس الشرعي جهدًا للمساعدة في إعادة تأهيل السجناء الذين لديهم تاريخ من الجرائم المستمرة. الفكرة هي كسر حلقة سلوكهم حتى لا يتعرضوا للسجن بسبب أفعالهم. يقدم علماء النفس أيضًا توصية مهنية ومتخصصة للمحكمة حول ما إذا كان الشخص مؤهلاً بما يكفي للمحاكمة. وإذا كانت هناك حاجة إلى علاج الصحة العقلية بعد الإدانة، فيمكن للطبيب النفسي الشرعي أيضًا تقديم توصيات بشأن ذلك.

فيما يتميز علم النفس الشرعي عن مجالات علم النفس الأخرى؟

يتميز علم النفس الشرعي عن أي تخصص آخر مثل علم النفس الإكلينيكي بأنه عادة ما تكون واجبات الطبيب النفسي الشرعي محدودة إلى حد ما من حيث النطاق والمدة. بينما يُطلب من أخصائي علم النفس الشرعي أداء واجب محدد للغاية في كل حالة على حدة، مثل تحديد ما إذا كان المشتبه به مؤهلًا عقليًا لمواجهة التهم. وعلى عكس التعامل السريري النموذجي، حيث يسعى المريض أو الشخص طواعية للحصول على المساعدة أو التقييم، يتعامل الطبيب النفسي الشرعي عادةً مع أشخاص ليسوا أمامه بمحض إرادتهم. يمكن لهذا أن يجعل التقييم والتشخيص والعلاج أكثر صعوبة لأن بعض الأشخاص يقاومون عن عمد محاولات المساعدة.

من هو الطبيب النفسي الشرعي وماذا يعمل؟

عندما يعمل علماء النفس الشرعيون في محاكم الأسرة مثلاً، فإنهم يقدمون خدمات العلاج النفسي، والتحقيق في تقارير إساءة معاملة الأطفال، وإجراء تقييمات حضانة الأطفال، وإجراء تقييمات مخاطر الزيارة. يقدم علماء النفس الشرعيون العاملون في المحاكم المدنية العلاج النفسي لضحايا الجرائم، ويقيمون الكفاءة، ويقدمون آراءً ثانية. ويقدم العاملون في المحاكم الجنائية تقييمًا للمجرمين الأحداث والبالغين، ويجرون تقييمات للكفاءة العقلية، ويتعاملون مع الأطفال الشهود. غالبًا ما يُجري علماء النفس الشرعي أبحاثهم الخاصة، بالإضافة إلى دراسة وتحليل أبحاث متخصصين آخرين. قد يدرسون المجرمين وجرائمهم لمعرفة سمات أنواع معينة من المجرمين، والتي قد تتضمن إجراء مقابلات بين المجرمين وأقربائهم أو ضحاياهم. قد يعمل علماء النفس الشرعيون أيضًا كشهود خبراء أثناء المحاكمات الجنائية، ويقدمون شهادات حول سبب حدوث جريمة ما. قد يعبرون أيضًا عن سبب اعتقادهم أن المدعى عليه من المحتمل أن يكون قد ارتكب الجرائم المعنية. قد يكون لطبيب النفس الشرعي أيضًا تأثير على إصدار الأحكام على المجرم.

كيف تصبح أخصائيًا شرعيًا؟

إذا كنت تستمتع بالتعرف على العلاقة بين السلوك البشري والقانون، فمن المحتمل أن يثير هذا اهتمامك قليلاً. وإذا احترفت المجال وأتقنت علومه ومناجهه، ربما تصبح من أرباب مهنة تُدر عليك قرابة 79.000 دولارًا سنويًا! عادة ما يكون علماء النفس الشرعيون علماء نفس مُرخصين متخصصين في تطبيق المعرفة النفسية على المسائل القانونية، في كل من المجالات الجنائية والمدنية. فهم حاصلون على درجات جامعية في علم النفس، ودكتوراه في أغلب الأحيان. كما قد يتطلب العمل كطبيب نفسي درجة الدكتوراه. ولكن هناك بعض فرص العمل في المدارس والمؤسسات الصناعية التي قد تصبح متاحة بعد حصول الطالب على درجة الماجستير.

ومع ذلك، فإن التخصص في هذا المجال لا يتطلب بالضرورة درجة الدكتوراه. حيث تحدد أهداف التوظيف المستقبلية للطالب نوع الدرجة المطلوبة للعمل. وبالنسبة للتدرج الأكاديمي للحصول على رخصة مزاولة مهنة الطب النفسي الشرعي، تبدأ الرحلة التعليمية بدرجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة أو كلية معتمدة. يختار بعض الطلاب التخصص في علم النفس مع التركيز على علم النفس الشرعي، ولكن قد يجد طلاب آخرون أنه من الأفضل الحصول على شهادة في مجال ذي صلة مثل علم النفس الإجرامي.

يُفضل بعض الطلاب الاستزادة من علم الإجرام أو العدالة الجنائية أثناء حصولهم على بكالوريوس العلوم في علم النفس أو بكالوريوس العلوم في علم النفس الشرعي. ولابد أن يكون لدى علماء النفس الشرعي فهم قوي لعلم النفس والطب الشرعي. كما تتطلب هذه الوظيفة مهارات اتصال وتفكير استراتيجي قوية، حيث يجب على هؤلاء المحترفين إجراء المقابلات وتحليل الإجابات ولغة الجسد.

التوظيف في مجال علم النفس الشرعي

يمكن لعلماء النفس الشرعي العمل في مجموعة متنوعة من أماكن العمل. غالبًا ما يعمل الأكاديميون في هذا المجال في المعامل أو الكليات أو مراكز البحث التي تركز على هذا المجال، يمكنهم أيضًا العثور على فرص انتساب للوكالات الحكومية التي تدعم عملهم. علماء النفس الشرعيون في العمل الميداني لشركات المحاماة والمحاكم والمصالح الحكومية، وفي مصحات الصحة العقلية وبرامج الإفراج المشروط والمستشفيات وأنظمة الإصلاح الحكومية، ومصحات إعادة التأهيل. يمكن لعلماء النفس الشرعي، في بعض الحالات، العمل كمستشارين، وبناء علامتهم التجارية الخاصة والعمل على العقود التي يتلقونها من تطبيق القانون والحكومة وشركات المحاماة الخاصة. كما يتاح لهؤلاء الأخصائيين النفسيين العمل في مجتمع الاستخبارات كمدربين، وتدريب الوكلاء على اكتشاف السلوك الإجرامي من خلال التحليل النفسي. تشمل بعض الوظائف التي عادة ما تجرى في علم النفس الشرعي ما يلي:

تقييمات الكفاءة.

توصيات إصدار الأحكام.

تقييمات مخاطر إعادة الإجرام.

شهادة كشاهد خبير.

تقييمات حضانة الأطفال.

البحث الأكاديمي عن الجريمة.

استشارة سلطات تطبيق القانون.

معاملة المجرمين.

تقديم الخدمات النفسية للنزلاء والمخالفين.

مستشاري المحاكمة الذين يساعدون في اختيار هيئة المحلفين أو إعداد الشهود أو الاستراتيجيات القانونية.

تصميم البرامج الإصلاحية.

يُعرَّف علم النفس الشرعي بأنه تقاطع بين علم النفس والقانون، لكن يمكن لعلماء هذا المجال أداء العديد من الأدوار، لذلك يمكن أن يختلف هذا التعريف.

في كثير من الحالات، لا يكون العاملين بهذا المجال بالضرورة “علماء نفس شرعي”. فقد يتخصصون في علم النفس السريري أو علم النفس المدرسي، وقد يكونون أطباء أعصاب، أو مستشارين يقدمون خبراتهم النفسية على الإدلاء بالشهادة والتحليل أو التوصيات في القضايا القانونية أو الجنائية.

موضوعات على الهامش

على الرغم من أن هذا التخصص مازال خيارًا غير شائع للحصول على درجة علمية، ولكن أصبح هناك المزيد من المدارس التي تقدمه كتخصص. إذا كنت مهتمًا بأن تصبح اختصاصيًا في علم النفس الشرعي، فيجب أن تحصل على دورات تركز على موضوعات نذكر منها:

علم النفس الجنائي

السلوك الاجتماعي

السلوك غير الطبيعي

علم النفس المعرفي

المعرفة

الأدوية وعلم الأدوية النفسية

قانون العدالة الجنائية.

أخيرًا.. أحد الجوانب الأكثر جاذبية لكونك طبيب نفسي شرعي هو أنك دائمًا في تحديات وتجارب جديدة مثيرة للاهتمام. يمكنك تقييم الشهود في يوم من الأيام وتقديم الشهادة في المحكمة في اليوم التالي. إذا كنت مهتمًا بكل من علم النفس والقانون، ربما تكون هذه المهنة التي تجمع بينهما خيارًا رائعًا بالنسبة لك.

المصادر:

Psychology Today

APA

Learnhowtobecome

verywellmind

حرق الأحداث قد يمنحك متعة أكبر بالقصة

إن نهاية القصة هي أحد أجزائها المفضلة لدينا، وقد نتكبد العناء فقط لتجنب سماع نهاية فيلم لم نشاهده أو كتاب لم نقرأه بعد، ثم ما أن نعرف النهاية حتى نشعر أن تجربتنا قد أفسدت تمامًا. وهذا ما يسمى بـ “حرق الأحداث”.

لذا فإن حارقي الأحداث سيئو السيئة. لكن بحثًا منشورًا في مجلة Psychological Science أظهر أن معرفة نهاية القصة قبل قراءتها/مشاهدتها لا يحد من الاستمتاع بها، بل قد يجعلك أكثر استمتاعًا بالقصة، هذه هي «مفارقة حرق الأحداث-Spoiler Paradox».

أجرى الباحثان نيكولاس كريستنفيلد وجوناثان ليفيت من جامعة كاليفورنيا، قسم علم النفس في سان دييغو، ثلاث تجارب مع اثنتي عشرة قصة قصيرة (من مؤلفين مثل جون أبدايك وأغاثا كريستي وأنتون تشيخوف). تضمنت القصص حبكات رائعة وألغاز وقصص أدبية مثيرة للعواطف. في اثنين من الظروف في التجربة، تخلوا عن نهايات القصص. في أحد هذه الظروف وضعت النهاية كنص مستقل يسبق القصة، وفي الحالة الثانية تم دمج النهاية كفقرة افتتاحية للقصة. وفي ظرف آخر، لم يتم حرق أحداث النهاية.

أشارت نتائج الدراسة إلى أنه في كل نوع من أنواع القصص، فضل المشاركون النسخ المحرقة على غيرها، وفضلوا القصص أكثر عندما تم تضمين الحرق كنص مستقل يسبق القصة. يغير هذا الاكتشاف نظرتنا التقليدية عن حرق القصص ويثير سؤالًا واحدًا كبيرًا:


لماذا؟

في عام 1944، أجرى فريتز هايدر وماري آن سيميل من كلية سميث دراسة بسيطة لكنها ذات تأثير. أظهر الباحثون للمشاركين رسمًا متحركًا لمثلثين ودائرة تتحرك حول مربع. يمكنك مشاهدة الرسوم المتحركة في الفديو أدناه.

عند مشاهدة العرض التوضيحي، من الصعب ألا تضيف حوارك الخاص لشرح ما يجري في المشهد. وجدت الدراسة أن معظم المشاركين وصفوا الدائرة والمثلث الأزرق بأنهم “واقعون في الحب” وأن المثلث الرمادي “الكبير السيئ” “يحاول الوقوف في الطريق”. كان المشاركون يستخدمون السرد لوصف الأفعال ووصف المشهد كما لو كان للأشياء نوايا ودوافع.

توضح هذه الدراسة غريزة الإنسان لسرد القصص، مما يعني أن رواية القصص تحقق أو تسهل وظيفة الإنسان الأساسية. البشر حيوانات اجتماعية والقصص هي أداة مهمة لمساعدتنا على فهم السلوك البشري وإيصال فهمنا للآخرين. هذا له علاقة بما يسميه علماء النفس «نظرية العقل-theory of mind”». إن امتلاك نظرية للعقل يعني أن لدينا القدرة على إسناد أفكار الآخرين ورغباتهم ودوافعهم ونواياهم، ونستخدمها للتنبؤ وشرح أفعال وسلوكيات الآخرين. نظرًا لأننا نمتلك القدرة على إسناد نوايا للآخرين وفهم كيف يمكن أن تسبب هذه النية سلوكًا، فإن القصص مهمة لأنها تسمح لنا بإيصال علاقة السبب والنتيجة. من المهم أن نتذكر هذا لأن هذا يعني أن القصة تعتبر جيدة إذا كانت تؤدي هذه الوظيفة: وهي توصيل المعلومات بشكل فعال للآخرين.

هذا هو السبب في أن حرق الأحداث لقصة يجعلها أكثر جاذبية من القصص التي تتركنا معلقين بنهاية غير معروفة. حرق الأحداث يجعل القصة أسهل في المتابعة والفهم من القصص التي تكون نهايتها غير معروفة. يصف المؤلفون في دراستهم كيف أن “التشويق فيما يتعلق بالنتيجة قد لا يكون ضروريًا، بل يمكن أن ثقلل المتعة نتيجة تشتيت الانتباه عن التفاصيل ذات الصلة والسمات الجمالية”.

ربما تكون قد لاحظت بنفسك كيف أن القصة الجيدة هي قصة يمكن تكرارها مرارًا وتكرارًا بنفس الاستمتاع. القصة التي تُعرف فيها النهاية مسبقًا هي قصة جيدة لأنه يمكن معالجتها بسهولة. فكر في القصص التي صمدت أمام اختبار الزمن، قصص مثل قصة حصان طروادة. على الرغم من أن النهاية معروفة جيدًا (سيختبئ اليونانيون في حصان خشبي ضخم مجوف من أجل الوصول إلى مدينة طروادة المسورة)، فإن هذا لا يقلل من قدر الاستماع إلى القصة. لأنك تشعر براحة أكبر في معالجة المعلومات – ويمكنك أن تركز على فهم أعمق للقصة. هذا مهم لأننا نستخدم القصص لتوصيل الأفكار المعقدة، من المعتقدات الدينية إلى القيم المجتمعية.

ننقل هذه الأيديولوجيات المعقدة من خلال القصص لأنه يمكن معالجتها والاحتفاظ بها بسهولة أكبر من النص المباشر. في الواقع، أظهرت الأبحاث أننا نستجيب للمعلومات بشكل إيجابي عندما تكون في شكل سردي أكثر من نص بسيط. ما يعني أن الأشخاص الذين يلجأون إلى حرق الأحداث ليسوا سيئين على الإطلاق. فهم يأخذون قصة معقدة ويبسطونها، مما يسمح لك بمعالجتها بسهولة. وهذه القدرة على معالجتها بسهولة تجعلك أكثر انخراطًا في القصة وأعمق فهمًا لها.

المصادر: ResearchGate, PsychologyToday, PsychologicalScience

إقرأ أيضًا: ما هو الكذب المرضي؟ وما أسبابه وأعراضه وعلاجه؟

المس الشيطاني في ميزان العلم

فكرة المس الشيطاني هي فكرة قديمة قِدَم الإنسان ذاته، فعندما لاحظ الإنسان الظواهر الطبيعية من حوله بدأ في نسج الأساطير وأخذ يعزو هذه الظواهر إلى كائنات خرافية، ومما استعصى على فهم الإنسان البدائي هي الأمراض العقلية والنفسية، فعزى هذه الأمراض إلى الشياطين والعفاريت والأرواح، وهو معذور إذ لم تتوافر لديه سبل البحث العلمي المتوفرة حاليًا، ولكن لا يصح في عصرنا هذا أن نفعل مثلما فعل الإنسان البدائي، لهذا سنستعرض اليوم أعراض ما يقال عنه أنه المس الشيطاني، وسنوضح الحالات المرضية وراء هذا الأعراض.

ملحوظة مهمة

لا يعد هذا المقال تشخيصًا طبيًا، وإنما هو مجرد بيان لحالات مرضية يُعتقد أنها بسبب المس الشيطاني، فإن واجهت أنت أو ذويك أيًا من هذه الأعراض عليك بمراجعة الطبيب في أقرب وقت.

الخوف من الرموز المقدسة والمس الشيطاني

يخاف البعض من الرموز المقدسة كالصلبان أو صور المسيح في الثقافة المسيحية، أو من تلاوة الكتب المقدسة كالقرآن في الثقافة الإسلامية، وغيرها من الرموز الدينية المقدسة المختلفة، بل وحتى الخوف من رجال الدين، مما يجعل من حولهم يظنون أنهم ممسوسون من شياطين تخاف من هذه الرموز، إلا أنهم في الواقع يعانون من مرض نفسي يُسمى ب «الهيروفوبيا-Hierophobia».

الأعراض:

قد تصل الأعراض إلى مرحلة متقدمة، حيث يتصبب المريض عرقًا عند رؤية الرموز الدينية، أو قد يطلب عدم التواجد في مكان تتواجد فيه تلك الرموز، بل وحتى قد يصاب بنوبات الذعر والارتجاف عند رؤيتها.

الأسباب:

• أسباب وراثية

وهنا يتم التحقق من التاريخ المرضي لعائلة المريض، حيث أن هذه الحالة قد تكون لدى أحد أفراد عائلته فانتقلت إلى المريض جينيًا.

• أسباب بيئية

قد يكون المريض تعرض لتجربة قاسية في مرحلة عمرية مبكرة مع الرموز المقدسة أو رجال الدين، فتتحول هذه التجارب إلى ذكريات مؤلمة.

العلاج:

توجد العديد من طرق العلاج النفسي لمثل هذه الفوبيا ومنها:

• «العلاج السلوكي المعرفي-Cognitive behavioral therapy»

• «العلاج بالتعرّض-Exposure therapy»



التشنجات العنيفة والمس الشيطاني

يعاني البعض من تشنجات عنيفة تأتي على شكل نوبات، مما يدفع من حولهم للظن بأن هذه حالة تلبس بالجن أو أنه المس الشيطاني، إلا أنه في الواقع مرض عصبي يُدعى «الصرع-epilepsy»

الأسباب:

ليس للصرع اسباب محددة لكن من بعض أسبابه:

• أسباب وراثية.
• الذكريات المؤلمة مثل الحوادث أو المشاهد العنيفة.
• بعض أمراض الدماغ مثل الجلطات والأورام.

الأعراض:

• التشنجات والحركة اللاإرادية
• ارتباك مؤقت
• فقدان الوعي

العلاج:

ليس للصرع علاجًا محددًا بعد، لكن من بعض الطرق التي تجدي نفعًا:

• الأدوية، والتي تخفف بدورها من حدة نوبات الصرع.
• العمليات الجراحية الدماغية.

ادعاء التواصل مع الشياطين والجن

يدّعي بعض الناس مشاهدة الشياطين والجن بل والتحدث إليهم، ونحن نصدقهم، فهم بالفعل يرون ذلك، إلا أنهم مرضى ب «الفصام-Schizophrenia».

الأسباب:

• أسباب وراثية
• عدوى فيروسية
• وجود مشاكل في كيمياء الدماغ
• سوء التغذية قبل الولادة (في رحم الأم)
• بعض الأدوية التي تؤثر على كيمياء المخ

الأعراض:

• الهلوسات، حيث يرى المريض أشياء ويسمع أصوات ويشم روائح غير موجودة، ويدعي سماع أصوات مخيفة ورؤية مناظر مرعبة.

• فقدان القدرة على التركيز وفقدان الذاكرة في بعض الأحيان.

العلاج:

• الأدوية
• «العلاج السلوكي المعرفي-Cognitive behavioral therapy»


خطورة التشخيص بالمس الشيطاني

لا تقتصر خطورة التشخيص الخاطئ بالمس الشيطاني على عدم تلقي المريض للعلاج الصحيح فحسب، بل إنها قد تقتله، ففي عام 2014 ماتت الفتاة الفلسطينية – ذات ال 17 عام – إسراء زوروب أثناء عملية طرد للأرواح، حيث أجبرها الشيخ على شرب لتر من الماء المالح ليخرج الجن من جسدها بدعوى أن الجن يكرهون الملح.

أو مثلما حدث في قصة أناليس ميشيل، والتي يمكنك قراءتها من هنا

المصادر



psychtimes

nami

merriam

mayoclinic





ما هو الكذب المرضي؟ وما أسبابه وأعراضه وعلاجه؟

«الكذب المرضي-Pathological lying»أو المعروف بـ «mythomania» غالبًا ما يكون علامة تحذيرية لاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (المعروف باسم «السيكوباتي-psychopath»). فيكون مصابو الكذب المرضي متلاعبين وأنانيين وماكرين. تراهم يكذبون بلا انقطاع ليشقوا طريقهم ويفعلون ذلك بقليل من الوعي أو الشعور بالذنب. قد يكون السبب هو أنهم يكذبون لتجنب شيء صادم حدث في حياتهم، مثل سوء المعاملة الذي تلقوه حين كانوا صريحين، فيستخدمون الأكاذيب لحماية أنفسهم عند الشعور بالخطر. غالبًا ما تكون الحالة وراثية في الأصل. فيما يلي بعض السمات الشائعة للكذب المرضي

  • المصابون بالمرض يكذبون كرد فعل على أي محفز. هؤلاء الأشخاص محترفون بالكذب لأنهم يكذبون باستمرار ويختلقون القصص بشكل غير ضروري وفي كثير من الأحيان يصعب للغاية تمييز الحقيقة من الزيف.
  • عادةً ما تكون كذبتهم موجهة نحو الهدف (أي ذات غاية، فيروي المرء الأكاذيب ليشق طريقه للوصول إلى غاية معينة).
  • مصابو الكذب المرضي لا يحترمون حقوق الآخرين ومشاعرهم.
  • نادرًا ما يشعرون بالذنب.
  • يبني مصابو الكذب المرضي حياتهم على الخداع وقد يؤذون ضحاياهم بشدة.

الأسباب

  • تشير الدراسات إلى أن مصابي الكذب المرضي لديهم وفرة من المادة البيضاء في منطقة الفص الجبهي في أدمغتهم. بشكل عام، ترتبط المادة البيضاء بوصلات أسرع وسيولة لفظية أكبر ومعالجة أسرع للفكر. يعاني الأشخاص المصابون بوفرة المادة البيضاء أيضًا من مشاكل في التعاطف وقلة النشاط في مناطق الدماغ المتعلقة بالعاطفة.
  • غالبًا ما يكذبون كآلية للتكيف تم تطويرها في مرحلة الطفولة المبكرة وغالبًا ما ترتبط بنوع آخر من اضطرابات الصحة العقلية، والتي قد تشمل سوء المعاملة و «اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع-antisocial personality disorder (APD)» و «اضطراب الشخصية النرجسية-narcissistic personality disorder (NPD)».

السمات الشائعة للكذب المرضي

  • تكمن وراء مصابو الكذب المرضي دوافع محددة يمكن التعرف عليها عادةً، مثل تعزيز معنوياتهم أو احترام الذات، أو السعي نحو التعاطف أو العيش في خيال. فجميع الكذابين المرضيين لديهم غرض، مثل تعزيز شخصيتهم أو إخبار شيء مثير للاهتمام. كما إنهم جميعًا يكذبون بشأن شيء يرغبون في امتلاكه.
  • يكون مصابو الكذب المرضي واثقين من أنفسهم أثناء الكذب ويستخدمون سماتهم الكاذبة المرضية كآلية دفاع (على سبيل المثال، يثبتون نظرتهم إليك بدلاً من النظر بعيدًا، على عكس الشخص الطبيعي حين يكذب).
  • قصصهم عادةً غريبة بشكل خيالي.
  • هم دائما البطل أو الضحية في القصة، ويؤمنون بذلك بشكل تام.
  • قد تتغير قصصهم.
  • لا يحبون أن يكونوا موضع شك.

العلامات والأعراض الشائعة

  • يكذبون ليكسبوا شيئًا ويبالغون في الكذب.
  • يستمرون في تغيير قصصهم.
  • يعيشون بإحساس زائف بالواقع.
  • إذا تمت مواجهتهم بالحقيقة، فإنهم يتصرفون بشكل دفاعي ولا يعترفون أبدًا بالكذب.

العلاج

يعتمد نجاح العلاج على ما إذا كان الشخص يوافق على أنه كاذب مرضي. قد تشمل خيارات العلاج الآتي:

  • العلاج النفسي
  • الاستشارة المتكررة
  • الأدوية المضادة للذهان
  • إلى جانب العلاج، يقطع دعم الأسرة شوطًا طويلاً في التغلب على هذه العادة أيضًا.

يمكن استخدام خيارات العلاج في بعض الأحيان معًا، اعتمادًا على الحالة النفسية.

المصادر: Healthline, MedicineNet, PsychiatricTimes

إقرأ أيضًا: إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

يعاني الآلاف سنويًا من أعراض الأمراض النفسية والعقلية، إلا أنهم غالبًا ما يقعون ضحية لجهل أقربائهم، فبدلًا من محاولة علاجهم يذهبون بهم إلى الدجالين والمشعوذين، وهنا تتحول نوبة الصرع إلى عملية طرد للأرواح الشريرة، وما ينتج عن هكذا عمليات سوى سوء حالة المريض وتدهور حالته، إلا أننا اليوم على موعد مع ضحية تسببت هذه الممارسات في وفاتها، إنها أناليس ميشيل، التي جسدتها شخصية إيميلي روز من فيلم The exorcism of Emily Rose.

إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

قصة أناليس

كانت إيميلي (أناليس) فتاة ألمانية طبيعية، كما كانت شديدة التديّن، حيث ولدت لعائلة كاثوليكية اصطحبتها للكنيسة يومين من كل أسبوع.

كانت حياة إيميلي (أناليس) طبيعية حتى بدأت ترى ما وصفته بالوجوه الشيطانية، فذهبت إلى المصحة النفسية، وهناك تم تشخيصها بالصرع، ووصف لها الأطباء عددًا كبيرًا من أدوية الصرع والذُهان.

إلا أن محاولات العلاج باءت بالفشل، فاقتنعت عائلتها المتدينة بأنها ليست مريضة، بل اقتنعوا بأنها ممسوسة، فتقدموا إلى الكنيسة الكاثوليكية لطلب الإذن للشروع في عملية طرد الأرواح من جسد إيميلي (أناليس)، فرفضت الكنيسة في بادئ الأمر ونصحت أهلها باستكمال العلاج، إلا أنهم وافقوا في النهاية، فخضعت إيميلي (أناليس) لما يزيد عن 60 عملية طرد أرواح على مدار عامين، إلى أن ماتت في النهاية.

جريمة لا تغتفر

أظهرت التحقيقات أسباب وفاة أناليس، حيث نتجت الوفاة بشكل رئيسي عن سوء التغذية، فقد امتنعت إيميلي (أناليس) عن الطعام بسبب جلسات طرد الأرواح، بالإضافة إلى عدد كبير من الإصابات الجسدية وكسور في الركبة، نتيجة لوضعية الصلاة التي أُجبرت عليها لإتمام جلسات طرد الأرواح على الرغم من تشنجاتها الشديدة التي عانت منها أثناء نوبات الصرع.

وحكمت المحكمة على القساوسة الذين قاموا بهذه الجلسات بستة أشهر من السجن، وعفوا عن أهلها تقديرًا لما مروا به.

التفسير العلمي

تُجسد هلاوس مريض الصرع مخاوفه، وهذا هو ما حدث مع أناليس، حيث أننا ذكرنا في بادئ الأمر أنها كانت شديدة التديّن، وهو ما أقنعها بأنها ممسوسة فعلًا، فكانت تُصاب بتشنجات شديدة وتصرخ بشدة إذا سمعت آيات من الكتاب المقدس أو حتى رأت صليبًا، وقد زاد من هذا منع عائلتها لها من زيارة الأطباء وانقطاعها عن أخذ الدواء، فساءت حالتها وأخذت تشرب من بولها وتأكل الحشرات وتعض أفراد أسرتها.

كما ذكرت إيميلي (أناليس) في آخر جلسة طرد أرواح أسماء ستة شياطين ظنت أنهم يسكنون جسدها، وكان منهم قاين (ابن آدم في الرواية التوراتية)، ويهوذا (أحد تلاميذ المسيح)، ولوسيفر (الشيطان في الاعتقاد المسيحي)، وكما نلاحظ فكلها شخصيات في الإيمان المسيحي، وهو ما يثبت ما ذكرناه مسبقًا وهو أن هذه الهلوسات لم تكن إلا خيالات نابعة من قناعاتها المسبقة، فلم يكن ما تُعاني منه أناليس مسًا شيطانيًا أو ما شابه، فأعراضها كانت أعراضًا طبيعية للصرع كما وصفها الأطباء، كما كانت مداومتها على الدواء وابتعادها عن جلسات طرد الأرواح لينقذوا حياتها، إلا أنها وقعت ضحية للجهل والخرافة.

لسوء الحظ لا نمتلك علاجًا للصرع حتى اليوم. تطورت معرفتنا عنه بلا شك، ولكن لا نملك لكل الأمراض علاجًا حتى الآن، ولكن الأكيد هو أن العلاج ليس على أيدي الدجالين، يمكنك معرفة المزيد عن تقييم الحُجة لممارسة التفكير النقدي بما قد يساعدك على عدم الوقوع في مثل تلك المواقف من هنا.

المصادر

History of Yesterday
washingtonpost

ثلاث عادات لدماغ صحي

ثلاث عادات لدماغ صحي

يتزايد القلق بشأن حماية صحة أدمغتنا في عصرنا الحالي. اتفق العلماء على أن نمط الحياة الحديث يُشكل خطورة كبيرة على المادة الرمادية في أدمغتنا. إذ يؤدي في النهاية إلى جعل أدمغتنا أبطأ وأقل إبداعًا وكذلك أقل إنتاجية.

لكن ما الحلول التي ستحافظ على أدمغتنا لسنوات طويلة؟ لذلك في هذا المقال يمكنك التعرف على ثلاث عادات لدماغ صحي.

«المادة الرمادية هي أجسام خلايا عصبية وخلايا دماغية غير عصبية تسمي بالخلايا «الدبقية» ومحاطة بمايلين أبيض، وتأخذ اللون الرمادي الطبيعي للخلايا العصبية والخلايا الدبقية وتوجد في الغالب على سطح الدماغ أو القشرة الدماغية».

تعريف المادة الرمادية.

ربما تُوجب تلك الحلول عزيزي القارئ أن تعدل بعضًا من عاداتك مثل قلة النوم، وسوء التغذية، وعدم ممارسة الرياضة. كل ذلك يعرض دماغك للخطر؛ سنتحدث في هذا المقال عن العادات التي يتم تجاهلها والتي ستساعدك في الحفاظ على صحة دماغك بشكل أفضل ولعمر أطول.

ثلاث عادات لدماغ صحي

العادة الأولى: خرافة تعدد المهام

إذا ما قارنا بين العدد الهائل من المعلومات التي يتعين على دماغك التعامل معها في اليوم الواحد في العصر الذي تعيش فيه والعصر الذي عاش فيه والداك أثناء فترة المراهقة. فنحن بلا شك نعيش في عصر من «الحمل الحسي الزائد_Sensory Overload».

رسائل البريد الإلكتروني، وتويتر وإنستجرام، والأخبار والبث المباشر على مدار 24 ساعة! التدفق المستمر للمعلومات والذي يعني أن أدمغتنا نادرًا ما تحصل على فرصة لمعالجة شيء من ذلك الكم الرهيب من المعلومات.

هل تعدد المهام براعة؟

ويظهر شخص هنا فيقول: “لا مشكلة، فأنا بارع في تعدد المهام”. لكنه مخطئ. إذ أظهرت الأبحاث أنه على الرغم من إدعاء البعض ذلك، إلا أن تعدد المهام يؤدي إلى إضعاف الأداء والأسوأ من ذلك أنه يؤثر سلبًا على قدرات الدماغ.

دراسات تؤكد خرافة تعدد المهام

وفقًا لدراسة في «Gresham College»، فإن مجرد وجود بريد إلكتروني واحد غير مقروء في صندوقك الوارد أثناء محاولتك التركيز على مهمة ما، يمكن أن يضر بمهارة حل المشكلات لديك بما يُعادل 10 نقاط من معدل ذكائك.

كذلك يشرح «إيرل ميلر-Earl Miller» المتخصص في علم الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الدماغ البشري ليس مرتبطًا بأداء المهام المتعددة بشكل جيد.

عندما يقومون الناس بمهام متعددة، فإنهم في الواقع ينتقلون من مهمة إلى أخرى بسرعة كبيرة. في كل مرة يفعلون ذلك، المعرفة الخاصة بمهمة ما تقل.

ما نعتقده؟

نعتقد أننا من المحترفين في ألعاب الخفة. إذ نبقي كل الكرات تتحرك في الهواء. لكن في الواقع، إن متعددي المهام أشبه بلاعب خفة مبتدئ يستطيع الاحتفاظ بكرة واحدة ويُسقط باقي الكرات!

عليك حماية عقلك!

إن قبول كون تعدد المهام خرافة، يساعدك في تحديد طرق أفضل لحماية طاقة عقلك التي لا تُقدر بثمن. عليك أن تضع في عين الاعتبار كيف تستهلك طاقة عقلك على مدار اليوم في العديد من التطبيقات والأخبار.

عوضًا عن التحقق من رسائل بريدك الإلكتروني كل لحظة؛ فكر في تخصيص فترات زمنية قصيرة ومحددة لذلك في اليوم. أن تتفحصه مرة في الصباح ومرة بعد الظهر مثلًا. ابحث دائمًا عن طرق إبداعية لحماية عقلك من المعلومات غير الضرورية، مثال: استخدم التطبيقات التي تحد من مصادر التشتيت الأكثر إغراء لك خلال الساعات المحددة لمهمة ما.

إليك بعض التطبيقات التي ستحد من تشتيتك:

  • Dewo
  • FocusMe
  • Freedom
  • LeechBlock
  • سلطة الإنجاز

أو ربما تمتلك خاصية Focus mode في هاتفك.

العادة الثانية: تفاعل اجتماعيًا!

قبل فيروس كورونا، كان الشخص البالغ الأمريكي يقضي 17 ساعة يوميًا ملتصقًا بشاشة الكمبيوتر أو الهاتف أو التلفزيون… هذا يصل إلى 6259 ساعة في السنة، أي ما يعادل 44 عامًا من حياتك وجهك في وجه الشاشة!

التفاعل الاجتماعي

تحل الأدوات الرقمية في عصرنا محل التفاعل المادي بسرعة، ففي حين أن ذلك يجعل العمل عن بُعد أسهل. إلا أنه لا يفيد عقولنا إطلاقًا. إذ تشجع التفاعلات الاجتماعية على نمو الخلايا العصبية وتمنح أدمغتنا فرصة لتكوين روابط جديدة.

أوضحت إحدى الدراسات في جامعة ميشيغان أن 10 دقائق فقط من المحادثة اليومية وجهًا لوجه يحسن الأداء المعرفي والذاكرة بشكل ملحوظ. كما يُقلل التفاعل الاجتماعي الشعور بالوحدة والاكتئاب وكل منهما يهدد صحة أدمغتنا.

تعزيزان لدماغك!

ابحث عن طرق لفصل الأجهزة الإلكترونية الخاصة بك وتفاعل اجتماعيًا على مدار اليوم. اجتمع مثلًا مع عائلتك على العشاء واحظر جميع الهواتف من على الطاولة. خذ نزهة مع أحبائك واجعلها منتظمة؛ سيتيح لك التنزه الحصول على تعزيزين لدماغك وهما:

يمكنك الانضمام للمجموعات الاجتماعية عبر الإنترنت نتيجة استمرار وجود الوباء. ولكن بمجرد رجوع الحياة الطبيعية، حاول جعل هذه الأنشطة وجهًا لوجه.

العادة الثالثة: احم سمعك

لطالما تجاهلنا الجار المجاور لأدمغتنا، وهما الأذنان! لكن إذا فكرت في الأمر، فإن السمع هو أحد أهم الطرق التي يستقبل بها الدماغ المعلومات من عالمنا الخارجي. وذلك يعني أن عقلك يجب أن يعمل بجهد إضافي للانتهاء من مهمة ما في حالة التعرض للمؤثرات السمعية أثناء أدائها. وليس من العجب أن يرتبط ضعف السمع لدي كبار السن بقلة المادة الرمادية وبالتالي زيادة احتمالية الإصابة بالخرف.

مشاكل السمع في زيادة!

من المحزن أن مشاكل السمع تزداد. إذ تظهر علامات فقدان السمع الناجم عن الضوضاء لدى واحد من كل أربعة بالغين في أمريكا، مما يجعله أكثر الحالات الصحية المزمنة شيوعًا بعد مرض السكري ومرض السرطان.

لطالما تحدثنا عن العناية بصحتنا من خلال استخدام واقي الشمس على بشرتنا، واستخدام الواقي الذكري، وتناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة، ولكن قلَّما نناقش حماية سمعنا.

بعض الطرق لحماية أذنيك

إليك بعض الأشياء التي يمكنها أن تحميك من التلوث الضوضائي:

  • استخدام واقي للأذن أثناء استخدام آلات ذات صوت عالي.
  • ارتداء سدادات الأذن في الحفلات الموسيقية.
  • ارتداء سماعات إلغاء الضوضاء في الطائرات.
  • حافظ على مستوى الصوت في أجهزتك الإلكترونية عند الحد الأدنى.
  • تمتع بالصمت وجدول فترات راحة خالية من الضوضاء طوال يومك.

المصادر

كيف سيساعد الذكاء الاصطناعي في الحماية من حالات الانتحار؟

كيف سيساعد الذكاء الاصطناعي في الحماية من حالات الانتحار؟

أرقام وإحصائيات

• يسبب الانتحار وفاة حوالي (800000)شخص سنوياً حسب منظمة الصحة العالمية. بالإضافة للعديد من محاولات الإنتحار التي تفوق عدد الحالات الفعلية.[1]
• بحسب المنظمة؛ يصنف الانتحار كثالث سبب للموت للأشخاص بين عمر 15-19 عامًا. [1]
•تعتبر اللبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط صاحبة الحصة الأكبر في معدل حالات الانتحار بنسبة 79%. [1]
•ابتلاع المبيدات والشنق والأسلحة النارية هي أكثر الأساليب انتشارًا على مستوى العالم. [1]

ما الذي يمكن أن نفعله بينما ما يزال لدينا فرصة؟

يثار النقاش اليوم حول الانتحار أكثر من أي وقت مضى. وذلك مع انتشار (Covid-19) وزيادة العزلة بسبب الحجر، بالإضافة لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي.

يأمل (كولين والش) عالم البيانات في المركز الطبي في (جامعة فاندربيلت-Vanderbilt University)؛ أن يمنح الناس جوابًا عن سؤال “ما الذي يمكن أن نفعله بينما ما يزال لدينا فرصة؟وذلك من خلال توقع خطر الانتحار.

صنع والش وزملاؤه خوارزميات آلية التعلم بذكاء صنعي؛ تستطيع التنبؤ بدقة عالية بمحاولات الإقدام على الانتحار لمريض ما. كانت النتائج دقيقة بنسبة 80-90% عند التنبؤ بمحاولة شخص الانتحار خلال عامين قادمين، وبنسبة 92% في التنبؤ بمحاولة شخص الانتحار خلال أسبوع.

يستند التنبؤ إلى البيانات الموجودة في أوراق القبول في المستشفيات، ومن ضمنها العمر والنوع والرقم البريدي والأدوية والتشخيصات السابقة. جمع والش وفريقه بيانات 5167 مريضًا من المركز الطبي بجامعة فاندربيلت، ممن ثبت قيامهم بإيذاء النفس أو محاولة الانتحار، قرأ الفريق جميع الحالات لتحديد 3250 حالة حاولت الانتحار. [2]

استُخدمت هذه المجموعة المكونة من 5167 حالة لتدريب آلية من الذكاء الصنعي للتعرف على الأشخاص الذين يحاولون الانتحار. ومقارنتهم بالذين قاموا بإيذاء أنفسهم و وجود أي دليل على محاولتهم الانتحار.

بنى الباحثون كذلك خوارزمية للتنبوء بمحاولات الانتحار بين مجموعة مكونة من 12695مريضًا، تم اختيارهم بشكل عشوائي دون أي توثيق لتاريخهم في محاولة الانتحار. وأثبتت الآلة دقتها في التنبؤ بمحاولات الانتحار بين مجموعة كبيرة من المرضى الموجودين في المستشفيات.

إن البحث الذي نشره والش في مجلة (علم النفس العيادي- Psychological Science) في شهر أبريل مجرد خطوة أولى في هذا العم. فهو يعمل الآن على تحديد إذا ما كانت هذه الخوارزميات فعالة مع بيانات مختلفة تمامًا من مستشفى آخر، وبمجرد تأكده من نجاح النموذج يأمل أن يعمل مع فريق أكبر لوضع طريقة مناسبة للتدخل عملياً في منع الإنتحار.

يتوقع والش أن يمتلك برنامجًا للتدخل، وسيجري اختباره خلال العامين القادمين، ويضيف: “أعتقد أنه سيكون سريعًا إلى حد ما. لكن كلمة سريع فيما يتعلق بالعناية الصحية تعني خلال عدة أشهر”. [2]

إن الانتحار تصرف شخصي تمامًا. و يبدو أنه من المستحيل التنبؤ بحدوثه بدقة عالية إذ يعتمد التنبؤ به على مجموعة واسعة من البيانات.

تفاجأ والش وفريقه بملاحظة أن تناول عقار «ميلاتونين-Melatounin» له دور مهم في حسابات خطر الانتحار. ويعتقد أن «الميلاتونينMelatounin» لا يسبب التفكير في الانتحار، ولكن لا يوجد دليل مادي على ذلك، لكن أحد الأشياء المهمة المؤثرة في التعرض لخطر الانتحار هي اضطرابات النوم، ومن المحتمل أن الوصفات الطبية التي تحتوي على الميلاتونين تقلل من مخاطر اضطرابات النوم، رغم أنها فرضية لم يتم إثباتها بعد. [2]

دور الذكاء الاصطناعي أخلاقيًا

يثير هذا البحث العديد من الأسئلة الأخلاقية عن دور الحواسيب في العناية الصحية. وكيفية استخدام المعلومات الشخصية، حيث يتعين على الباحثين أن يقرروا أيضًا إلى أي مدى ستعتمد قراراتهم على الحاسوب فيما يتعلق برعاية المريض.

وكطبيب أولي يقول والش أنه لا يخجل من الاعتراف أنه قد يتبع تعليمات الذكاء بفاعلية. ولكن السؤال الحقيقي هو هل سيتطلب الأمر تغييرًا في طريقة تقديم الرعاية؛ لأن الحاسب هو من أخبرنا بما يجب فعله.

تعتمد خوارزميات الذكاء الصنعي ذاتية التعلم على البيانات الموجودة بالمستشفيات. لكن والش يعترف أن هناك أشخاص معرضون لخطر الانتحار ولم يدخلوا المستشفى من قبل، أي هناك العديد من الأرواح غير الخاضعة للرعاية الصحية. وإذا اعتمدنا على البيانات الموجودة في إعدادات الرعاية الصحية فقط فلن نحقق سوى جزء صغير من الطريق الذي رسمناه. [2]

هل يستطيع الباحثون الحصول على البيانات من مكان آخر؟

يعتبر الإنترنت أحد الخيارات الواعدة، فنحن نقضي وقتًا كبيرًا على فيسبوك وتويتر، لذا يمكننا استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بخطر الانتحار. لكننا بحاجة للقيام بهذا بالعمل أولًا لنتبين صحته وفاعليته.

أعلن فيسبوك في عام 2017 أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي لمراجعة المنشورات التي تدل على إيذاء النفس. وكانت النتائج أكثر دقة من البلاغات التي يحصل عليها من الأشخاص الذين يبلغون عن أصدقاءهم المعرضين للخطر.

إذاً فتدريب آلية الذكاء الصنعي للتعرف على العلامات التحذيرية للانتحار ليس أمرًا سهلًا. ومن أجل التنبؤ والتدخل بنجاح يعتقد والش أنه من الضروري أن نبعد وصمة العار عن الانتحار، فلن نتمكن أبدًا من مساعدة الناس بينما لا نستطيع التحدث عن الأمر بارتياح.

ولأن وفيات الانتحار تصل إلى 800 ألف حالة سنويًا على مستوى العالم؛فهذه قضية صحية عامة لا يمكن تجاهلها. ونظرًا لأن معظم البشر بما في ذلك الأطباء لا يستطيعون التنبؤ بحالات الانتحار بشكل جيد، فربما يقدم لنا الذكاء الصنعي حلًا مهمًا. في ظل تقييد قدراته طبعاً ومنع وصوله لبيانات أخرى للمرضى. [2]

تطبيقات عملية قريبًا

على الرغم من أن المنتجات والخدمات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة العقلية لا تزال غير ناضجة نسبيًا. إلا أن عددًا من الشركات والمؤسسات تعمل على تطوير تطبيقات وأجهزة جديدة ومحسنة، بمساعدة علماء مثل والاش. فجمع البيانات في الوقت الحقيقي والتحليلات التنبؤية للصحة العقلية والاستشارات الواعية هي مجالات تركيز مثل هذا البحث. [3]

وبهذه الطريقة سيساعد الذكاء الاصطناعي في الحماية أخيرًا من حالات الانتحار


المصادر

[1] who

[2] qz.com

synced [3]

الفن والتطور: هل للفن أصول تطوّرية؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

من الموسيقى والغناء والرقص إلى الرسم والأدب والنحت، كان تاريخ البشر حافلًا بالإبداعات الفنية. ولم تقتصر الفنون على كونها رفاهية ثقافية تفيد المتعة، بل شكلت جزءًا من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية. كان الفن موضع بحث للفلاسفة لفترة طويلة، إلا أن العلوم البيولوجية والنفسية ساهمت منذ الثمانينات في البحث عن الأسباب العلمية التي جعلت البشر يميلون إلى الفن ويبدعونه. بدورهم، درس الباحثون في علم النفس التطوري الأصول التاريخية للفن والعلاقة بين الفن والتطور، والبحث عن إجابة السؤال التالي، هل للفن أصول تطوّرية؟

التجارب الفنية الأولى للبشر

عندما نتحدث عن الفن، فنحن نعني أي نشاط إبداعي مميز يهدف بشكل أساسي إلى المتعة والتعبير عن الذات. وتشمل الفنون كل أنواع الإبداعات البصرية (الرسم والنحت والتصميم وغيرها)، وكل النشاطات الإيقاعية (الرقص والغناء وعزف الموسيقى) والخيال (تأليف الروايات والأدب والكتابة الإبداعية).

من أجل فهم معمّق لأصول هذه الفنون، لابد من الاطلاع على تاريخ نشأتها ابتداءً من العصر الحجري. بحسب علوم الآثار والحفريات، بدأ البشر منذ زمن طويل بنشاطات الحفر والتزيين والرسم والصبغ، وقد وُجدت أعمال تزيين بالخرز والنقش على قشر بيوض النعام في جنوب أفريقيا تعود إلى حوالي 75 ألف عام. كذلك وُجدت أغراض مزينة بالصدف في فلسطين (تعود إلى ما قبل 100 ألف عام) وفي الجزائر (قبل 35 ألف عام) وفي المغرب (قبل 75 ألف عام).

أما عن تاريخ الموسيقى فيُقال أن الموسيقى سبقت حتى القدرة على الكلام، ويعود صنع المزامير (أقدم الآلات الموسيقية) إلى ما يقارب 40 ألف عام.

ما هي العلاقة بين الفن والتطور؟ هل للفن أصول تطوّرية؟

يعمد علم النفس التطوري إلى تفسير السلوكيات البشرية من خلال البحث عن أصولها التطورية، وذلك من خلال ثلاث احتماليات أساسية:

  • السلوك عبارة عن تكيّف (Adaptation) أو مجموعة تكييفات حصلت تحت ضغط الانتقاء الطبيعي، أي أنه ساهم في زيادة النجاح الانجابي وفرص النجاة من المخاطر عند إنسان العصر الحجري، وقد ورثناه من أسلافنا عن طريق الجينات.
  • لا يملك السلوك صفة تكيّفية بنفسه، لكنه نتيجة لصفات تكييفية أخرى (By-product).
  • السلوك هو نتيجة عشوائية لطفرات أو تغيرات جينية (Random effect).

تعدّدت النظريات في علم النفس التطوري واختلفت بين نظريات تعتبر الفن ذا وظيفة تكييفية للبشر، وبين أخرى تعتبره نتيجة غير مباشرة لتطور قدرات عقلية واجتماعية تكيفية أخرى.

الوظائف التكيّفية للفن

عرض الباحثون في مجال علم النفس التطوري والعلوم المعرفية عدد من النظريات التي ترى في الفنون تكيّفات تطورية جرت على أساس الانتقاء الطبيعي.

  • الفن كاستعراض جنسي:

استوحى عالم النفس التطوري «جيوفري ميلر – Geoffrey Miller» من نظرية «الانتقاء الجنسي – Sexual selection» التي تفسّر سلوكيات الحيوانات في اختيار الشريك الجنسي، ليفسر ميل الانسان للفنون وتقديرها واعتبارها مميزة وذات قيمة جمالية.

تمامًا كاستعراضات ذكور الطيور من خلال الغناء والرقص وعرض الريش الملوّن بهدف إغواء الإناث. اعتبر ميلر أن الفن ربما قد لعب دورًا مشابهًا لاستعراضات الطيور عند البشر. فالفنون غالبًا ما تحتاج قدرات عالية من الذكاء والإبداع والصحة الجيدة والطاقة والحركات اليدوية الدقيقة والقدرات الإدراكية (البصرية / السمعية) المتفوقة وغيرها. ومن المحتمل أن استعراض الذكور من البشر لهذه الفنون كان وسيلة لإغراء النساء وجذب انتباههن.

  • تحسين القدرات العقلية والاجتماعية:

تساهم الفنون بتنمية العديد من القدرات العقلية، لذلك اعتبر عدد من العلماء في مجال علم النفس التطوري والعلوم العصبية أنها تملك وظيفة تكيّفية بنفسها، لأنها تزيد من قدرة الدماغ على حل المشاكل وأخذ خيارات أفضل.

فالخيال -مثل الخيال المستخدم في رواية القصص- يبعث على التحليل وتخيل مواقف اجتماعية ومحادثات وسمات الشخصيات المختلفة ورسم استراتيجيات عقلية. في هذه الحالة يمرّن الخيال القدرات العقلية للفرد دون التعرض لخطر حقيقي.

بحسب الباحث في الأدب والتطور «جوزيف كارول – Joseph Caroll»، فإن الأدب والفنون بشكل عام تلبّي الحاجة البشرية الفريدة لإنتاج ترتيب معرفي مشبع عاطفيًا وجماليًا. كما يعتبر أن الفن يساعد العقل البشري على التنظيم.

الفن كنتاج ثانوي للتطور

بينما نظر البعض للفن كوظيفة تكيّفية، اعتبر آخرون الفن نتيجة ثانوية للتطور، لكنه لا يملك صفة تكيّفية (By-product).

فبحسب عالم النفس المعرفي «ستيفن بينكر – Steven Pinker»، الفن هو نتيجة لعدد من التكيّّفات التي اكتسبناها عبر التطور. من جهة، القدرات العقلية سمحت لنا كبشر بإبداع الفنون والاستمتاع بها. من جهة أخرى، نمت عند البشر رغبة في الحصول على مركز اجتماعي، ولعلّ ممارسة الفن كانت وسيلة لتلبية هذه الرغبة.

يشمل بينكر في نظريته غالبية الفنون من الموسيقى إلى الرسم والرقص والنحت وغيرها. لكن يستثني بينكر الخيال (تأليف الروايات والقصص) من هذا. فقد اعتبره في الوقت عينه تكيّفي (لأنه يساعد البشر على تخيل المشاكل وحلها وينمي قدراته في التحليل والتفاعل الاجتماعي). كما اعتبره نتاج ثانوي للسمات التطورية الأخرى.

ما زالت العلاقة بين الفن والتطور غير واضحة الملامح وهي تطرح إشكاليات عدة. فالفن يشمل نشاطات مختلفة ومتعددة، كما يتخذ الفن طابعًا اجتماعيًا كبيرًا، أي أنه ينتقل من جيل إلى آخر من خلال التنشئة الاجتماعية. يشكّل هذا الأمر تحديًا لدراسته بشكل بيولوجي صرف. لكن الأكيد أن الفن على اختلاف أوجهه جمع البشر جميعًا، وتعدى دوره كمتعة ليصير حاجة اجتماعية وثقافية وعاطفية. فهل للحياة طعم دون فن؟ ما رأيك؟

المصادر:

ResearchGate
The arts after Darwin, Ellen Dissanayake
ResearchGate

Exit mobile version