المس الشيطاني في ميزان العلم

فكرة المس الشيطاني هي فكرة قديمة قِدَم الإنسان ذاته، فعندما لاحظ الإنسان الظواهر الطبيعية من حوله بدأ في نسج الأساطير وأخذ يعزو هذه الظواهر إلى كائنات خرافية، ومما استعصى على فهم الإنسان البدائي هي الأمراض العقلية والنفسية، فعزى هذه الأمراض إلى الشياطين والعفاريت والأرواح، وهو معذور إذ لم تتوافر لديه سبل البحث العلمي المتوفرة حاليًا، ولكن لا يصح في عصرنا هذا أن نفعل مثلما فعل الإنسان البدائي، لهذا سنستعرض اليوم أعراض ما يقال عنه أنه المس الشيطاني، وسنوضح الحالات المرضية وراء هذا الأعراض.

ملحوظة مهمة

لا يعد هذا المقال تشخيصًا طبيًا، وإنما هو مجرد بيان لحالات مرضية يُعتقد أنها بسبب المس الشيطاني، فإن واجهت أنت أو ذويك أيًا من هذه الأعراض عليك بمراجعة الطبيب في أقرب وقت.

الخوف من الرموز المقدسة والمس الشيطاني

يخاف البعض من الرموز المقدسة كالصلبان أو صور المسيح في الثقافة المسيحية، أو من تلاوة الكتب المقدسة كالقرآن في الثقافة الإسلامية، وغيرها من الرموز الدينية المقدسة المختلفة، بل وحتى الخوف من رجال الدين، مما يجعل من حولهم يظنون أنهم ممسوسون من شياطين تخاف من هذه الرموز، إلا أنهم في الواقع يعانون من مرض نفسي يُسمى ب «الهيروفوبيا-Hierophobia».

الأعراض:

قد تصل الأعراض إلى مرحلة متقدمة، حيث يتصبب المريض عرقًا عند رؤية الرموز الدينية، أو قد يطلب عدم التواجد في مكان تتواجد فيه تلك الرموز، بل وحتى قد يصاب بنوبات الذعر والارتجاف عند رؤيتها.

الأسباب:

• أسباب وراثية

وهنا يتم التحقق من التاريخ المرضي لعائلة المريض، حيث أن هذه الحالة قد تكون لدى أحد أفراد عائلته فانتقلت إلى المريض جينيًا.

• أسباب بيئية

قد يكون المريض تعرض لتجربة قاسية في مرحلة عمرية مبكرة مع الرموز المقدسة أو رجال الدين، فتتحول هذه التجارب إلى ذكريات مؤلمة.

العلاج:

توجد العديد من طرق العلاج النفسي لمثل هذه الفوبيا ومنها:

• «العلاج السلوكي المعرفي-Cognitive behavioral therapy»

• «العلاج بالتعرّض-Exposure therapy»



التشنجات العنيفة والمس الشيطاني

يعاني البعض من تشنجات عنيفة تأتي على شكل نوبات، مما يدفع من حولهم للظن بأن هذه حالة تلبس بالجن أو أنه المس الشيطاني، إلا أنه في الواقع مرض عصبي يُدعى «الصرع-epilepsy»

الأسباب:

ليس للصرع اسباب محددة لكن من بعض أسبابه:

• أسباب وراثية.
• الذكريات المؤلمة مثل الحوادث أو المشاهد العنيفة.
• بعض أمراض الدماغ مثل الجلطات والأورام.

الأعراض:

• التشنجات والحركة اللاإرادية
• ارتباك مؤقت
• فقدان الوعي

العلاج:

ليس للصرع علاجًا محددًا بعد، لكن من بعض الطرق التي تجدي نفعًا:

• الأدوية، والتي تخفف بدورها من حدة نوبات الصرع.
• العمليات الجراحية الدماغية.

ادعاء التواصل مع الشياطين والجن

يدّعي بعض الناس مشاهدة الشياطين والجن بل والتحدث إليهم، ونحن نصدقهم، فهم بالفعل يرون ذلك، إلا أنهم مرضى ب «الفصام-Schizophrenia».

الأسباب:

• أسباب وراثية
• عدوى فيروسية
• وجود مشاكل في كيمياء الدماغ
• سوء التغذية قبل الولادة (في رحم الأم)
• بعض الأدوية التي تؤثر على كيمياء المخ

الأعراض:

• الهلوسات، حيث يرى المريض أشياء ويسمع أصوات ويشم روائح غير موجودة، ويدعي سماع أصوات مخيفة ورؤية مناظر مرعبة.

• فقدان القدرة على التركيز وفقدان الذاكرة في بعض الأحيان.

العلاج:

• الأدوية
• «العلاج السلوكي المعرفي-Cognitive behavioral therapy»


خطورة التشخيص بالمس الشيطاني

لا تقتصر خطورة التشخيص الخاطئ بالمس الشيطاني على عدم تلقي المريض للعلاج الصحيح فحسب، بل إنها قد تقتله، ففي عام 2014 ماتت الفتاة الفلسطينية – ذات ال 17 عام – إسراء زوروب أثناء عملية طرد للأرواح، حيث أجبرها الشيخ على شرب لتر من الماء المالح ليخرج الجن من جسدها بدعوى أن الجن يكرهون الملح.

أو مثلما حدث في قصة أناليس ميشيل، والتي يمكنك قراءتها من هنا

المصادر



psychtimes

nami

merriam

mayoclinic





إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

يعاني الآلاف سنويًا من أعراض الأمراض النفسية والعقلية، إلا أنهم غالبًا ما يقعون ضحية لجهل أقربائهم، فبدلًا من محاولة علاجهم يذهبون بهم إلى الدجالين والمشعوذين، وهنا تتحول نوبة الصرع إلى عملية طرد للأرواح الشريرة، وما ينتج عن هكذا عمليات سوى سوء حالة المريض وتدهور حالته، إلا أننا اليوم على موعد مع ضحية تسببت هذه الممارسات في وفاتها، إنها أناليس ميشيل، التي جسدتها شخصية إيميلي روز من فيلم The exorcism of Emily Rose.

إيميلي روز، عندما يقع الإنسان ضحية لخرافاته

قصة أناليس

كانت إيميلي (أناليس) فتاة ألمانية طبيعية، كما كانت شديدة التديّن، حيث ولدت لعائلة كاثوليكية اصطحبتها للكنيسة يومين من كل أسبوع.

كانت حياة إيميلي (أناليس) طبيعية حتى بدأت ترى ما وصفته بالوجوه الشيطانية، فذهبت إلى المصحة النفسية، وهناك تم تشخيصها بالصرع، ووصف لها الأطباء عددًا كبيرًا من أدوية الصرع والذُهان.

إلا أن محاولات العلاج باءت بالفشل، فاقتنعت عائلتها المتدينة بأنها ليست مريضة، بل اقتنعوا بأنها ممسوسة، فتقدموا إلى الكنيسة الكاثوليكية لطلب الإذن للشروع في عملية طرد الأرواح من جسد إيميلي (أناليس)، فرفضت الكنيسة في بادئ الأمر ونصحت أهلها باستكمال العلاج، إلا أنهم وافقوا في النهاية، فخضعت إيميلي (أناليس) لما يزيد عن 60 عملية طرد أرواح على مدار عامين، إلى أن ماتت في النهاية.

جريمة لا تغتفر

أظهرت التحقيقات أسباب وفاة أناليس، حيث نتجت الوفاة بشكل رئيسي عن سوء التغذية، فقد امتنعت إيميلي (أناليس) عن الطعام بسبب جلسات طرد الأرواح، بالإضافة إلى عدد كبير من الإصابات الجسدية وكسور في الركبة، نتيجة لوضعية الصلاة التي أُجبرت عليها لإتمام جلسات طرد الأرواح على الرغم من تشنجاتها الشديدة التي عانت منها أثناء نوبات الصرع.

وحكمت المحكمة على القساوسة الذين قاموا بهذه الجلسات بستة أشهر من السجن، وعفوا عن أهلها تقديرًا لما مروا به.

التفسير العلمي

تُجسد هلاوس مريض الصرع مخاوفه، وهذا هو ما حدث مع أناليس، حيث أننا ذكرنا في بادئ الأمر أنها كانت شديدة التديّن، وهو ما أقنعها بأنها ممسوسة فعلًا، فكانت تُصاب بتشنجات شديدة وتصرخ بشدة إذا سمعت آيات من الكتاب المقدس أو حتى رأت صليبًا، وقد زاد من هذا منع عائلتها لها من زيارة الأطباء وانقطاعها عن أخذ الدواء، فساءت حالتها وأخذت تشرب من بولها وتأكل الحشرات وتعض أفراد أسرتها.

كما ذكرت إيميلي (أناليس) في آخر جلسة طرد أرواح أسماء ستة شياطين ظنت أنهم يسكنون جسدها، وكان منهم قاين (ابن آدم في الرواية التوراتية)، ويهوذا (أحد تلاميذ المسيح)، ولوسيفر (الشيطان في الاعتقاد المسيحي)، وكما نلاحظ فكلها شخصيات في الإيمان المسيحي، وهو ما يثبت ما ذكرناه مسبقًا وهو أن هذه الهلوسات لم تكن إلا خيالات نابعة من قناعاتها المسبقة، فلم يكن ما تُعاني منه أناليس مسًا شيطانيًا أو ما شابه، فأعراضها كانت أعراضًا طبيعية للصرع كما وصفها الأطباء، كما كانت مداومتها على الدواء وابتعادها عن جلسات طرد الأرواح لينقذوا حياتها، إلا أنها وقعت ضحية للجهل والخرافة.

لسوء الحظ لا نمتلك علاجًا للصرع حتى اليوم. تطورت معرفتنا عنه بلا شك، ولكن لا نملك لكل الأمراض علاجًا حتى الآن، ولكن الأكيد هو أن العلاج ليس على أيدي الدجالين، يمكنك معرفة المزيد عن تقييم الحُجة لممارسة التفكير النقدي بما قد يساعدك على عدم الوقوع في مثل تلك المواقف من هنا.

المصادر

History of Yesterday
washingtonpost

Exit mobile version