الإنسان الأخير .. كيف انقرض إنسان النياندرتال؟

إنها الشمس في أفق السماء، ترسل ما تبقى من أشعتها في نهاية هذا اليوم الحزين. في اللحظات العادية للبشرية، فإن هذا الأمر لا يعدو مشهدًا رومنسيًا جميلًا، أو على الأقل نهايةً عاديةً ليوم عادي. لكن، إذا كانت هذه اللحظة هي لحظة نهاية العالم، حرفيًا، ومجازيًا، فلا أعتقد أن الأمرَ سيكون مريحًا. يطل إنسان النياندرتال من فتحة كهفه على ذلك الغروب الكئيب للشمس. أمام عينيه، السماء، التي بدأت تتلون باللون الرمادي، وتنخر أذنيه نقاط المياه التي نخرت أيضًا طبقات الزمن. تصدر صوتًا اشبه بحازوقة الأطفال، لكن وللأسف، لم يعد هنالك أطفال، ولا أثر لإنسان أخر، قد يشارك هذا البائس غروبه الأخير. انقرض إنسان النياندرتال .

لكن وبعد ألاف السنين، عاد الصوت ليصدح من جديد في هذا الكهف القديم. صوت المعدات الأثرية لعلماء الأثار، وصوتٌ أخر لأغنية الإنسان الأخير.

أحد عشر سنًا

لم يرحل إنسان النياندرتال عن هذه الأرض بدون أن يخلف لنا شيئًا لنتذكره. بل شاءت الصدفة أيضًا أن يكون أثرًا ربما يدل على قاتله. إحدى عشر سنًا وجدوا سنة 1910 في كهف 《La Cotte de St. Brelade》 على جزيرة 《جرسي – Jersey》 قرب السواحل الشمالية الغربية لفرنسا. اعتبرت هذه الأسنان لفترة طويلة لعدة أفراد من النياندرتال. لكن دراسةً حديثة أجريت عليها أثبتت أنها تعود لنوع هجين من الإنسان. لنوع يتداخل فيه النياندرتال مع الإنسان العاقل في مرحلة عاش فيها النوعان معًا.

أظهرت الدراسة أن إثنين على الأقل من الأسنان المدروسة تحمل خصائص تعود للنياندرتال و للإنسان العاقل على حد السواء. الدراسة المنشورة في مجلة  Journal of Human Evolution  والتي قام بها باحثون من 《متحف التاريخ الطبيعي – Natural History Museum》 مع فريق من 《معهد الاثار -institute of archaeology》 وفريق من 《جامعة كنت- university of kent》 أكدت أن جذور الأسنان (Root) تشبه كثيرًا جذور أسنان النياندرتال، لكن 《العنق -Neck》 《والتاج- Crown》 في السن فهي تشبه أسنان الإنسان الحديث اليوم.

 استعمل الباحثون 《التصوير المقطعي المحوسب – Computed tomography 》كتقنية لمسح الأسنان من أجل دراستهم وهذه التقنية أدت إلى اظهار تفاصيل دقيقة لم تكن متاحة من قبل.

إن أهمية هذه الدراسة تكمن في أن عمر هذه الأسنان يعود لأقل من 48 ألف سنة. أي بذات الفترة التي عاش فيها الإنسان العاقل مع إنسان النياندرتال. هذه المرحلة الانتقالية كانت مجهولة سابقا وربما نكون الأن قد أزحنا الستار عن السبب الحقيقي لانقراض إنسان النياندرتال.

سنان للنياندرتال وجدوا في جزيرة جيرسي. الصورة لمتحف التاريخ الطبيعي.

أشباه البشر

إن هذا الكهف على جزيرة جيرسي قد سكن من 200 ألف سنة. وبالإضافة إلى الأسنان فقد كشفت الحفريات التي أجريت فيه في أوائل القرن العشرين عن 20 ألف أداة حجرية بالإضافة لعظام ماموث ووحيد القرن الصوفي. هذا الكهف كان بحجمه الكبير نادرًا جدًا وقد سكن لألاف السنين.

أما النياندرتال الذي ظهر من 400 ألف سنة تقريبًا فقد سكن هذا الكهف من 200 ألف سنة. وانتشر في منطقة كبيرة من أوروبا الغربية إلى سيبيريا. كان النياندرتاليون أقصر وجسمهم أضخم من جسم الإنسان العاقل. وهؤلاء البشر كانوا أقوى عضليًا من العقلاء وأدمغتهم أكبر وكانوا أكثر تكيفا مع المناخات الباردة. استخدموا النار والأدوات وكانوا صيادين جيدين ويبدوا أنهم اعتنوا بمرضاهم وعجزتهم. (اكتشف علماء الأثار عظاما لنياندرتال عاشوا عدة سنين مع إعاقات جسدية حادة مما يدل على أن أقاربهم كانوا يعتنون بهم.) كانت الفكرة السائدة عن أن النياندرتال كانوا سكان كهوف همجيين وأغبياء لكنها تغيرت اليوم.

التواصل بين الإنسان العاقل والنياندرتال قد حصل تقريبا من 45 ألف سنة. هذه المجتمعات التي وجدت خلال العصر الحجري القديم الأوسط هي دليل محتمل على أن الانقراض ربما ليس أفضل كلمة لوصف مصير إنسان النياندرتال.

نرشح لك أيضًا: كيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

علاقة حميمية قاتلة

لم يصل الإنسان العاقل إلى أوروبا الا قبل 70 ألف سنة تقريبا. فقد انتقل أولًا إلى الجزيرة العربية ومنها إلى أوراسيا. وعندما وصل الإنسان العاقل إلى الجزيرة العربية كان معظم أوراسيا مستوطنًا حينها من قبل أنواع بشرية أخرى. وبالفعل مع استقرار الإنسان العاقل في مناطقه الجديدة بدأت أعداد هذه المجموعات البشرية الأصلية تتناقص حتى انقرضت نهائيا.

فما الذي حدث لهم؟

علميًا هنالك عدة نظريات لكن معظمها يدور حول نظريتين أساسيتين: 《نظرية التهجين – Interbreeding Theory》. والتي تخبرنا عن انجذاب وعلاقات جنسية وامتزاج بين الأنواع. وحسب هذه النظرية تزاوج المهاجرون الأفارقة الذين انتشروا حول العالم مع مجموعات بشرية أخرى وبشر اليوم هم نتاج هذا التهجين.

على سبيل المثال عندما وصل العقلاء الى أوروبا التقوا بالنياندرتال وعاشوا معًا لمدة 5000 سنة قبل أن يختفي الأخير. وفقًا لنظرية التهجين عندما انتشر العقلاء في أراضي مجموعة النياندرتال فإن المجموعتين تزاوجتا معًا حتى اندمجتا. فإذا كان هذا هو ما حدث فإن الأوراسيين اليوم ليسوا عقلاء أنقياء فهم خليط من العقلاء والنياندرتال.

تسرد النظرية المضادة والتي تسمى《 نظرية الإحلال Replacement- Theory》 قصة مختلفة محورها الإختلاف والنفور وربما الإبادة الجماعية. وفقًا لهذه النظرية فإن العقلاء وبقية الأنواع البشرية كانت لديهم اختلافات تشريحية وعادات تزاوج مختلفة بل وحتى روائح أجسام مختلفة. وإن الاهتمام الجنسي لأحد النوعين بالأخر كان ضعيفًا. فحتى لو وقع روميو نياندرتال في حب جوليت الإنسان العاقل فلن يمكنهما إنجاب أبناء يتمتعون بالخصوبة. فالفجوة الجينية الفاصلة بين المجموعتين لا يمكن تجاوزها اصلًا.

 بقت المجموعتان متمايزتان تمامًا. وعندما مات النياندرتال أو قُتل ماتت جيناته معه. فوفقًا لهذا الرأي فان العقلاء حلوا محل كل المجموعات البشرية السابقة دون أن يندمجوا معًا. فإذا كان هذا ما حدث فإن أنساب جميع البشر المعاصرين يمكن ارجاعها حصريا إلى شرق أفريقيا قبل 70 ألف سنة. إن كل واحد منا اليوم هو عاقل نقي.

لكن وعلى العكس فإذا كانت نظرية التهجين صحيحة فستكون هناك اختلافات جينية بين الأفارقة والأوروبيين والأسيويين تعود لمئات ألاف السنين.

خريطة توضح مناطق بعض الأنواع البشرية وإنتشار الإنسان العاقل (مواقع التواصل)

البقاء للأصلح

كانت نظرية الإحلال هي الرائجة سابقًا وقد سندتها أدلة أثرية وكانت أصح من الناحية السياسية. لكن ذلك انتهى عام 2010 عندما نشرت نتائج جهود أربع سنوات لتحديد جينوم النياندرتال.

كانت الجهود كلها مركزة لعقد مقارنة بين جينوم النياندرتال وجينوم الإنسان الحديث. حيث اتضح أنه ما بين 1-4 بالمئة من جينوم البشر المميز للمجموعات المعاصرة في الشرق الأوسط وأوروبا هو جينوم نياندرتال. أيضًا بعدها بعدة أشهر عثر على أحفورة عظمة إصبع تعود إلى فرد من نوع دينوسوفا. أظهرت أن نسبة 6 % من جينوم سكان أستراليا الأصليين المعاصرين هو جينوم دينوسوفا.

لكن بما أن النسبة هذه قليلة، صعب الحديث عن اندماج تام بين الأنواع. يبدو أنه من 50 ألف سنة كان العقلاء والنياندرتال والدينوسوفا قادرين على التزاوج وإنتاج ذرية. يمكن أن نفكر الأن في أننا كبشر عقلاء عاشرنا نوعًا مختلفًا وأنجبنا منه أولاد!

يمكن للدراسة المنشورة حديثًا في مجلة تطور الإنسان أن تكون من أبرز الأدلة التي تدعم نظرية التهجين. فهي قد سلطت الضوء على المرحلة الانتقالية التي تزاوج فيها النياندرتال مع الإنسان العاقل. وامتص فيها الإنسان العاقل جينات النياندرتال ومع مرور الوقت لم يعد هنالك وجود للنياندرتال. 

لكن هل يوجد تفسير أخر؟

إن التفسير الآخر الوحيد لظهور هذا النوع الجديد المهجن من الإنسان هو أن هذه المجموعة قد طورت في بيئة مغلقة مزيجا غير عادي من السمات بمعزل عن غيرها. لكن في هذا الوقت في العصر الجليدي الأخير وبسبب انخفاض مستوى سطح البحر، كانت جيرسي مرتبطة بالتأكيد بفرنسا المجاورة. لذا فإن مستوى العزلة طويل الأمد أمر غير مرجح.

لا تزال الصورة غير واضحة كليًا سيعمل الفريق الآن على تحليل DNA لعظام هذا النوع الهجين من أجل تأكيد وجود هذه المرحلة الانتقالية. عندها ستميل الكفة إلى الفرضية القائلة بأن الإنسان العاقل استطاع أن يمتص جينات النياندرتال ويدفع به إلى الانقراض.

عاش الإنسان العاقل خلال العشرة ألاف سنة الماضية وهو يألف كثيرًا أنه النوع البشري الوحيد لدرجة أنه من الصعب علينا تصور احتمال أخر. سهل عدم وجود إخوة وأخوات لنا أن نعتبر أنفسنا صفوة الخلق، لكن ماذا لو بقي النياندرتال والدينوسوفا جنبًا إلى جنب مع الإنسان العاقل؟ أي نوع من المجتمعات والسياسات والبنى الثقافية كانت ستنشأ؟ للأسف لن نجد الجواب فهذه الأنواع قد انقرضت للأبد.

*ملاحظة: استعان الكاتب إلى جانب البحث المنشور في مجلة Journal of Human Evolution بكتاب العاقل تاريخ مختصر للجنس البشري للكاتب يوفال نوح هَراري وبكتاب أقارب Kindred للعالمة ريبيكا راغ سايكس.

المصادر:

كيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

كم مرة في اليوم نحمل القلم لنكتب أو نفرقع اصابعنا للفت الانتباه؟ نمسك هاتفنا الذكي لنتصفح بعض المواقع، أو حتى نفتح كيسًا من البطاطس المقرمشة للتسلية؟ كم من مرة نستخدم أصابع أيدينا لنمسك او نصنع الأشياء؟ يقولون إننا لا نعرف قيمة الأشياء إلا بعد أن نفقدها. لكن في بعض الأحيان تكون هذه الأشياء هي من أعطت قيمة لحضارتنا بأكملها. تطور الإبهام عند البشر منذ ما يقارب مليوني سنة وبعدها غير التاريخ البشري بدون رجعة. فكيف يمكن لإبهامٍ صغير أن يحمل حضارةً بأكملها؟

الإبهام في أيدينا وعلى الرغم من صغر حجمه (مقارنةً بباقي الجسد) ارتكزت عليه حضارتنا الإنسانية بأكملها. هذه المعجزة التطورية سمحت لأسلافنا الأوائل بصناعة الأدوات وزيادة خيارات غذائهم. تقترح دراسة حديثة منشورة في مجلة Current Biology أن الإبهام كما نعرفه اليوم ربما يكون قد ظهر من حوالي مليوني سنة. وفي الغالب قد ظهر مع جنس الإنسان.

مهارة يدوية قديمة

منذ مليوني سنة كان البشر الأوائل يعيشون في شرق أفريقيا. كان يمكن أن نجد بعض الشخصيات التي تشبه الشخصيات البشرية اليوم، عدة أطفال يلعبون بالطين، وبعض الشباب المشغولين في بعض الأعمال، وعدة عجائز كانوا قد شاهدوا هذا كله.  لعب هؤلاء البشر وكونوا صداقات وعملوا وتنافسوا عل السلطة. لكن هذا أيضا ما فعلته حيوانات أخرى كالشنابز والفيلة.. لم يكن هنالك ما يميز البشر بل كانوا حيوانات عديمة الأهمية لا يتجاوز تأثيرهم على بيئتهم تأثير الغوريلات أو قنادل البحر.

تمتلك العديد من الرئيسيات إصبع الابهام لكن القليل منها يشبه إبهام الإنسان. فإبهام الإنسان مواجه ومناسب بشكل دقيق لكف اليد مما يسمح له بالقيام بالعديد من الأعمال الدقيقة. ويرى العلماء أنه من أهم هذه الأعمال التي ساعد فيها الإبهام البشر الأوائل كانت صناعة الأدوات.

تشير 《كاتارينا هارفاتي – Katerina Havarti》  المشاركة في الدراسة، أن المهارة اليدوية المرتبطة مباشرة بصناعة الأدوات كانت تحددها الأبحاث سابقًا فقط من خلال المقارنة التشريحية لعظام يدي الإنسان المعاصر مع أحافير متحجرة لأيدي بشر قدماء. ومدى التشابه بين العظام كان يحدد قدرة البشر القدماء في صنع الأدوات. هذه المهارة اليدوية والتي ربطت سابقًا بتطور يد الإنسان كانت تؤرخ لحوالي 2.5 مليون سنة.

كانت الأبحاث في السابق تنظر إلى 《الأسترالوبثقس – Australopithecus》 بأنهم يمتلكون إبهاما متطورًا بسبب قدرتهم على صنع بعض الأدوات. والأسترالوبثقس ربما كانوا السلف المباشر الذي تطور منه الإنسان.

تذكير

تطور البشر لأول مرة في شرق أفريقيا منذ حوالي 2.8 مليون سنة من جنس أسترالوبثقس والتي تعني الإنسان الجنوبي. وقبل حوالي مليوني سنة ترك بعض هؤلاء الرجال والنساء موطنهم ورحلوا إلى المناطق الشاسعة في شمال أفريقيا وأوروبا وآسيا واستوطنوها. ولأن البقاء في الغابات الثلجية في شمال أوروبا تطلب سمات تختلف عن تلك المطلوبة للبقاء في أدغال أندونيسيا الحارة، فإن المجموعات البشرية تطورت في اتجاهات مختلفة.

في أوروبا وغرب آسيا تطور البشر إلى نوعان: Homo Neanderthalensis والمعروف شعبيًا بالنياندرتال وهو أضخم من الإنسان العاقل وله عضلات أكبر تمكن من التكيف مع مناخ العصر الجليدي البارد. أما في شرق آسيا فسكن نوع بشري يدعى 《الإنسان المنتصب- Homo Erectus》 وبقي هنالك لمدة مليوني سنة. في المناطق الاستوائية عاش 《إنسان سولو- Homo Soloensis》. وبقي البشر يتطورون في شرق أفريقيا أيضًا، وصولًا إلى 300 ألف سنة من يومنا حيث ظهر 《الإنسان العاقل- Homo Sapiens》.

 ميزة تطورية

بالعودة إلى الدراسة فإن المهارة اليدوية لجميع أنواع الإنسان الذي سكن العالم القديم وصولًا لنوعنا اليوم كانت أكثر تطورًا من باقي أنواع الرئيسيات مثل الشمبانزي. فقد اعتمدت هذه المهارة على حركة إبهام فعالة ودقيقة مكنت الإنسان من صناعة واستخدام أدوات أكثر تعقيدًا.

من أجل التوصل إلى هذه النتيجة درس الباحثون أيادٍ بشرية حديثة مع أيادٍ لشمبانزي وعدد كبير من أحافير نوع الإنسان منهم هومو نياندرتالينسيس وهومو ناليدي وثلاث أنواع من الأسترالوبثقس وقد اعتمد الباحثون على عنصرين لتحليل هذه العظام هما تشريح عظام الكف والأنسجة الهشة.

صورة تبين شكل العضلات المستعملة لاحتساب فعالية حركة الإبهام
Image: Katerina Harvati, Alexandros Karakostis, Daniel Haeufle

ولأن العضلات تتحلل في الأحافير بشكل طبيعي، فقد ركز الباحثون مجهودهم على تحديد المكان الذي كان مهيئ لها على سطح الطبقة العظمية. هذه العضلة كانت مسؤولة عن حركة الإبهام. وقد تم احتساب نسبة المهارة اليدوية التي امتلكها كل نوع عبر المقارنة التشريحية لعظام اليد بالإضافة إلى انشاء تمثيل افتراضي ثلاثي الأبعاد لليد البشرية .

بينت النتائج أن جميع أنواع الجنس البشري ومن مليوني سنة قد أظهروا تطور بحركة الإبهام بشكل فعال. وهذا الأمر يدل على الأهمية العظيمة لهذه الميزة التطورية في التطور الثقافي الحيوي لجنسنا. فقد ظهرت هذه الميزة في ذات الفترة تقريبًا التي ازداد فيها مستوى صنع واستعمال الأدوات الحجرية في أفريقيا. وفي ذات الفترة التي تميزت بزيادة مستوى التعقيد الثقافي في العالم القديم. ومع أن نوع 《الهومو ناليدي- Homo naledi》 الذي كان يعيش في ذات الفترة تقريبًا في جنوب أفريقيا امتلك دماغًا صغيرًا نسبيًا إلا أن هذه الميزة التطورية قد وجدت في أحافير تعود له أيضًا.

نرشح لك أيضا: الفينيقيون الجدد .. كيف ترسم السياسة حدود الحضارات؟

ثقافة مبنية على حركة إصبع

هذا التطور في صناعة واستعمال الأدوات الحجرية أدى إلى استغلال متزايد وتدريجي للموارد الغذائية الحيوانية. فقد تمكن الإنسان عبر أدوات أفضل من صيد حيوانات أضخم ومن محاربة الحيوانات الأشرس. وبعد أن كان الإنسان ينتظر دوره ليأكل ما تبقى من الفريسة بعد الأسود والضباع أصبح على رأس الطابور. فقد ظهر الإنسان المنتصب وهو من اشباه البشر ذوي الأدمغة الكبيرة والأجساد الضخمة وقد سكن في أفريقيا وأوراسيا.

بالطبع لم يكن من الممكن أن تبنى هذه الثقافة على حركة الإبهام فقط. فهي كانت بحاجة لتفكير أكبر ولحجم دماغ يساعد على ذلك. وهذا ما حصل بعد أن ازدادت الخيارات الغذائية للإنسان عبر تناول لحوم أكثر.

بعد هذا البحث يسعى الفريق اليوم للنظرعن كثب إلى مجموعات أخرى محددة منها النياندرتال. ليرسم صورة أكبر لمدى تطور المهارة اليدوية للبشر القدماء. ومدى اختلاف مهارتهم عن المهارة التي نمتلكها اليوم. ويأمل الفريق أن التحقيقات الأبعد ستظهر نتائج جديدة لانتشار الاستعمال المنظم للأدوات بين اقاربنا القدماء. أما أنت وفي المرة القادمة التي تمسك فيها هاتفك لتصفح موقع الأكاديمية أو لطلب ديلفري للغداء تذكر أن إبهامك قد ساعدك على ذلك.

ملاحظة:

استعان الكاتب الى جانب البحث المنشور في مجلة  Current Biology  عل كتاب “العاقل تاريخ مختصر للنوع البشري” للكاتب يوفال نوح هراري.

المصادر

  1. الدراسة المنشورة في مجلة Current Biology

علم النفس التطوري: عقل العصر الحجري في جماجمنا الحديثة

هذه المقالة هي الجزء 1 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

حاول العلماء والباحثون والفلاسفة عبر الزمن البحث عن أسباب أفكارنا و مشاعرنا وأصول سلوكياتنا وتصرفاتنا. وتعدّدت المدارس والفروع العلمية والنظريات، إلا أن أحدثها بدأ يتعمّق في دور الجينات في تحديد حاجاتنا ورغباتنا. من هنا، بدأ الحديث عن علم النفس التطوري الذي يدرس تأثير التطور ودوره في تشكيل عقلنا البشري الحالي. فما هو علم النفس التطوري؟ وماذا يخبرنا عن دماغنا؟

الصراع الفلسفي القديم

منذ أيام أفلاطون، وُجد صراع قديم في الفلسفة حول ما إذا أننا نملك معرفة غير  مُكتسبة أم أن معارفنا تأتي حصرًا من اختبارنا للعالم. فقد اعتبر الفيلسوف «جون لوك-John Locke» أن أدمغتنا تولد معنا كصفحة بيضاء، وأن كل ما نعرفه اكتسبناه عن طريق التجربة. في المقابل، عارضه الفيلسوف «جوتفريد ليبنيز – Gottfried Leibnez» الذي اعتبر أن بعضًا من معرفتنا وُلد معنا ويُعتبر جزءًا من بنيتنا. أما اليوم، فبتنا نعلم أن رغم أننا نكتسب الكثير من خلال تجاربنا الحسية والتنشئة الاجتماعية، فإننا نولد مع خصائص معينة اكتسباها عبر الوراثة. من هنا، نشأ علم النفس التطوري الذي يدرس تطور العقل البشري كما نعرفه اليوم من خلال الانتقاء الطبيعي.

الانتقاء الطبيعي وتطور العقل البشري

من أهم عناصر تطوّر الكائنات الحية هي عملية الانتقاء الطبيعي التي تسمح بالبقاء للكائنات التي تملك الخصائص الأكثر تكيفًا مع محيطها، وتنقلها هذه الكائنات إلى الأجيال اللاحقة.

لذلك، تتميّز الكائنات بما يسمى بالـ “تكييفات – Adaptations” وهي عبارة عن خصائص جسدية أو سلوكية موروثة، ومفيدة لناحية التناسل أو البقاء على قيد الحياة. وكما تتأثر الكائنات بالبيئة المحيطة بها، فهي بالمقابل تساهم أيضًا بنفسها في تغيير الظروف البيئية التي تتعرض لها وتتكيف لأجلها.

علم النفس التطوري

ما زال السؤال الفلسفي نفسه يُطرح اليوم في العلوم المعرفية: إلى أي مدى يتأثر الدماغ بالخصائص الموروثة عبر الانتقاء الطبيعي؟ وإلى أي مدى يتأثر بالتنشئة الاجتماعية؟

يمكن تعريف علم نفس التطور أنه فرع من علم النفس يدرس السلوكيات والأفكار والمشاعر من وجهة نظر تطورية. وهو علم حديث، نشأ في نهاية الثمانينيات، وقد أتى كنتيجة للعديد من المجالات العلمية الأخرى من الإيثولوجيا (علم سلوك الحيوان) وعلم النفس المعرفي وعلوم الأحياء التطورية والأنثروبولوجيا (علم الأنسنة) وعلم النفس الاجتماعي.

علم نفس التطور قائم على أربعة اعتبارات أساسية هي التالية

– يعتبر علم النفس التطوري أن الدماغ البشري هو نتيجة لعملية الانتقاء الطبيعي.
– تكيف دماغنا ليتأقلم مع المحيط الذي عاش فيه أسلافنا، وليحل المشاكل التي واجهوها.
– القدرات الذهنية التي طوّرها أسلافنا لمجابهة مشاكلهم والبقاء على قيد الحياة في محيطهم هي قدرات قابلة للوراثة، أي أنها تنتقل جينيًا من جيل إلى آخر.
– أدمغتنا البشرية كما نعرفها الآن هي أدمغة أجدادنا التي راكمت التطور على مدى كل العصور التي سبقتنا.

عقل العصر الحجري

يُعتبر الزوجان، «ليدا كوسميدس-Leda Cosmides» عالمة النفس الأميركية وعالم الأنثروبولوجيا الأميركي «جون توبي-John Tooby»، مؤسّسا علم النفس التطوري. وانتشرت لهما عبارة شهيرة تقول:

«جماجمنا العصرية تأوي عقل العصر الحجري – Our modern skulls house a Stone Age mind».

فبحسب علماء النفس التطوري، إن معظم تاريخ جنسنا البشري قضيناه كمجموعات عشائرية صغيرة في السافانا الأفريقية، في ظروف بيئية حارة جدًا. وذلك منذ حوالى مليون و 800 ألف سنة حتى 10 آلاف سنة قبل الآن، وكانوا معتمدين على الصيد بشكل أساسي. لذلك يعتبر العلماء أن هذه الفترة هي المسؤولة عن القسم الأكبر من تطور الدماغ البشري، وسمّوا تلك البيئة بـ «بيئة التكيف التطوري – Environment of evolutionary adaptation».

لم تبدأ الزراعة حتى قبل خمسة آلاف سنة، أما الثورة الصناعية فهي حدثت منذ مئتي عام فقط. هذه الفترة لا تتعدى الواحد بالمئة من إجمالي التاريخ البشري، لذلك فإن التكييفات التي اكتسبناها ناتجة عن الفترة التي سبقتها.

ولكن إلى أي مدى تتناسب التكييفات التي حافظت على حياتنا في العصر الحجري أساليب حياتنا اليوم؟ لا شك أننا نمتن بالكثير للانتقاء الطبيعي الذي جعل أدمغتنا بأشكالها الحالية. إلا أن بعض التكييفات التي ورثناها أصبحت غير مفيدة، أو حتى مضرة أحيانًا للجنس البشري وتسمّى بالـ«Mal adaptations». نذكر مثلًا أن الرغبة في تناول كميات كبيرة من الملح والسكر كانت حاجة أساسية في ذلك العصر لتأمين الحاجة من الطاقة الأساسية للعيش. أما تناول هذه الكمية في أيامنا هذه، مع انتشار الأطعمة المالحة والحلوة وتوفرها الدائم، أصبح يشكل خطرًا على صحة الإنسان الذي يعيش في البيئة الحضارية.

يعطي عالم النفس الكندي «ستيفن بينكر – Stephen Pinker» مثالًا آخرًا على هذا النوع من التكيفات “Mal adaptations”. وهو الخوف الغريزي والحشوي  من الأفاعي والعناكب. رغم أنها لم تعد قاتلة وخطيرة على حياة الإنسان، ولا تقتل العدد الذي تقتله القيادة دون حزام أمان سنويًا، إلا أن ردة فعلنا الغريزية ناتجة عن الخطر الذي كانت تمثله هذه الكائنات على حياة البشر في العصر الحجري.

إذًا باختصار، أدمغتنا تشبه أدمغة أسلافنا الذين عاشوا في العصر الحجري أكثر بكثير مما نتوقع. هذه نبذة صغيرة عمّا توصّل إليه علم النفس التطوري، لكنه ما زال في خطواته الأولى في البحث عن أصولنا الفكرية والعقلية والسلوكية.

المصادر
Britannica
Coursera : Philosophy and the sciences, The University of Edinburgh

كيف نفهم التشابه الجيني بين الإنسان والموز في ضوء نظرية التطور؟

استنكر عبدالله رشدي منذ أيام الشبه الجيني بينه وبين الموز، ورفض اعتباره دليلًا على التطور، وقد ذكر هذا الاعتراض في مقطع مصوّر له على يوتيوب يمكنك مشاهدته من هنا، إلا أنه وقع في 7 أخطاء علمية ومنطقية نناقشها ونرد عليها فيما يلي:

1- الأصل المشترك للنبات والحيوان

يقول عبدالله رشدي في الدقيقة 0:40 من مقطعه متحدثًا عن الخلية الأولى: “وهذه الخلية بعدما دبت فيها الحياة، انقسمت إلى قسمين، قسم طلع منه الأحياء النباتية اللي هي الأشجار بقى وكل ما هو نباتات، والقسم التاني خرج منه الأحياء الحيوانية”

وهذا الكلام لا وزن له في ميزان العلم، حيث أن آخر سلف مشترك بين الحيوانات والنباتات (LECA) – وهو اختصار لكلمة (Last Eukaryotic Common Ansector) بمعنى (آخر سلف مشترك من حقيقيات النوى) – قد عاش على الأرض منذ قرابة 1.6 بليون سنة (1)، علمًا بأن الخلية الأولى وُجدت منذ 3.7 بليون سنة على الأقل (2)، فهناك فارق زمني بين أول خلية وبين آخر سلف مشترك بين النبات والحيوان يبلغ حوالي 2.1 بليون سنة.

2- الخلط بين نظرية الانتخاب الطبيعي (داروين) ونظرية جان باتيست لامارك

في الدقيقة 4:03 يشرح مفهوم النشوء في نظرية داروين قائلًا: “النشوء هو خروج صفات في الكائنات الحية وفقًا للمؤثرات البيئية”

إلا أن هذه ليس ما تدعيه نظرية داروين على الإطلاق، فهذه نظرية عالم الطبيعيات الفرنسي «جان باتيست لامارك-Jean-Baptiste Lamarcke»، ولتبسيط الأمور دعونا نشرح الفرق بين النظريتين بمثال الزرافة، تدعي نظرية لامارك أن الزرافات كانت ذات أعناق قصيرة، ثم وهبت البيئة الزرافات أعناقًا طويلة بسبب ارتفاع الأشجار.أما نظرية داروين فتخبرنا أن الزرافات ذات الأعناق الأطول حصلت على فرصة أعلى في الغذاء من تلك ذات الأعناق القصيرة، وبالتالي التكاثر ونقل جيناتها إلى الأجيال التالية، مما أدى إلى انقراض الزرافات قصيرات العنق، وبقاء الزرافات ذات الأعناق الأطول، وهذا شرح بسيط لنظرية الانتخاب الطبيعي لداروين.(3)

3- مغالطة التوسل بالعاطفة

ثم ينتقل عبدالله رشدي في الدقيقة 6:53 إلى الحديث عن دور نظرية التطور في عمليات التطهير العرقي قائلًا: “فبدأ هنا ينشأ فكرة العنصرية، وبدأ يُرسخ للفكر العنصري” ثم يقول بعد ذلك أن هذا كان سببًا في عمليات التطهير العرقي التي قامت بها الحركة النازية.

في الواقع، لوم داروين على العنصرية مشابه للوم نيوتن على الصواريخ البالستية، فلا أعتقد أنه من الصواب لوم عالم على الاستغلال الخاطئ لنظريته العلمية والتي تهدف بالأساس لفائدة البشرية.

إلا أن نظرية التطور لم تقل أن عرقًا بشريًا أفضل من عرق آخر، فهذه صورة خاطئة عن التطور، إنما الأجناس البشرية المختلفة موجودة في شجرة تطورية معقدة (4)، الأمر أشبه بفروع شجرة، وليس بسهم ينطلق من الأقل تطورًا إلى الأعلى.

وحتى لو افترضنا أن نظرية التطور تقول بذلك -وهو ما ليس بصحيح-، فإن هذا لا ينفي من كونها صحيحة، وهنا وقع عبدالله رشدي في مغالطة منطقية تُدعى «التوسل بالعاطفة-Appeal to emotion»، وهو التلاعب بعواطف الجماهير لنقد فكرة ما (5)، بدلًا من استخدام العقل والمنطق، فكونها أخلاقية أو لا لن ينفي صحتها.

4- التشابه الجيني بين عبدالله رشدي والموزة

ثم يقول في الدقيقة 9:09 “مع إن على فكرة صباع الموز متشابه معايا في تقريبًا 50% من التكوين بتاعي”

وهذا حقيقي، فالإنسان يتشابه مع الموز في الجينات بنسبة 50%، وهذا لأن أصل الحياة كان من خلية واحدة، فنحن البشر نمتلك خلايا حيوانية، بينما يمتلك الموز خلايا نباتية، وعندما انقسم السلف المشترك بين النبات والحيوان (LECA) منذ 1.6 بليون، سنة فإن كلًا من السلف المشترك لكل الحيوانات والسلف المشترك لكل النباتات كانا مشتركين في نسبة كبيرة من الجينات، فهما ينحدران من أب واحد، وبالتالي هناك تشابه جيني بين الحيوانات والنباتات، فالجينات المسئولة عن العمليات الخلوية داخل الخلية مثل نسخ الحمض النووي، والتحكم في دورة الخلايا، ومساعدة الخلايا على الانقسام تتشاركها العديد من النباتات(بما فيها الموز) مع الحيوانات، ونعني بالتشابه الجيني هنا أن الجينات المسئولة عن العمليات الحيوية داخل الخلية النباتية لها نظائر مشابهة تقوم بنفس الوظيفة في الخلايا الحيوانية، إلا أنهم لا يمتلكون نفس تسلسل الحمض النووي(6)، فسواء عليك أصدقت ذلك أم لم تصدق فإنه يظل حقيقة.

5- التشابه الجيني بين الإنسان والقرد

وقع عبدالله رشدي في الدقيقة 9:29 في أكبر خطأ علمي له في المقطع عندما قال: “التشابه الجيني لا يمكن أن يُقرر بناء عليه أنه حتمًا كان هناك سلف مشترك”

وهذا خطأ علمي فادح، حيث أن معرفة الأشقاء قائمة على مقارنة جيناتهم عن طريق «اختبار الحمض النووي-DNA test»، وعندما نجد أن نسبة التشابه كبيرة جدًا فهذا يعني أن لهما أبًا واحدًا، ولكن دعونا نفكر في ذلك بشكل آخر.

الجينات هي ما يحدد خصائص الكائن الحي الجسدية (الخارجية والداخلية)، والجينات لا يمكن أن تنتقل من جسد لآخر إلا عن طريق التكاثر، فوجود جين ما مشترك بين كائنين دليل على أنهما انحدرا من أب واحد لهما في الماضي السحيق، فالتشابه الجيني بين الكائنات هو أقوى الأدلة على فكرة السلف المشترك ونظرية الانتخاب الطبيعي. (7)

6- اختلاف عدد الكروموسومات بين البشر والشيمبانزي

ثم يردد حجة الكروموسومات في الدقيقة 9:46 عندما قال: “إضافة إلى ذلك إن الشيمبانزي مختلف مع الإنسان في عدد الكروموسومات اللي موجودة في الخلية”

في الواقع، تحدث اختلافات أحيانًا في أعداد الكروموسومات داخل الجنس الواحد، ويحدث هذا الاختلاف نتيجة حدوث أخطاء في عملية نسخ الجينات أثناء «الانقسام الميوزي-Meiosis» الذي ينتج الحيوانات المنوية والبويضات، فمن الطبيعي حدوث اختلافات في أعداد الكروموسومات على مدار 3.7 بليون سنة.(8)

وهذه بعض الحالات التي تنتج عن اختلاف عدد الصبغيات (الكروموسومات) داخل الجنس البشري(9):

• «متلازمة داون-Down syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم زائد مماثل للزوج رقم 21، وبالتالي فإن كل خلايا الجسم تحتوي على 47 كروموسوم بدلًا من 46.

• «متلازمة كلاينفلتر- Klinefelter syndrome»، وتنتج عن وجود كروموسوم X زائد في الحيوان المنوي، فيصبح تكوين الجنين XXY.

• «متلازمة تيرنر-Turner syndrome»، وتحدث في الإناث نتيجة عدم نقص وجود كروموسوم X بشكل كلي أو جزئي.

7- البقاء للأقوى

ثم يختم عبدالله رشدي أخطاءه بسوء فهم لمفهوم الانتخاب الطبيعي في الدقيقة 11:50 قائلًا: “بتنشأ النهاردة أجيال من الأمراض وأجيال من الشباب وأجيال من البشر هم أضعف بكثير من آبائهم وأجدادهم”

وهذا أيضًا خطأ كبير في فهم النظرية، فالنظرية لا تدعي ضرورة استمرار النوع الأقوى، أو الأسرع، أو الأذكى، لكنها تتنبأ باستمرار النسل الأنسب لظروف بيئته، ودعونا نتناول بعض الأمثلة فيما يلي(10):

• كان حيوان الماموث ذا كتلة جسدية وعضلية كبيرة، إلا أن كتلته كانت عائقًا أمام نجاته من صيد البشر له، ولم يسعفها حجمها.

• نجت الثدييات والطيور الصغيرة من حادثة انقراض الديناصورات لأنها كانت أسرع واستطاعت الاختباء، ولم يسعف الديناصورات حجمها أو قوتها.

• تستمر الطيور ذات المناقير الأصغر لأنها تستطيع أن تلتقط بها الحبوب الصغيرة، بينما تواجه الطيور ذات المناقير الكبيرة صعوبة في التقاط الحبوب.

اقرأ أيضًا: الرد على خمس ادعاءات لمعارضي نظرية التطور

المصادر:

التاريخ الكبير: كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

إن أحد أكبر الأسئلة المحيرة هو السؤال عن أصل الأنواع، كيف لكل هذه الأشكال المختلفة من الحياة أن تنشأ؟ كيف يمكن أن يوجد كل هذا التعقيد؟ كيف يمكن لشيء معقد كعين الإنسان أن يكون موجودًا؟ كل هذه الأسئلة التي حيرت الملايين على مر العصور، حتى أننا لجأنا لتفسيرها بالخرافات والأساطير، لكن العلم بات يعرف الإجابة، وهي التطور، ولكن كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

الحوت الأزرق هو أكبر الكائنات الحية على وجه الأرض اليوم، قد يصل طوله إلى 30 مترًا، كما قد يصل وزنه إلى ما يزيد عن ال100 طن!

يستطيع الحوت الأزرق التهام ما يزيد عن نصف مليون سعرة حرارية بمجرد أن يفتح فكيه، إلا أنه ليس بسمكة، فالحوت الأزرق من الثدييات، حيث سيموت اختناقًا إن بقي تحت الماء، فيجب عليه أن يصعد للسطح بين الحين والآخر، ليستنشق بعض الهواء، كما أن إناثها لا تبيض، وإنما تلد صغارها، ومن ثم تشرع في إرضاعها.

لى النقيض، الفيروسات هي أصغر ما يمكن أن نعتبره شكلًا من أشكال الحياة، حيث يبلغ حجمها بضعة نانومترات فقط، كما أنها لا تستطيع التكاثر ذاتيًا، وإنما تحتاج إلى خلية حية لتستولي عليها، وتحولها إلى مصنع للفيروسات المشابهة.

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

جميعنا نحب الكلاب، أليس كذلك؟ ولكن من منا يحب الذئاب؟ بالضبط، لا أحد.
ولكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن الكلاب ما هي إلا سلالة منحدرة من الذئاب الرمادية، إذ استطاع أجدادنا استئناف بعض هذه الذئاب، وقادوا عملية التهجين، وانتقاء السلالات المرغوبة، وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، نتج ما لدينا اليوم من فصائل متنوعة للكلاب، ويمكنك عزيزي القارئ ملاحظة الشبه الكبير بين كل من الذئاب والكلاب.

كيف يعمل التطور

في القرن التاسع عشر، قدم «تشارلز داروين-Charles Darwin»، وصديقه «ألفريد راسل والاس-Alfred Russell Wallace» نظريتهما بشأن التطور، وهي تنص على أن التطور ليس بحاجة إلى العنصر البشري، فالطبيعة تقوم بانتقاء بعض الأجناس دونًا عن الأخرى، لنتخيل معًا هذا السيناريو:

نحن في بيئة ثلجية، ولدينا دببة بنية اللون، وأخرى بيضاء،  تستطيع الفرائس أن تلمح وجود الدببة البنية من على بعد كبير، وذلك للاختلاف الكبير بين اللون البني والأبيض، مما يسمح للفرائس بوقت أكبر للهرب، مما يقلل من فرص حصول الدببة البنية على الطعام، مما يجعل تكاثرها واستمرار نسلها أصعب، إذ ستكون أكثر عرضة للانقراض.

على النقيض، فالدببة البيضاء مموهة بفضل تشابه لون فرائها مع لون الثلج، مما يجعل ظهورها مفاجئًا للفريسة، وبهذا يستمر نسل الدببة البيضاء، بينما يختفي نسل الدببة البنية من هذه المنطقة الثلجية، وهذا ما يفسر وجود الدببة القطبية في البيئات الثلجية.

كيف يحدث التطور؟

كل الكائنات الحية قادرة على التكاثر، إذ تقوم بنقل جيناتها إلى الأجيال القادمة، لتصنع نسخًا متطابقة منها، لكن الطبيعة ليست بذلك الكمال، إذ قد تحدث بعض الأخطاء، فتحدث الطفرات الجينية، وهنا تكمن المغالطة، فالبعض يربط الطفرات بالتشوهات، ولكن الطفرات ليست كلها سيئة بالضرورة، فما هي إلا تغيرات جينية تعطي صفات جديدة للكائنات الحية.

الخلاصة

ليست نظرية التطور مفسرة لأصل الحياة، ولا هي عن أصل الكون، وإنما هي تشرح أصل الأنواع، فهي تفسر كيف تنوعت الكائنات الحية بعد أن نشأت الحياة للتو، وهي أفضل تفسير لدينا بهذا الشأن.

المصدر:

Coursera

تزايد وجود الشريان الوسيط في الذراع يدلنا على استمرار التطور

غالبًا ما يستدعي تصور مظهر جنسنا البشري في المستقبل البعيد تكهناتٍ جامحة حول ميزات بارزة مثل الطول وحجم الدماغ وبشرة الجلد. ومع ذلك، فإن التحولات الطفيفة في تشريحنا اليوم توضح إلى أي مدى يمكن أن يكون التطور غير متوقع. خذ على سبيل المثال شيئًا عاديًا مثل وعاءٍ دمويٍ إضافيٍ في أذرعنا (مثل الشريان الوسيط)، والذي يمكن أن يكون شائعًا في غضون بضعة أجيال، وفقًا لاتجاهات التطور الحالية.

لاحظ باحثون من جامعة فليندرز وجامعة أديلايد في أستراليا أن الشريان الذي يمتد للأسفل خلال مركز ساعدينا (مؤقتًا) أثناء وجودنا في الرحم لا يختفي تمامًا كما كان مُسبقًا. وهذا يعني أن هنالك عدد متزايد من البالغين الممتلكين لقناة وعائية إضافية تتدفق تحت معصمهم. كان علماء التشريح يدرسون انتشار هذا الشريان عند البالغين منذ القرن الثامن عشر، وأظهرت الدراسة الحديثة أنه يتزايد بشكل واضح. وجد الشريان في حوالي 10% من الأشخاص المولودين في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، و في حوالي 30% من المولودين أواخر القرن العشرين. إن هذه زيادة كبيرة في فترة زمنية قصيرة إلى حدٍ ما، عندما يتعلق الأمر بالتطور.

يتشكل «الشريان الوسيط-The median artery» مبكرًا خلال التكون الجنيني في جميع البشر، وينقل الدم مارًا خلال مركز أذرعنا لتزويد أيدينا النامية بالدم.

تمر ثلاثة شرايين رئيسية في الساعد – يكون الشريان الوسيط في المنتصف.

في حوالي الأسبوع الثامن من التكون الجنيني، يضمحل الشريان الوسيط، تاركًا مهمة تزويد الأذرع بالدم لشريانين أخرين – «الشريان الكعبري-radial artery» (الذي نتحسسه خلال قياس النبض قرب المعصم) و «الشريان الزندي-ulnar artery».

عرف علماء التشريح لبعض الوقت أن هذا الاضمحلال في الشريان الوسيط ليس ثابتًا. ففي بعض الحالات، يبقى متواجدًا لمدة شهر تقريبًا. في بعض الأحيان يولد الأفراد حاملين لهذا الشريان، مع وجود تباين في مناطق تغذيته، فقد يغذي الساعد فقط، أو في بعض الحالات اليد أيضًا. لمعرفة مدى انتشار هذا الشريان، قام لوكاس وزملاؤه ماسيج هينبيرج وجاليا كوماراتيلاك من جامعة أديلايد بفحص 80 طرفًا لجثث متبرعين أستراليين من أصل أوروبي.

تراوحت أعمار المتبرعين من 51 إلى 101 عند الوفاة، مما يعني أنهم ولدوا جميعًا تقريبًا في النصف الأول من القرن العشرين. تم ملاحظة عدد المرات التي عثروا فيها على شريان متوسط ​​مكتنز قادر على حمل كمية جيدة من الدم، وقارنوا الأرقام مع السجلات البحثية القديمة، مع الأخذ في الاعتبار التعدادات التي يمكن أن تبالغ في وصف مظهر الشريان.

حقيقة أن الشريان يبدو أكثر شيوعًا بثلاث مرات الآن بين البالغين مما كان قبل أكثر من قرن، هو اكتشاف مذهل يشير إلى أن الانتقاء الطبيعي يفضل أولئك الذين يحتفظون بهذا الإمداد الدموي الإضافي. يمكن أن تكون هذه الزيادة ناتجة عن طفرات في الجينات المرتبطة بتطور الشريان الوسيط ​​أو مشاكل صحية لدى الأمهات أثناء الحمل، أو كليهما.

قد نتخيل أن وجود الشريان المتوسط ​​مستمر يمكن أن يعطينا قدرة أفضل على تحريك الأصابع أو ساعدين قويين. ومع ذلك، فإن وجوده يضعنا أيضًا في خطر أكبر للإصابة بـ «متلازمة النفق الرسغي-Carpal tunnel syndrome (CTS)»، وهي حالة غير مريحة تجعلنا أقل قدرة على استخدام أيدينا. يتطلب تحديد العوامل التي تلعب دورًا رئيسيًا في تواجد الشريان المتوسط ​​دون اضمحلال مزيدًا من الدراسة. من المحتمل أن نرى تزايدًا في أعداد هذا الشريان في السنوات القادمة. وإذا استمر هذا المنوال، فإن غالبية الناس سيحملون الشريان المتوسط ​​في الساعد بحلول عام 2100، كما يقول لوكاس.

هذا الارتفاع السريع للشريان المتوسط ​​عند البالغين لا يختلف عن عودة ظهور عظم الركبة الذي يُطلق عليه اسم «فويلة-fabella»، وهو أيضًا أكثر شيوعًا ثلاث مرات اليوم مما كان عليه قبل قرنٍ من الزمان. على الرغم من صغر هذه الاختلافات، إلّا أن التغييرات الطفيفة في «التطور المجهري-Microevolution» تضيف ما يصل إلى الاختلافات واسعة النطاق التي تحدد نوعًا حيويًا ما.

تم نشر هذا البحث في مجلة «Journal of Anatomy».

المصادر: Science Alert, lintelligencer
إقرأ أيضًا: ما دور الانتقاء الجنسي في عملية التطور؟

التاريخ الكبير: كيف بدأت الحياة على كوكبنا؟

إن أحد أكثر الأسئلة التي تظهر مدى جهلنا بالكون هو كيف بدأت الحياة على كوكبنا؟

كيف لكل هذا التعقيد أن ينشأ؟ العشرات من الآلاف من العمليات الكيميائية الحيوية، التي تحدث بداخلك بينما تقرأ هذا المقال. لكن العلم لديه بعض الآراء والفرضيات بهذا الشأن.

التشابه بين الكائنات الحية وعلاقته بكيفية بداية الحياة

إذا ما تأملت أشكال الحياة من حولك، فستجد تشابهات كثيرة، لنأخذ على سبيل المثال آلية عمل الفيروسات، لا تستطيع الفيروسات التكاثر ذاتيًا، لذا تتكاثر الفيروسات عن طريق زرع مادتها الوراثية بداخل خلية حية، مما يحول تلك الخلية لمصنع ينتج آلاف الفيروسات من نفس النوع، إنه لغريب حقًا كيف تحولت الخلية من كائن قائم بذاته، إلى مصنع لكائن آخر، وكل هذا حدث بمجرد تغيير المادة الوراثية للخلية، فقد قام الRNA الخاص بالفيروس بتغيير وظيفة الخلية كليًا.ولكن ما علاقة هذا بنشأة الحياة؟

هذا يخبرنا أن للحياة أصل مشترك واحد، وأن الحياة نشأت من كائن أولي واحد.على سبيل المثال، نحن تستطيع أن نأكل الموز، فكر بهذا، لماذا نستطيع هضم الموز؟ لأنه وببساطة، حجر الأساس الذي يكون الموز، هو نفسه حجر الأساس الذي يكوننا، بل والذي يكون كل الكائنات الحية.جرب مثلا أن تأكل صخرة، لن تستطيع، لأنه لا يوجد قاسم حيوي مشترك بينك وبين الصخرة، لذا فبما أن بعض الحيوانات تتغذى على النباتات، وبعض الحيوانات تتغذى على آكلات النباتات، فكلهم لديهم أصل واحد.

البحث عن أصل الحياة

ولكن هل يمكننا تتبع هذا السلف المشترك؟ الإجابة هي نعم وبكل تأكيد، فالسجل الأحفوري للنباتات، يخبرنا بوجود حفريات لنباتات بعمر 3 بليون سنة، ولكن هذا لا يمكن أن يكون هو أصل الحياة، إذ أن به الكثير من التعقيد الذي لا يمكن أن ينشأ من كيمياء بسيطة، لذا فأصل الحياة أبسط من هذا.

أين نشأت الحياة؟

هناك العديد من الفرضيات التي تدعي بأن أصل الحياة من خارج الأرض، وأن السماء أمطرت علينا نيازكها محملة بأولى الكائنات الحية، ولكن هذا لا يجيب عن السؤال، هو فقط يلقي بالمشكلة في مكان آخر، لذا فسنركز على ادعاء نشأتها على الأرض.

كيف بدأت الحياة

لنحول المواد الكيميائية الميتة إلى كائنات حية، نحتاج إلى بعض المركبات الكيميائية المعقدة، كالأحماض الأمينية على سبيل المثال، كما نحتاج أيضًا إلى طاقة كبيرة، لتحول هذه المركبات الكيميائية المعقدة، إلى خلية حية غاية في التعقيد، ولحسن الحظ، كل هذا كان موجودًا قبل 3 بليون سنة، فقد كانت البراكين على كوكبنا أكثر نشاطًا، وذلك بسبب زيادة الحرارة، لذا فيمكننا أن نفترض أن الحياة نشأت حول أحد الفوهات البركانية، الموجودة في أعماق المحيطات، حيث توجد الكثير من الحرارة لتحويل الكيمياء الميتة إلى كائن حي، ولكن كما نرى من حولنا، يمكننا رؤية الكائنات الحية الدقيقة في صراع دائم مع بعضها البعض، من أجل البقاء، بل أن بعضها يتغذى على البعض الآخر، لذا فيمكننا القول بوجود العديد من الكائنات الأولية الدقيقة، التي تصارعت في أعماق المحيطات من أجل البقاء، إلى أن نجح نوع واحد بالاستمرار، مما أدى إلى وجودك الآن تقرأ هذا المقال.

الخلاصة

لا يمكننا الجزم بشأن أصل الحياة، فليس بمقدورنا التأكد من هذا بآليات العلم التجريبي، ولكن يمكننا الخروج ببعض الافتراضات والسيناريوهات وفقًا لما نراه من حولنا، ومن يدري؟ أليس من الممكن أن يكون من يكتشف أصل الحياة هو أحد قُرّاء هذا المقال؟

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam

coursera

لقراءة سلسلة التاريخ الكبير ج6 من هنا

ملخص كتاب “تنانين عدن: تأملات عن تطور ذكاء الإنسان ” لكارل ساغان

ملخص كتاب “تنانين عدن: تأملات عن تطور ذكاء الإنسان” لكارل ساغان

يقدم كارل ساغان في هذا الكتاب دراسة رائعة عن نظرية التطور والدور الهام الذي لعبته في تقدم علوم البيولوجيا، فيقول الكاتب في مقدمة كتابه أن مدة التطور أو التغيير الوراثي كانت طويلة جدًا في الماضي فتحول نوع إلى نوع آخر يستغرق مئات الألوف من السنين ولكن الآن عملية التطور لا تحتاج فترة طويلة فنحن نعيش في عالم يتغير بسرعة بالغة، وأضاف أنه برغم أننا أحيانًا نصنع هذه التغيرات بأنفسنا إلا أننا يجب أن ننتبه لها وإلا اندثرنا.

كما ناقش الكاتب مبدأ التطور بالانتقاء الطبيعي الذي لاحظه وكتب عنه تشارلز داروين وألفرد راسل في منتصف القرن التاسع عشر، فمن خلال الانتقاء الطبيعي ظهرت كائنات أكثر توافقًا مع البيئة عن طريق نمو أعضاء مركبة تخدم تغيير الحياة من حول هذه الكائنات وتقلل من خطر الفناء، وتابع الكاتب في شرح وجهة نظره في أجزاء مختلفة من نظرية التطور مقسمًا إياها في تسعة فصول.

الفصل الأول: التقويم الكوني

يرى الكاتب أنه بالرغم من أن هناك أزمانًا سبقتنا لا نعرف عنها الكثير لعدم وجود سجلات مكتوبة عنها إلا أننا نستطيع التعامل مع الماضي السحيق عن طريق دراسة الطبقات الجيولوجية مثلًا أو عن طريق دراسة الكواكب البعيدة ومجرة درب التبانة ومعرفة الوقت منذ حدوث الانفجار العظيم الذي قد يكون بداية الكون حقًا أو قد يكون انقطاعًا عن الحياة السابقة.

ثم ذكر الكاتب طريقة للتعبير عن التاريخ الكوني عن طريق ضغط 15 بليون سنة التي تعتبر عمر الكون وتمثيلها في سنة واحدة فقط وعرضها كما في الجداول الآتية.

الفصل الثاني: المخ والجينات

وضح كارل ساغان، أن مع التطور البيولوجي للكائنات الحية ازداد التركيب الجيني تعقيدًا، والكائنات الحية اليوم تحتوي على معلومات جينية مخزونة، أكثر بكثير من تلك الكائنات التي كانت تعيش من مائتي مليون سنة مثلًا، كما أن أبسط الكائنات الموجودة اليوم، لها تاريخًا تطوريًا مثل الكائنات الأكثر تعقيدًا، حتى وإن كانت كمية المعلومات الموجودة في أجسادها لا تزيد كثيرًا عن تلك التي كانت موجودة في أجدادها، ولكنها شاهدت تطورًا كبيرًا غير من تلك المعلومات على مدار سنوات طويلة.

ثم أعطى الكاتب لمحة بسيطة عن المادة الوراثية في الكائنات الحية، وتكونها من أحماض نووية تنقسم إلى نوعين (Deoxyribonucleic acid-DNA) و(Ribonucleic acid-RNA)
وذكر الكثير من التفاصيل للوحدات المكونة الأحماض النووية وتركيبها، ثم أضاف أنه من الممكن الحكم على تعقيد كائن حي بمجرد دراسة سلوكياته وكمية المعلومات الوراثية الموجودة في داخله.

وتطور الكائنات الحية على مدار السنوات السابقة كان بسبب حدوث طفرات في مادتها الوراثية وقد تحدث الطفرات بسبب تعرض الكائن الحي الإشعاع مثلًا أو الأشعة الكونية، وعلى الرغم من أن معظم تلك الطفرات يستطيع الجسم إصلاحها عن طريق نظام معين يدعى (Genetic repair mechanism) وهو عبارة عن مجموعة من الجزيئات هدفها الأساسي إصلاح أي خلل في المادة الوراثية، ولكن هناك طفرات مستعصية لا يستطيع النظام إصلاحها فتغير من الكائنات الحية لتستطيع مواكبة التغيرات الدائمة المحيطة بها.

وتحدث طفرة في كل عشرة أمشاج في الكائنات الحية الكبيرة وتحدث عشوائيًا وتكون بأكملها ضارة وتسبب صفات متنحية لا يظهر تأثيرها في الحال ولكن يظهر على المدى الطويل.

ثم طرح الكاتب تساؤلًا عن كمية المعلومات التي توجد في المخ وناقش فرضيتين مختلفتين واحدة تفترض أن أجزاء المخ متماثلة القدرات حيث يمكن لأي جزء من أجزاء المخ أن يحل محل أي جزء آخر ولا يمكن حصر لمكان الوظيفة، أما الثانية تفترض أن أجزاء المخ محددة الوظائف، أما رأي الكاتب أن الحقيقة تقع بين الفرضيتين فيمكن أن تكون هناك روابط عصبية بين وظائف المخ لضمان الجودة والحماية من الحوادث فعند وجود خلل في مكان ما يمكن أن يقوم جزء آخر بأداء وظيفة المكان التالف.

ثم ناقش العلاقة بين نسبة وزن المخ إلى وزن الجسم ونسبة ذكاء الكائنات الحية، فيولد الطفل البشري ونسبة وزن مخه إلى وزن جسمه حوالي 12% وخلال الثلاث سنوات الأولى من عمره يستمر المخ وخاصة جزء القشرة المخية في النمو، أما في سن السادسة فيكون وزن المخ البشري حوالي 90% من وزنه عند الراشدين، كما وضح أن وزن المخ عند الرجال أكبر من النساء ولكن لا اختلاف في نسبة الذكاء بين الجنسين ونسب ذلك إلى أن كتلة أجساد الرجال أكبر من النساء وبالتالي فإن نسبة وزن مخهم إلى جسدهم لا تختلف كثيرا عن النساء وبالتالي لا تختلف نسبة الذكاء.

ولكن تلك الفرضية لا تنطبق على الحيوانات الصغيرة جدًا لأن أداء بعض الوظائف الحيوية يتطلب حد أدنى من وزن المخ.

الفصل الثالث: المخ والمركبة

يطرح الكاتب في هذا الفصل بعض وجهات النظر فيما يتعلق بقضية تطور المخ والتي تشترك جميعها أن بعد كل خطوة تطورية تبقى الأجزاء القديمة كما هي لأنها مهمة لما تؤديه من وظائف لازمة للحياة أما الطبقات الجديدة المضافة تؤدي وظائف مختلفة لازمة لمواكبة تغيرات الكون.

كان بول ماكلين رئيس معمل تطور المخ والسلوك في المؤسسة الوطنية للصحة النفسية يلعب دورا أساسيا في تأكيد تلك النظرية، فقد كان ماكلين يجري تجاربه على العديد من الحيوانات واستطاع استنتاج ووصف نموذج جذاب لتكوين المخ أطلق عليه اسم المخ الثلاثي وشبهه بثلاث آلات حاسبة بيولوجية متصلة ببعضها البعض ولكن لكل منها ذكاء خاص ووظائف خاصه حتى إحساس خاص بالزمان والمكان، وكل واحد من هذه الأجزاء يمثل مرحلة تطورية معينة ويمتلك خريطة تشريحية خاصة.

وقد اعتبر ماكلين أن أقدم أجزاء المخ يتكون من النخاع الشوكي والبصلة (Medulla oblongata) والجسر الذي يتكون من المخ الخلفي والأوسط، والاتحاد بين النخاع الشوكي وهذين الجزئين يكون ما أسماه ماكلين بالشاسية العصبي الذي يحتوي على الآلية الأساسية للتكاثر وحفظ النوع وتنظيم الدورة الدموية والتنفس، ووصل في نهاية أبحاثه إلى أن مخ الأسماك والبرمائيات يتكون من هذه الأجزاء فقط.

وافترض وجود ثلاثة أنواع من الشاسية العصبي يوجد أقدمها حول المخ الأوسط ويتكون من أجزاء معينة تتشارك فيها الثدييات والزواحف وأغلب الظن أنه ظهر منذ مئات السنين وأسماه ماكلين (Reptile complex) أو (R complex) أو مركب “ز”.

وتتشابه فرضيات ماكلين مع نظرية إرنست هيكل عالم التشريح الألماني في القرن التاسع عشر، والتي وضح فيها أن نمو الجنين يصحبه إعادة تكرار للمراحل التطويرية التي مر بها، واستنتج من هذا أن الانتقاء الطبيعي يعمل على الأفراد البالغين وليس على البويضات والأجنة وأن أغلب التغيرات التطويرية تظهر بعد الولادة وأن التطور بالإضافة والاحتفاظ بالقديم يحدث لأن الوظيفة القديمة ما زال الجسم في حاجة إليها أو أنه ليس هناك طريقة للتخلص من الأجزاء القديمة دون أن يتأثر الجسم.

الفصل الرابع: تطور الإنسان

إن وقوع الحشرات والحيوانات ضئيلة الحجم من مكان مرتفع لا يسبب لها أي أذى أما إذا سقط الإنسان من فوق شجرة مثلا فقد يتسبب ذلك في قتله أو إصابته بعاهة لأن وزنة كبير، لذلك فإن الإنسان القديم ساكن الأشجار كان عليه الانتباه فأي خطأ في الانتقال من شجرة إلى أخرى قد يكون قاتلا.

نرى أن أجدادنا ساكني الأشجار كان لديهم عناصر مهمة اكتسبوها بالانتقاء التطوري فاكتسبوا الرشاقة والخفة وقوة الإبصار وتوافق اليد والبصر، وكل هذه الصفات تتطلب نموا كبيرا للمخ وخاصة القشرة المخية وبالتالي فإن ذكاء الإنسان الحالي يعزى إلى ملايين السنين التي عاشها أجدادنا فوق الشجر، لذلك افترض الكاتب أن خوف الأطفال الدائم من السقوط هو بقايا خوف أجدادنا من السقوط من أعالي الأشجار وحلمنا الليلي بالطيران اشتياق لتلك الأيام.

ثم عرض كارل ساغان بعض أنواع الأحياء التي ظهرت منذ ملايين السنين مثل كائنات الهومو هابيليس (أول إنسان حقيقي) وكان هذا النوع يسير على الأقدام ويصنع الأدوات أما الاسترالوبيثكيس اختلف قليلًا عن جنس الهومو هابيليس فلم يكن يعتمد على قدميه بشكل تام في السير وكان هناك نوعين من الاسترالوبيثكيس أحدهما قوي وأكثر طولًا ووزنًا وله أسنان تتناسب لطحن البقول، والثاني أكثر رشاقة ويمتلك أسنان حادة ويأكل اللحوم.

وفي النهاية أضاف الكاتب أن نمو الثقافة البشرية وتطور الخواص الفسيولوجية للإنسان متصاحبان منذ البداية، فكلما زادت قدرتنا على العدو والاتصال والقدرات اليدوية زادت القدرة على صنع الأدوات وتحسنت استراتيجيات الصيد والقدرة على الحياة، وكما قال عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي شيروود شبورن ” أن من الأرجح اعتبار أن تكويننا ناتج عن ثقافتنا وليست ثقافتنا ناتجة عن تكويننا”.

الفصل الخامس: التجريد عند الحيوانات

كانت فكرة التجريد عند الحيوانات موضع اختلاف كبير بين العلماء، فقد اقتنع العالم جون لوك أن الحيوانات لا تجرد أما المطران بركلي رأى أنه إذا كانت جملة الحيوانات لا تجرد تستعمل لتمييز الحيوانات فإن العديد من الرجال سيصبحون في عداد الحيوانات.

أما الاعتقاد السائد أن الحيوانات ليست على جانب كبير من الذكاء قد تم نفيه بعد الكثير من الدراسات التي أجريت على الحيوانات لبيان مدى ذكائها واكتشفنا بعد هذه الدراسات أننا نخلط بين غياب القدرة على التعبير عن الذكاء وغياب الذكاء نفسه، فكما قال الفيلسوف مونتاني أن النقص الذي يمنع تواصلنا مع الحيوانات قد يكون عندنا وعندهم على حد سواء.

الفصل السادس: قصص من غشاوة عدن

هذا الفصل يطرح تساؤلات حول العلاقة بين الأحلام وتطور الإنسان، فقد رأى الكثير من العلماء والفلاسفة أن القدرة على فهم طبيعة الأحلام وأهميتها واحدة من أهم مميزات تطور الذكاء الإنساني.

ثم ناقش الكاتب فائدة النوم وأهميته للجسم وكيف أن الجسم يبدأ في إفراز كيميائيات عصبية تجبرنا على النوم وذلك في حالة عدم النوم لفترات طويلة، فيعتبر النوم فرصة للجسم لتنظيف وتنظيم المخ بعيدا عن مشاكل الحياة اليومية، واعتبر العلماء النوم خاصية اكتسبت بالتطور.

يتوقع العلماء أنه إذا لم توجد حاجة بيولوجية قوية للنوم فإن الانتقاء الطبيعي سينتج حيوانات لا تنام، فمعظم الحيوانات المعرضة للافتراس تكون في خطر أثناء نومها كمان كان الإنسان القديم في خطر أثناء نومه.

وإن النوم بأحلام أو بدون أحلام يعتمد على أسلوب حياة الحيوان وذلك وفقًا لدراسة أجرتها تروديت أليسون ودومينيك سيشتي في جامعة بيل، وكانت نتائج هذه الدراسة أن الحيوانات المفترسة تحلم أكثر من الفريسة التي عادة ما تنام نوم متقطع بلا أحلام.

الفصل السابع: محبون ومجانين

يقول كارل ساغان أن البشر والحيوانات لديهم قدرات كبيرة على المعرفة تفوق قدراتهم على التحليل، فلا يولد الإنسان وفي مخه أرشيف منظم للوجود وصنف الكاتب نوعين من المعرفة، المعرفة التي لا نعرف مصدرها والتي يطلق عليها باسم معرفة بديهية وهناك النوع الآخر والذي يسمى التفكير العقلاني الذي اكتسبه البشر بالتطور وعمره لا يزيد عن بعض مئات ألوف السنين.

ثم ناقش بعض التجارب التي أجريت عن ذكاء الشمبانزي، وكانت أول تجربه جادة من هذا النوع دراسة قام بها ألفرد راسل والاس في أندونيسيا عندما وضع طفل الأورانجوتان(رجل الغابة) مع طفل إنسان في نفس الظروف ووجده يتصرف مثله تماما.

وكنتيجة للتفكير في تلك التجارب اكتشف عالم النفس بياتريس روبرت جاردنر أن بلعوم الشمبانزي وحنجرتها لا يتناسبان للنطق الإنساني، فيقول جاردنر أن الشمبانزي قد تكون لها قدرات لغوية قادرة على التجريد ولكنها غير قادرة على التعبير عنها بسبب قيود على أدواتها التشريحية.

ثم وضع الكاتب مقارنة شيقة بين شقي المخ والمهام الوظيفية التي يقوم بها كل شق ودعم كلامه ببعض التجارب التي أجريت على أساس تم قطع الجسم الثفني الذي يصل بين شقي المخ، كانت تلك التجارب تجرى على مرضى الصرع لتقليل من النوبات التي يصابون بها، كان قطع الجسم الثفني يقلل عدد النوبات ولكنه يخل بعمل المخ ويكون له آثار جانبية غريبة على المرضى.

الفصل الثامن: تطور المخ في المستقبل

يرى الكاتب أن المجتمعات البشرية غير محبة للإبداع ودائمًا ما تواجه اقتراحات التغيير بالشك، وكانت الثقافات القديمة الحادة رافضة تماما للتغيير، كما أن التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية الضخمة في القرون الأخيرة جعلت العالم يرتبك، فنحن لا نعيش في مجتمعات تقليدية ساكنة ولكن حكوماتنا تقاوم تلك التغيرات فنتصرف كأننا نعيش في هذه المجتمعات.

ثم بدأ الكاتب كالعادة يربط تلك الفكرة بالمخ والعقاقير الحالية المؤثرة في السلوك والمعدلة للمزاج والتي تعمل على مناطق معينة من مركب “ز” والجهاز الطرفي والقشرة المخية.

الفصل التاسع: قدرنا هو المعرفة

في هذا الفصل يتفكر الكاتب في البحث عن الذكاء خارج الكوكب، ويرى أن اقتراحات البعض أن وسيلة الحوار مع من هم خارج الكوكب ستكون التخاطر وهمًا ولا يوجد عليها أي دليل.

ويرى الكاتب أنه بمجرد نشأة حياة في بيئة مناسبة تتيح لها البقاء بلايين السنين فإن الكائنات الحية التي تعيش في تلك البيئة سيكون طريقها للتطور مختلف تمامًا عن طريقنا وذلك لاختلاف الظروف التي ستمر بها عن ظروفنا بالتأكيد، وأن أمخاخهم تختلف تشريحيًا وفسيولوجيًا وكيميائيًا وذلك لأن ماضيهم التطوري يختلف عنا وبالتالي سيتكون للمخلوقات خارج الأرض أجزاء مكتسبة بالتطور كما هو الحال مع الكائنات الأرضية.

ثم يوضح أهمية شغف المعرفة والسعي للوصول للحقائق وإطلاق العنان للتفكير ومحاولة كشف أسرار الطبيعة بالرغم من المعوقات التي سيلقاها المفكر في طريقه، وذكر مقوله برونوسكي في كتابه صعود الإنسان “نحن حضارة العلم وهذا يعني أن حضارتنا تلتحم فيها المعرفة والنزاهة وإن كلمة Science تعني المعرفة والمعرفة هي قدرنا”.

للمزيد من ملخصات الكتب

لماذا يجب علينا فهم سلوك الحيوانات؟

لماذا يجب علينا فهم سلوك الحيوانات؟

يعد الإنسان تصنيفيًا من الحيوانات، لذلك يمكننا فهم أنفسنا بمستوى أعمق بالتعرف على سلوك الحيوان، وقبل التعمق في معرفة سلوك الحيوان يجب علينا فهم تطورهم أولًا.

تنتقل الصفات من الأنواع إلى ذريتهم بفعل التطور، والتي تتغير من جيل عبر جيل، فيؤدي إلى ظهور أنواع جديدة تعيش معنا على الأرض.

4 أسئلة عن سلوك الحيوان

بمجرد البحث عن معرفة سلوك الحيوان سيتبادر في ذهنك العديد من الأسئلة، فقد سبقنا (نيكولاس تينبرغن) عالم السلوك الحيواني ووضع عدة أسئلة مختلفة لدراسة السلوك.

  • ما الذي يدفع الفرد للإتيان بسلوك معين؟
  • كيف طور الفرد القدرة على تنمية هذا السلوك؟
  • كيف تطور هذا السلوك؟
  • ما هي وظيفة السلوك؟

نسنتج من الأسئلة السابقة أهمية فهم التطور والانتقاء الطبيعي للإجابة على تلك الأسئلة، فعلى سبيل المثال لماذا يعيش حيوان ما مع آخرين بدلًا أن يكون منعزلًا، ولماذا يختار أن يعيش مع رفقاء ذوي ألوان زاهية، ولماذا يشدو لمناداة قطيعه؟

يمكننا متابعة تلك السلوكيات من جيل إلى جيل مع النظر في التطور البيولوجي المؤدي  لنقل الصفات الوراثية إلى الأنسال عبر الجينات مع ملاحظة التغييرات التي ينتج منها على المدى البعيد ظهور أنواع جديدة، يعتمد التطور البيولوجي أن كل أشكال الحياة على الأرض تتشارك في سلف مشترك أدى إلى التنوع الهائل بين الحيوانات والنباتات التي نراها اليوم، فتضم الحيوانات وحدها عددًا كبيرًا يُقدر بأكثر من 67000 نوع من الفقاريات، مع وجود 1.3 مليون نوع من اللافقاريات منذ أن ظهر البشر، ومن المؤكد وجود العديد من غيرهم غير المكتشف.

تعتبر أشكال الحياة مرتبطة ببعضها، فيعتبر والدك سلفًا مشتركًا بينك وبين أخواتك، وأجدادك هم سلف مشترك بينك وبين أبناء عمومتك.

طبقًا لبعض الأنواع مثل الشامبانزي فقد عاش هذا السلف المشترك المنقرض وقت قصير يقدر بملايين السنين مقارنة بتاريخ الحياة.

للعثور على سلفنا المشترك مع بقية الرئيسيات يتطلب الأمر الرجوع عشرات الملايين من السنين، ومن المرجح عيش آخر سلف مشترك لجميع الثدييات منذ حوالي 160 مليون سنة.

نستنتج من تلك المصطلحات أن أبناء عمومتنا يشبهون أنواع من الكلاب والقطط مثل التي تعيش الآن، ولكنها ترتبط بعضها لبعض ارتباطًا وثيقًا أكثر من ارتباط أي منهما معنا. فيجب أن تتشابه الكائنات التي تتشارك في تاريخها التطوري، لذلك مع دراسة الخصائص الموروثة عبر الأنواع يمكننا إعادة بناء علاقتهم التطورية.

نطلق على تلك العلاقات (تطور السلالات)، وعند إعادة بناء الأنساب يجب توخي الحذر في النظر إلى الصفات الصحيحة، فليست كل الصفات المشتركة ناتجة من الوراثة، فمثلًا تبدو أسماك القرش والدلافين والإكتيوصورات المنقرضة متشابة جدًا، ولكنها ليست ناتجة من علاقة تطورية وثيقة، بل مجرد تكيفات مع البيئة البحرية.

تسمى الصفات المشتركة الناتجة من الوراثة بالمتجانسة، والصفات التي تطورت مستقلة بالمتشابهة. لذلك نحن نعلم أن الأنواع مرتبطة ببعضها بدرجات مختلفة، ولكن ما الذي يجعل الأنواع تتغير وتتباعد؟

عمليات التطور الرئيسية

هناك ثلاث عمليات رئسية تؤدي للتطور: الطفرة والإنحراف الوراثي والانتقاء الطبيعي.

الطفرة

تحدث الطفرات عندما تُنسخ المواد الجينية على نحو خاطىء أو تُتلف من العوامل البيئية، تكون الطفرات عشوائية ومعظمها لا يفعل شيئًا أو يؤثر سلبًا على الكائن الحي بتعطيل وظيفة بيولوجية هامة، لكن بعض الطفرات مفيدة، فتنتج منها صفات جديدة أو تُعدّل الصفات الموجودة، وهذا يخلق تباينًا في الأنواع حيث تُنقل الطفرات صفاتها. ويعتبر الطاووس أحد الأمثلة لأحدى الطفرات الضارة المسببة لفقدان التصبغ المعروفة باسم (اللوسية).

طفرة فقدان التصبغ

الانحراف الوراثي

عملية عشوائية تحدوث لوجود عنصر الحظ في التكاثر دائمًا، فإذا كان الفرد محظوظًا وترك الكثير من الأحفاد، فسيتشارك الجيل القادم في صفات غير متكافئة. يعد الإنحراف الوراثي مهمًا في الجماعات الصغيرة، فيمكن أن يؤدي الحظ الجيد أو السيء إلى انقراض الصفات، دون حملها أو إصلاحها.

الانتقاء الطبيعي

العملية النهائية للتطور هي الانتقاء الطبيعي، فعلى عكس الطفرات أو الانحراف الوراثي فهو عملية غير عشوائية تمامًا تعتمد على أن الصفات المختلفة تؤدي إلى نجاح تناسلي مختلف.

يشرح لنا الانتقاء الطبيعي كيفية تغير صفات مجموعة من الحيوانات لتناسب بيئتها وهو ما يسمى بالتكيف.

يسير منطق الانتقاء الطبيعى كالنحو التالي: يوجد تباين بين الأنواع وهذا يعني أن الأفراد تختلف في وظائف الأعضاء، والبنية، والسلوك. بعض من الاختلافات قابلة للوراثة، فالنسل يميل إلى أن يكون أكثر تشابهًا مع آبائهم عن غيرهم من أفراد المجتمع، يوجد تنافس بين الأفراد على الموارد، مثل الطعام أو المكان، وتكن بعض المتغيرات أفضل في المنافسة عن غيرها لذلك بمرور الوقت تزداد نسبة المتغيرات الناجحة بين الكائنات، تتغير البيئات ولذلك تتأثر الصفات بتغييرها فتميل نحو البقاء والتكاثر في البيئة الحالية.

إذا عُزلت مجموعتان من نفس النوع عن بعضهما لبعض، فستتباعد صفاتهما تدريجيًا، خاصة إذا كانت بيئتهما مختلفة.

اللياقة في سلوك الحيوان

وننتقل من العوامل الرئيسية في التطور إلى مصطلح اللياقة، تستخدم كلمة لياقة في التطور لوصف مدى جودة صفات فرد معين في توريثها لأحفاده، مقارنة بالآخرين، فهي تُعد نمط وراثي يُقاس بالمساهمة النسبية للفرد العادي في الجيل التالي.

ماذا يعني كل هذا بدراسة سلوك الحيوان؟ باختصار بفعل الانتقاء الطبيعي ستتصرف الحيوانات عامة لتحسين لياقتها، وإذا أرادنا فهمهم، فنحن بحاجة إلى التركيز على فهم  سلوكهم  لمساعدتهم في البقاء وترك أجيالًا منهم. وإذا أرادنا التأثير على سلوكهم، فنحن بحاجة إلى فهم بيئتهم الطبيعية وكيف يتفاعلون معها.

المصدر:
edx

اقرأ أيضًا: هل يتأثر الإنسان بظاهرة الانتقاء الطبيعي؟

سلسلة (التطور) – مقال (3): “هل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟”

سلسلة (التطور) – مقال (3): “ههل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟”

بعد حديثنا عن الانتقاء الطبيعي، ورأينا بأنفسنا الأدلة على وجوده، وكيف أنه يمكن أن تتطور رقاب الزرافات بواسطة الانتقاء الطبيعي.

ولكن ربما بدأت تتساءل عزيزي القارئ، هل يمكن للانتقاء الطبيعي أن يطور أعضاء وتراكيب معقدة، كالعين مثلًا، هل يمكن لأعيننا أن تكون قد تأثرت عن طريق الانتقاء الطبيعي ؟ أم أن الانتقاء الطبيعي لا يغير إلا تفاصيل بسيطة صغيرة ؟ وهل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟

وفي الحقيقة، فإن الأجابة هي نعم !

يجب علينا إدراك أن الانتقاء الطبيعي يحدث دائمًا بخطوات صغيرة وبسيطة، وهذه الخطوات تكون دائمًا في مصلحة الكائن الحي.

كيف تطورت أعين الكائنات البدائية بمرور الزمن ؟

فيمكن مثلًا أن نتخيل نوعًا من الديدان البدائية، والتي لم تكن تتمتع بعيون معقدة ولكنها كانت تمتلك خلايا مسطحة تعمل «مستحثات ضوئية-photoreceptors». وتعرف مستحثات الضوء بأنها خلايا تستجيب لسقوط الضوء عليها، وبالتالي يمكنها التفريق بين الضوء والظلام فقط.

وبالتالي يمكن لهذه الدودة على الأقل أن تفرق بين الضوء والظلام، فيمكنها مثلًا أن تزحف حتى تشعر بالظلام، فمن المحتمل أن تكون الدودة قد زحفت حتى صارت تحت صخرة، وبالتالي فهي في أمان، وبالتالي يمكن لهذه المستحثات الضوئية أن تساعدها ولو بشكل بسيط على النجاة.

وبعد حدوث العديد من الخطوات بواسطة الانتقاء الطبيعي، يمكن لهذه المستحثات الضوئية المسطحة أن تتطور حتى تصبح مقعرة كالكوب الفارغ، وبالتالي عندما يسقط الضوء عليها من اتجاه معين، يمكن للدودة أن تحدد الاتجاه الذي سقط منه الضوء ويمكنها أن تحدد الاتجاه الذي ستزحف إليه. وهكذا تتطور الأمور أكثر وتتحسن لتساهم في نجاة الدودة.

وبالتالي فإنه مع الوقت، وحدوث التغيرات الطفيفة مع الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك في النهاية إلى تطوير تراكيب معقدة.

هل تطورت عين الانسان بنفس الطريقة ؟

ولكن ماذا عنا ؟ هل نتطور ؟ هل يتعرض بنو الانسان إلى الانتقاء الطبيعي ؟ لأنه بمراقبة التقدم والرقي الذي وصل إليه الانسان، يصعب تصور أنه لا يزال هناك صراع على الحياة يمتد لأجيال ويمكن من خلاله حدوث الانتقاء الطبيعي.

حسنًا، لنتحاور معًا، هل يمكن لموضوع العين الذي تكلمنا عنه سابقًا أن تنطبق عليه كل شروط الانتقاء الطبيعي وبالتالي يمكننا إثبات أن الانسان لا زال يتعرض للانتقاء الطبيعي.

هل هناك تنوع ؟ نعم بالطبع. على سبيل المثال، إذا نظرت حولك، حتمًا ستجد أحدهم يضع نظارات. يمكن لهذا على الأقل أن يعد تنوعًا.

هل هناك توارث لتلك الصفة ؟ ضعف النظر الذي يستدعي بالضرورة ارتداء نظارة يكون متوارثًا، فتجد أشخاصًا يضعون النظارات وكان آباؤهم كذلك من واضعين النظارات.

ولكن هل هناك صفة الاختيار ؟ هل يعتبر ضعف النظر أو قوته بشكل ما ضروري أو مهم للنجاة في عصرنا الحالي ؟

ربما كانت صفة قوة النظر ضرورية ومهمة للبشر الذين عاشوا في مجتمعات تعتمد على الصيد بشكل أساسي في الحياة، فإن كنت تمتلك نظرًا أقوى زادت فرصتك في إتقان الصيد وبالتالي تزداد فرصتك في النجاة. ولكن في عصرنا الحالي، نحن لا نعتمد بشكل أساسي على الصيد في مجتمعاتنا هذه. وبالتالي لا يمكن أن تساهم صفة قوة النظر في النجاة في وقتنا هذا، ولكن في النهاية، “الانتقاء الطبيعي” هو قانون طبيعي، كالجاذبية الأرضية مثلًأ، يمكننا أن نتحايل عليه أو نمنعه في بعض الحالات، ولكن لا يمكننا أن نمنع حدوثه بشكل كامل، وفي الحقيقة فنحن لا زلنا في صراع على النجاة.

صراعنا الخاص على النجاة!

يمكننا أن نتحدث على سبيل المثال عن الأمراض، كالمالاريا مثلًا، فقد تسبب هذا المرض في حصد العديد من الأرواح في أفريقيا، وفي أوروبا والولايات المتحدة، تسبب بعض الأمراض في قتل الملايين من البشر، والإيدز مثلًا، يمكننا الحديث قليلًا عن الايدز.

يصاب الناس بالعديد من الفيروسات والبكتيريا، ولكن بعضهم يشتد عليه المرض أكثر من غيره، فهل تساهم جيناتنا في ذلك ؟ وهل للانتقاء الطبيعي دور في حدوث ذلك ؟

الإجابة هي نعم، يمكن لأنواع مختلفة من الجينات أن تغير قابلية تعرض الأفراد إلى الإصابة بالإيدز أكثر من غيرهم، ودراسة هذه الجينات يمكنها في المستقبل أن تمكننا من ابتكار أدوية لوقف أو الإبطاء من حدوث العدوى.

منذ الثمانينات، أصيب العديد من البشر بفيروس الايدز، ولكن لم يصب به كل من تعرض له، وقد حير ذلك الأمر العلماء لفترة من الزمن، وبدأوا يراقبون تلك الحالات، هل يمكن أن يمتلك البعض مناعة طبيعية تجاه الإيدز ؟

يمكننا فهم ذلك بسهولة إن فهمنا الطريقة التي يتعامل بها فيروس الإيدز مع خلايانا. وككل الفيروسات، لا يمكن لفيروس الإيدز أن يصنع نسخًا من نفسه بدون مساعدة من خلايا الإنسان، وبالتالي فهي تدخل إلى خلايا الإنسان وتستخدم الآلية الخاصة بها في الانقسام وتصنع نسخًا عديدة من نفسها وتنتشر في الجسم كله.

ولكن يمكن لفيروسات الإيدز أن تدخل إلى خلايا معينة فقط، فكيف يمكنها إذًا أن تجد الخلايا المناسبة ؟

يمكنها أن تفعل ذلك عن طريق بروتينات مخصصة لذلك تدعى المستقبلات، وهذه المستقبلات تكون موجودة على سطح الخلية لتتلقى المعلومات وتقوم بنقلها إلى داخل الخلية. ويقوم فيروس الإيدز بالإمساك بسطح الخلايا التي تحتوي على مستقبل يدعى CD4.

تعد الخلايا التي تحتوي على مستقبل CD4 جزءًا مهمًا من مناعة الجسم ضد كل الأمراض، وعندما يمسك فيروس الإيدز بها فإنه يدمرها تدريجيًا ويعيق الجهاز المناعي، ولذا سمي بمرض نقص المناعة.

ويتضح أيضًا أن مستقبلات CD4 ليست كافية، فهناك بروتين آخر يدعى CCR5 يعتبر مساعدًا للمستقبل CD 4 لأنه يعمل معه، ويعد هو الباب الذي يتيح دخول فيروس الإيدز لداخل الخلية.

اتضح أن الكثير ممن يمتلكون مناعة طبيعية ضد فيروس الإيدز توجد بداخلهم طفرة في بروتين CCR5 تدعى هذه الطفرة CCR5-delta32 ، وتؤدي هذه الطفرة إلى تكوين بروتين أصغر لا يصمد فوق سطح الخلية، وبالتالي لا تستطيع معظم أشكال فيروس الإيدز أن تصيب الخلايا بالعدوى إن لم يكن هناك بروتين CCR5 على سطح الخلية.

يمتلك الأفراد الذين عندهم نسختان من هذه الطفرة (حيث قاموا بتوارثها من الوالدين) مناعة كبيرة تجاه الإصابة بالإيدز. ويحدث ذلك الأمر لحوالي 1 بالمئة من القوقازيين( السلالة القوقازية من البشر).

بينما إذا امتلك الفرد نسخة واحدة من هذه الطفرة فإنها تعطيه بعض المناعة تجاه المرض، وتقوم بتخفيف آثار المرض إذا ما أصيب الفرد بالإيدز بالفعل. وهذا الأمر منتشر بنسبة أكبر عن سابقه حيث يمكن ملاحظته في عشرين بالمئة من السلالة القوقازية من البشر.

حسنًا، هناك أناس إذًا يتمتعون عن غيرهم بمقاومة ومناعة طبيعية ضد هذا المرض، ولكن هذه الطفرة توجد بنسبة كبيرة في شمالي أوروبا. على الرغم من انتشار الإيدز بشكل أكبر في أفريقيا، فإنه لا تزال الطفرة المسئولة عن المناعة ضد هذا الفيروس قليلة جدًا في أفريقيا، ويعتبر ذلك بسبب حداثة فيروس الإيدز نسبيًا بالنسبة للبشر، فالفيروس لم ينتقل للإنسان من القرود إلا قبل ثمانين عامًا فقط.

لماذا زاد متوسط طول قامة الانسان مؤخرًا ؟

ولكن ماذا عن صفاتنا الطبيعية الفسيولوجية بعيدًا عن الأمراض وغيره ؟ هل تأثرت هي الأخرى بالانتقاء الطبيعي ؟هل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟ في صفاته الطبيعية؟ كطول قامة الإنسان مثلًا ؟ فما نعلمه أن الإنسان كان أقصر قامة قبل ألف عام، كيف يمكن لطول الإنسان أن يزداد في تلك الفترة ؟

حسنًا، لنراجع شروط الانتقاء الطبيعي مرة أخرى، هل هناك تنوع ؟ نعم بالطبع، هل هناك توارث لتلك الصفة ؟ نعم هناك توارث، ولكن هل يفيد ذلك نوعًا ما في بقاء الأفراد الأطول قامة؟

أذهل العلماء السرعة التي ازدادت بها أطوال قامات الهولنديين، فكان الهولنديون يتمتعون بقامة قصيرة نسبيًا قبل قرن من الزمان، ولكن ما لبثوا أن ازدادت أطوال قامتهم بشكل كبير.

افترض الباحثون في البداية أن السبب قد يرجع ربما إلى تحسن ظروف المعيشة، فالطعام الغني بالبروتينات والكربوهيدرات من الممكن أن يساهم في بنية أقوى وقامة أطول، ولكن من المستحيل أن يكون ذلك هو السبب الوحيد، فقد ارتفع مستوى المعيشة نسبيًا بالنسبة لأغلب سكان قارة أوروبا، فلما يزداد متوسط أطوال الهولنديين وحدهم ؟

بالإضافة إلى ذلك، فقد أثبتت دراسة أجريت عام 2000 ونشرت في مجلة Nature أن أصحاب القامة الأطول يميلون إلى إنجاب أبناء أكثر من ذوي القامات الأقصر، ما السر إذًا ؟

حسنًا، ربما يعود السبب إلى النساء، فربما تفضل النساء الرجل الأطول. لأنهن يعتقدن أنه أكثر صحة وقوة، وبالتالي يملك الرجال الأطول فرصة أكبر في الزواج والإنجاب أكثر من ذوي القامات القصيرة. ألا يمكن لهذا أن يكون السبب الحقيقي ؟ لو كان ذلك السبب حقًا، فإن هذا النوع من الانتقاء يطلق عليه الانتقاء الجنسي، وهو نوع خاص جدًا من الانتقاء الطبيعي، وسنتحدث عنه لاحقًا في المقال التالي.

المصدر

Coursera
genetics.thetech
Theguardian
انظر أيضًا الأدلة العملية على التطور

داروين لم يكن أول من تحدّث في التطور

داروين لم يكن أول من تحدّث في التطور

إذا ذُكرت نظرية التطور تبادرت لذهنك صورة العالم الشهير «تشارلز داروين-Charles Darwin»، ظنًا منك أنه هو من أسّس النظرية، لكن على ما يبدو أن النظرية لها تاريخ طويل جدًا، فما من عمل بشري عظيم كان ثمرة إبداعات شخص واحد، فماذا عن نظرية بحجم نظرية التطور؟ فجميعنا نعلم أنها إحدى أروع وأعظم الأعمال البشرية على الإطلاق، لذا وجب استعراض قبسات من تاريخها الطويل، وستجد عزيزي القارئ أن داروين لم يكن أول من وضع نظرية التطور

1- «أناكسيمندر-Anaximander»:

وُلد الفيلسوف اليوناني أناكسيمندر عام 610 ق.م، في مدينة «ميليتوس-Miletus» (في تركيا حاليًا)، ويُعد مؤسس «علم الكونيات-Cosmology»، إلا أنه امتلك نظرته الخاصة عن الحياة أيضًا، وكيف ارتقت لمرحلة تكوين الإنسان، فقد كان يعتقد أن الإنسان هو أكثر أشكال الحياة تعقيدًا وكمالًا، فقد رأي أن الحياة تكونت من العناصر الرطبة، كان يرى أن الحياة بدأت في البحار، وأن الإنسان تطور من كائنات أبسط مثل السمك، حيث اعتقد أن الإنسان يحتاج لفترة طويلة من التنشئة، إذ أنه لم يكن لينجو في الظروف البيئية القاسية التي مرت على الأرض إن كانت هذه هي صورته الأولى (صورة الإنسان الحالية).

2- «إمبيدوكلس-Empedocles»:

جاء إمبيدوكلس بعد أناكسيمندر بحوالي قرن من الزمان، اعتقد إمبيدوكلس أن الكون يتكون من أربعة عناصر: الماء، والهواء، والأرض، والنار، اعتقد أن هذه العناصر تفاعلت مع بعضها البعض، نتيجة التأثر بصراع قوتي الجذب والتنافر، صانعين مسوخًا ووحوشًا كنتيجة عرضية لهذا التفاعل، وبسبب استمرار الصراع بين قوتي الجذب والتنافر تطورت هذه المسوخ إلى الكائنات التي نراها اليوم.
وهي أغرب نظرية فيهم، لكنها تبدو قريبة من نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي، التي تخبرنا بوجود كائنات فشلت في اختبار الطبيعة لها، سامحةً لأجناس أخرى أكثر نجاحًا بالاستمرار.

3- «لوكريتيوس-Lucretius»:

ظنّ لوكريتيوس أن القوة التي تسبب في نشأة الحياة على الأرض هي الصدفة، وأن وحوش إمبيدوكلس تعرضت لنوع من أنواع الانتقاء الطبيعي، الذي فضّل الأفراد الأقوى، والأذكى، والأسرع، واختارهم للاستمرار، إلا أنه اعترض على نظرية أناكسيمندر، واعتقد باستحالة تطور كائنات اليابسة من كائنات بحرية.

4- الجاحظ:

وُلد أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصري -المعروف باسم الجاحظ- في مدينة البصرة جنوبي العراق عام 776م.، وهي فترة زاد فيها نفوذ المعتزلة، وهي طائفة مسلمة تنادي بإعمال العقل وتحكيمه، وتشجيع البحث العلمي والفلسفي.
ألّف كتابه “الحيوان”، وهو كتاب موسوعي يدرس فيه الجاحظ 350 حيوانًا، وقدم في هذا الكتاب أفكارًا مشابهة لأفكار داروين، حيث قال فيه أن الكائنات تتصارع على البقاء ولأجل الموارد، ويرى فيه أيضًا أن العوامل البيئية تؤدي إلى تطور صفات جديدة، ومع مرور الزمن تتحول إلى أنواع أخرى.

5- الطوسي:

رأى نصير الدين الطوسي في كتاباته أن الكون في البدء تكون من عناصر متشابهة ومتساوية، ثم طرأت بعض التغيرات على بعض العناصر مكونةً مواد مختلفة، ثم يشرح كيف تحولت هذه المواد إلى أملاح، ثم نباتات، ثم حيوانات، انتهاء بالإنسان.
ثم تطرق لشرح كيف حدث هذا التنوع الحيوي الذي نراه، حيث رأى أن الأنواع التي كانت أسرع في اكتساب الصفات وتوريثها كانت أكثر تنوعًا.

6- ابن خلدون:

تأثر عبدالرحمن بن خلدون مؤسس علم الاجتماع بكتابات الجاحظ حيث رأى أن الإنسان تطور مما سماه ب “عالم القرود”، وذكر في الفصل الأول من كتابه “المقدمة” أن عالم الأحياء بدأ من الأملاح التي تطورت فأصبحت نباتات، ثم حيوانات، في تراتبية وتدرج على مر الزمن.

7- «جان باتيست لامارك-Jean Baptiste Lamarc»:

ظنّ لامارك أن الصفات المكتسبة في حياة الكائن يرثها نسله، وبالتالي يحدث التطور.

مثال: إذا قُطع ذيل زاحف ما فسيولد نسله بدون ذيول وفقًا لنظرية لامارك.

وهي فرضية خاطئة وفق علومنا الحالية، فالصفات المكتسبة تختلف عن الصفات الموروثة.

كما رأى أيضًا أن العوامل البيئية تغير من تصرفات الحيوانات، ومن ثم تغير الطبيعة صفات الكائنات لما يتوافق مع هذه العوامل.

مثال: أدّى علو الأشجار إلى أن الزرافات صارت تمد أعناقها لتصل إلى الثمار، فصارت أعناق الزرافات أطول.

وهذه أيضًا فرضية خاطئة وفق نظرية داروين للانتخاب الطبيعي، التي رأت أن الزرافات ذات الأعناق الطويلة كانت تنعم بفرصة أكبر للغذاء وبالتالي التناسل، فاستمر نوعها.

الخلاصة:

التطور حقيقة علمية يدركها الأعمى والبصير على حد سواء، والتاريخ مليء بالمحاولات الساعية بجهد لتفسيره وشرح كيفية حدوثه، وأكثر ما يميز هذه النظريات هو تعديل بعضها بعضًا، بحيث تستمر حركة العلم، فقد أُضيفت تعديلات على نظرية داروين بعد وفاته، فالعلم دائم التطور، تمامًا كالكائنات الحية!

المصادر:

bbc
interestingengineering
amazon
britannica
pbs
classicawesdom

اقرأ المزيد: هل حقًا سقطت نظرية التطور كما يزعمون

أشهر 5 ادعاءات يروجها معارضو نظرية التطور

أشهر 5 ادعاءات يروجها معارضو نظرية التطور

أحدثت نظرية التطور ثورة غير مسبوقة في علم الأحياء، حيث ادعت النظرية معرفة سبب التنوع البيولوجي الكبير بين الكائنات الحية، ولكن ما لبث «تشارلز داروين-Charles Darwin» أن أخرج نظريته إلى الناس حتى بدأت حملة الهجوم عليها بشراسة، وما زالت النظرية تُهاجم و تكذّب إلى يومنا هذا، فهل حقًا سقطت نظرية التطور وأثبتت استحالتها كما يزعمون؟

إليكم أشهر 5 ادعاءات يروجها معارضو نظرية التطور وتفنيدها علميا بالدليل:

1- التطور مجرد نظرية وليست حقيقة

  • يعتمد هذا الادعاء على مغالطة «رجل القش-Straw Man Fallacy»، وهو رسم صورة خيالية غير واقعية عن شيء ما ومن ثَم مهاجمة وانتقاد هذه الصورة، والمغالطة هنا في فهم مفهوم النظرية العلمية.
  • يختلف مفهوم النظرية العلمية عن مفهوم النظرية في اللغة الدارجة، فالنظرية في اللغة الدارجة تعني رأيًا لم يثبُت بالأدلة، ولكن النظرية في لغة العلم هي صرح من الأدلة والإثباتات لتفسير ظاهرة طبيعية ما.
  • النظرية العلمية هي أفضل تفسير نملكه، وهي قائمة إلى أن يثبُت خطأها أو استبدالها بنظرية أخرى، ومن أمثلة النظريات العلمية المُثبتة والمُستخدمة «نظرية فيثاغورس-Pythagoras Theorem»، فلماذا إذًا من وجهة نظركم ما زالت تستخدم في البناء وتُدرس في الجامعات والمدراس إن كانت مجرد نظرية كما تقولون؟

2- توجد العديد من الحفريات التي تتعارض مع التطور مثل العثور على آثار أقدام بشرية في تنزانيا تعود لأكثر من 3 مليون سنة

يظن معارضو التطور أن النظرية تحدد عمرًا معينًا لجنس ما، فعمر الجنس البشري الحالي وفقًا للأحافير المُكتشفة حديثًا هو 300 ألف سنة فيتساءلون كيف إذا يمكن أن يوجد إنسان قبل 3 مليون سنة؟

ولكن في الواقع عاش في هذه الفترة العديد من الكائنات الشبيهة بالبشر الحاليين مثل «هومو إريكتوس-Homo Erectus»، فمجرد آثار الأقدام لا تكفي لتحديد النوع بدقة، فلا نملك أدلة كافية لتحديد الكائن الذي تعود إليه هذه الآثار، ولكن لنفترض أنها تعود إلى «هومو سابيان-Homo Sapien»، (البشر الحاليين) فما المانع على أية حال؟ يُحدد عمر جنس ما عن طريق قياس عمر أقدم حفرية له، وهذا لا يعارض التطور في شيء.

منذ أربع سنوات كان الاعتقاد السائد أن أقدم هومو سابيان عاش منذ قرابة ال200 ألف عام، و لكن في عام 2017 اكتُشفت حفرية لهومو سابيان أضافت مئة ألف عام أخرى إلى تاريخ الهومو سابيانز ليصير 300 ألف سنة، ولم ولن يضر هذا التطور في شيء؛ إذ أن النظرية معنية بدراسة تنوع الأجناس وكيف حدث هذا التنوع، وليس بأعمارها.

3- إذا كان الإنسان تطور من القردة، فلماذا ما زالت القرود موجودة؟

يعتقد معظم معارضي التطور أن النظرية تدّعي أن الإنسان انحدر من القرود، فيتساءلون لماذا ما زالت توجد القرود و لم تتطور إلى بشر؟
وهذا السؤال يشير إلى ضحالة المعرفة عن النظرية، فالتطور لم يقل أن البشر انحدروا من قرود، ولكنه قال أن الإنسان و القرد (وكل الكائنات الحية) لها سلف مشترك و تنحدر كلها من كائن واحد بسيط، ولكن لنفرض جدلًا أنه قال ذلك، فهذا السؤال يشبه سؤال: “إذا كان الأمريكيون البيض من أصول بريطانية، فلماذا ما زال هناك بريطانيون؟”

4- لم يتم اكتشاف الحفريات الانتقالية التي ذكرها داروين.

تنبأ داروين بوجود «حفريات انتقالية-Transitional Fossils» بين الأجناس، فعلى سبيل المثال تعتقد النظرية أن الطيور انحدرت من الزواحف، فيجب إذا أن نجد حفريات لكائنات بين الطيور والزواحف، وها هي مغالطة رجل القش ثانية، اكتشف العلماء أنواع عديدة مثل «الاركيوبتريكس-Archaeopteryx»، (أحد الكائنات الانتقالية بين الزواحف و الطيور) و غيرها الكثير من الحفريات الانتقالية.

5- يمنع القانون الثاني للديناميكا الحرارية التطور من الحدوث حيث ينص على أن «الانتروبي-Entropy» (الفوضى) تزيد في نظام مغلق وهذا يمنع الكائنات الحية من التطور إلى كائنات أكثر تعقيدًا.

النظام المغلق وفقًا للديناميكا الحرارية هو النظام الذي لا يسمح بتلقي الطاقة من الخارج المحيط به أو خروج الطاقة منه إلى المحيط، وكما أنكر معارضو التطور نظرية واضحة وضوح الشمس، فقد أنكروا وجود الشمس نفسها!

فالأرض ليست نظامًا مغلقًا حيث أنها تستقبل الطاقة الحرارية والضوئية من الشمس، ناهيك عن سقوط آلاف النيازك، في المرة القادمة التي يسألك أحدهم عن قانون الديناميكا الحرارية الثاني قم بسؤاله عن باقي قوانين الديناميكا الحرارية، حينها فقط ستعرف مدى معرفته بهذا الشأن.

الخلاصة

نظرية التطور هي أفضل ما نملك لتفسير التنوع الخلّاب للكائنات الحية ومع ذلك ينكرها الكثير من الناس لكن هذا لن يضر النظرية في شيء، فكما قال عالم الفيزياء الفلكية «نيل ديجراس تايسون-Neil Degrasse Teison»: “الجميل في العلم هو أنه صحيح سواء صدقت ذلك أو لم تصدق”.

المصادر:
livescience
الأرض ليست نظاما مغلقا
لماذا لم تتطور القرود إلى بشر ؟
حفريات المغرب
حفرية الاركيوبتريكس
بعض الحفريات الانتقالية التي وُجدت

اقرأ أيضًا حول: آخرون سبقوا دارون بالحديث عن التطور منهم عرب

ما هو أصغر ديناصور مُكتَشَفٍ حتى الآن؟

قبل مئة مليون سنة، في منتصف «حقبة الحياة الوسطى-Mesozoic era»، كانت الأرض موطن ديناصور متباين الحجم، مثل الصَرَاعِيد طويلة العنق، وحتى الطائر الطنان.

وبالرغم من غرابة الأمر، فإن علماء الحفريات يعتقدون الآن أن أصغر ديناصور في تلك الحقبة كان أصغر بكثيرٍ من أصغر طائرٍ على قيد الحياة اليوم، طائر النحلة الطنان.

وجدت الحفريات داخل قطعة من الكهرمان البالغ من العمر 99 مليون سنة من شمال ميانمار، ويبلغ طول جمجمة الديناصور الذي تم تعريفه حديثًا 7.1 ملم فقط.

تحدثت جينغماي أوكونور عن البحث في مقطع فيديو على يوتيوب:

“عندما رأيت هذه العينة لأول مرة، أصابتني الدهشة كليًا. بالنسبة لعالم الحفريات، هذا أمرٌ غريب. إذ لم نشهد شيئًا مثل هذا من قبل.”

قام الفريق بتسمية اكتشافهم «Oculudentavis khaungraae»، والذي يعني “طائر أسنان العين”. مظهر هذا الطائر غريبٌ تمامًا مثل اسمه.

يصطف هذا الديناصور الصغير بأسنان مدببة صغيرة، والمُستدل عليها بالمحاجر الّتي تشبه الملعقة. لهذا الحيوان عينان كبيرتان مقارنةً بالرأس.

يبدو هذا الحيوان غريبًا- إذ أنه ليس تمامًا مثل الطيور، ولا يشبه تمامًا الديناصورات. ولكن هناك بعض الملاحظات الّتي يمكن أن تخبرنا قليلاً عن أسلوب حياته.

الأسنان، على سبيل المثال، هي دليلٌ لا شك فيه على أن الديناصور الصغير مفترس. والفتحات الموجودة في تجويف العين ضيقة للغاية، مما يعني أن الضوء ربما كان محدودًا، مما يعني أن الحيوان نشطٌ في النهار.

بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن هذا الديناصور صغير جدًا، إلا أن عظامه قوية، بل وقوية بشكل مدهش!

يقول أوكونور:

“بالنسبة لنا، حقيقة أن أجزاء الجمجمة ملتحمة بقوة، وحقيقة أن لديها الكثير من الأسنان، وأنها تحتوي على محجري عينين كبيرين حقًا، كلها تشير إلى أنه على الرغم من حجمه الصغير للغاية، فقد كان مفترسًا وربما كان يتغذى على الحشرات الصغيرة.”

كل هذا يشير إلى انتماء هذا الحيوان إلى فئته الخاصة، بدلاً من كونه مرتبطًا بالطيور الطنانة الحديثة- لأن الطيور الطنانة الحالية تتغذى على الرحيق. وهكذا، يعتقد الباحثون أن مخلوقات مثل الطائر الطنان اتخذت مسارًا مختلفًا للتصغير.

يقدر الفريق وزن الطائر غرامين تقريبًا، ويلاحظ أن حجمه يبلغ سدس حجم أصغر الطيور الأحفورية القديمة المعروفة- كثيرٌ منها لديه أسنان، تمامًا مثل هذا الطائر الصغير.

يقول روجر بنسون، عالم الحفريات من جامعة أكسفورد:

“وهذا يشير إلى أنه بعد فترةٍ وجيزةٍ فقط من أصولها في العصر الجوراسي (والّذي استمر من حوالي 201 مليون إلى 145 مليون سنة مضت)، بلغت الطيور بالفعل الحد الأدنى من أحجام أجسامها. في حين أن أصغر الديناصورات وقتها كانت تزن مئات أضعاف هذا الوزن.”

يبدو أن هذا الطائر هو واحدًا من تلك الحيوانات الّتي تقف على النقطة الرابطة بين الديناصورات والطيور، ولكن المكان الذي يناسبها في الصورة الأكبر لا يزال غير واضح.

يمكن أن يك ن انتماء هذا المخلوق ذو الريش أقرؤ إلى سلالة الطيور أو، كما يوضح بنسون، يمكن أن ينتمي أكثر إلى الديناصورات:

“تقع في منتصف الطريق تقريبًا على الشجرة التطورية. بين الطيور الطباشيرية والأركيوبتركس (الديناصور المجنح الشهير من العصر الجوراسي).”

هناك أيضًا بعض الميزات الغريبة، مثل شكل وحجم الأسنان ومحجري العينين، الّتي لم نشهدها في أي من الديناصورات أو الطيور. في الواقع، هذه الصفة تميل إلى السحالي!

وكتب المؤلفون:

“يمكن تفسير كل هذه الأشكال غير العادية إذا صح التعبير على أنها آثار التصغير.”

خذ العينين المنتفختين على جانبي رأس على سبيل المثال. ربما يمثل موقعهما وحجمهما “استراتيجية بديلة لزيادة حجم العين دون زيادة حجم المحجر.”

لسوء الحظ، هذا يعني أن هذا الديناصور الصغير يفتقر إلى الرؤية الثنائية. وهي خاصية فريدة للمفترس. البوم والطيور الحية الأخرى الجارحة، على سبيل المثال، لديها عيون موجهة للأمام. ولكن ربما لا يوجد شيء مثل هذا الطائر اليوم

نُشرت الدراسة في مجلة Nature.

المصادر:

إقرأ أيضاً: الديناصورات كانت تصاب بسرطان العظام ايضا مثل البشر!

ماذا تعرف عن عالم الفيروسات البسيط بتركيبه المُعقّد بألغازه ؟

عالم الفيروسات البسيط بتركيبه المُعقّد بألغازه

لا يهمني معرفة كم تبلغ من العمر، ولكني أملك الثقة كي أؤكد لك أنك على الأقل قد عاصرت انتشار أحد أنواع الفيروسات، ولا بُد أنك قد تكبدت عناء سماع أرقام الضحايا المتزايدة والمخاوف والتحذيرات والتهويلات اللامتناهية.

ولا بُد أنك قد رسمت على وجهك ابتسامة سخرية أو تعجّب لحظة سماعك المعلومات الغريبة التي أخبرك إيّاها أحد أصدقائك عن الفيروسات والمؤامرات السرية التي تُحاك باستخدام هذا السلاح البيولوجي!

دع عنك عزيزي القارئ عبء تلك المعلومات الثقيلة والمزيفة غالبًا، وانطلق معنا في جولة إلى عالم الفيروسات البسيط بتركيبه المُعقّد بألغازه.

ما هو الفيروس؟

بلا أي تعقيدات وبكل بساطة، الفيروس هو مادة وراثية محفوظة في مغلف أو محفظة من البروتين.

وبسبب التركيب البسيط للفيروس فأنه غير قادر على التكاثر من تلقاء نفسه بل يعتمد في ذلك على خلية مستضيفة توفر له العضيات والبيئة الملائمة للتضاعف والتكاثر.

تصنيف الفيروسات

على الرغم من بساطة الفيروسات إلا أنها تضم مجموعات متنوعة وأعداد كبيرة. ولتسهيل دراستها تم وضعها في عدة تصنيفات باستخدام عدة معايير، تختلف من حيث:

الشكل

تتشكل كبسولة البروتين حول المادة الوراثية بعدة أشكال، منها : المحفظة Capsomere ، الكروي Spherical ، اللولبي Helical ، وشكل العشرين وجه Icosahedral .

المادة الوراثية

تحتوي بعض الفيروسات على سلسلة واحدة من جزيء RNA وبعضها يحتوي على سلسلتين، كما يمكن أن تحتوي على سلسلة واحدة أو سلسلتين من جزيء DNA.

نوع الخلية المستضيفة

الفيروسات قادرة على العيش داخل جميع أنواع الخلايا سواء كانت وحيدة أو متعددة، وبشكل عام تقسم إلى فيروسات متطفلة على البكتيريا وفيروسات متطفلة على الكائنات متعددة الخلايا.

آلية عمل الفيروسات داخل الخلايا المستضيفة

تبدأ الحرب بين الفيروس والخلية المستضيفة بالتصاق الفيروس على الغشاء الخارجي للخلية ومن ثم محاولة إدخال المادة الوراثية الخاصة بالفيروس إلى داخل الخلية. تظهر الفيروسات هنا اختلافًا في طريقة إدخالها لمادتها الوراثية، فمنها من تتحد مع الغلاف الخارجي للخلية وتندمج معه وبعدها تفرغ محتواها الجيني، ومنها من تحاول إقناع الخلية بأنها كائن مسالم لا ينوي أي شر كإقناعها أنه قابل للاستهلاك وبذلك تلتف الخلية المسكينة حول الفيروس في عملية تدعى البلعمة Endocytosis، أما إذا واجه الفيروس غلافاً قاسيًا فأنه يحقن مادته الوراثية تمامًا كالإبرة إلى داخل الخلية المستهدفة دون الحاجة إلى دخولها.

في حال كانت المادة الوراثية تتكون من جزيء RNA فإنها تتجه نحو الريبوسوم لتبدأ هناك عملية التشفير وتصنيع بروتين الفيروس والذي يبدأ بدوره بمهاجمة جزيئي DNA و RNA الخلية المنافس والتخلص منهما وذلك لإتاحة فرصة أكبر لتضاعف المادة الوراثية للفيروس وإنتاج نسخ أكثر منه، بعد استنزاف مصادر الخلية، تغادر نسخ الفيروس الخلية متجهةً لخلايا أخرى.

مغادرة الخلية لن تكون سلمية بالطبع، فبعض الفيروسات تحلل غشاء الخلية وبذلك تتحلل الخلية بأكملها، بعضها الآخر تستغل هذا الغشاء وتضغط نفسها باتجاهه متنكرةً به وتستخدمه كوسيلة لمهاجمة باقي الخلايا والتي تتعرف على هذا الغشاء باعتباره خلية صديقة وليس فيروس قاتل.

تاريخ الفيروسات وتطورها

قبل أن نتسائل عن تاريخ الفيروسات لا بُد أن نتسائل عن آلية تحديد هذا التاريخ لكائنات ليس لها أي سجل أحفوري في الصخور -بسبب هشاشتها وعدم قابليتها للحفظ-.

ربما تكون الإجابة صادمة لك، لكن المادة الوراثية الخاصة بك وبكثير من الكائنات الحية يعتبر سجل أحفوري غني للفيروسات، كيف ذلك؟

إليك القصة، هناك نوع من الفيروسات معروف باسم الـ Retrovirus، يحتوي هذا النوع على جزيئات RNA كمادة وراثية، ويحتوي كذلك على بروتين مسؤول عن النسخ المعاكس أي تحويل جزيء RNA الى جزيء DNA، وبالتالي يحول المادة الوراثية الخاصة به إلى DNA، والتي بدورها تندمج مع DNA الخلية، وتتم بعدها باقي العمليات وتصنيع البروتين.

اندماج جزيء الـ DNA الذي يحدث في الخلايا الجنسية كالحيوانات المنوية والبويضات يورَّث للأجيال اللاحقة، وبالتالي يتم حفظ المعلومات الوراثية للفيروس في الكائن الحي وتنتقل من جيل إلى جيل، وبمقارنة تسلسل المادة الوراثية بين الأنواع المختلفة للكائنات الحية يمكننا تحديد عمر الفيروس أو على أقل تقدير معرفة الوقت الذي هاجم فيه هذا الفيروس خلايا الكائن الحي.

هذا بالنسبة لآلية تحديد تاريخ الفيروسات، أما بالنسبة لتاريخ الفيروسات وسبب ظهورها فهناك عدة نماذج مقترحة، نذكر منها:

النموذج الأول Virus first model

يقول بأن بساطة الفيروسات ترجّح أنها تطورت في وقت كانت فيه الحياة بسيطة وأولية أي أنها أقدم من أقدم كائن حي.

فرضية الهروب Escape Theory

تقترح أن الفيروسات تطورت من جينوم الخلايا، حيث أن بعض قطع الجينوم قادرة على قص ونسخ بعضها ونقل نفسها من جزء لآخر خلال سلسلة الحمض النووي، يعتقد العلماء أن أحد هذه القطع كان لها القدرة على تغليف نفسها ببروتين والهرب خارج الخلية.

النموذج الثالث

يقترح أن الفيروسات هي بقايا فيروسات أكبر حجمًا وأكثر تعقيدًا وقربًا للحياة الخلوية، وبعدها طورت علاقة تكافلية مع الكائنات الأخرى. مع ازدياد اعتماد الفيروس على الخلية المستضيفة، تخلى عن تعقيده، وبهذا تحولت العلاقة إلى تطفلية.

كيف تنتقل الفيروسات بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية؟

تتضمن عملية قفز الفيروس بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية ثلاث مراحل أساسية، وهي الاتصال مع الخلية الجديدة ومن ثم مهاجمتها والتضاعف داخلها ومن بعدها الإنتقال لفرد آخر من النوع ذاته.

التحدي الاول يكمن في الارتباط على سطح الخلية بمستقبلات خاصة أو آليات معينة، ومن ثَم دخوله إلى الخلية حيث سيجد الفيروس نفسه في حاجة لتوظيف آليات تكيّف جديدة إضافية لاستغلال الآلة التكاثرية الخاصة بالخلية لصالحه. كما أنه بحاجة إلى تثبيط عمل جهاز المناعة ونشر نسخ منه للخلايا المجاورة. بعد إتمام هذه التحديات بنجاح يصبح الفيروس قادرًا على الإنتقال إلى ضحية أخرى.

لحسن الحظ؛ الاختلافات الجينية بين الخلايا المضيفة تجعل من مهمة القفز بينها أمرًا صعبًا إلى حدٍ ما، لكن سرعة عمليات التكاثر الجنونية وما يرافقها من طفرات جينية ذات تأثير تكيفي – على الرغم من نسبتها القليلة – قادرة على جعل الفيروس ضيفًا جديدًا لدى خلية مستضيفة جديدة.

الأدوية والعقاقير المتوافرة

استطاع العلماء تطوير العديد من العلاجات والتي تعمل على تثبيط مراحل مختلفة في رحلة الفيروس نحو مهاجمة الخلية، حيث يعمل دواء Amantadine و Maraviroc المستخدمين في علاج فيروس الهربس Herpes على إعاقة عملية إختراق الفيروس للخلية. أما Acyclovir و Foscarent فيعملان على تثبيط عملية تصنيع تسلسل الحمض النووي والمادة الوراثية.

Zidovudine يعمل على تثبيط عملية النسخ العكسية، أي تحويل جزيء RNA إلى جزيء DNA وبالتالي يستخدم في علاج فيروس HIV المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة أو الأيدز AIDS، وIndinavir يعمل على تثبيط عملية تصنيع البروتين.

الجدير بالذكر أن هذه العلاجات تُعطى في الحالات الحرجة والخطرة جدًا، ويتم فيها مراعاة توافر عوامل الخطورة، ككبار السن والأطفال والحوامل وتواجد الأمراض المزمنة.

ما هو سبب خوفنا الدائم من الفيروسات ؟

مع توافر العديد من الأدوية ربما يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ عن سبب خوفنا المستمر من الفيروسات، الإجابة هي أن مفتاح نجاح الفيروسات يكمن في بساطتها.

التركيب البسيط للفيروسات يحد من التراكيب القابلة لتصنيع أدوية وعقاقير لتثبيطها، كما أن سرعة تكاثرها الجنونية وما يرافقها من طفرات تجعل منها مقاومة بصورة سريعة للأدوية المتوافرة.

هل الفيروسات كائنات حية؟

من الطريف حقاً مع كل هذه الجلبة والتساؤلات التي تثيرها الفيروسات تواجد جدل كبير حول تصنيف الفيروس ككائن حي، ففي تعريفنا للفيروس قلنا أنه مادة وراثية وغلاف بروتيني فقط، كما أن الكثير من العلماء يضعون الفيروسات في منطقة رمادية من الأشياء شبه الحية. فالكائنات الحية تتميز بقدرتها على التكاثر والتطور، والمحافظة على بيئة مستقرة داخل خلاياها وصنع طاقتها بنفسها. أما الفيروسات فهي تتكاثر وتتطور لكنها لا تحقق الشرطان الأخيران فكانا السبب لزجّها في تلك المنطقة الرمادية.

سواء اعتبرها الخبراء كائنات حية أو شبه حية فالفيروسات موجودة وتشكل ما يقارب ٨ % من حمضك النووي الخاص والباحثون في كل مكان وبشكل متواصل في بحث دائم مستمر عن الطفرات التي من الممكن أن تتبعها الفيروسات للقفز بين الأنواع المختلفة من الكائنات وأساليب المقاومة التي تطورها ضد الأدوية والعقاقير، ويكمن التحدي الحقيقي في توقع الفيروس الذي سيشكل الكارثة العالمية القادمة.

المصادر:
Novalabs
PBS Eons
NatGeo
Khan Academy
Ted Ed

نظرية التطور: أحافير حية قد تغير المبدأ الأساسي للانتخاب الطبيعي

أثارت نظرية التطور العديد من المناقشات الحماسية. حيث يوجد مبدأ واحد يوافق عليه جميع الخبراء في المجال وهو أنَّ الانتخاب الطبيعي يحدث على مستوى الجينوم.
لكن اكتشف فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا مؤخراً دليلاً قاطعاً على أنَّ الانتخاب الطبيعي قد يحدث أيضاً على مستوى فوق الجينوم. يطلق مصطلح فوق الجينوم على مجموعة الملاحظات الكيميائية للجينوم حيث تحدد الجينات التي يجب تنشيطها ومتى وإلى أي مدى يجب ذلك.  يغير الاكتشاف الجديد الفكرة المقبولة على نطاق واسع عن نظرية التطور بأنَّ الانتخاب الطبيعي يعمل حصرياُ على الاختلاف في تسلسل الجينوم.

نظرية التطور: أحافير حية تغير مبدأها الأساسي

نُشرت داسة بتاريخ 16/01/2020 في مجلة الخلية حيث درس الباحثون خميرة « Cryptococcus neoformans »التي تصيب الأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة وهي مسؤولة عن 20% من وفيات مرضى الإيدز. أظهرت نتائج الدراسة أنًّ الخميرة تحتوي على علامة فوق جينية في تسلسل الحمض النووي الخاص بها، لكن بناءً على التجارب المخبرية والنماذج الإحصائية كان يجب أنْ تختفي العلامة من النوع في وقت ما خلال عصر الديناصورات.

عملية المثيلة

تنشأ علامة المثيل عن عملية ربط مجموعة المثيل في الجينوم حيث تمكنت من الالتحام لمدة تزيد عن 50 عام بعد تاريخ الانتهاء المتوقع.

يقول العالم « Hiten Madhani » أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا: « لقد رأينا أنَّ عملية المثيلة يمكن أنْ تخضع للاختلافات الطبيعية ويمكن اختيارها لمدة تزيد عن 50 عام، ويعتبر هذا أسلوب غير مسبوق للتطور ولا يعتمد على التغييرات في تسلسل الحمض النووي للكائن الحي.»

توجد عملية المثيلة في جميع الفقاريات والنباتات بالإضافة إلى العديد من الفطريات والحشرات. لكن تفتقر العديد من الكائنات الحية النموذجية لعملية المثيلة بما في ذلك خميرة الخبز S. cerevisiae والديدان الدائرية C. elegans وذبابة الفاكهة. حيث تنحدر هذه الأنواع من أسلافها القدامى الذين فقدوا إنزيماتهم الضرورية لنقل عملية المثيلة من جيل إلى جيل. لكن كيف نجحت خميرة  C. neoformans في تجنب المصير نفسه؟

كيف حافظت خميرة C. neoformans على المثيلة؟

أظهر الباحثون في الدراسة الجديدة أنّه كان لدى سلف خميرة « C. neoformans » نوعين من الإنزيمات التي تتحكم في مثيلة الحمض النووي. أحدهما يسمى « de novo methyltransferase » وهو المسؤول عن إضافة مجموعة مثيل إلى الحمض النووي المجرد الذي لا يمتلك أي جزيء. أما النوع الآخر فيدعى « maintenance methyltransferase » حيث يقوم هذا الإنزيم بنسخ علامات المثيل التي أضافها إنزيم « de novo methyltransferase » ثم يُرفقها بالحمض النووي الذي لا يمتلك مجموعة مثيل.

لكن بعد ذلك في وقت ما خلال عصر الديناصورات فَقَدَ سلف خميرة «C. neoformans » إنزيم « de novo methyltransferas »، ومنذ ذلك الحين يعيش نسلها بإنزيم واحد مما يجعلها من الأنواع الوحيدة التي تمتلك مثيلة للحمض النووي دون وجود إنزيم « de novo methyltransferas »

نظرية التطور ودور الانتخاب الطبيعي

على الرغم من بقاء إنزيم « maintenance methyltransferase » متاحاً لنسخ أي علامات مثيلة موجودة بالفعل، أظهرت الدراسة أنَّه لولا دور الانتخاب الطبيعي في الحفاظ على المثيلة، فإنَّ الخسارة القديمة لإنزيم « de novo methyltransferas » كان يجب أنْ تؤدي إلى زوال سريع واختفاء نهائي لمثيلة الحمض النووي في خميرة « C. neoformans » .

يمكن أنْ تُفقد علامات المثيلة بشكل عشوائي، مما يعني أنَّه بغض النظر عن دقة نسخ  « maintenance methyltransferase » للعلامات الموجودة على مسارات جديدة للحمض النووي، فإنَّ الفقد المتراكم للمثيل سيترك في النهاية إنزيم الصيانة بدون قالب للعمل.  ورغم تصور العلماء أنَّ الفقد يحدث بوتيرة بطيئة، إلا أنَّ الملاحظات التجريبية سمحت للباحثين بتحديد أنَّ كل علامة مثيلة يمكن أن تختفي من نصف السكان بعد 7500 جيل فقط.

الانتخاب الطبيعي يمتد إلى مافوق الجينوم

لا يُفسِّر الحصول على علامات مثيلة جديدة نادرة وعشوائية استمرار المثيلة في خميرة « C. neoformans »، حيث أظهرت التجارب المخبرية أنَّ معدل نشوء علامات المثيلة الجديدة بالصدفة  أبطأ بنسبة 20% من معدل فقدان المثيلة.خلال فترات الزمن التطورية كانت الخسائر ستهيمن بشكل واضح، وبدون وجود إنزيم « de novo methyltransferas » للتعويض، فإنَّ المثيلة كانت ستختفي من « C. neoformans » في الوقت الذي اختفت فيه الديناصورات لولا ضغوط الانتخاب الطبيعي التي فضلت بقاء المثيلة.

عندما قارن الباحثون مجموعة متنوعة من سلالات خميرة « C. neoformans » التي كان معروفاً أنها تباعدت عن بعضها منذ 5 ملايين عام، وجدوا أنَّ الأمر لم يقتصر على أنَّ جميع السلالات تحتفظ بمثيلة الحمض النووي، بل كانت علامات المثيل تغطي مناطق متشابهة من الجينوم، مما يوحي بأنَّ علامات المثيل في مواقع جينومية معينة تمنح نوعاً من ميزة البقاء.

يقول العالم « Hiten Madhani » بأنَّ الانتخاب الطبيعي يحافظ على المثيلة في مستويات أعلى بكثير مما هو متوقع من عملية محايدة من المكاسب والخسائر العشوائية، حيث يعتبر هذا المكافيء الفوق جيني للتطور الدارويني. ويعود سبب اختيار التطور لهذه العلامات الخاصة إلى أنَّ إحدى وظائف المثيلة الرئيسية هي الدفاع عن الجينوم.

في السابق لم يكن هناك دليل على حدوث هذا النوع من الانتقاء خلال هذه المقاييس الزمنية، ويقول العالم Hiten Madhani: «هذا مفهوم جديد تماماًلكن السؤال المهم الآن هو هل يمكن أن يحدث هذا خارج هذا الظرف الاستثنائي؟ وكيف نجده؟»

المصادر:

Science Daily

CELL

 

Exit mobile version