التاريخ الكبير: كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

إن أحد أكبر الأسئلة المحيرة هو السؤال عن أصل الأنواع، كيف لكل هذه الأشكال المختلفة من الحياة أن تنشأ؟ كيف يمكن أن يوجد كل هذا التعقيد؟ كيف يمكن لشيء معقد كعين الإنسان أن يكون موجودًا؟ كل هذه الأسئلة التي حيرت الملايين على مر العصور، حتى أننا لجأنا لتفسيرها بالخرافات والأساطير، لكن العلم بات يعرف الإجابة، وهي التطور، ولكن كيف أدى التطور إلى تنوع أشكال الحياة؟

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

الحوت الأزرق هو أكبر الكائنات الحية على وجه الأرض اليوم، قد يصل طوله إلى 30 مترًا، كما قد يصل وزنه إلى ما يزيد عن ال100 طن!

يستطيع الحوت الأزرق التهام ما يزيد عن نصف مليون سعرة حرارية بمجرد أن يفتح فكيه، إلا أنه ليس بسمكة، فالحوت الأزرق من الثدييات، حيث سيموت اختناقًا إن بقي تحت الماء، فيجب عليه أن يصعد للسطح بين الحين والآخر، ليستنشق بعض الهواء، كما أن إناثها لا تبيض، وإنما تلد صغارها، ومن ثم تشرع في إرضاعها.

لى النقيض، الفيروسات هي أصغر ما يمكن أن نعتبره شكلًا من أشكال الحياة، حيث يبلغ حجمها بضعة نانومترات فقط، كما أنها لا تستطيع التكاثر ذاتيًا، وإنما تحتاج إلى خلية حية لتستولي عليها، وتحولها إلى مصنع للفيروسات المشابهة.

أكبر أمثلة التنوع بين الكائنات الحية

جميعنا نحب الكلاب، أليس كذلك؟ ولكن من منا يحب الذئاب؟ بالضبط، لا أحد.
ولكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن الكلاب ما هي إلا سلالة منحدرة من الذئاب الرمادية، إذ استطاع أجدادنا استئناف بعض هذه الذئاب، وقادوا عملية التهجين، وانتقاء السلالات المرغوبة، وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، نتج ما لدينا اليوم من فصائل متنوعة للكلاب، ويمكنك عزيزي القارئ ملاحظة الشبه الكبير بين كل من الذئاب والكلاب.

كيف يعمل التطور

في القرن التاسع عشر، قدم «تشارلز داروين-Charles Darwin»، وصديقه «ألفريد راسل والاس-Alfred Russell Wallace» نظريتهما بشأن التطور، وهي تنص على أن التطور ليس بحاجة إلى العنصر البشري، فالطبيعة تقوم بانتقاء بعض الأجناس دونًا عن الأخرى، لنتخيل معًا هذا السيناريو:

نحن في بيئة ثلجية، ولدينا دببة بنية اللون، وأخرى بيضاء،  تستطيع الفرائس أن تلمح وجود الدببة البنية من على بعد كبير، وذلك للاختلاف الكبير بين اللون البني والأبيض، مما يسمح للفرائس بوقت أكبر للهرب، مما يقلل من فرص حصول الدببة البنية على الطعام، مما يجعل تكاثرها واستمرار نسلها أصعب، إذ ستكون أكثر عرضة للانقراض.

على النقيض، فالدببة البيضاء مموهة بفضل تشابه لون فرائها مع لون الثلج، مما يجعل ظهورها مفاجئًا للفريسة، وبهذا يستمر نسل الدببة البيضاء، بينما يختفي نسل الدببة البنية من هذه المنطقة الثلجية، وهذا ما يفسر وجود الدببة القطبية في البيئات الثلجية.

كيف يحدث التطور؟

كل الكائنات الحية قادرة على التكاثر، إذ تقوم بنقل جيناتها إلى الأجيال القادمة، لتصنع نسخًا متطابقة منها، لكن الطبيعة ليست بذلك الكمال، إذ قد تحدث بعض الأخطاء، فتحدث الطفرات الجينية، وهنا تكمن المغالطة، فالبعض يربط الطفرات بالتشوهات، ولكن الطفرات ليست كلها سيئة بالضرورة، فما هي إلا تغيرات جينية تعطي صفات جديدة للكائنات الحية.

الخلاصة

ليست نظرية التطور مفسرة لأصل الحياة، ولا هي عن أصل الكون، وإنما هي تشرح أصل الأنواع، فهي تفسر كيف تنوعت الكائنات الحية بعد أن نشأت الحياة للتو، وهي أفضل تفسير لدينا بهذا الشأن.

المصدر:

Coursera

كيف يؤثر القلب على إدراكنا للعالم الخارجي؟

كيف يؤثر القلب على إدراكنا للعالم الخارجي؟

يُنظر دومًا للعقل على أنَّه المركز المتحكم في كل شيء تقريبًا. الدماغ هو القائد الذي يؤثر بشكل واسع وجلي في كل اللاعبين-لا شك في هذا- ويتأثر بشكل كبير بالكثير من المثيرات الداخلية المُرسَلة من الأعضاء الأخرى بشكل مستمر دون أن نشعر بها في نطاق وعينا. رغم ذلك فقد وُجِدَ أنَّ هذه العمليات الحيوية-كضربات القلب- تقوم بأكثر مما نعرفه عن تنبيهها العقلَ لاحتياجات الجسم الآنية، فهي تؤثِّر على إدراكه ووعيه بالعالم من حولنا بشكلٍ جذري(1).

العقل يؤثِّر على ضربات القلب بالزيادة والنقصان حسبما تقتضي الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بنا، أنتَ تعرف هذا عندما تركض متأخرًا عن موعدك أو تشاهد فيلمَ رعبٍ في ذروتِه. لكنَّ المثير للاهتمام هو أنَّ العكس يحدث الآن وأنت تقرأ هذه السطور، ودائمًا ما كان يحدث دون أن تشعر. منذ ثلاثينيات القرن الماضي لاحظ العلماء انخفاض الشعور بالألم أثناء انقباض القلب، وتوالت البحوث بعدها مفسرة ذلك بإرسال مستقبلات الضغط في نسيج القلب بإشارات لمناطق مثبطة بالدماغ، وهكذا بتنا نعرف أن هناك تأثير من القلب وإن ظلت الطريقة التي يتبعها في ذلك غير واضحة(2).

كان هذا حتى توصَّل علماء من«معهد ماكس بلانك للإدراك البشري وعلوم الدماغ-Max Blank Institute for Human Cognitive and Brain Sciences» و«مدرسة برلين لعلوم العقل والدماغ-Berlin School of Mind and Brain» إلى آليتين يؤثِّر بهما القلب على العقل(1).

أُجريَت الدراسة عن طريق إرسال نبضات كهربية ضعيفة خلال أقطاب معلقة بأصابع المشاركين، وتسجيل نشاط الدماغ باستخدام «التخطيط الكهربائي للدماغ-EEG» ، وقياس نشاط القلب باستخدام «التخطيط الكهربائي للقلب-EKG».

1. تأثير التوقيت خلال الدورة القلبية على إدراك العالم الخارجي

تؤسس الآلية الأولى للعلاقة بين مراحل نبض القلب والإدراك الواعي، حيث يعمل القلب على ضخ الدم مارًا بما يعرف ب«الدورة القلبية-Cardiac Cycle» ،وهي تشير إلى طورين متعاقبين: «انقباض-Systole» و«استرخاء-Diastole»، وقد وجد العلماء أنه في أثناء الانقباض فإن معدل اكتشاف وتحديد أماكن المثيرات الحسية- وهي نبضات كهربية خفيفة على سطح الجلد في هذه الحالة- ينخفض، وذلك بالتزامن مع انخفاض النشاط الكهربائي المرتبط بالإدراك الواعي للمثيرات الحسية بالدماغ. لدغة بعوضة، لمسة يد، قطرة مطر. كلها مثيرات حسيَّة لحظية الحدوث تستقبلها مستشعرات على سطح الجلد لتسري بذلك إشارة خلال الأعصاب الحسيَّة إلى مراكز المعالجة بالدماغ، ومنها إلى الفص الجبهي حيث يتكون وعينا وادراكنا بما حدث للتو.

هنا يبدو أن العقل يمنع إشارات حسية من الوصول للوعي خلال فترة الانقبا، لكن العقل هنا يتعامل مع التغيرات المصاحبة لانقباض القلب واندفاع الدم خلال الجسم على أنها غير حقيقية، فلا أحد يود أن يشعر بنبض قلبه كل نبضة على حدى، ودفق الدم إلى أطرافه دفقة تلو الأخرى. فلا مانع إذاً من تفويت إشارات حسية طفيفة -وإن كانت حقيقية- عند تزامنها مع انقباض القلب. الأمر يشبه إلغاء مباراة بسبب الشغب -رغم وجود جماهير ملتزمة في المدرجات- حيث لا يمكنك التمييز بين من سبَّبَ الشغب ومن ذهب للتشجيع فحسب.

2. تأثير ضربات القلب على المعالجة الحسية

كما أخبرتك، فإن تأثير الآلية الأولى يكون على مستوى الوعي فحسب، أي الخطوة النهائية الملموسة التي ندركها، أمَّا الآلية الثانية فتؤثِّر على ما دون مستوى الوعي، فهي تؤثر في معالجة البيانات القادمة من البيئة. وجد العلماء أنَّ الأشخاص ذوِي الاستجابات الدماغية الكهربية الأعلَى لضربات القلب-أي الذين تنشغل عقولهم ببيانات ضربات القلب القادمة من بيئة الجسم الداخلية بشكل أكثر من غيرهم- تكون معالجة الإشارات الحسية لديهم أضعف، وبالتالي يكون إدراكهم الواعي لها أقل. من جديد الإشارات الداخلية على حساب البيئة الخارجية.

3. تأثيرات مشابهة على مناطق أخرى

لا يقتصر الأمر في الدماغ على الإدراك الحسي فحسب، فثمة تأثيرات مماثلة على الإشارات السمعية والبصرية اكتشفت منذ سبعينيات القرن الماضي(2)، حيث تزداد الاستجابة العصبية لهذه الإشارات أثناء انبساط القلب، وتقل أثناء انقباضِه. كما وجدت دراسة أخرى أنَ حركة العين السريعة تزداد أثناء الانقباض، بينما نثبت بصرَنا بشكل أكثر تكرارا أثناء الانبساط، وكأنَ دماغنا يخدعنا بحالة من العمى اللحظي كيلا نرى الأشياء من حولنا وكأنها تقفز. ثمَة تأثير آخر لانقباض القلب على الشعور بالخوف، ولكن على عكس التأثيرات السابقة، فإن منطقة «اللَّوْزَة-Amygdala» المسئولة عن الشعورِ بالخوف تكون أكثر نشاطا أثناء الانقباض. إنها طريقة أخري يتكيف بها العقل مع تزايد ضربات القلب عند الشعور بالخوف، فحينها لا يهم الشعور بالمثيرات الخارجية التي تشوش على الموقف، ولكن في نفس الوقت يجب أن تكون في حالة تيقُظ وقلق إن أردت أن تنجو(2).

الخطوات المترتبة على هذا الاكتشاف

تفتح الأبحاث الحالية المجال لفهم أوسع للعلاقة بين السكتات الدماغية والإصابة بمشكلات قلبية بعدها، أو حدوث خلل في الوظائف الإدراكية لدى مرضى القلب(3). كما تسهم في علاج مرضى الرُهاب متلازمة إجهاد ما بعد الصدمة عن طريق استثارة العقل بالمثيرات المسببة للحالة في أوقات معينة من الدورة القلبية(2).

لطالما نُظِرَ إلى العقل على أنَّه مركز التحكُّم الأوحد في كل ما ندركه ونَعِيهِ عن عالمنا الخارجي، وأنَّ الطريق بين القلب والعقل لا يحتمل سوى اتجاهٍ واحدٍ. لكنَّك الآن بتَّ تعرف شيئًا جديدًا عندما تتابع ضربات قلبك على ساعتك الذكية -إن كانت لديك واحدة-.تعرف أن هذه الضربات لطالما أثرت في إدراكك لما حولك بطرقٍ غير متوقعةٍ، ودُونَ أن تدري.

المصادر

  1. PNAS
  2. mpg
  3. Quanta Magazine

اقرأ أيضاً: اللحوم الحمراء واللحوم المصنّعة تسبب أمراض القلب!

Exit mobile version