سلسلة (التطور) – مقال (3): “هل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟”

سلسلة (التطور) – مقال (3): “ههل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟”

بعد حديثنا عن الانتقاء الطبيعي، ورأينا بأنفسنا الأدلة على وجوده، وكيف أنه يمكن أن تتطور رقاب الزرافات بواسطة الانتقاء الطبيعي.

ولكن ربما بدأت تتساءل عزيزي القارئ، هل يمكن للانتقاء الطبيعي أن يطور أعضاء وتراكيب معقدة، كالعين مثلًا، هل يمكن لأعيننا أن تكون قد تأثرت عن طريق الانتقاء الطبيعي ؟ أم أن الانتقاء الطبيعي لا يغير إلا تفاصيل بسيطة صغيرة ؟ وهل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟

وفي الحقيقة، فإن الأجابة هي نعم !

يجب علينا إدراك أن الانتقاء الطبيعي يحدث دائمًا بخطوات صغيرة وبسيطة، وهذه الخطوات تكون دائمًا في مصلحة الكائن الحي.

كيف تطورت أعين الكائنات البدائية بمرور الزمن ؟

فيمكن مثلًا أن نتخيل نوعًا من الديدان البدائية، والتي لم تكن تتمتع بعيون معقدة ولكنها كانت تمتلك خلايا مسطحة تعمل «مستحثات ضوئية-photoreceptors». وتعرف مستحثات الضوء بأنها خلايا تستجيب لسقوط الضوء عليها، وبالتالي يمكنها التفريق بين الضوء والظلام فقط.

وبالتالي يمكن لهذه الدودة على الأقل أن تفرق بين الضوء والظلام، فيمكنها مثلًا أن تزحف حتى تشعر بالظلام، فمن المحتمل أن تكون الدودة قد زحفت حتى صارت تحت صخرة، وبالتالي فهي في أمان، وبالتالي يمكن لهذه المستحثات الضوئية أن تساعدها ولو بشكل بسيط على النجاة.

وبعد حدوث العديد من الخطوات بواسطة الانتقاء الطبيعي، يمكن لهذه المستحثات الضوئية المسطحة أن تتطور حتى تصبح مقعرة كالكوب الفارغ، وبالتالي عندما يسقط الضوء عليها من اتجاه معين، يمكن للدودة أن تحدد الاتجاه الذي سقط منه الضوء ويمكنها أن تحدد الاتجاه الذي ستزحف إليه. وهكذا تتطور الأمور أكثر وتتحسن لتساهم في نجاة الدودة.

وبالتالي فإنه مع الوقت، وحدوث التغيرات الطفيفة مع الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك في النهاية إلى تطوير تراكيب معقدة.

هل تطورت عين الانسان بنفس الطريقة ؟

ولكن ماذا عنا ؟ هل نتطور ؟ هل يتعرض بنو الانسان إلى الانتقاء الطبيعي ؟ لأنه بمراقبة التقدم والرقي الذي وصل إليه الانسان، يصعب تصور أنه لا يزال هناك صراع على الحياة يمتد لأجيال ويمكن من خلاله حدوث الانتقاء الطبيعي.

حسنًا، لنتحاور معًا، هل يمكن لموضوع العين الذي تكلمنا عنه سابقًا أن تنطبق عليه كل شروط الانتقاء الطبيعي وبالتالي يمكننا إثبات أن الانسان لا زال يتعرض للانتقاء الطبيعي.

هل هناك تنوع ؟ نعم بالطبع. على سبيل المثال، إذا نظرت حولك، حتمًا ستجد أحدهم يضع نظارات. يمكن لهذا على الأقل أن يعد تنوعًا.

هل هناك توارث لتلك الصفة ؟ ضعف النظر الذي يستدعي بالضرورة ارتداء نظارة يكون متوارثًا، فتجد أشخاصًا يضعون النظارات وكان آباؤهم كذلك من واضعين النظارات.

ولكن هل هناك صفة الاختيار ؟ هل يعتبر ضعف النظر أو قوته بشكل ما ضروري أو مهم للنجاة في عصرنا الحالي ؟

ربما كانت صفة قوة النظر ضرورية ومهمة للبشر الذين عاشوا في مجتمعات تعتمد على الصيد بشكل أساسي في الحياة، فإن كنت تمتلك نظرًا أقوى زادت فرصتك في إتقان الصيد وبالتالي تزداد فرصتك في النجاة. ولكن في عصرنا الحالي، نحن لا نعتمد بشكل أساسي على الصيد في مجتمعاتنا هذه. وبالتالي لا يمكن أن تساهم صفة قوة النظر في النجاة في وقتنا هذا، ولكن في النهاية، “الانتقاء الطبيعي” هو قانون طبيعي، كالجاذبية الأرضية مثلًأ، يمكننا أن نتحايل عليه أو نمنعه في بعض الحالات، ولكن لا يمكننا أن نمنع حدوثه بشكل كامل، وفي الحقيقة فنحن لا زلنا في صراع على النجاة.

صراعنا الخاص على النجاة!

يمكننا أن نتحدث على سبيل المثال عن الأمراض، كالمالاريا مثلًا، فقد تسبب هذا المرض في حصد العديد من الأرواح في أفريقيا، وفي أوروبا والولايات المتحدة، تسبب بعض الأمراض في قتل الملايين من البشر، والإيدز مثلًا، يمكننا الحديث قليلًا عن الايدز.

يصاب الناس بالعديد من الفيروسات والبكتيريا، ولكن بعضهم يشتد عليه المرض أكثر من غيره، فهل تساهم جيناتنا في ذلك ؟ وهل للانتقاء الطبيعي دور في حدوث ذلك ؟

الإجابة هي نعم، يمكن لأنواع مختلفة من الجينات أن تغير قابلية تعرض الأفراد إلى الإصابة بالإيدز أكثر من غيرهم، ودراسة هذه الجينات يمكنها في المستقبل أن تمكننا من ابتكار أدوية لوقف أو الإبطاء من حدوث العدوى.

منذ الثمانينات، أصيب العديد من البشر بفيروس الايدز، ولكن لم يصب به كل من تعرض له، وقد حير ذلك الأمر العلماء لفترة من الزمن، وبدأوا يراقبون تلك الحالات، هل يمكن أن يمتلك البعض مناعة طبيعية تجاه الإيدز ؟

يمكننا فهم ذلك بسهولة إن فهمنا الطريقة التي يتعامل بها فيروس الإيدز مع خلايانا. وككل الفيروسات، لا يمكن لفيروس الإيدز أن يصنع نسخًا من نفسه بدون مساعدة من خلايا الإنسان، وبالتالي فهي تدخل إلى خلايا الإنسان وتستخدم الآلية الخاصة بها في الانقسام وتصنع نسخًا عديدة من نفسها وتنتشر في الجسم كله.

ولكن يمكن لفيروسات الإيدز أن تدخل إلى خلايا معينة فقط، فكيف يمكنها إذًا أن تجد الخلايا المناسبة ؟

يمكنها أن تفعل ذلك عن طريق بروتينات مخصصة لذلك تدعى المستقبلات، وهذه المستقبلات تكون موجودة على سطح الخلية لتتلقى المعلومات وتقوم بنقلها إلى داخل الخلية. ويقوم فيروس الإيدز بالإمساك بسطح الخلايا التي تحتوي على مستقبل يدعى CD4.

تعد الخلايا التي تحتوي على مستقبل CD4 جزءًا مهمًا من مناعة الجسم ضد كل الأمراض، وعندما يمسك فيروس الإيدز بها فإنه يدمرها تدريجيًا ويعيق الجهاز المناعي، ولذا سمي بمرض نقص المناعة.

ويتضح أيضًا أن مستقبلات CD4 ليست كافية، فهناك بروتين آخر يدعى CCR5 يعتبر مساعدًا للمستقبل CD 4 لأنه يعمل معه، ويعد هو الباب الذي يتيح دخول فيروس الإيدز لداخل الخلية.

اتضح أن الكثير ممن يمتلكون مناعة طبيعية ضد فيروس الإيدز توجد بداخلهم طفرة في بروتين CCR5 تدعى هذه الطفرة CCR5-delta32 ، وتؤدي هذه الطفرة إلى تكوين بروتين أصغر لا يصمد فوق سطح الخلية، وبالتالي لا تستطيع معظم أشكال فيروس الإيدز أن تصيب الخلايا بالعدوى إن لم يكن هناك بروتين CCR5 على سطح الخلية.

يمتلك الأفراد الذين عندهم نسختان من هذه الطفرة (حيث قاموا بتوارثها من الوالدين) مناعة كبيرة تجاه الإصابة بالإيدز. ويحدث ذلك الأمر لحوالي 1 بالمئة من القوقازيين( السلالة القوقازية من البشر).

بينما إذا امتلك الفرد نسخة واحدة من هذه الطفرة فإنها تعطيه بعض المناعة تجاه المرض، وتقوم بتخفيف آثار المرض إذا ما أصيب الفرد بالإيدز بالفعل. وهذا الأمر منتشر بنسبة أكبر عن سابقه حيث يمكن ملاحظته في عشرين بالمئة من السلالة القوقازية من البشر.

حسنًا، هناك أناس إذًا يتمتعون عن غيرهم بمقاومة ومناعة طبيعية ضد هذا المرض، ولكن هذه الطفرة توجد بنسبة كبيرة في شمالي أوروبا. على الرغم من انتشار الإيدز بشكل أكبر في أفريقيا، فإنه لا تزال الطفرة المسئولة عن المناعة ضد هذا الفيروس قليلة جدًا في أفريقيا، ويعتبر ذلك بسبب حداثة فيروس الإيدز نسبيًا بالنسبة للبشر، فالفيروس لم ينتقل للإنسان من القرود إلا قبل ثمانين عامًا فقط.

لماذا زاد متوسط طول قامة الانسان مؤخرًا ؟

ولكن ماذا عن صفاتنا الطبيعية الفسيولوجية بعيدًا عن الأمراض وغيره ؟ هل تأثرت هي الأخرى بالانتقاء الطبيعي ؟هل يمكن للإنسان أن يتأثر بظاهرة الانتقاء الطبيعي ؟ في صفاته الطبيعية؟ كطول قامة الإنسان مثلًا ؟ فما نعلمه أن الإنسان كان أقصر قامة قبل ألف عام، كيف يمكن لطول الإنسان أن يزداد في تلك الفترة ؟

حسنًا، لنراجع شروط الانتقاء الطبيعي مرة أخرى، هل هناك تنوع ؟ نعم بالطبع، هل هناك توارث لتلك الصفة ؟ نعم هناك توارث، ولكن هل يفيد ذلك نوعًا ما في بقاء الأفراد الأطول قامة؟

أذهل العلماء السرعة التي ازدادت بها أطوال قامات الهولنديين، فكان الهولنديون يتمتعون بقامة قصيرة نسبيًا قبل قرن من الزمان، ولكن ما لبثوا أن ازدادت أطوال قامتهم بشكل كبير.

افترض الباحثون في البداية أن السبب قد يرجع ربما إلى تحسن ظروف المعيشة، فالطعام الغني بالبروتينات والكربوهيدرات من الممكن أن يساهم في بنية أقوى وقامة أطول، ولكن من المستحيل أن يكون ذلك هو السبب الوحيد، فقد ارتفع مستوى المعيشة نسبيًا بالنسبة لأغلب سكان قارة أوروبا، فلما يزداد متوسط أطوال الهولنديين وحدهم ؟

بالإضافة إلى ذلك، فقد أثبتت دراسة أجريت عام 2000 ونشرت في مجلة Nature أن أصحاب القامة الأطول يميلون إلى إنجاب أبناء أكثر من ذوي القامات الأقصر، ما السر إذًا ؟

حسنًا، ربما يعود السبب إلى النساء، فربما تفضل النساء الرجل الأطول. لأنهن يعتقدن أنه أكثر صحة وقوة، وبالتالي يملك الرجال الأطول فرصة أكبر في الزواج والإنجاب أكثر من ذوي القامات القصيرة. ألا يمكن لهذا أن يكون السبب الحقيقي ؟ لو كان ذلك السبب حقًا، فإن هذا النوع من الانتقاء يطلق عليه الانتقاء الجنسي، وهو نوع خاص جدًا من الانتقاء الطبيعي، وسنتحدث عنه لاحقًا في المقال التالي.

المصدر

Coursera
genetics.thetech
Theguardian
انظر أيضًا الأدلة العملية على التطور

سلسلة (التطور) – مقال (2): الأدلة العملية على الانتقاء الطبيعي

سلسلة (التطور) – مقال (2): الأدلة العملية على الانتقاء الطبيعي

ما الذي يتطلبه الانتقاء الطبيعي ليحدث؟

تحدثنا في المقال السابق عن التطور البيولوجي، وآليه حدوثه بواسطة ما يعرف بالانتقاء أو الإنتخاب الطبيعي، وفي الحقيقة فالأمر بسيط جدًا كما أوضحنا، ما أن تتوفر الشروط الثلاثة التي تحدثنا عنها، ألا وهي: التنوع، والإختيار، وإمكانية توريث هذه الصفة، فإن الإنتخاب الطبيعي يحدث بالفعل وتتطور الكائنات. ولكن قد لا يزال الأمر غامضًا بعض الشئ، وبالتالي فسيكون من الأفضل، أن نقدم مثالًا لحدوث التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي، مثال سهل يمكننا ملاحظته حولنا بسهولة، واحد من الأدلة العملية على الانتقاء الطبيعي.

حلزون الحدائق

من منا لا يعرف الحلزون ؟ هو ذلك الكائن الذي يمكنك ملاحظته يزحف على الجدار ببطء شديد في حديقة منزلك، أو ربما بالقرب من بعض البحيرات. وتعرف بعض تلك الأنواع ب”حلزون الحدائق”، ولعل أشهرها هو الحلزون المعروف «Capea Nemoralis».

ويتميز هذا النوع من الحلزون بتعدد ألوان الدرع الخارجي له، فيمكن أن يكون ورديًا، أصفرًا، أو حتى بنيًا، وبالتالي نكون قد حققنا الشرط الأول لحدوث الانتقاء الطبيعي، هل تتذكره ؟ إنه التنوع. لننتقل مباشرةً إلى الشرط الثالث، ألا وهو إمكانية توريث تلك الصفة أو إنتقالها عبر الأجيال، ويخبرنا علماء الأحياء أن هذه صفة لون الدرع الخارجي للحلزون يتم بالفعل توريثها للأجيال القادمة من كائن الحلزون، وبالتالي فتلك الصفة موجودة في جينات هذا الكائن، وهذه الجينات مسئولة عن ظهور تلك الصفة في كائن الحلزون.

هل يمكن أن يعد حلزون الحدائق مثالًا حيًا على التطور ؟

ويكون بذلك قد تحقق شرطان من الشروط الأساسية لحدوث التطور بواسطة الانتقاء الطبيعي، ولكن هل يتحقق الشرط الثالث في تلك الحالة؟ هل هناك سبب ما يمكن أن يتسبب في اختيار وإنتقاء لون معين من ألوان الحلزون دونًا عن غيرها من الألوان؟ هل يمكن أن يتحقق الشرط المتبقي ألا وهو الاختيار؟

يقودنا هذا إلى السؤال الأفضل في تلك الحالة، هل يمكن للون الدرع الخارجي للحلزون أن يتسبب في نجاته في بعض الظروف ؟ وهل يمكن أن تكون بعض الألوان أكثر أهمية من غيرها في مسألة حياة الحلزون أو موته ؟

هل يمكن للون الدرع الخارجي للحلزون أحيانًا أن يكون الفارق بين الحياة والموت؟

“بالطبع”. هكذا يجيبنا «Menno schilthuizen»، أستاذ البيولوجيا بجامعة ليدن، “لسببين، أولهما هي درجات الحرارة العالية، ففي موسم الصيف، يمكن للحلزون أن يقضي فترات طويلة فوق النباتات تحت أشعة الشمس والتي يمكن أن تتسبب في رفع درجة حرارته بشكل مضر له.

كذلك فإن الحلزون صاحب الدرع الخارجي ذو اللون الأصفر يمكنه مقاومة الحرارة بشكل أفضل، لأن درعه يقوم بعكس أشعة الشمس الضارة أكثر من نظيره صاحب الدرع ذو اللون البني. ويمكن لذلك أن يكون الفارق بين الحياة والموت للحلزون !”

ولكن، إن كان حقًا اللون الأصفر ذو فائدة عظيمة للحلزون ويمكنه أن يمنح الحلزون فرصة أكبر في الحياة، لم لا ينقرض الحلزون صاحب الدرع ذو اللون البني ؟ أو اللون الوردي؟ لما توجد هذه الأنواع من حلزونات الحدائق طالما أنها تتعرض لا تستطيع عكس حرارة الشمس أو أشعتها الضارة؟

يتبادر هذا السؤال تقريبًا إلى أذهان كل من يقرأون عن نظرية التطور، والسبب أن هذه الألوان أيضًا (البني والوردي) تعد ذات فائدة عظيمة للحلزون ويمكنها أحيانًا أن تنقذ حياته، السر هنا يكمن في كلمة واحدة ألا وهي ( التخفي )!

يتغذى طائر «السماني المغرد-The Song Thrush» على هذا النوع من الحلزونات، فإذا ما رأى هذا الطائر الحلزون فهو يصطاده على الفور ويأكله، وبعض الحلزونات ذات الألوان المميزة يمكنها أن تتخفى بطريقة أفضل من غيرها وبالتالي تتجنب تعرضها للاصطياد، ولكن يعتمد الأمر في النهاية على مكان وجود هذه الحلزونات. ففي الحقول مثلًا أو الأراضي الزراعية ذات الغطاء النباتي الأخضر والأصفر أحيانًا، تتمتع الحلزونات صاحبة الدروع الخارجية، ذات اللون الأصفر بفرصة أكبر في النجاة، بينما تتمتع الحلزونات بنية اللون والوردية بفرصة أكبر في النجاة داخل الغابات الكثيفة والتي تكثر فيها الألوان.

هل يحدث ذلك على بالفعل على أرض الواقع؟

حسنًا، ولكن هل يحدث ذلك بالفعل على أرض الواقع ؟ هل نتوقع أن نعثر على الحلزونات الصفراء بأعداد أكبر في العشب والأراضي الزراعية، بينما سنجد أن الحلزونات البنية والوردية توجد بأعداد كبيرة في الغابات ؟ هل يعتبر ضمن الأدلة العملية على الانتقاء الطبيعي؟

نعم، هذا ما يجب أن تجده بالفعل. وعندما تجد هذه الحلزونات عزيزي القارئ، فيمكنك ساعتها أن ترى الانتقاء الطبيعي يحدث أمام عينيك، لا يتطلب الأمر السفر لآلاف الأميال أو الإنتظار لملايين السنوات حتى ترى آثار الانتقاء الطبيعي، لربما تطلب الأمر التنقل بضع خطوات بين بيئتين مختلفتين والبحث عن بعض أفراد الحلزون لدقائق.

ولكن قد لا يتوفر لدى الجميع ذلك التنوع البيئي أو العديد من أفراد الحلزون ليلاحظ مدى الفرق بينهم، ولنوفر عليك عناء البحث، فقد قام مينو وزميله دكتور «ماورين فان دير زي- Maurijn Van Der Zee» بجامعة ليدن بالبحث بأنفسهم أمام أعيننا في المساق الممتع المقدم على منصة (Coursera) المعروف بـ( Evolution Today) والذي يمكنك مشاهدته بنفسك مجانًا على الموقع، بالبحث عن أفراد الحلزون في العشب وفي الغابات، وما وجدوه كان حقًا مذهلًا، ففي العشب كان أغلب أفراد الحلزون من النوع الأصفر، بينما في الغابات يظهر أفراد الحلزون البنية والوردية بشكل أكبر.

هل يظهر الانتقاء الطبيعي بذلك الوضوح فقط في حيوان الحلزون؟

لا يقتصر الأمر على الحلزون فقط، بل يمكنك مشاهدة أثار التطور، و الكثير من الأدلة العملية على الانتقاء الطبيعي في بيئتك، يمكنك ملاحظة الكائنات التي تغير سلوكها، وبنيتها الجسدية لتتكيف مع طبيعتها وتحافظ على بقائها. ففي المقال القادم، سنحاول عرض المزيد من الأمثلة الحية على الانتقاء الطبيعي والتطور كما أننا سنبين كيف استغل الإنسان هذه الظاهرة لصالحه وأنتج لنا العقاقير والمبيدات وغيرها من الأدوية التي اعتمدت على التطور والانتقاء الطبيعي.

المصادر

Coursera
Whyfiles
انظر أيضًا ما هو الانتقاء الطبيعي؟

سلسلة التطور : الانتقاء الطبيعي

سلسلة التطور : الانتقاء الطبيعي – المقال الأول

ما هو الانتقاء الطبيعي ؟

“الانتقاء الطبيعي” هو مصطلح تم كتابته لأول مرة بواسطة «تشارلز داروين-Charles Darwin» منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا في كتابه المعروف «أصل الأنواع-The Origins of Species». وقد يبدو هذا المصطلح غريبًا أو معقدًا للوهلة الأولى ولكنه أبسط مما تتخيل!

يجب فقط أن تتوفر لديك ثلاثة شروط، فإن توفرت لديك هذه الشروط، يمكنك ساعتها أن تشهد على حدوث التطور بواسطة الإنتقاء الطبيعي. فببساطة، ستتطور صفة معينة عن طريق الإنتقاء الطبيعي إذا ما توفرت تلك الشروط.

التنوع

أولهم، التنوع، فإن أردنا لصفة معينة أن تتطور يجب أن تتوفر فيها صفة التنوع. بمعنى، أن توجد هذه الصفة في أفراد سلالة معينة بتنوع كبير، ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا ؟ كيف يمكن لهذه الصفة أن تكون محددة وفي نفس الوقت متنوعة بشكل كبير؟

الأمر بسيط، على سبيل المثال، طول القامة بالنسبة للبشر، فالبشر يظهرون تنوعًا كبيرًا في أطوال قامتهم. أو الاختلافات التي يمكننا رؤيتها في أجنحة الحشرات. أو أطوال رقاب الزرافات. فهي صفات محددة ومعينة في كل سلالة، ولكنها تظهر تنوعًا كبيرًا في بعض الأحيان.

الانتقاء

الشرط الثاني الذي نحتاجه هو الإنتقاء، أو الإختيار. ماذا يعني ذلك الأمر إذًا؟

لنتحدث على سبيل المثال عن صفة ” أطوال رقاب الزرافات” وإن كانت صفة لا تظهر تنوعًا كبيرًا في عصرنا هذا. إن أتينا بزرافتين، أحدهما ذكر والآخرى أنثى، وأعطيناهم كل ما يريدون لكي يعيشوا ويتكاثروا، ولنقل مثلًا أنهم أنجبوا أربعة من الأبناء.

ومن ثم تكاثرت تلك الأبناء وأنجبوا أربعًا من الزرافات الصغيرة مرة أخرى، ثم أنجبت تلك الأجيال الجديدة أربعًا من الزرافات وهكذا .. فسنجد نفسنا عاجلًا أم آجلًا ننظر لمئات ومئات من الزرافات. ولكن ببساطة لا يحدث ذلك في الطبيعة. فلا تستطيع كل الزرافات الإنجاب، يجب أن يكون هناك شكل من أشكال “الإنتقاء”.

ببساطة، لا يوجد طعام كافي في البرية لإطعام كل تلك الزرافات، الطعام المتوفر في البيئة محدود ولا بد أن تتنافس الزرافات على ذلك الطعام، لابد وأن يقع بينهم (كما صاغه داروين) “صراع على الحياة”.

الزرافات تتغذى على أوراق الشجر الموجودة على أغصان الأشجار والشجيرات. وبالتالي فمن المتوقع أن تحصل الزرافات ذات الرقاب الطويلة على غذاء أكثر من نظيراتها التي تتمتع برقاب أقصر، حيث أن الزرافات ذات الرقاب الطويلة ستستطيع الوصول لأوراق الشجر بسهولة أكبر.

وبالتالي، يمكننا استنتاج أن الزرافات ذات الرقاب الطويلة ستتمتع بفرصة أكبر في العيش والنجاة من ” الصراع على الحياة”. فسيمكنهم الوصول للغذاء بطريقة أسهل. وهذا ما نطلق عليه “الإنتقاء”.

التوارث

آخر شرط يجب توافره لتكتمل تلك العملية هو إمكانية أن تنتقل هذه الصفة إلى الأجيال القادمة بنجاح. أي أن تورث تلك الصفة في أبناء السلالة.

في مثالنا هذا، ستتمكن الزرافة الأم ذات الرقبة الطويلة من أن تتغذى على طعام أكثر من نظيراتها ذوات الرقاب القصيرة، وستتمكن من أن تنتج حليبًا أكثر من نظيراتها وبالتالي ستتمكن من أن تلد أبناءًا أكثر من نظيراتها.

حسنًا قد يبدو ذلك كافيًا إذًا لاستمرار تلك الأجيال التي أنجبتها هذه الزرافة. ولكن ما يزال هناك شرط يجب أن يستوفى لحدوث التطور، وهو أن تنتقل صفة الرقبة الطويلة إلى الأجيال التي أنجبتها هذه الزرافة بنجاح. ويبدو ذلك ممكنًا جدًا في مثالنا هذا. ويمكننا استنتاج أن الزرافات ذات الرقاب الطويلة ستربي أجيالًا ذات رقاب طويلة كذلك، وستكون لتلك الأجيال فرصة أكبر في الحصول على الغذاء من نظيراتها ذات الرقاب القصيرة، وبالتالي سترتفع فرصها في النجاة والإستمرار في الحياة لفترة أطول.

هكذا، يحدث التطور!

مع الوقت، ستنتقل هذه الصفة وتورث إلى الأجيال القادمة، وسيوجد هناك أعداد أكبر من الزرافات ذات الرقاب الطويلة وستموت الزرافات ذات الرقاب القصيرة وتقل أعدادها شيئًا فشيئًا. ومع مرور الوقت سنلاحظ أن مستوى طول رقبة الزرافة قد ازداد، لأن أعداد الزرافات ذات الرقاب الطويلة قد ازداد كذلك. وهكذا، “تطورت” الزرافات ! بتلك الطريقة يحدث التطور البيولوجي عن طريق الإنتقاء الطبيعي. فالأمر بتلك البساطة: لا بد أن تتوفر ثلاثة شروط، إذا ما توفرت تلك الشروط، حدث التطور بواسطة الإنتقاء الطبيعي.

هل يوجد دليل علمي على هذه الظاهرة؟

ولكن يبقى السؤال، هل يوجد دليل علمي على وجود هذه الظاهرة؟ هل يمكننا رؤيتها بوضوح في البيئة المحيطة بنا ؟ أم هي مجرد تكهنات وافتراضات لما يمكن أن يكون قد حدث في الماضي ؟ في المقال التالي، سنستعرض معًا أدلة علمية وأمثلة على حدوث التطور. وستتفاجأ لمعرفة أن التطور قد يكون قريب منك جدًا. بل هو يحدث الآن داخل جسدك وربما لا تدري. ولا تحتاج لعشرات السنوات لتشهد عليه، فأحيانًا يحدث التطور في فترات قصيرة جدًا تتيح لنا جميعًا أن نشهد على حدوثه.

المصادر:
Coursera
Whyfiles

هل اكتشفنا السبب الحقيقي وراء انقراض وحيد القرن الصوفي ؟

السبب الحقيقي وراء انقراض وحيد القرن الصوفي

غالبًا ما كان يتم نسب انقراض حيوانات ما قبل التاريخ الضخمة كالماموث، أسد الكهف، وحيد القرن الصوفي إلى ظهور الإنسان البدائي حول الكرة الأرضية وممارسته للصيد الجائر.

على الرغم من أن الصيد الجائر أدى إلى انقراض بعض سلالات الحيوانات، ولكن اكتشفت دراسة حديثة نشرت بمجلة «Current Biology» أن انقراض وحيد القرن الصوفي ربما كان بسبب شئ آخر: التغيرات المناخية. وعن طريق دراسة تتابع الحمض النووي المستخرج من هياكل أربعة عشر من هذه الحيوانات العتيقة، وجد الباحثون أن أعداد أفراد وحيد القرن الصوفي ظلت مستقرة وثابتة حتى بضع ألاف من السنين مضت، قبل أن تختفي تمامًا هذه السلالة من سيبيريا، في الوقت الذي يعتقد فيه أن درجات الحرارة ارتفعت بشكل غير مناسب للكائنات التي اعتادت العيش في البرد.

فهل يمكن لهذا أن يكون السبب الحقيقي وراء انقراض وحيد القرن الصوفي ؟

هل ساهم الإنسان في انقراض وحيد القرن الصوفي ؟

يقول البروفسور «Love Dalén» : “اعتقد في الماضي أن البشر قد ظهروا في شمال شرق سيبيريا منذ أكثر من أربعة عشر أو خمسة عشر ألف سنة، وهو الوقت الذي انقرضت فيه سلالة وحيد القرن الصوفي.

لكن ظهرت العديد من الاكتشافات مؤخرًا والتي أثبتت أن الإنسان ظهر قبل تلك الحقبة بزمن طويل، أشهر تلك الاكتشافات قدر ظهور البشر في ذلك المكان بأنه تم منذ حوالي الثلاثين ألف عام.

بالتالي، لم يتزامن وقت انقراض وحيد القرن الصوفي كثيرًا مع الظهور الأول للبشر في تلك المنطقة. على العكس، يمكن القول أنه في تلك الفترة ربما ازدادت أعداد أفراد وحيد القرن بشكل طفيف.”

دراسة أجريت على الأحماض النووية لوحيد القرن الصوفي

ولمعرفة المزيد حول حجم السلالة واستقرارها في ذلك الوقت في سيبيريا، درس الباحثون الحمض النووي المستخرج من الأنسجة والعظام وعينات الشعر المأخوذة من أربعة عشر فردًا من تلك السلالة.

ومن خلال النظر إلى التنوع الجيني لأحماضهم النووية، استطاع الباحثون أن يقدروا أعداد أفراد تلك السلالة لعشرات الآلاف من السنين قبل انقراضها. تقول «Edana Lord»: “استمرت هذه السلالة في العيش باستقرار حتى بعد ظهور البشر في سيبيريا، وهو ما يعارض ما يجب أن نتوقع وجوده إن ظننا أن انقراض هذه السلالة كان بسبب صيد البشر لهم.”

كما أظهرت دراسة الأحماض النووية طفرات جينية ساعدت وحيد القرن الصوفي على التكيف على الأجواء الباردة. واحد من هذه الطفرات، وهو نوع من المستقبلات الموجودة في الجلد والمسئولة عن الإحساس بالسخونة والبرودة، تم ايجاده أيضًا في الماموث.

يمكن لهذه الطفرات أن تقترح أمرًا مهمًا، وهو أن وحيد القرن الصوفي، وهو الحيوان الذي اعتاد على العيش في البرد القارس الموجود في شمالي شرق سيبيريا، ربما انخفضت أعداد أفراده نتيجة لارتفاع درجات الحرارة الذي دام لمدة قصيرة، والتي تعرف باسم«Bølling-Allerød interstadial» ، والتي تزامنت مع انقراضهم في نهاية العصر الجليدي الأخير.

ماذا نستخلص من تلك الدراسة؟

تقول «Edana Lord»  :”يجعلنا ذلك نستبعد فكرة أن الانسان سيطر على كل شئ ما أن خرج إلى البيئة المحيطة به، وبدلًا من ذلك نقوم بالتركيز على دور الطقس في انقراض حيوانات ما قبل التاريخ الضخمة، وعلى الرغم من أنه لا يمكننا استبعاد تدخل الإنسان بالكامل، إلا أننا نقترح في الوقت الحالي أن انقراض وحيد القرن الصوفي ربما كان بسبب تقلبات الجو.”

المصادر
Sci-news
Sciencedaily

اقرأ أيضًا عن نجاح الهند في إنقاذ النمور البنغالية

هل عانى الفايكنج من انتشار الأوبئة أيضًا ؟

هل عانى الفايكنج من انتشار الأوبئة أيضًا ؟

الجدري في العصر الحديث انتشر الجدري في الماضي من شخص إلى الآخر عن طريق قطرات الرذاذ المحملة  بالفيروس، وقتل ما يقرب من ثلث المصابين به وترك ثلث آخر بعد أن أصابه بالعمى أو أصابه بندوب لم تختفي أبدًا. مات أكثر من 300 مليون شخص بسببه فقط في القرن العشرين قبل أن يتم القضاء عليه بشكل نهائي عام 1980 بعدما بذل العالم كله جهد كبير في الحصول على لقاح مناسب. ويعتبر أول مرض بشري في التاريخ يتم القضاء عليه بالكامل ! أما الآن، فقد قام فريق من العلماء حول العالم بترتيب الجينوم (التتابع الجيني الكامل) الخاص بسلالة جديدة من فيروس الجدري،  بعد استخراجها من أسنان جماجم محاربين الفايكنج من مواقع عديدة في شمال أوروبا. في نظرك، هل عانى الفايكنج من انتشار الأوبئة أيضًا ؟ كما نعاني نحن اليوم من انتشار وباء كوفيد 19 ؟

هل حقًا عانى الفايكنج من الجدري ؟

يقول البروفسور« Eske Willerslev »مؤلف الدراسة: “لقد اكتشفنا سلالات جديدة من الجدري في أسنان الهياكل العظمية للفايكنج ووجدنا أن تركيبهم الجيني مختلف عن الجدري الحديث الذي قضى عليه في القرن العشرين. وقد كنا نعلم بالفعل أن الفايكنج تنقلوا باستمرار في أوروبا وما بعدها، والآن نعلم أنهم كانوا مصابين بالجدري. وهذا يشبه ما حدث هذا العام حيث أدى تنقل الناس بسرعة إلى انتشار كوفيد 19 بشكل كبير حول العالم كما أدى الفايكنج إلى انتشار وباء الجدري بشكل كبير نتيجة تنقلهم. إلا أنهم كانوا يستعملون السفن بدلًا من الطائرات.

“تعد المعلومات الجينية التي استطعنا استخراجها من هذه الهياكل العظمية والتي يبلغ عمرها 1400 عام مهمة جدًا لأنها تساعدنا على معرفة التاريخ التطوري لفيروس الفاريولا الذي سبب الجدري.”

التصورات السابقة عن فيروس الجدري

في مطلع القرن العشرين، تم القضاء على الجدري في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ولكن ظل موجودًا لفترة في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية. وقامت منظمة الصحة العالمية ببدء برنامج للقضاء عليه عام 1967 عن طريق تتبع ما يحدث بين الناس من اتصال جسدي أو حملات للتوعية والتواصل مع الناس بخصوص هذا المرض. ولكن يرجع الفضل في القضاء على المرض بالكامل إلى المصل الذي تم اكتشافه عام 1980.

يعتقد المؤرخين أن الجدري ربما كان موجودًا منذ 10 آلاف عام قبل الميلاد ولكن لم يكن هناك دليل حتى الآن يؤكد أن المرض كان موجودًا قبل القرن السابع عشر. وتظل الطريقة التي أصاب بها الفيروس البشر لأول مرة غير معروفة حتى الآن ولكن يعتقد (بالضبط كفيروس كورونا) أن الفيروس انتقل من الحيوانات إلى البشر.

يقول بروفسور « Martin Sikora »من جامعة كوبنهاجن: “يظل التتابع الزمني الذي انتشر من خلاله الجدري غير واضح ولكن عن طريق ترتيب التتابع الجيني لأول سلالة من الفيروس القاتل، فقد أثبتنا ولأول مرة أن الجدري كان موجودًا في عصر الفايكنج.

ومع أننا لا ندرك ما إذا كانت هذه السلالة من الفيروس قاتلة وسببت موت أفراد الفايكنج الذين عثر في هياكلهم العظمية على سلالات الفيروس، إلا أننا ندرك أن هؤلاء الأفراد بالتأكيد ماتوا وكان فيروس الجدري في مجرى دمائهم. ومن المحتمل أيضًا أنه كانت هناك أوبئة أخرى قبل ذلك الوقت ولم يكتشف العلماء أدلة بعد على وجودها.” وجد فريق الباحثين فيروس الجدري في 11 موقع دفن يعود تاريخها إلى عصر الفايكنج في الدنمارك والنرويج وروسيا وكذلك المملكة المتحدة.

هل يتشابه الجدري في عصر الفايكنج مع الجدري في عصرنا ؟

يقول « Dr Lasse Vinner »، عالم فيروسات، :فهم التركيب الجيني لهذا الفيروس سيساعدنا في فهم تطوره وتطور الفيروسات الآخرى ويضيف الكثير إلى معرفتنا مما سيساعدنا على قتال الأمراض الفيروسية المنتشرة.

تظهر النسخة الأكثر قدمًا للفيروس أكثر تقاربًا من ناحية الجينات إلى مجموعة الفيروسات « poxviruses » والتي تصيب الحيوانات أمثال « camelpox » التي تصيب الجمال، و« taterapox » التي تصيب الجربوع. فلا تتشابه هذه النسخ القديمة كثيرًا مع النسخ الحديثة للفيروس التي تطور. نحن لا نعرف كيف تطور الفيروس في عصر الفايكنج ــ فيمكن أنه كان تركيبه الجيني مختلف كثيرًا عن السلالات الحديثة التي قتلت وشوهت مئات الملايين من البشر.”

يقول « Dr Terry Jones »:”يوجد هناك الكثير من الألغاز حول « poxviruses ». وعثورنا على فيروس الجدري المنتمي لتلك الجماعة من الفيروسات بتركيب جيني مختلف في عصر الفايكنج لهو حدث مميز حقًا. فلم يتوقع أحد أبدًا أن هذه السلالات من الجدري كانت موجودة. فقد اعتقدنا لمدة طويلة أن فيروس الجدري كان موجودًا في غربي أوروبا وجنوبها تقريبًا في عام 600م.

وقد أثبتنا كذلك أن الفيروس كان منتشر بشكل كبير في شمالي أوروبا. وقد اعتقد قديمًا أن الحملات الصليبية العائدة أو أحداث أخرى كانت هي السبب في جلب الجدري إلى أوروبا، ولكن لا يمكن لتلك النظريات أن تكون صحيحة. وعلى الرغم من أن قياسنا لتاريخ الأمراض يكون غامضًا في معظم الأحيان، فإن هذا الاكتشاف يجعل وجود الجدري أقدم بحوالي ألف عام.”

تقول « Dr Barbara Mühlemann »:”تمتلك تلك السلالات العتيقة من الفيروس أحماضًا نووية تختلف كثيرًا عن النسخ الأحدث . يوجد هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها أن يتطور الفيروس ويتحور لكي يصبح أكثر أو أقل خطرًا. ويعد هذا لمحة مهمة إلى الخطوات التي تطور بها فيروس فاريولا ليصل لشكله الحالي.”

بماذا يمكن أن تفيدنا تلك الدراسة ؟

ويضيف د/جونز: “معرفة الماضي تحمينا في الحاضر، عندما ينقرض حيوان أو نبات، فهو لا يعود مرة أخرى إلى الوجود، ولكن يمكن أن تحدث الطفرات ويمكن للفيروسات أن تتحور حول بقايا الحيوانات والتي تعتبر مستودع طبيعي لنشوء الفيروس مما يؤدي إلى ظهور « Zoonosis ».”

وتعرف ظاهرة  Zoonosis بأنها انتشار الأمراض المعدية نتيجة انتقال الكائن المسبب للمرض من الحيوان إلى الانسان.

ويلخص « Willerslev » قائلًا: “تم القضاء على الجدري ولكن يمكن أن تظهر سلالة جديدة من بقايا الحيوانات غدًا. فما نعرفه اليوم في 2020 عن الفيروسات والكائنات المسببة للأمراض والتي تؤثر على الانسان يعد نظرة خاطفة على الأوبئة التي أمرضت الناس على مر التاريخ.”

اعداد: طاهر إسماعيل

المصدر

Sciencedaily

Nytimes

انظر أيضًا

اكتشاف علاقة جديدة بين حاستي البصر واللمس !

اكتشاف علاقة جديدة بين حاستي البصر واللمس !

إذا ما قرأت العنوان فسيتبادر إلى ذهنك للوهلة الأولى التفسير المنطقي لتلك العبارة، بالطبع هناك علاقة بين الحاستين.
فإذا ما رأينا شيئًا خشن الملمس ساعد ذلك مخنا على فهم طبيعة سطح هذا الشئ وأنه خشن الملمس، ولكن هل كنت تعلم أنه من الممكن أن تتعارض هاتان الحاساتان ؟ هذا ما تكشفه لنا ورقة بحثية نشرت مؤخرًا في جامعة نيويورك تم فيها اكتشاف علاقة جديدة بين البصر واللمس.

ما هي الدراسة التي أجريت بجامعة نيويورك ؟


تقول «ماريسا كاراسكو- Marisa Carrasco»، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة نيويورك، أنه يمكن لحركات أعيننا متناهية الصغر أن تؤثر سلبًا على قدرتنا على تمييز ما نلمسه، وعلى النقيض، فإن تثبيط هذه الحركات متناهية الصغر من الممكن أن يقوي تلك القدرة ويحسنها.
أثناء الدراسة العلمية، سئل مجموعة من المتطوعين أن يميزوا بين نوعين من الاهتزازات، (“اهتزازات سريعة” (عالية التردد))، و (“اهتزازات بطيئة” (منخفضة التردد))، هذه الاهتزازات يمكنهم الشعور بها عن طريق جهاز يثبت في أصابعهم، ويحتوي هذا الجهاز على جزء يقوم بتنبيه المتطوعين قبل حدوث الاهتزازات بفترة قصيرة جدًا عن طريق الطرق على أصابعهم.
ثم قام الباحثون بتتبع حركات أعينهم متناهية الصغر فيما يعرف باسم micro-saccades، وتقوم العين البشرية بإحداث هذه الحركات- السريعة والصغيرة جدًا – إذا ما قمت بتثبيت عينك أو التحديق في نقطة معينة.
حيث طلب الباحثون من المتطوعين أن يقوموا بتثبيت أعينهم على نقطة معينة تظهر على شاشة حاسوب أمامهم، والهدف من ذلك هو أن تقوم العين بإحداث تلك الحركات بشكل تلقائي عند التحديق في النقاط المعروضة أمامهم.

ما الذي أعربت عنه النتائج ؟


أثناء إجراء الدراسة، لاحظ الباحثون أنه إذا ما طرق الجهاز على أصابع المتطوعين لتنبيههم بأنه ستكون هناك اهتزازة، فإنه أثناء الفترة القصيرة جدًا بين الطرقة التي يحدثها الجهاز وحدوث الاهتزازة، يقل معدل إحداث أعينهم لتلك الحركات متناهية الصغر بشكل ملحوظ، مما يدل على أنه تنشيطهم لحاسة اللمس قلل من نشاط العين عندهم، كما أن قدرتهم على تمييز تلك الإهتزازات (بطيئة أو سريعة) كان أفضل إذا ما ثبطت حركات أعينهم المعروفة بـ micro-saccades.

هل كان من الممكن أن تتوقع وجود مثل تلك العلاقة بين الحاستين ؟

المصادر

sciencedaily

eurekalert

انظر أيضًا

صورة نادرة لحوت يلتهم أسد البحر

صورة نادرة لحوت يلتهم أسد البحر في مياه خليج مونتيري بكاليفورنيا 

التقط «تشايس ديكر –Chase Dekker» كاميرته بينما تصادمت أمواج مياه خليج مونتيري في كاليفورنيا على بعد مئتي قدم من قاربه لحظ ديكر مجموعة من أسود البحر تسبح على سطح المياه بحثًا عن الهواء بعد تناولها لمجموعات من سمك الأنشوجة، بينما ظهرت ورائها بضع من الحيتان الحُدْب !

وبينما اندفع واحد من الحيتان فوق الأمواج، لاحظ مصور الحياة البرية “ديكر” أمرًا غريبًا، فقد رأى واحدًا من أسود البحر الضخمة، والذي يزن قرابة 270 كيلوجرامًا ، يترنح فوق فم الحوت الأحدب الواسع.

لم يكن ديكر مدركًا، وهو يقود هذه الجولة البحرية في الثاني والعشرين من يوليو، أنه سيلتقط صورة لواحدة من أغرب الظواهر والتي لم يشهدها الكثير من الباحثين. بينت الصورة أسد البحر المذهول وفمه المفتوح واسعًا وهو على بعد لحظات من ابتلاع الحوت الأحدب له.

يقول «آري فرايدلايندر-Ari Friedlander»، عالم البيئة بجامعة كاليفورنيا:

من غير المحتمل رؤية تلك الحوادث، لأن الحيوانات لا تقع بسهولة في تلك الأخطاء، فهي مهيئة لكل الظروف، فمن المحتمل أن أسد البحر المسكين كان متواجدًا في المكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ

يقول ديكر بأنه لاحظ في البداية مجموعة من أسود البحر تندفع فوق سطح الماء، وبناءًا على خبرته الطويلة في مراقبة الحيتان، علم ديكر أن هذه الكائنات العملاقة كانت وراء هذه المجموعة من أسود البحر فقط بعشر وحتى ثلاثين ثانية، وبالتالي، جلس ديكر في مكانه مراقبًا لهذا الحدث.

ولكن على غير العادة، هذه المرة لم يبدو بأن واحدًا من أسود البحر كان سريعًا كفاية ليتجنب الحوت الموجود ورائه. يقول ديكر بأنه قام على الفور بالتقاط بضع اللقطات، ولكنه كان متحمسًا جدًا لدرجة أنه لم يفحص الصور التي التقطتها الكاميرا.

يقول ديكر أنه أخذ في الجري في كل أنحاء القارب صارخًا:

هل رأيتم ما حدث للتو ؟

ثم أخذ في طرح نفس السؤال على القوارب الموجودة بالقرب منه.

وبعد أن هدأ قليلًا، قام بفحص كاميرته ليجد أنه بالفعل استطاع التقاط بعض الصور والتي بينت هذه الظاهرة الغريبة بوضوح، وهو ما أسعده بشدة وزاد من حماسه وفرحته.

لا تظهر هذه الصورة مصير أسد البحر بوضوح، ولكن ديكر يقول بأنه متأكد تقريبًا بنسبة مائة في المائة أن أسد البحر استطاع الهروب دون أن يمسه أذى.

حيث يصرح ديكر:

” يبلغ حجم مرئ الحوت الأحدب حجم ثمرة جريب فروت كبيرة أول مرة شمام صغيرة”

وهو ما يعني أنه لو استطاع الحوت بالفعل ابتلاع أسد البحر والذي يبلغ وزنه مئات الباوندات لما تصرف الحوت بشكل طبيعي بعد ذلك. بالإضافة إلى أنه لم يستطع رؤية أي أسد بحر مصاب أو ميت في المياه مما يرجح فرصة نجاة أسد البحر من تلك الحادثة.

وهو ما أكد عليه فرايدلايندر أيضًا، مصرحًا أنه على الأغلب استطاع أسد البحر النجاة، واستكمل طعامه لمرة أخرى.

المصدر:

Science alert 

Exit mobile version