ما هو العنف السياسي؟

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

يحيط بنا العنف في كل مكان على اختلاف درجاته وأنواعه، في العائلة والمدرسة والعمل والإعلام والمجتمع. حتى أنه يطال وسائل التسلية والترفيه من أفلام وألعاب فيديو وغيرها. يخلق العنف أزمات عميقة للبشرية، لذلك كان دائمًا مادة دسمة للدراسات. كثرت النظريات المفسرة للعنف في مختلف الحقول العلمية: علوم النفس والاجتماع والسياسة وعلوم الجينات وعلم الإنسان والتاريخ وغيرها. ورغم أننا لم نتوصل حقيقةً إلى الإجابة على السؤال حول ما إذا كان العنف فطريًا أم مكتسبًا! فإننا واثقون أن العوامل الإجتماعية تلعب دورًا جوهريًا في زيادة نسبة العنف أو على العكس، الحد منها. ولعلّ أكثر العوامل تأثيرًا هو الحالة السياسية للمجتمع، والعنف السياسي المُمارس من قبل الأنظمة والمجموعات والأفراد. فما هو العنف السياسي؟ وما هي أنواعه؟ وكيف يؤثر على حياتنا كأفراد، وعلى علاقاتنا مع الآخرين والدولة؟

مفهوم العنف السياسي

يمكن تعريف العنف السياسي بكل استخدام للقوة أو السلطة. قد يمارسه أفراد أو مجموعات أو دول، بهدف تحقيق أغراض سياسية. ويشمل كل أنواع الأذى الجسدي والضغط النفسي الهادفة إلى إخضاع الشعوب.

ويشمل هذا العنف الصراع بين دول مختلفة من جهة، والصراع في الدولة نفسها من جهة أخرى.

ومن الأمثلة على العنف السياسي الحروب (الخارجية أو الأهلية) والاستعمار والتسلح والاغتيالات والإبادات الجماعية والعمليات الإرهابية والثورات والتمرد والشغب والإنقلابات. كما يطال أيضًا القمع و/أو الحرمان الذي يمكن أن يمارسه النظام السياسي بحق الشعب، كحرمانه من حقوقه المدنية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وقمعه لحرية التعبير.

دفعت البشرية على مر التاريخ – وما زالت – أثمانًا باهظة للعنف السياسي، من الضحايا والدم والدمار والأضرار الاقتصادية والاجتماعية والصحية الهائلة، لذلك تُعتبر دراسته ضرورة في محاولة الحد منه وجعل العالم أقرب إلى السلام.

أنواع العنف السياسي

تتعدد تصنيفاته، إما بحسب أطرافها أو حجمها أو مدى خرقها للأنظمة الاجتماعية و لحدود الدولة ومدى قانونيتها و/أو مشروعيتها.

يعتبر بعض العلماء الثورات أو الانقلابات مثلًا جزءًا من التحركات التي تحمل عنفًا سياسيًا شرعيًا. فهي غالبًا تنتج عن قمع النظام السياسي لأي حالة تغييرية ديمقراطية أو سلمية. فيكون سلك طريق الوسائل العنيفة حل وحيد متبقي أمام فئة معينة لتحقيق تغيير سياسي أو لإستعادة حقوقها.

إذا تبنّينا التصنيف المبني على أساس الأطراف المنفذة والمتلقية لها، يمكن اختصاره على الشكل التالي:

– العنف الموجه من دول إلى أخرى أو من مجموعة دول إلى مجموعة أخرى: الحروب والحروب الاستعمارية والاحتلالات.
– العنف القائم بين النظام السياسي لدولة و فئة أخرى غير رسمية: مثل حالات التمرد والشغب والثورات والانتفاضات (فيكون في هذه  الحالة عنفًا متبادل بين الطرفين).
– عنف أحادي الجانب، الموجه من السلطة إلى الشعب عامةً أو مجموعات أو أفراد منه: مثل العنف الانتخابي (تهديد و أذى جسدي و/أو نفسي يطال المرشحين أو الناخبين بهدف ضمان النتيجة لصالح طرف معين)، الاغتيال  (التصفية الجسدية) والإعدام السياسي والقمع من خلال الأجهزة الأمنية والتعذيب والحرمان من الحقوق الأساسية كالأمن والغذاء والسكن والتعليم والعمل والضمانات الاجتماعية.
– العنف الممارس من قبل أفراد أو مجموعات (غير رسمية) باتجاه أفراد آخرين: مثل الإرهاب.
– العنف الممارس بين فئات اجتماعية (غير رسمية): مثل الصراعات الإثنية.

تجدر الإشارة إلى أن أنواع العنف السياسي تتداخل في الكثير من الأحيان فيما بينها، حتى أنها تتداخل مع العنف الاقتصادي والاجتماعي بشكل كبير.

كيف يؤثر العنف السياسي على الأفراد والمجتمع ككل والدولة؟

من الصعب أن نحصي فعليًا الآثار الضخمة التي تتركها أعمال العنف السياسي، وهي تختلف كثيرًا بحسب نوع الأعمال العنفية المُمارسة وحجمها والإطار الاجتماعي والتاريخي لها.

على الصعيد الفردي، تثبت الدراسات أن العنف السياسي يؤثر مباشرةً على الصحة النفسية. فتزيد في المجتمعات المعنفة سياسيًا نسبة الأشخاص المصابين بأمراض الاكتئاب والقلق و اضطرابات ما بعد الصدمة. كما يؤثر العنف أيضًا على نوعية الخدمات التي يحصل عليها المواطنون، وغالبًا ما يكون ملازمًا للدول النامية، فلنا أن نتخيّل مدى تأثيره مع رداءة الخدمات وعدم استقرار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على نوعية حياة الأفراد.

أما عن علاقة الأفراد بالدولة والحياة السياسية، فتوضح مجموعة من الدراسات ازدياد نسب العزلة عن المشاركة في أي ،أنشطة سياسية، وفقدان الثقة بالدولة، كما تتعطل قدرة الأفراد على المشاركة في عمل جماعي، فيميل الأشخاص في هذه الحالة إلى الفردية.

على مستوى المجتمع، يساهم العنف السياسي بزيادة العنف الاجتماعي بشكل مباشر، بسبب انعدام الشعور بالأمان، فتزداد حالات الفوضى الاجتماعية وحالات التمييز للفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. وقد تطفو الأيديولوجيات المتطرفة لتعبّر عن أحاسيس الخوف والترهيب الجماعي. كما تتعاظم الآفات والمآسي الاجتماعية، وعلى رأسها التهجير واللجوء. تضعف قدرة المجتمع على التعاضد لحل الأزمات وعلى التنظيم وتتهشم الشبكات الاجتماعية.

على صعيد الدولة، غالبًا يترافق مع ضعف في المؤسسات العامة، وفقدان المواطنين بهذه المؤسسات. وينتشر الفساد ليصبح جزءًا لا يتجزأ من تسيير أعمال الدولة. إذا كان العنف السياسي موجه من قبل النظام نفسه، غالبًا ما تكون نتائجه المدمرة على الأفراد والمجتمع، أدوات إضافية لفرض سلطته وإعدام محاولات التغيير.

يتوّج العنف السياسي كل أنواع العنف الأخرى وصولًا حتى إلى العنف العائلي، فلا بد أن تبدأ مجابهة العنف من خلال الحد من العنف السياسي أولًا. ولا بد من الاعتراف أن السياسة أقرب لنا مما يُخيّل إلينا، فهي تنحت كل تفاصيل حياتنا الفردية والاجتماعية. أما التخلف، الذي ينسبه البعض إلى شعوب معينة، فالأجدر أن ننسبه إلى الأنظمة السياسية التي تسيطر على هذه الشعوب.

إقرأ أيضًا: ما هو الامتثال الاجتماعي؟

المصادر:

NCBI
Science direct
Wiley

ما هو التنويم المغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

ما هو التنويم المغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

كثيرة هي الخرافات والمفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بالتنويم المغناطيسي. وذلك نتيجة للطريقة التي تقدمه بها العروض التلفزيونية والسينمائية على أنه وسيلة للسيطرة على العقول.

التنويم المغناطيسي في السينما

حيث يقوم طبيب نفسي مجنون باستغلال مريضه للانصياع لأوامره وتنفيذ خططه الإجرامية. ولكن خلف هذه الصورة القاتمة تكمن صورة التنويم المغناطيسي الحقيقية، والتي تجيبنا على أسئلة مثل ما هو التنويم المغناطيسي؟ علام يعتمد؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

بدايةً إن التنويم المغناطيسي هو حالة عقلية طبيعية قد تمر بها في أوقات مخلتفة خلال اليوم الواحد. فمثلا قد تنغمس في نشاط معين يأخذ منك تركيزًا كبيرًا ويفقدك إحساسك بالوقت وبما يحصل حولك في الغرفة. وبالتأكيد هذه الحالة مألوفة لمحترفي الألعاب الإلكترونية والقرّاء النهمين للروايات البوليسية. وبهذا تسقط الخرافة الأولى المتعلقة بالتنويم المغناطيسي. فعلى عكس الصورة النمطية لخبير التنويم المغناطيسي، فإنه لن يجبرك على النوم، بل سيؤمن لك شروطًا تحقق لك يقظة وتركيزًا عاليًا وستخرج من عيادته محتفظًا بذاكرتك حول ما حدث معك أثناء الجلسة لتخبر أصدقاءك عن هذه التجربة الفريدة.

يأخذك المعالج أثناء الجلسة برحلة إلى داخل عقلك الباطن، حيث ُتختَزن جميع ذكرياتك وتجاربك وخبراتك العملية وأفكارك الإبداعية. ومن خلال هذه الرحلة التي تتبع بها إرشادات معالجك يمكنك العثور على إجابات على كثير من الأسئلة العالقة التي تجول في خاطرك، وتساعدك في التخلص من المشاعر السلبية التي تسببت لك بالألم. ولكن هنا قد يطرح تساؤل، هل باستطاعة المعالج السيطرة على عقلك والتحكم بتصرفاتك وخاصة أنك تكون أكثر عرضة لتقبل الاقتراحات والأوامر في هذه الحالة؟

السيطرة على العقول هي الخرافة الثانية المرتبطة بالتنويم المغناطيسي فخلال الجلسة يبقى المريض واعيًا بما يقوله ويفعله وبإمكانه رفض تنفيذ أي طلب يتعارض مع قيمه الأخلاقية ومفاهيمه الأساسية للحياة.(1)

ما هي التطبيقات العلاجية للتنويم المغناطيسي؟


يمكن أن يكون العلاج بالتنويم المغناطيسي وسيلة فعالة للتعامل مع القلق والتوتر فيمكن أن يُستخدَم قبل الإجراءات الجراحية الخطيرة لتخفيف الضغط النفسي على المريض. تمت دراسة التنويم المغناطيسي في حالات أخرى مثل:

قد يساعد التنويم المغناطيسي في تسكين آلام الحروق وآلام الولادة وتخفيف مضاعفات العلاج الكيميائي للسرطان. كما قد يساعد في تخفيف أعراض الهبات الساخنة المرافقة لانقطاع الطمث، بالإضافة إلى ذلك فقد لاقى التنويم المغناطيسي نجاحًا في علاج الأرق والتبول اللاإرادي والمساعدة في الإقلاع عن التدخين و تخفيف الشهية.(2)

تاريخ التنويم المغناطيسي

يعود استخدام حالات النشوة الشبيهة بالمنوم إلى آلاف السنين، لكن التنويم المغناطيسي بدأ في النمو خلال أواخر القرن الثامن عشر على يد طبيب يُدعى فرانز ميسمير. لكن البداية كانت بسبب آراء مسيمير الصوفية، لكن الاهتمام تحول في النهاية إلى نهج أكثر علمية.

أصبح التنويم المغناطيسي أكثر أهمية في مجال علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر واستخدمه جان مارتن شاركوت لعلاج النساء اللاتي يعانين مما كان يعرف حينها بالهستيريا. أثر هذا العمل على سيغموند فرويد وتطور التحليل النفسي.

في الآونة الأخيرة، كان هناك عدد من النظريات المختلفة لشرح بالضبط كيفية عمل التنويم المغناطيسي.واحدة من أكثر النظريات شهرة هي نظرية هيلجارد للانفصال الجديد عن التنويم المغناطيسي.
وفقًا لهيلجارد، يعاني الأشخاص في حالة التنويم المغناطيسي من انقسام في الوعي حيث يوجد مساران مختلفان للنشاط العقلي. بينما يستجيب تيار من الوعي لاقتراحات المنوم المغناطيسي ، يقوم تيار آخر منفصل بمعالجة المعلومات خارج الإدراك الواعي للفرد المنوم مغناطيسيًا.(3)

المصادر:

hypnosistrainingacademy
mayoclinic
verywellmind


تعريف الحركة النسوية وتاريخها

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

نتمتع كنساء في يومنا هذا بالعديد من الحقوق، من حق التصويت والترشح إلى حق القيادة والتعلم والعمل. وقد يخيّل إلينا أن هذه الحقوق مُكتسبة لجميع البشر بطبيعتها. لكن الحقيقة أن هذه الحقوق جاءت نتيجة لعناء طويل من النضال النسوي. في المقابل، نواجه في حياتنا اليومية الكثير من مواقف التهميش والتمييز والتحرش والعنف تجاه المرأة، ممّا يؤكد حاجتنا إلى المزيد من النضال النسوي. فما هو تعريف الحركة النسوية؟ كيف نشأت؟ وما هو تاريخها؟

ما هي الحركة النسوية؟

تُعرّف الحركة النسوية (المعروفة بالـFeminism) بالحركة السياسية والاجتماعية والثقافية الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومحاربة جميع أنواع التمييز الجندري. وهي لا تشمل فقط النضال الحقوقي المباشر، بل أيضًا الفلسفة النسوية التي تؤمن بالمساواة والتي تُلهم النساء حول العالم للدفاع عن حقوقهن.

رغم أن الحركة النسوية نشأت في الغرب، إلا أنها توسّعت في جميع مناطق العالم، وتأثرت بمختلف التيارات الثقافية والفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، ممّا خلق العديد من المدارس الفكرية النسوية (الراديكالية، الاشتراكية-الماركسية، الرأسمالية، الأناركية، …) تقع كلها تحت مظلة الأيدولوجية النسوية، ولكنها تختلف في الأهداف والاستراتيجيات.

حاربت الحركة النسوية في سبيل الحقوق المدنية للنساء (حقوق الملكية والتصويت والتعليم والعمل)، بالإضافة إلى حماية المرأة من العنف المنزلي والتحرش والاغتصاب، وحرية التصرف بالجسد والحصول على الرعاية الإنجابية وصولًا إلى تحسين شروط العمل والحق في إجازة الأمومة والأجور العادلة، وغيرها الكثير من القضايا التي تتعرض فيها المرأة للتمييز.

تاريخ الحركة النسوية

رغم أن كلمة “النسوية” لم تنتشر قبل السبعينيات إلا أن الأفكار النسوية نشأت منذ زمن قديم، نتيجة التمييز ضد المرأة الذي كان سائدًا في المجتمعات القديمة. وتقسم الحركة النسوية إلى موجات أربع أساسية، كانت مسبوقة بنضالات نسائية عديدة.

كان أفلاطون من أوائل الـ”نسويين”، فقد اعتبر في كتابه “الجمهورية” أن النساء يمتلكن قدرات مماثلة لقدرات الرجال، وهنّ قادرات على الحكم والدفاع عن بلادهنّ.

في روما القديمة، منع القانون النساء من وراثة الذهب والتزين به كما وضع القانون قيودًا على حركة النساء ولباسهن. فقادت النساء تظاهرات عارمة اعتراضًا على القانون. وكان ذلك في القرن الثالث قبل الميلاد.

لكن بقت هذه الأزمنة، حتى العصور الوسطى، دامسة ومظلمة في مجال حقوق النساء. وبقت الأصوات المُطالبة بالمساواة خافتة.

تعتبر الفرنسية «كريستين دو بيزان- Christine de Pizan » الفيلسوفة النسوية الأولى التي رفعت الصوت، في أوائل القرن الخامس عشر، في وجه كراهية المرأة وتهميشها. أما في بريطانيا، فقد بدأ الحديث عن حقوق المرأة في القرن السادس عشر، فحين انتشرت مقاطع تسخر من المرأة. نشأت في المقابل حركة أدبية نسوية تدافع عن حق النساء في التعليم والعمل.

كريستين دو بيزان

تأثّرت الحركة النسوية بعصر التنوير الذي نشر مبادئ العدالة والحريات والحقوق. رغم أن فلاسفة التنوير تناولوا الصراع الطبقي وأهملوا التمييز ضد المرأة، إلا أن المفكرات في عصرالتنوير سرعان ما أثرن قضايا النساء. أطلقن بدورهن “إعلان حقوق المرأة والمواطنة” على غرار “إعلان حقوق الرجل والمواطن” الذي لم يعترف بحقوق النساء. أطلقت الكاتبة ماري ولستونكرافت كتابها “دفاعًا عن حقوق المرأة”، الذي طرحت فيه حق المرأة في تساوي فرصها مع الرجل في مجالات العمل والتعلم والسياسة.

الموجة الأولى من الحركة النسوية

انطلقت الموجة الأولى في الحركة النسوية بين القرنين التاسع عشر والعشرين، بعد أن تأثر المفكرون بفلاسفة عصر التنوير والمناهضة لنظام العبودية.

حاربت الحركة النسوية في موجتها الأولى من أجل الحق في الملكية ومعارضة زواج المتعة وتملّك المرأة والأولاد من قبل الرجل. ثم انتقلت إلى تعزيز قوة المرأة السياسية، فطالبت بالحق في التصويت والمشاركة في القرار السياسي.

في بريطانيا، أدت النضالات النسوية لإعطاء حق التصويت للنساء (اللواتي يبلغن ال21 سنة) في العام 1928. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فقد ضمنت الحق التصويت للنساء في كل الولايات في العام 1919. ظهرت الموجة الأولى من النسوية أيضًا في إيران واليابان وألمانيا وأوستراليا ونيوزيلندا وغيرها من البلدان، وطالبت النساء بحقهن في التصويت في مختلف مناطق العالم.

الموجة الثانية من الحركة النسوية

بدأت هذه الموجة في أوائل الستينيات وامتدت حتى أواخر الثمانينيات. وقد ركزت الحركة النسوية في هذه الفترة على المفاهيم الثقافية الذكورية التي تعيق تحرر المرأة وحمايتها. فقد استمر التمييز الذي يحصر المرأة في دورها النمطي في التدبير المنزلي ورعاية الأطفال.

في العام 1974، أطلقت المنظمة الدولية للنساء حملة لتحقيق العدالة القانونية بين النساء والرجال. كما أن انتشر شعار “الشخصي سياسي” الذي أطلقته الكاتبة النسوية “كارول حانيش”، والذي أعاد تعريف السياسة في معنى أوسع وأشمل، ألقت الضوء على العلاقة الوثيقة بين التجارب الشخصية والخاصة وبين البنى السياسية والاجتماعية لمجتمع معين.

أدت الموجة الثانية إلى دخول المرأة في مجالات عمل واسعة وقوننة حق المرأة في الصحة الإنجابية وتكريس حقوقها المدنية.

إعلان لمسيرة مسائية في اليوم العالمي لعام ١٩٧٥

الموجة الثالثة من الحركة النسوية:

في بداية التسعينات، بدأت الموجة الثالثة من الحركة النسوية. رغم أنها استمدّت قوتها من الموجة الثانية التي خلقت للمرأة أسس استقلاليتها الاقتصادية وتحررها الثقافي من المفاهيم النمطية، إلا أن الموجة الثالثة أتت لتصحح أخطاء الموجة الثانية، والتي تمثلت بحصرية الحركة النسوية بالمرأة ذات البشرة البيضاء من الطبقة الوسطى والعليا (خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية). فأتت الحركة النسوية في موجتها الثالثة لتشمل النساء من مختلف الأعراق والإثنيات، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.

وعملت الموجة الثالثة لتعزيز صورة المرأة ككائن قوي، بدل من تصويرها بصورة نمطية ضعيفة وخاضعة أو محصورة بالإثارة الجنسية والتسليع، وذلك من خلال الأفلام والبرامج التعليمية للأطفال وغيرها. كذلك أعادت الموجة الثالثة تعريف الجندر (أي الهوية الجنسية) المختلف عن الجنس البيولوجي.

الموجة الرابعة من الحركة النسوية:

رغم عدم الاتفاق على وجود الموجة الرابعة، يعتبر العديد من علماء الاجتماع والمفكرين أن الموجة الرابعة بدأت في سنة 2012، مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة قضايا النساء ونشر الأفكار النسوية. وقد أثارت قضية فتاة هندية تعرضت لاغتصاب جماعي (وتوفيت إثر الحادثة) غضبًا عارمًا للنساء حول العالم. وبدأت هذه الموجة بالتركيز على قضايا حماية النساء من التحرش والاغتصاب والتنمر الجسدي (body shaming).

رغم التقدم الكبير الذي أحرزته النساء في المجال الحقوقي في القرن الأخير، إلا أن وضع النساء في العالم متفاوت جدًا بين مختلف الدول والطبقات الاجتماعية. وتوضح أرقام منظمة الأمم المتحدة التمييز ضد المرأة في الكثير من المجالات، بحيث لا تتعدى مشاركة النساء في المجالس الدولية نسبة 23%، وتتعرض الملايين من الفتيات للزواج المبكر (قبل 18 سنة)، وتتعرض مرأة من كل خمس نساء في العالم للعنف الجسدي و/أو الجنسي من شريكهن. وتثبت هذه الأرقام أن الحركة النسوية ما زالت حاجة ملحة لضمان وصول المرأة إلى أدنى حقوقها الإنسانية.

مصادر:

Britannnica
History.com
UN Women

إقرأ أيضًا: اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

بعض الأحداث التي أتمت عامها المائة في 2020

حمل عام 2020 أحداثًا قاسيةً وربما مفجعة أيضًا! لكن في رحلة البحث عما يسر في هذه السنة، توجد هنالك مناسبات تستدعي الاحتفال. فهناك بعض اللأحداث المهمة التي أتمت عامها المائة في 2020. تعالوا معنا لنستعرض معًا أهم تلك الأحداث التي جرت عام 1920.

1. ميلاد فكرة الانسولين

ظهرت العلاقة بين مفرزات البنكرياس والداء السكري لأول مرة عام 1889. من قِبل العالِمان الألمانيان أوسكار مينكوفسكي وجوزيف فون ميرينج «Oskar Minkowski and Joseph Von Mering». وذلك أثناء البحث عن تأثير مفرزات البنكرياس على استقلاب الدهون. قبل عشرين عامًا، اكتشف طالب الطب الألماني «بول لانجرهانز- Paul Langerhans»، نوعين من الخلايا في البنكرياس. الأولى خلايا قنوية عُرفت بأنها المسئولة عن إنتاج مفرزات البنكرياس الهضمي. ونوع آخر من الخلايا لم تكن وظيفتها معروفة في ذلك الحين. بدت تلك الخلايا الصغيرة كمجموعة من الجزر المتقاربة بشكل عنقودي. أُطلق عليها فيما بعد “خلايا جزر لانجرهانز”. حتى عام 1901، اكتشف «يوجين أوبي-Eugene Opie» أخصائي الأمراض الهضمية، العلاقة بين قصور عمل تلك الخلايا الصغيرة وبين ظهور داء السكري. وكانت تلك الجهود وغيرها التي قام بها باحثون آخرون بمثابة تمهيد الطريق أمام اكتشاف الأنسولين، الهرمون الخافض لمستويات سكر الدم.

الميلاد

بعد إصابته بشظية في ذراعه أثناء عمله كطبيب في أحد كتائب الفيلق الطبي للجيش الكندي. عاد الطبيب «فريدريك جرانت بانتنج – Ferdrick Grant Banting» للعمل كجراح في مستشفى الأطفال في تورونتو. ثم عَمِل معيدًا في كلية الطب المحلية. ذات مرة خلال عمله، في 31 أكتوبر 1920، كان بانتينج يعد محاضرة عن وظيفة البنكرياس. وقف في مكتبة كلية الطب، ملتقطًا أحدث عدد من مجلة الجراحة وأمراض النساء والتوليد. قرأ مقالًا بعنوان: “علاقة جزر لانجرهانز بمرض السكري“. أشعلت تلك المقالة تفكير بانتينج حول مفرزات البنكرياس. وسريعًا ما دوَّن فكرةً لإجراء تجربة أولية لإثبات العلاقة بين مفرزات البنكرياس ومرض السكري. وذلك عن طريق ربط القنوات البنكرياسية لكلبٍ واستخلاص وعزل هذه المفرزات. الفكرة التي أتمت عامها المائة في 2020، لفت بانتينج انتباه العالِم الأسكتلندي بجامعة تورونتو «جون جيمس ريكارد ماكليود- John James Rickard. Makleod» إلى فكرته حديثة الميلاد.

الخطوات الأولى

بدأت الأبحاث والتجارب في العام التالي مباشرةً. حيث تعاون بانتينج مع صديقه «تشارلز هيربرت بست – Charles Herbert Best» تحت إشراف جون ماكليود. انطلق الثلاثي في رحلةِ أبحاثٍ مليئة بالنكسات والفشل. ولكن النتيجة كانت أن الكلب المصاب بالداء السكري بقي على قيد الحياة بعد حقنه بمستخلص من البنكرياس. خفَّض هذا المستخلص بشكل كبير مستويات سكر الدم للكلاب المصابة. تسارعت وتيرة التجارب بعد استدعاء عالم الكيمياء الحيوية «جيمس بيرترام كوليب – James Bertram Collip». فقد دعاه ماكليود لمساعدة الثنائي في تنقية المستخلص الذي وصلا إليه. سارع كوليب إلى تنقية المستخلص للبدء في اختباره سريريًا على البشر. أُجريَ الاختبار السريري الأول على صبي يبلغ من العمر 14 عام مصاب بالداء السكري. لكن المستخلص المُنَقى فشلٰ في تحقيق أي نتائج مُرضية. لم ييأس الأربعة وواصلوا تجارب التنقية لاستخلاص المكون الفعال «الانسولين». أخيرًا عام 1922، خلال اجتماعٍ لـ «جمعية الأطباء الأمريكيين- Association of American Physicians». أعلن ماكليود -بصفته المتحدث الرسمي للمجموعة- اكتشافهم للأنسولين. أصبح الإنسولين متاحًا لعلاج مرض السكري، مما جعل العالمان بانتينج وصديقه بست يحصُدان جائزة نوبل في الطب عام 1923.

2- إنشاء أول نصب تذكاري لقبر الجندي المجهول

فكرة أخرى أتمت عامها المائة في 2020. وهي فكرة إنشاء أول نصب تذكاري لقبر الجندي المجهول. هناك في الطرف الغربي من دير صحن ويستمنستر-Westminster. يوجد النصب التذكاري لقبر الجندي المجهول، الذي وضع به جثة لجندي مجهول أحضرت من فرنسا. لتُدفن هنا في الحادي عشر من نوفمبر عام 1920. يحتضن النصب تابوتًا فرنسياً أنيقًا. أتت فكرة النصب التذكاري لقبر الجندي المجهول لأول مرة عام 1916، من بنات أفكار القس «ديفيد رايلتون-David Railtin». حينما رأى قبرًا في حديقةٍ في «أرمينتيير-Armentières» الفرنسية، مقام عليه صليبًا خشبيًا، ومكتوب عليه عبارة “جندي بريطاني غير معروف”. وفي عام 1920، كتب القس رايلتون إلى عُمدة ويستمينستر «هيربرت رايل-Herbert Ryle»، طالبًا الحصول على موافقة تشييد نصبًا تذكاريًا. وبالفعل تمت الموافقة، وأُحضرت 4 جثث لجنود بريطانيين مجهولين. عُثر عليهم في أربع مناطق مختلفة للقتال وهم أيسن-Aisne، السوم-The Somme، أراس-Arras، إيبرس-Ypres. وفي ليلة السابع من نوفمبر، نُقلت الرفات إلى الكنسية الصغيرة «سانت بول-St. Pol» بحضور العميد إل. ج. وايت-L.J. Wyatt، و«الكولونيل چيل- Colonel Gell» حيث اختار العميد وايت جثة واحدة فقط أُرسلت إلى انجلترا في اليوم التالي. وقد حمل التابوت النقش التالي: ” A BRITISH WARRIOR WHO FELL IN THE GREAT WAR 1914-1918 FOR KING AND COUNTRY”. وفي صباح يوم 11 نوفمبر، وُضع التابوت على عربة بندقية تجرها ستة من الخيول السوداء الأنيقة من مدفعية رويال هاوس. ثم بدأت رحلته عبر الشوارع التي تصطف على جانبيها الجماهير. وصلت جثة الجندى المجهول وجهتها الأخيرة حيث النصب التذكاري. الذي كشف «الملك چورچ الخامس-King GeorgeV» عنه الستار واضعًا إكليلاً من الزهور الحمراء وبعض من أوراق الغار على التابوت. وأخيرًا، مُلئ القبر بـ 100 كيس من التراب المُجمع من ساحات القتال المختلفة. ثم وُضع عليه حجرًا منقوشًا عليه الكلمات التالية : “A BRITISH WARRIOR WHO FELL IN THE GREAT WAR 1914-1918 FOR KING AND COUNTRY. GREATER LOVE HATH NO MAN THAN THIS”.

3- إنشاء جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس

تحتفل جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلوس هذا العام بأنها أتمت عامها المائة في 2020. فقد عرض الموقع الرسمي الخاص بالجامعة بعض المعلومات، اللقطات والصور. والتي تعطى خلفية مناسبة عن نشاط الجامعة وأهم الانجازات التي حققتها خلال الـ 100 عام الماضية. تقع جامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس في حي ويستوود بمدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا،.وتعتبر قبلة عظيمة ذات أثرٌ علمي، فكريٌ، فنيٌ واقتصادي كبير، مما جعلها من أعظم الجامعات على مستوى العالم. في عيد ميلادها المائة إليك بعض المعلومات المثيرة حول جامعة كاليفورنيا:

  • إحتلت جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس المرتبة الحادية عشر للعام الدراسي2010-2011 في تصنيف مؤسسة تايمز للتعليم العالي.
  • تضم هيئة التدريس في الجامعة بعض الأعضاء الحائزين على أهم الجوائز العالمية مثل جوائز نوبل، بوليترز. وهناك أعضاء تدريس فائزين بزمالة ماك آرثر، وآخرون أعضاء الأكاديمية الوطنية.
  • تتميز الجامعة بدعم الأبحاث في المجالات المتعددة، فتقوم بأبحاث في ميادين الفنون والعلوم البيولوجية والنانوية والدراسات الدولية والبيئية.
  • تصل نسبة نجاح التقدم في الجامعة بين الطلاب الجدد والمنقولين إلى91٪.
  • هناك دائمًا فرصة لمشاركة الطلاب في المشاريع البحثية القصيرة، حيث تعتبر جزءًا من برامجهم الدراسية.
  • تضم جامعة كاليفورنيا-لوس انجلوس ما يقرب من 40 ألف طالب. بينهم 27 ألف طالب بالمرحلة الجامعية و13 ألف طالب بالدراسات العليا والمهنية.
  • يستفيد ما يقرب من 36٪ من الطلاب بالجامعة من منحل ييل. وهم الطلاب الذين يقل دخل أُسرهم عن 50 ألف دولار.
  • يمثل الطلاب الدوليين بالمدرسة حوالي17٪ من طلاب الدراسات العليا و5٪ من طلاب المرحلة الجامعية.
  • في عام 2009 كانت الأصول العرقية للطلاب المستجدين تشمل 4٪ من أصل أفريقي. و15٪ من أصل أسباني، 33٪ من أصل أوروبي و38٪ من سكان آسيا.

4- نشر أول رواية لأجاثا كريستي

في الثلاثين من عمرها، وفي عام 1920 نُشرت أولى روايات الكاتبة «أجاثا كريستي-Agatha Christie». التى تحمل اسم The Mysterious Affairs at Styles. تقع أحداث الرواية في انجلترا إبان الحرب العالمية الأولى. تدور أحداثها بين الأرملة إيملي انجلثروب وزوجها الذي يصغرها سنًا، ويأتي للعيش معها هو وأبناءه من زيجته الأولى. وتبدأ أحداث في التصاعد حين يستيقظ الجميع في القصر الفاخر إلا سيدته. حيث قُتلت مسمومة، تاركةً وراء موتها سرًا ووصية مفقودة، تتوالى الأحداث حتى يُعرف الجاني في النهاية.

وتعتبر روايات كريستي هي الأكثر مبيعًا، حيث بيع منها ما يقرب من ملياري نسخة على مستوى العالم. كتبت كريستي أيضًا 19 مسرحية. أشهرها مسرحية “مصيدة الفئران” التي سجلت رقمًا قياسيًا عالميًا لأطول عرض مستمر. افتُتح عرضها عام 1952 ولم يتوقف عرضها منذ ذلك الحين. حتى توقف عرضها للمرة الأولى في مارس 2020 بسبب جائحة كوفيد-19. على الرغم من مرور قرابة مائة عام على أعمال كريستي. إلا أنها لا تزال تلقى نفس الإقبال الذي حظيت به أول مرة.

5- ابتكار الضمادة

أتمت فكرة الضمادة البسيطة التي نستخمها هذه الأيام عامها المائة، ففي عام 1920 حين قرر إيرل ديكسون مساعدة زوجته جوزفين التي كانت كثيرًا ما تتعرض كثيرًا لقطع إصبعها أثناء إعداد الطعام. وذلك عن طريق ابتكار ضمادة تستطيع زوجته استخدامها بمفردها. فأحضر ديكسون شريط لاصق ونسيج طبي. ودمجهما عن طريق وضع قطعة طويلة من الشريط اللاصق مثبتها به قطعة من النسيج الطبي. هكذا تسطيع الزوجة استخدامها بمفردها وتحويلها إلى ضمادة.

6- ظهور حلقات الألعاب الأوليمبية لأول مرة رسميًا

عام 1920، ظهرت الحلقات بشكل رسمي أثناء إقامتها لأول مرة بعد الحرب العالمية الأولى في دورتها السابعة في انتويرب- بلجيكا. يتكون الشعار الأوليمبي من خمس حلقات متشابكة، ذات أبعاد متساوية. تُستخدم بنسخة مُوحدة اللون أو بنسخة متعددة الألوان. عند استخدامها بالنسخة متعددة الألوان تكون -الحلقات مرتبة من اليسار إلى اليمين كالتالي: الزرقاء، الصفراء، السوداء، الخضراء ثم الحمراء. متشابكةً من اليسار إلى اليمين. تقع الحلقات الزرقاء والسوداء والحمراء في الأعلى. وتوجد الحلقات الصفراء والخضراء في الأسفل. تُمثل الحلقات إتحاد القارات الخمس واجتماع الرياضيون من جميع أنحاء العالم في دورة الالعاب الأوليمبية.

7- تطوير إشارة المرور بنظام ثلاثي الألوان

مع نمو حركة المرور وزيادة معدل إنتاج السيارات، جاءت الحاجة لحل مشاكل المرور المتزايدة. في الماضي، كانت إشارات المرور عبارة عن إشارات وألواح مثبتة على أبراج ذات أذرع متحركة -يدويًا أو آليا- . تشير إلى حركة المرور “للتوقف أو السير”. لم يكن لها تصميم ثابت، فكانت تُصمم وتُثبَّت في المدن حسب الحاجة فقط. بعد ذلك استُخدم نظام الإشارة بالكلمات المضاءة، فكانت هناك كلمتي “توقف وسِر” فقط. وفي عام 1917. تم تطوير إشارة المرور ثنائية الألوان في مدينة سان فرانسيسكو، فكانت تحمل اللونين الأحمر والأخصر فقط. حتى عام 1920، فقد تم تقديم أول نظام ثلاثي الألوان في ديرويت- الولايات المتحدة.

8- حصول المرأة الأمريكية على حق التصويت.

عام 1848، انطلقت حركة حقوق المرأة على المستوى الوطني مع «اتفاقية سينيكا فولز-Seneca Falls Convention». التي نظمتها الناشطتان «إليزابيث كادي ستانتون- Elizabeth Cady Stanton» و«لوكريشيا موت-Lucretia Mott». وكان الحصول على حق التصويت هو أبرز مطالبها. فانضم العديد من الناشطات والناشطين غيرَ مدخرين الجهد في رفع الوعي العام، ممارسين الضغط على الحكومة لمنح حقوق التصويت للنساء. بعد معركة طويلة حافلة بالمعاناة والاحتجاجات والحرمان من بعض الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المواطنون الذكور. انتصرت إرادة تلك الجماعة الصغيرة مع المصادقة على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي. الذي يحمل منح حق التصويت للنساء لأول مرة في 18 أغسطس 1920، بذلك تصبح المرأة الأمريكية أتمت عامها المائة في 2020 لحصولها على حق التصويت.

9- ابتكار ألواح الآيس كريم المغطاة بالشيكولاتة

يبدو قرار الاختيار بين ألواح الآيس كريم وحلوى الشيكولاتة كان من أصعب القرارات منذ قرن من الزمان. وها قد أتمت الفكرة عامها المائة في 2020. ذلك حين دخل صبي صغير إلى متجر السيد «كريستيان كينت نيلسون-Christian Kent Nelson». لم يكن بإمكانه الاختيار بين الحصول على الآيس كريم والحصول على قالب الشيكولاتة. تساءل نيلسون عما إذا كان بإمكانه إعطاء هذا الصبي كل من الشيكولاتة والآيس كريم في منتج واحد. يبدو أن الأمر كان صعبًا للغاية، للدرجة التي جعلته يمضي أسابيع في محاولة إيجاد طريقة دمج الشيكولاتة والآيس كريم. أخيرًا، عَلِمَ نيلسون من أحد الموردين للمتجر الخاص به أن صانعي حلوى الشيكولاتة سيضيفون زبدة الكاكاو إلى الشيكولاتة. جرب نيلسون هذه الطريقة مع قوالب الآيس كريم. وبحلول خريف 1920 كان المنتج الجديد جاهزًا للإعلان عنه، فقد أصبحت لديه الوصفة المثالية لقوالب الآيس كريم المغطاة بالشيكولاتة. باع نيلسون منها مجموعة مكونة من 300 قطعة، أطلق عليه لاحقًا إسم Eskimo Pie، المنتج الذى منح مُبتَكِره صفة “مليونير”. بعد فترة وجيزة تقدم نيلسون للحصول على براءة اختراع لحماية جهده المبذول في البحث وإنتاج شيئًا جديدًا ومفيدًا.

10- ميلاد الشاعر تشارلز بوكوفسكي

يعتبر «تشارلز بوكوفسكي-Charles Bukowski» شاعرًا وكاتبًا غزير الإنتاج، استهدفت كلماته فساد الحياة الحضرية، وسلطت أشعاره الضوء على المضطهدين في المجتمع. كان دائمًا الشاعر الجرئ صاحب الأفكار المثيرة للجدل، الكاتب، الناقد الناقم الثابت دائمًا على موقفه.

أعوام في حياة بوكوفسكي

ولد بوكوفسكي عام 1920، انتقل إلى الولايات المتحدة وهو طفل العامين فقط، تأثرت طفولته الرقيقة بسوء معاملة الأب له، مما نمّا لديه الخوف والخجل والاكتئاب، المشاعر والحالات التى ظهرت جلية في أعماله الأدبية. التحق بوكوفسكي بكلية «لوس انجلوس سيتي-Los Angeles City» عام 1939، لكنه ترك الجامعة في بداية فترة الحرب العالمية الثانية، وانتقل إلى نيويورك ساعيًا خلف شغفه. امتهن بوكوفسكي العديد من المهن، تَنَقَّل من مكان متواضع لآخر بسيط وتارةً فقير، مع الاستمرار في الكتابة لصالح المطابع الصغيرة والسرية أحيانًا. عام 1946، قرر بوكوفسكي التوقف عن الكتابة وعمل في أحد مصانع المخلل، وغيرها، حتى أوائل الخمسينات عمل في مكتب بريد الولايات المتحدة- لوس انجلوس لمدة 3سنوات فقط ثم استقال. حنَّ بوكوفسكي لكتابة الشعر مرة أخرى بعد تعرضه لوعكة صحية جعلته قريبًا من الموت قُرب الطفل لأمه، وفي عام 1963 نُشرت مجموعته الشعرية It Catches My Heart in Its Hands وتوالى انتاجه الشعري في الظهور بعد ذلك، وكان أهمها: Mocking Bird Wish Me Luck -1972 Love Is a Dog From Him – 1977 War All The Time -1984 You Get So Alone at Time That’s Just Makes Sense – 1986 وهناك بعض الأعمال الشعرية التي لم تظهر ولم تُنشر إلا بعد وفاته مثل: Sloching Towards Nirvana حيث نُشرت عام 2005. The People look like Flower والتي نُشرت عام 2007. كتب بوكوفسكي أكثر من 40 كتابًا في الشعر والنثر والرواية، ويعتبر كتاب Flower, Fist and Bestial Wail هو أول أعماله الشعرية والذي ألفه عام 1959. كانت الحياة وموضوعاتها، العالم المقفر القاسي والموت هم أهم الموضوعات التي لامست أعمال بوكوفسكي الأدبية. تُوفى تشارلز بوكوفسكي عام 1994 بعد معاناة مع سرطان الدم عام.

كانت تلك هي بعض الأحداث التي أتمت عامها المائة في 2020 والتي قد يستدعي بعضها الإحتفاء خلال تلك السنة العصيبة.

المصادر

ourdocuments

olympic

ucla

slate

idrivesafely

poetryfoundation

sciencehistory

jnj

britannica

agathachristie

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

هذه المقالة هي الجزء 15 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟ يعد الجنس أحد أكثر الأنشطة التي يستمتع بها البشر، ولذلك يحتل مساحة كبيرة في حياتنا. وعده علماء النفس التطوريون واحدًا من أربعة دوافع أساسية محركة للانسان. وهناك بعض الدراسات المثيرة للاهتمام التي تستطلع حجم الجنس في حياتنا. تشير هذه الدراسات أن ممارسة الجنس هو النشاط الأكثر امتاعًا للشخص الأمريكي العادي. فيضعه في مرتبة أعلى من ممارسة الرياضة والصيد والتقبيل والعناق والحديث مع العائلة ومشاهدة التلفاز والأكل والرحلات والتسوق. وتشير أيضًا أن متوسط الوقت الذي يقضيه الشخص العادي في ممارسة الجنس لا يتعدى الأربع دقائق وثلاث ثوان (مع استبعاد الوقت الذي يمر في المداعبة أو القراءة عن الجنس أو التفكير في الجنس أو تصفح المواقع الإباحية). وهو نفس الوقت الذي يقضيه الشخص الأمريكي العادي في ملأ استمارات الضرائب!

الجنس كدافع للحياة

تجعلنا نتائج الدراسات التي أسلفنا ذكرها نتسائل: من أين تأتي أهمية الجنس إذا كان يحتل نفس المساحة التي يحتلها نشاط ممل مثل ملأ استمارات الضرائب؟ والإجابة هي لا، رغم الوقت الضئيل الذي يحتله الجنس في حياتنا إلا أن له أهمية كبرى، وينشأ عنه كل شيء في الحياة تقريبًا. مثل: الزواج والأطفال والفن وحتى العنف والتنافسية.

يمكننا تعريف الجنس من وجهة نظر تطورية أنه بوابة لعبور الجينات إلى الأجيال اللاحقة وبالتالي تحقيق هدف التكاثر. لكن بالنظر في واقعنا الحالي، نجد صورًا متعددة من الجنس غير التكاثري. مثل: الجنس مع استخدام موانع الحمل والجنس المثلي والجنس الشرجي. وهي صور لا تخدم هدف التكاثر وبالتالي يمكن اعتبارها غير طبيعية، فهل يعني هذا أنها خاطئة؟

الأخلاقية والحتمية

هذا ما أود أن نبدأ به مقال اليوم قبل التطرق إلى موضوعه الأساسي، توضيح اثنين من المفاهيم الهامة التي تناقش أخلاقية بعض أوجه الحياة الجنسية عند البشر. وسأبدأ بمقولة لعالم النفس ستيف بينكر:

“لا تملي الطبيعة علينا ما ينبغي تقبله أو كيفية عيش حياتنا، فأنا لم أنجب أطفالًا في سنوات شبابي واستهلكت مواردي البيولوجية في القراءة والكتابة والبحث ومساعدة الطلبة والأصدقاء، متجاهلًا أولوية نشر جيناتي. وبالتالي فأنا خطأ شنيع بالمعايير الداروينية، لكن حياتي تعجبني بهذه الطريقة، وإذا لم ترض جيناتي عن هذا فيمكنها أن تذهب وتلقي نفسها في البحيرة”

نستنتج من مقولة بينكر أن الطبيعي ليس بالضرورة صحيحًا أو مناسبًا أو حتى أخلاقيًا. فمع أن أجسامنا وأدمغتنا تطورت لتخدم هدف التطور فذلك لا يعني أنه ليس بإمكاننا استخدام هذه الأدمغة لتحديد أقدارنا.

أما عن الحتمية فيقول عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكينز:

“لو أن طفلًا تلقى تعليمًا فقيرًا للرياضيات، فمن السهل تقبل فكرة أن بذل مجهود أكبر العام اللاحق سيحسن من مستواه. لكن لو اقترحنا أن أداء الطفل السيء جيني الأصل سوف ييأس الجميع من تحسن مستواه، إنه أمر حتمي ويستحيل تغييره لو كان جيني الأصل. وهذا هراء كبير! لا تختلف المسببات الجينية والمسببات البيئية عن بعضها، ولكن يسهل عكس تأثير أحدها بينما يصعب الآخر. ماذا فعلت الجينات لتستحق هذه السمعة الشريرة؟ ولماذا يُعتقد أن تأثيرها ثابت ولا مفر منه مقارنة بتأثير الكتب أو التلفاز؟”

ونستنتج من مقولة دوكينز انفصال مسببات الأمور عما يعكس تأثيرها. فهناك حالات ذات منشأ جيني ويسهل عكس تأثيرها، بينما أخرى ذات منشأ ثقافي ويصعب عكس تأثيرها. مثل: ضعف البصر، وهو أمر جيني المنشأ لكن يمكن عكس تأثيره ببساطة. أما نظرة المجتمع للسمنة أمر ثقافي يختلف من مكان لآخر، لكن يمكننا الاتفاق على صعوبة عكس تأثيره.

كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

تحدثنا عن عملية الجنس وهدفها التطوري وهو التكاثر، لكن هل يمكن تحقيق هذا الهدف بدون طرفي المعادلة، الرجال والنساء؟ لا أعتقد ذلك. وسنتحدث اليوم عن الاختلافات بين ذكور وإناث البشر، انطلاقًا من دور كل منهما في العملية الجنسية وما يليها حتى يحدث التكاثر. فما هي هذه الاختلافات؟

بداية ليس الاختلاف اختلاف أعضاء تناسلية، فلا يمكننا القول القضيب أو المهبل. لأنه ببساطة هناك حيوانات لا تمتلك أيًا منهما. أما التمييز التصحيح فيقوم به علماء الأحياء بناءًا على حجم الخلايا الجنسية. يمتلك الذكور خلايا جنسية صغيرة تحوي الجينات فقط، وتمتلك الإناث خلايا جنسية كبيرة تحوي الجينات والغذاء وغلاف واقي وغيرها. لكننا نجد بالرغم من هذا الاختلاف في حجم الخلايا الجنسية ذكور البشر أكبر حجمًا من الإناث، فما تفسير ذلك؟

الاستثمار الأبوي

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

قام بهذا التفسير العالم «روبرت تريفرز-Robert trivers» الذي وضع نظرية الاستثمار الأبوي. ويمكن تعريفه أنه أي بذل أبوي (في الطاقة أو الوقت أو الموارد) يزيد فرصة نجاة الذُرية الحالية، وذلك على حساب قدرة الآباء في الاستثمار في ذرية أخرى.

مثال: تخيل معي اثنين من الحيوانات أحدهما يتكاثر بطرفة عين، والآخر يتكاثر كل عشر سنوات. الحيوان الأول مثال للاستثمار الفقير، لأن ذريته لا تستهلك قدرًا كبيرًا من موارده. أما الحيوان الثاني فمثال للاستثمار الضخم لأن ذريته تستهلك قدرًا كبيرًا من موارده.

أشار تريفرز إلى ارتفاع نسبة الاستثمار الأبوى في إناث أغلب الحيوانات مقارنة بالذكور. وذلك لامتلاكهن الخلايا الجنسية كبيرة الحجم، فيقمن بحضانة/حماية/حمل الذرية لفترة من الزمن. أما الذكور فيمتلكون خلايا جنسية أصغر، ولا يتخطى استثمارهم لحظات الاتصال الجنسي. لكن مازال السؤال مطروحًا، كيف يفسر هذه اختلاف حجم الذكور والإناث؟

ينتج عن الاستثمار الأبوي الضخم عند الإناث مقارنة بالذكور عددًا من الاختلافات النفسية والفسيولوجية:

  • يمكن لذكر واحد أن يخصب عددًا من الإناث، فينتج عن هذا وجود عدد من الذكور بدون إناث فتظهر التنافسية والعنف.
  • لا تقلق الإناث بشأن وجود شريك جنسي لأنها دائمًا ستجده. لكن يظهر نوعًا آخرًا من التنافس لاختيار الذكور المناسبين، الذين تتمتع جيناتهم بفرص نجاة أكبر.
  • تخلق الطبيعة الانتقائية للإناث نوعًا جديدًا من التنافس بين الذكور، ليس لإيجاد الإناث وحسب وإنما إغرائهم أيضًا.

والآن يمكننا باستخدام هذه الاستنتاجات الثلاث للتوصل إلى سر اختلاف حجم الذكور عن الإناث، وذلك لأن التنافسية تضع عليهم ضغطًا أكبر للتصارع مع الذكور الأخرى للفوز بالإناث. كذلك السعي إلى إغراء الإناث ومطابقة مواصفاتهم عن الشريك المثالي ومنها البنية الجسدية الأقوى. وسنتعرف على مزيد من التفاصيل عن هذا الأمر عند مناقشة معايير الانجذاب الجسدي.

ما الأدلة على نظرية الاستثمار الأبوي؟

تتلخص فكرة الاستثمار الأبوي في وجود اختلاف بين حجم الخلايا الجنسية عند الذكور والإناث، فينتج عن هذا تباين الدور الذي يقوم به كل منهما في العملية الجنسية والتكاثر ومن هنا تظهر الاختلافات النفسية والفسيولوجية بين الجنسين. وهناك عدد من الأدلة على ذلك:

  • يكون الاستثمار الأبوي معكوسًا في بعض الحالات مثل: السمكة الأنبوبية. فنجد الذكور تحتفظ بالبيوض بينما تهرب الإناث. وتبعًا للنظرية فلابد أن تكون الإناث أكبر حجمًا وأكثر عنفًا وهذا ما وجده العلماء بالفعل.
  • يتساوى كل من ذكور وإناث البطاريق في الاستثمار الأبوي، فيسير كل منهما مسافة طويلة لحماية الأبناء. وحسب النظرية فلابد أن تتساوى أحجامهم أيضًا وهذا ما وجده العلماء بالفعل.
  • تتمتع ذكور فيلة البحر بقدر عالٍ من التنافسية، فلا تتنافس على أنثى واحدة وإنما جميع الإناث. ونتيجة لذلك نجد الذكور أكبر حجمًا بأربع مرات من الإناث.
  • أما في البشر فنجد -كما أسلفنا- أن الذكور أكبر حجمًا بنسبة 15% من الإناث. وهذا يرجح تواجد صراع ذكوري/ذكوري على مدار تاريخنا التطوري، نتيجة لعدم تساوي الاستثمار الأبوي.
  • ذكور البشر أكثر عنفًا من النساء. بداية من الرحم فنجدهم يركلون أكثر، والطفولة فينخرطون في صراعات وشجارات ومزاح عنيف، حتى البلوغ فنجد عدد السجناء الذكور دائمًا أكبر من النساء. الأمر الذي يمكن تفسيره بالتنافسية الناتجة عن عدم تساوي الاستثمار الأبوي.

الجاذبية الجسدية

لا يقتصر تأثير التنافس الأبوي على اختلاف الذكور والإناث في الحجم والتنافسية فقط، إنما تختلف تفضيلاتهم الجنسية أيضًا.

  • نجد الإناث تنجذب للقوة والمكانة الاجتماعية والاستثمار في تربية الأطفال. الذكور القادرون على تأمين الموارد اللازمة للنجاة وتوفير الملجأ والحماية أكثر جاذبية من غيرهم. وهذا أمر مفهوم تطوريًا.
  • تميل النساء إلى اختيار الذكور الأكبر سنًا، لكن بشكل عام لا يهم العمر كثيًرا طالما كان الذكر قادرًا على التكاثر.
  • هناك بعض الخصائص الجسدية أكثر جاذبية للإناث مثل: البنية الجسدية القوية ودلالاتها مثل: عرض المنكبين والفك القوي وبروز عظمة الحاجب. كذلك تماثل نصفي الجسم الذي يدل على سلامة الجينات وقدرة الذكر على تحمل ضغوطات البيئة.

أما عن الذكور فعامل الانجذاب الأول لديهم هي الأنثى التي يستطيع تخصيبها وبالتالي نشر جيناته. وبناءًا على ذلك تظهر تفضيلاتهم الجنسية:

  • يهتم الذكور بالعمر أكثر من الإناث، فينجذبون للنساء الأصغر سنًا لقدرتهن على التكاثر.
  • ينجذب الذكور للإناث ذوات الخصر الرفيع والنهود الكبيرة، لأنها دلالات على الشباب والخصوبة.
  • ينجذب الذكور لسمات جمالية معينة مثل العيون الواسعة والشفاه الممتلئة والبشرة النضرة. لأنها تمثل أيضًا النضوج الجنسي والشباب.

الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟

في الختام أود العودة إلى نقطة الأخلاقية والحتمية، إن كل ما هو جيني وطبيعي ليس بالضرورة مناسبًا أو حتميًا لا يمكن تغييره. وهو ما نفسر به الاعتراض الذي لابد أن يكون خطر لك عند قراءة المقال، أنا لست هكذا -ذكرًا كنت أم أنثى- ولا أتصرف أو أنجذب لنفس الصفات التي يفترض يتمتع بها بنو جنسي. لذا لا تنسى أدمغتنا التي تطورت لتخدم هدف التطور، يسعها دومًا التفكير وتحديد أقدارها!

اقرأ أيضًا: لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

مصدر
yalecourses

ما تفسير تسارع الزمن الّذي نشعر به مع تقدمنا في السن؟

عندما كنا أطفالًا، بدت العطلة الصيفية كأنها تستمر إلى الأبد، وبدا انتظار الأعياد أبديًا. فلماذا عندما نتقدم في السن يبدو مرور الوقت أسرع بكثير؟ فتسير الأسابيع والأشهر والفصول بأكملها بسرعة مذهلة. إن تسارع الزمن المُدرك على ما يبدو ليس نتيجةً لامتلاء حياتنا كبالغين بمسؤوليات ومخاوف الكبار. في الواقع، الأمر يسير في الاتجاه الآخر. فالأبحاث تظهر أن الوقت المُدْرَك يمر بسرعة أكبر بالنسبة لكبار السن مما يجعلنا نشعر بالانشغال والاندفاع (وليس العكس).

هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير سبب تسارع إدراكنا للوقت مع تقدمنا ​​في السن. تتمثل إحدى الأفكار في تغيير تدريجي لساعاتنا البيولوجية الداخلية. يتوافق تباطؤ عملية التمثيل الغذائي مع تقدمنا ​​في السن مع تباطؤ ضربات القلب وتنفسنا. تجري الفعاليات البيولوجية للأطفال بسرعةٍ أكبر، مما يعني أنهم يمتلكون المزيد من العلامات البيولوجية (دقات القلب، والتنفس) في فترة زمنية محددة، مما يجعلهم يشعرون وكأن المزيد من الوقت قد مر.

تقترح نظرية أخرى أن مرور الوقت الذي ندركه مرتبطٌ بكمية المعلومات الإدراكية الجديدة التي نستقبلها. إذ مع وجود الكثير من المحفزات الجديدة، تستغرق أدمغتنا وقتًا أطول لمعالجة المعلومات بحيث تبدو الفترة الزمنية أطول. هذا من شأنه أن يساعد في تفسير «إدراك الحركة البطيئة-slow motion perception» (وهو حين يُنظر إلى الأشياء على أنها تتحرك ببطء شديد على عكس العادة). نشعر بإدراك الحركة البطيئة غالبًا في اللحظات التي تسبق وقوع الحادث. فالظروف غير المألوفة تعني أن هناك الكثير من المعلومات الجديدة التي يجب استقبالها ومعالجتها. في الواقع، قد نشعر به عندما نواجه مواقف جديدة فتسجل أدمغتنا ذكريات شديدة التفصيل، بحيث أن تذكرنا للحدث يبدو أبطأ من الحدث نفسه. لقد ثبت تجريبيًا أن هذا هو الحال للأشخاص الذين يمارسون «السقوط الحر-free fall».

ولكن كيف يفسر هذا تسارع الزمن المُدرك المستمر مع تقدمنا ​​في العمر؟ تقول النظرية أنه كلما تقدمنا ​​في السن، أصبحنا أكثر درايةً بمحيطنا. لا نلاحظ التفاصيل الدقيقة لمحيطنا (كمنازلنا وأماكن عملنا). لكن بالنسبة للأطفال، غالبًا ما يكون العالم مكانًا غير مألوف ومليء بالتجارب الجديدة للتعامل معها. هذا يعني أنه يجب على الأطفال تكريس قدرٍ أكبر من القوة الذهنية لتكوين أفكارهم العقلية للعالم الخارجي. تقترح النظرية أن هذا يجعل الوقت يبدو وكأنه يمر بشكلٍ أبطأ للأطفال مقارنةً بالبالغين العالقين في روتينهم اليومي. لذلك كلما أصبحنا أكثر دراية بتجارب الحياة اليومية، كلما زاد تسارع الزمن، وعموماً، تزداد هذه الدراية مع تقدم العمر. تم اقتراح الآلية الكيميائية الحيوية وراء هذه النظرية على أنها إطلاق الناقل العصبي «الدوبامين-Dopamine» عند إدراك الأمور الجديدة مما يساعدنا على تعلم قياس الوقت. بعد سن العشرين وحتى الشيخوخة، تنخفض مستويات الدوبامين مما يجعل الوقت يبدو أسرع. ولكن لا يبدو أن أيًا من هذه النظريات توضح بدقة المعدل الحسابي لعملية تسارع الزمن المُدْرَك.

يشير النقصان الواضح لطول فترة محددة مع تقدمنا ​​في العمر إلى “مقياس لوغاريتمي” للوقت. تستخدم المقاييس اللوغاريتمية بدلاً من المقاييس الخطية التقليدية عند قياس الزلازل أو الصوت. نظرًا لأن الكميات المُقاسة يمكن أن تظهر فروقات ضخمة فيما بينها، فإننا بحاجة إلى مقياس أوسع نطاقاً لفهم ما يحدث. وهذا ينطبق على موضوع تسارع الزمن. على مقياس ريختر اللوغاريتمي (للزلازل) لا تتوافق الزيادة بمقدار 10 إلى 11 مع زيادة في حركة الأرض بنسبة 10% كما هو الحال في المقياس الخطي. فكل إضافة واحدة إلى مقياس ريختر تقابل زيادة في الحركة بمقدار عشرة أضعاف.

أوقات الطفولة

ولكن لماذا يجب أن يتبع إدراكنا لعملية تسارع الزمن مقياسًا لوغاريتميًا؟ الفكرة هي أننا ندرك الفترة الزمنية على أنها نسبة الوقت الذي عشناه حتى تلك اللحظة. بالنسبة لطفلة تبلغ من العمر عامين، تعتبر السنة الواحدة نصف عمرها، ولهذا السبب تبدو فترة الانتظار بين أعياد الميلاد طويلةً جدًا عندما تكون صغيرًا. بينما بالنسبة لشخص يبلغ من العمر عشر سنوات، يمثل العام الواحد 10% فقط من حياته (مما يجعل الانتظار أكثر سهولة)، وبالنسبة لشخص يبلغ من العمر 20 عامًا يمثل العام الواحد 5% فقط من حياته. على المقياس اللوغاريتمي، لكي يمر شابٌ يبلغ من العمر 20 عامًا نفس الزيادة النسبية في العمر (بين أعياد الميلاد) التي يمر بها طفل يبلغ من العمر عامين، يجب عليه الانتظار حتى بلوغ سن الثلاثين. وفقًا لوجهة النظر هذه، ليس من المستغرب تسارع الزمن الذي نشعر به مع تقدمنا ​​في السن.

عادةً ما نفكر في حياتنا من منظور العقود – العشرينات والثلاثينيات وما إلى ذلك – مما يشير إلى وزنٍ متساوٍ لكل فترة. ومع ذلك، حسب المقياس اللوغاريتمي فإننا ننظر لفتراتٍ زمنية على أنها مختلفة رغم امتلاكها نفس الطول. يُنْظَرُ إلى الفروق التالية في العمر على النحو نفسه بموجب هذه النظرية: من 5 إلى 10، ومن 10 إلى 20، ومن 20 إلى 40، ومن 40 إلى 80. إذًا فترة الخمس سنوات التي مررت بها بين سن الخامسة والعاشرة قد تشعرك بنفس طول الفترة بين سن 40 و 80. لذا أشغل نفسك. فالوقت يمر بسرعة، سواءٌ كنت مستمتعًا به أم لا. وهو يمر بشكل أسرع وأسرع كل يوم.

شاهد الفديو التالي حيث يشرح استخدام المقياس اللوغاريتمي لتسارع الزمن:

المصادر: Science Focus, The Conversation, Scientific American
إقرأ أيضًا: لماذا نشعر بالتعب أكثر خلال فصل الشتاء؟

ما هو علم الجريمة؟

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

على الرغم من تطوّر المجتمعات وتمدّنها، وعلى الرغم من القوانين وأنظمة المحاسبة التي تحكم معظم دول العالم، ما زالت الأعمال الإجرامية تشكّل خرقًا خطيرًا لكل الأنظمة والمجتمعات البشرية وتهدد حياة وأمن الكثيرين حول العالم. فما هو تفسير انتشار الجرائم؟ وهل هي ناتجة عن أسباب فردية وشخصية أم أن ظروف المجتمع هي المسؤولة عن حدوثها؟ ما السبيل لتجنّب الجريمة، وفي حال حدثت، ما هو نظام المحاسبة الأكثر عدالة؟ نشأ علم الجريمة كعلم مستقل ليبحث عن إجابات لهذه الأسئلة والتعمّق في أسباب الجريمة ونتائجها.

ما هو علم الجريمة (أو علم الإجرام)؟

يدرس علم الجريمة الأعمال الجرمية الفردية والجماعية والجنوح، ويتناول أسبابها وأساليب تصحيحها وتجنبها. ينطلق علم الجريمة من نظريات متعدّدة في علوم مختلفة من علوم الحياة إلى علم النفس والطب النفسي إلى علوم الاجتماع والاقتصاد وعلوم الإنسان والإحصائيات.

نبذة تاريخية عن نشأة علم الجريمة:

رغم أن علم الجريمة كما نعرفه الآن لم يبدأ قبل القرن الثامن عشر، إلا أنه يجد أصوله في حضارات قديمة. فقد واجه الإنسان السلوكيات “الشريرة” والإجرامية منذ أقدم العصور، لذلك كان لا بد للبشر أن يضعوا قوانين رادعة للأعمال الجرمية ولو كانوا عاجزين في حينها عن فهم أسباب هذه الأعمال.

العصور القديمة

من أشهر وأقدم القوانين التي عرفتها الحضارات هي شريعة حمورابي في الحضارة البابلية (في عام 1754 قبل الميلاد)، واحتوت على 282 قانون تحت قاعدة “العين بالعين والسن بالسن”.

بدورهم تحدث الفلاسفة الإغريق عن السلوكيات الإجرامية، فاعتبر الفيلسوف أفلاطون أن سبب مخالفة القوانين هو غياب التعليم، فيما شدد أرسطو على أهمية العقاب لتجنب الأعمال الإجرامية.

تطورت فيما بعد النظرة الحديثة للأعمال غبر القانونية في الجمهورية الرومانية، التي شهدت في عام 494 قبل الميلاد ثورة من قبل عامة الشعب لفرض قوانين تمنع استغلالهم وتعاقب الأعمال الجرمية. وقد شكلت هذه المقاربة أسس المقاربة الغربية الحديثة، التي تعاقب فيها الدولة مرتكبي الأعمال الجرمية.

العصور الوسطى

أما في العصور الوسطى، حيث كانت أوروبا تحت تأثير حكم الكنيسة الكاثوليكية، رُبطت الجريمة بالشر الإلهي. وتراوحت الأفكار بين العقاب الشديد للمجرمين، وبين مسامحتهم وتخليصهم من الشر.

كانت بدايات علم الجريمة في القرن الثامن عشر مع الحركة الإنسانية في أوروبا التي شدّدت على قيمة الإنسان وكرامته والتي ألقت الضوء على وحشية أنظمة السجون وعدم فعاليتها لتجنب الجرائم. وكانت في ذاك الوقت تُستخدم أشد الأساليب تعذيبًا من طعن أجساد المُتهمين إلى سحقها. فنشأت المدرسة الكلاسيكية في علم الجريمة لتدعو إلى تطوير نظام المحاسبة وتخفيف أو إلغاء التعذيب للمُتهمين وقد كان من رواد هذه المدرسة الكاتب والفيلسوف الإيطالي «سيزار بيكاريا-Cesare Beccaria» والمحامي البريطاني «سير صامويل روميلي-Sir Samuel Romilly »  والعالم البريطاني «جون هووارد-John Howard». ولعبت المدرسة الكلاسيكية لعلم الجريمة دورًا هامًّا في جعل نظام المحاسبة أكثر عدالة وإنسانية.

القرن التاسع عشر وحديثًا

في بداية القرن التاسع عشر، نشرت فرنسا للمرة الأولى إحصائيات وطنية لمستويات الجريمة. وتم تحليل هذه الأرقام الإحصائية من قِبل عالم الرياضيات والاجتماع البلجيكي «أدولف كيتيليت – Adolph Quetelet» فوجد أن توزع الجرائم ليس عشوائي، بل يخضع إلى أنماط اجتماعية معينة. من هنا، تم الربط للمرة الأولى بين الجريمة والبنية الاجتماعية، أي أن المجتمع يتحمل مسؤولية جرائمه. واعتبر كيتيليت أن المجرمين هم مجرد أدوات لتنفيذ الجرائم التي يتحمّل مسؤوليتها المجتمع ككل.

ثم جاءت المدرسة الوضعية (Positivist school) التي درست خصائص الأفراد المرتكبين للجرائم، وتأسست على يد الطبيب الإيطالي «سيزار لومبروزو- Cesar Lombroso» الذي اكتشف وجود فروقات بيولوجية وجسدية بين مرتكبي الجرائم وغير المرتكبين. تطورت المدرسة الوضعية لتشمل أيضًا دراسة الخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية المسؤولة عن ارتكاب الجرائم. وبالتالي اعتبرت أن مرتكبي الجرائم غير مسؤولين فعليًا عنها، بل هم ضحايا ظروفهم وخصائصهم. لذلك هي تفترض أن “العقاب” يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الخصائص الفردية بدلًا من الجريمة المُرتكبة.

ما هي النظريات المعتمدة حاليًا في علم الجريمة؟

تعددت النظريات في علم الجريمة بين نظريات بيولوجية ونفسية واجتماعية. فتفترض النظريات البيولوجية وجود أسباب جسدية، غالبًا جينية، تحفز العنف والانفعال. أما النظريات النفسية فهي تفسر العمل الجرمي بخلل نفسي، وتربطه أحيانًا بعدد من الأمراض النفسية كاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. في حين أن النظريات الاجتماعية تلقي المسؤولية الأكبرعلى المجتمع الذي يحفز، من خلال الظروف القاسية وانتشار العنف وغياب القانون والإحساس بالأمان، على ارتكاب الجرائم.

لم تكفِ أي من النظريات المطروحة لتفسير الأعمال الجرمية، فهي أعمال بالغة التعقيد. لذلك يعتمد علماء الجريمة حاليًا تشابك النظريات والأسباب البيولوجية والنفسية والاجتماعية لتفسير الجرائم وبالتالي معالجتها وتجنبها.

وغالبًا ما تصنف الجريمة حاليًا إلى نوعين بحسب دافعها: وسيلي وانفعالي.

الدافع الوسيلي يعني أن الجريمة تُرتكب عن سبق إصرار وتصميم، وغالبًا ما تعود بالنفع على المُرتكب (مثلًا: القتل المأجور أو القتل بهدف السرقة …). أما في حالة الدافع الانفعالي، تكون الجريمة بنفسها هي الهدف، وتنتج عادةً عن انفعال شعوري تلقائي (غيرة أو غضب أو خوف…). يكون العقاب أكثر قساوةً في حالة الجريمة الناتجة عن الدافع الوسيلي.

ختامًا، ما زالت المجتمعات بحاجة لإجابات أكثر دقة حول دوافع الجرائم وأسبابها، لتتمكن من تطوير بنية اجتماعية سليمة تخفف من مستويات العنف والجريمة، والأهم تطوير أنظمة محاسبة قائمة على مبدأ إعادة التأهيل، فتعطي الفرد فرصة جديدة لحياة متوازنة، وتعطي المجتمع فرصة للاستفادة من طاقاته.

المصادر:

Britannica.com

Criminology.com

Legal service india

إقرأ أيضًا: التنشئة الاجتماعية: الطبع مقابل التطبع

ملخص كتاب تطور العقول الطريق إلى فهم الوعي للكاتب دانيال دينيت

ملخص كتاب تطور العقول الطريق إلى فهم الوعي للكاتب دانيال دينيت

“إن العقول هي الأرض المجهولة النهائية التي تتجاوز ما يمكن لأي علم أن يتوصل إليه” دانيال دينيت، كتاب تطور العقول.

يضم الكتاب خلاصة أبحاث وتأملات عدد من العلماء والفلاسفة عن فكر الإنسان ومحاولة تعريف العقل والوعي بشكل علمي، فيثير الكاتب دانيال دينيت الكثير من القضايا والأمور التي عدها البعض حقائق مسلم بها ولكن لا يلبث القارئ أن يتبين أنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث والنقاش، يعرض الكاتب أفكاره وخلاصة أبحاثة في ستة فصول يتناول كل واحد منها قضية معينة.

الفصل الأول: ما الذي يميز العقل البشري؟

يبدأ الفصل بعدة تساؤلات حول ماهية العقل وهل يمكننا معرفة ما يدور في عقل شخص آخر إذا لم يصرح هو بذلك؟ وهل يمكن للروبوتات أن تكون واعية إلى درجة شعورها بالألم؟ وهل يمكن أن يكون رأي رينيه ديكارت أن الحيوانات فيما عدا البشر هي “روبوتات بلا عقل” صحيحًا؟

يبدأ الكاتب بعرض أفكاره وإجاباته عن تلك التساؤلات أولا بالتفريق بين مصطلحي الأنطولوجيا والأبستمولوجيا، فالأول يعني علم الوجود أما الثاني فيدل على فلسفة أصل المعرفة، ويوضح أن إدراكنا لوجود الشيء مختلف تمامًا عن معرفتنا به، فمعرفتنا بامتلاكنا مخًا أمرًا بديهيًا كامتلاكنا طحالًا مثلًا، أما معرفتنا بالعقل والوعي فتختلف كثيرًا.

اعتبر الكاتب أن عقول البشر هي المعيار الذي يجب أن نبدأ منه إذا أردنا النظر في إشكالية صحة امتلاك الحيوانات للعقول، وإذا كان للحيوانات عقول فهل تشبه عقولنا أم لا، ووضح أن البشر كثيرًا ما يقعوا في أخطاء مثل وصف شيء بأنه عاقل وهو لا يمتلك عقل كعلاقة الصداقة التي تنشأ بين محبي النباتات ومزروعاتهم ومعاملتهم لها كأنها بشر تدرك ما يقولون أو أن يتجاهلوا شخصًا أو حيوانًا له عقل واعتباره غير واعي وغالبًا ما يترتب على هذه الأخطاء مشاكل أخلاقية خطيرة.

وإن امتلاك البشر للعقول أمر لا شك فيه ولكن ماذا عن العقول التي لا تتواصل؟ من الصعب جدا أن تعرف ما يفكر فيه أحد الأشخاص إذا لم يخبرك هو بذلك، وكذلك فهناك بعض الكيانات تمتلك عقولًا ولكنها لا تستطيع التعبير عما تفكر فيه بسبب افتقارها للمقدرة اللغوية ولكن ذلك لا ينفي امتلاكها للعقل، وبالدراسة وجد أن حتى من يمتلكون قدرة لغوية أحيانًا ما تقوم عقولهم بردات فعل أسرع من إدراكهم تحدث أوتوماتيكيًا لمواجهة بعض المواقف الخطيرة مثلا، لذلك افترض الكاتب أنه ثمة إمكانية أن بين تلك المخلوقات التي تنقصها اللغة يوجد منها من لا تمتلك عقل مطلقًا وإنما تكون مواجهتها للمواقف المتعددة في معيشتها تحدث أوتوماتيكيًا بدون وعي منها بذلك.

ثم عرض الكاتب المسار التطوري التاريخي للعقول وافترض أن العقول لم تكن دائمًا موجودة، وبما أننا نمتلك عقولًا فمعنى ذلك أننا تطورنا من كائنات ليس لها عقول تواجدت منذ أكثر من أربعة أو خمسة ملايين عام.

الفصل الثاني: القصدانية

تناول الكاتب في هذا الفصل تفسير معنى الموقف القصدي قياسًا على عمليات التطور التي حدثت منذ ملايين السنين، والموقف القصدي هو استراتيجية تفسير سلوك كيان ما سواء كان إنسان أو حيوان أو جماد ومعاملته على أنه عامل فعال عاقل يتحكم في اختيار أفعاله ومعتقداته، فمثلا لو نظرنا إلى الفيروسات فهي عبارة عن جزيئات كبيرة تتكون من أجزاء صغيرة تتفاعل معًا بصور معينة وتعطي بعض التأثيرات المذهلة كقدرة الفيروسات على نسخ نفسها لملايين النسخ دون عقل، حتى أن لها القدرة على ترميم وتطوير ذاتها لضمان بقائها ومع ذلك فإننا لا نعتبرها كائنات حية ومن وجهة نظر الكيمياء فهي مجرد بلورات.

وبالرغم من أن الفيروسات بلا عقل ولكن اعتبرها بعض العلماء المادة الأولى للكائنات الحية والأسلاف الأولية لكل كائن نعرفه الآن بما فيهم نحن البشر، مما يجعلنا نتشارك في سلف مشترك مع كل تلك الكائنات، كما أننا إذا نظرنا إلى عمل أجهزة جسم الإنسان المختلفة بدقة وتمعن فإننا نجد كل جهاز منها يشبه العقل، وتأثرها بعوامل أخرى وتأثيرها على بعضها البعض يشبه أعضاء الحس البدائية، وأفعالها تشبه الأفعال القصدية حيث أن لها تأثيرات ناتجة عن نظام عمل معين ومعلومات معينة ولها في عملها هذا هدف معين وتشبه في ذلك الفيروسات، وهكذا نستطيع إطلاق اسم “المنظومة القصدية” على أجهزة الجسم وكذلك على تلك الكيانات الصغيرة.

الفصل الثالث: الجسم وعقوله.

يوضح دانيال دينيت في هذا الفصل مبدأ الانتخاب الطبيعي، وكيف تتنافس الكائنات الحية على الموارد وبحثها عما تحتاج إليه في سبيل الحفاظ على وجودها، فالفيروسات مثلًا طورت من وسائل بسيطة نسبيًا للوصول إلى احتياجاتها، وبحثها عن تلك الاحتياجات لم يكن منظمًا أو مدروسًا بل كان عشوائيًا فهي في حالة بحث دائم عما هو أنسب للمحافظة على نفسها.

كما أن العمليات التطورية التي تنجتها الطبيعة في الكائنات الحية ليست دائمًا الأكثر كفاءة وإنما الأوفر في الطاقة، فالكثير من الطفرات التي تحدث في سبيل التطور تقوم فقط بإيقاف عمل چين معين دون إزالته فإزالة چين من الچينوم تتطلب الكثير من الطاقة، وتظل الچينات المعطلة موجودة في الچينوم ولكن لا يتم التعبير عنها، وقد يتاح استخدامها يومًا ما فقد يحدث وتتغير ظروف العالم لتجعل تلك الچينات القديمة هي الأفضل والأنسب.

ولا حاجة لوجود عقل أو وعي للكائنات حتى تتطور وتتبع مبدأ الانتخاب الطبيعي، فعلى سبيل المثال فإن النباتات ليس لها عقول ومع ذلك على مدار سنوات طويلة طورت الكثير من النباتات نفسها لحماية نفسها من آكلات العشب فكانت تطور بعض السموم كوسيلة دفاعية وبالمثل تطورت الأجهزة الهضمية لآكلات العشب لمقاومة تلك السموم، وكأن النباتات وآكلاتها عوامل عاقلة وفعالة مثل البشر.

تحدث تطورات الانتخاب الطبيعي بخطوات بطيئة جدًا حسب مقاييسنا، فقد كانت تستغرق تلك التغيرات ألوفًا من الأجيال، ولذلك يرى الكاتب أن بطء حدوث هذه التغيرات يمكن أن يخفي وراءه أفعال تعقلية وكأن لتلك النباتات مثلًا عقول تدير نشاطها بسرعة أبطأ بكثير من عقولنا فلا نلاحظها إلا بعد وقت طويل.

الفصل الرابع: كيف وصلت القصدانية لبؤرة الاهتمام؟

يطرح الكاتب في هذا الفصل إطارًا يضع فيه الخيارات المتنوعة لتصميم المخ وأسماه “برج التوليد والاختيار” وشبهه بالبرج ذي الطوابق، وكل طابق أو مرحلة منه تعطي علامات عن أوجه التقدم المهمة في القدرة الإدراكية للعقول.

وضع الكاتب في البداية التطور الدارويني بالانتخاب الطبيعي حيث تولد كائنات حية مطورة بطفرات مسبقة وعمليات تطويرية حدثت خلال ملايين من الدورات وفي فترة زمنية كبيرة، ووصفها الكاتب أنها عمليات اعتباطية تقريبًا، فعندما تتعرض تلك الكائنات للأخطار البيئية ينقرض منها البعض ويتبقى الأفضل بينهم والأكثر تكيفًا.

تكيف الكائنات الداروينية مع البيئة

بعد ذلك كانت الكائنات السكنرية نسبة إلى الفيلسوف “بورهوس فريدريك سكنير” الذي كان يتبع مذهب السلوكية، وهو مذهب معاصر في علم النفس يقتصر على دراسة السلوك دون النظر إلى الشعور أو الذهن ويعتمد على المنهج التجريبي، وكانت تلك الكائنات تتميز باللدونة، أي أنها اكتسبت الكثير من التغيرات أثناء معيشتها لتتكيف مع الأحداث المحيطة بها وتتخطى الأخطار وتحافظ على بقائها، وتتولد لديهم أفعال متنوعة يجربونها الواحد تلو الآخر ويستمرون على الأكثر نجاحًا منها، وكان سكنر لا يعتبر هذا التكيف مماثلًا للانتخاب الطبيعي وإنما امتداد له.

تكيف الكائنات السكنرية مع البيئة

ومع الثورة الإدراكية في سبعينيات القرن العشرين طرد مبدأ السلوكية من وضعه المهيمن في السيكولوجيا وفقد التكيف السكنري قدرته على التعبير، فعندما تترك البيئة لتلعب دورا في تشكيل العقل حتى وإن كان هذا الدور أعمى فهو دور انتخابي.

أما الكائنات البوبرية نسبة إلى الفيلسوف “السير كارل بوبر” الذي افترض أن الكثير من الكائنات السكنرية يظل باقيًا على قيد الحياة لأنها كانت محظوظة فقط، أما الكائنات البوبرية فهي بخلاف ذلك تظل باقية على قيد الحياة لأنها بارعة في التكيف، فتطورها ليس اعتباطيًا وإنما بناء على عوامل داخلية وخارجية دقيقة أدت لحدوث التغير المناسب معها.

تكيف الكائنات البوبرية مع البيئة

وأخيرا الكائنات الجريجورية نسبة لعالم النفس البريطاني “ريتشارد جريجوري” الذي اعتمد مصطلح الذكاء الحركي، فلاحظ جريجوري أن استخدام أداة مثل المقص مثلا يعزز من إمكانية الوصول لحركات جديدة لاستخدامه على نحو أسرع وأكثر أمانا، وكذلك أدرك علماء الأنثروبولوجيا أن استخدام الأدوات أمر مصاحب لزيادة الذكاء بصورة أساسية، كأفراد الشمبانزي التي تسعى في البرية وراء النمل الأبيض واستخدامها العصى لاصطياده من بيوته العميقة تحت الأرض، استخدام الشمبانزي للأداة كي تحصل على طعامها يعد علامة على الذكاء من اتجاهين، إدراكها لوجود أداة واستخدام الأداة للحصول على الطعام.

تكيف الكائنات الجريجورية مع البيئة

الفصل الخامس: خلق التفكير

يطرح الكاتب في هذا الفصل قضية قدرة الحيوانات على التفكير ومدى صحتها ويرى أن إحدى الخطوات المهمة نحو أن يصبح الكائن عاقلًا فعليًا هي أن يرتقي من منظومة قصدية من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثانية وإلى الأعلى، فالمرتبة الأولى هي أن يمتلك الكائن اعتقادات ورغبات حول أشياء مختلفة أما الثانية هي أن يتكون اعتقادات وآراء حول اعتقادات موجودة مسبقًا، والمرتبة الثالثة أن تتولد الرغبة في شيء معين وهكذا مع كل مرتبة أعلى تضاف رغبة أو قدرة ما.

ولكن الكاتب يرى أن الانتقال من الأولى إلى الثانية هي الخطوة الأصعب، أما الانتقال إلى المراتب الأعلى فيكون سهلا حتى أنه يكاد يكون لا إراديًا، وبالرغم من أن فكرة القصدانية ذات المراتب العليا خطوة مهمة نحو التقدم في تمييز أنواع العقول إلا أنها لا تعتبر الحد الفاصل بين مهارة التفكير وعدم التفكير من الأساس، وعرض بعض الأمثلة لتوضيح وجهة نظره وكان أولها هو أمر “الاستعراض لصرف الانتباه” الذي تستخدمه الطيور ذات الأعشاش المنخفضة للدفاع عن صغارها، عندما يقترب كائن مفترس من العش تتحرك خلسة بعيدًا وتبدأ بإحداث جلبة ملفتة للنظر مما يؤدي لابتعاد الكائن المفترس عن العش في اتجاه الجلبة بصورة نمطية تاركًا وراءه الوليمة السهلة التي طرحت أمامه، كذلك الأرانب البرية التي يمكنها تقدير حجم الحيوان المفترس الذي يهاجمها وبالتالي تحدد مدى الخطر المهدد لها فإما أن تركض أو تتوقف عن الحركة تمامًا حتى لا يلاحظها الحيوان المفترس، وهذه التصرفات تكاد تكون أمرًا تلقائيًا وليس لأن الأرانب والطيور لها القدرة على التفكير، وكأن عقول هذه الكائنات مجهزة بقائمة كبيرة تشمل أنواع كثيرة من السلوك وردات الفعل مرتبطة بإشارات إدراكية لتضع رد الفعل المناسب في المواقف المختلفة، وهذه الحيوانات لا تحتاج إلى أن تعرف أكثر من ذلك.

الفصل السادس: عقولنا والعقول الأخرى

يضع الكاتب في هذا الفصل مقارنات بين العقل البشري وقدراته وبين عقول الحيوانات الأخرى، فقبل أن يتمكن أي كائن حي من التفكير كان هناك كائنات حية بلا عقل ولا تفكير ذات قصدانية فجة، تعتبر آلات تقوم بمتابعة مسارها في الحياة دون أدنى فكرة عما تقوم به أو حتى سببه، ومع مرور فترات زمنية طويلة وتغير الظروف تغيرت هذا الكائنات كاستجابة ملائمة لتلك الظروف، فأصبحت بعض هذه الكائنات قادرة على الصيد مثلًا ولكنها لا تفكر في أنها تصطاد فهي ليست بحاجة لأن تعرف وكأنها تقوم بتلك الأعمال تلقائيًا.

ولو اعتبرنا أن مثل هذه التصرفات بلا وعي هي قدرة على التفكير فيمكننا القول أن هذه الكائنات تفكر ولكنها لا تعرف أنها تفكر، أي تفكير بلا وعي، كما أن البشر أحيانًا يقومون بأعمال تلقائيًا بلا تفكير كتنظيف الأسنان بالفرشاة أو ربط الأحذية أو ممارسة السواقة، ولكن معظم هذه الأنشطة التي تقوم بها أمرها مختلف تمامًا وذلك لأننا نستطيع أن نفكر فيها بطرق لا تستطيع الكائنات الأخرى الوصول إليها، فقيادة سيارة مثلًا لا يمكن أن تصبح عمل نقوم به بسهولة وبلا تفكير إلا بعد مرور فترات طويلة من التدريب، حيث إن امخاخنا تحسن من نفسها عندما نتعلم لغتنا الخاصة ونتذكرها ونعيد التدريب عليها.

ثم عرض الكاتب بعض التجارب التي أجريت لتوضيح الاختلاف بين العقول البشرية وعقول باقي الكائنات، وكان أهمها تجربة أجريت في زمن الحرب العالمية الأولى قام بها عالم السيكولوجيا الألماني “ولفجانج كوهلر” على قرود الشمبانزي ليرى نوع المشاكل التي يمكن أن تحلها بالتفكير، وهل تستطيع الشمبانزي أن تحصل على الموز المعلق في قفصها باستخدام بعض الصناديق المكومة، ولكن كانت النتائج محبطة فلم تستطع معظم قرود الشمبانزي أن تحل المشكلة والبغض الآخر حلها بصعوبة كبيرة بعد عدد كبير من التجارب والمحاولات ومع وجود كل وسائل حل المشكلة مرئية وواضحة أمامها.

وبسبب هذه التجربة وردت للكاتب الكثير من التساؤلات أهمها، هل تستطيع الشمبانزي أن تستدعي داخل عقلها عناصر حل المشكلة إذا كانت غير مرئية أمامها مثل قدرة البشر على ذلك؟ والإجابة غير دقيقة ولا معروفة لأنها لا تزال تحت الدراسة، كما ذكر الكاتب التجارب التي أجريت لتفنيد أنواع العقول من العقول البدائية وحتى وصولنا إلى نوع الوعي الذي نتمتع به نحن البشر الذين يستخدمون اللغة، وهذا النوع من العقول فريد جدا وله قدرات كبيرة عن أي نوع آخر، ثم ناقش الكاتب العلاقة بين الألم والمعاناة والوعي، والتمييز بين الألم والمعاناة مثل معظم التمييزات غير العلمية في حياتنا اليومية وهو أمر غير واضح تمامًا، وأنهى الكاتب الكتاب بحشد كبير من الأسئلة كما بدأه تتزاحم في رأس كل من يقرأه.

للمزيد من ملخصات الكتب

ملخص كتاب “تنانين عدن: تأملات عن تطور ذكاء الإنسان” لكارل ساغان

ملخص كتاب “الوعي” لسوزان بلاكمور

اقرأ أيضًا “هل سيعتبر العلم الحديث الفيروسات كائنات حية؟”

كيف تتحدث إلى طفلك عن العنصرية؟

تصاعدت في الأونة الأخيرة أحداث العنف الناتجة عن التمييز العرقي والعنصرية، وأصبح الحديث عن التمييز العرقي والعنصرية بمثابة تحديًا كبيرًا أمام الآباء. فلماذا أصبح من المهم الحديث عن العنصرية؟ وما هو العمر المناسب لإجراء المحادثات معهم حول العنصرية؟ وما هي أفضل النصائح التي يمكن أن تتبعها لإجراء المناقشات الناجحة حول تأثير تلك المشاهد العنصرية على أطفالك؟

إن العنصرية في معناها البسيط هي: التحيز العرقي الذي تدعمه القوة الإجتماعية والمؤسسية. فهو نظام تمييز على أساس العرق، ونظام القهر على أساس العرق.

والعنصرية موضوع معقد. يوثر في حياتنا اليومية وعلى طريقة تفاعلنا مع بعضنا البعض. فينبغي معالجته بطرق تتناسب مع عمر الطفل. فقد لا يدرك الطفل مصطلح العنصرية، لكنه يفهم معني الصواب والخطأ، ويدرك معنى العدل ويميز الظلم.

لماذا من المهم الحديث مع أطفالك عن العرق والعنصرية؟

دائمًا ما يتعرض الأطفال لمواقف تُبرز معنى العنصرية. سواء عبر وسائل التواصل الإجتماعيي أو في الأماكن العامة. وقد يكونو هم من في قلب الموقف أو شاهدين عليه. فيأتي هنا دور التنشئة الإجتماعية والحديث عن الإختلاف العرقي والإختلافات بين الناس على احترامهم وتقديرهم، مما يؤدي إلي بناء التعاطف والرحمة مع الآخرين. فيصبح الأطفال أكثر قدرة على رؤية الأشياء في عالمهم، مما يؤهلهم لفعل شئ حيال ذلك في المستقبل.

ما هو العمر المناسب للحديث عن العنصرية مع الطفل؟

لكن تشيرالأبحاث إلى أنه حتى مرحلة الطفولة، يبدأ الطفل في إظهار التفضيل لبعض ألوان البشرة والوجوه. وأن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 2 أو 3 أعوام، يمكنهم البدء في استخدام العرق لشرح السلوك. ومع تطور اللغة قد يبدأ الأطفال في إبداء الملاحظات أو طرح الأسئلة حول كيفما يبدو الأشخاص حولهم.

فقد يسأل الطفل شيئّا كهذا “لماذا تبدو بشرة هذا الشخص هكذا؟” أو “لماذا يبدو شعره هكذا؟” عندما يبدأ الطفل في طرح أسئلة حول كيف يبدو الناس، استغل فورّا استخدام هذه اللحظات كفرص لإجراء المناقشات معه.

ما هي بعض الإرشادات للحديث عن العرقية والعنصرية؟

تختلف المحادثات عن مثل هذا الموضوع من عائلة إلى أخرى، اعتمادا على العرق، الجنسية، التجارب الشخصية مع العنصرية،.. لكن هناك بعض الطرق والأدوات التي ستساعدك على إجراء محادثات ناجحة مع طفلك حول موضوع العنصرية إليك بعضها:

كن على علم بالتحيزات الخاصة بك

فإن ما ينتبه إليه الأطفال حقًا هو سلوك البالغين، يمكنك التحدث مع طفلك كيفما تشاء بإستمرار. لكن إذا كنت تتصرف بطرق تُظهر إجتنابك للأشخاص ذوي البشرة السمراء فسيلاحظ أطفالك ذلك، وسيقلدون سلوكك بشكل كبير، سيقلدون حتى لغة الجسد الخاصة بك وما يصدر منك تجاه الآخرين.

إنه لأمر مهم جدًا أيضًا للآباء ذوي البشرة البيضاء، فقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال من جميع الأعراق يبدأون في تطوير” تفضيل اللون الأبيض” في سن مبكرة، ويستمرون في التفضيل حتى مرحلة البلوغ. فيتلقى الأطفال ذوي البشرة البيضاء هذه الرسائل حول كونهم مُفضلين ومثاليين، لذلك فهو بمثابة تحديّا كبيرًا للآباء.

استخدم الكتب المصورة

لاحظ ما قد يتعلمه طفلك من خلال القصص المصورة، إذا كانت جميع الشخصيات قي الكتاب تبدو متشابهة، اسأل طفلك عن رأيه في ذلك. وإذا كانت الشخصيات متنوعة، فاسأله شيئًا مثل: ما الشخصة التي تريد أن تكون صديقًا لها؟ ستُصدم بإجاباته لكن حاول ألا تتفاعل مع إجابته، فالهدف هو  فهم ما يعرفه وما لا يعرفه وما قد يفكر به بالفعل. يمكنك بعد ذلك مساعده طفلك على التعلم من خلال طرح المزيد من الأسئلة واعداد نفسك للمزيد من المحادثات في المستقبل.

تدرب على ما تريد قوله قبل أن تقوله

دائمًا ما نواجه صراعًا  كبيرًا عندما يتعلق الأمر بمعالجة العنصرية مع أطفالنا، فالبعض يخشى أن تثير مثل تلك النقاشات الخوف وعدم الراحة بسبب عدم الجاهزية لما قد يسأل عنه الطفل.

لكن يمكنك أن تتغلب على تلك الأزمة بالتحدث مع شخص بالغ آخر أولاً، فيساعدك الأمر على الشعور بالراحة تجاه ما تريد قوله. حاول أن تتخيل أسئلة قد يطرحها طفلك وكن مستعدًا للإجابة.

أسأل طفلك عما يشعر به باستمرار وبشكل مباشر

يبدو الأمر بسيطًا، لكنها خطوة مهمة، خاصةً عند تعرض الأطفال للمواقف والأخبار السيئة. فأحيانًا لا يستطيع الطفل التعبير عما يشعر به، أو إذا ما كان قلقًا بشأن شئ ما. أنت أفضل من يعرف طفلك، فكن على دراية دائمًا بمشاعره، وما إذا كان هناك شيئًا يقلقه أو يخاف منه، أو ما إذا تعرض للأذى.

ستتفاجئ أيضّا أن الأطفال ذوي البشرة السمراء يشعرون بالقلق والخوف على والديهم، حينها يجب على الآباء أن يكونوا صادقين مع أبناءهم والعمل على إقناعهم بأنهم بعيدون عن الأذى، كما أنهم يبذلون ما في وسعهم للإبتعاد عن أي أذى، كما يمكنهم توضيح ما يجب عليهم فعله بشكل صحيح حيال وقوع الأذى.

كيف تجيب على سؤال طفلك “لماذا يحدث كل هذا؟”

باستخدام نشاط بسيط جدًا يمكنك الإجابة على هذا السؤال لطفلك. يمكنك استخدام “بكرة من الخيط” وجعل طفلك يسحب طرفها ويقوم بسحب المزيد من الخيط مع لفه بيديه وجعله متشابكًا بيديه، وهكذا حتى تصبح هناك كرة متشابكة بيد صغيرك، ثم اخبره عن حقيقة العنصرية والقمع والتمييز، وأنها تراكمت لفترة طويلة وتشابكت كالخيط في يديه، وتحدث معه حول الفترة والمجهود التي سيحتاجها لفك تشابك الخيط و”العنصرية”.

اجعل الهدف من محادثاتك مع طفلك غرس الثقة

من خلال القصص والحكايات يستطيع الآباء غرس الثقة في نفوس أطفالهم، لاسيما أصحاب البشرة السمراء، فمن المهم أن يسمعون دائمًا من والديهم ومن المحيطين بهم كم تبدو بشرتهم وملامحهم ونفوسهم جميلة.

ادعم هذه الثقة بإحاطة طفلك في المنزل بالكتب والمجلات والصور والأعمال الفنية والتحف الثقافية التى تبرز جمال وتفضيل أصحاب البشرة السمراء، واسرد لهم حكايات وحدثهم عن القادة والرياضيين من أصحاب البشرة السمراء. سيؤدي ذلك أيضًا إلى تحسين مهارات حل المشكلات وتحسين السلوك في المدرسة، وقدرتهم على تذكر الحقائق والمعلومات لحل المشكلة

ساعد طفلك أن يكون داعمًا

يمكنك بعد ذلك البدء في إجراء محادثات مع طفلك حول كيفية الدفاع عن زملائهم وأصدقائهم في المدرسة مثلاً، اسأل طفلك عما سيفعله إذا رأى شخصيات في قصة ترويها له يستهزأ بها الآخرون، أو يطلقون عليها أسماء قبيحة أو مخيفة بسبب لون بشرتهم، اجعل طفلك يتفاعل مع المشكلة بشكل واضح وصريح، اجعله يرسم صورة أو يكتب عبارة يتفاعل بها مع العنصرية التي تتعرض لها الشخصية في القصة.

أخيرًا، اشرح لطفلك دائمًا أن هناك العديد من الجنسيات والألوان والجماعات. تمامًا كاختلاف ألوان الزهور من حوله واختلاف ألوان وأشكال أقلامه في حافظة أقلامه. فهو ليس صغيرًا أبدًا على التعرض لمثل هذا الموضوع، مقنعًا إياه أنه لا يجب أن نعتقد مجرد اعتقاد أن لونًا أو عرقًا أفضل من الآخر، ولا يجوز أن يعامل الأشخاص بطريقة سيئة بسبب لون البشرة أو الشعر، وأننا جميعًا متساوون ولنا جميعًا نفس الحقوق والاحترام وعلينا نفس الواجبات.

المصادر:

unicef

pbs

kidshealth

قضية موت الفلسفة ومساءلة العلم

قضية موت الفلسفة ومساءلة العلم

لم تعد الفلسفة تشكل رؤية معرفية وحسب في سعينا للوصول إلى الحقائق واليقينيات. فهي صارت رؤيا جمالية في سياق تعاملنا مع ذواتنا ومع أشياء العالم. فهي لا تمثل تراكم معرفي بقدر ما تكون تراثًا روحيًا نحمله معنا كمصدر من مصادر أنفسنا العميقة؛ لذا، فعلاقتنا مع الفلسفة تحمل مفارقة عجيبة، فرغم أن الفلسفة غالبًا ما تشير إلى ما هو عصي على القراءة، سرديات فيها الكثير من الالتباس، مقولات تحيل واقعنا الحسي إلى أفق مجرد ومثالي ولغة بالكاد تفهم، إلا أننا نشعر بأن الفلسفة هي من تصون ذواتنا وعلاقاتنا.
الحديث عن موت الفلسفة لا يشبه الحديث عن الميتات التي جاءت بها الحداثة وما بعد الحداثة كموت الإله أو موت المؤلف أو موت الناقد. ففي هذا المقال سنسلط الضوء على مبررات هوكنغ وتايسون وكراوس وغيرهم من العلماء الذين ادعوا بأن الفلسفة ميتة وغير نافعة في عالمنا الذي يتقدم فيه العلم، كما سنبين الرؤى المدافعة عن الفلسفة والقضايا التي يمكن للفلسفة وحدها طرحها ومناقشتها.

حول ماهية الفلسفة والعلم وحدودهما:

بعض الفلسفات نفت وجود عقل مجرد وبعضها ركزت على الحدس وأخرى وثقت بإمكانية الحواس في الوصول إلى الحقيقة وأخرى لجأت إلى التجربة في مساعيها المعرفية. رغم ذلك، الفلسفة هي شيء والعلم شيء آخر، لكل منهما أدواته وطرقه ومنهجيته. يمكن تعريف الفلسفة على أنها استخدام العقل المجرد لفهم الأشياء مثل طبيعة العالم والوجود (1). في حين أن العلم هو الدراسة الدقيقة لبنية وسلوك العالم المادي من خلال الملاحظة والقياس والتجربة وتطوير النظريات لوصف نتائج هذه الأنشطة(2) . لكن هذا التحديد المفاهيمي يتلاشى في الكثير من النقاط التي تتداخل فيها الفلسفة مع العلم أو العكس. من السهل أن نقول بأن إسهامات فيثاغورس وديكارت وباسكال في علم الرياضيات كانت علمية بحتة. لكن كيف يمكن تحديد هوية الانشغال الفلسفي – الإغريقي على سبيل الذكر- في قضايا علمية، مثل طبيعة العالم، أصل الحياة، بنية المادة، المسائل الاجتماعية والنفسانية؟ هناك من الفلاسفة (أنكسيماندر مثلا) من قالوا بأن الكائنات انحدرت من أصل واحد، ومنهم من قال أن الموجودات تتكون من ذرات مثل ديمقريطس، وهناك من ذهب ليقول بأن النجوم هي عبارة عن شموس تدور حولها كواكب كالارض وعليها حضارات. ومن جانب آخر، هل يمكن أن نسلم بسهولة بأن كل ما يكتبه العلماء هو بالضرورة علم؟ ثمة علماء ناقشوا مسائل أخلاقية، اجتماعية، ثقافية وسياسية دون الاعتماد على التجربة والقياس. يرى لورانس كراوس بأن انشغال الفلاسفة في القضايا الفيزيائية هو علم ولا قيمة أو تأثير للفلسفة في التطور العلمي الحالي(3). بينما الفيزيائي الشهير فيكتور ستينجر قبل فترة وجيزة من وفاته، قال بأنه عندما يتحدث علماء الفيزياء حول الكون فأنهم يشاركون في تقليد فلسفي عظيم يعود لآلاف السنين؛ فلا مفر من أن الفيزيائيين هم أيضا فلاسفة (4). والفيلسوف كارل ياسبرس يؤكد على استقلالية كل من الفلسفة والعلم، غير أنه لا يرى في تلك الاستقلالية نوع من الانفراد والانفصال التام، فثمة علاقة جوهرية بين العلم والفلسفة، إذ يقول بأن طريق العلم لا غنى عنه للفلسفة، لأن وحدها المعرفة بهذا الطريق تمنع الفلسفة من تقديم ادعاءات غير سليمة وذاتية لفهم الواقع وفي الجانب الآخر فإن الوضوح الفلسفي لا غنى عنه لحياة ونقاء العلم الحقيقي ولا يستطيع العلم أن يفهم نفسه من دون الفلسفة(5).

العلم وموت الفلسفة:

يقول ستيفن هوكنغ في مقدمة كتاب التصميم العظيم بالنص: الفلسفة ماتت ولم تحافظ على صمودها أمام تطورات العلم الحديثة، وخصوصًا في مجال الفيزياء. وأضحى العلماء هم من يحملون مصابيح الاكتشاف في رحلة التنقيب وراء المعرفة (6). ما قاله هوكنغ فتح جبهة ربما كانت متوقعة بين العلم والفلسفة. وصف الفيلسوف جوليان باجيني هذه المزاعم بأنها طموحات العلم الامبريالية، فثمة هناك قضايا تمس الوجود الإنساني لا شأن للعلم بها(4). في حين يأتي لورانس كراوس ليعلق على هذا التوتر بين الفلسفة والعلم ويقول بأنه من الطبيعي أن يشعر المهتمين بالشأن الفلسفي بالتهديد ولهم كل الحق في أن يشعروا بالتهديد طالما العلم وحده يتقدم، ويؤكد بأنه في النهاية المصدر الوحيد للحقائق هو الاكتشاف العلمي(4). سارا كل من نيل ديغراس تايسون والحاصل على جائزة نوبل ستيفن وينبرغ على خطى هوكنغ وكراوس، فيقول الأول بان العلم يمضي قدمًا وتبقى الفلسفة غارقة وعديمة الفائدة، فهي ميتة بالفعل، ويزعم الثاني بأن الفلسفة غير فعالة بشكل غير معقول(4).

ما يمكن للفلسفة وحدها أن تقوله:

انزل سقراط الفلسفة من السماء إلى الأرض – على حد تعبير شيشرون- بعد أن وضع الذات الإنسانية في مرمى السؤال الفلسفي. بمجرد أن قال سقراط “اعرف نفسك” صارت هذه النفس أو الذات مسألة لا تقل غموضا عن أصل العالم، المسألة التي فجرتها الفلسفة الطبيعية. ربما، الأسئلة البدائية وجدت لنفسها من يطرحها في عالمنا اليوم، لكن هل إعادة التفلسف إلى السماء عبر التلسكوب، تشكل تهديدًا على السؤال السقراطي القديم؟ إذا ما توقفنا قليلًا عند حجة هوكنغ، نلاحظ بأنه لا ينظر إلى الفلسفة أكثر من مجرد أسئلة طرحها بعض الفلاسفة قبل أكثر من ألفي عام حول طبيعة العالم المادي وأصله، وبالتالي فالفيزياء لا تحتاج إلى صحبة الفلسفة في إيجاد الأجوبة. لكن ثمة سؤال يلوح في الأفق، حتى ودون أن يعلن هوكنغ موت الفلسفة. ماذا بإمكان الفلسفة وحدها أن تقوله اليوم؟

الواقع:

اعتبر أفلاطون عالم الصيرورة أي عالمنا المحسوس ما هو إلا ظل عالم حقيقي، وكل ما هو موجود نسخة غير أصلية من المثل. في حين زعم الواقعيون بأن العالم المحسوس هو العالم الوحيد الحقيقي وللأشياء وجود مستقل عنا والصورة التي نكونها عنها تعبر تماماً عن ماهيتها، هذا بالنسبة للفلسفة. أما بالنسبة للعلم فهناك طروح في غاية الغرابة، فبحسب المبدأ الهولوغرافي فإن عالمنا رباعي الأبعاد مجرد ظلال على حدود زمكان أكبر وخماسي الأبعاد. كما أن هوكنغ نفسه يفلسف هذه المسألة في فصل “ما الواقع” من كتابه التصميم العظيم ويجد بأنه يمكن معرفة الواقع وما هو عليه الوجود من خلال الواقعية المعتمدة على النموذج. مع أن هوكنغ لا يستخدم العقل وحده في تفسير الواقع، لكنه مع ذلك يتفلسف في هذا الشأن، لأن البحث في ماهية الواقع ولو في سياق علمي يعد مشاركة في التراث الفلسفي بالنسبة لإشكال الماهية.

علاقتنا بالعالم:

قبل فترة وجيزة من وفاته خرج هوكنغ بتصريحات خطيرة ومرعبة حول مصير الأرض، وحذر العالم من نهاية وشيكة للحضارة البشرية وذلك بسبب الحروب النووية والتغير المناخي وتطور الذكاء الاصطناعي. أن هذه التصريحات فيها دعوة إلى التفلسف؛ طالما أن العلم ليس لديه ما يقوله بشأن تلك الكوارث. فالحرب والتسبب بالتغير المناخي والقلق بشأن الذكاء الاصطناعي تعد من الإشكالات الأخلاقية وبالتالي الفلسفية. يدعو الفيلسوف لوتشيانو فلوريدي إلى إعادة النظر في مهمة الفلسفة، فهو ينتقد الحركة الفلسفية الحالية لانشغالها عن العالم الرقمي والانصراف في مناقشة قضايا لا تمت إلى العالم بصلة، ويؤكد على ضرورة إعادة تأويل انطولوجيا الأشياء والبحث في قضايا تخص العالم الرقمي وضمن شروطه(7). ما يمكننا استنتاجه مما قاله هوكنغ، هو أن العالم موجه نحو كوارث حقيقية وما نستنتجه مما يقوله فلوريدي هو أن مهمة الفلسفة هي منع وقوع تلك الكوارث من خلال تقديم تفسير جديد للعالم؛ فكل كارثة تعبر عن نوع العلاقة التي تربطنا بالعالم، وهذه العلاقة تُفسر وتُصحح فلسفيًا لا علميًا. إذ، يمكن للفلسفة تحشيد الجهود في زيادة التفاهم المتبادل في المجتمع لمعالجة القضايا المشتركة ذات أهمية سواء في التعليم أو السياسة أو البيئة(8).

ثالوث المعنى والقيمة والحقيقة بين الفلسفة والعلم:

نجد بأن الكثير من العلماء يدافعون عن المثلية الجنسية، ومنهم من يرفع شعارات حقوق المرأةً، فضلا عن دفاعهم عن الحريات. فكيف لهذه المسائل أن تكون ذات معنى في حدود العلم؟ القيمة التي نضيفها على الأشياء حتى وإن كانت لها أبعاد منفعية فهي تخرج عن كل سياق علمي بل وعليه أيضًا. ثمة أسئلة كثيرة نواجهها اليوم وهي تشكل أهم أركان العالم المدني المعولم. متى يكون القتل الرحيم أمرًا صحيحًا؟ ما هي الحقوق العالمية التي يجب أن يتمتع بها البشر؟ هل للحيوانات حقوق؟ هذه الأسئلة مهمة، لكن لا يستطيع البحث العلمي تقديم جواب علمي صِرف، يمكن للعلم أن يساعدنا في التعرف على الأمراض المزمنة وتاريخ حقوق الإنسان والحيوان، وهذه المعرفة من شأنها أن تكون مصدر إلهام لآرائنا وقراراتنا، لكن العلم نفسه لا يستطيع أن يصدر أي أحكام حول ما إذا كانت هذه الحالات صحيحة أم خاطئة (8)، فهي تدخل في مجال فلسفة الأخلاق. وثمة الكثير من القضايا الأخرى التي لا يستطيع العلم مناقشتها مثل الحكم الجمالي والهدف من الحياة ومعنى أن نكون ونحيا.

خلاصة:

التقدم العلمي على مر العصور لم يقتصر على تقديم صورة واضحة ودقيقة لأول مرة في تاريخنا عن العالم وعن أنفسنا، بل أثر حتى في الجانب الروحي والوجداني والأخلاقي ولو بشكل غير مباشر؛ فنظرية التطور مثلًا، دفعتنا لأن نعيد طرح السؤال السقراطي – اعرف نفسك – في سياق جديد. كما أن علم الكونيات قدم مواد ومواضيع جمالية ألهمت الكثير من الأدباء. في الطرف الآخر، نحن البشر كائنات تتفلسف غريزيًا، إذ، نطرح من تلقاء أنفسنا اسئلة حول معنى حياتنا وحقيقة الأشياء وقيمتها. ربما لا تستطيع الفلسفة أن تكتشف كواكب أخرى صالحة للحياة ولا شأن لها في إيجاد لقاح ضد فايروس كورونا، لكنها بالفعل مسؤولة عن تفسير حياتنا وتقلباتها وأزماتها في ظل جائحة كورونا على سبيل الذكر. وإذا ما اردنا أن ندرك حقيقة حاجتنا للفلسفة من الضروري أن نطرح بعض الاسئلة ونتأملها، على سبيل المثال، في ظل التقدم العلمي السريع على كافة مستوياته لماذا تفاقمت أزماتنا ومشاكلنا، سواء كانت على الصعيد الفردي أو الجماعي؟

المصادر:


1- https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/philosophy
2- https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/science
3- https://www.scientificamerican.com/article/the-consolation-of-philos/
4- https://www.scientificamerican.com/article/physicists-are-philosophers-too/
5- http://inters.org/jaspers-philosophy-existence
6- Hawking, Stephen. The Grand Design. P10
7- https://valenzine.medium.com/luciano-floridi-philosophy-439cd5014235
8- https://www.nature.com/articles/s41599-018-0163-z
9- https://undsci.berkeley.edu/article/0_0_0/whatisscience_12

ما هو التحنيط الذاتي ؟

ما هو التحنيط الذاتي ؟

اشتُهر كاهن ياباني يُدعى كوكاي بممارسة كانت تهدف إلى إظهار الانضباط الديني والتفاني وهي “تحنيط الذات”. وذلك منذ أكثر من 1000عام، عُرفت هذه الممارسة باسم “سوكوشين بوتسو”، وتبلغ ذروتها في الموت والحفاظ الكامل على الجسم. وفي حال نجاح التحنيط الذاتي كانت مومياء الراهب توضع في معبد ليراه الآخرون ويكرموه.

كان كوكاي (774م – 835 م) راهبًا يابانيًا وباحثًا وشاعرًا وفنانًا ومؤسسًا لطائفة باطنية اسمها شينغون_Shingon، والتي جمعت عناصر من البوذية والشنتو القديمة والطاوية وديانات أخرى. مارس مع أتباعه الشوجيندو_ Shugendo. وهي فلسفة تقوم على تحقيق القوة الروحية من خلال الانضباط وإنكار الذات.

ذهب كوكاي في نهاية حياته إلى حالة من التأمل العميق وانقطع عن الطعام والماء، مما أدى في النهاية إلى وفاته الطوعية. ثم دفنه أتباعه على جبل كويا في محافظة واكاياما. وفيما بعد فُتِحَت المقبرة وعُثر على كوكاي، المعروف بعد وفاته باسم كوبو دايشي، وكأنه نائم، وبشرته لم تتغير وشعره سليم وقوي.

تطورت عملية التحنيط الذاتي منذ ذلك الوقت، حيث مارسها عدد من أتباع طائفة شينغون المتفانين. لم ينظروا إلى لتحنيط الذاتي على أنه عمل انتحاري، بل كشكل من أشكال التنوير.

مراحل التحنيط الذاتي:

التحنيط الذاتي هي عملية يقوم بها الرهبان خلال عدة سنوات من الطقوس القاسية لتحنيط أنفسهم حتى الموت. ويمر الراهب خلال تحنيط جسده بعدة مراحل هي:

المرحلة الأولى:

يتوقف الرهبان خلال الألف يوم الأولى عن تناول جميع أنواع الطعام باستثناء المكسرات والبذور والفاكهة والتوت، وينخرطون في نشاط بدني مكثف ليتخلصوا من جميع الدهون في الجسم.

كوكاي يتأمل حتى وفاته على جبل كويا

المرحلة الثانية:

في الألف يوم التالية يقتصر نظامهم الغذائي على اللحاء والجذور. وقبل نهاية هذه الفترة كانوا يشربون شايًا سامًا من شجرة الأوروشي؛ التي تسبب القيء وفقدانًا سريعًا لسوائل الجسم. كما أنها تعمل كمواد حافظة وتقتل اليرقات والبكتيريا التي تسبب تحلل الجسم بعد الموت.

المرحلة الثالثة:

يبقى الراهب في قبر حجري بالكاد يتسع لجسده بعد أكثر من ست سنوات من الإستعداد، ويتنفس مستخدماً أنبوباً صغيراً وجالساً في وضعية اللوتس، ويستمر في حالة التأمل حتى الموت.

راهب نجح بتحنيط نفسه

كان الراهب يقرع في كل يوم خلال عزلته في القبر جرسًا لينبه الأشخاص في الخارج أنه لايزال على قيد الحياة، وعندما يتوقف الجرس عن الرنين، يقوم الأتباع بإزالة الأنبوب، ويختمون القبر لمدة ألف يوم تمثل نهاية هذا الطقس.

راهب من معبد دينيتشي بو على جبل يودونو المقدس

في نهاية الفترة يتم فتح القبر لمعرفة إن كان الراهب قد نجح في تحنيط نفسه. إذا وجدت الجثة بحالة حفظ جيدة يتم رفع الراهب لمنزلة بوذا. ويوضع جثمانه في معبد، أما إذا كانت الجثة قد تحللت، يتم إقفال القبر على الراهب واحترامه لتحمله.

أهم النماذج عن التحنيط الذاتي:

  • مومياء محنطة ذاتياً داخل تمثال بوذا

كشفت دراسة لتمثال بوذا أنه يحتوي على بقايا محفوظة جيدًا لراهب بوذي توفي في حوالي عام 1100 بعد الميلاد. وقد أجريت هذه الدراسة في مركز Meander الطبي، تحت إشراف Erik Bruijin وهو خبير في الفن والثقافة البوذية، وساعده في الدراسة طبيب مختص بأمراض المعدة والأمعاء، وأخصائي أشعة قام بإجراء الأشعة المقطعية والتنظير.

تمثال بوذا خلال فحصه بالأشعة المقطعية

يعتقد الباحثون أن الراهب هو سيد صيني، من مدرسة التأمل الصينية، ولكن لم يتم العثور على أدلة تساعد في تحديد هويته. وقد تم استخدام منظار مصنوع خصيصاً لدراسة المومياء، وتم فحص البطن والصدر وعينات من العظم لاختبار الحمض النووي.

يقترح الباحثون أن هذه المومياء تقدم مثالاً عن “التحنيط الذاتي” حيث يقوم الرهبان خلال سنوات قاسية بتحنيط أنفسهم حتى الموت.

الباحثون يفحصون التمثال من الداخل
  • Shinnyokai Shonin من معبد Dainichi-Boo على جبل Yudono المقدس.
  • يتوجد مومياوات أخرى في معبد Nangakuji في ضواحي Tsuruoka ، وفي معبد Kaikokuji في في Sakata.

يعتقد الباحثون أن عدة مئات من الرهبان حاولوا ممارسة التحنيط الذاتي. ولكن من المعروف أن 28 منهم فقط قاموا بالتحنيط، ويمكن زيارة العديد منهم في معابد مختلفة في اليابان.

استمرت هذه الممارسة القديمة لتحنيط الذات حتى القرن التاسع عشر عندما تم حظرها من قبل الحكومة اليابانية. في وقتنا الحالي لا تمارس أي طائفة بوذية التحنيط الذاتي.

المصادر:

1- irisaharchaeology
2- Ancient Origins
3- Ancient Origins

القراءة بصوت عالٍ تُعزز الذاكرة طويلة المدى

غالبًا ما ينسى المرء موعدًا على الرغم من كتابة التاريخ في التقويم، ولكن يتم تذكر الموعد إذا ذكره أحد الزوجين أو أحد الأصدقاء عن غير قصد.
كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة القوية للذاكرة، والتي لوحظت في المختبر والحياة اليومية على حدٍ سواء؟ في هذت المقال سنعرف ما سبب أن القراءة بصوت عالٍ تُعزز الذاكرة طويلة المدى!

أُجريت دراسة حديثة لـ Waterloo أطلق عليها العلماء اسم «تأثير الإنتاج-production effect»، والتي اختبرت أربع طرق لتعلم المعلومات المكتوبة، بما في ذلك القراءة بصمت، وسماع شخص آخر يقرأ، والاستماع إلى تسجيل للقراءة الذاتية، والقراءة بصوت عالٍ.
فيما بعد توصلت الدراسة التي أجريت على 95 مشاركًا إلى أن الفعل المزدوج للتحدث والاستماع إلى الذات أثناء الدراسة هو الذي له التأثير الأكثر فائدة على الذاكرة.

الدراسة بواسطة تأثير الإنتاج؟

لعل السؤال الذي راودك الأن ما الذي تقصده بتأثير الإنتاج، إليك ملخص سريع.
يصف تأثير الإنتاج كيف أن القيام بشيء ما حيال شيء ترغب في تذكره يساعد في زيادة فرص ترسيخه في الذاكرة طويلة المدى.
بمعنى أخر، إذا أنتجت شيئًا ما من المعلومات الجديدة على الفور، فإنه لا يقلل فقط من عوامل التشتيت المتداخلة ولكنه أيضًا يقوي التشفير ويسرع تكوين الذاكرة طويلة المدى.

أهم أنشطة الإنتاج!

قد تشمل أنشطة الإنتاج الشائعة استخدام المعلومات الجديدة بطريقة جديدة، لتطبيقها في نوع من النشاط، مثل حل مشكلة، أو الاستماع إلى نفس المعلومات في نفس الوقت الذي تقرأ فيه أو النظر إليه، أيضًا قد تكون طريقة الإنتاج الأكثر شيوعًا هي تدوين الملاحظات المكتوبة بخط اليد أثناء تقديم المعلومات الجديدة.

رأي العلماء!

كولين إم ماكليود، أستاذ ورئيس قسم علم النفس في واترلو، والذي شارك في تأليف الدراسة مع المؤلف الرئيسي، نوح فوررين، قال: “هذه الدراسة تؤكد أن التعلم والذاكرة يستفيدان من المشاركة النشطة، عندما نضيف مقياسًا نشطًا أو عنصر إنتاج إلى كلمة، تصبح هذه الكلمة أكثر تميزًا في الذاكرة طويلة المدى، وبالتالي تكون أكثر قابلية للتذكر.”

المصادر:

innerdrive
sciencedaily
webmd

اقرأ المزيد حول: ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل

لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

هذه المقالة هي الجزء 14 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟ هل تسائلت يومًا ما الذي يجمعنا كلنا كبشر؟ جميعنا نختبر نفس المشاعر ونستخدم نفس أدوات التواصل وندرك العالم من حولنا بنفس الطريقة. لكن هل تسائلت يومًا ما الذي يميز بيننا كبشر؟ ما الذي يجعلني في هذه اللحظة تحديدًا سعيدة بينما أنت حزين وآخر لا يشعر شيئًا؟ كيف نفسر هذه الفروقات الفردية؟ والأهم من ذلك كيف نفسر الفروقات الجماعية؟ ما الذي يجعل طائفة من البشر أكثر انفتاحًا أو ذكاءًا أو تطرفًا من غيرها؟ هذا ما سنناقشه في مقال اليوم.

عاملي الاختلاف بين البشر

يمكننا حصر جميع الاختلافات بين البشر في كل أنحاء العالم في عاملين، وهما: الشخصية والذكاء. شخصيتك ومعدل ذكائك هما ما يحددا موقفك من العالم وموقف العالم منك. بمعنى أن الطريقة التي يراك بها الآخرون وكذلك الطريقة التي ترى بها الآخرين تندرج تحت بند الشخصية، وهي سماتك المحددة والثابتة -إلى حد ما- التي تحملها معك طوال الوقت.

أما معدل الذكاء فيرتبط ارتباطًا وثيقًا بأدائك التعليمي والمهني وحتى الاجتماعي والاقتصادي. وهو أمر نختلف فيه جميعًا كأفراد وجماعات.

والآن بما أننا بتنا نعرف ما الذي نختلف فيه، كيف يمكننا تفسير هذه الاختلافات؟

طبيعي أم مكتسب؟

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟

تقتضي العادة عند إجابة أي سؤال يبحث في أصل الظواهر الانسانية تحديد أي جوانب هذه الظاهرة طبيعي/وراثي/جيني وأيها مكتسب/بيئي/تربوي؟

لم يحد العلماء عن هذا المنهج عند تفسيرهم الاختلافات الشخصية واختلافات معدل الذكاء بين البشر، وحصروا أسباب الاختلاف في نقطتين:

  • الجينات/ الوراثة

يجب توضيح نقطة هامة عند الحديث عن الجينات، وهي الفارق بين دور الجينات في تفسير الاختلافات بين البشر وتفسير صفاتهم، بمعنى أننا سنتحدث عن الاختلافات الناتجة من اختلاف الجينات، وليس دور كل جين في تكوين صفة محددة. ويشبه ذلك طرح السؤال: ما هو دور الجينات في اختلاف أطوال البشر؟ وهنا يمكننا قول أن الاختلافات الجينية تجعل طولي مختلفًا عنك وعن قاريء آخر. لكن عندما نقول: ما هو دور الجينات في تحديد طولك؟ هنا نتحدث عن دور الجينات في تكوين صفة محددة.

  • البيئة/ التجربة

ينبغى الفصل بين نوعين من البيئة عند الحديث عن الاختلافات بين البشر، وهما: البيئة المشتركة والبيئة غير المشتركة.

تعني البيئة المشتركة الاختلافات الناتجة عن الظواهر والأحداث التي يتعرض لها/ يتشاركها أفراد العائلة الواحدة.

مثال: تعيش أنت واخوتك في بيت واحد مع أب غير سوي، ونتيجة لذلك فأنت مصاب بداء القلق. (تشاركك أنت واخوتك نفس ظروف المعيشة جزء من البيئة المشتركة)

أما البيئة غير المشتركة فتشمل كل ما هو ليس وراثيًا، وليس بيئة مشتركة.

مثال: لقد انزلقت ووقعت على رأسك حينما كنت صغيرًا ونتيجة لذلك فأنت مصاب بداء القلق. (هذا ليس بالضرورة ما حدث لاخوتك وهذه هي البيئة غير المشتركة)

السؤال هنا الآن: حينما يأتي الأمر إلى الشخصية والذكاء، كيف نفصل بين ما هو وراثي وما هو بيئي؟

حل مبتكر!

حينما يأتي الأمر إلى الشخصية والذكاء، كيف نفصل بين ما هو وراثي وما هو بيئي؟

والإجابة واقعيًا: يصعب علينا كثيرًا الفصل بين ما هو جيني وغير جيني.

على سبيل المثال: أنا مختلفة عنك، والسبب أنني لا أتشارك معك نفس الجينات، كما أنني ولدت لوالدين مختلفين ونشأت في بيئة مختلفة. ولا نستطيع الفصل أيهما سبب اختلافي عنك.

شكل هذا السؤال عائقًا أمام العلماء، وتوجب عليهم التفكير في حلول مبتكرة للإجابة عنه، أحد هذه الحلول هو استغلال الحقائق الخاصة بالجينات ووضع بعض الفرضيات بناءًا عليها ثم اختبارها. هذه الحقائق هي:

  • التوائم أحادية الزيجوت تتشارك 100% من الجينات.
  • الأخوة العاديين وكذلك التوائم ثنائية الزيجوت تتشارك 50% من الجينات.
  • الأطفال المتبنون واخوتهم يتشاركون 0% من الجينات.

وتتشارك الحالات الثلاثة 100% من البيئة المشتركة، بمعنى أنهم ينشأون في بيت واحد. وجاءت الفرضيات كالتالي:

  • عند ظهور تشابه أكبر في الشخصية ومعدل الذكاء بين التوائم أحادية الزيجوت أكثر من الثنائية، يدلنا على دور أكبر للجينات.
  • عندما يتساوى معدل التشابه بين التوائم أحادية وثنائية الزيجوت، يدلنا أن دور الجينات ليس مهمًا كثيرًا ( لأن 50% الإضافية من التشابه الجيني لم تحدث فرقًا)
  • عند ظهور تشابه بين الأطفال المتبنين واخوانهم، يدل ذلك على أهمية البيئة المشتركة.

لكن المعيار الذهبي الذي وضعه العلماء لاختبار دور الجينات والبيئة في تحديد الاختلافات في الشخصية والذكاء هو: التوائم المتماثلة مختلفة النشأة. يتشارك هؤلاء الأشخاص 100% من جيناتهم و0% من البيئة المشتركة.

دور الجينات والبيئة في تفسير الاختلاف

توصل العلماء باستخدام هذه الفرضيات واختبارها إلى اكتشافين مذهلين في علم الجينات السلوكي.

أولًا: تتمتع أغلب الصفات الشخصية بدرجة عالية من التوريثية.

تأثير الجينات قوي على كل الصفات، ابتداءًا بمعدل الذكاء والشخصية وانتهاءًا بمدى سعادتك أو تدينك أو حتى ميولك السياسية. أقر العلماء هذا الأمر بناءًا على عدد من الاكتشافات المثيرة للاهتمام، أولها ما ذكرناه عن التوائم المتماثلة مختلفة النشأة.

وجد العلماء أن التوائم المتماثلة الذين لم ينشأوا معًا في نفس البيت متشابهين في كثير من الصفات، فوجدوا لديهم نفس الآراء تجاه عقوبة الإعدام والدين والموسيقى الحديثة. كما وجدوا تشابهًا سلوكيًا مثل: معدلات انخراط هؤلاء الأشخاص في الجريمة، أو لعب القمار، أو حتى الطلاق.

وهنا يمكننا القول أن للجينات دور كبير في الاختلافات الفردية بين البشر، لكن ماذا الاختلافات بين المجموعات البشرية، ما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟

دعونا نبدأ الإجابة بالإشارة إلى دراسات تثبت وجود اختلافات في معدل الذكاء بين المجموعات العرقية المختلفة. كذلك دراسات تثبت وجود فروق جينية بين هذه المجموعات، فنجد أحدها أكثر عرضة للإصابة بمرض ما مثلًا أكثر من غيرها. والسؤال هنا هل يمكننا بناءًا على هذه الدراسات استنتاج أن الفروق بين الجماعات ذات أصل جيني؟

الإجابة لا. أثبت العلم أن الاختلافات الجينية (بين الأفراد) لا تلعب دورًا في تشكيل الاختلافات بين الجماعات. ولفهم ذلك بشكل أوضح تأمل هذا المثال: ستزرع قطعتين من الأرض بنفس بذور القمح، أحد الحقلين ستعتني به وتخصبه بسماد جيد، والآخر ستهمله. ستجد أن جودة نمو البذور في كلا الحقلين يرتبط بجيناتها (هذه بذرة ذات صفات جيدة فستنمو سواء اهتممت بها أم لا وتلك سيئة لن تنمو بنفس الجودة) لكن الاختلاف بين الحقلين بشكل عام ليس جيني على الإطلاق، وإنما بيئي يرتبط بمدى اهتمامك بكل منهما.

وهذا هو ما اكتشفه العلماء، فوجدوا أن الاختلافات بين المجموعات البشرية تعزى إلى البيئة وليس الجينات، لأن انتمائك لأحد هذه الجماعات قرار اجتماعي لا سلوك جيني. وهاك بعض الأدلة على ذلك:

أدلة على الأصل البيئي للاختلافات بين المجموعات البشرية

  • ترتبط الاختلافات في معدلات الذكاء بشكل أكبر بالمجموعات المصنفة اجتماعيًا (تتشابه في السلوك والآراء وطريقة العيش) وليس المجموعات المصنفة جينيًا (تتشابه في الحمض النووي).
  • يؤكد العلم امكانية تغير معدلات الذكاء بشكل جذري دون أي تغير جيني. (تأثير فلين)

ثانيًا: تلعب البيئة غير المشتركة دورًا أهم مما نعتقد، فيمكننا عزو كل اختلاف غير جيني إليها!

وجد العلماء أن الارتباط بين معدلات الذكاء لأشخاص بالغين غير مرتبطين جينيًا نشأوا في بيئة مشتركة هو صفر. بمعنى أن التشابه بين الطفل المتبني واخوته (المختلفين جينيًا ويتشاركون نفس البيئة) لا يختلف عن التشابه بينه وبين أي طفل من خارج الأسرة.

تطبيقات هذا الاكتشاف تحديدًا مثيرة للجدل لأنها تقدم رؤية جديدة لعلاقة الآباء والأبناء، فمن المتفق عليه أن أي فعل يقوم به الآباء يؤثر على أبنائهم لهذا يبذل الآباء مجهودًا مضاعفًا ليكونوا قدوة حسنة. لكن ربما ليست هذه الحقيقة كاملة.

يتشابه الآباء والأبناء إلى حد كبير، لا ينكر أحد هذه الحقيقة، وربما تتشارك أغلب صفاتك التي تتمتع بها الآن مع والديك. لكن سبب ذلك ليس بالضرورة تأثير آبائك عليك، بل يقدم لنا العلم تفسيرات جديدة:

  • سبب تشابهك أنت ووالديك هو تشارككم نفس الجينات، فأنت تحمل 50% من جيناتهم وبالتالي ترث منهم بعض الصفات
  • ربما الأمر معكوس، الأبناء هم أصحاب التأثير على آبائهم وليس العكس.

هذا التفسير صادم بالفعل ومثير للجدل، لأنه يهدم اعتقادات نفسية راسخة (أنا شخص سعيد لأن والداي أحسنوا تربيتي أو أنا شخص تعس لأن والداي أهملوني). والاستنتاج الذي يقدمه لنا هذا التفسير أنه لا فرق! لن يختلف الأمر كثيرًا إذا نشأت في بيئة صحية أو غير صحية، لأن تأثير البيئة المشتركة في خلق الاختلافات بين البشر ضئيل مقارنة بالبيئة غير المشتركة.

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟

وبهذا نصل إلى نهاية الحديث، بعد أن طرحنا أغلب الإجابات والتفسيرات الممكنة لسؤال الاختلافات بين البشر -أفرادًا كانوا أو جماعات- واستعرضنا تفاصيل كل من الجينات والبيئة والدور الذي تلعباه في تكوين هذه الاختلافات. كذلك الجدل والصدام الناتج عن بعض اكتشافات علم الجينات السلوكي، التي لا يسعك -مهما كان موقفك منها- إلا الانبهار بها وبالعلم وتطوره!

اقرأ أيضًا: الشخصية والذكاء أصل اختلافنا نحن البشر!

المصادر

yalecourses

ما هي اللانهاية؟ وكيف أسهم جورج كانتور وجاليليو في اللانهايات؟

ما هي اللانهاية؟ وكيف أسهم جورج كانتور وجاليليو في اللانهايات؟

يكشف تاريخ اللانهاية الستار عن العقل الفضولي للإنسان. كيف فكرنا في هذه الفكرة لآلاف السنين ولسنا قريبين من الإجابة الآن كما كنا منذ آلاف السنين؟ ومع ذلك، ما زلنا مفتونين بفكرة ورمزية اللانهاية.

 لطالما عُومل مفهوم اللانهاية بمزيجٍ من الرهبة والإبهار بل ساوى البعض بينه وبين الألوهية ويرى آخرون أنه مفهوم ليس له قيمة عملية في العالم الحقيقي، بحجة أنه حتى الرياضيات التي تعتمد على ما يبدو على اللانهاية مثل حساب التفاضل والتكامل يمكن جعلها تعمل باللجوء إلى كميات لا تنضب ولكنها محدودة. لم يبد الإغريق القدماء ارتياحًا لهذا المفهوم بل أطلقوا عليه اسم «أبيرون-Apeiron»، الذي يحمل نفس النوع من الدلالات السلبية التي نطبقها الآن على كلمة الفوضى. كان “الأبيرون” مفهومًا خارج نطاق السيطرة، وحشي وخطير.

يحمل رمز اللانهاية معنى عميقًا للروحانية والحب والجمال والقوة، ففي بلاد الهند القديمة والتبت، مثّلت اللانهايةُ الازدواجيةَ والوحدة بين الذكر والأنثى. عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الحميمية، لا يتوانى الشعراء والأدباء في وصف شعورهم نحو محبوباتهم بأنه أبديٌ سرمديٌ، بل نحن الأناس العاديون والذي لا يمتلك معظمنا ذائقة أدبية، نود أن نصدق أن الحب بين الرجل والمرأة لا حدود له.  أدى هذا القياس الجميل إلى ظهور هدايا مثل الأساور والأقراط والساعات وغيرها من المجوهرات التي تحمل رمز اللانهاية وغالبًا ما يرتدي الأزواج هذه القطع كتمثيل مادي لروحين مرتبطين بالحب الأبدي. في هذا المقال سنمضي معًا في جولة تاريخية لنعرف المعنى العميق لمفهوم اللانهاية في الرياضيات وكيف تطور هذا المفهوم عبر القرون الماضية وسنتعرف عن إسهامات أرسطو وجاليليو وكانتور في مجال اللانهايات.

سوار زينة على شكل رمز اللانهاية منقوش عليه عبارة ” لربما نلتقي مجددًا”، العبارة المشهورة من مسلسل The 100

ما هي اللا نهاية؟

تعرف اللا نهاية ببساطة بأنها الشيء اللا محدود وغير قابل للعد. نحمل جميعنا فكرة عن ماهية اللا نهاية، فهي صفة للأشياء غير المنتهية، كون لا نهائي، أو قائمة لا نهائية، كمجموعة الأعداد الطبيعية 1، 2، 3، 4، … فمهما استمريت بالعدّ، فلن تصل للنهاية أبدًا، كما أنه من المستحيل أن تصل إلى نهاية الكون حتى لو سافرت بواسطة أسرع مركبة

فضائية، وهذا النوع من اللا نهايات هو ما سمّاه العالم الرياضي الإغريقي «أرسطو-Aristotle» باللانهاية الممكنة: هذه النهاية موجودة فعلًا، لكن من المستحيل أن تصل إليها.   صنّف أرسطو نوعاً آخر من اللانهايات يُسمى باللانهاية الفعلية والتي تصف الأشياء التي باستطاعتنا قياسها، مثلًا قياس درجة حرارة جسم ما في مكان ووقت معين. لم يسبق لأحد الوصول إلى لانهاية فعلية مطلقًا، ويعتقد أرسطو أن اللانهاية الفعلية غير موجودة في العالم المادي، وحتى هذا اليوم لا يعلم الفيزيائيون مدى صحة اعتقاده.

مفهوم أرسطو للا نهاية

لقد تطلب الأمر من أرسطو أن يضع مفهوم اللانهاية بشكل دقيق بحيث لا يكاد أحد يعطيه اعتبارًا مباشرًا مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر. كان النهج الذي اتخذه عمليًا بشكل مدهش. قرّر أرسطو أن تكون اللانهاية موجودة، لأنه بدا أن الزمن ليس له بداية ولا نهاية، كما لم يكن من الممكن القول أن أرقام العد لها نهاية على الإطلاق. إذا كان هناك رقم أكبر -أطلق عليه “max”، فما الخطأ في max + 1 أو max + 2؟ ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن أن توجد اللانهاية في العالم الحقيقي. وقال إنه إذا كان هناك -على سبيل المثال-جسد مادي غير محدود، فسيكون بلا حدود ومع ذلك، يجب أن يكون للكائن حدودًا.

كان الحل الوسط الذي طوره أرسطو -وهو حل ذكي -هو القول إن اللانهاية موجودة وغير موجودة. وقال إنه بدلاً من أن تكون ملكية حقيقية لأي شيء حقيقي، كان هناك احتمال لانهائي. يمكن أن يكون اللانهاية من حيث المبدأ، ولكن من الناحية العملية لم يكن كذلك. يعطينا أرسطو مثالاً ممتازًا لتوضيح ذلك. الألعاب الأولمبية موجودة -من المستحيل إنكار ذلك. ومع ذلك، فقد كان كائنًا أجنبيًا يظهر (أرسطو لم يتضمن في الواقع كائنًا فضائيًا في مثاله) ويسألنا “أرني هذه الألعاب الأولمبية التي تتحدث عنها”، لم نتمكن من فعل ذلك. في الوقت الحالي هم غير موجودون في الواقع لكنهم موجودون كإمكانات. وجادل أرسطو بأن اللانهاية كانت في نفس الحالة المحتملة تمامًا.

كان هذا الشكل من اللانهاية هو الذي من شأنه أن يفرز حساب التفاضل والتكامل وسيتم تضمينه عمليًا في جميع الاعتبارات الرياضية لللامحدود حتى قام العالم جورج كانتور باكتشافات ثورية في هذا الصدد والتي قادته في نهاية الأمر إلى الجنون. لكن رجلاً واحدًا خالف هذا الاتجاه مبكرًا، وهو العالم جاليليو جاليلي المشهور في مجال علم الفلك.

مفهوم غاليليو غاليلي للانهايات

بعد بدء الإقامة الجبرية في منزل جاليليو في عام 1634، إبان محاكمته بشأن عمله الهرطقي حول حركة الأرض حول الشمس، لم يتوقف جاليليو عن الكتابة. في ذلك الوقت ، أنتج الكتاب الذي يمكن القول إنه أعظم أعماله العلمية ، والذي يعادل كتاب المبادئ الرياضية لنيوتن. ، أطللق جاليليو على كتابه اسم «Discorsi e dimostrationi matematiche» ، والذي احتوى على مفاهيم جديدة أو نقاشات وتوضيحات رياضية تتعلق بعلوم جديدة. واجه جاليليو صعوبة كبيرة في نشر هذا -أوضحت محاكم التفتيش أنه لن يتم نشر أي عمل من قبل هذا المهرطق في أي بلد تحت نفوذها-. عندما تناول الناشر الهولندي العظيم «إلسفير- Elsevier» الكتاب في نهاية المطاف، أعرب جاليليو عن دهشته الكبيرة من أنه نُشر على الإطلاق، وهو ما زعم أنه لم يكن نيته أبدًا.

اتخذ الكتاب شكل محادثة بين عدد من الشخصيات إلى حد كبير حول مسائل خطيرة. لكن بعد التساؤل عما يجعل المادة متماسكة (اعتقد جاليليو أنها جيوب صغيرة من الفراغ بين جسيمات المادة)، فإنهم يتحولون، فقط من أجل المتعة، إلى طبيعة اللانهاية. يبرز جاليليو عددًا من النقاط، ومن بين هذه النقاط واحدة جديرة بالملاحظة بشكل خاص تتضمن دوران زوج من العجلات.

بدأ جاليليو بصنع عجلات ذات جوانب قليلة على سبيل المثال، يمكن أن تكون سداسية. هذه أشكال ثلاثية الأبعاد -تخيل أن الأشكال السداسية مقطوعة من صفائح من الرخام. يُثبت الشكل السداسي الأصغر على الأكبر، ويستند كل واحد منهم على سكة أفقية خاصة به.

الآن نقوم بتدوير العجلة المدمجة بحيث تتحرك إلى جانبها التالي. عندما تقوم العجلة الكبيرة بتدويرها تدور على الزاوية وتتحرك على طول المسار بطول جانب واحد. لكن ماذا حدث للعجلة الأصغر؟ لم تتحرك العجلة الكبيرة بهذه المسافة فحسب، بل تحركت العجلة الصغيرة أيضًا. يجب أن: يتم إصلاحهما معًا. ومع ذلك، عند الدوران بمقدار 1/6 من الدوران، يجب أن يتدحرج الصغير فقط على طول المسار بطول جانبه -مسافة أصغر بكثير، مميزة باللون الأحمر في الرسم التخطيطي. لتحقيق الحركة الإضافية، رُفعت العجلة الأصغر تمامًا عن المسار.

الآن هذا هو الشيء الذكي. تخيل جاليليو زيادة عدد الجوانب. كلما زاد عدد الجوانب، زادت مجموعات الحركات الصغيرة على طول القضيب والقفزات الصغيرة التي تحصل عليها أثناء تدوير العجلات. أخيرًا، دعنا نتخيل، إذا كان من الممكن، أن نأخذ هذا العدد من الأضلاع إلى ما لا نهاية. ننتهي بعجلات دائرية.

مرة أخرى نقوم بتدوير العجلتين، معًا، على طول القضبان الخاصة بهما. مرة أخرى كلاهما يقطعان نفس المسافة -في هذه الحالة ربع محيط العجلة الكبيرة-. لكن الآن حدث شيء غريب عندما دُحرجت حافة العجلة الكبيرة بمقدار ربع محيطها على مسارها، قامت حافة العجلة الأصغر بتدوير محيطها الربع الأصغر فقط، ولكن لا يزال يتعين على العجلة الصغيرة أن تقطع نفس المسافة التي تقطعها العجلة الأكبر، دون أن تترك المسار على الإطلاق. لم تكن هناك قفزات، أو على الأقل هكذا يبدو.

ما تخيله جاليليو هو أنه مع دوران العجلة الأصغر يكون هناك عدد لا حصر له من الفجوات الصغيرة متناهية الصغر، والتي تتراكم لتحدث فرقًا بين محيط العجلة والمسافة التي تتحرك فيها.  ومن هنا دخل مفهوم اللانهاية حيز اللعب في جهاز مادي لجعل ما يبدو مستحيلًا يحدث.

بعد أن ترك جاليليو هذا الأمر يتسلل إلى لاوعيه، فإن شخصية جاليليو التقليدية والقاتمة إلى حد ما، سيمبليسيو، لديها شكوى. يبدو أن ما يقوله جاليليو (أو سالفياتي تقنيًا، الشخصية التي تمثل صوت جاليليو في الكتاب) هو أن هناك عددًا لا حصر له من النقاط في عجلة دائرية واحدة وعدد لا حصر له من النقاط في الأخرى. ولكن بطريقة ما، على الرغم من أن كل منها له نفس اللانهاية من النقاط، إلا أن إحداها تضاف إلى مسافة أكبر من الأخرى. كان أحد اللانهاية هو نفسه الآخر وأكبر.

مفهوم العالم جورج كانتور للانهاية

إن جوهر حساب التفاضل والتكامل هو أنك تتعامل مع أشياء كبيرة بشكل لا نهائي. لكننا لم نضطر أبدًا إلى تحديد اللانهاية نفسها، ولم يكن علينا أبدًا القلق بشأن طبيعة اللانهاية، وذلك لأننا دائمًا ما تتعامل مع نفس النوع من اللانهاية -بالمعنى التقريبي، اللانهاية من النقاط التي تشكل خطًا، اللانهاية للجميع الأرقام الحقيقية بين 0 و1 وكان هذا محور الاهتمام في حساب التفاضل والتكامل من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر. لكن علماء الرياضيات لم يفكروا في ماهية اللانهاية، لأنهم لم يفكروا في ماهية المجموعة لسبب واحد. ما هي المجموعة؟ ثم ما هو الفرق بين مجموعة محدودة ومجموعة لانهائية؟ هذا شيء فعله العالم كانتور في أواخر القرن التاسع عشر. طور كانتور فكرة المجموعة، ومفهوم المجموعة اللانهائية، وهي المجموعة التي تحتوي على عدد لا نهائي من الأشياء.

كان الألماني جورج كانتور رائداً في الرياضيات وتحديدًا في في مجال أصبح يُعرف باسم نظرية المجموعات. وفقًا لنظرية المجموعات، فإن الأعداد الصحيحة، وهي أرقام بدون كسر أو فواصل عشرية (مثل 1، 5، -4)، تشكل مجموعة لا نهائية قابلة للعد. من ناحية أخرى، فإن الأعداد الحقيقية، والتي تشمل الأعداد الصحيحة والكسور وما يسمى بالأرقام غير النسبية، مثل الجذر التربيعي للعدد 2، هي جزء من مجموعة لا نهائية غير قابلة للعد. دفع هذا كانتور للتساؤل عن الأنواع المختلفة من اللانهاية. اعتقد كانتور أنه لا توجد نهايات بين مجموعات الأعداد الصحيحة والأعداد الحقيقية، لكنه لم يكن قادرًا على إثبات ذلك. ومع ذلك، أصبح بيانه معروفًا باسم فرضية الاستمرارية، وصُنّف علماء الرياضيات الذين عالجوا المشكلة على خطى كانتور بمنظري المجموعات

اللانهايات المعدودة والغير معدودة

ذكرنا مسبقًا أن اللانهائيات الممكنة تصف الأشياء غير المحدودة، ومن أمثلتها مجموعة الأعداد الطبيعية لكن الآن تخيل خط مستقيم طويل غير محدود. يبدأ هذا الخط من النقطة التي تقع أمامك مباشرة ويمتد إلى المالانهاية، هل اللانهاية التي يمثلها هذا الخط هي نفسها اللانهاية التي تمثلها مجموعة الأعداد الطبيعية؟

صنّف علماء الرياضيات اللانهاية الممكنة إلى لانهايات معدودة ولانهايات غير معدودة. تُمثل الأعداد الطبيعية لانهاية معدودة، وهذا منطقي لأنه باستطاعتك مواصلة العد إذا كان لديك وقت لانهائي، كما هو الحال بالنسبة لمجموعة لا نهائية من الأشخاص، بإمكانك إدراجهم في قائمة تحمل جميع اسماءهم، وكل اسم يشغل خانته الخاصة ومن ثم عدهم إذا كان لديك وقت لا نهائي أيضًا. بصورةٍ عامة يمكننا القول أنّ أيّ مجموعة غير محدودة من العناصر تمثل لانهاية معدودة إذا كان باستطاعتك إدراج تلك العناصر في قائمة، وكل عنصر لديه مكان خاص في هذه القائمة وكل مكان في القائمة يتسع لعنصر واحد فقط.  

تخيل الآن أن لدينا خط مستقيم لانهائي، أي أنه يتكون من عدد من العناصر اللانهائية أيضًا، وفي هذه الحالة تُسمى تلك العناصر نقاطاً على الخط، إذا وضعنا على الخط مسطرة طويلة لانهائية، فإن كل نقطة على الخط يمثلها عدد على المسطرة، النقطة الأولى على الخط تقع على العدد 0، النقطة التي تبعد نصف متر عن البداية تقع على العدد 0.5، وهكذا. يطلق على المجموعة العددية التي تمثلها المسطرة اسم مجموعة الأعداد الحقيقية الموجبة وهي تشمل الاعداد الطبيعية والكسور والأرقام النسبية. هل يمكنك وضع قائمة لهذه الأعداد لكي ترى إذا كانت تمثل لانهاية معدودة أيضًا؟ ربما بإمكانك ترتيب هذه الأعداد عن طريق الحجم، لكن ستزيد هذه الطريقة من صعوبة المسألة. وبالتأكيد العدد الأول سيكون 0، لكن ماذا يجب أن يكون العدد الذي يليه؟ ربما 0.1؟ لكن 0.01 أصغر منه ويجب أن يأتي قبل 0.1. لكن ماذا عن 0.001؟ لكل عدد تظن أنه من الممكن أن يحل المرتبة الثانية في القائمة سوف تجد عدد أصغر منه (ببساطة تضيف صفرًا بعد الفاصلة)، فلذلك ترتيب هذه الأعداد على المسطرة بواسطة الحجم غير مجدي.   هل من الممكن إيجاد طريقة أخرى لإدراج الأعداد في قائمة؟ الإجابة هي لا يمكن ذلك، وهناك سبب منطقي ومباشر لهذه المسألة وينص على أنه في أي قائمة لأعداد حقيقية موجبة هناك على الأقل عدد واحد مفقود، وبالتالي لا يمكنك كتابة قائمة كاملة أبدًا، وهذا يثبت أن اللانهاية الممثلة عن طريق الخط المستقيم (أو الأعداد الحقيقية الموجبة) هي لانهاية غير معدودة.

المصادر

firstscience
livescience
plus.maths
gyllenwatches
britannica
pbs.org

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

هذه المقالة هي الجزء 13 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر اهتم العلماء كثيرًا بسؤال الأمور المشتركة بين البشر، والبحث في أصلها سواء كانت أمور غريزية أم مكتسبة. مثل: اللغة والمشاعر والإدراك والنمو. جميعها مفاهيم هامة وحيوية وتمسنا جميعًا. لكن السؤال الذي لا يقل أهمية سنطرحه اليوم وهو: ما الذي يختلف فيه البشر؟ وكيف نميز هذه الاختلافات؟

الاختلاف الأول: الشخصية

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

يمكننا تقليص جميع الاختلافات بين البشر وحصرها في عاملين مهمين: وهما الشخصية والذكاء. وسنتعرض في هذا المقال إلى وصف كل عامل منهم وتفسيره.

أولًا الشخصية

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

يمكن تعريف الشخصية أنها الأسلوب الذي تتبعه في التعامل مع العالم، تحديدًا الأشخاص الآخرين. فكر في صديقك المقرب وحاول أن تصف شخصيته: ربما تقول أنه كسول وغير مسئول وطيب القلب. بينما تفكر في صديق آخر وتراه مجتهد ومسئول وصادق. هذه هي شخصيتهم التي تراها وفقًا لأسلوب تعاملهم مع العالم من حولهم بمن فيهم أنت.

تعريف آخر للشخصية أنها صفة ثابتة تحملها معك طوال الوقت، وهي مختلفة عن رد الفعل.

إذا جاء أحدهم وصفعك الآن فجأة، ستشعر بغضب شديد، وهذا هو رد الفعل. لكن إذا كنت تستيقظ وتنام وتمارس حياتك غاضبًا فهذه هي الشخصية.

وبما أن حديثنا اليوم عن الاختلافات، كيف يمكننا -بشكل علمي- قياس الاختلافات بين شخصيات البشر؟

اختبارات الشخصية

قبل الإجابة عن هذا السؤال سنتعرف أولًا على اثنين من الصفات التي يجب أن يتمتع بها أي اختبار علمي. وهما:

  • «الدقة-Reliability»

بمعنى عدم وجود خطأ في القياس، وعند تكرار نفس الاختبار مع نفس الشخص في أوقات مختلفة يتوجب الحصول على نفس النتائج.

مثال: إذا أظهر اختبار الشخصية أنك متفتح وهاديء اليوم، ثم أظهر أنك مندفع وقلق غدًا، فهو بالتأكيد لا يتمتع بخاصية الدقة.

  • «الصدق-validity»

بمعنى أن الاختبار يقيس ما وُضع لقياسه.

مثال: إذا افترضنا وجود اختبار يقيس نسبة ذكائك من يوم ميلادك، فيُظهر أن مواليد شهر يناير حمقى وديسمبر أذكياء وهكذا. هذا الاختبار ليس صادقًا على الإطلاق، لأنه لا توجد علاقة بين نسبة الذكاء ويوم الميلاد. على صعيد آخر نجد أن هذا الاختبار مثالًا رائعًا للدقة، لأنه سيظهر نفس النتائج إذا أخذته اليوم أو غدًا أو حتى يوم موتك.

«اختبار رورشاخ-Rorschach test»

اختبار رورشاخ أو اختبار بقعة الحبر مثال واقعي ومشهور لاختبارت الشخصية. وضعه هيرمان رورشاخ، الذي كرس حياته حرفيًا لبقعة الحبر لدرجة أنه صار لقبه في مراهقته.

ويقوم الاختبار على عرض صورة لبقعة حبر على الشخص وسماع انطباعه عنها ثم تكوين رؤية عن شخصيته.

اختبار بقعة الحبر (حقوق الصورة: wikipedia)

اختبار بقعة الحبر مشهور للغاية، ويستخدمه كثير من علماء النفس أو الأطباء النفسيين في عياداتهم. لكن يمكننا القول أنه عديم الفائدة، ولا يُعول على نتائجه. فهل هناك بديل أفضل؟

تاريخ اختبارات الشخصية

بحث العلماء في الشخصية وحاولوا إيجاد طرق مبتكرة لقياسها وتحديد الاختلافات بينها. أول هذه الطرق وضعها عالم النفس الأمريكي «جوردون ألبورت-Gordon Allport».

بحث ألبورت في القاموس عن جميع الكلمات التي اعتقد أنها تصف الشخصية، وتوصل إلى ما يقرب من خمسة آلاف منها. لكن المشكلة أن هذه الصفات لم تكن قائمة بذاتها، بمعني أن صفات مثل: ودود، واجتماعي، ولطيف تبدو متشابهة للغاية. وهنا جاء دور كاتل.

حاول «كاتل-Cattell» مع آخرين تقليل عدد هذه الصفات عن طريق طرح السؤال: كيف تختلف شخصيات البشر عن بعضها؟ وما المعايير التي يمكن وضعها لقياس ذلك؟ وتوصل إلى ست عشرة صفة تختص كل منها بنمط معين من أنماط الشخصية.

لاحقًا توصل «آيزنك-Eysenck» إلى معيارين فقط يمكن من خلالهما تحديد الشخصية. الأول: انطوائي-اجتماعي الثاني: عصبي-مستقر وبناءًا على هذين المعيارين يوجد أربع أنماط للشخصية.

وأخيرًا استقر العلماء على صيغة أكثر صحة مما سبقها، فلا تتحدد الشخصية بمعيارين فقط أو ستة عشرة واحدًا. وإنما خمسة معايير تُعرف باسم «العوامل الخمس الكبرى للشخصية-The five big personality factors»

العوامل الخمس الكبرى

انطلاقًا من جهود العلماء السابقين توصل العلم إلى نظرية العوامل الخمس الكبرى، التي تشير أنه يمكننا وصف شخصياتنا وشخصيات من حولنا بآلاف الصفات. وستقع هذه الشخصية مهما كانت صفاتها في نطاق العوامل الخمس الكبرى دائمًا. وهذه العوامل الخمس هي:

  • الاستقرار-العصبية

بمعنى هل أنت شخص هاديء ومتزن، أم قلق ومتشائم؟

  • الاجتماعية-الانطوائية

بمعنى هل أنت شخص منفتح ومحب للمرح، أم متحفظ وتفضل العزلة؟

  • القبول-عدم القبول

بمعنى هل أنت شخص مهذب ومتعاون، أم مرتاب وغير متعاون؟

  • الانفتاح- عدم الانفتاح

بمعنى هل أنت شخص منفتح للتجارب الجديدة، أم عملي تفضل الروتين؟

  • الحذر-التهور

بمعنى هل أنت شخص منظم وحذر، أم مهمل ومندفع؟

وهكذا استطاع العلماء قياس الاختلافات بين شخصيات البشر باستخدام هذه العوامل الخمس، والمشوق أن هذه النظرية تستخدم أسلوب «المدى-Spectrum» كما بالصورة

مدى العوامل الخمس الكبرى للشخصية (حقوق الصورة: المنفى)

على عكس أساليب القياس الأخرى مزدوجة الاختيار. بمعنى أنه يمكنك أن تجد نفسك شخصًا منفتحًا فقط أو غير منفتح فقط أو نقطة ما بينهما.

والسؤال هنا الآن، أين تقع هذه النظرية من خاصيتي الدقة والصدق؟ وما الأدلة عليها؟

ما الأدلة عليها؟

  1. تتميز هذه النظرية على عكس اختبارات الشخصية الأخرى بخاصية الدقة، فإذا اختبرت الصفات الخمس الآن ثم أعدت نفس الاختبار بعد خمس سنوات، فلن تجد تغيرًا كبيرًا. خاصة بعد سن الثلاثين، حيث تستقر هذه الصفات إلى حد كبير.
  2. تتميز هذه النظرية أيضًا بخاصية الصدق، لأنها تقيس ما وُضعت لقياسه. فنجد موقفك من الصفات الخمس يتنبأ بسلوكك في العالم الحقيقي. فيقيس الانفتاح مثلًا احتمالية تغييرك لوظيفتك، بينما يقيس القبول مدى نجاح علاقاتك.
  3. تتفق نتائج هذه النظرية مع انطباع الآخرين عنك. فإذا سألت والدتك ورفيقك في العمل واستاذك في الجامعة عن انطباعهم عنك، ستتداخل إجاباتهم إلى حد كبير، وستتفق مع موقفك من الصفات الخمس.

الاختلاف الثاني: الذكاء

الذكاء هو العامل الثاني الذي يحدد الاختلافات بين البشر، لكنه -على عكس الشخصية- يصعب تعريفه. لأنه ليس محدود بصفات معينة يمكن اختبارها.

عندما استقطبت أحد الدراسات ألف خبير وسألتهم عن تعريفهم للذكاء، اشتركت إجابات معظهم في بعض النقاط مثل: القدرة على حل المشكلات، والتعلم، والتفكير المجرد. وجاءت بعض الإجابات الأخرى مثل: الذاكرة، وسرعة البديهة، والإبداع، واللغات.

لذا نستنتج من هنا أن تعريف الذكاء أمر يصعب الاتفاق عليه. فما هو الأمر الذي نتفق عليه عند حديثنا عن الذكاء؟ الأمر الذي نتفق عليه أن تصنيفنا للذكاء أمر بديهي، بمعنى أنك تملك حسًا داخليًا عنه. فتعرف أن آينشتاين مثلًا شديد الذكاء، وأستاذك في الجامعة ذكي أيضًا، بينما “بسيط نجم” (شخصية من عرض سبونج بوب) ربما ليس الأنبغ!

سبيرمان وأنواع الذكاء

والآن سنناقش أنواع الذكاء تبعًا لاثنين من المفاهيم الهامة. هذان المفهومان يرتبطان بـ «نظرية الذكاء ثنائية العامل-Two factors theory of intelligence» لعالم النفس «تشارلز سبيرمان-Charles Spearman» أشار سبيرمان إلى نوعين من الذكاء عند البشر:

  • النوع S: أي الذكاء الخاص، الذي يتحدد بنتائجك المختلفة في كل اختبار ذكاء منفرد مثل: اختبار القراءة، والحساب، والقدرة المكانية.
  • النوع G: أي الذكاء العام، الذي يتحدد بنتائجك في هذه الاختبارات جميعها بشكل عام.

وما توصل إليه سبيرمان هو نوع من الارتباط بين نوعي الذكاء، فلا ينفصل النوع G عن النوع S وإنما يؤثر بشكل كبير عليه. فبينما تمدنا الاختبارات المنفردة بنتائج مختصة بمهارة ما تحديدًا، إلا أنها تدلنا أيضًا على نوع من الأداء المشترك/ الذكاء العام بينهم جميعًا.

ولفهم ذلك بشكل أوضح سنشبه الأمر بامتلاكك صالة رياضية، هناك عدد من الاختبارات التي يقوم بها المشاركون، أحدها لاختبار سرعة الجري، أو السباحة، أو التسلق، ثم آخر لتقدير الأداء بشكل عام. عند مراجعة نتائج المشاركين ستجد أن هؤلاء الذين يحرزون نتائج مرتفعة في كل اختبار منفصل يأتي تقديرهم العام مرتفعًا أيضًا، والعكس صحيح. لذا يمكننا القول أن نتائج هذه الاختبارات مهما كانت منفصلة إلا أنه هناك نوع من الأداء المشترك بينها. فلا ينفصل الذكاء العام عن الذكاء الخاص مطلقًا!

أهمية اختبارات الذكاء

لاختبارات الذكاء أهمية كبرى في حياتنا اليومية، فتتأثر الحالة الاجتماعية للأشخاص في المجتمع، ومدى نجاحهم وثرائهم بمعدل ذكائهم الذين يحصلون عليه من اختبارات الذكاء

هكذا أشار هيرنستين وموراي في كتابهم «منحنى الجرس-The Bell Curve».

كتاب منحنى الجرس لهيرنستين وموراي (حقوق الصورة: wikipedia)

ويمكنك أن تتخيل الجدل الذي أثاره هذا التصريح في المجتمع العلمي، فظهرت على إثره عدد من الأبحاث المشوقة. قامت جمعية علم النفس الأمركية بواحد من هذه الأبحاث، حيث طلبت من خمسين من كبار الباحثين كتابة تقرير عن معدل الذكاء، هل يؤمنون بأهمية اختبارات الذكاء؟ وهل ترتبط نتائجها بالذكاء الفعلي؟

جاءت النتائج باتفاق واسع على أهمية معدل الذكاء، وأشاروا أن معدل الذكاء -أكثر من أي صفة بشرية أخرى قابلة للقياس- مرتبط بالعديد من الانجازات التعليمية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية.

  • في بعض الحالات يكون الارتباط قويًا جدًا مثل: النجاح في الدراسة.
  • أو معتدلًا مثل: الكفاءة الاجتماعية.
  • أو طفيفًا مثل: احترام القوانين.

إذًا نستنتج من هنا أن معدل الذكاء مهم، خاصة في مواضع التحصيل الاجتماعي والوظيفي، لكن تظل هناك بعض الشكوك!

لدى بعض العلماء تخوفًا أن يكون تأثير معدل الذكاء مثل نبوءة ذاتية التحقق، حيث أدت نظرة المجتمع الجدية لاختبارات الذكاء في المقام الأول إلى زيادة أهميته.

لذا نعم، يتأثر نجاحك بمعدل ذكائك لأن نجاحك/التحاقك بجامعة مرموقة يعتمد على نتيجتك في اختبارات القبول (SAT) وهي شكل من أشكال اختبارات الذكاء.

لفهم ذلك بشكل أوضح تخيل معي أننا نعيش في عالم يشترط ألا يقل طولك عن 170 سم لكي تلتحق بالجامعة، هنا يؤثر الطول على نجاحك، وبمرور الوقت لن نتعجب ربط أحد العلماء بين الطول والإنجاز العلمي!

الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر

والآن بعد أن تعرفنا على جهود العلماء في فهم الفروقات بين المجموعات البشرية، ومحاولة إيجاد الطرق المبتكرة والموثوقة لقياسها ومن ثم المقارنة بينها. بداية من اختبار رورشاخ لفهم الشخصية وانتهاءًا باختبار معدل الذكاء الاعتيادي الذي نراه دائمًا. يتبقى لنا أن نعرف أسباب هذه الاختلافات، ما أصلها؟ جيني موروث أم بيئي مكتسب أم خليط بين الاثنين؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.

اقرأ أيضًا: ما الابتسامة؟ وما فوائدها؟ وهل تصف دائمًا السعادة؟

المصادر

  1. verywellmind
  2. verywellmind
  3. simplypsychology
Exit mobile version