الشلل الرعاش «باركنسون»

ما هو الشلل الرعاش «باركنسون»؟

الشلل الرعاش أو مرض باركنسون (PD) هو اضطراب عصبي تدريجي يتميز بعدد كبير من السمات الحركية وغير الحركية التي يمكن أن تؤثر على الوظيفة العضوية بدرجات متفاوتة.

وصف العالم الإنكليزي «جيمس باركينسون-James Parkinson» الداء لأول مرة عام 1817 في مقالته التي شرح فيها ستّ حالات مختلفة من المرض الذي سُمي باسمه فيما بعد.

أسباب الشلل الرعاش «باركنسون»

لاحقًا تبين أنّ الشلل الرعاش يرتبط بشكل مباشر بتموّت خلايا عصبية في منطقة من الدماغ مسؤولة عن إنتاج ناقل الدوبامين. وهو مادة كيميائية مسؤولة عن تنسيق التقلصات العضلية وتوجيهها نحو حركة هادفة، ومع الأسف إنّ السبب الأساسي لتموّت هذه الخلايا مازال مجهولًا حتى الآن ولكن يعتقد أن بعض الحالات تعود لعوامل وراثية أو لتوليفة من العوامل الوراثية والمؤثرات البيئية.(1)

يرتبط الشلل الرعاش بتموت الخلايا المسؤولة عن نقل الدوبامين

الشلل الرعاش هو مرض مزمن(chronic) أي يستمر لفترة طويلة من الزمن، وهو مرض متقدم (progressive) مما يعني أن أعراضه تزداد سوءًا بمرور الوقت.

أعراض الشلل الرعاش «باركنسون»

تختلف شدة الأعراض من شخص لآخر. فعلى الرغم من أن بعض الأشخاص يصابون بإعاقة شديدة، إلا أن البعض الآخر لا يعانون إلا من اضطرابات حركية طفيفة.

الارتعاشات هو العرض الرئيسي لبعض الأفراد، لكنه قد يكون بالنسبة للآخرين مجرد شكوى بسيطة و تكون الأعراض الأخرى أكثر إزعاجًا. حاليًا لايمكن التنبؤ بالأعراض التي من الممكن أن تؤثر على الفرد.
عادة ما يصيب الأشخاص بعمر 70 عامًا ولكن يمكن أن يحدث في وقت أبكر. تتأثر النساء أكثر بمرض الشلل الرعاش باركينسون.(2)

نظرًا لعدم وجود اختبار خاص بالكشف عن مرض الشلل الرعاش، يلجأ الأطباء إلى تشخيصه بناء على أعراضه الرئيسة الأربعة وهي:(1)


1-بطء الحركة Bradykinesia


يعتبر بطء الحركة من أكثر العلامات المميزة لداء باركنسون على الرغم من أنها تلاحظ في اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب.
يشمل هذا العرض صعوبات في التخطيط والبدء والتنفيذ للحركات بالإضافة إلى تراجع القدر على أداء المهام الدقيقة مثل استخدام الأدوات.
هناك مظاهر أخرى لبطء الحركة مثل فقدان الحركات العفوية والإيماءات وسيلان اللعاب بسبب ضعف البلع، بالإضافة إلى الصوت الرتيب وانخفاض حركة تأرجح الذراع أثناء المشي. يعتمد بطء الحركة مثل معظم أعراض باركنسون الأخرى على الحالة النفسية للمريض.

فقد يتمكن بعض المرضى من القيام بحركات سريعة مثل التقاط الكرة بعد تعرضهم لمحفّز قوي. وتفترض هذه الظاهرة«مفارقة الحركة-kinesia paradoxica»أنّ مرضى باركنسون يمتلكون برامج حركية سليمة لكنهم غير قادرين على استخدامها بدون وجود محفز خارجي مثل الضوضاء أو الموسيقا العالية.


2_الارتعاشات Tremors

الارتعاشات من أكثر أعراض مرض الشلل الرعاش


«ارتعاشات الراحة-Rest tremors» هي أكثر أعراض الباركنسون شيوعًا ويمكن كشفها بسهولة.

تكون اهتزازات أحادية الجانب وبتردد مابين 4 إلى 6 هرتز، و غالبًا ما تكون واضحة في اليدين ويمكن أن تشمل الاهتزازات الشفاه والفك والساقين.

تختفي ارتعاشات الرحة أثناء العمل والنوم. تختلف الراحة بين المرضى وتبعًا لمراحل تطور المرضالمرض، فقد أفادت إحدى الدراسات أن 69% من مصابي باركنسون عانوا من ارتعاشات الراحة في بداية المرض، وأنّ 9%من المرضى تخلصوا منها في مرحلة متأخرة منه فيما لم يعاني 11%من ارتعاشات الراحة أبدًا.

وقد أظهرت الدراسات السريرية المرضية أنّ مجموعة من الخلايا العصبية الفرعية من الدماغ المتوسط تكون متنكّسة لدى مرضى باركنسون المصابين بارتعاشات الراحة، فيما تكون سليمة لدى المرضى غير المصابين بالارتعاشات.


3_التصلب العضلي Rigidity


تتقلص العضلات بشدة وتصبح أكثر مقاومة مايؤدي إلى تقليص نطاق حركة مفاصل الطرفين العلويين والطرفين السفليين(الثني والبسط والدوران حول المفصل). وقد يصيب التصلب عضلات الرقبة والكتف والورك إضافة إلى عضلات الرسغ والكاحل.
قد يتراقق التصلب العضلي مع الألم، وألم الكتف هو أحد المظاهر الأولية الأكثر شيوعًا لدى مرضى باركنسون على الرغم من أنه قد يُشخّص بشكل خاطئ على أنه التهاب في المفصل أو التهاب الجراب أو إصابة الكفّة المدورة.

4_اختلال التوازن الموضعيPostural instability


يعتبر اختلال التوازن الموضعي مظهرًا من مظاهر المراحل المتأخرة من باركنسون، وعادة ما يحدث بعد ظهور العلامات السريرية الأخرى.

يخضع المريض لاختبار السحب لاختبار هذا العرض بحيث ُيسحب بسرعة من كتفيه للخلف أو للأمام فإذا تراجع المريض أكثر من خطوتين أو لم يبدي استجابة للسحب فذلك يزيد من احتمالية تشخيصه بالمرض.


يُعد اختلال التوازن الموضعي السبب الأكثر شيوعًا للسقوط لدى مرضى باركنسون كما يساهم بزيادة مخاطر كسور الورك.
هناك عوامل أخرى قد تؤثر أيضًا في حدوث اختلال التوازن الموضعي لدى مرضى باركنسون. ومن هذه العوامل: أعراض باركنسون الأخرى وانخفاض ضغط الدم الانتصابي( الذي يحدث عند الانتقال من وضعية الجلوس أو الاستلقاء إلى وضعية الوقوف) بالإضافة إلى التغيرات الحسية المرتبطة بالعمر كما أنّ الشعور بالخوف من السقوط قد يزيد من عجز المرضى على التوازن والاستقرار.

علاج الشلل الرعاش «باركنسون»


في الوقت الراهن لايوجد أي علاج كامل لمرض الشلل الرعاش باركنسون. ولكن مع ذلك هناك عديد من الأدوية المستخدمة لتخفيف أعراض المرض ومن الأدوية الأكثر استخدامًا دواء «ليفودوبا-Levodopa»الذي يصنف ضمن فئة الأدوية المسماة بعوامل الجهاز العصبي المركزي.

آلية عمل الليفودوبا

تمتص خلايا الدماغ العصبية دواء ليفودوبا وتحوله إلى الناقل العصبي الدوبامين الذي تؤدي زيادة مستوياته إلى تحسين المشاكل الحركية لدى المريض.

لا يعطى دواء ليفودوبا بمفرده، إنما يعطى معه دواء آخر اسمه «كاربيدوبا-Carpidopa»، الذي يمنع دواء ليفودوبا من التحول إلى الدوبامين قبل وصوله إلى الدماغ، كما يخفف من آثار ليفودوبا الجانبية مثل الإرهاق والدوار والغثيان.

مع بداية العلاج بدواء ليفودوبا يمكن أن يؤدي إلى تحسن كبير في الأعراض، لكن آثاره يمكن أن تكون أقل استمرارية على مدى السنوات التالية. فمع فقدان مزيد من الخلايا العصبية يقل عدد الخلايا التي تمتص الدواء هذا ما يعني أننا قد نحتاج لزيادة الجرعة مع بداية العلاج بدواء ليفودوبا يمكن أن يؤدي إلى تحسن كبير في الأعراض.لكن آثاره يمكن أن تكون أقل استمرارية على مدى السنوات التالية، فمع فقدان مزيد من الخلايا العصبية يقل عدد الخلايا التي تمتص الدواء هذا ما يعني أننا قد نحتاج لزيادة الجرعة من فترة لأخرى.

على الرغم من أن ليفودوبا يساعد معظم الأشخاص المصابين بشلل الرعاش، لكن لا يستجيب الجميع للدواء بشكل متساوٍ.

للدواء تأثير ملحوظ على أعراض مثل بطء الحركة والتصلب العضلي، لكنه أقل فعالية بالنسبة للارتعاشات، كما أنه قد لا يكون له تأثير على مشاكل التوازن والأعراض الأخرى على الإطلاق.

علاج الشلل الرعاش جراحياً

يتم علاج معظم المصابين بمرض باركنسون بالأدوية ، مع ذلك تستخدم في بعض الحالات نوع من الجراحة يسمى التحفيز العميق للدماغ. يتضمن التحفيز العميق للدماغ زرع مولد نبضات جراحي مشابه لجهاز تنظيم ضربات القلب في دار الصدر. يتم توصيل المولد بسلك أو سلكين رفيعين مزروعين تحت الجلد، ويتم إدخالهما بدقة في مناطق محددة في الدماغ. ينتج المولد تيار كهربائي منخفض الشدة يمر عبر الأسلاك ليحفز الأجزاء المتضررة من الدماغ.

على الرغم من أن الجراحة لا تعالج مرض باركنسون، إلا أنها يمكن أن تخفف الأعراض لدى بعض المرضى.

يشهد مجال علم الأعصاب تقدمًا كبيرًا من حيث تطوير تقنيات الكشف عن الأمراض العصبية التنكسية.

كما يطمح العلماء لإيجاد تقنيات علاجية تنهي معاناة المرضى، ولكن إلى ذلك الحين لا بُدّ لنا أن نساعد المرضى في التكيف مع أعراض الشلل الرعاش ليكونوا قادرين على المشاركة الفاعلة في مجتمعاتهم.(1) (3)

مصادر:

١_ jnnp.bmj
٢_ ninds.nih
٣_ nhs

ما هو التنويم المغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

ما هو التنويم المغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

كثيرة هي الخرافات والمفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بالتنويم المغناطيسي. وذلك نتيجة للطريقة التي تقدمه بها العروض التلفزيونية والسينمائية على أنه وسيلة للسيطرة على العقول.

التنويم المغناطيسي في السينما

حيث يقوم طبيب نفسي مجنون باستغلال مريضه للانصياع لأوامره وتنفيذ خططه الإجرامية. ولكن خلف هذه الصورة القاتمة تكمن صورة التنويم المغناطيسي الحقيقية، والتي تجيبنا على أسئلة مثل ما هو التنويم المغناطيسي؟ علام يعتمد؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

بدايةً إن التنويم المغناطيسي هو حالة عقلية طبيعية قد تمر بها في أوقات مخلتفة خلال اليوم الواحد. فمثلا قد تنغمس في نشاط معين يأخذ منك تركيزًا كبيرًا ويفقدك إحساسك بالوقت وبما يحصل حولك في الغرفة. وبالتأكيد هذه الحالة مألوفة لمحترفي الألعاب الإلكترونية والقرّاء النهمين للروايات البوليسية. وبهذا تسقط الخرافة الأولى المتعلقة بالتنويم المغناطيسي. فعلى عكس الصورة النمطية لخبير التنويم المغناطيسي، فإنه لن يجبرك على النوم، بل سيؤمن لك شروطًا تحقق لك يقظة وتركيزًا عاليًا وستخرج من عيادته محتفظًا بذاكرتك حول ما حدث معك أثناء الجلسة لتخبر أصدقاءك عن هذه التجربة الفريدة.

يأخذك المعالج أثناء الجلسة برحلة إلى داخل عقلك الباطن، حيث ُتختَزن جميع ذكرياتك وتجاربك وخبراتك العملية وأفكارك الإبداعية. ومن خلال هذه الرحلة التي تتبع بها إرشادات معالجك يمكنك العثور على إجابات على كثير من الأسئلة العالقة التي تجول في خاطرك، وتساعدك في التخلص من المشاعر السلبية التي تسببت لك بالألم. ولكن هنا قد يطرح تساؤل، هل باستطاعة المعالج السيطرة على عقلك والتحكم بتصرفاتك وخاصة أنك تكون أكثر عرضة لتقبل الاقتراحات والأوامر في هذه الحالة؟

السيطرة على العقول هي الخرافة الثانية المرتبطة بالتنويم المغناطيسي فخلال الجلسة يبقى المريض واعيًا بما يقوله ويفعله وبإمكانه رفض تنفيذ أي طلب يتعارض مع قيمه الأخلاقية ومفاهيمه الأساسية للحياة.(1)

ما هي التطبيقات العلاجية للتنويم المغناطيسي؟


يمكن أن يكون العلاج بالتنويم المغناطيسي وسيلة فعالة للتعامل مع القلق والتوتر فيمكن أن يُستخدَم قبل الإجراءات الجراحية الخطيرة لتخفيف الضغط النفسي على المريض. تمت دراسة التنويم المغناطيسي في حالات أخرى مثل:

قد يساعد التنويم المغناطيسي في تسكين آلام الحروق وآلام الولادة وتخفيف مضاعفات العلاج الكيميائي للسرطان. كما قد يساعد في تخفيف أعراض الهبات الساخنة المرافقة لانقطاع الطمث، بالإضافة إلى ذلك فقد لاقى التنويم المغناطيسي نجاحًا في علاج الأرق والتبول اللاإرادي والمساعدة في الإقلاع عن التدخين و تخفيف الشهية.(2)

تاريخ التنويم المغناطيسي

يعود استخدام حالات النشوة الشبيهة بالمنوم إلى آلاف السنين، لكن التنويم المغناطيسي بدأ في النمو خلال أواخر القرن الثامن عشر على يد طبيب يُدعى فرانز ميسمير. لكن البداية كانت بسبب آراء مسيمير الصوفية، لكن الاهتمام تحول في النهاية إلى نهج أكثر علمية.

أصبح التنويم المغناطيسي أكثر أهمية في مجال علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر واستخدمه جان مارتن شاركوت لعلاج النساء اللاتي يعانين مما كان يعرف حينها بالهستيريا. أثر هذا العمل على سيغموند فرويد وتطور التحليل النفسي.

في الآونة الأخيرة، كان هناك عدد من النظريات المختلفة لشرح بالضبط كيفية عمل التنويم المغناطيسي.واحدة من أكثر النظريات شهرة هي نظرية هيلجارد للانفصال الجديد عن التنويم المغناطيسي.
وفقًا لهيلجارد، يعاني الأشخاص في حالة التنويم المغناطيسي من انقسام في الوعي حيث يوجد مساران مختلفان للنشاط العقلي. بينما يستجيب تيار من الوعي لاقتراحات المنوم المغناطيسي ، يقوم تيار آخر منفصل بمعالجة المعلومات خارج الإدراك الواعي للفرد المنوم مغناطيسيًا.(3)

المصادر:

hypnosistrainingacademy
mayoclinic
verywellmind


ماهي الحبسة الكلامية؟

ما هي الحبسة الكلامية؟

«الحبسة الكلامية-Aphasia» هي فقدان القدرة على استيعاب أو صياغة جمل واضحة ومفهومة، يعود ذلك لضرر دماغي في المراكز القشرية اللغوية.

أذيّات الأوعية الدموية المغذية لمناطق معينة من الدماغ ( مثل الخثرات الدموية أوالنزيف الدموي) هي الأكثر شيوعًا في حالات الحبسة الكلامية. ولكن في حالات أخرى قد تنشأ الحبسة الكلامية عن أمراض التنكّس العصبي مثل الألزيهايمر وشلل الرعاش أو حتى بسبب إصابة فيزيائية مباشرة لمراكز اللغة القشرية.

تتوضع مراكز اللغة في نصف الكرة المخية المسيطر وهو الأيسر لدى معظم البشر، ولكن قبل أن نتحدث أكثر عن المراكز اللغوية في الدماغ سوف نأخذ لمحة خاطفة على كيفية دراسة البنية التشريحية الوظيفية للدماغ.(1)

في عام 1909 قدم عالم التشريح الألماني «كوربينيان برودمان-Korbinian Brodmann» خرائط جديدة للدماغ، وبالطبع هو لم يغير من الشكل التشريحي المعروف للدماغ لكنه قسّم القشرة الدماغية إلى 52 باحة مختلفة حسب البنية النسيجية وطريقة انتظام الخلايا العصبية فيها.

الباحات الوظيفية لبرودمان


لاحقاً أعيدت مراجعة أعمال برودمان وأُعيد تعريف باحاته بشكل أدق، وارتبط الاختلاف النسيجي الكائن بين الباحات بالوظيفة الأساسية التي تقوم بها الخلايا العصبية المحتواة في كل باحة.(2)

باحة بروكا

تقع باحة بروكا في الفص الجبهي للدماغ وهي تقابل المنطقتين 44 و 45 حسب تقسيمات برودمان.اكتشفت لأول مرة عام 1861من قبل الجراح الفرنسي «بول بروكا-Paul proca» الذي وجد أنّ الخلايا العصبية في هذه المنطقة تكون مسؤولة عن الوظيفة الكلامية. تولد باحة بروكا الأوامر التحريكية للعضلات المعنيّة بإصدار الأصوات مثل عضلات الفم واللسان وتتصل باحة بروكا بباحات وبنى عصبية دماغية سنتعرف علىيها في جزء آخر من المقال.

تسمى الحالة التي تتعرض فيها باحة بروكا للضرر بالحبسة التعبيرية expressive aphasia ويكون فيها المريض قادرًا على استيعاب فحوى المعلومات التي يتلقاها لكنه يعجز عن التفاعل معها والتعبير عمّا يريده شفهياً أو كتابياً فتكون جمله قصيرة ضعيفة نحويًا تُحذف منها بعض الكلمات وتفتقر إلى أدوات الربط مثل أحرف الجر وأدوات العطف.المريض يعلم تمامًا ما يودّ أن يقول لكنّ التعبير يخونه.(3)

باحة فيرنكا

تحتل باحة فيرنكا الثلث الخلفي من التلفيف العلوي للفص الصدغي (الجانبي) في نصف الكرة المخية الأيسر(تقابل المنطقتين 22و39 حسب تقسيمات برودمان)،وُصفت هذه الباحة لأول مرة عام1874
من قبل عالم الأعصاب الألماني كارل فيرنكا،وتعتبر الباحة المركز المسؤول عن تحليل واستيعاب المعلومات اللفظية والكتابية الواردة إليها كما لها دور مهم في إنتاج لغة ذات معنى وغاية واضحين وذلك من خلال تعاونها الوثيق مع باحة بروكا فهي تتصل معها من خلال بنية عصبية واصلة تسمى بالحزمة المقوّسة.

لشرح العلاقة بين الباحتين نستطيع القول أن باحة فيرنكا تقوم بوضع خطة عمل تنظم فيها الكلمات والجمل بشكل منطقي ذي معنى قابل للفهم، وترسلها إلى باحة بروكا والتي بدورها تعمل على تنفيذ هذه الخطة بحذافيرها من خلال توليد الإشارات المنظمة للحركات العضلية الموافقة وإرسالها إلى باحات القشرة المحركة التي تتصل مباشرة عبر مسالك عصبية محركة مع العضلات الصوتية.

تسمى الحالة التي تصاب بها باحة فيرنكا بالضرر بالحبسة الاستقبالية (receptive aphasia) وفيها يفقد المريض قدرته على فهم الكلام المكتوب أو المسموع إلا أنه يكون قادرًا على التحدث بطلاقة ولكن بكلام بلا معنى وجمل متنافية وغير مترابطة.(4)

علاج الحبسة الكلامية

عادة ما يكون العلاج الموصى به للحبسة هو علاج النطق واللغة والذي يشرف على تنفيذه أخصائيون في هذا المجال، ويهدف هذا العلاج إلى مساعدة مرضى الحبسة في استعادة أكبر قدر من اللغة المفقودة وتحقيق الطريقة الأمثل للتواصل والاندماج في المجتمع. بعض المصابين قد يحتاج إلى جلسات علاجية أكثر خلال فترة زمنية قصيرة وذلك يعتمد على درجة تفاقم إصابته.(5)

تجري حاليًا دراسة بعض الأدوية لعلاج الحبسة الكلامية، ويؤمل منها أن تحسن التروية الدموية للدماغ وتعزز قدرة الدماغ على التعافي أو تساعد في إزالة المواد الكيميائية المستنفدة والمتراكمة في الدماغ، وقد أظهرت بعض الأدوية نتائج واعدة في بعض الدراسات الصغيرة لكن مازال هناك حاجة لمزيد من البحث والدراسات قبل التوصية بهذه العلاجات. (6)

ختامًا لا بُدّ من التأكيد على أهمية الدعم المجتمعي لمصابي الحبسة الكلامية ومساعدتهم على التواصل والاختلاط في المجتمع لأنّ العزلة الاجتماعية قد تزيد حالتهم سوءًا واضطرابًا.

مصادر:

١_ ncbi
٢_ kenhub
٣_ kenhub
٤_ neuro scientifically challenged
٥_ nhs
٦_ mayoclinic

ما هو اضطراب طيف التوحد ؟

يعد «اضطراب طيف التوحد -Autism spectrum disorder» من الاضطرابات العصبية التطورية. وتتميز تلك الاضطرابات بمجال واسع من أعراض واعتلالات تظهر في سن مبكرة من مرحلة الطفولة وتستمر مدى الحياة. ومن بينها صعوبات في التعلم والتواصل الاجتماعي وغلبة الأنماط الحركية والكلامية المتكررة إضافة إلى السلوك العدواني في بعض الحالات.

تبعًا لمنظمة الصحة العالمية فإن اضطراب طيف التوحد في مرحلة نمو مستمر بمعدل انتشار عالمي وصل إلى مريض واحد من كل 160 طفل مع شيوع أكبر بأربع إلى خمس مرات لدى الذكور منه لدى الإناث.

تأثير اضطراب طيف التوحد على الدماغ

تمت دراسة التغيرات البنيوية والوظيفية الطارئة على بنية الدماغ لدى مرضى التوحد وذلك باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي (MRI) التي تعد من أكثر التقنيات المستخدمة في هذا المجال.

أظهرت التحاليل أنّ لدى الأطفال ما بين السنتين والخمس سنوات تطورًا غير طبيعي في تلافيف الفصين الجبهي والصدغي (الجانبي) للدماغ وكميةً أقل من المادتين الرمادية والبيضاء وحجمًا أقل للجسم اللوزي، وذلك بالمقارنة مع الأطفال السليمين من هذا الاضطراب. وفي مقارنة أخرى باستخدام الرنين المغناطيسي ثلاثي الأبعاد (3D MRI) لوحظ ازدياد في حجمي المخ والجسم اللوزي لدى الأطفال المصابين من عمر الثلاثة إلى أربع سنوات مقارنة بالأطفال السليمين من نفس العمر. (1)

تشخيص اضطراب التوحد

شهد العقد الماضي تقدمًا ملحوظًا في مجال تشخيص الاضطراب من حيث تطوير الفحوصات الكاشفة والأدوات اللازمة لها، كما تعمّق فهم العلماء في التباين الكبير للأعراض والأنماط السلوكية بين المرضى.

يتصف تشخيص مرض التوحد بالصعوبة ذلك لأنّ الطفل قد يقوم بسلوكيات معينة ناتجة عن عوامل غير مرتبطة بالاضطراب،مثل العمر والإدراك المعرفي المرتبط بالبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الطفل.

في أعمار معينة قد ترتبط بعض الخصائص المعروفة في التوحد باضطرابات مختلفة لذلك يتطلب إجراء التشخيص فحوص دقيقة ومنتقاة بعناية يقوم بها أخصائيين على مستوى عالي من الاحترافية وينبغي لهذه الفحوص أن تؤمن معلومات دقيقة حول مقدرات الطفل وأدائه الوظيفي العام في كل من المجالات اللغوية والمجالات غير لغوية وبالتالي توفير نقطة انطلاق حاسمة للطبيب لتحقيق أفضل النتائج الممكنة. من المهم جدًا الفصل بين تقييمات المهارات اللغوية والمهارات غير اللغوية فالعديد من الأطفال المصابين بالتوحد قد يظهرون مهارات حركية غير متوقعة إذا ما نظرنا إلى أنماطهم اللغوية المتكررة وطريقة لعبهم بالمقارنة مع أقرانهم غير المصابين.(2)

العوامل المسببة للاضطراب

لايوجد في الوقت الرهن تفسير شامل لاضطراب طيف التوحد إلا أن الدراسات الحالية ترجع الاضطراب لأسباب بيئية ووراثية، وفي دراسة مؤخرة أجريت على مرضى يابانيين اكتشف العلماء طفرتين في موقعين مختلفين من جين(DAB1) المسؤول عن إنتاج بروتين داخل خلوي يلعب دورًا أساسيًا في عمليات التموضع العصبي الصحيح والتشكل الطبقي الخلوي أثناء تطور الدماغ بالإضافة إلى دوره في وظائف التشابك العصبي والتعلم والذاكرة في دماغ البالغ.

لا يمكن اعتماد نتائج هذه الدراسة كتفسير نهائي للاضطراب. فلا بدّ من زيادة حجم العينة المدروسة لتحقيق تقييم أكثر شمولية للجين (DAB1) والجينات المتعلقة به. (3)

علاج اضطراب التوحد

للأسف لا يوجد حتى الآن أي علاج فعال وجذري لاضطراب طيف التوحد. فالطرق العلاجية الحالية والتدخلات الطبية المدروسة كلها تسعى إلى تخفيف الأعراض المعيقة وتطوير القدرات الإدراكية والمهارات الحياتية اليومية للطفل المصاب. فاكتساب مهارات اجتماعية تساعده في الاندماج والمشاركة الفاعلة في مجتمعه المحيط.

يؤثر اضطراب طيف التوحد على شخصية كل مصاب بشكل قد يختلف كثيرًا عن المصابين الآخرين فيكون لكل طفل قدراته و مشكلاته الخاصة في السلوك والتواصل والإدراك، وهذا ما يتطلب خططًا علاجية تشترك بها عائلة المريض مع الطبيب المعالج لتلبية الاحتياجات الخاصة للطفل المصاب لتحقيق أفضل نتائج ممكنة. تركز الخطط العلاجية بشكل أساسي على العلاج النفسي والسلوكي، وقد يلجأ الطبيب إلى العلاج الدوائي للتخفيف من أعراض القلق والاكتئاب ورفع مستويات الطاقة والقدرة على التركيز. بالنسبة للأطفال الأكبر عمرًا والبالغين فهناك جهود تبذَل لتطوير خطط علاجية مناسبة لهم، ذلك لأنّ الخطط الحالية وللأسف لاتحقق نتائج فعالة بالنسبة لهذه الفئة من المصابين.(4)

في الآونة الأخيرة تزايد الوعي الشعبي حول هذا الاضطراب وعواقبه، وبات المجتمع العربي أكثر تقبلًا لشريحة المصابين به، وتزايد عدد الجمعيات والجهات المعنية بحماية حقوقهم ومساعدتهم في الاعتماد على أنفسهم ليصبحوا أعضاء فاعلين ومؤثرين في مجتمعاتهم.

المصادر

1_ nature
2_ ncbi
3_ nature
4_ cdc



علم الوراثة الدوائي

علم الوراثة الدوائي
في غرفة عمليات أحد المشافي يستعيد المريض وعيه بشكل طبيعي بعد زوال تأثير مخدر الهالوتان الذي دام بضع ساعات بعد إتمام العملية الجراحية بنجاح وبدون مضاعفات تُذكر، وبالمقابل وفي حالة أخرى في مشفى آخر بعد إعطاء المريض جرعة مماثلة من المادة المخدرة نفسها تطورت لديه حمى شديدة وتقلص عضلي شديد لينتهي بانحلال سريع للعضلات وموت المريض بعد فشل الأطباء في إنقاذه، وهنا لا بُدّ أن نتساءل لماذا قد اختلفت استجابة المريضين للدواء المخدر نفسه؟ وهل نحن أمام حالة فردية تخص الهالوثان أم أننا سنجد هذا التباين بالاستجابة باستخدام أدوية أخرى؟ (1)
للإجابة عن هذه الأسئلة سنتناول في هذا المقال «علم الوراثة الدوائي-pharmacogenetics»

علم الوراثة الدوائي


يُعنى علم الوراثة الصيدلي بدراسة الاختلاقات الكثيرة في استجابة المرضى للأدوية، وذلك بسبب التنوع الكبير للأنماط الجينية بين الأفراد،وبالتالي يساعد هذا العلم الأطباء على صياغة وصفات طبية أكثر ملاءمة للمرضى من حيث النوع والكمية.(2)

هناك ثلاثة آليات تؤثر في الفعالية العلاجية للدواء وهي:استقلاب الدواء ونقل الدواء ومستقبل الدواء
ويمكن للبروتينات المسؤولة عن الآليات الثلاث أن تختلف بالتركيز والفعالية بين الأعراق المختلفة بشكل عام وبين الأفراد بشكل خاص فالجينات المسؤولة عن إنتاج هذه البروتينات معرضة للكثير من الحوادث الطفرية أثناء انتقالها من جيل لآخر فيمكن لتغير أساس نكليوتيدي واحد(الوحدة الأساسية لبناء الجين) لأحد الجينات أن يحدث تغيرًا واضحًا في تأثير البروتين المنتج وكمثال على هذه الحالة يمكننا العودة إلى مقدمة هذه المقال فتلك الاستجابة الشديدة للهالوتان المخدر سببها تغير نكليوتيد واحد فقط في جين (RYR1) المسؤول عن إنتاج بروتين مستقبل الريانودين للعضلات الهيكلية وتسمى هذه الحالة بمتلازمة
«فرط الحرارة الخبيث -malignant hyperthermia» التي تصبح مميتة إذا لم يتوفر التدخل الطبي السريع والفعّال. (3)
وفي حالات أخرى قد يُحذف الجين بالكامل، وكمثال على ذلك فإنّ 10% من القوقازيين يفقدون إحدى نسختي جين (TBMT) المسؤول عن إنتاج إنزيم يستقلب ويزيل سميّة أدوية «الثيوبورينات-Thiopurines» وبالتالي تنخفض كمية هذا الإنزيم إلى النصف من الحالة الطبيعية وبذلك تصبح أجسامهم غير قادرة على تحمل الجرعات الاعتيادية من هذه الأدوية المستخدمة في العلاج الكيميائي لمرضى سرطان الدم،لذلك يوصي العلماء بإجراء اختبار كشف خلل الاستقلاب لتحديد الجرعة الدوائية الأمثل لجسم المريض. (4)
وبحالة معاكسة تمامًا قد يتضاعف الجين المسؤول عن إنتاج إنزيم (CYP2D6) المسؤول عن استقلاب طيف واسع من الأدوية، وكنتيجة لذلك تزداد سرعةالاستقلاب وفعاليته في أجسام المرضى حاملي هذا التغاير الجيني ، وهنا لابدّ أن نذكر أن هذه الحالة ما زالت مبهمةً إلى حد ما، فإلى الآن لا توجد دراسة منهجية تشرح هذه الحالة بشكل كامل على أمل أن يجد علماء الوراثة الدوائية تفسير هذه الظاهرة في أقرب وقت. (5)

انحصر تركيزنا في الأمثلة السابقة على التغيرات التي تطال جينًا واحدًا فقط إلا أنّ معظم الاستجابات الدوائية تنتج عن عن صفات بالغة في التعقيد والتداخل، وتتأثر الاستجابة بالعوامل البيئية المحيطة بما في ذلك بالأدوية الأخرى المعطاة بشكل متزامن وهذا ما يتطلب دراسات على مستوى الجينوم بأكمله في فرع علمي يسمى ب
«علم الوراثة الجينومي الدوائي-pharmacogenomics»

الطب الشخصي


يمكننا أن نعتبر «الطب الشخصي-personalized medicine» التطبيق العملي لاكتشافات علماء الوارثة الدوائية فهو يسعى لتحقيق التشخيص الأمثل وتقديم الدواء الأمثل بالجرعة والوقت المثاليين، وذلك بناء على الخارطة الجينومية لكل مريض على حدى، ولكننا في الحقيقة ما زلنا بعيدين عن تحقيق هذه الغاية فهناك عديد من العقبات التي تعوق التقدم في الطب الشخصي من بينها الكلفة العالية لسلسلة الجينوم لجميع المرضى إضافة إلى صعوبة تفسير التحاليل الجينية ومقارنتها فالجينوم البشري مكون من أكثر من ثلاثة مليارات نكليوتيد.(2)

يطمح علماء الوراثة الدوائية بمستقبل يكون فيه العلاج الشخصي أمرًا اعتياديًا ويتطلب إجراءات روتينية بسيطة، ولكن إلى ذلك الحين لا بُدّ من العمل على حل المشكلات القائمة في هذا المجال واستثمار مزيد من الجهود والموارد لتطوير التقنيات المساعدة، ولكن من يدري قد نشهد في حياتنا مرحلة تصبح فيها شيفرتنا الجينية جزءًا أساسيًا من بطاقة هويتنا الشخصية.

المصادر:
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1867813/ (1)
https://www.nature.com/articles/6500338 (2)
https://scholar.google.com/scholar?hl=ar&as_sdt=0%2C5&q=malignant+hyperthermia&btnG=#d=gs_qabs&u=%23p%3D-b76jlDtCdEJ (3)
https://www.nature.com/articles/537S60a (4)
https://www.nature.com/articles/6500406 (5)

ما هي تقنية الوراثيات البصرية؟

ما هي تقنية الوراثيات البصرية؟

لطالما أدهشتنا هوليود بما تقدمه في أفلامها من أفكار إبداعية وثورية ولا سيما في أفلام الخيال العلمي التي أسهمت كثيرًا في نشر أفكار علمية بطريقة مبسطة وفي قالب فني تشويقي، ولاهتمامنا بالسينما العربية أيضًا قررنا أن نقدم للمنتج العربي قصة قد تصلح لفيلم خيال علمي.
تبدأ قصتنا في مختبر علمي معزول تحت الأرض يديره عالم مهووس مختص في البيولوجيا العصبية. يجلس العالم أمام الشاشة مراقبًا سير تجربته الفريدة القائمة في الغرفة المجاورة .
في الغرفة يُحتجَز شاب عشريني كان قد خُطفَ من أحد شوارع المدينة. كل شيء طبيعي إلى أن يحرك العالم مفتاح جهاز يحمله في يده، فيدخل الشاب في نوبة ضحك هستيرية غير مبررة لكنه يتوقف عن الضحك تمامًا حين يعيد العالم المفتاح إلى الوضع الأول. يدير العالم مفتاحًا آخر، فيبدأ الشاب بالصراخ والبكاء ليعود ويخمد مرة أخرى بإجراء مشابه من العالم، وبعد عدة ساعات وعدة تعديلات في منحى التجربة يتمكن العالم من السيطرة الكاملة على دماغ ذلك الشاب المسكين الذي لا يعي أساسًا أنه تحول إلى دمية تتحرك بإرادة خارجية.
ولكن ماذا لو أخبرتكم أنّ هذه القصة ليست خيالية تمامًا، وأنّ هذه التجربة قد حدثت بالفعل، ولكن بفرق أنها طُبّقت على الفئران وليس على البشر.

التجربة الفعلية


قام فريق علمي من جامعة ستانفورد الأمريكية بقيادة عالم الأعصاب «كارل ديسروث_ karlDeisseroth » بالتحكم بالنشاط العصبي لعشرين خلية عصبية في القشرة البصرية لكل فأر من الفئران التي أُُجبرت على شرب الماء، وقد تمت عملية التحكم هذه بفضل تقنية تدعى «الوراثيات البصرية_optogenetics» التي سنتعرف عليها في هذا المقال.(1)
البصريات الوراثية
تعتبر الوراثيات البصرية تقنية عصبية حديثة العهد تعتمد بشكل أساسي على التحفيز الضوئي لبروتينات الرودبسين الغشائية، ولكن كيف بدأت هذه التقنية؟ ما هي آلية عملها؟ ما هي فائدتها؟


معضلة فرانس كريك والحل الأمثل


في عام 1979 رأى العالم الأميريكي فرانس كريك الحاصل على نوبل أنّ علم الأعصاب يواجه تحديًا كبيرًا في القدرة على التحكم بنوع واحد من الخلايا العصبية دون التأثير بغيرها، فالتنبيه الكهربائي لا يفي بالغرض لحل هذه المشكلة لأن الأقطاب الكهربائية تقوم بتنبيه جميع الدارات العصبية في المنطقة التي أُدخلت فيها دون تمييز بين الأنواع المختلفة للخلايا، ولكن ماذا عن الأدوية العصبية هل هي البديل المناسب؟ مع الأسف ليست كذلك أيضًا لأنها وبالإضافة لافتقارها للدقة المطلوبة، فإنّ تأثيرها أبطأ من تأثير التنبيه الطبيعي الخلاياإنّ الحل الأمثل لهذه المعضلة هو التحفيز الضوئي لأنه يحقق قدرة انتقائية عالية للخلايا المستهدفة والدقة الزمنية المناسبة. (2)

دور بروتينات الرودبسين


تعد بروتينات «الرودبسين_ rhodopsin» من أكثر المحولات البيولوجية استجابةً للتحفيز الضوئي وقد اكتشف الرودبسين «الرودبسين البكتيري_bacteriorhodopsin »لأول مرة عام 1970 في «العتائق الملحية_halophilic archea»وهي موجودة في البكتيريا وفي أغشية الخلايا البصرية للشبكية أيضًا.
وتتوضّع بروتينات الرودبسين في أغشية الخلايا بشكل قنوات مبوّبة تصل بين الوسط الخارجي والداخلي للخلية، فعندما تتعرض للضوء تُفتح البوابات لتشكل ممرًا للأيونات بين الوسطين.(3)
إنّ عمليتي التنبيه الطبيعي للخلايا العصبية والنقل الإشاري بين الخلايا تعتمدان بشكل أساسي على حركة الأيونات بين جانبي أغشية الخلايا، ولكن فيما لو تواجد الرودبسين في هذه الأغشية لاستطعنا التحكم بالفعالية العصبية(تحفيز أو تثبيط) للخلايا باستخدام الأطوال الموجية الضوئية الملائمة ومن دون أي إجراء جراحي، وهذا ما تم تطبيقه تمامًا في التجربة التي تحدثنا عنها سابقًا فقد استخدم العلماء فئرانًا معدّلة وراثيًا من خلال إصابة الخلايا المستهدفة بفيروس حامل للجين المسؤول عن إنتاج الرودبسين ، وبالتالي قد أصبحت الخلايا العصبيةالمستهدفة للفئران قادرة على إنتاج هذا البروتين، وبالمحصلة بات بإمكان العلماء وبواسطة الضوء التحكم بسلوك الفئران المرتبط بالخلايا المستهدفة.(1)

تطبيقات تقنية البصريات الوراثية


تجيب تقنية البصريات الوراثية على مجال واسع من الأسئلة المتعلقة بالسلوك والفيزيولوجيا، كما توفّر فهمًا أعمق لعمليات حيوية كالحركة والتعلم والذاكرة والاستقلاب، بالإضافة إلى ذلك فقد حققت الوراثيات البصرية اكتشافات طبية تشخيصية للنشاطات العصبية المضطربة المرتبطة بأمراض عصبية كالصرع والشلل الرعاش وداء هنتغتون.(4)

تعرفنا في هذا المقال على واحدة من أكثر التقنيات ثورية في علم الأعصاب، و التي يطمح العلماء أن تتيح لهم تطبيقاتٍ علاجية للأمراض العصبية المستعصية مثل الألزهايمر والشلل الرعاش.
ولكن لنعد قليلًا إلى قصتنا الهوليودية هل سنسمع يومًا بعلماء يسيطرون على البشر ويسخرونهم لمصالحهم الشخصية؟ من يدري؟ ربما!

المصادر
(1) Nature
(2) Scientific Amerian
(3) Science Advances
(4) Britannica

Exit mobile version