مفهوم الإنسان عند ماركس

مفهوم الإنسان عند ماركس:

تمتلك الماركسية، كأي أيدولوجيا، ترسانة معرفية هائلة، غير أنها تعدو أن تكون تراكمات مفاهيمية في الكتب. في فترات طويلة جدًا سيطرت أنظمة قمعية على مساحات شاسعة من العالم تحت غطاء الماركسية وصور ماركس. لم يكن ماركس محظوظًا رغم كل هذا الاهتمام به، فتحول عند البعض إلى تجسيد شيطاني، وتم تفسير فلسفته من قبل البعض على أنها فلسفة مثالية وآخرون حملوه مسؤولية كل ما قامت به السلطات الشيوعية الاستبدادية. يقدم إريك فروم في كتابه “مفهوم الإنسان عند ماركس” تفسيرًا مغايرًا وموضوعيًا لأكثر المفاهيم تعرضًا للتشويه في فلسفة ماركس.

أسباب تزييف مفاهيم ماركس:

يتساءل فروم عن الأسباب التي دفعت المجتمع الغربي لتكوين صورة مزيفة لفلسفة ماركس رغم تظاهره بالموضوعية والصدق في البحث. مفهوم “المادية” على سبيل المثال من أكثر المفاهيم تعرضًا للتشويه. حيث يُعتقد بأن ماركس كان يؤمن أن الدافع السايكولوجي الأعظم في الإنسان هو ميله للكسب المالي دون إعطاء أي اعتبار للحاجات الروحية.

كما تم تفسير نقده للدين بوصفه نوعًا من العدمية الأخلاقية. راح هذا التفسير ليبين أن الماركسية هي فردوس من الأشخاص الذين تنازلوا عن فرديتهم وحريتهم ليعملوا مثل الروبوتات. يشير فروم إلى وجود بعض التناقض في هذه الرؤية الرأسمالية؛ حيث أن الرأسمالية تتهم تارة الماركسية بأنها مادية وتارة أخرى بأنها مثالية/غير واقعية.

يعرض فروم بعض الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة المعرفية دون ترتيب. أحدها الجهل وعدم العودة إلى كتابات ماركس وعدم ترجمة بعض من أعماله، خاصة (المخطوطات الفلسفية والاقتصادية). وسبب آخر هو أن الشيوعيين الروس قد طبقوا رؤيتهم المحتقرة للفردية والقيم الإنسانية تحت غطاء مفاهيم ماركس. تصور الروس –على حد قول فروم- أن الاشتراكية ليست مجتمعًا مختلفًا إنسانيًا عن الرأسمالية، بل شكلًا من الرأسمالية الذي تحصل فيه الطبقة العاملة على مكانة اجتماعية أرقى. كما كانت هناك أسباب غير عقلانية وراء ذلك التحريف، مثل العداء الثقافي المتجذر في العلاقة الروسية-الغربية.

مفهوم المادية:

إن المادية ببساطة هي المنهج الذي اعتمد عليه ماركس في تحليله للوجود الإنساني. جاءت مادية ماركس لمواجهة المثالية الألمانية والمادية البرجوازية الميكانيكية. فالمثالية المتمثلة بهيجل تفترض مقدمًا روحًا مطلقة أو مجردة، تتطور بحيث لا يكون الإنسان فيها سوى كتلة لحم تحمل هذه الروح. أما المادية البرجوازية فهي مادية استاتيكية جامدة، ترجع كل مظاهر الحياة الإنسانية الروحية والعاطفية إلى عمليات فسيولوجية في الجسم. حسنًا، ما هي مادية ماركس؟

مادية ماركس تتميز بطابع الصيرورة والديناميكية، بحيث تركز على علاقة الإنسان بالطبيعة. لفهم ذلك، يجب أن نفهم أنه لدى الإنسان غرائز ثابتة وأخرى نسبية، الأخيرة نابعة من تنظيم اجتماعي معين. أما الغرائز الثابتة هي التي تحتاج التركيز. يحتاج الإنسان إلى المأوى والطعام والجنس… إلخ، فيستدعي ذلك أن يقوم الإنسان بعملية الإنتاج، لإنتاج ما يحتاجه. وليس الإنتاج نفسه هو المهم، إنما إسلوب الإنتاج، لأنه يحدد كينونة الإنسان وأفكاره.

يقول ماركس: إن شروطًا اقتصادية محددة، كتلك الموجودة في الرأسمالية، تخلق كحافز رئيسي الرغبة في المال والملكية. بينما نجد أن أوضاعًا اقتصادية أخرى تولد رغبات معاكسة تمامًا، كالزهد واحتقار الثروة الدنيوية كما هو ملاحظ في كثير من الثقافات الشرقية.

مفهوم الوعي:

يعد مفهوم الوعي من المفاهيم المتشظية في تاريخ الفلسفة، وغالبًا ما يُنظر إلى الوعي ككيان مستقل ومتعال. لكن ماركس يضعه في سياق العملية الإنتاجية. فالوعي الإنساني الجمالي والقانوني والسياسي والأخلاقي يحدده أسلوب الإنتاج الذي يتبعه. إن إنتاج الأفكار متمازج بشكل مباشر مع الفعالية المادية ومع علاقات البشر المادية. لكن يجب أن نفهم أن الوجود الإنساني ليس بوجود سلبي، فالإنسان في علاقة إيجابية مع الطبيعة؛ أي الظروف الخارجية. يقول ماركس أن الإنسان هو من يصنع وجوده من خلال العمل، أي فعالية علاقتنا مع الطبيعة. إن توافق عملية تغيير الظروف مع الفعالية الإنسانية أو التغيير الذاتي لا يمكن تفسيره إلا بوصفه ممارسة ثورية.

اقرأ أيضًا كيف تنظر الفلسفة إلى مفهوم الوعي؟

مفهوم الاغتراب:

يؤكد ماركس دومًا على أصالة علاقة الإنسان بالطبيعة؛ أن الإنسان يحوز كينونته الفعالة من خلال تفاعله الإيجابي مع الطبيعة. إن الإنسان يصنع نفسه في تلك العلاقة في سياق التاريخ. إلا أن مفهوم الإنسان لا يمكن فهمه بمعزل عن إشكالية الاغتراب.

يقوم فروم بمقاربة مثيرة بين مفهوم الاغتراب عند ماركس ومفهوم الوثنية. تعني الوثنية عبادة الإنسان وخضوعه لشيء أو كيان قام هو نفسه بصنعه، عبادة التماثيل على سبيل الذكر. الإنسان حين يخلق شيئًا ما، فبدلًا من أن يمارس ذاته كفرد خالق، فإنه يكون في حالة تواصل مع ذاته عبر عبادة ذلك الشيء، أي الوثن.

وتمثل اللغة شكلًا من أشكال الاغتراب المعقدة عند ماركس. إن اللغة تحول الكلمة من علامة لغوية دالة إلى شيء قائم بذاته، فعندما أقول (أحبك) فهذه الكلمة تمتلك حياتها الخاصة، فحينئذ نهتم بفكرة الحب التي انبثقت من اللغة بدلًا من الاهتمام بحدث الحب نفسه. رغم الاعتبار العظيم للغة في فلسفة ماركس إلا أنه يحذرنا من خطر أن تكون بديلًا عن التجربة الحية.

كما أن الاغتراب قد يتجلى في مواضيع فنية وأدبية وفكرية، فيمكن أن نذعن لنص شعري أو لوحة فنية أومفهوم إلى حد الاغتراب عن ذواتنا.

لنفهم مفهوم الاغتراب علينا البحث في مسألة العمل، فتجربة العمل هي التجربة الأهم بالنسبة لماركس في تحقيق الانسان لذاته الفردية أو لذاته الكونية، أي تمثيله للنوع الإنساني. بيد أن تجربة العمل باتت تجربة مغرَّبة في عصر الرأسمالية. تحت شروط الإنتاج الرأسمالي يُقصى الإنسان عن قواه المبدعة كما أن الأشياء التي انتجها هي التي تتعالى عليه وتتحكم به.

ثمة سوء فهم شائع حتى بين الاشتراكيين، فلم يدعو ماركس إلى التساوي في الدخل أو أن يحصل العامل على أجر أعلى بل دعا إلى تحرير الإنسان من ذاك النوع من العمل الذي يدمر فرديته، والذي يحوله إلى شيء ويجعله عبدًا للأشياء.

العمل المغرِّب هو الذي ينزل بالإنسان إلى مستوى الآلة أو أقل، حيث يفقد الفرد رغبته في العمل ويشعره بالبؤس. ولأن العلاقة الانتاجية هي محرك تاريخ تحقيق الإنسان لذاته، فالاغتراب لا يكون واقعة طارئة في زمن العمل ومكانه بل يؤدي إلى اغتراب الإنسان عن ذاته وأخيه الإنسان وعن الطبيعة.

الاشتراكية والحرية:

الصورة الرسمية للاشتراكية في الفضاء العمومي العالمي هي صورة لمجموعة كبيرة من الأشخاص البائسين يعملون تحت مراقبة شديدة. ساهم الاعلام الرأسمالي في تقديم تلك الصورة، كما عملت سلطة ستالين على ترسيخها في مخيلة الناس. بيد أن الاشتراكية التي دعا ماركس إليها مختلفة عن تلك الصورة والتأويلات الشائعة. إذن ما هي الاشتراكية؟

الاشتراكية هي المجتمع الذي يعمل فيه الأفراد بطريقة مشتركة، لا تنافسية، بطريقة عقلانية وغير مغرَّبة. يقول الفيلسوف باول تيليش بأن الاشتراكية هي حركة احتجاج ضد تدمير الحب في الواقع الاجتماعي.

الحاجات في المجتمع الاشتراكي:

إن الاشتراكية وفقًا لماركس هي المجتمع الذي يلبي حاجات الفرد الإنسانية، لكن مفهومه للحاجات فيه بعض التحديد. ثمة حاجات زائفة وأخرى حقيقية، الحاجات الزائفة تؤدي إلى الاغتراب في حين الحاجات الحقيقية تؤدي إلى تحقيق الفرد لجوهره. ما يميز حقيقة الحاجة عن زيفها هو طبيعة الإنسان، بعكس المجتمع الرأسمالي الذي يخلق كمية هائلة من الحاجات الزائفة، فإن الاشتراكية هي تحقيق حاجات حقيقية وأصيلة.

هدف الاشتراكية:

إن هدف الإشتراكية هو الإنسان، إنها تهدف إلى خلق نمطًا من الإنتاج، ونظامًا للمجتمع، يصبح فيه بإمكان الإنسان قهر الاغتراب عن نتاجه، وعن عمله، وعن أخيه الإنسان، وعن ذاته وعن الطبيعة. والاشتراكية ترفع شعار التصالح والانسجام مع الطبيعة وليس السيطرة عليها واستغلالها لأجل فائدة أكبر كما هي حال الرأسمالية.

الحرية:

يتخيل الناس –ولهم مبرراتهم- المملكة الاشتراكية على أنها الجانب المقابل للحرية، أي استحالة الحرية. في حين أن الاشتراكية تهدف إلى مجتمع حر وإنسان حر. الحرية هنا هي أن يبني الأفراد علاقة عقلانية مع الطبيعة، وأن يتعاملوا مع ثرواتها بشكل مشترك، بدلًا من أن يكونوا محكومين بها كقوة عمياء. كتب ماركس في (رأس المال): “عهد مملكة الحرية لا يبدأ، حتى تنقضي المرحلة التي يكون فيها العمل القائم على قسر الضرورة والمنفعة الخارجية متطلبًا”.

كيف تنظر الفلسفة إلى مفهوم الوعي؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 10 في سلسلة 9 موضوعات في علم النفس التطوري

تُعتبر إشكالية الوعي من أعقد الإشكاليات العلمية. رغم أننا كبشر نختبر الوعي ونعرفه بطبيعتنا، إلا أن تفسيراتنا الفلسفية والعلمية في مجال الوعي ما زالت مبتدئة. ففي حين اعتبر الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن الوعي حقيقة بديهية وصافية ندركها بالعقل، إلا أن مفهوم الوعي ما زال غامضًا وما زلنا بعيدين عن فهم تفسير مفهوم الوعي وأسبابه العلمية. فما هو تعريف الوعي؟ وكيف تناول الفلاسفة هذا المفهوم المعقّد ؟ وما طبيعة العلاقة التي تجمع الوعي والفلسفة؟

مفهوم الوعي وتعاريفه المختلفة

نستخدم كلمة “وعي” ومشتقاتها في حياتنا اليومية لنعبّر عن مفاهيم مختلفة (فنقول مثلًا فقد فلان وعيه أو لم أكن واعيًا،…). لذلك يسمّي الفلاسفة الوعي بـ«المفهوم الشعبي – Folk concept»، أي أنه متجذّر في اهتماماتنا اليومية ونابع منها.

ولكن الملفت أيضًا هو أن استخدام كلمة الوعي لا يرد في سياق واحد، أي أنها تحمل معانٍ مختلفة.

المعنى الأول للوعي هو «الإحساس –Sentience  »، أي الإدراك الحسّي والقدرة على التفاعل مع المحيط.  ويُستخدم مفهوم الوعي أيضًا بمعنى «اليقظة – Wakefulness»، فنعتبر أن الكائن واعي بمجرّد أنه غير نائم أو مخدّر، ويكون الوعي بهذا المعنى حالة من حالات الحياة العقلية التي نحظى بها.

أما المعنى الثالث للوعي هو ما يسمّيه الفيلسوف الأميركي «نيد بلوك – Ned Block» بـ«الوعي الوصولي –Access consciousness » وهو ببساطة الأفكار التي تدور في رأسنا في لحظة معينة، وتتفاعل مع بعضها وتؤثر بشكل مباشر على سلوكنا. وقد اعتقد الكثيرون قبل القرن العشرين أن كل أفكارنا متاحة لوعينا، غير أن المدرسة التحليلية في علم النفس التي تأسّست على يد فرويد بيّنت أن الأفكار والسلوكيات الواعية ليست إلا جزءًا صغيرًا من حياتنا العقلية والنفسية، وهي تخبئ الكثير من الأفكار والعواطف اللاواعية والتي تؤثر بشكل لاواعٍ على تصرفاتنا.

وأخيرًا، المعنى الرابع للوعي هو ما يسمّى بـ«الوعي الهائل أو الخبرة الذاتية – Phenomenal consciousness (Qualia)»، وهي حالة الوعي الشاملة التي لا تقتصر على كل المعارف والمعلومات والإدراكات الحسية والذكريات والرغبات والمخططات الموجودة في العقل، بل تشمل أيضًا التجربة الذاتية والمشاعر الشخصية التي يعيشها كلٌّ منا في معظم أوقاتنا. فمن الممكن أن تميز آلة معينة بين أطعمة ذات مذاقات مختلفة أو أي إدراكات حسية مختلفة. ورغم أن هذه الآلة تملك قدرات معرفية لكنها لا تعيش ما تعيشه أنت، ككائن واعٍ، من تجربة شخصية عند تذوق كل من الأطعمة، وبالتالي لا تملك الوعي.  

كيف تناول الفلاسفة مفهوم الوعي عبر التاريخ؟

يُقال أن تساؤلاتنا كبشر حول الوعي والعقل بدأت منذ زمن بعيد. فكان لحضارات العصر الحجري الحديث و ما بعدها ممارسات عقائدية وروحية تبين حدًا أدنى من التفكير والتساؤل حول مفهوم الوعي.

غير أن آخرين يعتبرون أن مفهوم الوعي كما نعرفه حاليًا يُعد حديث نسبيًا، أي أنه لم يبدأ قبل العصر الهوميري (أي تقريبًا في العام 750 قبل الميلاد). حتى أن اللغة الإغريقية القديمة لم تكن تحتوي على كلمة مرادفة للوعي، رغم اهتمام الإغريق بالكثير من الإشكاليات العقلية.

قفزة الوعي في منتصف القرن السابع عشر

ابتداءً من منتصف القرن السابع عشر، بدأ الحديث عن الوعي بشكل كبير، وتم اعتباره موضوعًا مركزيًا في أي حديث عن العقل، حتى أن ديكارت عرّف “الفكرة” نفسها على أنها الوعي بحدوثها. وفي نهاية القرن السابع عشر، لاقاه الفيلسوف البريطاني «جون لوك – John Locke» في أفكار مشابهة عن الوعي، بحيث اعتبر أنه أساسي ليس فقط للفكرة، بل أيضًا للهوية الذاتية.

ثم أتى عالم المنطق والرياضيات والفلسفة الألماني «ليبنيز – Leibniz» ليقدم نظرية عقلية، اعتبر فيها أن الوعي مُجزأ إلى درجات لا متناهية، حتى أنه طرح احتمالية أن تكون بعض الأفكار لا واعية. كما كان من أوائل الذين ميّزوا بين «الإدراك – Perception » و«الإدراك بالترابط – Apperception» وبين الوعي والوعي الذاتي.

وبقيت «المدرسة الترابطية –Associanism  »التي بدأت مع لوك  مسيطرة على كل النظريات المتعلقة بالفكر والوعي لمدة قرنين، وهي تؤمن أن كل العمليات العقلية مترابطة ، وأن كل معرفة تبدأ عن طريق الحواس. وقد تبع هذه المدرسة الفيلسوف الاسكتلندي «ديفيد هيوم – David Hume» في القرن الثامن عشر وبعده الفيلسوف الاسكتلندي «جيمز ميل- James Mill» في القرن التاسع عشر، فاكتشفا مبادئ ترابط الأفكار وتفاعلها.

في المقابل، انتقد الفيلسوف الفرنسي ايمانويل كانت المدرسة الترابطية، بحيث اعتبر أن الوعي الهائل لا يمكن أن ينتج فقط عن ترابط الأفكار، بل هو يستلزم بنية عقلية غنية ومنظمة.

في كل هذه الفترة، كانت العلاقة بين الوعي والدماغ البشري غامضة جدًا بالنسبة للباحثين.

بدأت تتكشف هذه العلاقة في القرن العشرين مع بداية المدرسة السلوكية في علم النفس، ومن بعدها بشكل أكبر مع صعود علم النفس المعرفي الذي وضع أسسًا علمية لكيفية عمل الدماغ ومعالجة المعلومات والعمليات العقلية.

ولكننا حتى الآن، لم نتوصّل بعد إلى إيجاد الإجابات حول الكثير من الأسئلة حول الوعي. مثل ما الذي يجعلنا بالتحديد كائنات واعية، وإمكانيات وجود الوعي عند كائنات أخرى غير بشرية. والأهم أن العلاقة بين الفلسفة والعلوم المعرفية ما زالت تحمل حلقات ناقصة، لذلك تحدّث الفلاسفة عن وجود «مشكلة الوعي الصعبة – The hard problem of consciousness».

مشكلة الوعي الصعبة

مشكلة الوعي الصعبة تكمن في تفسير وجود الوعي الذاتي (الخبرة الذاتية أو الكواليا). وهنا السؤال الأساسي: ما الذي يجعل منا، ككائنات جسدية ومادية، كائنات واعية؟

إذا أردنا تشريح هذه المشكلة يمكن النظر إلى الوعي الذاتي من زاويتين مختلفتين.

من الزاوية الأولى، نحن نعرف أننا نملك الوعي، بكل بساطة لأننا نختبره. من خلال هذه النظرة الذاتية، يمكن وصف تجاربنا الشخصية المختلفة مع كل المشاعر الواعية التي تصحبها.

في المقابل، إذا نظرنا إلى الوعي الذاتي من منظور خارجي، يصعب تحديد الوعي وتعريفه. فلننظر مثلًا إلى الدماغ كعضو مادي، نعرف أنه عضوًا فائق التعقيد مع أكثر من مئة مليار خلية عصبية متصلة ومتشابكة. كما نعرف أنه قادر على تخزين المعلومات والتمييز بين المحفزات الحسية والتخطيط والسيطرة على سلوكياتنا. لكننا لا نملك أدنى فكرة كيف يمكن لهذا النشاط الدماغي أن يصنع الوعي الذاتي.

هل يستطيع العلم حل معضلة الوعي؟

يعتبر عدد من الفلاسفة أمثال «فرانك جاكسون – Frank Jackson» و«ديفيد تشالمرز – David Chalmers»  أن العلم لن يستطيع حل مشكلة الوعي الصعبة، ولن يستطيع اختصار الوعي بتفسيرات العلوم المعرفية والنشاط العقلي. ويعطي فرانك جاكسون هذا المثال كدليل على ذلك. تخيّل أن “ماري” هي عالمة أعصاب عبقرية، لكنها وُلدت في غرفة خالية من الألوان، وكل ما من حولها بالأبيض والأسود. استطاعت ماري من داخل غرفتها تعلم كل المعلومات عن نشاط الدماغ، بما فيها قدرة الدماغ على تمييز الألوان. تخيّل أن ماري خرجت في يوم من الأيام إلى العالم الملوّن. في هذا اليوم، رغم معرفة ماري السابقة عن كل المعلومات المتعلقة بالألوان ومعالجتها، فهي اكتسبت خبرة جديدة لمجرد رؤيتها للألوان. وبالتالي، فإن فهم النشاط الذهني غير كافي لتفسير الوعي.

ختامًا، تبقى إشكالية الوعي عصية حتى الآن على التفسير العلمي والفلسفي. لكن استطاع العلم قبل ذلك أن يشرح الضوء بخصائص فيزيائية رغم اعتقاده عصيًا على هذا الشرح. فهل سيتوصّل العلم إلى تفسير الوعي خصوصًا مع صعود العلوم العصبية في عصرنا؟

المصادر
Coursera
Stanford Encyclopedia of Philosophy

إقرأ أيضًا: قضية موت الفلسفة ومساءلة العلم

ما هو التنويم المغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

ما هو التنويم المغناطيسي؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

كثيرة هي الخرافات والمفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بالتنويم المغناطيسي. وذلك نتيجة للطريقة التي تقدمه بها العروض التلفزيونية والسينمائية على أنه وسيلة للسيطرة على العقول.

التنويم المغناطيسي في السينما

حيث يقوم طبيب نفسي مجنون باستغلال مريضه للانصياع لأوامره وتنفيذ خططه الإجرامية. ولكن خلف هذه الصورة القاتمة تكمن صورة التنويم المغناطيسي الحقيقية، والتي تجيبنا على أسئلة مثل ما هو التنويم المغناطيسي؟ علام يعتمد؟ وما هي تطبيقاته العلاجية؟

بدايةً إن التنويم المغناطيسي هو حالة عقلية طبيعية قد تمر بها في أوقات مخلتفة خلال اليوم الواحد. فمثلا قد تنغمس في نشاط معين يأخذ منك تركيزًا كبيرًا ويفقدك إحساسك بالوقت وبما يحصل حولك في الغرفة. وبالتأكيد هذه الحالة مألوفة لمحترفي الألعاب الإلكترونية والقرّاء النهمين للروايات البوليسية. وبهذا تسقط الخرافة الأولى المتعلقة بالتنويم المغناطيسي. فعلى عكس الصورة النمطية لخبير التنويم المغناطيسي، فإنه لن يجبرك على النوم، بل سيؤمن لك شروطًا تحقق لك يقظة وتركيزًا عاليًا وستخرج من عيادته محتفظًا بذاكرتك حول ما حدث معك أثناء الجلسة لتخبر أصدقاءك عن هذه التجربة الفريدة.

يأخذك المعالج أثناء الجلسة برحلة إلى داخل عقلك الباطن، حيث ُتختَزن جميع ذكرياتك وتجاربك وخبراتك العملية وأفكارك الإبداعية. ومن خلال هذه الرحلة التي تتبع بها إرشادات معالجك يمكنك العثور على إجابات على كثير من الأسئلة العالقة التي تجول في خاطرك، وتساعدك في التخلص من المشاعر السلبية التي تسببت لك بالألم. ولكن هنا قد يطرح تساؤل، هل باستطاعة المعالج السيطرة على عقلك والتحكم بتصرفاتك وخاصة أنك تكون أكثر عرضة لتقبل الاقتراحات والأوامر في هذه الحالة؟

السيطرة على العقول هي الخرافة الثانية المرتبطة بالتنويم المغناطيسي فخلال الجلسة يبقى المريض واعيًا بما يقوله ويفعله وبإمكانه رفض تنفيذ أي طلب يتعارض مع قيمه الأخلاقية ومفاهيمه الأساسية للحياة.(1)

ما هي التطبيقات العلاجية للتنويم المغناطيسي؟


يمكن أن يكون العلاج بالتنويم المغناطيسي وسيلة فعالة للتعامل مع القلق والتوتر فيمكن أن يُستخدَم قبل الإجراءات الجراحية الخطيرة لتخفيف الضغط النفسي على المريض. تمت دراسة التنويم المغناطيسي في حالات أخرى مثل:

قد يساعد التنويم المغناطيسي في تسكين آلام الحروق وآلام الولادة وتخفيف مضاعفات العلاج الكيميائي للسرطان. كما قد يساعد في تخفيف أعراض الهبات الساخنة المرافقة لانقطاع الطمث، بالإضافة إلى ذلك فقد لاقى التنويم المغناطيسي نجاحًا في علاج الأرق والتبول اللاإرادي والمساعدة في الإقلاع عن التدخين و تخفيف الشهية.(2)

تاريخ التنويم المغناطيسي

يعود استخدام حالات النشوة الشبيهة بالمنوم إلى آلاف السنين، لكن التنويم المغناطيسي بدأ في النمو خلال أواخر القرن الثامن عشر على يد طبيب يُدعى فرانز ميسمير. لكن البداية كانت بسبب آراء مسيمير الصوفية، لكن الاهتمام تحول في النهاية إلى نهج أكثر علمية.

أصبح التنويم المغناطيسي أكثر أهمية في مجال علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر واستخدمه جان مارتن شاركوت لعلاج النساء اللاتي يعانين مما كان يعرف حينها بالهستيريا. أثر هذا العمل على سيغموند فرويد وتطور التحليل النفسي.

في الآونة الأخيرة، كان هناك عدد من النظريات المختلفة لشرح بالضبط كيفية عمل التنويم المغناطيسي.واحدة من أكثر النظريات شهرة هي نظرية هيلجارد للانفصال الجديد عن التنويم المغناطيسي.
وفقًا لهيلجارد، يعاني الأشخاص في حالة التنويم المغناطيسي من انقسام في الوعي حيث يوجد مساران مختلفان للنشاط العقلي. بينما يستجيب تيار من الوعي لاقتراحات المنوم المغناطيسي ، يقوم تيار آخر منفصل بمعالجة المعلومات خارج الإدراك الواعي للفرد المنوم مغناطيسيًا.(3)

المصادر:

hypnosistrainingacademy
mayoclinic
verywellmind


ماذا لو بقيت مستيقظاً أثناء العملية الجراحية؟

 

ماذا لو بقيت مستيقظاً أثناء العملية الجراحية؟

من بين ١٩٠٠٠ مريض هناك إحتمالية أن يبقى مريض واحد مستيقظاً أثناء العملية الجراحية، وهذه النسبة لا تعد قليلة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أنه في الولايات المتحدة وحدها يتم إجراء ما يقارب ١٣٠٠٠٠ عملية جراحية يومياً، مما يرفع إحتمالية المرضى المستيقظون إلى ٧ مرضى يومياً، وهذا يدفعنا لسؤال ماذا لو بقيت مستيقظاً أثناء العملية الجراحية؟

غالباً ما يكون الاستيقاظ بلا شعور بالألم ويعاود المريض النوم خلال ٥ دقائق، لكن هذا لا يمنع وجود بعض أفلام الرعب التي تحوم حول عملية الاستيقاظ هذه ، ففي دراسة أجريت على مرضى إختبروا عملية الاستيقاظ خلال التخدير، قال ١٨% منهم أنهم شعروا بالألم، كما طوّر بعضهم الآخر أعراض ما بعد الصدمة كإزدياد الشعور بالقلق والكوابيس .

قبل أي عملية جراحية يقوم طبيب التخدير بالإطلاع على التاريخ الطبي للمريض والسؤال عن عاداته ونمط حياته، فكل منا يتفاعل بشكل مختلف مع مواد التخدير، لذلك من المهم أن يحدد طبيب التخدير الجرعة المناسبة لكل مريض إعتمادا على المعلومات التي تم الحصول عليها بحيث يدخل المريض في حالة التخدير بدون أي تثبيط للعمليات الحيوية داخل جسمه.

من الممكن أن تحدث أخطاء التخدير بعدة أشكال ذلك إعتماداً على : النسبة بين المواد المنومة، والمواد المسببة للشلل وعدم الحركة.

 الحالة الأولى

إذا كانت نسبة المواد المنومة كافية، ولكن المواد المسببة للشلل لم تكن بالقدر الكافي، سيفقد المريض الوعي، لكنه سيكون قادراً على الحركة، وهو بالأمر الذي يسهل ملاحظته من قبل الأطباء، وبالتالي التدخل السريع وتعديل الجرعة المخدرة بإضافة المزيد من المواد المسببة للشلل.

الحالة الثانية

إذا لم تكن المواد المسببة للنوم وللشلل بالقدر الكافي، وهذه ايضاً ستكون سهلة الملاحظة لأن المريض سيحاول الحركة والتحدث ، ومرة أخرى سيصلح الطبيب المشكلة عن طريق تعديل الجرعة.

الحالة الثالثة

المشكلة تكمن عندما تكون المواد المسببة للشلل كافية لكن المواد المنومة غير كافية، في هذه الحالة سيكون المريض مستيقظاً لكنه لن يكون قادرا على التواصل مع الاطباء بسبب فعالية المواد المسببة للشلل، وعلى الرغم من ندرة هذا السيناريو إلا أنه كان محفزا للكثير من الأفلام السينمائية، مثل فيلم Awake – والذي ندعوكم أصدقاؤنا لمتابعته – .

السؤال الآن الذي ربما يتبادر في ذهو:

كيف يمكن أن نقلل من أخطاء التخدير وتجنب نفسك البقاء مستيقظا أثناء العملية الجراحية؟

من المهم دائما تزويد الطبيب بكافة المعلومات الطبية بدقة عالية، وتطبيق كافة التعليمات التي تُطلب منك قبل العملية، ومن الضرورة إيقاف الكحوليات، والتبغ لأنها تؤثر على استجابة الجسم لمواد التخدير.

وبما أنك دائما ما تتبع الخيارات الصحية، ولا تجعل الأفلام تخيفك كثيراً فستسير العملية العملية الجراحية بكل سلاسة.

المصدر

Exit mobile version