كيف يؤثر اليود على الدماغ والذاكرة ؟

اليود هو عنصر كيميائي ضروري لصحة الجسم، ويلعب دورًا هامًا في عدة وظائف بيولوجية في الجسم. وهو عنصر لا يصنعه الجسم ويجب الحصول عليه من الطعام أو المكملات الغذائية. في هذة المقالة ستتناول بالتفصيل كيفية عمل هذا العنصر وكيف يؤثر على الدماغ وأهم مصادره.

ما مدى خطورة نقص اليود؟

من المعروف أن نقص اليود يشكل مشكلة صحية عامة كبيرة في 118 دولة، حيث يواجه ما لا يقل عن 1،572 مليون شخص خطر الإصابة بمرض نقص ذلك العنصر، ويصل عدد المصابين بتضخم الغدة الدرقية إلى 655 مليونًا على الأقل. ويتركز معظم هؤلاء الأشخاص في البلدان النامية في قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مع وجود أجزاء كبيرة من أوروبا التي تتعرض لنفس المشكلة.

بما كان يستخدم اليود تاريخياً ؟

تم استخدامه تاريخياً لأغراض مختلفة، بما في ذلك التطبيقات الطبية والتجارية والعلمية. منها:

  1. الاستخدام الطبي: تم استخدامه كمطهر منذ أوائل القرن العشرين. كما أنه يستخدم لعلاج ومنع نقص اليود، والذي يمكن أن يسبب تضخم الغدة الدرقية ومشاكل صحية أخرى.
  2. الاستخدام التجاري: يعد التصوير الفوتوغرافي أول استخدام تجاري له بعد أن اخترع لويس داجير تقنية لإنتاج الصور على قطعة معدنية في عام 1839. كما أنه له العديد من الاستخدامات الأخري في المستحضرات الصيدلانية والمطهرات وأحبار الطباعة والأصباغ والمحفزات وأعلاف الحيوانات والمواد الكيميائية الفوتوغرافية. و يستخدم أيضًا في صنع مرشحات استقطابية لشاشات LCD 3.
  3. الاستخدام العلمي: تم استخدامه في البحث العلمي والتجارب، خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر أثناء استخلاص أملاح الصوديوم الضرورية لأغراض أخرى.

كيف يعمل اليود؟

عندما تقوم بتناول مصادر هذا العنصر من الأطعمة أو المكملات الغذائية، يتم امتصاصه ويدخل مجرى الدم بشكل سريع، لتقوم خلايا الغدة الدرقية بأكسدته لاستخدامه في عملية إنتاج هرمونات الغدة الدرقية (الثيروكسين T4، ثلاثي يودوثيرونين T3). وتلعب هرمونات الغدة الدرقية دوراً حيوياً في عملية التمثيل الغذائي والحفاظ على درجة حرارة الجسم ونمو العظام بالإضافة إلى وظائفها الأخرى.

كيف يؤثر نقص اليود على نمو الدماغ؟ وما علاقته بالإدراك والذاكرة ؟

يؤثر نقصه على الدماغ بعدة طرق، منها:

  1. إنتاج هرمون الغدة الدرقية: يعتبر اليود مكونًا أساسيًا لهرمونات الغدة الدرقية، والتي تلعب دورًا مهمًا في نمو الدماغ. تنظم هرمونات الغدة الدرقية نمو الخلايا العصبية وتمايزها، وتشكيل المشابك العصبية، وإنتاج النواقل العصبية الرئيسية مثل الدوبامين والنورادرينفيرين والسيروتونين و GABA والأستيل كولين. وبالتالي فإن نقصه يؤثر على نمو الدماغ ووظيفته.
  2. بنية الدماغ: يمكن أن يؤثر نقصه على العديد من هياكل وأنظمة الدماغ، بما في ذلك الحُصين (الحصين هو بنية دماغية معقدة تقع في عمق الفص الصدغي حيث يلعب دورًا رئيسيًا في التعلم والذاكرة. ويقوم الحصين بتكوين الذكريات الجديدة وتنظيمها وتخزينها، ويربط أحاسيس وتجارب معينة بتلك الذكريات)، وبالتالي فإن نقصه يؤثر بالسلب على الذاكرة.
  3. الأداء المعرفي: يمكن أن يؤدي نقصه إلى ضعف في النمو الإدراكي والحركي، مما يؤثر على أداء الأطفال في سن المدرسة. ويمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في النمو البدني والمعرفي.

تشير نتائج العديد من الدراسات إلى أن النقص المزمن لليود خاصة عند الأطفال، يقلل معدل الذكاء بحوالي 15 نقطة من نقاط الذكاء، ويعاني ما يقرب من 50 مليون شخص من درجة معينة من تلف الدماغ المرتبط بنقص اليود.

منظمة الصحة العالمية

4. الصحة العقلية: يلعب اليود دورًا في تنظيم الحالة المزاجية، ويمكن أن يساهم انخفاض مستوياته في مشاكل الصحة العقلية، بما في ذلك القلق والاكتئاب.

كيف يمكننا كشف نقص اليود؟

1. اختبار الرقعة : يمكنك تجربة اختبار أولي لنفسك في المنزل باستخدام اختبار رقعة اليود، حيث تقوم بوضع كمية صغيرة منه على بشرتك وانتظر حتى يجف. إذا اختفت رقعة اليود في غضون 24 ساعة، فقد يشير ذلك إلى أن جسمك يعاني من نقص هذا العنصر.

2. اختبار الدم أو البول: للحصول على تشخيص قاطع، ستحتاج على الأرجح إلى إجراء فحص دم أو بول بالإضافة إلى تقييم من طبيبك.

3. اختبارات التصوير: يمكن إجراء اختبارات التصوير، مثل الموجات فوق الصوتية أو مسح الغدة الدرقية، لقياس الغدة الدرقية وتقييم أي تشوهات.

 من المهم ملاحظة أنه لا يوجد اختبار يمكن أن يشخص بشكل موثوق نقص اليود لدى المرضى. لذلك، لتقييم نقصه، من الضروري اختبار اليود وشركائه مثل السيلينيوم والحديد والمغنيسيوم والزنك والكورتيزول وغيرها.

من هم المعرضون لخطر الإصابة بنقص اليود؟

  • الأشخاص الذين يعيشون في مناطق بها تربة تعاني من نقص اليود.
  • النساء الحوامل.
  •  الرضاعة الطبيعية والفطام.
  • الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية خاصة.
  • الاشخاص الذين يعانون من نظام غذائي رديء الجودة.
الكمية الموصى بها للبالغين الأصحاء هي 150 ميكروغرامًا في اليوم.

ما هى أهم مصادر اليود؟

  • الأسماك مثل التونة والجمبري والمأكولات البحرية الأخرى.
  • الأعشاب البحرية (نوري، واكامي، كومبو عشب البحر)
  •  الفاصوليا.
  •  تعتبر منتجات الألبان (مثل الحليب واللبن والجبن) مصادر مهمة له في الأنظمة الغذائية في أمريكا الشمالية.
  •  فواكه وخضراوات، وتعتمد كميته بها على التربة التي نمت فيها.
  • الملح المعالج باليود.

هل مكملات اليود آمنة؟

 قد تكون هناك حاجة لمكملات اليود إذا لم تحصل على كمية كافية من هذا العنصر في نظامك الغذائي. هناك أنواع مختلفة من مكملات اليود. بعضها يحتوي على نسبة عالية منه ويحتمل أن يسبب مشكلة. ويجب على البالغين تجنب الاستخدام المطول للجرعات التي تزيد عن 1100 ميكروغرام في اليوم، دون إشراف طبي مناسب. ويجب ألا تتجاوز الجرعات 200 ميكروغرام في اليوم للأطفال من سن 1 إلى 3 سنوات، و 300 ميكروغرام في اليوم للأطفال من سن 4 إلى 8 سنوات. كذلك، 600 ميكروغرام يوميًا للأطفال من سن 9 إلى 13 عامًا، و 900 ميكروغرام يوميًا للمراهقين.  هذه هي المستويات الأعلى المسموح بها.

يمكننا القول بأن اليود الذي يوجد بكميات ضئيلة في الجسم له أهمية كبيرة في صحة الدماغ ووظائفه. يساعد على إنتاج هرمونات الغدة الدرقية التي تؤثر على النمو العصبي والعضلي والجسدي، ويمكن أن يحسن من وظائف الذاكرة والتعلم. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن تناول كميات كبيرة من اليود يمكن أن يسبب مشاكل صحية خطيرة، مثل فرط نشاط الغدة الدرقية وتضخمها، وهذا يؤثر سلباً على وظائف الدماغ.

بالتالي، فمن المهم التوازن بين تناول كميات كافية من اليود للحفاظ على وظائف الدماغ الصحية، وتجنب تناول كميات زائدة التي يمكن أن تؤثر سلباً على الصحة

المصادر

  1. Nutrition: Effects of iodine deficiency (who.int)
  2. Iodine: A Critically Important Nutrient (eatright.org)
  3. Iodine consumption and cognitive performance: Confirmation of adequate consumption – PMC (nih.gov)

الحصين حيث نحتفظ بالذكريات ونخلق الأحلام

يتّسم عمل الدّماغ بدقّة متناهية وتكاملٍ وظيفيّ يجمع بين مختلف أقسامه. غالباً ما يكون البناء المعرفيّ والنفسيّ أكثر تعقيداً وغموضاً من التّحكم بالوظائف الجسديّة. سنتحدّث في مقالنا عن جزء من الدّماغ تتداخل وظائفه ما بين تشكيل الذّكريات وبناء الأحلام والخيال، وهو الحصين أو قرن آمون.

لماذا يدعى الحصين؟

اكتُشف «الحصين-hippocompus» من قبل الجرّاح «يوليوس قيصر أرانتو -Julius Caesar Arantiu». وقد وصف شكله لأول مرة عام 1587 م مستعينًا بالمصطلح اللاتينيّ «hippokampos» والذي يعني حصان البحر. [1]

يتألّف التّشكيل الحصيني من عدة أقسام وهي: [2]

  • المناطق البنيويّة الأربعة(CA1-4) «لقرن آمون- cornu ammonis»
  • «التلفيف المسنن-dental gyrus»
  • «المرفد-subiculum»

وظائف الحصين

يقع قرن آمون في الفصّ الصدغي للدماغ، ويشكل جزءاً من الجهاز الحوفي الذي يعدّ مركزاً مهمًا لتنظيم الاستجابات العاطفية. [2] ويضمّ أيضاً الوطاء واللّوزة. تساعد هذه البنى في التّحكم بوظائف الجسم المختلفة مثل الجهاز الغدي وما ندعوه استجابة المواجهة أو الهروب. [1]

وهو مسؤول عن تحويل الذّاكرة قصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد تُخزّن في مكان آخر لاحقاً. كما يقوم بمعالجة واسترداد نوعين من الذّاكرة:[1]

1. الذّاكرة الصريحة وهي المتعلّقة بالحقائق والأحداث، مثل تعلّم كيفيّة حفظ نصّ لمسرحية ما.

2. الذّاكرة المتعلّقة بالعلاقات المكانية والفراغ، وترتبط بتذكّر الطرقات كسائق سيّارة الأجرة الذي يتعلّم الطرق داخل المدينة.

وقد دُعمت الفرضيّة المكانية للذاكرة عام 1971 باكتشاف تنشيط خلايا حصين فأر عند عبوره مسافات محددة من الحيّز المكاني حوله. وهذا ما أدّى إلى اعتباره أداةً يستخدمها الدّماغ لرسم مخطّطاتٍ وخرائط للبيئة المحيطة به. [2]

ماذا يحدث عند إصابة الحصين؟

يعاني الأشخاص نتيجة إصابة الحصين بسبب حادث أو مرض ما من فقدان الذّاكرة وعدم القدرة على تشكيل ذكريات جديدة طويلة الأمد. فقد لا يستطيعون تذكر الأحداث التي وقعت قبل فترة قصيرة من الإصابة، ولكنّهم قادرون على تذكّر الأشياء التي حدثت قبل فترة طويلة. ويعود ذلك إلى تخزين الذكريات القديمة في أجزاء أخرى من الدماغ عندما تم تحويلها إلى ذكريات طويلة الأمد. [1]

تجعل أذيّته تنقّل المريض من مكان إلى آخر صعباً. فقد يكون الشخص قادراً على رسم صورة للحيّ الذي سكن فيه في طفولته، ولكن يصعب عليه الذهاب إلى المتجر في منطقة جديدة. [1]

أجريت واحدة من الدراسات الأولى حول إصابة الحصين على مريض أُزيلت لديه مناطق من القسم المتوسط للفص الصدغي، وشملت الحصين والمناطق المحيطة به. وقد خضع المريض لهذه العملية عام 1953 للتخلص من نوبات الصّرع، وبعد الجراحة بقيت وظائفه الفكريّة سليمة ولكنّه فقد القدرة على تشكيل ذكريات جديدة، وتعرف هذه الحالة بفقدان الذاكرة. [2]

ويرتبط تلف خلاياه بالأمراض النّفسيّة والعصبيّة. فمثلًا، يتعرّض الحصين لخسارة الخلايا بشكل كبير في المراحل الأولى لمرض ألزهايمر. كما لوحظ تلفه في مرض الفصام، بالإضافة إلى تأثّره بالاكتئاب والضغط النفسي. [2]

علاقة الحصين بالأحلام

ترتبط علاقة الحصين بالأحلام بوظيفته المتعلّقة بالذاكرة، فحوالي نصف الأحلام تستمدّ على الأقل عنصراً واحداً من التجارب التي مرّ بها الشخص في حالة اليقظة. ومع ذلك فإنّ المرضى الذين تعرّضوا لإصابة في الحصين يحلمون أيضاً أحلاماً تتضمّن صوراُ من أحداثٍ جديدة لكن ليس لديهم ذاكرة واعية تجاهها.

فبالإضافة إلى ارتباطه بتشكيل الذّاكرة إلّا أنّه يستخدم الذكريات في بناء مشاهد متخيّلة وتصوّر أحداث مستقبليّة بشكلٍ متماسك يفتقده المصابون بخلل في الحصين.

وبملاحظة أربعة أشخاص يعانون من «فقدان الذاكرة-amnesi» ويفتقرون لوظائف الحصين، تبيّن افتقاد أحلامهم للتفاصيل الغنيّة، بالإضافة إلى قلّة عددها وتبين عدم وجود تفاصيل كافية فيما يتعلق بالحيز المكاني.

هذه الملاحظات تُبيّن أنّ المناطق المسؤولة عن بناء الأحلام في الدّماغ مشابهة لتلك التي تستعيد الذّكريات وتخلق صوراً وأحداثاً متخيّلة خلال اليقظة. فالأحلام كما الخيال والذاكرة تتطلّب تشكيل تفاصيل ومشاهد مبنيّة على ذكريات سابقة، ويبدو أن هذه العملية تعتمد على الحصين. [3]

وما زال هنالك الكثير لنعرفه عن آلية تشكيل الذكريّات وبناء الأحلام، من خلال مزيد من الدراسات حول الحصين والمراكز الأخرى المسؤولة عن الذاكرة.

المصادر:

1.Medical News Today | Hippocampus: Function, size, and problems

2. Britannica | Hippocampus | Definition, Location, Function, & Facts

3. eLife | Memory: How the brain constructs dreams

أفضل 5 طرق لتحسين الذاكرة

لعلك تعجبت يومًا من أبطال الذاكرة وكيف هكذا ذاكرتهم! وتمنيت كذلك بأن تكون ذاكرتك جيدة. بدلًا من نسيانك ما أكلته البارحة خاصة في عصرنا حيث الكثير من المشتتات… إذا كنت لا تعرف قدراتهم وأول مرة تسمع عن بطل للذاكرة، فلدينا على سبيل المثال «بوريس كونراد-فيBoris Konrad» الذي استطاع أن يحفظ أكثر من 100 تاريخ وحدث عشوائي في ثلاثين ثانية. كذلك 195 من الأسماء والأوجه في 15 دقيقة وكان ذلك وهو يبلغ 32 عامًا في 2009. فحينما سُأل كونراد عن إنجازه، صرح وقال: “لقد بدأت بذاكرة طبيعة كأي أحد لكن دربت نفسي فقط لأصل إلى ذلك”. فوضح أيضًا استخدامه لبعض التقنيات مثل قصر الذاكرة، قد تظن أن ذلك مستحيل لكن حقيقةً الأمر ليس فطريًا وأن تقنيات الذاكرة البسيطة؛ ينتج عنها تحسن ملحوظ مع الممارسة الدائمة. 

في هذا المقال، سنسافر في رحلة مع طرق لتحسين الذاكرة ونصائح من أبطالها ودراسات… ولا نعدك أن تصبح بطلًا لكن ربما. كل ما نستطيع أن نقدمه لك هو كيفية تحسين ذاكرتك من خلال بعض الطرق، وأنت بيدك أن تقرر وتستمر وتجعلهم عادات يومية؛ فهيا بنا لصلب حديثنا ونتعرف على أفضل 5 طرق لتحسين الذاكرة.

دراسات توضح الفرق! 

تكون المنافسات في الذاكرة لتذكر أطول سلسلة من أوراق اللعب أو تذكر أسماء ووجوه… فيعتمد رياضيو الذاكرة على تقنيات عدة منها كما ذكرنا قصر الذاكرة. وذلك المصطلح استخدمه «جوشوا فوير-Joshua Foer» في كتابه الشهير رقصة القمر مع آينشاتين. لكن ما أريد طرحه هو دراسة بين أدمغة الرياضيين والبشر العاديين، فماذا فعل العلماء؟ جعل العلماء بعض الأشخاص العاديين يتلقون تدريب لمدة ستة أسابيع على طريقة قصر الذاكرة وما أظهرته أنه لم يحقق غير الرياضيين إنجازات مماثلة فقط. بل أيضًا حدثت تغييرات دماغية كذلك بعد أربعة شهور من التدريب، وظهر تحسن أكثر. كانت هذه الدراسة بالتعاون بين معهد Donders ومختبر دكتور «مايكل جريسيوس-Michael Greicius» في جامعة ستانفورد.

ماذا سيحدث إذا توقفوا عن الممارسة؟

كذلك نُشرت دراسة في مجلة Neuron. توضح أن 23 مشاركًا كانوا يتدربون يوميًا لمدة 30 دقيقة وقد تضاعفت قدراتهم في تذكر القوائم على مدار 40 يومًا. فمن كانوا متوسط تذكرهم 26 كلمة من قائمة ما؛ أصبحوا قادرين على تذكر 62 كلمة. وبعد أربعة أشهر عاد المتدربون ووجد الباحثون أن أدائهم مازال مرتفع على الرغم أنهم لم يتدربوا إطلاقًا.

نهاية هذه المقارنة عزيزي القارئ توضح أنه لا يوجد أية أدلة علمية تثبت أن هنالك ميزة معينة فطرية في دماغ هؤلاء الرياضيين. أما بالنسبة للأشخاص العاديين حين تدربهم. فلم يكن التغيير في قدرات الذاكرة فقط بل في أدمغتهم، إذ حددت صور الرنين المغناطيسي الوظيفي تدفق الدم ونشاط الدماغ لحوالي 2500 اتصال مختلف. أيضًا كشفت دراسة من جامعة أوسلو أنه يمكن لتدريب الذاكرة أن يساعد في التطوير المعرفي للأطفال والبالغين.

الآن قد حانت اللحظة بعد ما تعرفنا على بعض الدراسات وكيف أن أمر تحسين الذاكرة وتمرانها مهم وأنه قول عدم إمكانية تحسينها هو مجرد خرافة؛ لنتعرف الآن على أفضل 5 طرق لتحسين الذاكرة يمكنك تطبيقها يوميًا… 

أفضل 5 طرق لتحسين الذاكرة

تُوفيت جدة البطل العالمي في الذاكرة «نيلسون ديليس-Nelson Dellis» في 2009 بمرض الزهايمر وكان هذا الحدث مصدر لانطلاقة نيلسون في عالم الذاكرة والبطولات. فوضح في لقاء مع قناة CNBC أنه كان طالبًا جيدًا لكن ذاكرته كانت متوسطة. فسعى يبحث عن طرق لتحسين الذاكرة وانضم لمنتديات رياضيو الذاكرة واستمع إلى الكتاب الصوتي لدومينيك أوبراين وهو بطل العالم في الذاكرة سبع مرات. اليوم ديليس بطل العالم أربع مرات ومؤلف كتاب. فقد وضح بعض الممارسات يمكنك اتباعها وكذلك سنعرض بعض الممارسات العامة… 

انعزل عن التكنولوجيا 

يوضح ديليس أنه لابد من الانفصال التام لبعض الوقت عن التكنولوجيا ولمدة ساعة. لأن ذلك يعزز الذاكرة فالمشتتات كحائل في وجه تذكرك للمعلومات، كذلك أُجريت دراسة في عام 2017 من كلية McCombs في جامعة تكساس أن وجود الهاتف يقلل القدرة المعرفية؛ مما يؤثر على تخزين البيانات ومعالجتها. 

نم بعد التعلم

عند تعلمك أو فعلك لشيء ما، وهو الآن جديد على ذاكرتك ولتذكرة بوضوح؛ نم بعد الانتهاء منه مباشرة. إذ وجدت دراسة أن الطلاب الذين ينامون بعد ثلاث ساعات على الأكثر بعد دراستهم لشيء ما؛ فإنهم يتذكروا المحتوى بنسبة 16٪ من مجموعة طلاب آخرين قد انتظروا عشر ساعات وناموا. 

التصور

لا تستطع أدمغتنا أحيانًا التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مُتخيل، فبإمكان الصور الذهنية أن تنشط بعض المناطق في الدماغ ويؤدي هذا التمرين إلى تحسين ملموس في بعض المهام. من أشهر الطرق طريقة قصر الذاكرة أو Loci، فقد أظهرت دراسة كانت تبحث في أسباب تفوق أبطال الذاكرة؛ أنهم يستخدمون تلك الطريقة (طريقة Loci). إذ يعتمدون على تشفير المعلومات وتخزينها بواسطة تصورهم لأحداث معينة وربط المعلومات بها. فقد استخدم ديليس ذلك بالتأكيد، إذ يوضح أن هدفه أنه كلما حفظ شيء ما حوله لصورة ذهنية وباستخدام أكبر عدد من الحواس. 

قسم المعلومات 

يمكننا تخزين حوالي 7 أجزاء من معلومات معينة في الذاكرة قصيرة الأمد لكن من الأفضل تذكر المزيد؛ لذا تأتي عملية التقسيم. فإذا كانت لديك سلسلة من الأرقام المكونة من 20 رقم، قد يصعب تذكرها، لكن إذا قسمتهم ورتبتهم في صورة معروفة لك فسيصبح الأمر بسيط. 

خذ راحة ودفقات صغيرة! 

سبب الانخفاض الاكاديمي لبعض الطلاب هو استذكار مادة معينة في ليلة واحدة وذلك لا يؤدي فقط لانخفاض اكاديمي بل واكتئاب وقلق وأرق… يمكنك استخدام طريقة بومودورو Pomodoro Technique التي طورها الإيطالي فرانشيسكو سيريلو، لتقسيم العمل إلى عدة أجزاء وأخذ راحة قصيرة. 

إليكم بعض المقترحات لتحسين الذاكرة 

سأرشح لك الآن بعض التطبيقات والمنصات التي أراها مميزة…

‏Lumosity

‏Train Your Brain

‏شعلة. 

‏منصة Art of Memory.

بالتأكيد قد تبادر إلى ذهنك سؤال هل للذاكرة حد؟ إن المعلومات تمر بثلاث مراحل وهم التسجيل والتخزين والاسترجاع وكذلك يوجد أربعة أنواع للذاكرة وهم الحسية والعاملة وطويلة الأمد وقصيرة الأمد. فللذاكرة العاملة والحسية وقصيرة الأمد قدرات أقل لدوامهم لفترات قليلة ويمكن زيادة سَعَة الذاكرة قصيرة الأمد بالممارسة. لكن أدمغتنا ليست حواسيب ولا تشغل الذكريات حيزًا ماديًا؛ لذا لا يوجد حد معين لسعة الذاكرة طويلة الأمد. فهذا ما نستنتجه.

المصادر

كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا؟

كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا؟

عرف الإنسان القيمة العلاجية للموسيقى منذ العصور القديمة، فاستخدم اليونانيون المزامير لمساعدة مرضاهم في عسر الهضم وعلاج الاضطرابات العقلية والحث على النوم، وكذلك استعان قدماء المصريين بالموسيقى لعلاج المرضى. بدأت الدراسة المنهجية لتطبيقات الموسيقى في الطب في نهاية القرن التاسع عشر، وكان الطبيب ديوجل مِن أوائل مَن رصدوا قدرة الموسيقى على خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. كان ديوجل يأتي بالموسيقيين في مختبره بجانب المرضى لإجراء التجارب وتسجيل النتائج التي توصل إليها. نُشرت هذه النتائج لأول مرة في عام 1880، وتمّ تِكرار هذا العمل فيما بعد بواسطة العالم الروسي تارخانوف.[1]

استمرت دراسة تأثيرات الموسيقى العلاجية، وقُدِّمت أول دورة تدريبية للعلاج بالموسيقى في العالم في جامعة كولومبيا عام 1919 عندما لُوحِظ تأثير الموسيقى الإيجابي على الجنود المصابين بجروح وصدمات نفسية خلال الحرب العالمية الأولى. استُخدِمت الموسيقى كذلك خلال الحرب العالمية الثانية لرفع معنويات الجنود، ولإعادة تأهيلهم نفسيًا وجسديًا.[2]

تكمن قوة الموسيقى العلاجية في قدرتها على تحفيز مناطق مختلفة في الدماغ على سبيل المثال يمكنها تحفيز الفص الجبهي للدماغ؛ وهو الجزء المسؤول على التخطيط واتخاذ القرارات وبالتالي يمكنها التحسين من هذه الوظائف. يمكن للموسيقى أيضًا تحفيز «اللوزة الدماغية-amygdala»، وهي جزء من الدماغ يقع في الفص الصدغي وتُشارك في الاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق، وبالتالي يمكن للموسيقى أن تتحكم في خوفك وتحمّسُك للقتال.[4]

أظهرت الأبحاث الحديثة أن الاستماع إلى الموسيقى يُمكن أن يقلل من القلق والألم وضغط الدم، وكذلك أن يُحسن من جودة النوم والمزاج والذاكرة والمهارات الحركية، وبالتالي يمكن استغلالها في المساعدة لعلاج عدة أمراض مثل الزهايمر وشلل الرعاش.[2]

هل يمكن للموسيقى أن تسكّن الألم؟

وجدت دراسة أُجريت في عام 2014 أن الموسيقى مُفيدة لمرضى الألم العضلي الليفي، وأظهرت الدراسة أن الاستماع إلى الموسيقى الهادئة التي يختارها المريض يُسكّن الألم ويزيد من الحركة الوظيفية بشكل كبير. يعتقد الباحثون أن الموسيقى تخفف الألم عن طريق تحفيز الجسم لإفراز المواد الأفيونية_مسكنات طبيعية ينتجها الجسم.[2]

وفي دراسة تحليلية شمولية في عام 2016 حلّلت بيانات 97 دراسة وجدت أنه يمكن للموسيقى تسكين الألم، وبالتالي قد تكون الموسيقى علاجًا فعالًا لتخفيف الآلام الحادة والمزمنة.[3]

الموسيقى تقلل التوتر

يكون تقليل التوتر اعتمادًا على نوع الموسيقى التي تستمع إليها، فيمكن للموسيقى الهادئة أن تخفف التوتر عن طريق خفض مستويات الكورتيزول، وهو الهرمون الذي يتم إطلاقه في الجسم استجابةً للتوتر.

أُجريت دراسة في عام 2013 على 42 طفل تتراوح أعمارهم بين 3-11 عام، فوجد باحثو جامعة ألبرتا أن الأطفال الّذين استمعوا إلى الموسيقى الهادئة أثناء إدخال الحقن الوريدي كانت مستويات التوتر لديهم منخفضة مقارنة بالّذين لم يستمعوا إلى الموسيقى.[2]

تأثير الموسيقى على الذاكرة

يمر أغلبنا بتلك الحالة التي تعيدنا فيها أغنية أو مقطوعة ما إلى ذكرى تجمعنا بمكان أو صديق قديم. يقول طبيب الأعصاب أوليفر ساكس: “الموسيقى تثير مشاعرنا ويمكن أن تجلب تلك المشاعر معها الذكريات”.

منذ بداية القرن العشرين اهتمت عدة دراسات بالعلاقة التي تربط الموسيقى بالذاكرة، وأثبتت العديد منها أنه يمكن للموسيقى تعزيز نشاط الدماغ لدى مرضى الزهايمر _مرض عصبي تضمُر فيه خلايا الدماغ ويعاني فيه المريض من الخرف.

أُجريت دراسة في عام 2014 على 89 مريض يُعاني من الخرف تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات: مجموعة تمِّ علاجها عن طريق الاستماع للموسيقى، ومجموعة عن طريق الغناء، ومجموعة تُقدِّم لها الرعاية الصحية المُعتادة. بعد 10 أسابيع أظهرت النتائج أنه مقارنة بالرعاية المعتادة فإن كلِّ من الغناء والاستماع للموسيقى استطاعوا تحسين الحالة المزاجية والذاكرة وبدرجة أقل الانتباه والإدراك العام. كما عزَّز الغناء الذاكرة قصيرة المدى، بينما أثَّرت الموسيقى إيجابيًا على جودة حياة المرضى.[2]

علاج الحبسة الكلامية بالموسيقى

يمكن أن تساعد الموسيقى في علاج «الحبسة الكلامية-Aphasia»، وهي حالة تَنتُج عن ضرر يحدث في مناطق اللغة في الدماغ فتؤدي إلى فقدان القدرة على صياغة جمل مفهومة أو فهم اللغة.

تُفقِد الحبسة الكلامية العديد من المرضى القدرة على التعبير وصياغة الجمل الواضحة والمفهومة، ولكن لُوحظ أن بعضهم لايزال له القدرة على الغناء بشكل واضح يحدث ذلك بسبب الطريقة المختلفة التي يُعالج بها الدماغ اللغة والموسيقى.

تتم معالجة اللغة غالبًا عن طريق الجزء الأيسر من الدماغ بينما تتم معالجة الموسيقى والذكريات الموسيقية عن طريق جزئي الدماغ الأيسر والأيمن معًا، وبالتالي عندما يكون سبب الحبسة الكلامية ضرر في الجزء الأيسر من الدماغ يُمكن استخدام الجزء الأيمن عن طريق الغناء لتحسين اللغة التعبيرية هذه العملية تُعرف ب «علاج التنغيم اللحني-Melodic Intonation Therapy». يُكرر المرضى أقوال قصيرة بلحنٍ وإيقاعٍ معين، ويشمل العلاج عدة تقنيات علاجية مثل النقر باليد اليسرى وتقليل معدل الكلام.[5]

فيديو يوضح تدريب مريض مصاب بالحبسة الكلامية على التحدث بواسطة العلاج التنغيمي اللحني: YouTube

الخاتمة

تقول إيلينا مانز في كتاب قوة الموسيقى “لقد وجد العلماء أن الموسيقى تحفز أجزاء من الدماغ أكثر من أي وظيفة بشرية أخرى”.

على الرغم من التقدم الذي حققه الإنسان في معرفة تأثير الموسيقى على الدماغ البشري والاستفادة من هذا التأثير إلّا أنّه لازال الطريق أمامنا طويل لمعرفة كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا بالتفصيل؟، ولازلنا أيضًا نحتاج لأجوبة كافية حول لماذا الموسيقى بالذات هي من تُحفّز أدمغتنا أكثر من أي وظيفة أخرى؟

مصادر كيف تؤثر الموسيقى على أدمغتنا؟:

[1]. NCBI

[2]. thetabernaclechoir

[3]. academic.oup.com

[4]. ucf.edu

[5]. saebo.com

[6]. musictherapy.org

إقرأ أيضًا: تاريخ الموسيقى

القراءة بصوت عالٍ تُعزز الذاكرة طويلة المدى

غالبًا ما ينسى المرء موعدًا على الرغم من كتابة التاريخ في التقويم، ولكن يتم تذكر الموعد إذا ذكره أحد الزوجين أو أحد الأصدقاء عن غير قصد.
كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة القوية للذاكرة، والتي لوحظت في المختبر والحياة اليومية على حدٍ سواء؟ في هذت المقال سنعرف ما سبب أن القراءة بصوت عالٍ تُعزز الذاكرة طويلة المدى!

أُجريت دراسة حديثة لـ Waterloo أطلق عليها العلماء اسم «تأثير الإنتاج-production effect»، والتي اختبرت أربع طرق لتعلم المعلومات المكتوبة، بما في ذلك القراءة بصمت، وسماع شخص آخر يقرأ، والاستماع إلى تسجيل للقراءة الذاتية، والقراءة بصوت عالٍ.
فيما بعد توصلت الدراسة التي أجريت على 95 مشاركًا إلى أن الفعل المزدوج للتحدث والاستماع إلى الذات أثناء الدراسة هو الذي له التأثير الأكثر فائدة على الذاكرة.

الدراسة بواسطة تأثير الإنتاج؟

لعل السؤال الذي راودك الأن ما الذي تقصده بتأثير الإنتاج، إليك ملخص سريع.
يصف تأثير الإنتاج كيف أن القيام بشيء ما حيال شيء ترغب في تذكره يساعد في زيادة فرص ترسيخه في الذاكرة طويلة المدى.
بمعنى أخر، إذا أنتجت شيئًا ما من المعلومات الجديدة على الفور، فإنه لا يقلل فقط من عوامل التشتيت المتداخلة ولكنه أيضًا يقوي التشفير ويسرع تكوين الذاكرة طويلة المدى.

أهم أنشطة الإنتاج!

قد تشمل أنشطة الإنتاج الشائعة استخدام المعلومات الجديدة بطريقة جديدة، لتطبيقها في نوع من النشاط، مثل حل مشكلة، أو الاستماع إلى نفس المعلومات في نفس الوقت الذي تقرأ فيه أو النظر إليه، أيضًا قد تكون طريقة الإنتاج الأكثر شيوعًا هي تدوين الملاحظات المكتوبة بخط اليد أثناء تقديم المعلومات الجديدة.

رأي العلماء!

كولين إم ماكليود، أستاذ ورئيس قسم علم النفس في واترلو، والذي شارك في تأليف الدراسة مع المؤلف الرئيسي، نوح فوررين، قال: “هذه الدراسة تؤكد أن التعلم والذاكرة يستفيدان من المشاركة النشطة، عندما نضيف مقياسًا نشطًا أو عنصر إنتاج إلى كلمة، تصبح هذه الكلمة أكثر تميزًا في الذاكرة طويلة المدى، وبالتالي تكون أكثر قابلية للتذكر.”

المصادر:

innerdrive
sciencedaily
webmd

اقرأ المزيد حول: ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل

أهمية الذاكرة في عملية التعلم

يعتمد التعلم بشكل أساسي على استرجاع المعلومات والبيانات والخبرات التي -تم تخزينها مسبقًا- من الذاكرة، إذن الذاكرة هي لُب موضوع التعلم، فما أهمية الذاكرة في عملية التعلم؟ وإلى أي مدى يعتمد التعلم على الذاكرة؟ وما هي أبرز العوامل التي يمكنها أن تحفز الذاكرة؟ وكيف يمكن استغلال أبسط المهارات والعادات الخاصة بك في القيام بذلك؟

تخيل طفلًا يحاول ربط حذائه لأول مرة، إدًا فذاكرة هذا الطفل تخلو من أي خبرة أو معلومة مسبقة عن ربط الحذاء. يحتاج هذا الطفل إلى مشاهدة كيفية ربط الحذاء مرات، مستمعًا إلى تعليمات تساعده على المعرفة أحيانًا! يلجأ للتقليد تارةً. يستمر الطفل في محاولاته مرات ومرات مع إحراز التقدم البسيط في كل مرة.

إن كل ما يحتاجه الطفل هو التدريب وتنويع أساليب التحصيل. فهذا الجهد الذي قام به الطفل يسمى بالتعلم. وفي نهاية المطاف عندما يتوصل الطفل أخيرًا إلى ربط حذائه بسرعة، مسترجعًا ما تلقى من مهارات ومعلومات، يتجلى هنا دور الذاكرة، حيث استرجاع المعلومات بالترتيب التسلسلي.

إذًا فالذاكرة والتعلم وجهان لعملة واحدة، فالذاكرة هي السر الكامن وراء عملية التعلم، فيشير الأخير إلى عملية اكتساب المهارات والخبرات، بينما تنطوي الذاكرة على التعبير عما تعلمته. لكن لماذا نجد على المستوى المدرسي مكافحة الطلاب قبل الامتحان من أجل تذكر المعلومات التي تعرضوا إليها قبل أسابيع قليلة، على الرغم من شعورهم بالثقةِ الكاملة في فهمها حين تلقوها لأول مرة؟ إذًا ماذا حدث؟ ولِمَ لمْ تستقر تلك المعلومات فترة أطول؟

دعنا نُجِيبُك بنتيجة دراسة أشارت إلى أن الناس ينسون قُرابة ٨٠٪ مما يتعلمونه بعد مرور يومٍ واحد فقط! إذا لم يعتمدوا أساليبًا وعاداتٍ مختلفة للدراسة، والتي تساعد الذاكرة على تحويل المعلومات التي استقرت في الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة والنوم.

النوم هوأبرز العوامل والعادات التي تدعم الذاكرة، وتعمل على تعززيها. فعلى الرغم من أن فترة الاستيقاظ هي أفضل وقت للتعلم؛ إلا أن النوم يوفر الظروف المثلى لمعالجة المعلومات الخارجية بشكل كبير، وبالتالي يساعد في عملية التعلم. لكن كيف تعزز حالة النوم الخاصة بك؟

يمكنك اعتبار النوم عادة كأي عادة يمكن أن تتطور وينالها التحسين إذا توافرت لها الظروف المساعدة لذلك مثل:

  • الحرص على الحصول على عدد ساعات النوم اللازمة، على الرغم من إختلاف هذا المُعدل من شخص لآخر، إلا أن عدد ساعات النوم المُثلى للأشخاص البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٦٤ عامًا هي بين ٧ و ٩ ساعات من النوم المتواصل والمنتظم أسبوعيًا، وذلك حسب منظمة النوم الوطنية الأمريكية Sleep Foundation –
  • تجنب تناول الكحول، الكافيين، التبغ والوجبات الغير صحية خصوصًا في المساء.
  • تقليل التعرض للضوء الأزرق الناتج عن الأجهزة الإلكترونية كالهاتف والكمبيوتر المحمول.
  • احرص على أن تكون بيئة النوم الخاصة بك باردة، خالية من مصادر الضوضاء وكل ما يتعلق بالعمل أو الترفيه.
  • يمكنك اللجوء إلى الغفوة القصيرة، فإذا شعرت بأن طاقتك وقدرتك على التركيز بدأت في الانخفاض أثناء وقت التعلم؛ يمكنك أخذُ قسطًا من الراحة تحديدًا غفوة قصيرة، بشرط ألا تزيد عن ٢٥ دقيقة ولا تقل عن ١٠ دقائق. حتى تستطيع النيلُ من  بعض فوائدها مثل تهيئة الذاكرة قصيرة المدى لاستقبال المعلومات وربط بعضها البعض.

الخرائط الذهنية – Mind Mapping

غالبًا ما تنتشر مشكلة أخرى لدى الطلاب، ألا وهي خلط المعلومات وصعوبة تنظيم وتحليل وتقييم الأفكار. هنا يمكن للخرائط الذهنية أن تصبح حلاً بسيطًا وممتعًا. فما هي الخرائط الذهنية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تساعد في استرجاع المعلومات والأفكار؟

الخرائط الذهنية هي أداة الدماغ التي يمكن من خلالها أن يحتفظ بالمعلومات وربط الحديث منها بالقديم. ويمكنك القول بأنها كائنات تستطيع أن  تصممها بنفسك، فمن الممكن أن تأخذ أشكالاً متعددة لذا فهي مرنة تساعد المتعلم على التفكير، التذكر، خلق والانتقال بين العناصر والأفكار بسهولة، وتتميز الخرائط الذهنية بأنها :

  • بسيطة، مرنة مما يجعلها تساعد على توضيح الاختلافات بسهولة.
  • يمكن العمل بها في كل المراحل التعليمة، حتى المبكرة منها، فهي تصلح لأي محتوى دراسي.
  • تضع أمام أعين المتعلم ما تعلمه حقًا وما هو بحاجة إلى إعادة المراجعة، فتسمح للتعديل بسهولة.
  • التدرج في وصف وتحليل المعلومات بالأسلوب المناسب للطالب.

أما عن بعض فوائد الخرائط الذهنية فهي:

  • تعمل على تعزيز قدرات المتعلم في توليد الأفكار، وجمعها وترتيبها، وبالتالي سهولة استرجاعها في المشكلات المقبلة سواءً كانت مواقف حياتية أو اختبارات دراسية.
  • تعمل الخرائط الذهنية على التعبير بسهولة عن المعلومات والأفكار بأكثر من أسلوب.
  • تساعد على تعلم كم كبير غير مألوف من المعلومات، وتنظيم المعلومات بشكل كبير. وذلك بمساعدة الرسوم والأشكال التي يستطيع المتعلم إنشاؤها خلال رسم الخرائط.
  • تزيد من فعالية التعلم. حيث تعمل على ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات السابقة، وذلك من خلال إجبار عقلك على إجراء الروابط بين ما تعرفه وما تعلمته للتو.

دعنا نزيدك من الشعر بيتًا، فنضعُ بين يديك بعض العوامل الأخرى التي يمكنها أن تزيد من كفاءة الذاكرة الخاصة بك نذكر بعضها:

  • أنشئ مساحة التعلم الخاصة بك، حدد مكانًا متميزًا واجعله خاصًا بالتعلم، فلا تستخدمه لأنشطة أخرى كالنوم ومشاهدة التلفاز -قدر الإمكان- .
  • استمتع بفترات راحة منتظمة هنلك بعض الممارسات البسيطة التي قد تساعدك كالوقوف كل فترة أثناء فترة الدراسة أو التمدد، يمكنك أيضًا أن ترِح عينك كل ٢٠ دقيقة.
  • إذا كنت تمارس التعلم عبر الانترنت؛ فأبعد العناصر المُشتتة عنك، كنوافذ المتصفح غير ذات الصلة بالتعلم الخاص بك، اغلق أيضًا إشعارات الهاتف الخاص بك.
  • نظم وقتك، ضع جدولاً زمنيًا، اتبع روتين يومي صحي، يحقق لك أفضل استفادة ممكنة من الوقت المتاح لديك. نظم أسلوب الدراسة الخاصة بك، نظم مواعيد التعلم والدراسة، وكُن على عِلمٍ بمواعيد الاختبارات ليكون لديك الوقت الكافي للمراجعة.
  • كُن لطيفًا مع نفسك. حدد أهدافًا معقولة،احرص على تقييم نفسك باستمرار، ولا تتوقع إنتاجية عالية حتى لا يتفاقم التوتر لديك.

إن التعلم رحلة تنتهي بانتهاء الحياة. رفيقك المخلص فيها هي الذاكرة، فلا فائدة من علمٍ لا تسعه الذاكرة. وحرصك على الرعاية الذاتية بإتباع أفضل الممارسات من خرائط ذهنية، نومٍ كافٍ منتظم وإدراك وإتقان العادات الصحية في جميع نواحي الحياة، يؤهلك للحظي بذاكرةٍ أقوى. وكلما حظيت على ذاكرة أقوى كلما حَصُلت على فرص أنجح وأكثر فعالية في التعلم.

اقرأ أيضا: كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

المصادر :

NCPI
lumenlearning
edx
Simple mind
business

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

هذه المقالة هي الجزء 8 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

بينما يجلس كلايف ويرنج يعزف البيانو، تدخل عليه زوجته فيقوم ليحييها بحرارة. وبعد قليل عندما تخرج زوجته لتعد كوبًا من الشاي يعود كلايف إلى عزفه. حينما تدخل الزوجة الغرفة حاملة الشاي يحييها كلايف بنفس الحرارة مجددًا كأنه لم يراها منذ دقائق معدودة. فما تفسير هذا التصرف؟ كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

مفهوم الذاكرة واسع ومراوغ للغاية. فلا تشمل الذاكرة معرفتك لاسمك وأحداث حياتك فقط، بل تمتد لتشمل أدق أجزاء المعرفة، منها معرفتك للمشي والوقوف والجلوس والمضغ والبلع. لكن ما هي الذاكرة؟ كيف تعمل ومم تتكون؟ هل يسعنا اختيار ما نتذكره؟ وإذا كانت الإجابة نعم، كيف يحدث ذلك؟ وفي ضوء القصة التي ذكرناها، كيف يحدث النسيان؟ وما تفسير تصرف كلايف ويرنج؟ كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

ما هي الذاكرة؟

يشير مصطلح الذاكرة إلى قدرتنا على الحصول على المعلومات، وتخزينها، وحفظها، ولاحقًا استرجاعها. وذلك عن طريق عمليات ثلاثة وهي: الترميز، والتخزين، والاسترجاع.

كل منها يمثل مرحلة مختلفة لتكوين الذكريات. فتمثل عملية الترميز التجربة التي تمر بها، او النشاط الذي تقوم به، والتخزين هو انتقال المعلومات الى الذاكرة، والاسترجاع هو القدرة على استخراج هذه المعلومات وقت الحاجة. لكننا نمر بمئات التجارب يوميًا ويحيط بنا كميات هائلة من المعلومات، فأيها نتذكره؟ وأيها لا؟ وعلى أي أساس يتم الاختيار؟ والإجابة هي الانتباه.

الانتباه

يشير مصطلح الانتباه إلى قدرتنا على معالجة المعلومات في البيئة المحيطة بنا. فهناك العديد من المؤثرات تحيط بنا دائمًا، مثلما تجلس أنت الآن وتقرأ هذا المقال، ويضغط الكرسي الذي تجلس عليه على جسدك، وتسمع أصوات الجيران، وتشعر بدفء ملابسك، وترى مكونات الغرفة التي تجلس بها. كل هذه مؤثرات تحيط بنا طوال الوقت، لكننا لا ننتبه لها ولا نتذكرها جميعًا. لو حدث ذلك، فسنصاب حتمًا بالجنون.

لذا يأتي السؤال، ما الذي يتحكم في دخول المعلومات الذاكرة؟ والإجابة هي الانتباه. يمكن اعتبار الانتباه بمثابة ضوء مسلط على التجربة التي تمر بها الآن، فيختار الحدث الأهم ويركز عليه ليدخل الذاكرة.

وللانتباه عدة خصائص:

١. محدود:

يمكننا الانتباه لعدد محدود من المحفزات ولفترة محدودة فقط. ويعتمد هذا الأمر على عدة متغيرات منها: وجود عوامل تشتت، ومدى الاهتمام بالمحفز المذكور. ولهذا السبب اعتبر العلماء عملية «تعدد المهام-Multitasking» خرافة لا أساس علمي لها. لأنها ستكلف الشخص وقتا أطول كما تقلل من جودة الانتباه إلى جميع المهام.

٢. اختياري:

يمكننا اختيار الأشياء التي نتنبه لها. لكن لا يحدث هذا دائمًا، فهناك بعض الأشياء التي نتنبه لها تلقائيًا، مثل: معاني الكلمات. فيما يُعرف بـ «تأثير ستروب-Stroop Effect». ولفهمه يمكنك إجراء هذا الاختبار الذي يطلب منك نطق لون الكلمة وليست الكلمة نفسها وتسجيل الوقت الذي يستغرقك لفعل هذا. من هنا

يفسر فارق الوقت بأن معرفتك للقراءة تصعب عليك مهمة نطق الألوان، فأنت تنتبه لمعاني الكلمات تلقائيًا رغم إرادتك لمزيد من الانتباه وجد العلماء أن الخاصية الاختيارية للانتباه مرتبطة بظاهرة شيقة أخرى تعرف باسم «عمى التغير-Change Blindness». ولفهم ذلك سأطلب منك مشاهدة هذا المقطع وعد التمريرات التي يقوم بها الفريق بالزي الأبيض.

الإجابة الصحيحة هي ١٥، لكن هل انتبهت للغوريلا؟ حوالي ٥٠٪ من الأشخاص الذين لم يروا هذا المقطع من قبل وقاموا بالعد لا يلاحظوا الغوريلا. أما الأشخاص الذين لم يقوموا بالعد لاحظوها.

تجربة أخرى أجراها العالم دان سايمونز يختار فيها أحد المشاة بشكل عشوائي ويسأله عن الطريق، وبينما يتحدثان يمر بينهما شخصان يحملان باب ويُستبدل السائل الأول بشخص آخر. وجاءت النتائج أن حوالي ٥٠٪ من الأشخاص لم يلاحظوا تغير السائل مطلقًا. فكيف يحدث هذا؟

يمكننا القول أن الانتباه نافذة ضيقة للغاية، فبينما تركز على شيء معين، تغفل عن الكثير من الأشياء من الأخرى. وهذا أمر طبيعي ومقبول، لأن الذاكرة تعمل وفقًا لحقيقة أن معظم الأشياء تظل على حالها طول الوقت، وليس من الضروري حفظ التفاصيل الدقيقة لكل مشهد، فمن غير المتوقع أن يتبدل الغريب الذي التقيته في الشارع إذا أشحت بوجهك عنه لثوان معدودة. والمغزى العام هنا هو أن إدراكنا للواقع ضئيل ومحدود أكثر مما تعتقد.

مم تتكون الذاكرة؟

عندما تشاهد فيلمًا يتحدث عن فقدان الذاكرة، تجد البطل يتجول في الشوارع شاردًا لا يتذكر اسمه أو أحداث حياته. وهذه هي الصورة التقليدية التي يتبناها البشر عن الذاكرة، ذاكرة السيرة الذاتية. لكن الحقيقة كما أسلفنا أن الذاكرة تشمل معرفتك لأصغر الأفعال مثل المشي والأكل والحديث، وهناك أنواع مختلفة لها: الذاكرة الحسية، والذاكرة قصيرة المدى أو الذاكرة العاملة، والذاكرة طويلة المدى.

كل عملية من عمليات تكوين الذاكرة التي أسلفنا ذكرها -الترميز والتخزين والاسترجاع- تختص بنوع من أنواع الذاكرة الثلاث.

أولًا: عملية «الترميز-Encoding»

بعد انتهاء دور الانتباه، واختياره المعلومات التي ستدخل المخ، يبدأ دور الترميز. والترميز هو عملية تحويل الإشارات/المعلومات القادمة من أعضاء الحس إلى صيغة يستطيع المخ التعامل معها وبالتالي تخزينها. وهناك تلاثة أنواع للترميز:

  • ترميز بصري: وهنا تُخزن المعلومة على هيئة صور.
  • ترميز سمعي: وهنا تُخزن المعلومة على هيئة أصوات.

وكلاهما يعرف بـ «المعالجة السطحية-Shallow Processing» وتختص بالذاكرة قصيرة المدى.

  • ترميز دلالي: وهُنا تخزن المعلومة على هيئة معاني. فيما يُعرف بـ «المعالجة العميقة-Deep Processing» وتختص بالذاكرة طويلة المدى.

    مثال: عندما تقرأ (ترى) كلمة في كتاب، يخزنها المخ بعد تحويلها إلى صوت أو معنى. الصورة الأولى للكلمة تخزن في الذاكرة الحسية لكنها سرعان ما تتلاشى. أما عند حفظ الكلمة وتكرارها عدة مرات فتخزن كصوت في الذاكرة قصيرة المدى، لكنها أيضًا تتلاشى بعد وقت قصير. وأخيرًا عند معرفة معنى هذه الكلمة فإنها تخزن في الذاكرة طويلة المدى لفترة طويلة جدًا. وهذا يأخذنا إلى المرحلة الثانية من عمل الذاكرة وهي التخزين.

ثانيًا: «التخزين-Storing»

هي عملية تخزين المعلومات لمدة قصيرة تصل إلى ثلاثين ثانية فقط في الذاكرة قصيرة المدى عن طريق التكرار (الاحتفاظ بالصوت أو الصورة). أو لمدة طويلة قد تصل إلى عمر كامل في الذاكرة طويلة المدى عن طريق الترميز الدلالي (الاحتفاظ بالمعنى). وتتأثر عملية التخزين بعوامل أخرى مثل: كمية المعلومات المخزنة ونوعها وكذلك مدة ومكان تخزينها.

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

مكان التخزين نوعان:
الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى وهناك العديد من الدراسات التي توضح الفرق بينهما:

الذاكرة طويلة المدى

لدى الذاكرة طويلة المدى مساحة تخزين هائلة. فتتضمن مثلًا جميع كلمات اللغة(٦٠-٨٠ كلمة) ،ووجوه وأسماء جميع الأشخاص اللذين تعرفهم، والأماكن التي تتردد عليها، والكتب التي تقرأها، والأغاني التي تسمعها وغيرها الكثير، وهذه كمية معلومات هائلة. حتى الآن لم يستطع العلماء حصر المساحة الكاملة للذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة قصيرة المدى

أما عن الذاكرة قصيرة المدى فهي محدودة للغاية مقارنة بنظيرتها. فلا تحمل من يزيد عن تسع قطع أو Chunks. والقطعة هي المصطلح الذي أعطاه عالم النفس جورج ميلر لوحدات التخزين الرئيسية للذاكرة. مثال: l a m a i s o n كل حرف من هذه الحروف يمثل قطعة أو Chunk، وإذا لم تستطع تكوين كلمات منها فستراها كسبع قطع منفردة. أما إذا كنت تعرف الفرنسية فستراها كقطعتين فقط، كلمة la وكلمة maison بمعنى المنزل.

وبالطبع يصبح تذكرها في هذه الحالة أسهل. وهنا يمكننا القول أن مقدار المعرفة يؤثر على مقدار ما نتذكر. لأنه يؤثر على ما يمكن احتسابه كقطعة/وحدة تخزين في الذاكرة، وهذا يظهر في «تأثير الخبراء-Expertise effect».

يظهر تأثير الخبراء في أحد التجارب التي أُجريت على مجموعة من المبتدئين والخبراء في لعبة الشطرنج. عُرضت عليهم اللوحة لعدة ثوان، وقطعها مرتبة بترتيب معين لاستراتيجية معروفة لممارسي اللعبة، ثم طُلب منهم إعادة ترتيبها بأنفسهم. استطاع الخبراء فعل هذا الأمر بسهولة بينما تعثر المبتدئين ووقعوا في بعض الأخطاء. وعند إعادة التجربة بترتيب القطع ترتيبًا عشوائيًا لا يشبه أي استراتيجية مألوفة. تعثر كل من الخبراء والمبتدئين في إعادة الترتيب.

وتؤكد هذه التجربة أن زيادة المعرفة وإضفاء المعنى والمنطق على المعلومة يساهم في تذكرها وسهولة تخزينها. رجوعًا إلى الذاكرة طويلة المدى، كيف تنتقل المعلومات من تذكرها لعدة ثوانٍ فقط (الذاكرة قصيرة المدى) إلى الاحتفاظ بها لعمر كامل (الذاكرة طويلة المدى)؟

ذكرنا أن الممارسة أو تكرار المحفز داخل رأسك مرارًا وتكرارًا يُمكنك من الاحتفاظ به في الذاكرة قصيرة المدى. فيظل الأمر عالقًا داخل رأسك طالما تكرره، لكنه لا يترسخ في الذاكرة طويلة المدى. تحتاج المعلومات إلى التنظيم والمعنى لكي تترسخ فيها. بمعنى أنه كلما فكرت في الأمر بشكل أعمق، كلما أكسبته المعنى والمنطق فيما عرفناه بالمعالجة العميقة، صار تذكره أسهل.

ثالثًا: عملية «الاسترجاع-Retrieval»

وكما يوضح الاسم تختص هذه العملية باسترجاع المعلومات المخزنة.

وتنقسم عملية الاسترجاع إلى مرحلتين:

أولًا «الاستعادة-Recall» وهي استخراج الذكرى فقط.
ثانيًا «الادراك-Recognition» وهو إدراك معنى الذكرى، وما كانت تتناظر معه في الماضي.

ويحدث الاسترجاع بشكل أساسي عن طريق «دلالات الاسترجاع-Retrieval cues» وهي إشارات ترتبط بالأمر الذي تحاول تذكره، فعندما تدعو شخصًا لموعد غداء ثم تراه صدفة، تتذكر هذا الموعد. وهذه الحالة (عندما يتماثل السياق الذي حدث فيه ترميز المعلومة واسترجاعها) تُعرف بمبدأ التوافق.

بمعنى أنك تتذكر الأشياء بشكل أفضل في السياق الذي تعلمته بها. فيما يعرف أيضًا بـ «الذاكرة المعتمدة على السياق-Context dependent memory» و«الذاكرة المعتمدة على الحالة-State dependent memory».

مثال: -من المرجح أنك ستتذكر المعلومات بشكل أفضل في امتحانك النهائي، إذا حضرته في نفس القاعة التي حضرت فيها محاضراته. لأن وجودك في نفس الغرفة سيعيد إليك دلالات الاسترجاع.

-الأشخاص اللذين يتعلمون أشياء تحت تأثير المخدرات (تأثير منخفض لا يؤثر على النشاطات العقلية الأخرى) يتذكرونها بشكل أفضل وهم تحت تأثير المخدرات مجددًا لا في حالتهم الواعية. هذا الأمر ينطبق أيضًا على شرب الكحوليات.

-الأشخاص اللذين يتعلمون أشياء وهم في حالة اكتئاب، أكثر قدرة على تذكره وهم في نفس الحالة المزاجية لا في حالتهم الطبيعية. وهنا توضح لنا هذه الأمثلة أن جزء كبير من استرجاع المعلومات يعتمد على استرجاع السياق الذي تم ترميزها به.

عندما تخفق الذاكرة- النسيان

تحدثنا عن العالم من حولنا ودور الانتباه في انتقاء المعلومات البارزة أما إراديًا أو لا إراديًا لكي تدخل المخ. وكيف تتم معالجة المعلومات في المخ من ترميز وتخزين واسترجاع. لكن يبقى مسار آخر لم نتحدث عنه وهو النسيان، ليس كل ما نتذكره نحتفظ به للأبد.

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

كيف يحدث النسيان؟

النسيان نوعان:

النسيان الطبيعي

الذي يحدث بمرور الزمن وتغير الأشياء وله أسبابه:

أحد التفسيرات أن المخ شيء مادي، وجميع الأشياء المادية تتلف مع الوقت، كذلك مسارات المخ فيحدث النسيان.

الإجابة الثانية هي التداخل. تزداد صعوبة استرجاع المعلومات عندما يتعلم الشخص معلومات أخرى مشابهة لها. لذا يمكن القول أن قدرة الشخص على التعلم تضعف عندما يتعلم المزيد من الأشياء المتصلة بها، بسبب حدوث التداخل أو ارتباك داخل الذاكرة. بسبب تغير دلالات الاسترجاع: كلما مر الوقت كلما تغير العالم، وبما أن التذكر يعتمد بشكل كبير على دلالات الاسترجاع، فكلما تتغير أو تقل يحدث النسيان.

النسيان الذي يحدث بسبب تلف المخ.

مثل: «فقدان الذاكرة الرجعي-Retrograde amnesia» وهو فقدان جميع ذكريات الماضي، وقد يحدث نتيجة صدمة في الرأس فيفقد الشخص جميع ذكريات ذاكرته العرضية/ذاكرة السيرة الذاتية المختصة بأحداث حياته، وهذه هي الصورة التقليدية لفقدان الذاكرة كما ذكرنا.

«فقدان الذاكرة التقدمي-Anterograde amnesia» وهو فقدان القدرة على تكوين أي ذكريات جديدة، والمثال الأشهر على ذلك هو كلايف ويرنج الذي ذكرناه في بداية المقال.

ويرنج موسيقي بريطاني أُصيب يومًا بفيروس الزهري، الذي انتقل إلى مخه وأحدث تلفًا في الحصين وهو الجزء المختص بالذاكرة. فقد ويرنج ذاكرته الرجعية باستثناء بعض الأحداث المهمة مثل حبه لزوجته وامتلاكه لأولاد لا يذكر أسمائهم وكيفية لعب البيانو. وفقد ذاكرته التقدمية ففقد القدرة على تكوين أي ذكريات جديدة وعاش في حاضر دائم. لذا ينسى أنه رأى زوجته منذ دقائق معدودة فيحييها كأنه يراها أول مرة، وينسى أنه استيقظ من النوم فيقضي يومه في الاستيقاظ مجددًا كل بضعة دقائق!

يُفسر عدم نسيان ويرنج لكيفية لعب البيانو إلى أن هذا الفعل يُخزن في «الذاكرة الاجرائية-procedural memory» من الذاكرة طويلة المدى، وهذا الجزء من المخ لم يُصب بأذى. فبينما تتذكر أصابعه كيفية اللعب تغيب عن ذاكرة ويرنج أية ذكرى لتعلمه العزف. واعتبر العلماء حالة كلايف ويرنج من أشد حالات فقدان الذاكرة التي عرفتها البشرية على مر التاريخ.

كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

والآن إذا نجح هذا المقال في الاستحواذ على انتباهك، واستطاعت بعض معلوماته اجتياز حاجز الترميز والتخزين ووصلت بمساعدة المعنى والمنطق إلى الذاكرة طويلة المدى. فلا تنسى حديثنا عن الانتباه ورؤيته المحدودة للواقع بأفكارنا ومشاعرنا وتفضيلاتنا. كذلك كيفية صنع الذكريات، والعمليات الثلاثة التي تمر بها المعلومات لتصنع ماضينا وحاضرنا. وأخيرًا النسيان كناتج طبيعي لتغير المخ والعالم. وحالة كلايف ويرنج الشهير الذي يعيش في حاضر دائم.

اقرأ أيضًا: التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

مصادر ( كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟ ):

1- simplepsychology
2- psychology.wikia.
3– /psychology.wikia

7 فوائد لممارسة الرياضة على العقل والذاكرة والتركيز

7 فوائد لممارسة الرياضة على العقل والذاكرة والتركيز

أثبتت العديد من الدراسات أن أجزاء الدماغ التي تتحكم في التفكير والذاكرة وهما (قشرة الفص الجبهي prefrontal cortex والقشرة الصدغية الوسطى medial temporal cortex والحصين) تكون بحجم أكبر لدى الأشخاص الذين يمارسون الرياضة مقارنة بالأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة لذا سنوضح لكم 7 فوائد لممارسة الرياضة على العقل والذاكرة والتركيز.

تساعد ممارسة الرياضة الذاكرة والتفكير بشكل مباشر: عن طريق تقليل مقاومة الأنسولين وتقليل الالتهابات العامة بالجسم وتحفيز إطلاق عوامل النمو، وبشكل غير مباشر: عن طريق تحسين الحالة المزاجية والنوم وتقليل التوتر والقلق. فغالبًا ما تسبب المشكلات في هذه المناطق ضعفًا إدراكيًا بالدماغ أو تساهم فيه.[1]

فوائد ممارسة الرياضة على العقل

1- تحسين الدورة الدموية وتدفق الدم للمخ:

مع زيادة معدل ضربات القلب أثناء التمرين، يزداد تدفق الدم إلى الدماغ، وعند زيادة تدفق الدم له يتلقي دماغك مزيد من الأكسجين والمواد المغذية التي تزيد من نشاطه.
وقد ثبت علميًا أن كلاً من التمارين الهوائية وتمارين المقاومة تؤدي إلى زيادة عوامل النمو التي لها تأثيرإيجابي على الدماغ أثناء النمو في البالغين وعليها فإنها تقي من تعرضك للإصابة من الأمراض الدماغية مثل الألزهايمر أو الخرف. [2]

2- تحسن عمل الإشارات العصبية الموجودة بين الخلايا العصبية:

يحفز التمرين إطلاق البروتينات المفيدة من الجسم. وتحافظ هذه البروتينات المغذية على صحة الخلايا العصبية وتعزز نمو الخلايا الجديدة. الخلايا العصبية هي ” لبنات بناء الدماغ”، وتعد صحة الخلايا العصبية مهمة لصحة الدماغ بشكل عام. فعندما ينطلق هذه البروتينات تعزز عمل المواد الكيميائية الموجودة بين الخلايا العصبية فتزيد من عمل الإشارات العصبية.

3- الرياضة ومرونة الدماغ

مرونة الدماغ هي قدرة الدماغ على التكيف مع الظروف المحيطة باستمرار وتحسنها يأتي نتيجة لقدرة الخلايا العصبية على تعديل وتكوين اتصالات بين بعضها البعض استجابة للمؤثرات والحوافز الخارجية أو الداخلية.

يمكن أن تؤثر ممارسة الرياضة على تحسن مرونة الدماغ لدى الشباب وكبار السن عموماً وبعد الأمراض العصبية مثل مرض الشلل الرعاش parkinson’s disease أو بعد تليف الدماغ وأثبتت التجارب أن ممارسة الرياضة والتمرين البدني ينتج عنها معدل جيني قوي يؤدي إلى تغيرات وظيفية وهيكلية في المخ من أجل تحسين الوظيفة الإدراكية والمزاج العام للشخص. [3]

4- تساعدك ممارسة الرياضة على الإنتباه والتركيز

اشتهر في الماضي، أن الخلايا العصبية الجديدة لا يمكن أن تتجدد عند البالغين بدلاً من الخلايا التالفة.

لكن بدراسات في 1960 أكدت بياناتها أنه في جميع الثدييات التي تم تحليلها، يمكن تكوين خلايا عصبية جديدة بمنطقة الحصين- hippocampus وهذه النتائج مهمة للغاية لأن الحصين هو المركز الأساسي لتكوين أنواع معينة من الذاكرة مثل الذاكرة العرضية والذاكرة المكانية [2] وزيادة الخلايا الجديدة بالحصين تؤدي إلى زيادة حجم الحصين.

نتيجة لذلك يزداد تركيزك وإنتباهك بحياتك اليومية كلما مارست الرياضة.

5- تحسن قدرتك على النوم بشكل صحي

يمكن أن يساعدك التمرين في الحفاظ على مزاجك، والاسترخاء في وقت النوم وإنشاء دورة نوم واستيقاظ صحية (الساعة البيولوجية) ومنها الذهاب إلى النوم العميق والإبتعاد عن الأرق، الأشخاص الذين يمارسون الرياضة أكثر يميلون إلى الحصول على مزيد من النوم “العميق” الذي يساعد على تنشيط عقلك وجسمك. [4]

6- تحسن ممارسة الرياضة من مزاجك العام وتقلل التوترعن طريق:

عند ممارسة الرياضة يفرز جسمك مواد كيميائية مثل الدوبامين ( dopamin) والإندورفين (endorphins) وهي المواد التي تجعلك تشعر بالسعادة والفرح ولا يقتصر دور التمرين على هذا وحسب بل إن ممارسة الرياضة قد تساعد عقلك في التخلص من المواد الكيميائية التي تجعلك تشعر بالغضب والتوتر، أيضًا يساعدك في التحكم في عواطفك عندما تشعر بالغضب أو الانزعاج وتقليل الاكتئاب والقلق وتعمل التمارين الهوائية على تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق بشكل جيد عن طريق افراز مواد كيميائية مثل الدوبامين، وقد يقترحها بعض الأطباء كعلاج للإكتئاب والقلق المزمن نتيجة لفوائدها على الجهاز العصبي والمخ.

يمكن أن يكون آلية عمل ذلك أن ممارسة الرياضة تبطئ تلف خلايا الدماغ وانهيارها وتعمل على تكوين خلايا عصبية جديدة كما قلنا بالسابق. قد يستغرق الأمر عدة أشهر للحصول على الفائدة الكاملة لذا اعتد على أن تكون نشطًا ولا تمل سريعاً من ممارسة الرياضة. [3,4,5]

7- ممارسة الرياضة لتحسين الذاكرة

ما نوع الرياضة التي تحسن الذاكرة؟

لم تثبت الدراسات أن ممارسة الرياضة بشكل واحد محدد أفضل من الآخرى؛ حيث أن الرياضة بجيع أشكالها سواء هوائية أو تقوية أو جري أو حتى المشي تساهم بشكل أو بآخر في تقوية الذاكرة لذا ننصحك بممارسة رياضة المشي لمدة نصف ساعة يوميًا.

ما مقدار الوقت المطلوب في التمرين لتقوية الذاكرة؟

من 120 إلى 150 دقيقة بالأسبوع من التمارين متوسطة الشدة أو المشي كافية لتقوية الذاكرة وإن كنت مما لا يفضلون المشي فيوجد تمارين أخرى متوسطة الشدة، مثل السباحة أو صعود الدرج أو التنس أو الاسكواش أو الرقص.

وهنا بعض الوقت المخصص لكل فئة عمرية التي ينصح بها المتخصصين في ممارسة الرياضة:

– الأطفال (6-17 عامًا): يجب عليهم ممارسة 60 دقيقة أو أكثر يوميًا من النشاط البدني المعتدل، ومعظمها يجب أن يكون هوائيًا، مع نشاط قوي لمدة 3 أيام على الأقل في الأسبوع.

– البالغون (18 فيما فوق): يجب أن يتمرن البالغون أكثر وأن يمارسوا ما لا يقل عن 150-300 دقيقة من التمارين متوسط ​​الشدة، أو 75-150 دقيقة التمرينات الهوائية أسبوعيا وتمارين المقاومة القوية على الأقل يومين في الأسبوع.

– كبار السن يجب عليهم القيام بأكبر قدر ممكن من الأنشطة الهوائية وتقوية العضلات ، عل حسب ظروفهم الصحية الفردية. [5]

المصادر:
1- harvard
2-webmed
3-PMC
4-positivepsychology
5- APA

أقرأ أيضًا: قواعد ممارسة الرياضة والجري

الذاكرة و تأثير راشومون : هل يمكننا الوثوق بذاكرتنا؟

هل تعتقد أن ذاكرتك قوية بما يكفي لاسترجاع ما يحدث أمامك الآن دون أخطاء؟ حاول أن تتذكر أي يوم مميز في حياتك. ثم اسأل من شاركوك نفس اليوم عن تفاصيله. لا تندهش عندما يسردون وقائع لم ولن تتذكرها رغم تأكديهم أنها حدثت. فلن تعرف أبدًا مدى صحة رواياتهم أو روايتك لأن الذاكرة البشرية-على عكس ما تعتقد- تتغير وتتجدد باستمرار لتخلق لكل منا نسخته الفريدة عن الواقعة ذاتها.

قصة القتيل في الغاب

اليابان في القرن الثاني عشر حيث تستمع المحكمة لشهادات الشهود حول الجثَّة التي وجدها حطَّاب في الغابة. لكنها لم تكن محاكمة عادية، إذ اختلفت الشهادات بشكل لا يُصَدَّق. كان هناك سيف، لا لم يكن هناك سيف. زوجة القتيل خانته، لا لم تخُنْه. وهكذا التَبَس عليهم أمرهم مع كلِّ شهادة جديدة، لدرجة أن ثلاثة من الشهود اعترف كل منهم أنه القاتل ولا قاتل سواه!

“من الصعب القول من هو المُخطِئ الأعظم أنتم أم أنا”

-قاطع الطرق “تاجو مارو” المتهم بقتل الرجل واغتصاب زوجته أمام المحكمة.

هذه لمحة من قصة (رينوسكي أكوتاكاوا) الممتعة التي حولها المبدع الياباني (أكيرا كوراساوا) إلى فيلم «راشومون-Rashomon»الحائز على الجائزة الأولى من مهرجان فينيسيا، وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. جاءت تسمية “تأثير راشومون” لوصف التضارب الحادث بين شهود العَيان على نفس الحادثة. يتكرر تأثير راشومون كثيرًا في حياتنا اليومية بدءًا من الأشياء التي تضعها في مكان وتظن أنك وضعتها في مكانٍ آخر، وصولًا إلى التفسيرات المختلفة للوقائع والأحداث من مراسلي التلفاز، وغيرها من المواقف التي يصبح فيها الوصول إلى الحقيقة مستحيلًا.

الملصق الدعائي لفيلم راشومون

ماذا يربط بين الذاكرة والمثلَّجات والهاتف الصيني؟

قام علماء بتجربة يشاهد فيها المتطوعون حلقة من مسلسل تلفزيوني ثم يُسأَلون عن أحداث الحلقة بعد وقت من مشاهدتها. في خلال هذا الوقت يختار المتطوعون بين التَمرُّن على حلِّ أسئلة عن الحلقة أو لعب لُعبة Tetris. قبل الاختبار النهائي شاهد المتطوعون فيديو ملخّص لأحداث الحلقة تم تغيير بعض التفاصيل فيه عن تلك التي شاهدوها في الحلقة الأصلية بهدف تشتيتهم. في الاختبار النهائي، وجد أن إجابات الفريق الذي اختار حل الأسئلة أقل دقة بشكل ملحوظ من إجابات الفريق الذي لعب Tetris! فكيف حدث هذا؟(1)

عندما تمر بموقفٍ ما تتكون ذكرى لهذا الموقف في الدماغ على شكل روابط عصبية في الذاكرة طويلة المدى فيما يعرف بعملية «تقوية أو ضم الذاكرة-Memory Consolidation». هذا جميل فالذكرى تتحول إلى حالة غير نشطة يتم تخزينها، إلا أنك كلما استرجعت هذه الذكرَى تصبح نشطة مرة أخرى ويتم إعادة عملية ضمِّها مرة أخرى “reconsolidation”. هذا يعني أنه عند استرجاع الذكرى تصبح هشَّة وقابلة للتشوه والتغيير لبعض الوقت، تمامًا كقطعة مثلجات أخرجتها من المُجَمِّد حتى انصهرت وتشوَّهت ثم جمَّدتها مرة أخرى(2).

عملية تغير الذكرى عند استرجاعها

كلما استرجعت الذكرى كلما تغيرت واختلطت بغيرها ثم تحفظ بحالتها الجديدة إلى أن تسترجعها فتتغير من جديد وهكذا. الأمر أشبه بلعبة “الهاتف الصيني” حيث يهمس اللاعب الأول في أذن من يليه بحكاية ما، ويهمس بها الثاني للثالث وهكذا. تجد في النهاية أن القصة التي يرويها اللاعب الأخير تختلف كثيرًا عن القصة الأصلية.

رحلة الذاكرة من اليقين إلى الشك!

بدأ الاهتمام بتغيُّر الذاكرة على يد عالم النفس البريطاني «فريديريك بارتليت-Frederick Bartlett»في الثلاثينيات. ومن الغريب أن لعبة الهاتف الصيني نفسها هي التي ألهمته بالبحث في تغيّر الذاكرة. حيث قام بإجراء تجارب أوضح من خلالها تغيير ذاكرة الأشخاص لقصةٍ معينة يقرؤونَها حسب اختلاف خلفياتهم الثقافية والتاريخية(3).

كما قامت «اليزابيث لوفتس-Elizabeth Loftus»عالمة النفس والقانون بجامعة كاليفورنيا بدراسة تأثير الأسئلة الموجهة “Leading Questions” على استرجاع الذكريات لدى الشهود. يشاهد المتطوعون اصطدامًا بين سيارتين، ثم يُسأَلون عن سرعة السيارتين. وجد أنه عند سؤالِهم: كم كانت السرعة حين “تصادَمَتا” يعطون تقديرات للسرعة أعلى من تلك التي يُعطونَها حين يُسأَلون عن السرعة حين “تلامَسَتا”(3).

قام العلماء أيضًا بعدَّة تجارب على الفئران والبشر والحيوانات لِمَحوِ ذِكرَى معينة باستخدام أدوية تمنع تصنيع الروابط العصبية.

كما درسوا تأثير التَحَيُّز على الذاكرة. يشاهد المتطوعون شجارًا بين اثنين، ثم يتم تقسيمهم إلى مجموعتين. إحداهُما تروي الواقعة لشخصٍ لا يُحب أحد طرفي النزاع، والأخرى تروي لشخصٍ لا يحب الطرف الآخر. وجد أن الشهادات جاءت متباينة بين المجموعتين. ولكن المُدهِش أنه حين طُلِب من كلتا المجموعتين الإدلاء بشهادةٍ أمام شخصٍ محايد، كانت روايات شهود كل مجموعة تنتقص من الأحداث حسب تحيُّزِهم لأحد الطرفين في المرة السابقة!(4)

وتوالت الكثير من التجارب حتى وقتنا هذا مؤكدة على نفس الحقيقة: أن ذاكرتنا تُخطِئ وترتجل وتَتَبدَل تحت تأثير الكثير من العوامل. يمكنها اختلاق التفسيرات وإعادة ترتيب الأحداث، وتبديل الشخصيات بما يؤكد على تأثير “راشومون” الذي كُتِبَ عنه قبل أن تؤكده الدراسات العلمية.

نصف كوب الذاكرة المَملوء

الأمر الجيّد في تغيّر الذاكرة هو أنَّنا يمكننا تغييرها! فَكِّر في مرضَى الخوف غير المبرر أو الفوبيا، أو متلازمة توَتُّر ما بعد الصدمة. ماذا لو تَمكَّن العلاج النفسي من استغلال هشاشة الذاكرة وقت استرجاعها في تغيير الذكرى السيئة التي سببت الحالة المرضية؟ يمكن من خلال هذا التأثير إعادة كتابة الذكريات كَيْلا ترتبط بمشاعر الخوف أو التوتر مرة أخرى(5). أيضًا بدراسة الظروف والعوامل التي تؤثِّر في تغير الذاكرة يمكننا أن نضع شهادات شهود العيان في محلِّها الصحيح من حيث القوَّة أو الضعف.

يفتح تأثير راشومون أمامنا الباب كي نراجع ما نعرفه عن ذاكرتنا طوال هذه السنوات. هل كان الماضي أجمل وأكثر بركةً كما يخبرنا من عاصروه من الكبار؟ هل كنت سعيدًا حقًا في تلك الرحلة؟ أم أنك تتذكر هذا لأنك ترى ابتسامتك في الصور؟ هل كان التاريخ منصفًا في وصف الوقائع والأحداث حتى لو تحرَّى المؤرِّخون الصدق؟ حسنًا إذا وصلت إلى هنا عزيزي القارئ فأنصحك بمراقبة ذاكرتك وعدم النظر للأمور بنظرة أحادية. فذاكرتك قد اعتادت ملئ الفراغات وتبديل الأحداث واختلاق المبررات كلما استرجعتها. ليس عيبًا منها، فالعقل دائمًا يسعى لراحتك، لذا قد تجده حريصًا على أن يروي لك قصة منطقية مقبولة لديك على أن يروي ما حدث بالضبط. إذا رأيت مصابًا بداء ألزهايمر تجده يقسم على صدق ما يقول، رغم أن عقله ببساطة قد حاك له قصةً لم تحدث قط. يبقى لي أن أرشح لك فيلم Rashomon، ولا تثق فيما نقلته لك من أحداث القصَّة فلعل ذاكرتي قد خدعتني مجدَّدًا!

المصادر:
1.National Geographic
2. Wikipedia
3.The Conversation
4. Neurophilosophy
5.Scientific American

آلية عمل الذاكرة البشرية وأنواعها

آلية عمل الذاكرة البشرية وأنواعها تُبنى على الخلايا العصبية، حيث تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها عن طريق “مشابك عصبية” تربط كل خلية عصبية بالآخرى. ولتحفيز هذه التشابكات العصبية يلزم وجود “ناقلات عصبية” (مواد كيميائية تسمح بنقل الإشارات من خلية عصبية أخرى وتوجد في المشابك العصبية).

يمكننا تشبيه “الناقلات العصبية” بالبريد الإلكتروني، إذا تلقيت رسالة بريد إلكتروني واحدة فيمكنك تجاهلها. ولكن، إذا تلقيت مئات الرسائل من شخص يحدثك بنفس الموضوع في نفس الوقت، فمن المحتمل أن تبدأ في الانتباه والتحدث معه.

بالمثل، تفتح الخلايا العصبية خط اتصال مع بعضها عندما تتلقى تحفيزًا مستمرًا من العديد من الناقلات العصبية في وقت واحد مثلاً إنك تضطر لتكرار رقم مُعين لحفظه عندها يكون المُحفز تكرار الرقم. إذاً تعتمد قدرتك على تذكر بعض الأحداث دونًا عن غيرها على قوة وتكرار الاتصال بين التشابكات العصبية. الأشياء التي تكررها مثل رقم التليفون أو عنوان المنزل تكون حاضرة بذهنك وبتحفيز بسيط للذاكرة تستطيع أن تسترجع المعلومة بسهولة، أما الأشياء التي لا تكررها تتضائل وتتناسى. 1

صورة توضح شكل الخلية العصبية والمشبك العصبي

صورة توضح الناقلات العصبية بالمشابك وبين الخلايا العصبية

مراحل الذاكرة

تمر الذاكرة بثلاث مراحل ولنسهل عليك الأمر دعنا نشبه الذاكرة بحافظ الملفات، مثلاً عندما تشهد حدث معين تقوم الذاكرة بإنشاء ملف له وحفظه بمخك ثم تسترجعه حين طلبك له مرة أخرى.

1- الترميز: هي عملية الذاكرة الأولى تعتمد على نقل المعلومات الآتية من المستقبلات الحسية إلى الخلايا العصبية ليتم تخزينها.
2- التخزين: يتم تخزين الذكرى لحين استرجاعها، وتحتوي هذه العملية على تخزين معلومات عن الحدث مثلاً في أي وقت وفي أي مكان.
3- الإسترجاع: هذه العملية تشير إلى الحصول على المعلومات بعد تخزينها حين تطلبها.

إذاً لماذا ننسى؟

يمكننا القول بأن النسيان هو عملية عجز مؤقتة بإسترداد معلومة معينة مما تم حفظه مسبقاً في الذاكرة.
تذكر بعض المواقف دوناً عن غيرها تعتمد علي قوة التكرار الحدث بين الخلايا العصبية. وهذا يسمح لدماغك استرجاع هذه الذكرى بمعدل أعلى، قد يفسر هذا سبب كون بعض الذكريات أكثر حيوية من غيرها. مثلا إنك لا تنسى أول مرة ركبت بها الدراجة ولكن تنسى ما هو اليوم بالتحديد ذلك لأنك بكل مرة تتذكر فيها هذا الموقف لا تسترجع بها معلومات اليوم ولكن تسترجع الموقف فقط.

للنسيان ثلاث نظريات

الأولى: أنك لم تهتم بالذكرى بالقدر الكافي فلم يتم تسجيلها بالذاكرة.
الثانية: أن الذاكرة نفسها لم تقم بالإحتفاظ بالذكرى.
الثالثة: أنها موجودة بمكان ما بالذاكرة ولكنك غير قادر على استرجاعها.

أنواع الذاكرة
1- الذاكرة الحسية – sensory memory

هي أقصر أنواع الذاكرة وقتاً ومسؤولة عن الإحساس الذي يصلنا من الحواس الخمسة “اللمس، الشم، البصر والسمع” وعادة ما تستمر هذه الذاكرة إلى ثانية أو أقل، تقوم بحفظ انطباع قصير عن المؤثر الحسي بعد انتهاءه.
مثلا: عند مشاهدتك للبرق ترى ضوء خفيف بعد انتهائه أو بعد أن تشم الأزهار تبقى الرائحة في أنفك، لا تستمر هذه الأشياء سوى ثوان.

أيضا تعمل هذه الذاكرة على حفظ وتخزين اللقطات المهمة والمعلومات السريعة التي قد يستفيد بها العقل في وقت لاحق وتنقها إلى الذاكرة قصيرة المدى. 3


2- الذاكرة قصيرة المدى – short term memory

تعتبر الذاكرة قصيرة المدى حلقة الوصل بين الذاكرة الحسية والذاكرة طويلة المدى، تشبه الذاكرة قصيرة المدى الأوراق اللاصقة التي نكتب عليها ملاحظات سريعة. مسؤولة عن التفكير اللحظي والمعلومات السريعة وتستمر هذه الذاكرة بضعة ثواني ويمكن أن تمتد لدقيقة.

على سبيل المثال: لتفهم معنى هذه الجملة يجب أن تكون بداية الجملة حاضرةً في عقلك أثناء قراءة المتبقي منها، هذه مهمة الذاكرة قصيرة المدى. وهذه الإجابة عن السؤال لماذا أنسى أين وضعت مفاتيحي أو لماذا جئت إلى هنا ذلك لأن هذه المعلومات تُحفظ في الذاكرة قصيرة المدى التي لا تبقى سوى دقائق، لا تقلق أنت بخير. 2


3- الذاكرة طويلة المدى – long term memory

أطول أنواع الذاكرة وقتاً وهي المسؤولة عن تخزين المعلومات وإدارتها واسترجاعها. الذكريات الحسية تومض فقط لمدة أقل من ثانية والذكريات قصيرة المدى تستمر لمدة دقيقة أو دقيقتين، أما الذاكرة طويلة المدى تشمل أي شيء حدث قبل خمس دقائق إلى 20 عامًا مضت.

بعض أنواع هذه الذاكرة متعلق بالعقل الواعي مما يتطلب منك التفكير العميق من أجل تذكر جزء من المعلومات وبعضها في اللا واعي مثل تذكر الطريق من المنزل إلى العمل دون التفكير في ذلك. دعونا نلقي نظرة على بعض هذه الأنواع . 3

أنواع الذاكرة طويلة المدى

1-الذاكرة السمعية

تساعدنا الذاكرة السمعية في الاحتفاظ بالمعلومات بناءً على الأصوات التي نسمعها، عندما نعلم الأطفال الأصوات التي تصدرها الحروف، فإن ذاكرته السمعية هي التي ستسمح له بتذكر أن صوت الحرف ” ك” هو نفسه الصوت الذي نسمعه في كلمة “كرة”.

2-الذاكرة البصرية

هي التي تساعد الطفل على ربط صورة كرة السلة بكلمة “كرة”.

3- الذاكرة الصريحة – explicit memory

مسئولة عن الاستدعاء المتعمد للمعلومات. كالإجابة عن سؤال بالامتحان عليك أن تتذكر المعلومة بدقة.

4- الذاكرة التقريرية -Declarative Memory

هذه الذاكرة مسئولة عن الاحتفاظ بالحقائق المهمة واسترجاعها، مثل التواريخ والأحداث والمعلومات.

5- الذاكرة العرضية -Episodic Memory

تضمن القدرة على تذكر التجارب المباشرة من حياتك.

6- الذاكرة الدلالية – Semantic Memory

تشير الذاكرة الدلالية إلى تخزين الذاكرة للمفردات والحقائق الأساسية والأسماء والمعرفة العامة. 4

لا يزال البحث مستمر حول العقل البشري والذاكرة فالعلم وراء الذاكرة هو علم معقد، ومن المرجح أن يدرس لعقود قادمة هناك الكثير من الأبحاث التي يجب القيام به لفهم كيف يولد أدماغتنا الذكريات ويسترجعها.

مصادر( آلية عمل الذاكرة البشرية وأنواعها؟):
1- harvard university
2- sciencedirect
3- american psychological association apa
4- medscape
PMC -5

اقرأ أيضاً: مترجم: أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تذكر الأشياء؟

علاقة النسيان والساعة البيولوجية بتفاصيل حياتك اليومية

علاقة النسيان والساعة البيولوجية بحياتك اليومية وكيفية تحسين الذاكرة

يظهر النسيان دوماً كعدوٍ يباغتنا في أوقات حرجة، فكم مرة دخلت غرفة ونسيت ما تريد فعله هناك؟ أو بحثت عن مفاتيحك عبثاً وأنت تحاول تذكر آخر مكان وضعته فيها؟ أما الموقف الأصعب أن تلتقي بشخص تعرفه جيداً فيداهمك النسيان ويصعب عليك تذكر اسمه. تسمى لحظات النسيان هذه بفقدان الذاكرة المرتبط بالعمر ARML، وهي تحدث للجميع حتى في مرحلة الشباب.

النسيان والساعة البيولوجية

تعد قلة النوم المؤثرة سلبا على الساعة البيولوجية وبعض الأدوية كمضادات الاكتئاب وإدمان الكحول سبباً رئيسياً للنسيان. كما يساهم القلق والتوتر والإحباط وأمراض الغدة في تراجع الذاكرة. يُعتبر النسيان من وقت لآخر طبيعياً، كما أنَّ تراجع الذاكرة مع التقدم بالعمر يعد أمراً عادياً إلى حد ما.

تصنف مشاكل الذاكرة الطبيعية إلى سبعة أنواع؛ فالنسيان العابر كنسيان الحقائق والأحداث بمرور الوقت، ونسيان المعلومات بعد تعلمها يبدو كعلامة ضعف في الذاكرة؛ لكنَّ علماء الدماغ يعتبرونه مفيداً، لأنَّه يُخلص الدماغ من الذكريات غير المستخدمة، مما يتيح المجال أمام ذكريات جديدة وأكثر فائدة.

ويحدث شرود الذهن أو الذهول بسبب قلة الانتباه، كنسيانك مكان القلم، ونسيان بعض المعلومات بسبب التفكير بأمر آخر، ونسيان تناول الدواء في الموعد المحدد. وأما العجز المؤقت عن استرداد الذاكرة فيحدث بسبب وجود ذاكرة مشابهة للذاكرة التي تبحث عنها حيث تسترجع الذاكرة الخاطئة بدلاً منها.

جين جديد مسؤول عن النسيان

حدد العلماء جيناً في الفئران يؤثر على استرجاع الذاكرة في أوقات مختلفة من اليوم، وتتبعوا الطريقة التي يجعل بها هذا الجين الفئران أكثر نسياناً قبل استيقاظها. ويدرس العديد من الباحثين كيفية صنع ذكريات جديدة، لكن تعد دراسة النسيان أكثر تعقيداً بسبب صعوبة التمييز بين عدم المعرفة وعدم التذكر.

يقول الباحث Kida Satoshi من جامعة طوكيو : “لقد صممنا اختباراً للذاكرة، يمكنه التمييز بين عدم التعلم مقابل معرفة المعلومة مع عدم القدرة على تذكرها”. حيث اختبر الباحثون الذاكرة لمجموعة من الفئران البالغين، ففي مرحلة التعلم سُمح للفئران باستكشاف شيئاً جديداً لعدة دقائق، وفي مرحلة الاسترجاع رصد الباحثون مدة الوقت التي تقضيها الفئران في لمس الشيء عند إعادة تقديمه. ولاحظ الباحثون أنَّ الفئران تقضي وقتاً أقل في لمس الأشياء التي تتذكر مشاهدتها من قبل، وأعاد الباحثون التجربة في أوقات مختلفة من اليوم.

النتائج

التذكر

استطاعت الفئران التي دُربت قبل موعد استيقاظها المعتاد واختبرت مباشرة بعد وقت نومها تمييز الشيء. بينما الفئران التي تدربت في نفس الوقت ولكن اختبرت بعد 24 ساعة لم تميز الشيء.

أظهرت الفئران السليمة والفئران التي تفتقد بروتين BMAL1 نفس نمط النتائج، لكن الأخيرة كانت أكثر نسياناً قبل موعد استيقاظها. يعتقد العلماء وجود شيء في وقت النهار قبل موعد استيقاظ الفئران يجعلها لا تتذكر شيئاً تعلمته في السابق.

الساعة البيولوجية

يقول العالم Kida Satoshi : ” إنَّ مجتمع أبحاث الذاكرة اقترح في السابق أنَّ الساعة البيولوجية المسؤولة عن تنظيم دورات النوم تؤثر أيضاً على التعلم وتكوين الذاكرة. والآن لدينا الدليل على أنَّ الساعة البيولوجية تنظم أيضاً استرجاع الذاكرة”

تتبع الباحثون دور بروتين BMAL1 في استرجاع الذاكرة إلى منطقة معينة في الدماغ تسمى الحصين، وربطوا دور هذا البروتين بتنشيط مستقبلات الدوبامين وتعديل جزيئات اخرى في الدماغ.

يقول Kida : إذا استطعنا تحديد طرق لتعزيز استرجاع الذاكرة من خلال مسار BMAL1 فيمكننا التفكير في التطبيقات الخاصة بأمراض الذاكرة البشرية مثل الخرف ومرض ألزهايمر.

المصادر
Harvard1

Harvard2

Parkview

Science Daily

كيف تتكون الذكريات؟ وكيف تتلاشى بمرور الوقت؟

كيف تتكون الذكريات؟ وكيف تتلاشى بمرور الوقت؟ هل تساءلت من قبل لماذا تستطيع تذكر اسم صديق طفولتك المفضل الذي لم تره لسنوات، وفي نفس الوقت تعجز عن تذكر اسم الشخص الذي قابلته قبل لحظات؟ أي، وبمعنى آخر، لماذا تستقر بعض الذكريات في عقولنا على مدى عقود، بينما يتلاشى البعض الآخر خلال لحظات؟

من خلال القيام بالعديد من التجارب على الفئران، توصل باحثو معهد كاليفورنيا للتقنية Caltech إلى أن الذكريات القوية المستقرة، كذكرى صديق طفولتك المفضل، مسؤول عن تكوينها فرق من الخلايا العصبية المتزامنة، والتي تكون فيما بينها وفرة من الروابط العصبية، وهي المسؤولة عن استقرار هذه الذكريات حتى بعد مرور فترة طويلة من الزمن. هذا البحث سيساعدنا على فهم كيف يمكن للسكتات الدماغية ومرض الزهايمر أن يُأثروا على ذاكرتُنا.

وتحت إشراف الباحث والتر جونزاليس قام الفريق بتطوير اختبار، لفحص النشاط العصبي للفئران وهم يتذكرون ويتعرفون على مكان جديد عليهم. وفي الاختبار، وُضِعَ أحد الفئران في حاوية مستقيمة طولها حوالي 5 أقدام وجدرانها بيضاء اللون، وقد وُضعت علامات مميزة على أماكن مختلفة من جدران الحاوية، فعلى سبيل المثال، وُضِعت علامة زائد غامقة بالقرب من أقصى يمين الحاوية، وشرطة مائلة بالقرب من المركز. ثم وُضِع ماء السكر(طعام تحبه الفئران) في نهاية المسار. أثناء استكشاف الفأر للحاوية، قام الباحثون بقياس النشاط العصبي لبعض الخلايا العصبية المحددة في منطقة الحُصَين hippocampus (وهي منطقة في الدماغ تتكون بها الذكريات الجديدة)، هذه الخلايا العصبية مسؤولة عن تكوين الذكريات الخاصة بالأماكن.

في البداية، عندما وُضع الفأر في الحاوية، لم يكن يعرف ماذا يجب أن يفعل، وأخذ يتجول يمينًا ويسارًا إلى أن وصل إلى ماء السكر. وعندما فحص الباحثون نشاطه العصبي، وجدوا أن الخلايا العصبية المفردة تنشطت، عندما لاحظ الفأر العلامات المميزة على الجدار. لكن بعد فترة من التجارب، أصبح الفأر أكثر أُلفة مع المكان الجديد، وتذكر أماكن السكر. وقد وجد الباحثون أنه كلما أصبح الفأر أكثر أُلفة مع المكان، تنشط المزيد والمزيد من الخلايا العصبية في تزامن عند رُؤية العلامات المميزة على الجدار. نستنتج من هذا أن الفأر كان يستخدم هذه العلامات ليستدل بها على مكانه داخل الحاوية.

تحدثنا عن أن الذكريات تتكون نتيجة تكون روابط بين الخلايا العصبية المسؤولة عن تكوين الذكريات، ولكن لماذا تضعف الذكريات وتتلاشى بمرور الوقت؟ لدراسة كيف تتلاشى الذكريات بمرور الوقت، قام الباحثون بسحب الفئران من الحاوية لمدة 20 يوم، ثم أعادوهم مرة أخرى، فوجدوا أن الفئران التي كونت ذكريات قوية مشفرة بأعداد أكبر من الخلايا العصبية، تذكرت المكان بسرعة. وعلى الرغم من أن بعض الخلايا العصبية أظهرت نشاطًا مختلفًا، إلا أن تذكر الفأر للحاوية كان واضحًا عند تحليل نشاط المجموعات الكبيرة من الخلايا العصبية. أي أن مجموعات الخلايا العصبية تمنح الدماغ وفرة من الروابط العصبية تمكنه من استعادة الذكريات، حتى لو كانت بعض الخلايا العصبية الأصلية صامتة أو تالفة.

ويشرح جونزاليس هذا: “تخيل أن لديك قصة طويلة ومعقدة تريد أن ترويها. من أجل الحفاظ على القصة، يمكنك أن تخبرها إلى خمسة من أصدقائك ومن ثم تجتمع معهم من حين لآخر لإعادة سرد القصة، ومساعدة بعضكم البعض في سد أي فجوات نسيها الفرد. بالإضافة إلى ذلك، في كل مرة تعيد فيها سرد القصة، يمكنك جلب أصدقاء جدد للتعلم وبالتالي المساعدة في الحفاظ عليها وتقوية الذاكرة. بطريقة مماثلة، تساعد الخلايا العصبية الخاصة بك بعضها البعض على تشفير الذكريات التي ستستمر مع مرور الوقت”. 

الذاكرة أساسية للغاية في السلوك البشري، حيث يمكن أن يؤثر أي ضعف في الذاكرة بشكل كبير على حياتنا اليومية. يمكن لفقدان الذاكرة الذي يحدث كجزء من الشيخوخة الطبيعية أن يمثل عائقًا كبيرًا لكبار السن. علاوة على ذلك، فإن فقدان الذاكرة الناجم عن العديد من الأمراض، وأبرزها مرض الزهايمر، له عواقب مدمرة يمكن أن تتعارض مع أبسط الإجراءات الروتينية بما في ذلك التعرف على الأقارب أو تذكر الطريق إلى المنزل. توضح لنا هذه الدراسة أن الذكريات قد تتلاشى بسرعة أكبر مع تقدمنا في العمر لأن الذاكرة يتم ترميزها بواسطة عدد أقل من الخلايا العصبية، وإذا فشلت أي من هذه الخلايا العصبية، تُفقَد الذاكرة. كذلك تقترح الدراسة، أنه في المستقبل ستُصمم علاجات يمكنها تعزيز وزيادة عدد الخلايا العصبية المسؤولة عن ترميز الذكريات، مما يمكن أن يساعد في منع حدوث فقدان للذاكرة.

لسنوات، عرف الناس أنه كلما مارست نشاطًا ما، زادت فرصة تذكره لاحقًا. ونحن الآن نعرف السبب، فكلما مارست إجراءً ما، زاد عدد الخلايا العصبية التي ترمز هذا الإجراء. النظريات التقليدية افترضت أنه لجعل الذاكرة أكثر ثباتًا يجب تقوية الروابط بين الخلايا العصبية. ولكن، تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن زيادة عدد الخلايا العصبية هو العامل الذي يُمكن الذاكرة من الاستمرار لفترة أطول.

المصدر: Caltech

Exit mobile version