علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

هذه المقالة هي الجزء 12 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

يقول أحد العلماء أن الابتسامة هي الوسط الأمثل للغموض. نحن نبتسم ونرى الابتسامات طوال الوقت حينما نكون سعداء، أو نتعامل مع الناس، أو نلتقط الصور. لكن هل يُمكن أن تخفي هذه البادرة الإنسانية البسيطة مزيدًا من التعقيد؟ دعونا نسكتشف ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

ما الابتسامة؟

هناك عدد من الحقائق حول الابتسامة يتفق عليها العلماء وهي:

  • الابتسامة لغة عالمية مشتركة بين جميع البشر.

طرح داروين هذا السؤال وليتوصل إلى إجابته، عرض مجموعة من إحدى عشر صورة على ضيوفه وسألهم عن انطباعهم عنها. واتفقت إجاباتهم أن الصور تعبر عن السعادة والحزن والمفاجأة والخوف مع بعض المشاعر الأخرى، ومن هنا استنتج داروين أن هذه المشاعر عالمية يتعرف عليها جميع البشر.

  • الابتسامة فعل غريزي

هناك عدد من الدراسات تثبت أن الأطفال يبتسمون وعمرهم عدة أيام فقط، بل وتثبت دراسات أخرى أنهم يبتسمون داخل الرحم. بالطبع لم يتلق هؤلاء الأطفال أي تعليم للابتسامة مما يدل أنها فعل غريزي.

  • تستخدم الابتسامة كإشارات اجتماعية.

لا يبتسم البشر حينما يكونوا سعداء فقط، وإنما حينما يريدون نقل الشعور بالسعادة. أجريت أحد التجارب في صالات البولينج، حيث تم تصوير اللاعبين أثناء رمي الكرة وبعد إصابتهم جميع القطع. وجد العلماء أن هؤلاء الأشخاص لا يبتسمون عند نجاحهم في ذلك، وإنما تظهر الابتسامة حينما يلتفتون إلى أصدقائهم لينقلوا لهم الخبر السار.

  • لا تقتصر الابتسامة على البشر فقط، وإنما تظهر الرئيسيات أنواعًا من الابتسامات أيضًا.

هل تعبر الابتسامة دومًا عن السعادة؟

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

هذا هو الجزء الأكثر تشويقًا والذي يبحث فيه عدد من العلماء، على رأسهم «ماريان لافرانس-marianne lafrance» التي تعد خبيرة العالم الأولى في الابتسامة. يظهر البشر أنواعًا مختلفة من الابتسامات، وليس من الضروري أن تعبر جميعها عن السعادة.

قام أحد الطلاب في جامعة مينيسوتا عام 1924 بتجربة غريبة، جمع عددًا من الطلاب والأساتذة وعلماء النفس وأجلسهم في كراسي مريحة في غرفة واحدة وعرضهم لعدد من المؤثرات الغريية والخطيرة. بداية من وضع ألعابًا نارية تحت كراسيهم، وخداعهم بصعقهم كهربائيًا، وانتهاءًا بجلب فأر أبيض وسؤالهم قطع رأسه. تم تصوير وجوه المشاركين خلال جميع خطوات التجربة، وأمدتنا هذه الصور -رغم بشاعة التجربة وعدم أخلاقيتها- بنتائج مثيرة.

جاءت النتائج أن المشاركين لم يظهروا تعابير مثل الخوف أو الغضب بل أظهروا تعبير مشترك وهو الابتسامة!

فسر العلماء ذلك لاحقًا أن الابتسامة لا تعبر بالضرورة عن السعادة، وإنما يحتمل أن تعبر عن مشاعر مناقضة تمامًا، وفيما يلي سنتعرض للأنواع المختلفة للابتسامة.

أنواع الابتسامة

«ابتسامة دوشين-Duchenne smile»

سميت بهذا الاسم نسبة لعالم الأعصاب الفرنسي دوشين دي بولون الذي اكتشفها. اهتم دوشين بتعابير الوجوه، وكذلك بصعق الأشخاص كهربيًا، فكان يسرع إلى رؤوس الثوار الذين تم قطع رأسهم حديثًا ليصعقهم ويختبر ردود أفعالهم. حتى حالفه الحظ ووجد مريضًا مصابًا بانعدام الحس في وجهه وأجرى عليه جميع تجاربه.

اكتشف دوشين أكثر من 60 تعبيرًا للوجه، من بينهم الابتسامة. التي تتضمن رفع الخدين ووجود خطوط -تعرف باسم قدم الغراب- حول العينين. وتعد الابتسامة صادقة تعبر عن السعادة عندما يتوفر بها هذان المكونين.

ابتسامة الخوف

وتظهر الأدلة على وجود هذه الابتسامة في الرئيسيات. فيشير العلماء إلى إظهار حيوانات الشمبانزي نوعًا من الابتسامة حيث تفتح فمها وتضم أسنانها وتظهر لثتها. وتستخدم هذه الابتسامة عند وقت التوتر أو الخوف، لإظهار الخضوع للأفراد الأكثر هيمنة وقوة.

وبالرغم من أن الشعور بالخوف والابتسام لا يجتمعان عادة عند البشر، إلا أنه ثبت وجودهما عند الاطفال الصغار، الذين يظهرون ابتسامة حقيقية/دوشين عند رؤية أمهاتهم، وابتسامة الخوف أو التوتر عند اقتراب غريب.

فسر داروين هذه التصرفات بأنها يجب أن تخدم وظيفة تطورية ما، فكما فسر رفع البشر حاجبهم وقت الدهشة لزيادة مدى نظرهم وبالتالي سهولة الهروب من الخطر. فسر ابتسامة الشمبانزي أنها تظهر أسنانها مضمومة معًا لتعطي الإيحاء أنها مسالمة لا تنوي للخطر.

ابتسامة بان آم أو الابتسامة الزائفة

تختلف هذه الابتسامة عن ابتسامة دوشين في فقدانها لعنصر حركة العينين. وسُميت باسم «Panam- بان آم» نسبة إلى شركة الطيران الشهيرة، ونوع الابتسامة التي تظهرها مضيفات الطيران. فهي نوع من الابتسامة المهذبة التي تظهر وقت التحية ولا تعكس بالضرورة شعورًا بالسعادة.

ووجد العلماء أن حوالي 71% من الأشخاص يمكنهم التحكم في حركة العين بشكل إرادي، وبالتالي إظهار ابتسامة زائفة على أنها ابتسامة حقيقية.

ابتسامة الازدراء

وهي نوع آخر من الابتسامة التي لا تعكس بالضرورة شعورًا بالسعادة، رغم أنها تشبه إلى حد كبير ابتسامة دوشين. الفرق بينهما هو زم جانبي الفم في حالة ابتسامة الازدراء.

تعكس هذه الابتسامة مزيجًا من شعور الازدراء والاحتقار، وتظهر بشكل واضح في مجتمعات شرق آسيا التي تحرص على استمرار التناغم المجتمعي وعدم خوض صراعات. فنجد أن الأفراد هناك لا يظهرون غضبهم، وإنما يخفونه تحت ستار ابتسامة الازدراء.

ابتسامة الخجل

تظهر هذه الابتسامة في المواقف عالية التوتر التي تتضمن مخاطرة، وتريد عندها ترك انطباع إيجابي. تشبه هذه الابتسامة ابتسامة دوشين إلا أنها تتضمن حركة الرأس إلى الأسفل والجانب مع تجنب التواصل بالعينين.

فوائد الابتسامة

الابتسام فعل رائع، يجعلنا نشعر بشعور جيد حيال أنفسنا وحيال الآخرين أحيانًا. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، يكاد يكون للابتسامة قوى خارقة لا ندرى عنها شيئًا. فما هي؟

  • يحسن الابتسام المزاج العام ويرفع من شعورك بالسعادة.

يشير أحد علماء النفس أن الابتسام يشبه إقامة حفل رفع معنويات لعقلك، فيزيد من معدل إفراز الدوبامين والسيروتونين والإندورفين. فيعمل الإندورفين كمسكن طبيعي للألم.

  • يزيد الابتسام من شعورك بالسعادة أكثر مما تفعل الشوكولاتة.

يشير عالم النفس الشهير رون جوتمان أن ابتسامة واحدة يمكنها أن تولد إثارة مخية بكمية تعادل تلك التي تولد عند أكل ألفي لوح شوكولاتة.

  • يتوقع الابتسام مدى نجاح علاقاتك على المدى الطويل.

قام جوتمان بتحليل العلاقات بين الأزواج، وتوقع ما إذا كان سيدوم زواجهم أم لا عن طريق أنواع الابتسامات التي يظهرونها لبعضهم.

  • يحسن الابتسام مظهرك أمام الآخرين.

عندما تبتسم، يزداد تقدير الآخرين لك، بمعنى أنهم يرونك مهذبًا ولطيفًا وأكثر كفاءة. ومن البديهي فهم كيف يجعلك الابتسام مهذبًا ومحببًا. لكن كيف يجعلك كفؤًا؟ تكمن الإجابة أن البشر يميلون إلى تفسير الحزن أو القلق أنه نقص خبرة أو كفاءة. لذا ربما الابتسام هو طريقك للنجاح في عملك!

  • تتنبأ ابتسامتك الآن بمدى سعادتك في المستقبل.

درست أحد التجارب العلاقة بين صور الطلاب في المرحلة الثانوية في فترة الخمسينات وشكل ابتسامتهم، وبين مدى سعادتهم في الوقت الحالي. وجد العلماء أن الطلاب الذين ابتسموا في صورهم أكثر سعادة وقدرة على تخطى العقبات من الطلاب الذين لم يبتسموا.

كذلك أظهرت الدراسات بعض الأدلة عن وجود علاقة بين الابتسامة وأعمار الأشخاص. الأشخاص ذوي الابتسامات في شبابهم يعيشون عمرًا أطول من هؤلاء قليلي الابتسام.

  • يجعلك الابتسام أكثر جمالًا.

أجريت أحد الدراسات على طلبة جامعيين طُلب منهم تقدير أعمار الأشخاص في الصور، وجاءت النتائج أنهم يتوقعون أن المبتسمين في الصور أصغر سنًا مما هم عليه في الواقع. كذلك ينطبق الأمر على الوزن، فيجعلك الحزن تبدو أكثر وزنًا وأكبر سنًا.

علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟

والآن بعد أن تعرفنا على واحدة من الأمور المشتركة التي تجمعنا كبشر وغير بشر معًا وهي الابتسامة، كذلك تعرفنا على أنواعها ودلالاتها المختلفة، وقواها الخارقة التي تعينك في كثير من جوانب حياتك. فلا تنس أن تبتسم، الابتسامة حقًا قد تنير لك الطريق!

اقرأ أيضًا: نظرة في تطور المشاعر

المصادر

Natgeo
BBC
psychologytoday

لماذا يصعب علينا الانقطاع عن قراءة “هاري بوتر”؟

لماذا يصعب علينا الانقطاع عن قراءة “هاري بوتر”؟

لقد مررنا جميعًا بشعور الانغماس الكامل عند قراءة قصة خيالية رائعة. غالبًا ما يوصف الشعور بأنه “ضياع في كتاب”، فهو شائع وقوي جدًا، ومع ذلك لم يُدرس العلم الكامن وراءه حتى الآن إلا قليلاً.

لذلك قرر فريق بحثي من جامعة برلين الحرة في ألمانيا دراسة هذا الأمر من خلال مشاهدة ما يحدث داخل أدمغة القراء عندما ينغمسون في قراءة بعض قصص هاري بوتر الرائعة.

قرر الفريق، بقيادة عالم النفس تشون تينغ هسو (Chun-Ting Hsu)، اختبار صحة ما يشيرون إليه على أنه «’فرضية الشعور بالخيال’-‘fiction feeling hypothesis’».

تنص هذه الفرضية على أن الروايات ذات المحتوى العاطفي تدفع القراء إلى الشعور بالتعاطف مع أبطال الرواية – وهو شعور يتم تنشيطه بواسطة شبكة عصبية خاصة تقع في الجزء الأمامي ومناطق القشرة الحزامية الوسطى في الدماغ. وبالطبع، من خلال تعزيز مشاعر التعاطف في الدماغ، ستكون الروايات المشحونة عاطفياً دائمًا أكثر غامرة من القصص ذات المحتوى الأكثر حيادية أو حبكة.

لاختبار هذه الفرضية، جمع الفريق مجموعتين من المشاركين وأعطاهم عدة مقاطع من سلسلة هاري بوتر، من تأليف الكاتبة ج.ك.رولينج، لقراءتها.

طُلب من المجموعة الأولى قراءة مقاطعهم داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، مما سمح للباحثين بالتقاط صور لنشاط أدمغتهم أثناء قراءتهم. طُلب من المجموعة الثانية قراءة نفس المقاطع دون أن يتم مسحها ضوئيًا، ولكن بعد ذلك كان عليهم تقييم كل مقطع بناءًا على مدى شعورهم بالانغمار في القراءة.

وفقًا لإريك جافي من شركة فاست كومباني، كان طول كل مقطع أربعة أسطر، وتراوحت بين إثارة التشويق والخوف (مثل عندما يرى هاري ساحرًا هجين يُدعى كورينيوس كويريل يشرب دم وحيد القرن في هاري بوتر وحجر الفيلسوف)، إلى السيناريوهات المحايدة عاطفيًا (مثل عندما يراقب هاري بومته جالسًا هناك دون فعل أي شئ قبل النوم في هاري بوتر ومقدسات الموت).

وكما كان متوقعًا، تلقت المقاطع المخيفة تقيمًا أعلى بكثير من ناحية الانغمار في القراءة من المقاطع المحايدة. هذا بالطبع ليس مفاجئًا، لكن المثير للاهتمام هو ما كان يحدث في أدمغة المشاركين.

كانت المقاطع المثيرة للخوف في الواقع تدفع مسارات عصبية مختلفة في منطقة «التلفيف الحزامي الأوسط-middle cingulate gyrus» في الدماغ إلى العمل، مما لم تنتج عنه المقاطع الخالية من المشاعر والمحايدة.

يُعتبر التلفيف الحزامي الأوسط جزءًا من «شبكة التعاطف-empathy network» في الدماغ، وترتبط بشكل خاص بالتعاطف مع الألم. نشر الفريق النتائج في مجلة Neuro Report.

إذن تقدم النتائج دليلًا يشير إلى أن دماغ القارئ يتصرف بشكل مختلف وفقًا لمدى عاطفية النص الموجود أمامه. لكن الانغماس في قراءة مقطع من أربعة أسطر يعد تجربة مختلفة اختلافًا جوهريًا عن الانغماس في قراءة كتاب لساعات.

لذا فإن هذه الدراسة بالتأكيد ليست نظرة علم الأعصاب النهائية لـ «رواية القصص-storytelling». إنه لأمر رائع أن يبدأ العلماء أخيرًا في الانتباه إلى الأنشطة الدماغية التي تمكننا من فصل الكتب الجيدة عن الكتب العظيمة.

المصدر: ScienceAlert, PubMed, Fast Company

اقرأ أيضًا: كيف تختار كتاباً جديداً مناسب لك؟

زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري

ميزتنا أدمغتنا الكبيرة عن بني عمومتنا من الرئيسيات، والقردة العليا، فحجم الدماغ البشري يعادل ثلاثة أضعاف حجم دماغ الشيمبانزي تقريبًا، ولذا فلا عجب في قول أن دماغنا كبير عن سواه، ويعتقد بعض العلماء أن الفضل في قوانا العقلية، ومستويات ذكائنا، يرجع إلى حجم دماغنا الكبير نسبيًا. ولكن تمكن العلماء من زيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري في تجربة مثيرة سنناقشها اليوم.

التجربة

قام بعض الباحثين من اليابان، وألمانيا بزرع جين بشري في خلايا قرد جنين، وكانت النتائج مذهلة، حيث أن الجين المسئول عن حجم الدماغ البشري الكبير، قد أدى إلى نفس النتائج لدى وضعه في ذاك الجنين الغير بشري، إذ زاد معدل نمو الدماغ لدى جنين القرد عن المعتاد.

يقول رئيس الدراسة «ويلاند ب.هاتنر-Wieland B.Huttner»:

” كانت لدينا بعض الآمال بخصوص ما يستطيع الجسم فعله، وما ينبغي عليه أن يفعل، إن كان يمتلك الوظيفة التي افترضناها له “

وبالفعل فقد أسفرت التجربة عن النتائج التالية:

• نمو حجم القشرة الدماغية لدى القرد الجنين.
• زيادة ثنايات دماغه (كما ثنايات دماغنا).
• نمو الخلايا المسئولة عن تكوين الأعصاب.
• زيادة الأعصاب تحديدًا في الطبقة العليا من الدماغ (وهذا ما حدث أثناء تطورنا نحن البشر).

ولكن أُجهض جنين القرد بعد 101 يوم (أي قبل 50 يومًا من موعد الولادة الطبيعي)، لأسباب أخلاقية، فلدى كل من اليابان وألمانيا الكثير من الضوابط، والشروط الأخلاقية، المتعلقة بشأن التجارب على الحيوانات عامًة، وعلى الرئيسيات خاصًة.

ما استفدناه من التجربة

في الماضي، كانت تُجرى أمثال هذه التجربة على الفئران، ونتج عنها زيادة في أحجام أدمغة تلك الفئران بالفعل، إلا أن الفئران ليست من الرئيسيات، كما أن الجين المستخدم في تلك التجارب كان نسخة معدلة لتعطي تأثيرًا مضاعفًا، لكن الأمر اختلف في تجربتنا هذه، فقد استخدم الباحثون الجين البشري ARHGAPH11B كما هو، كما أن التجربة كانت على أقرب الحيوانات لنا (القرود)، فزيادة حجم دماغ قرد باستخدام جين بشري قد يساعدنا على فهم تطور أسلافنا، مما نتج عنه حجم دماغنا الكبير.

هل يزيد هذا من ذكاء القرود؟

أُجريت تجربة مشابهة منذ عام في الصين، على ستة قرود، إلا أن الجين المستخدم في تلك التجربة لم يكن مسئولًا عن زيادة حجم الدماغ بشكل مباشر، وكانت النتائج مذهلة بحق، فقد كان الفريق الصيني متأهبًا لرؤية زيادة في أحجام أدمغة القرود، ومعدلات ذكائها كذلك، ولذا فقد وضعوهم تحت أجهزة الرنين المغناطيسي، لقياس كمية «المادة البيضاء-White matter» في أدمغتهم، كما أعطوهم اختبارات لقياس الذاكرة قصيرة المدى، لم تحدث زيادة في أحجام أدمغة القرود، لكنها أبلت بلاءً حسنًا في اختبارات الذاكرة، مما قد يكون مؤشرًا على زيادة ذكاء تلك القرود، وهذا ما اعتبره الفريق نتائج مدهشة.

الخلاصة

يخبرنا العلم بعدم وجود شيء سحري بخصوص الذكاء البشري، فلا شيء يفصلنا عن الحيوانات سوى تلك الجينات، والتي إن امتلكتها الحيوانات تشابهت صفاتها مع صفاتنا، فعلينا أن نتواضع قليلًا، وأن نكون ممتنين لتلك الكفرات التي أعطتنا أدمغتنا.

المصادر

intelligentliving

sciencedaily

inverse

technologyreview

اقرأ أيضًا طفرة جديدة تمكن فيروس كورونا من اصابة الدماغ

أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية

كانت فترة رئاسة «دونالد ترامب» فترة عصيبة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب قراراته وتوجيهاته الانعزالية التي أدت إلى تآكل مكانة بلاده كرائدة عالمية في مجال البحث العلمي والتعاون الدولي وتهميش الحقائق.

الآن وبعد إعلان فوز «جو بايدن» في انتخابات رئاسية محتدمة، ما هي أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية؟ وهل سيستطيع «بايدن» إعادة مكانة بلاده كقِبلة للعلماء والباحثين؟ وما هي أهم الأولويات العلمية والبحثية في أجندته الرئاسية؟ وكيف سيقوم بتنفيذها في دولةٍ انقسم فيها الرأي العام بشدة؟

فلا شك أن مجرد تولي «جو بايدن» منصبه في 20 يناير المقبل، ستُتاح له فرصة تغيير العديد من السياسات التي تبنتها إدارة ترامب. تلك التي أسفرت عن تأخر الولايات المتحدة عن ملاحقة تسارع أبحاث العلوم والصحة العامة والتخاذل عن المشاركة في حل المشكلات العالمية.

إدراة ترامب في مواجهة الأزمات العالمية

إن أسلوب تعامل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» مع الأزمات العالمية مثل: جائحة كوفيد-19، أزمة تغير المناخ، وتهميش الحقائق واعتماد الاخبار المضللة، تجاهل دور العلماء والعاملين في وكالات الصحة العامة مثل (مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، كذلك إدارة الغذاء والدواء). وعدم الالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية. كل ذلك كان مرعبًا للغاية، عبر عنها الباحثون بأنها أزمة وطنية على عكس أي أزمة شوهدت من قبل.

أزمة جائحة كوفيد-19 في أجندة جو بايدن العلمية

سعى «ترامب» مرارًا إلى التقليل من شأن هجوم الفيروس التاجي. كما سعى إلى التقليل من شأن معارضة الجهود الحكومية والمحلية لإحتواء الأزمة. فقد أغلق الطريق أمام التواصل مع الدول والمنظمات العالمية خلال حربها ضد الفيروس. لا سيما حينما قرر سحب الثقة من منظمة الصحة العالمية-WHO -منتقدًا المنظمة لدعمها الصين حيث بدأ تفشي المرض- وإيقاف التمويل الذي تشتد الحاجة إليه من قِبل منظمة الصحة لمكافحة الفيروسات مثل فيروس كورونا وفيروس شلل الأطفال، والأمراض الأخرى على مستوى العالم. كما زعم «ترامب» أن التوجيهات والتقارير الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض، تعمد إلى إبطاء اختبار اللقاح بهدف الإضرار بفرص إعادة انتخابه.

في هذا الصدد، نجد أبرز ملامح أجندة جو بايدن العلمية هو إعادة الولايات المتحدة للمشاركة في مواجهة الوباء من جديد، والتي بدأ تنفيذها في شهر مارس هذا العام. فقد كوَّن «بايدن» فريقًا خاصًا للتعامل مع تبعيات فيروس كورونا المستجد، الفريق الذي يضم العديد من الشخصيات البارزة في مجال الطب والصحة العامة. ويعمل الفريق على تكثيف برامج الاختبار وتتبع العمل مع المسئولين لتنفيذ إجراءات السلامة وتعزيز مرافق الصحة العامة، ذلك للمساعدة في السيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد وإعادة بناء برامج التأهب للأوبئة التي أوقفتها إدارة ترامب.

كما وعد الفريق بالاستماع إلى العلم. وأشاد العلماء بتلك الخطوات، لأنها ستعطي الفرصة للوكالات الحكومية للقيام بعملها بشكل صحيح. هذا بالإضافة إلى إعادة فتح طرق التواصل مع الدول الأخرى بشأن أبحاث الحرب ضد فيروس كورونا المستجد. كم االتزم بإعادة دعم منظمة الصحة العالمية مرة أخرى.

أزمة تغير المناخ

فيروس كورونا المستجد ليس هو القضية الخلافية الوحيدة التي سيواجهها الرئيس «بايدن»ز فبعد أن تحرك «ترامب» لسحب الولايات المتحدة رسميًا من اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وتراجعه عن تنفيذ بعض اللوائح التي تهدف إلى الحد من الغازات الدفيئة ووصفة للإحترار العالمي بأنه “خُدعة”! أصبحت مشكلة المناخ أيضَا من المشكلات التي تترأس جدول أعمال «بايدن».

فقد وضع خطة لحملة بتكلفة 2 تريليون دولارًا أمريكيًا، هي أساس برنامج أطلق عليه برنامج المناخ الأكثر عدوانية على الإطلاق. سيقوم البرنامج على استثمارات الطاقة النظيفة واعتماد البنية التحتية منخفضة الكربون. كما تهدف خطة بايدن إلى توليد كهرباء نظيفة بنسبة 100٪ بحلول 2035، بصافي انبعاثات “صفر” بحلول 2050. والسؤال الأهم هنا، ماهي الخطوات التي ستسير بها تلك البرامج الضخمة؟

أوضح «بايدن» أن الولايات المتحدة ستنضم مجددّا  إلى اتفاقية باريس للمناخ، سعيًا منه لأن تصبح بلاده شريكًا نشطًا مع أكثر من 190 دولة التزمت بالحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. بالإضافة لتعيين لجنة صديقة للمناخ في وكالة حماية البيئة، والتحرك سريعًا لاستعادة وتعزيز اللوائح المناخية والبيئية التي تراجعت في عهد «ترامب».

ميادين بحثية أخرى تشغل أجندة جو بايدن العلمية

أبحاث علوم السرطان

بالإضافة إلى تعزيز أساليب التعامل مع الوباء وتغير المناخ، سيكون لدى الرئيس بايدن الحماس لإعطاء الأبحاث العلمية دورها المستحق من جديد. فسيستعين «بايدن» بالخبراء لتنسيق السياسة العلمية وإنشاء محاور بحثية في البيت الأبيض. وتعتبر علوم السرطان هي المجال البحثي الأكثر وضوحًا «لبايدن». لاسيما بعد وفاة ابنه عن عمر 46 عامًا في عام 2015 بسبب سرطان الدماغ. فقد ترأس «بايدن» مبادرة حكومية انطلقت عام 2016 تحت إسم “Cancer moonshot”  التي تهدف إلى تسريع وتيرة التقدم والبحث العلمي حول مرض السرطان من خلال التنسيق مع المؤسسات والباحثين لتبادل البيانات والنتائج.

مجال الفضاء

يعد مجال استكشاف الفضاء أحد المجالات القليلة التي بذلت فيها إدارة «ترامب» جهودًا كبيرة. فما هي خطة «بايدن» في هذا المجال؟ وهل سيستطيع تغيير المسار الذي حدده «ترامب» للتقدم في مجال الفضاء؟

إنه لأمر غير معروف، خاصةً أن «بايدن» لم يكن منخرطًا بعمق في قضايا السياسة الفضائية. ومع ذلك أعرب عن حماسه للإهتمام بمجال الفضاء. من ناحية أخرى، يشير الخبراء إلى أن وكالة ناسا قد لا تغير مسارها بشكل كبير في عهد الرئيس «بايدن»، فهي ملتزمة بمواصلة استكشاف الفضاء. لكن لا أحد يعلم ما هي توجيهات إدارة «بايدن» إزاء ما يجب تنفيذه في برنامج الانتقال البشري للفضاء التابع لوكالة ناسا. إذ وجه «ترامب» الوكالة سابقَا للتركيز على هبوط البشر على القمر بحلول عام 2024. فهل مازال سطح القمر على الموعد الذي حدده ترامب؟ أم سيكون لـ «بايدن» موعدًا آخر؟

حظر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية

لم يهمل «بايدن» أيضًا القرارات الخاصة بإدارة ترامب المتعلقة بالهجرة وحظر السفر، طالت بعضًا من الدول المسلمة. التي قللت من جاذبية الولايات المتحدة كوجهة للطلاب والباحثين الأجانب.

فقد تعهد «بايدن» بإلغاء حظر السفر وتسهيل الأمر على العلماء والمهندسين الأجانب، الحاصلين على درجة الدكتوراه. للبقاء بشكل دائم في الولايات المتحدة. كما اقترح زيادة عدد التأشيرات المتاحة للعمال ذوي المهارات العالية.

هكذا تبدو الملامح الأولى لأجندة جو بايدن العلمية. التركيز على البحث العلمي والأمن القومي والسيطرة على ما خلفته فترة إدارة «ترامب» للبلاد. وتغيير رسائل الصحة العامة ومعالجة حالة انعدام الثقة العامة التي طالت المجتمع الدولي تجاه بلاده. من أجل إعادتها إلى مكانتها الريادية في البحث العلمي.

لكن، أيمكن لفترة رئاسية واحدة مدتها 4 سنوات أن تضع الولايات المتحدة على طريق التعافي؟

المصادر:

nbcnews

ncbi

washingtonpost

nature

nature

newscientist

the conversation

العلاج النفسي الوجودي والبحث عن جذور مشاكلنا

العلاج النفسي الوجودي والبحث عن جذور مشاكلنا

لم تعد تكتفي ذات الإنسان الفرد بمواجهة مجتمعها وقضاياه، فهي صارت ذات عالمية. كما أن العالم لم يعد مجرد مجموعة من الدول والثقافات المغلقة على نفسها، فهو عالم واحد في مشكلاته بالنسبة لكل فرد منا. شهد العالم حربين عالميتين حصدتا أرواح ملايين البشر، غير أن من لم يشهدوا المعارك لم يفكروا في تلك الحربين، والكثيرين منهم لم يسمعوا بهما حتى. لكن الآن، تغريدة واحدة قادرة على هز كيان ملايين البشر، كل صغيرة وكبيرة في العالم باتت تخصنا حيثما كنا. هذا وفضلا عن الأزمات الاقتصادية ومشاكل التفاوت الطبقي وخطابات الكراهية وبروز قيم جديدة تناقض موروثنا الثقافي والأخلاقي. في عالم كهذا، غالبا ما نشعر باللا جدوى من محاولاتنا في تغيير يومنا للأفضل، نواجه صعوبة في تغطية مصاريفنا اليومية، نشعر بأن اللا معنى يكتسح العالم. نستطيع القول بأننا نعاني من مشاكل وجودية بحتة؛ لذا، فإن العلاج الوجودي قد يستطيع مساعدتنا في إضفاء معنى لحياتنا وتفعيل إمكاناتنا لمواجهة المعاناة المستمرة.

العلاج النفسي الوجودي:

حسب فيلسوف القرن العشرين باول تيليش، يواجه العلاج النفسي الوجودي هواجس الحياة المطلقة المتمثلة بالوحدة والمعاناة وانعدام المعنى ضمن قالب من العدل والصدق والتي يمكن تشخيصها في كل فرد منا وذلك لكونها متجذرة في تجاربنا الشخصية(1). فهذا النوع من العلاج لا يبحث في ماضي الفرد والتاريخ المرضي في العائلة. وبدلًا من إلقاء اللوم على أحداث من الماضي فالعلاج الوجودي يرى فيه بصيرة لتصبح أداة لتعزيز الحرية والإصرار(2). وأغلب الأساليب المستخدمة في العلاج الوجودي تركز على المسؤولية وحرية الاختيار وذلك لأن الكينونة التي تعاني من المشاكل اختيرت لأن تكون ذلك، بمعنى أن الفرد قد اختار هذه المعاناة أو الطريقة المؤدية إليها، لذا، فالمعالج النفسي كما يقول إرفين يالوم هو رفيق درب المريض، يساعده من خلال التعاطف والدعم لاستنباط البصيرة وتحديد الاختيارات وتهيئة أفق مناسب لملاقاة الذات.
يعتمد العلاج الوجودي على بعض الأفكار الرئيسة الكامنة وراء الوجودية كفلسفة، وهي:

  • نحن مسؤولون عن اختياراتنا الشخصية.
  • الاختيارات التي نتخذها تجعلنا أفرادًا مميزين، ونحن نعيد تشكيل أنفسنا باستمرار من خلال تلك الخيارات.
  • نحن من نصنع لنا معنى في الحياة.
  • القلق خاصية طبيعية في حياة الإنسان.
  • يجب أن نتصالح مع القلق لنعيش بشكل أصيل(3).

رواد العلاج الوجودي:

كان أوتو رانك من بين المعالجين الوجوديين الأوائل الذين سعوا بنشاط نحو هذا التخصص، وبحلول منتصف القرن العشرين رفع كل من باول تيليش ورولو ماي وإرفين يالوم أفق النظرية الوجودية في العلاج النفسي من خلال كتابات تأسيسية لها، كما أثرت الوجودية في المدارس والنظريات الأخرى مثل العلاج المنطقي الذي طوره فيكتور فرانكل وعلم النفس الإنساني، وهناك جمعية باسم التحليل الوجودي تأسست في عام 1998، وتم إنشاء المجتمع الدولي للمستشارين الوجوديين في عام 2006(4).

الفرضيات الوجودية المتعلقة بالشخص:

التعامل مع المريض أو العميل تحدده الاعتبارات التي نعطيها له وذلك من أجل بناء ثقة قوية والتي هي أساس كل علاج نفسي. لذا فالعلاج الوجودي ينطلق من تصورات أو فرضيات أساسية لنبني عليها علاقتنا مع المريض، والتي هي:
1- كل الكائنات الحية تتمركز حول ذاتها وتسعى جاهدة للمحافظة على التمحور أو التمركز، وهذه هي المشكلة التي يقع فيها المريض أثناء المعالجة.
2- الكائنات البشرية لديها النزعة وإمكانية مشاركة الآخرين والخروج من دائرة التمحور الذاتي.
3- المرض أو الاضطراب طريقة يسعى الفرد من خلالها إلى الحفاظ على كينونته.
4- الكائنات البشرية يمكن أن تشترك في مستوى معين من الوعي الذاتي الذي يتيح لها تجاوز الوضع الآني أو الموقف الفوري والنظر إلى مجالات أرحب تسمح بكم هائل من الاحتمالات(5).

مراحل الوعي الذاتي:

كل فرد منا يمر في مراحل مختلفة، ولكل منها مشاكلها وتحدياتها وخصائصها الحيوية والمعرفية، السابقة تؤثر في اللاحقة، وهكذا فإن شخصيتنا في مرحلة الشباب غير مستقلة تمامًا عن التجارب التي عشناها في الطفولة والمراهقة. والوعي الذاتي من الأسس الرئيسة في علم النفس الوجودي، وهذا الوعي يمر بأربع مراحل:
1- البراءة والطهارة: تظهر قبل ولادة الوعي بالذات وهي تمثيل واقعي وخاصية للرضيع.
2- العصيان: تشمل هذه المرحلة الطفولة والمراهقة حيث يسعى الفرد إلى تكوين قوة داخلية تكفل له تأمين حقوقه الخاصة، ومن علامات هذه المرحلة العدوانية والانحراف.
3- الوعي الطبيعي بالذات: وهي المرحلة التي نعني عندما نتحدث عن الشخصية السوية، حيث ان الشخص قادر على التعليم والاستفادة من أخطائه والعيش كفرد مسؤول.
4- مرحلة الوعي الإبداعي: تتضمن القدرة على رؤية شيء ما خارج نطاق التصورات والقيود العادية وذلك باكتساب واكتشاف شيء خاطف ولماح من الحقيقة الموضوعية كما تظهر في الواقع(5).

القضايا الأربع في التشخيص:

عكس المدارس التقليدية ومنها التحليلية والسلوكية، لا يعول العلاج الوجودي على الجانب الحيوي للفرد أو البيئة التي تحيطه، فالفرد أكثر من مجرد كائن يخضع لشروط البيئة، كما يتعدى كيانه الحيوي؛ فهو في مواجهة مستمرة وحوار لا ينقطع مع الوجود في كليته. لذا فالمعالج النفسي الوجودي بدلًا من أن يعود إلى ماضي الفرد أو يحلل البيئة الثقافية والفيزيائية المحيطة به، يمضي قدمًا نحو المخاوف الكامنة في الإنسان والتي تحول بينه وبين حياة مستقرة. وهذه القضايا أو المخاوف التي تقف وراء الاضطرابات النفسية هي:

  • الحرية والمسؤولية.
  • الموت.
  • العزلة.
  • اللا معنى(6).

ما هي الاضطرابات التي يمكن معالجتها وجوديًا؟


طالما أن الناس عادة ما يقعون في إشكالية عدم التمييز بين المشكلة النفسية والاضطراب النفسي؛ يقتضي الأمر توضيح الفرق بينهما. فعندما نفقد شخصًا عزيزًا علينا مثلاً، نجد بأننا لا نرغب في الأكل، نواجه صعوبة في النوم أو ننام لساعات طويلة، نفقد شغفنا بممارسة النشاطات التي كنا نستمتع بها، لا نؤدي واجباتنا المدرسية أو المهنية بصورة جيدة، نعيش حالة حزن شديد وحتى الرغبة في الموت. ففي هذه الحالة لدينا مشكلة نفسية، وهي ستزول مع الوقت، ويمكننا أيضا حلها عن طريق تقنية حل المشكلات أو الدعم النفسي، وإذا ما أردنا أن نزور معالجًا نفسيًا فجلسات نفسية قليلة كافية لنستعيد حيويتنا وشغفنا.
لكن، حينما نجد فجأة بأن صحتنا النفسية بدأت تتدهور وتستمر معنا أعراض الاكتئاب: فقدان الشهية، فقدان أو زيادة الوزن، الأرق أو النوم لساعات كثيرة، الأفكار الانتحارية، الحزن الشديد والتشاؤم، نوبات من البكاء، صعوبة في التركيز، لأسابيع ودون وجود سبب واضح؛ فهذا يعني لدينا اضطراب نفسي (الاكتئاب) ويجب أن نزور معالجًا نفسيًا. ومعالجة الاضطراب تستغرق شهورًا من الجلسات النفسية. والعلاج النفسي الوجودي من بين الأساليب العلاجية الكثيرة التي يمكن أن يلجأ إلى استخدامها المعالج النفسي. والاضطرابات التي يمكن للعلاج الوجودي التعامل معها، هي كالتالي:

  • القلق.
  • اضطراب الشخصية الاعتمادية.
  • الاكتئاب.
  • «اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية – PTSD»
  • «اللامبالاة – Apathy»
  • الخجل.
  • الاستياء.
  • الغضب والعدوانية.
  • اليأس والشعور باللا معنى.
  • الذهان(6).

ملخص:

ليس العلاج النفسي الوجودي هو الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه مع الاضطرابات المذكورة؛ مستوى تعليم المريض، عمره وطبيعة الاضطراب تحدد الاساليب والتقنيات التي يلجأ إليها المعالج النفسي، كما أنه يمكن استخدام أكثر من اسلوب وتقنية في الخطة العلاجية. غير أن هذا العلاج فعال مع الاضطرابات التي يكون سببها الشعور بلا معنى الحياة وعدم الجدوى من العيش مع الظروف والاستسلام لها، وبما أن السوداوية من الاعراض البارزة للكثير من الاضطرابات النفسية فالعلاج الوجودي بإمكانه مساعدة المريض في تصحيح تصوراته ومفاهيمه حول الحياة وعلاقاته مع الآخرين.

مصادر:


1- psychology today

2_ Counselling Directory
3_ positive psychology
4- good therapy
5- باربرا انجلر، مدخل إلى نظريات الشخصية، ترجمة فهد بن عبدالله، ص420-421.
6- healthline

لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟ نظرة في تطور المشاعر

هذه المقالة هي الجزء 11 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟ “ليتني أستطيع التحكم بمشاعري، ليتني أنحيها جانبًا واعتمد على عقلانيتي فقط في الحكم على الأمور”.هل سمعت هذا الكلام من قبل؟ ربما حدثك به صديق أو قلته لنفسك؟ يمكننا الجزم أن أغلبنا بالفعل سمع أو تحدث به. لكن هل التخلص من المشاعر نافع حقًا؟ لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟

لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟

النظرية الخاطئة للمشاعر

لمعرفة الإجابة سأقص عليك أولًا قصة صغيرة:
في الرابع والعشرين من سبتمبر عام 1848، تعرض الشاب «فينياس جايدج-phineas gage» صاحب الخمسة وعشرين عامًا لحادث مروع. عمل جايدج رئيسًا للعمال في منجم، وأثناء تأديته عمله حدث انفجار مفاجئ، أُصيب جايدج على إثره بأنبوب طوله متر تقريبًا دخل من خده الأيسر ليخرج من مؤخرة رأسه “ملطخًا بقطع من مخه” كما أدلى الطبيب المُستدعى إلى مكان الحادث.

المدهش أن جايدج لم يمت بعد هذا الحادث، ولم يفقد حتى الوعي، بل ركب على ظهر دابة حتى وصل إلى المشفى، وهناك تولى الطبيب علاجه حتى استقرت حالته بعد مدة. لو انتهت القصة هنا لقلنا هذا مثال رائع لحسن حظ جايدج وخبرة الطبيب المعالج. لكن لسوء الحظ، لم يحدث هذا.

لاحظ الطبيب تغير سلوك جايدج ووصفه بالطفولي المتقلب. لم يستطع جايدج التحكم في رغباته، وأهمل عمله حتى خسره، وانتهى به الأمر بترك عائلته والالتحاق بسيرك متنقل مع الأنبوب الذي أصابه!
تقدم لنا هذه القصة مثالًا رائعًا عن الفكرة الخاطئة عن المشاعر. التخلص من المشاعر ليس أمرًا جيدًا، والفصل بين العقلانية والمشاعر ليس منطقيًا. فنجد جايدج فقد جزءًا من قدرته الشعورية بسبب الحادث، وترتب على ذلك تأثر نشاطه العقلي بشكل كبير.

حالة فريدة

لفهم ذلك بشكل أوضح، سأقص عليك قصة أخرى.
بطل هذه القصة مريض لعالم الأعصاب «أنطونيو داماسيو-Antonio damasio» يُدعى إليوت. عمل إليوت في شركة تجارية، كان موظفًا ممتازًا وزوجًا مسئولًا. إلى أن أتته بعض نوبات الصداع اكتشف بعدها إصابته بورم في المخ. تم استئصال هذا الورم مع جزء كبير من الفص الأمامي من المخ ومن هنا بدأت المشكلة.

لم تتأثر ذاكرة إليوت بعد العملية، أو إدراكه، أو حتى معدل ذكائه، لكنه فقد القدرة على اتخاذ قرارته. كان إليوت يقضي الظهيرة بأكملها محاولًا إيجاد طريقة لتصنيف ملفات عمله، هل يصنفها حسب التاريخ أو الحجم أو النوع؟ ونتيجة لتأثر أدائه فقد إليوت عمله، كذلك انتهى زواجه سريًعا ولم تتحسن حالته مجددًا.
فقد إليوت جزءًا من مشاعره، لم يستطع التواصل مع ما يجلب له السعادة أو الحزن أو الغضب أو الخوف. عندما عرض عليه طبيبه صورًا تنقل هذه المشاعر، قال إنه يتذكر هذه المشاعر لكنه فقط لم يعد يختبرها. وهو ما وصفه الطبيب “أن تعرف لكن لا تشعر”
نتيجة لهذا الخلل تأثرت قدرات إليوت على اتخاذ القرارات، وهذا مثال آخر على عدم التعارض بين العقلانية والمشاعر. فبدون المشاعر لن نتمكن من فعل أي شيء.
لذا عندما يشكو لك صديقك مشكلته المرة القادمة، صرت تعرف ماذا عليك إخباره!

السؤال الأهم: لماذا؟

والآن بعد أن تعرضنا للنظرة الخاطئة عن المشاعر، دعنا نسرد الرواية الصحيحة لها.
يقول الفيلسوف ويليام جيمس

هناك عدد من الأسئلة تخطر في ذهن عالم النفس فقط. مثل: لماذا نبتسم عندما نشعر بالسعادة؟ لماذا لا نتجهم؟ لماذا لا نستطيع التحدث إلى جمهور كبير كما نتحدث مع صديق؟ ولماذا تثير فتاة معينة مشاعرنا بالكامل؟

وهنا يثير جيمس نقطة هامة، أننا نتعامل مع المشاعر كأنها حقائق مطلقة عن العالم، تحدث لأنها تحدث ولا بديل لذلك. أما التفسير فيكمن في علم النفس التطوري.
يجبرنا علم النفس التطوري على رؤية الأحداث بشكل علمي، أن نبتعد عن كونها طبيعية وغريزية ونتحرك خطوة للوراء لنسأل السؤال الأهم: لماذا؟
لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ ولماذا نكره الخيانة؟
تلك هي التساؤلات الثلاثة الكبري التي سنتعرض لها ونفسرها في مقال اليوم. نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

لماذا نخاف؟

تنقسم المشاعر إلى مشاعر غير اجتماعية مثل الخوف ومشاعر اجتماعية مثل المشاعر تجاه الأقارب، وغير الأقارب.
الخوف شعور أساسي، وعالمي (يشعر به جميع البشر)، وله تعبير وجهي مميز يمكن لكل البشر التعرف عليه، كذلك تمتلكه معظم الفصائل غير البشرية. والسبب وراء تصنيف الخوف تحت بند المشاعر غير الاجتماعية هو أنك يمكنك أن تخاف شخصًا، كذلك يمكنك أن تخاف شيئًا مثل الأماكن المغلقة. وذلك على عكس المشاعر الاجتماعية التي تختص بالبشر فقط.
هناك مثيرات عالمية للخوف مثل: الثعابين والعناكب والعواصف والمرتفعات والظلام والمياه العميقة والحيوانات الضخمة. لكن ما الأمر المشترك بينهم جميعًا؟
الإجابة أن هذه المثيرات كانت مخيفة ومهددة للحياة في بيئة أجدادنا. فشكلت خطرًا على مدار التاريخ التطوري لنا، وانتقلت هذه المعلومات على مر الأجيال. لذا بالمقارنة بالسيارات والأسلحة ومفاتيح الكهرباء -رغم زيادة معدل خطرهم علينا في البيئة الحالية- نجد أننا لا نخافها مثل الثعابين مثلاً، لأنها اختراعات مستحدثة لم تؤثر في تاريخنا التطوري.
هناك دراسة تمت على أطفال نشأوا في ضواحي شيكاغو، سُئلوا عن أكبر مخاوفهم. وجاءت الثعابين والعناكب في المركز الأول، ليس القتل أو الأسلحة أو التعرض لحادث سيارة.
دراسة أخرى تمت على نوع من القردة، نشأت هذه القردة في المعمل فلم تتعرض لهذه المؤثرات قبلًا في الطبيعة. عُرضت عدة مقاطع لمجموعة من القردة ترى ثعبانًا فيظهر عليها الخوف وتبتعد عنه. ثم عُرضت قردة المعمل على ثعبان فأظهرت خوفًا كبيرًا. لكن هذا لم يثبت شيئًا، ربما خوف القردة من الثعابين فطري وريما اكتسبته من رؤية المقاطع، لذا قام العلماء بخطوة إضافية. نجحوا باستخدام تقنيات تعديل الصور والفيديو في عرض عدة مقاطع لقردة تخاف الزهور وتبتعد عنها. وعند تعريض قردة المعمل لنفس المؤثر. لم يظهروا أي خوف.
لذا توصل العلماء أن البشر والرئيسيات على حد سواء لديها النزعة للخوف من الثعابين أو العناكب، لأن تلك الكائنات شكلت خطرًا على أجدادنا، والأفراد الذين خافوها وتجنبوها استطاعوا النجاة والبقاء والتكاثر، وهذا هو الهدف التطوري الذي نسعى له جميعًا. نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

لماذا نحب أطفالنا؟

ذكرنا سابقًا أن المشاعر الاجتماعية تشمل مشاعرك تجاه اقاربك، وغير أقاربك. جميعنا نحب أبنائنا وأخوتنا وآبائنا، لكننا أسلفنا أن علم النفس التطوري يسأل دومًا السؤال: لماذا؟
لماذا تطور البشر ليصبحوا طيبين وعطوفين؟ ما تفسير هذا السلوك الإيثاري؟
يكمن السر هنا في التكاثر وليس البقاء، لا تساعد الطيبة والإيثار والعطف على بقاء الإنسان، فمن المحتمل أن يدفعك الحب إلى التضحية بروحك من أجل ابنك مثلاً. لكنها تساعد على التكاثر وتكرار الجينات، وهذا هو الهدف الأكبر.
تخيل معي اثنين من الحيوانات يحملان جينين مختلفين، أحدهما يجعل الحيوان يهتم بذريته والآخر يجعله يهتم بنفسه فقط. ماذا سيحدث في الجيل التالي؟
سيتفوق الحيوان الذي تطور ليهتم بذريته -من وجهة نظر الانتقاء الطبيعي- على الحيوان الذي يهتم بنفسه فقط، لأن جيناته ستنتقل وتتكرر عبر الأجيال.
وتعرف هذه النظرية باسم نظرية «الجين الأناني-Selfish gene theory» لصاحبها العالم ريتشارد دوكينز. وتعد واحدة من أشهر النظريات وأكثرها جدلًا في علم بيولوجيا التطور التي شهدها القرن الماضي.

نظرية الجين الأناني

دعنا نتعمق قليلًا في نظرية دوكينز، ولفعل ذلك علينا تبني منظورًا مختلفًا. وهو منظور فيروس نزلة البرد. لماذا نعطس عندما نصاب بالبرد؟
أحد الإجابات أن الجسد يود التخلص من الجراثيم بداخله. لكنها ليست صحيحة تمامًا. تأتي الإجابة الأكثر تشويقًا عند التخلي عن المنظور الأناني (أنا مصاب بنزلة برد)، وتبني منظور فيروس نزلة البرد: تطورت الفيروسات عبر السنين مثل باقي الحيوانات، وجاء تطورها عن طريق البقاء والتكاثر. ووسيلة الفيروس للتكاثر هو جسمك، والتحكم به كي تعطس وتطرده خارجًا لينتشر ويتكاثر.
يستخدم الفيروس جسمك كأداة للتكاثر!
مثال آخر: أحد تأثيرات الأمراض المنتقلة جنسيًا مثل الزهري أنه يزيد الرغبة الجنسية ويدفع الناس إلى الانخراط في المزيد من العمليات الجنسية. هذه هي وسيلة الفيروس في الانتشار.
يوجد الجين الأناني أيضًا في الحيوانات. مثل طفيل «المقوسات-Toxoplasmosis» الذي يعيش في أجساد الفئران، ثم ينتقل إلى أجساد القطط التي تتغذى عليها، ومنه إلى فضلات القطط ثم أجساد الفئران مرة أخرى. الفأر المصاب بداء المقوسات معافٍ تمامًا، باستثناء أمر واحد فقط: يعدل الطفيل مخ الفأر ويجعله أقل خوفًا من القطط، وهذه هي آلية الطفيل لاستخدام جسد الفأر للتكاثر.
إذًا يرى دوكينز أن جسد الحيوان هو وسيلة الجين لصنع جين آخر/التكاثر. لكن ما أهمية هذا في علم النفس؟ وكيف يجيب عن سؤال الطيبة والإيثار؟

تطبيق نظرية الجين الأناني في علم النفس

قبل الإجابة عن هذا السؤال، دعونا نوضح اثنين من المفاهيم الهامة في علم النفس: «السببية القصوي والمباشرة-Ultimate and proximate causation»
السببية المباشرة: هي تفسير سلوك الحيوان وفقًا لآلياته الداخلية وعوامل الإثارة.
السببية القصوى: هي تفسير سلوك الحيوان وفقًا للتطور، كيف يساهم هذا السلوك في الانتقاء الطبيعي؟
لذا عندما سُئل أحد المفكرين: هل تضحي بحياتك من أجل أخيك؟
أجاب: لا، لكني سأمنحها بكل سرور لثلاثة أخوة، وخمسة من أبناء الأخ، وتسعة من أقارب الدرجة الأولى.
وهو بالطبع يمزح، لا يوجد شخص سوي يحسب هذه الحسابات عند التعامل مع أبنائه أو إخوته. إننا نحبهم لأننا فقط نفعل، نشعر بالسعادة في وجودهم، ونلجأ إليهم وقت الحاجة، نحب منحهم وقتنا ومالنا وربما أرواحنا، دون أن نسأل لماذا. وهذا بالتحديد السبب المباشر للإيثار.
أما الإجابة الأكثر علمية والتي تفسرها نظرية الجين الأناني: هي إجابة المفكر السابقة. نحن نحب أبنائنا وإخواننا وأقاربنا لأننا نتشارك معهم نفس الجينات. وإذا خُير الجين الأناني بين التضحية بالجسد الذي يسكنه، أو موت عدد من إخوته، سيختار التضحية. لأنها صفقة مثالية، حيث يحمل إخوته نفس جيناته، ويضمن بقائهم التكاثر وتكوين عدد أكبر من النسخ. وهذه هي السببية القصوى التي تفسر الإيثار من وجهة نظر الانتقاء الطبيعي. نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

لماذا نكره الخيانة؟

لم يواجه التطور صعوبة كبيرة في تفسير المشاعر تجاه الأقارب، بما أن التطور مدفوع بقوى تهدف إلى تكرار الجين وتكاثره، فمن المنطقي أن تحب الحيوانات ذريتها وتعتني بها، لأنها حاملة جيناتها. لكن الأمر المحير حقًا هو علاقات البشر والحيوانات بغير أقاربها، كيف تعود هذه العلاقات المعقدة بالفائدة من وجهة نظر الانتقاء الطبيعي؟

تظهر أمثلة كثيرة لهذا النوع من العلاقات في الطبيعة. منها:

  • اعتناء الحيوانات بنظافة بعضها البعض، كما يحدث في القردة فتجدها تزيل الحشرات من أجساد رفاقها.
  • إطلاق صرخات تحذيرية عند اقتراب الخطر، رغم تهديد هذا الفعل لحياة صاحبه.
  • ترعى الحيوانات أطفال أحدها الآخر. ومن وجهة نظر تطورية بحتة، من الأفضل أن تلتهم هذه الحيوانات الأطفال، فهي مصدر البروتين كذلك لا تحمل جيناتها. لكن ما يحدث عكس ذلك.
  • تتشارك الحيوانات الطعام كما يحدث في الخفافيش.

الإيثار المتبادل

تعمل الخفافيش معًا في نظام دقيق، حيث تذهب مجموعة للصيد وجمع الدماء وتعود لتوزيعه على باقي الأفراد. وبهذا تتبع الخفافيش مبدأ «الإيثار المتبادل-Reciprocal alturistim»
بمعنى أن العمل معًا يعود بفائدة أكبر من العمل وحيدًا، أي تفوق المنفعة التكلفة.
فعندما يبدأ أحد الخفافيش بالإيثار يعود الأمر بالفائدة عليه، لأنه سيلتقي مساعدة في المقابل.
لو توقف الأمر عند هذا الحد، لصار التفسير سهلًا. نحن نعطي ونتوقع أن نأخذ في المقابل، أي تفوق المنفعة التكلفة، هذا ليس هدفًا تطوريًا سيئًا، أليس كذلك؟
لكن اللغز لا يتوقف هنا، حيث تظهر مجموعة من الغشاشين أو ما يطلق عليهم علماء الاقتصاد: المنتفعين بالمجان.
تخيل معي اثنين من الجينات، الجين الأول لخفاش يخرج للصيد ويشارك ما يحصل عليه مع باقي الأفراد. والجين الثاني لخفاش لا يخرج للصيد لكنه ينتفع مما يجلبه الآخرون. أيهما أكثر تفوقًا تطوريًا؟
الجين الثاني يحصل على كميات طعام أكبر وعمل أقل، وبالتالي يتفوق بلا شك على الجين الأول.
لكن أين التفسير؟ إذا كانت آليات الغش والانتفاع بالمجان أكثر تفوقًا، فكيف تطورت آليات التعاون وترسخت هكذا؟
تكمن الإجابة في «اكتشاف الغشاشين-Cheaters Detection»
لا يمكن للايثار المتبادل العمل إلا إذا كانت الحيوانات مهيئة مسبقًا لاكتشاف الغشاشين.
لفهم ذلك أكثر، دعني أسرد لك هذه التجربة.
تابع العلماء عشًا للخفافيش، وراقبوا نشاط خفاش معين خرج للصيد ثم عاد بعد فترة حاملًا الدم ليوزعه على رفاقه. لكن العلماء قاموا بطريقة ما بمنع هذا الخفاش من مشاركة الدم مع رفاقه. فماذا حدث؟
عندما خرج أفراد آخرون للصيد وعادوا بالدماء، لم يشاركوه الطعام وتركوه يتضور جوعًا.
ومن هنا نستنتج أن الاختيار الأفضل دائمًا هو التعاون، تعلمت الحيوانات هذا النظام، ونشأ من إيثارها المتبادل علاقات معقدة ومدهشة.
وبالطبع يظهر الإيثار المتبادل في البشر أيضًا، بل ويجادل بعض علماء النفس أن هذه الحساسية تجاه الغشاشين والتركيز على عملية الايثار التبادلي لها دور هام في تطور السلوك الاجتماعي عند البشر.

معضلة السجين

التفسير الكلاسيكي لهذا الرأي يأتي باستخدام «معضلة السجين-Prisoner’s dilemma»
معضلة السجين هي لعبة يستخدمها الباحثون في علم النفس لمعرفة متى يختار البشر التعاون أو الخيانة. لهذه اللعبة صور كثيرة، لكن الشكل الكلاسيكي لها كالتالي:
أنت وصديقك قررتما السطو على بنك لكن قُبض عليكما، فيأتي إليك الضابط ليعرض عليك مجموعة من الخيارات.

  • تخون وتعترف على السجين الثاني، فيُطلق سراحك ويقضي هو مدته في السجن.
معضلة السجين (حقوق الصورة: University of Michigan Heritage Project)
  • تتعاون ولا تشي بالسجين الثاني، بينما هو يشي بك، فيطلق سراحه، وتقضي أنت مدتك في السجن.
  • تتعاونا معًا ولا يشي أحدكما بالآخر، فيطلق سراحكما.
  • تشيا بأحدكما الآخر، فتذهبا كلاكما إلى السجن.


عند تحليل هذه الاختيارات، نجد أن أحسنها هو أن يتعاون كلاكما معًا فلا يُسجن أحد. وأسوأها أن تشيا ببعضكما فيذهب كلاكما إلى السجن.
لكن الاختيار الأسلم في كل مرة هو الخيانة، فأنت لا تضمن تعاون صديقك معك. لذا إذا اخترت الخيانة واختار صديقك التعاون فستخرج حرًا، وإذا اخترت الخيانة وكذلك صديقك فلن ينتهي بك الأمر وحيدًا في السجن.
وبتحليل الاختيارات المختلفة لمعضلة السجين، وجد العلماء أن مشاعرنا تتناظر مع كل اختيار منها:

  • نحب الأشخاص الذين يتعاونون معنا، ونتشجع أن نكون أكثر لطفًا معهم في المستقبل.
  • لا نحب أن يخدعنا أحد، يجعلنا هذا نشعر بالغضب والخيانة، ويحفزنا لتجنبهم في المستقبل.
  • نشعر بالسوء حينما نخون شخص تعاون معنا، ويحفزنا ذلك للتعامل بشكل أفضل في المستقبل.

نظرة في تطور المشاعر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟

والآن بعد أن تعرضنا لسؤال المشاعر وتفاصيله الدقيقة، وتعرفنا على الحالات المؤسفة لاختلال العقل نتيجة فقدان جزء من المشاعر، وفسرنا الرؤية الصحيحة لها، وأجبنا عن الأسئلة الثلاث الأكبر: لماذا نخاف؟ لماذا نحب أطفالنا؟ لماذا نكره الخيانة؟
في المرة القادمة التي تبتسم فيها، أو تتجهم، أو تستمتع بصوت ما، ويزعجك آخر، تذكر ألا تنظر إلى هذه الأمور كأنها حقائق كونية، واسأل نفسك دومًا السؤال الأهم: لماذا؟

اقرأ أيضًا: نظرية مثلث الحب

المصادر

التنشئة الاجتماعية: الطبع مقابل التطبّع

هذه المقالة هي الجزء 3 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

هل يولد الطفل بشخصية محددة؟ أم أنه يكتسب صفاته من محيطه؟ إلى أي مدى توثر التنشئة الاجتماعية على نمو شخصياتنا؟ لماذا يختلف أخوان توأم في الشخصية إلى هذا الحد، رغم جيناتهم وظروفهم الاجتماعية المشتركة؟  تدور كل هذه الأسئلة في بالنا عند محاولة فك لغز شخصيتنا أو شخصيات الأشخاص المحيطين بنا، وتظهر التنشئة الاجتماعية كعامل فاعل ومؤثر في تحديد هوياتنا؟ فما هي التنشئة الاجتماعية؟ وما هي مكوناتها؟ وما الذي يغلب، الطبع أم التطبع؟

ما هي التنشئة الاجتماعية؟ وما هي أهميتها؟

في صيف عام 2005، اشتكى عدد من سكان فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية لقسم الشرطة من وجود فتاة غريبة تظهر من النوافذ المكسورة لبيتٍ في حالة رثّة. بالفعل، اقتحمت الشرطة المنزل المذكور وكانت الصدمة! فقد وجدوه مليئًا بالأوساخ والحشرات، أبوابه ونوافذه مخلوعة، ومفروشاته قديمة ومهترئة. ثم وجدوا فتاة صغيرة، تبدو في السابعة من عمرها، ملقاةً على فراش ممزق وجسدها مليء بلسعات الحشرات والقروح. بحسب والدتها، التي كانت موجودة في المنزل أيضًا، تُدعى الفتاة “دانييل”. أُجليت سريعًا من المنزل وأُخذت إلى المستشفى لفحصها. وُجدت دانييل، حتى بعد استعادة عافيتها (والتأكد من عدم إصابتها بمرض مزمن أو جيني)، عاجزة عن أي نوع من التواصل بالكلام أو بالتعابير أوالبكاء وعاجزة عن علك الطعام وبلعه ولا تجيد استخدام أدوات الطعام والمرحاض، وحتى لا تستطيع الوقوف أو المشي ولا تفهم ماهية الكرسي وطريقة استخدامها.

قد تبدو بعض تصرفاتنا اليومية طبيعية وسهلة، فيُخيّل إلينا أنها قد وُلدت معنا. لكن الحقيقة أننا اكتسبناها على مر الوقت من محيطنا من خلال التنشئة الاجتماعية. فالفتاة “دانييل” تعطينا مثالًا حيًا عن أهمية التفاعل العاطفي والاجتماعي لتنمية كل القدرات الفكرية والجسدية والنفسية، حتى أكثرها بساطة.

التنشئة الاجتماعية هي عملية اكتساب الفرد للأفكار المجردة (القيم والمبادئ وتمييزالصح من الخطأ …) والأفعال العمليّة (طريقة التعبير والحديث والسلام والأكل والتعامل مع الآخرين …) من مجتمعه، ليصبح فعالًا في هذا المجتمع. ويتم الاكتساب إجمالًأ من خلال مراقبة الأشخاص الآخرين وتقليدهم، أو من خلال تعليم أو تشريط مقصود من قِبل المحيطين به أفرادًا أو مؤسسات. وتلعب التنشئة الاجتماعية دورًا جمًا في نمو وتحديد شخصية كلٍّ منا، ورسم دوره الاجتماعي فيما بعد. وتُصنف التنشئة الاجتماعية نوعين:

– «التنشئة الاجتماعية الأولية-Primary Socialization» وهي تعلم الفرد من عمر باكر للقيم والمبادئ والأفكار والأفعال الاجتماعية وهي إجمالًا تبدأ في المنزل مع أفراد العائلة.

– «التنشئة الاجتماعية الثانوية-Secondary Socialization» وهي مسار اكتساب التصرفات المحبذة لمجتمع معين أو المناسبة له. وهي تبدأ خارج المنزل في المناسبات الاجتماعية.

هل يغلب الطبع التطبع فعلًا؟

من يحدّد شخصية الإنسان؟ هل يُولد الطفل بشخصية تحدّدها الجينات أم يلعب المجتمع الدور الأكبر في رسم ملامحها؟  لطالما شكّلت هذه الأسئلة صلب نقاش طويل دار بين علماء النفس والطب النفسي والجيني وعلماء الاجتماع والجريمة.

في السنوات الأخيرة، اعتُبر هذا النقاش عقيم وغير مُجدٍ من قِبل العديد من العلماء، فاعتبره طبيب الأعصاب «نيك كرادوك- Nick Craddock» نقاشًا قديمًا وسادجًا وغير مفيد (سنة 2011)، وسمّى طبيب الأعصاب «برايان ترينور-Brian Traynor» ثنائية الطبع والتطبّع بالثنائية المغلوطة (سنة 2010).  ويقول علماء الجينات أن الجينات تتفاعل مع المحيط، بطريقة معقدة جدًا ولا يمكن تفسيرها أو توقعها بالوسائل العلمية الموجودة حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر علم ما فوق الجينات (Epigenetics) أن الظروف الحياتية تؤثرعلى التعبير الجيني.

يتداخل سؤال الطبع والتطبع مع سؤال الإرادة الحرة، وبالتالي يطرح صحة كل الأنظمة الأخلاقية والقوانين وأنظمة المحاسبة. وعلى الرغم من أن الاتفاق أن التفاعل بين “الطبع” و”التطبع” هو الجواب الأكثر دقة، إلا أنه جواب غير كافٍ، بحيث يبحث العلماء عن مزيد من الدلائل حول السمات الفطرية والمشتركة بين كل الشعوب والمجتمعات، والسمات المُكتسبة من التربية والتنشئة الاجتماعية.

من الأمثلة على ذلك، سأل العلماء طويلًا: هل تعبيرات الوجه هي فطرية أم مكتسبة؟ وأثبتت آخر دراسات علم النفس الاجتماعي أنها فطرية، كونها مشتركة عند كل الثقافات. كما يعتمدها الأطفال المكفوفون أيضًا، رغم أنهم لا يتعلمون تعابير الوجه بالتقليد، فهم يمارسونها فطريًا فيبتسمون عند فرحهم ويبكون عند غضبهم.

من الأسئلة الشائعة أيضًا: هل يولد الأطفال عنيفين؟ يختلف العلماء حول الإجابة، فتعتبر بعض الدراسات أن سمات العنف تولد مع الإنسان، ويتعلم الطفل كيفية السيطرة عليها (فيقول البروفيسور في طب الأطفال والطب النفسي للأطفال ريتشارد تريمبلاي أن العنف مشكلة تطال كل أطفال العالم خصوصًا تحت عمر الثالثة)، حتى أن بعضها تعطي للعنف تاريخ تطوري، بحيث احتاج الإنسان البدائي إلى العنف ليعيش، فاكتسبنا جميعًا جينات عنفية. في المقابل بيّنت دراسات أخرى بحثت في تصرفات الأهل والأطفال بين عمر الصفر وعمر ال7 سنوات أن العنف مكتسب ويتأثر خصوصًا بتربية الأهل.

وكلاء التنشئة الاجتماعية:

يُعتبر مسار التنشئة الاجتماعية مسارًا طويلًأ ومعقدًا، تتداخل فيه أدوار العديد من المجموعات والمؤسسات التي تتفاعل مع الشخص وتؤثر على نموه الاجتماعي، وتسمّى ب”وكلاء التنشئة الاجتماعية”. فمن هم هؤلاء الوكلاء؟

العائلة:

تشكل العائلة التجربة الاجتماعية الأولى للطفل، فهو يؤمن كل حاجاته ويكتسب كل قدراته من خلالها. ولا تقتصر على العائلة والأخوة فقط، بل تطال الأقرباء أيضًا. ولكن من المهم الإشارة أن تربية العائلة للطفل لا تحصل بطريقة معزولة عن المجتمع الأوسع، فتتأثر العائلة بالقيم والعادات العامة وثقافة البلد ووضعه التاريخي والسياسي والاقتصادي. كما تتأثر التنشئة بالطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها العائلة، والأدوار الاجتماعية لأفرادها. فمثلًا في معظم المجتمعات الشرقية التقليدية تكون الأم ربة منزل، وتهتم بالقسم الأكبر من التنشئة. بينما في السويد مثلًا، تُعد ظاهرة الأب الملازم للبيت شائعة، لا بل محبذة من الدولة (بحيث تعطي عطلة أبوّة عند ولادة طفل جديد)، فيكون الوالدان متشاركان في التنشئة الاجتماعية.

 فحتى أبسط علاقات التنشئة بين الطفل وعائلته هي علاقة معقدة ومتداخلة مع عوامل أخرى.

مجموعة الأقران:

وهي تتألف من الأشخاص المشابهين بالعمر والطبقة الاجتماعية والاهتمامات. ويختبر الطفل التفاعل مع أقرانه حتى قبل دخوله إلى المدرسة أحيانًا (أولاد الجيران مثلًا). ويكون هذا الاحتكاك بغاية الأهمية للطفل، بحيث يتعلم المشاركة والالتزام بقواعد بسيطة (قواعد لعبة) ويشكل الخطوة الأولى في طريق إنماء شخصيته الاجتماعية.

المدرسة:

هي المؤسسة الأولى التي ترسم ملامح الحياة الاجتماعية للطفل. فهو للمرة الأولى يتفاعل مع عدد كبير من الأفراد والأقران، بالإضافة إلى أنه يلتزم بقواعد ومبادئ عامة صارمة.

ولا يقتصر تعليم المدرسة على المنهج الأكاديمي التي تعطيه، بل تحمل أيضًا ما يسميه علماء الاجتماع ب”المنهج الخفي”، بحيث يتعلم الولد احترام الآخرين والالتزام بقواعد الصف وتبادل الأدوار ومشاركة الأغراض، ثم كيفية التعبير عن الرأي والقيم المدنية والوطنية والدينية أحيانًا.

وتثبت الدراسات يومًا بعد يوم، خاصة تلك المتعلقة بعلم نفس التعلم، أن أسلوب التعليم يؤثر بشكل هام على الحالة النفسية للأطفال، فأثبتت دراسة للتلاميذ الثانويين، أجرتها جامعة ميامي، الفروقات النفسية بين التلاميذ الذين يتعلمون بأساليب تنافسية مقابل آخرين يتعلمون بأساليب تعاونية.

مكان العمل:

يقضي البالغون معظم أوقاتهم في مكان عملهم. ورغم أنهم قد اكتسبوا الكثير من التنشئة الاجتماعية منذ طفولتهم، إلا أن مسار التنشئة لا يتوقف. فيختبر الشخص البالغ أنواعًا جديدة من الأدوار الاجتماعية والعلاقات الرسمية.

الدين والمؤسسات الدينية:

يختلف تأثير الدين على التنشئة الاجتماعية مع اختلاف الحقبات والبلدان والمناطق في العالم. ولكن في كثير من الأحيان ترتبط العادات والقيم والممارسات التي يتعلمها الفرد من طفولته، بالتعاليم والممارسات الدينية.

وتؤثر المؤسسات الدينية أحيانًا على شكل الحكم السياسي، أو التعليم (من خلال مدارس دينية)، وبالتالي يتعاظم دورها في التأثير على طبيعة التنشئة الاجتماعية.

الدولة:

قد يكون دور الدولة غير ظاهر في التنشئة، لكنها فعليًا من أكثر الوكلاء تأثيرًا على طبيعة التنشئة الاجتماعية. فالدولة هي التي تفرض نظام الحكم، وهي تصوغ القوانين التي ترعى كل المؤسسات الأخرى. فتمنع الدول الأوروبية بحسب القوانين أي نوع من العنف اللفظي أو الجسدي في العائلة. بينما لا تتدخل دول أخرى بالعنف المنزلي وتعتبره شأنًا خاصًا بالعائلة نفسها. وهنا يظهر تأثير الدولة على التنشئة العائلية.

الإعلام:

يلعب الإعلام اليوم دورًا كبيرًا في نشر الأفكار، ويتعاظم دوره تدريجيًا في التأثير على الرأي العام وعلى التنشئة الاجتماعية. ونقصد بالإعلام وسائل الإعلام التقليدية (التلفاز والراديو) من جهة، والإعلام الإجتماعي (Social media) الذي يُعد تأثيره أكبر وأضخم في التأثير على شكل الحياة الاجتماعية من جهة أخرى.

ختامًا، رحلة اكتشاف ذواتنا شيقة وصعبة وما زالت في بداياتها، فنحن بحاجة للكثير من البحث والتفتيش لمعرفة تأثير كل من جيناتنا ومحيطنا الاجتماعي وكيفية التفاعل بينهما. والأكيد أنه علينا مراجعة أهمية التنشئة الاجتماعية، وبالتالي إصلاح المجتمع من أعلاه إلى أسفله، لخلق شخصيات أكثر صحة وتوازن.

المصادر:

edX courses: Introduction to Sociology
NCBI
Science Daily

ما هي الثقافة؟ وما هي أنواع الثقافة وعناصرها؟

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

منذ ولادتك في مجتمع معين، تكتسب كل شيئ تقريبًا من محيطك. وتؤثر ثقافة المجتمع الذي وُلدتَ فيه على كل تفصيلٍ من حياتك. من مراسيم الاحتفال بولادتك حتى نوع لباسك حتى أنواع الأطعمة التي تتناولها (وطريقة تناولها) حتى لغتك ومعتقداتك وقيمك حتى مراسيم زواجك وصولًا إلى مراسيم دفنك. قد تعتقد أنك تمارس حياتك بحرية تامة، لكن الحقيقة أنك تتأثر بجتمعك أكثر مما تعتقد. إذًا ما هو تعريف الثقافة؟ وما هي أنواع الثقافة وعناصرها؟ وما هي أبرز العادات الثقافية الغريبة بالنسبة لمجتمعنا؟

تعريف الثقافة

يُعنى علم الاجتماع بدراسة كل العناصر التي تشكل المجتمع وترسم خصائصه. وأبرز هذه العناصر، التي تشكل الهوية الاجتماعية وحتى الفردية، هي الثقافة. وعلى الرغم أن مصطلح “ثقافة” كثير الاستعمال، إلا أننا غالبًا لا نعرف تعريفه الدقيق، ولا نميزه عن الفن أو الحضارة. فما هي الثقافة تحديدًا؟

واختصارًا يمكن تعريف الثقافة بأنها نمط الحياة الذي يعتمده مجموعة من الأشخاص (أو مجتمع معين)، وهي تشمل كلًا من الدين والمعتقدات والقيم واللغة والعادات والتقاليد والطعام واللباس والفنون وغيرها.

تأخد الثقافة حيزًا كبيرًا من علم الاجتماع، حتى أنه تشعّب منه علم الثقافة – Culturology.

أنواع عناصر الثقافة

يصنّف علماء الاجتماع أنواع الثقافة نوعين:

  • الثقافة الرمزية (Non-material or symbolic culture)
  • والثقافة المادية (Material culture)

تشمل الثقافة الرمزية الأفكار المجردة والسلوكيات الرمزية واللغة المعتمدة في مجتمع معين، والتي تُعتبر ذات قيمة بالنسبة لأفراد هذا المجتمع. سنتناول فيما يلي البعض من عناصرها.

القيم والأعراف

القيم هي مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي يعتمدها مجتمع معين، وتتكون نتيجة تاريخ هذا المجتمع وتراكم تغيراته وتقاليده وتتأثر بمعتقداته خاصة الدينية والروحية منها.

أما الأعراف فهي ترجمة القيم بمجموعة من السلوكيات التي تُعد مقبولة أو محبذة ضمن إطار اجتماعي. وقد تكون هذه الأعراف مكتوبة على شكل قوانين، أو غير مكتوبة مثل التقاليد، إلا أنها في الحالتين تصوغ سلوك العدد الأكبر من الناس، وأي مُخالف لها يُنبذ عادًة في محيطه. في المقابل، يوجد عدد من التصرفات التي تعتبر ممنوعة اجتماعيًا أي تابوهات (حتى لو كان القانون يسمح بها).

وتحدد القيم والأعراف نظرة الأشخاص لمفهومي الصح والخطأ، فالتصرف المقبول بالنسبة لبيئة معينة قد يكون عارًا في بيئة أخرى. نذكر مثالًا على ذلك المُساكنة، التي تعتبر مرحلة طبيعية من العلاقة العاطفية في معظم المجتمعات الغربية، وتُعتبر غير مرغوب بها في مجتمعات أخرى.

من هنا، نشأت نظرية «النسبية الثقافية-Cultural relativism»، التي تعني أن الحكم على أي تصرف فردي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المحيط الثقافي والقيم والأعراف للمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد نفسه.

العادات والتقاليد

ترتبط العادات والتقاليد بشكل كبير بالقيم والأعراف، وتتناقل إجمالًا بين الأجيال. وتتغير العادات من جيل إلى جيل، وهي أكثر تأثيرًا في المجتمعات المحافظة، أما المجتمعات الأكثر انفتاحًا تكون أقل تأثرًا بالعادات. العادات المرتبطة بمراسم الزواج تبين مدى الاختلاف بين الثقافات، ونذكر هنا بعض الأمثلة عنها:

في المكسيك والفيليبين، يعقد الزوجان حولهما عقدة من القماش أو الورود، للتعبير عن الوحدة والحب والالتزام.

في الصين، على الزوج أن يصيب الزوجة بثلاث أسهم، لضمان استمرارية الحب لوقت طويل. أما الزوجة فهي تحضر جلسات بكاء لمدة شهر قبل العرس، وذلك لجلب السعادة وتجنب البكاء بعد الزواج.

في كوريا الجنوبية يقوم رفاق العريس بضربه على رجليه بعيدان من الخشب، للتأكد أنه قادر على تحمل المسؤوليات والمتاعب.

الرموز

لكل مجتمع رموزه، يستخدمها أفراده للتواصل فيما بينهم والتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم. منها الرموز غير اللفظية من حركات جسدية ويدوية وتعابير وجه وطرق سلام. وهي تختلف بين المجتمعات، من الأمثلة على ذلك رفع الإبهام في الولايات المتحدة الأميركية يعني الإعجاب أو التعبير عن الرضى، بينما في أستراليا تعني الحركة نفسها الإساءة.

اللغة

من أهم سبل التواصل بين أفراد المجتمع الواحد، ومن أهم معوقات التواصل بين بلدان مختلفة، هي اللغة.  بحسب فرضية سابير وورف (Sapir-Whorf hypothesis)، وهي فرضية عالمين الإناسة إدوارد سابير وبينجامين لي وورف، اللغة ليست فقط وسيلة للتواصل، بل هي أيضًا تساهم في بناء طريقة تفكيرنا. وبالعكس تساهم الأفكار الاجتماعية بتغيير وجه اللغات تدريجيًأ وفي تغيير المسميات.

(للتعرف أكثر على سمات اللغة، إضغط هنا.)

الثقافة المادية: وهي تعني حرفيًا كل العناصر الجسدية والمادية المُشكّلة لثقافة مجتمع معين.

الطعام

الطعام واحد من حاجات الإنسان الحيوية، لكنه منذ زمن بعيد أخذ حيزًا كبيرًا من الحياة الاجتماعية والثقافية للشعوب. فأصبحت مائدة الطعام تارةً رمزًا للألفة بين أبناء العائلة، تارةً رمزًا للضيافة والكرم بين الغرباء.

تختلف الأطعمة بين شعوب البلدان المختلفة، فبمجرد الحديث عن البيتزا أول ما يتبادر إلى ذهنك إيطاليا، وبمجرد الحديث عن السوشي ستفكر باليابان.

لكن نوع الطعام ليس وحده ما يختلف بين الدول، بل أيضًا طريقة الأكل وأدواته. ففي حين تستخدم شعوب الشوكة والملعقة للأكل، تستخدم أخرى العيدان (Chopsticks)، وأخرى تأكل باليدين المجردتين.

الملبس

كما الطعام كذلك الملبس، لم يعد محصورًا بدوره الأساسي في حماية الجسد من البرد، بل حمل منذ زمن بعيد معاني مختلفة: الجندر، الطبقة الاجتماعية، الثقافة أو البلد، العقيدة الدينية، وغيرها.

وتُعد الملابس من أكثر العلامات الثقافية ظهورًا، ففي حين لبس التنورة من قبل الرجال يعد غريبًا في أغلب المجتمعات، فالرجل الاسكتلندي يلبس التنورة في لباسه التقليدي. ومن منا لا يعرف اللباس الهندي التقليدي، والثوب الخليجي (مع الغترة والعقال)، والالبسة الأفريقية الملونة. كذلك بعض المجتمعات الأفريقية لا تجد في العُري أي عيب، في حين يُعتبر العُري جريمة يحاسب عليها القانون في دول أخرى.

اختلاف الثقافات والعرقية

العرقية هي اعتقاد الفرد أن ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه، وسلوكياته وأيديولوجياته هي أعلى شأنًا من ثقافات المجتمعات الأخرى، والميل إلى الحكم على ممارسات شعوب أخرى بفوقية. من أكثر الفترات عرقية في التاريخ هي فترة الاستعمار الأوروبي على أفريقيا. فقد قابل الأوروبيون شعوبًا مختلفة اللون والثقافة والعقيدة، فاعتبروهم شعوبًا متخلفة وغير حضارية. وقد استخدم الأوروبيون هذه الحجج لتبرير استعمارهم وجرائهم، معتبرين أن ثقافة الشعوب الأفريقية “خاطئة” وبالتالي عليهم تصحيحها.

ختامًا، تعيش البشرية اليوم أكثر مراحل العولمة والتبادل الثقافي والانفتاح الحضاري بين المجتمعات، مما عزز التعددية الثقافية. وعلى الرغم من بعض المخاطر التي تحملها العولمة على الهويات الثقافية، إلا أنها تسمح بالتعرف على الكنز الثقافي الغني لمختلف الشعوب، على أمل أن تخفف العرقية التي ما زالت سائدة، وتعزز احترامنا لثقافة بعضنا البعض.

انفوجرافيك مبسط عن ما هي الثقافة وأنواعها وعناصرها.

ما هي الثقافة؟ وما هي أنواع الثقافة وعناصرها؟

مصادر:

مغالطة الاحتكام إلى العاطفة Appeal to emotion

مغالطة الاحتكام إلى العاطفة

الاحتكام إلى العاطفة واحدة من أكثر المغالطات شيوعاً، غالباً ما تكون استراتيجية ناجحة للتأثير على آراء الناس وسلوكهم. سنشرح في هذا المقال مغالطة الاحتكام إلى العاطفة، ومتى يتم استخدامها، وسنعرض عدداً من الأمثلة لأن فهم هذه المغالطة سيجعلك أكثر استعداداً لكشفها والتصدي لها، بالإضافة إلى تجنّب الوقوع فيها.

تعريف مغالطة الاحتكام إلى العاطفة:

هي أن يستعمل الشخص العاطفة أو اللعب بالمشاعر مثل الشفقة أو الخوف أو الكراهية في أثناء استدلاله للتأثير على حكم الطرف الآخر، بدلاً من استخدام المنطق والحقائق لدعم الحجة والفوز بالجدل.

  • يُعتبر التلاعب بالعواطف أسلوباً فعّالاً نظراً لطبيعة إدراك البشر وتحيزاتهم الداخلية، حيث يعتمد الناس غالباً على استجاباتهم العاطفية عند اتخاذ القرارات، بدلاً من الحقائق والتفكير المنطقي. ولكن حقيقة أننا نرغب بأمر ما لا يجعله بالضرورة صحيحاً، فلن يحاول أي عالم رياضيات إثبات نظرية رياضية من خلال مناشدة عاطفة الناس أو شفقتهم، فإما أن تكون الحجة صحيحة أو خاطئة.
  • هذه المغالطة هي أصل تتفرع منه عدّة مغالطات فرعية كالاحتكام إلى الخوف، والاحتكام إلى الشفقة، والاحتكام إلى الكراهية، والاحتكام إلى الحسد، والاحتكام إلى الفخر.. إلخ.

الشكل المنطقي:

مقدمة1: شخص يقوم بالدعوى س من دون إثبات
مقدمة 2: الشخص أ يقدم حججاً عاطفية تدفع الآخر لتبني س
نتيجة: الشخص أ يستنتج أن الدعوى س صحيحة.

أمثلة:

  1. “كيف استطعت رفض رسالة دكتوراه ذلك الطالب؟ فالمسكين قد عكف على تحضيرها طيلة أربع سنوات، ولو سمعت جدته المسكينة ربما ستموت بسكتة قلبية”.
  2. شرح المغالطة: في هذا المثال طرح المعترض مبررين لاعتراضه، أولاً كون الرسالة دامت أربع سنوات، والثاني أن جدة الطالب مريضة. فأثّر كلا المبررين على عاطفة الأستاذ واستجداء شفقته تجاه الطالب وحالته الصعبة، بدلاً من تقديم حجج منطقية من محتوى الرسالة وجودتها. ومثل هذه الأمثلة كثيرة، كأمثلة الدراسة والسماح بالغش تعاطفاً مع الطلبة بدلاً من النظر إلى عواقب الأمر عقلانياً.
  • “أعرف أن الرجل قد أفسد المؤسسة؛ ولكنه بأمس الحاجة لهذا العمل لإطعام أطفاله الثلاثة”.

    كما هو واضح فإن الحجة المقدمة للحفاظ على وظيفة الشخص هو حاجته لإطعام أطفاله الثلاثة، دون النظر لعواقب فساده عقلانياً؛ وذلك لمحاولة دغدغة مشاعر المدير أو المسؤول بهدف التأثير على رأيه بطريقة غير مباشرة.
  • تستخدم هذه المغالطة في الخطاب الديني بالترغيب والترهيب للتأثير على المشاعر ومخاطبة الوجدان بطريقة انفعالية دعوية. ولو في مسائل عقلية تحتاج للتحليل والشرح العقلاني لحشد الجماهير وجمع أكبر عدد من التابعين. ويصبح الأمر أسوأ حين تُستغل النصوص التي تحرّك الوجدان من طرف الجماعات المسلحة في تجنيد الشباب ودفعهم للقيام بأفعال إجرامية باسم الدين والحق عارضين عليهم بدائل لاحقة وإغراءات أخروية.
  • تستخدم في الإعلان، إذا تُستخدم صورة لعائلة تبدو سعيدة ومرحة أو شخص متسلق في جزيرة جميلة. ثم يصورونه وهو يستعمل منتوجاً معيناً ليرتبط المنتج في ذهن المشاهد بأحاسيس السعادة والراحة النفسية. كأن يكون إعلاناً لمطرقة أو إسمنت.. إلخ، وذلك لأنهم يعلمون أن العاطفة هي أسهل طريق للتغيير السريع والفعّال.

متى لا يكون الاحتكام إلى العاطفة غلطاً منطقياً؟

ليست العاطفة والمشاعر مغالطة في حد ذاتهما؛ بل استغلالهما في مكان الأدلة المنطقية كحجة للوصول إلى نتيجة معينة هو المغالطة. يجب التفريق بين استعمال العاطفة لتشجيع الآخرين وتحفيزهم للقيام بعمل معين، والاحتكام إليه كمرجع لتأكيد الحقائق، واستغلالها في تغيير قناعاتهم ومعتقداتهم، فالأول لا يكون مغالطة، في حين يكون الثاني مغالطة منطقية.

المصادر:

Fallacy in logic

المغالطات المنطقية، عادل مصطفى

رجل القش، الحشو المنطقي، الدليل المختصر للمغالطات المنطقية والانحيازات الإدراكية، يوسف صامت بوحايك

اقرأ أيضاً مغالطة الرنجة الحمراء

ما هو اكتئاب ما بعد التخرج وكيف يمكن التخلص منه؟

ما هو اكتئاب ما بعد التخرج وكيف يمكن التخلص منه؟

قد يكون مصطلح “اكتئاب ما بعد التخرج” غير شائع وقد لا تجده في قاموس الجمعية الأمريكية للطب النفسي، ولكن تؤكد الإحصائيات والأبحاث الأخيرة أن أكثر من 90% من حديثي التخرج يصابون بنوبات اكتئاب متفاوتة الحدة بعد إنهاء مسيرتهم التعليمية وذلك لعدة أسباب.

العوامل التي تؤدي إلى اكتئاب ما بعد التخرج

غالبًا ما يحدث هذا النوع من الاكتئاب بسبب الضغط النفسي الذي يتعرض له الشباب نتيجة تغير نمط حياتهم.

انخرط طلاب التعليم العالي ما يقرب من 20 عامًا في روتين الحياة الدراسية حتى أنها أصبحت جزءًا من هويتهم، وقد أكد ذلك مات جلوياك الدكتور في جامعة نيوهامشر بقوله:

“عندما يواجه الناس عقبة تهدد هويتهم، قد تتعرض صحتهم النفسية للخطر”

كما تسبب صعوبة التواصل مع أصدقاء الجامعة بعد التخرج الحزن والضيق والشعور بالوحدة.

في كثير من الأحيان يكون اكتئاب ما بعد التخرج مصحوبًا بأزمة ربع العمر “فترة العشرينيات” والتي يكون الشباب خلالها أكثر تشوشًا، يشككون في قيم حياتهم وأهدافها وفي أهمية وجودهم في الأساس.

أزمة رُبع العمر غالبًا ما تكون مصحوبة بالشعور بالعزلة وعدم الكفاءة والشك بالنفس والخوف الشديد من الفشل.

تسبب مطالعة وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة والتدقيق في حياة الآخرين ومقارنة نفسك بأصدقاء دراستك بعد التخرج وما وصلوا إليه ولم تستطع أنت الوصول إليه حتى الآن، كأن يجد أحدهم وظيفة براتب عالي مثلا سبب أساسي في الإصابة بالاكتئاب أيضًا.

أعراض اكتئاب ما بعد التخرج

  • الشعور الشديد بالحزن والميل إلى العزلة وفقدان الشغف ودوافع الاستمرار، وعدم الاهتمام بالأشياء المفضلة والهوايات.
  • الشعور بالوحدة.
  • الشعور بالتشوش والقلق وعدم القدرة على التفكير.
  • الشعور بعدم الكفاءة والخوف الشديد من الفشل.
  • الشعور العام باليأس.
  • الشعور العام بالإرهاق والتعب وإيجاد صعوبة في النهوض من السرير في الصباح عن أي وقت مضى.

كيف يمكنك التغلب على اكتئاب ما بعد التخرج؟

يمكنك أن تتغلب على هذا الشعور بمحاولة التخلص من مشاعر اليأس والقلق عن طريق القيام بالأعمال التطوعية وممارسة الرياضة ومحاولة الاهتمام بالهوايات التي تحسن المزاج، كما أنه من المهم استشارة أخصائي نفسي للسيطرة على التغيرات العاطفية التي يواجهها الشباب جراء تلك العملية الانتقالية الضخمة في حياتهم.

التخطيط الجيد للحصول على وظيفة آمنة عن طريق التواصل مع مستشار مهني مثلًا أو وكالة توظيف لتسهيل عملية البحث، وإنشاء جدول يومي لتنظيم المهام ووضع خطة للوصول إلى الأهداف الشخصية والمهنية يساعد على ترتيب الأفكار وتخفيف أعراض القلق والتوتر، كما أن اتباع عادات نوم صحية يساعد على صفاء الذهن وزيادة حدته والقدرة على التفكير السليم.

مصادر:

Southern New Hampshire University: What is Post-Graduation Depression and How to Overcome it

Studyusa:Post-Graduation Crisis in the U.S.

Hercampus

Fenews

التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

هذه المقالة هي الجزء 10 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

لقد استيقظت توًا من النوم، نهضت لتستعد للذهاب إلى عملك، بينما تتسائل هل أذهب مشيًا أم أقود السيارة؟
وفجأة تظهر لك الإجابة، تتذكر أن طريق العمل مسدود منذ يومين لذا تختار الذهاب مشيًا.
ما الذي حدث هنا؟
لقد اتخذت قرارًا وحللت مشكلة بناءًا على تحليل منطقي، وهذه العمليات الثلاثة (اتخاذ القرار وحل المشكلات والتحليل المنطقي) مرتبطة بمهارة «الفكر-Thought» في نظامنا المعرفي. لكن السؤال هنا، هل تقوم بهذه العمليات الثلاثة في كل مرة تتخذ قرارًا في حياتك؟ التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟

التحيز المعرفي والاستدلال

الإجابة، قطعًا لا. وهنا يأتي دور الاستدلال.
اعتقد العلماء قديمًا أن البشر مفكرون منطقيون، يستخدمون المنطق والعقلانية لاتخاذ قراراتهم. لكن أثبتت الدراسات أن لدينا نوع من الآليات المجهزة مسبقًا، مخطط للأنواع والمفاهيم التي يمكن أن نصادفها في حياتنا، فنعود إليها وقت الحاجة. فيما يُعرف بـ «الاستدلال-Heuristic»
وصف العلماء الاستدلالات أنها نوع من الاختصارات التي تساعدنا في اتخاذ القرارات بشكل أسرع، لكنها غالبًا ليست دقيقة تمامًا، بل يُمكن القول أنها مضللة في بعض الأحيان. وهناك أربعة أنواع من الاستدلالات التي يُمكن أن تعيق التفكير المنطقي فيما يُعرف بـ «التحيز المعرفي-Cognitive Bias»

التحيز المعرفي وتأثير التشكيل

أولًا. «تأثير التشكيل-Framing Effect»
هو نوع من التحيز المعرفي الذي يؤثر على قرارتنا عند تغير شكله، أو بمعنى آخر اختلاف القرارات باختلاف شكل نفس السؤال أو المشكلة.
مثال: ترى إعلانًا لمطعم بيتزا يخبرك أنها 90٪ خالية من الدهون، وآخرًا يخبرك أنها تحتوي على 10٪ من الدهون. أيهما ستختار؟
ستختار على الأغلب المطعم الأول. رغم أن كلا المطعمين يقدمان نفس نسبة الدهون، لكن طريقة عرض المعلومة أثرت على اختيارك، وهذا هو تأثير التشكيل.

ولا يقتصر تأثير التشكيل على البشر فقط، أجريت أحد الدراسات على قردة الكابوتشين لتختبر تأثير التشكيل عليهم. فكان هناك شخصان يقدمان الطعام للقردة، أحدهم يعرض عليهم موزتين أولًا، ثم يعطيهم الموزتين نصف عدد المرات، ويعطيهم موزة واحدة النصف الآخر. الشخص الثاني يعرض عليهم موزة واحدة في المقام الأول، ثم يفعل مثل زميله، يمنحهم موزتين نصف عدد المرات وموزة واحدة النصف الآخر. وجدت الدراسة أن القردة يفضلون الشخص الثاني على الشخص الأول، رغم حصولهم على نفس كمية الطعام في الحالتين. وذلك بسبب تأثير التشكيل.

التحيز المعرفي ومعدلات الإسناد

ثانيًا. «مغالطة معدلات الإسناد-Base rate Fallacy»
تخيل معي مجموعتين من سبعين مهندسًا وثلاثين محاميًا، من بينهم جون. جون رجل في منتصف الأربعينات، متزوج ولديه طفل، انطوائي، لا يهتم بالسياسة، هواياته الإبحار وحل الألغاز. فإلى أي المجموعتين ينتمي جون؟
ربما تقول مهندسًا، وهكذا يجيب أغلب الناس أيضًا. لكن هل وضعت في اعتبارك حجم المجموعتين عند اتخاذ قرارك؟
هذا هو تأثير معدلات الإسناد. عند جمع معلومتين إحداهما فردية تخص شخصًا ما، والأخرى إحصائية. يميل الناس إلى تجاهل الأعداد (معدلات الإسناد) والتركيز على المعلومة الشخصية.

التحيز للوفرة

ثالثًا. «التحيز للوفرة-Availability Bias»
أيهما تعتقد أكثر خطورة: سمكة القرش أم سلطة البطاطس؟
ربما يبدو هذا السؤال سخيفًا، بالطبع سمكة القرش أكثر خطورة. لكن دعنا نراجع بعض الأرقام أولًا: معدل الإصابة من أسماك القرش هو 1 من كل 6 مليون شخص، ومعدل القتل من أسماك للقرش هو 1 من كل 500 مليون شخص. معدل الإصابة بسبب تسمم الطعام هو 1 لكل 800 ألف شخص، أما معدل الموت بسبب تسمم الطعام هو 1 لكل 55 ألف شخص. إذن سلطة البطاطس أخطر ألف مرة من أسماك القرش!
والسبب في اعتقادنا أن أسماك القرش أكثر خطورة هو التحيز للوفرة. بمعنى أننا نميل إلى المبالغة في تقدير الحدث إذا كان مآساويًا أو رائعًا أو مثيرًا للانتباه فيسهل تذكره. وبالتأكيد موت شخص جراء هجوم سمكة قرش أكثر إثارة من الاختناق بسلطة بطاطس!
مثال آخر: أيهما تعتقد له النسبة الأكبر في اللغة الإنجليزية: الكلمات التي تنتهي بـ ng أم الكلمات التي تنتهي بـ ing؟
يميل أغلب الناس إلى الإجابة الثانية، لأن هذه المجموعة من الكلمات أسهل وأسرع تذكرًا. بينما الحقيقة أن الكلمات التي تنتهي بـ ng تحتوي الكلمات التي تنتهي بـ ing أيضًا وبالتالي لها النسبة الأكبر.

التحيز للتوكيد

رابعًا. «التحيز للتوكيد-Confirmation Bias»
تخيل معي أنك قاضٍ تحكم بين زوجين لتقرر أيهما يستحق حضانة طفلهما. أولهما صاحب دخل متوسط، ومهارات اجتماعية فقيرة، وبصحة جيدة، وعلاقة متوسطة مع الطفل، ولا يتنقل كثيرًا. والثاني له دخل مرتفع، وحياة اجتماعية ممتازة، ويعاني من مشاكل صحية طفيفة، وعلى علاقة مقربة بالطفل، ويسافر كثيرًا لقضاء أعماله. أيهما ستمنحه حضانة الطفل؟
من المرجح أنك ستختار الشخص الثاني، وهذا ما ذهب إليه أغلب الناس أيضًا.
أما عند عرض نفس المواصفات على مجموعة مختلفة من البشر وسؤالهم: أي الزوجين ستحرمه حضانة الطفل؟
تقع النسبة الأكبر على الشخص الثاني أيضًا، فما تفسير ذلك؟
يُمكن تفسير هذه النتائج وفقًا لمفهوم التحيز للتوكيد وهو تفضيل المعلومات التي تتماشي مع معتقداتنا أو تحيزاتنا السابقة وتجاهل تلك التي لا تتماشى معها. فتجد في السؤال الأول كلمة: منح الحضانة، ويتجه تفكيرك تلقائيًا إلى الصفات الإيجابية التي تستدعي المنح، ونجد أن الشخص الثاني يتمتع بها. أما في السؤال الثاني: حرمان الحضانة، وهنا يتجه تفكيرك إلى الصفات التي تستدعي الحرمان، ونجد هذه واضحة أيضًا في الشخص الثاني.
ونلاحظ أن هذا المثال ينطبق كذلك على تأثير التشكيل، فعندما اختلف شكل السؤال اختلفت الإجابة.

التحيز للتوكيد والأرض المسطحة

وأمثلة التحيز للتوكيد في واقعنا كثيرة، منها: المؤمنون بالأرض المسطحة، أو إنكار هبوط الإنسان على القمر. فنجد هؤلاء الأشخاص يفضلون المعلومات التي تتماشي مع معتقداتهم السابقة، ويرفضون أي معلومات مغايرة. ويمكن أن يؤدي هذا النوع من التحيز إلى حالة من «ترسخ الاعتقاد-Belief perseverance» ورؤية العالم بذهن ثابت يرفض التغيير!

اقرأ أيضًا: كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

المصادر

١. Boycewire
٢. Verywellmind
٣. Verywellmind
٤. Decisionlab

تعريف علم الاجتماع، نشأته وأبرز نظرياته

هذه المقالة هي الجزء 1 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

“الإنسان حيوان اجتماعي”، بهذه الجملة عرّف أرسطو الكائن البشري وميزه عن باقي الحيوانات. فلا يمكن دراسة الإنسان وفهمه بأي شكل من الأشكال بمعزل عن مجتمعه ومحيطه. وفي المقابل، كل فرد يصنع تغييرًا، ولو صغيرًا، في مجتمعه. من هنا، كانت ضرورة نشأة علم الاجتماع الذي يدرس تفاعل الانسان، تأثرًا وتأثيرًا، مع مجتمعه. لكن ما هو التعريف الدقيق لعلم الاجتماع؟ ومتى نشأ؟ وما هي أبرز النظريات التي قدمها علم الاجتماع؟

تعريف علم الاجتماع

يهتم علم الاجتماع بدراسة العلاقات الانسانية والتفاعل بين البشر، أفرادًا ومؤسسات، ضمن المجتمعات. يُعتبر علم الاجتماع أو السوسيولوجيا علم مُعقّد وواسع. يدرس علم الاجتماع جوانب متعددة من المجتمع، تشمل كلًا من العائلة والدولة واللغة والثقافة والطبقات الاجتماعية والاختلافات العرقية والإثنية والجندرية والدين والجريمة والنمو الاقتصادي والتعليم والفن والتواصل وغيرها. كما أن علم الاجتماع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلوم اجتماعية أخرى كعلوم السياسة والاقتصاد وعلم النفس، ويتقاطع معها في مجالات متعددة.

يطرح علم الاجتماع النظريات العلمية من جهة، والمناهج العملية من جهة أخرى، لدراسة دقيقة لكل المجالات والظواهر الاجتماعية.

نبذة تاريخية عن علم الاجتماع

رغم أن علم الاجتماع علمًا حديثًا، إلّا أنه يجد جذوره في الفلسفة القديمة. فقد شكّل العديد من القضايا التي تعد حاليًا مركزية في علم الاجتماع، مواضيع بحث عند الفلاسفة القدماء مثل كونفوشيوس وأفلاطون وأرسطو. فما المدينة الفاضلة إلا صورة رسمها أفلاطون عن المجتمع المثالي.

بزوغ علم الاجتماع

في القرن الثالث عشر، عرّف المؤرخ الصيني «ما توان-لين –Ma Tuan-Lin  »، لأول مرة، الديناميات والمتغيرات الاجتماعية كعنصر فاعل في التطور التاريخي.

في القرن الرابع عشر، ظهر المفكر التونسي ابن خلدون. اعتبر كثيرون ابن خلدون عالم الاجتماع الأول. إذ كتب عن الصراع الاجتماعي والاقتصاد السياسي وميّز الفروقات بين الحياة البدوية والحضارية. ساهم ابن خلدون في وضع أسس علوم الاجتماع والاقتصاد الحديثة. وعلى الرغم من نظرياته التي درست للمرة الأولى الظواهر الاجتماعية بشكل علمي. إلا أن مساهماته في تأسيس علم الاجتماع بقيت غير مقدرة عند البعض بشكل كافي بحيث يُنسب التأسيس إلى الفلاسفة الأوروبيين. كتب ابن خلدون في تحفته الفلسفية “المقدمة” عن التغيرات الاجتماعية، باعتبارها مرتبطة بالعصبية (التضامن الاجتماعي) بشكل اساسي وبعوامل أخرى أخلاقية واجتماعية واقتصادية وسياسية وتاريخية. وصف ابن خلدون تطور المجتمع وشبهه بالحياة الانسانية التي تبدأ بالولادة، ثم تنمو لتصل إلى مرحلة النضوج، ثم تتراجع تدريجيًا وصولًا إلى الموت.

إن الاجتماع الإنساني ضروري، فالإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية، ومن العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبداً بطبعه.

ابن خلدون

علم الاجتماع في عصر التنوير

طوّر فلاسفة عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وأبرزهم فولتير وإيمانويل كانت وتوماس هوبس(Thomas Hobbes)، العديد من المفاهيم حول الآفات الاجتماعية، آملين بذلك إصلاح مجتمعهم.

تأسّس علم الاجتماع كعلم منفصل في القرن التاسع عشر، في أوج الثورة الصناعية، ليجيب على التغيرات الاجتماعية الضخمة التي رسمت ملامح هذا العصر. فقد خلقت الثورة الصناعية تغييًرًا كبيرًا في النظام الاقتصادي الأوروبي وأساليب الإنتاج وتوزيع الثروة، وبدأ تحول المجتمعات الريفية إلى مدن صناعية تعج بالفوضى والاستغلال والفقر. وابتعد الملايين من المزارعين عن حياتهم التقليدية، مما زعزع الانظمة العقائدية والدينية وبدّل العلاقات العائلية والاجتماعية.

يُعد المفكر الفرنسي «أوغست كومت-Auguste Comte» أبو علم الاجتماع. استخدم كومت كلمة “سوسيولوجيا” عام 1838 وسمّاها «أميرة العلوم-Queen of sciences»، واعتبر أنه يمكن دراسة المجتمع من خلال قواعد علمية تمامًا كالمستخدمة في العلوم الطبيعية ودراسة الجسد أو المادة. واعتبر كومت أن اكتشاف القواعد التي تحكم العلاقات الاجتماعية ودراستها يمكّن علماء الاجتماع من إصلاح المشاكل الاجتماعية كالفقر والأمية. وبذلك أسّس كومت علم الاجتماع.

ما هي أبرز نظريات علم الاجتماع؟

وضع أوغست كومت الفلسفة الوضعية، وفسّرها في كتبه التي صدرت بين عامي 1830 و1848. وهي تقوم على وضع قواعد علمية (مستوحاة من القوانين المادية كقانون نيوتن مثلًا) لتفسير الظواهر الاجتماعية. وعلى الرغم أن هذه الفلسفة ساهمت في تأسيس وتعريف علم الاجتماع، وأثرت في العديد من علماء الاجتماع اللاحقين أمثال «هيربرت سبنسر-Herbert Spencer» و«إميل دوركيم-Emile Durkheim»، إلا أنها واجهت فيما بعد الكثير من التحديات والرفض من قبل علماء اجتماع آخرين.

يمكن تصنيف نظريات علم الاجتماع إلى نوعين: النظريات الكليّة Macro theory  التي تتناول مشاكل شريحة كبيرة من الناس، والنظريات الجزئية Micro theory التي تتناول علاقة خاصة بين مكونات معينة محدودة.

سنتناول في هذا المقال النظريتين الشاملتين الأبرز في علم الاجتماع بشكل بسيط وموجز. وعلى الرغم أنهما مختلفتان، لكنها ليس بالضرورة متناقضتين، فهما تفسران العالم من وجهات نظر مختلفة.

النظرية الوظيفية

النظرية الأولى هي «النظرية الوظيفية-Functionalism» وهي نظرية محافظة، ترى العالم كمكانٍ متوازن، وترى المجتمع كالجسد الذي يتألف من عدة أنظمة وأعضاء ولكلٍّ منها وظيفته، وعلى هذه الأنظمة المختلفة أن تعمل سويةً لتحافظ على توازن وصحة الجسد ككل.

تعد هذه النظرية متأثرة بفلسفة كومت الوضعية، قفد قارن هيربرت سبنسر المجتمع البشري بالجسد، والمؤسسات والعائلة والدين بالعظام والأعضاء والعضلات.

وتعتبر النظرية أن أي مكوّن لا يعمل بشكل طبيعي يفيد النظام الاجتماعي هو خلل، ويجب معالجته. مثلًا، تعتبر أن الفقر هو خلل في المجتمع المزدهر. وغالبًا تحمّل النظرية مسؤولية الخلل للمكون نفسه، مثلًا الفقير يتحمل مسؤولية فقره، وعليه أن يعمل بنفسه ليصبح أغنى. ويطرح العالم الفرنسي إميل دوركيم مفهوم “الوعي الجماعي” الذي يقود كل مكونات المجتمع الواحد ويؤثر على معتقدات وتصرفات كل فرد منه، ويحافظ على استقرار قيمه

نظرية الصراع (الماركسية)

النظرية الثانية هي نظرية الصراع، وتعد نظرية تقدمية وهي تُبرز الصراع الاجتماعي والمنافسة واللامساواة. تنبع من كتابات كارل ماركس، الذي انتقد في الثورة الصناعية الرأسمالية الناتجة عن تغير أساليب الإنتاج. واعتبر ماركس أن نتيجة الرأسمالية (وقبلها الإقطاعية) والتوزيع غير العادل للثروة سبب في بزوغ نظام ثنائي متناقض. الرأسماليين “البرجوازيين” الذين يملكون كل موارد الإنتاج، ومن جهة أخرى الطبقة العاملة أو “البروليتاريا” التي لا تملك سوى قوة عملها. العلاقة بين هاتين الجهتين ليست علاقة وظائفية. على العكس، حيث يسعى الرأسماليون إلى مراكمة الثروات على حساب الطبقة العاملة. تنظر النظرية الماركسية إلى مشكلة الفقر كمشكلة اجتماعية، ناتجة عن استغلال الطبقة الغنية للطبقة العاملة الفقيرة، وهو ما يبقيها فقيرة.

وهنا تدخل عوامل أخرى تؤثر على الوضع الاجتماعي للفرد وهي العرق والجندر، التي تعزز أحيانًا وجوه التمييز واللامساواة.

واعتبر ماركس أن هذا الوضع من الظلم والتمييز والاستغلال ناتج عن نقص ما يسمّيه من الوعي الطبقي لدى البروليتاريا. ومن هنا تأتي جملته الشهيرة: “يا عمال العالم اتحدوا.” تعد النظرية الماركسية من أكثر نظريات القرن التاسع عشر تأثيرًا على العالم وعلى الأيدولوجيات السياسية حتى اليوم.

ختامًا، علم الاجتماع من أوسع العلوم وأكثرها تشعبًا، ولربما فهم أساسياته يساعدنا على فهم أنفسنا أولًا، ومحيطنا الاجتماعي ثانيًا، والعالم من حولنا ثالثًا.

المصادر:
edX
Sage journals

ما هو التحليل الهامشي؟

قمت بشراء دراجه نارية لكنك ندمت على شرائها بعد وقت جد قصير ولن تستعملها أبداً، فهي لا تناسبك. هل ستقوم ببيع الدراجة النارية بثمن أقل بكثير من الذي اشتريتها به؟ أم ستقوم بإبقائها في المرآب بحجة أنك قد أخطأت مرة واحده فلا داعي لارتكاب خطأ آخروبيعها بسعر أقل بكثير؟ من وجهه نظر علم الاقتصاد تعد الحجة الأخيرة واهية لأنها لا تحترم مبدأ الفائدة والتكلفة. للإشارة إلى نقطه ضعف هذه الحجة يستعمل علم الاقتصاد «التحليل الهامشي-Marginal Analysis»، و هو موضوع هذا المقال.

«الفائض الاقتصادي-Economic Surplus»

قبل التعرف على التحليل الهامشي، لا بد من التعرف على الفائض الاقتصادي.

الفائض الاقتصادي هو طرح «التكلفة الإضافية -Incremental Cost» سواء كانت «صريحة-Explicit» أو «ضمنية-Implicit» من «الفائدة الإضافية -Incremental Benefit». لكن ما معنى التكلفة الإضافية الصريحة والتكلفة الإضافية الضمنية؟ التكلفة الإضافية الصريحة هي أي تكلفه يمكن التعبيرعن قيمتها مالياً، أي يكون مصدر هذه التكلفة عبارة عن عملية تجارية يتم فيها دفع المال. من جهه أخرى تعبر التكلفة الصريحة عن الشيء الذي يُضحى به، ولكن لا يدفع من أجله المال، كالوقت مثلاً.

يجب على القرارات الاقتصادية أن تسعى إلى إكثار الفائض وذلك بإكثار الفوائد وتقليل التكاليف. أي يجب تقليل تكلفة الفرصة. إذاً يُمكننا الفائض الاقتصادي من ملاحظة مساهمة تكلفة الفرصة في تحديد ما إذا تم استغلال الموارد بطريقه فعالة.

كمثال على الفائض الاقتصادي: تم عرض فرصه عمل عليك في مدينه أخرى براتب شهري يقدر بـ $250، بينما يبلغ راتبك الحالي$200. من جهه أخرى، تبلغ تكلفه السكن $100 في مدينتك الحالية بينما تبلغ $120 في المدينة الجديدة. ما هو الاختيار العقلاني؟ في هذه الحالة نستعمل صيغه الفائدة الاقتصادية مع اعتبار أن الراتب هو الفائدة الإضافية وأن تكلفة السكن هي التكلفة الإضافية. إذاً يكون الفائض الاقتصادي للعمل في المدينة الأخرى $130 = $120 – $250, بينما الفائض الاقتصادي في العمل الحالي هو: $100=$100-$200. بذلك ستوفر $30 إضافية.

لكن تصور أنك توفر فقط $5 إذا انتقلت إلى للمدينة الأخرى؟ هل ستذهب للمدينة الأخرى؟ حسب الفائض الاقتصادي نعم رغم أنك تتقاضى $200 في الأصل. فعند الاعتماد على الفائض الاقتصادي، يجب الانتباه إلى القيم المطلقة فقط و هي $5 الزائدة، و ليس نسبة $5 ل $200.

التحليل الهامشي

يعتبر التحليل الهامشي واحد من أهم التقنيات لتحديد مدى فعاليه قرار ما. من بين مفاهيم تحليل الهامشي نجد مفهوم هامش الربح و الذي يشير إلى قيمة التغيير في الربح الكلي إثر القيام بخطوة إضافية. على سبيل المثال تصور أنك تبيع 15 قلماً بـ $29 ، بينما تبيع 17 قلماً ب $33، إذن هامش الربح لبيع قلم واحد هو 2 /(29 – 33) و هي دولارين.

تصور أن تكلفة صنع 15 قلماً تقدر ب $25 دولار، بينما تقدر تكلفة 17 قلماً ب $18.إذاً هامش التكلفة يقدر ب 2 / (15 – 17) وهو دولار واحد للقلم الواحد. إذن هل يعتبر بيع 17 قلما عوض 15 قرارا صائبا؟ باستعمال مبدأ الفائدة والتكلفة سيكون القرار صائباً إذا كان هامش الربح أكبر من هامش التكلفة. في هذه الحالة يكون صنع وبيع 17 قلم هو القرار الأمثل.

إذا عدنا إلى المثال الأول للدراجه النارية، نرى أن الربح الهامشي لبيع الدراجة النارية هو سعر بيعها مهما كان هذا الثمن، بينما تكون التكلفة الهامشية صفراً. من جهة أخرى، نرى أن الربح الهامشي لإبقاء الدرجة النارية هو صفر لأنك ندمت على شراءها فلن تستعملها، بينما تتجلى التكلفة الهامشية لإبقائها على المكان الذي تأخذه في المرآب (لاحظ هنا أن التكلفة ضمنية و غير صريحة)، باستعمال مبدأ الفائدة و التكلفة، يكون بيع الدراجة النارية هو القرار الصائب.

المصادر:

Edx

Oxy

كيف عرف ستيرنبرج الحب؟ وما العوامل التي تضمن حدوثه؟

هذه المقالة هي الجزء 9 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

كيف عرف ستيرنبرج الحب؟ وما العوامل التي تضمن حدوثه؟

الحب، إنه الشعور الأروع على الإطلاق. التجربة التي نتوق لها جميعًا ونحاول فك شفرتها. ونتمنى لو نجد إجابات سهلة عنها. لكن ما هو الحب؟ وهل حقًا استطاع العلماء فك شفرته؟

كيف عرف ستيرنبرج الحب؟

علم النفس الاجتماعي هو الفرع الذي يهتم بدراسة مشاعر الحب والانجذاب، وقام علمائه بتجارب جمة للتوصل إلى تعريف للحب وتحديد عوامل نجاحه. تطرق عدد من العلماء إلى تعريف الحب، لكن الأشهر بينهم وضعه العالم روبرت ستيرنبرج في ثمانينات القرن الماضي وعُرف نظرية مثلث الحب.

وتُفسِر هذه النظرية الحب أنه شعور يتكون من ثلاثة عناصر أساسية: الحميمية، والشهوة، والالتزام. الحميمية هي شعور القرب والتواصل، أو بمعنى آخر مشاركة الأمور الشخصية التي لا تتشاركها مع أي شخص آخر. والشهوة هي الرغبة أو الانجذاب الجسدي. والالتزام هو وضع عنوان للعلاقة أنها علاقة حب ومن ثم اتخاذ قرار الالتزام -على المدى الطويل- بها. وهكذا رأى ستيرنبرج أن وجود هذه العناصر ثلاث يعني تكامل الحب وتمامه. لكن ماذا يحدث عند وجود عنصر واحد من العناصر الثلاث؟ أو اثنان؟ أو لا عناصر على الإطلاق؟

أنواع الحب

هذا هو الجزء الأكثر تشويقًا من نظرية ستيرنبرج، فيمكن القيام بعمليات تبادلية بين العناصر الثلاث للتوصل إلى الأنواع المختلفة من الحب في أغلب العلاقات البشرية. وسنتطرق أولًا إلى العلاقات ذات العنصر الواحد:

  • الصداقة: عند وجود الحميمية أو شعور القرب والتواصل فقط، وغياب الرغبة والالتزام، نحصل على علاقات الصداقة، أو الإعجاب، التي يمكن أن تتطور إلى علاقات حب لاحقًا.
  • الافتتان: عند وجود الرغبة فقط، وغياب الحميمية والالتزام نحصل على الافتتان. وهي علاقات تقوم على الانجذاب الجسدي فقط دون معرفة عميقة أو قرار بالالتزام. ويكون تأثيرها عادةً قوي للغاية، ومن المحتمل أن ينمو إلى علاقات حب لاحقًا.
  • الحب الخاوي: عند وجود الالتزام فقط، وغياب الحميمية والرغبة نحصل على علاقات الحب الخاوي. ويظهر هذا كمرحلة أخيرة في العلاقات التي تسوء بمرور الوقت فيقرر طرفاها الالتزام من أجل الأطفال أو المظهر العام أو أسباب مادية. أو كمرحلة أولى في علاقات الزواج التقليدي التي تتم بدون معرفة مسبقة.

وثانيًا، العلاقات ذات العنصرين:

  • الحب الرومانسي: عند وجود الحميمية والرغبة وغياب قرار الالتزام نحصل على الحب الرومانسي. وهي علاقات تقوم على القرب والتواصل الجسدي دون أي قرار بالالتزام على المدى الطويل.
  • العشرة/الصداقة المقربة: عند وجود الحميمية والالتزام وغياب الرغبة نحصل على علاقات مثل الصداقة المقربة أو الزواج بدون جنس. أي علاقات تقوم على القرب وقرار الالتزام دون أي اتصال جسدي.
  • الحب الوهمي: عند وجود الشهوة والالتزام وغياب الحميمية نحصل على علاقات الحب الوهمي أو الحب الأبله. ونجد هذا في علاقات الزواج المتسرع قصير المدى.
  • أما عند غياب العناصر الثلاث نحصل على علاقات اللاحب، وهي العلاقات التي تربطك بالغريب الذي يمر بجانبك في الشارع. فلا توجد حميمية ولا شهوة ولا قرار بالالتزام.
  • وأخيرًا، الحب المتكامل وهو الحب الذي يتضمن العناصر الثلاث بدرجات متفاوتة خلال مراحل مختلفة من العلاقة. وهو الشكل الأمثل للحب في نظر ستيرنبرج.

كيف يحدث الحب؟

بحث علماء النفس الاجتماعي في الحب، وحاولوا فك شفرته، لكن جميع التجارب والنتائج التي وصلت إلينا تخص الانجذاب وليس الحب. باعتباره الخطوة الأولى التي يمكن أن تتطور لاحقًا إلى علاقات حب. وبهذا توصل علماء النفس إلى سبع عوامل/متغيرات لحدوث الانجذاب، منها ثلاثة عوامل رئيسية واضحة التأثير، وأربعة عوامل أخرى قوية أيضًا لكنها أقل وضوحًا وربما يغفل عنها الكثير.

أولًا، العوامل الثلاث الرئيسية:

  • «التقارب-Proximity»

هل حلمت يومًا بالغريب المثالي الذي ستلتقيه صدفة في ليلة ماطرة، تتبادلان حديثًا رائعًا ثم تقعان في الحب؟ باختلاف بعض التفاصيل -من المحتمل أنه صباح صيفي لا ليلة ماطرة- يمكننا القول أن أغلبنا اختبر هذا الأمر، الذي يمكن أن نصفه بالخرافة الثقافية. فيرى علماء النفس أنه من المرجح أنك ستنجذب لشخص مجاور لك، شخص يقع في حيز مكاني قريب عوضًا عن الغريب الرائع، وهذا هو مبدأ التقارب.

  • «التشابه-Similarity»

هل سمعت عن القاعدة الفيزيائية أن الأقطاب المتشابهة تتنافر والمختلفة تتجاذب؟ ربما سمعت بها قبلًا ورأيت من حاولوا تطبيقها على علاقاتهم. لكن علماء النفس الاجتماعي أثبتوا فشلها، ووجدوا أنه كلما زاد التشابه بين شخصين كلما زادت احتمالية انجذابهما لبعضهما. وذلك لعدد من الأسباب أهمها: أنه شعور رائع! تواجدك مع شخص يشبهك في نفس المكان يسهل التواصل بينكما، ويعطي نوع من التوكيد لكل منكما عندما تتبنيان نفس الرأي. فتزيد الثقة فيما تقولان وتتحمسان لقول المزيد.

  • «الألفة-Familiarity»

عرض العلماء مجموعة من الكلمات بلغة غريبة على عدد من الأشخاص لثوان معدودة، ثم عرضوا مجموعة أكبر من الكلمات الغريبة من بينها الكلمات التي رآها المشاركون سابقًا، ثم سألوهم: مع العلم أنكم لا تعرفون معنى أى من هذه الكلمات لكن أيها تفضلون؟ وجاءت إجابات المشاركين أنهم يفضلون الكلمات القديمة التي رأوها في المرة الأولى، حتى وإن لم يتذكروا رؤيتها من قبل!

وهذا هو تأثير الألفة، الذي يمكن تطبيقه على البشر بكل تأكيد. فيجد علماء النفس أننا نميل وننجذب للأشخاص اللذين نألفهم ونشاركهم نفس البيئة.

العوامل الأقل وضوحًا

الأربعة عناصر الأقل وضوحًا وهم:

  • «تأثير السقوط-Pratfall Effect»

من المعروف أننا ننجذب للأشخاص المهرة الأكفاء، الذين يدرون دورهم في الحياة. وهذا أمر طبيعي تمامًا لكنه غير مشوق، فمتى تحدث الإثارة؟

تحدث الإثارة حينما يرتكب الشخص الماهر خطأ أحمق، فيتضاعف إعجابنا به! وهذا ما يُعرف بتأثير السقوط. يشعرنا وقوع الشخص الماهر في الخطأ بشعورًا جيدًا حيال أنفسنا، نراه فجأة أكثر إنسانية وتواضعًا وقربًا، ونشعر أنه يشبهنا في نهاية المطاف، فننجذب له أكثر.

أشهر التجارب التي تفسر تأثير السقوط قام بها العالم إليوت أرنسون وجاءت النتائج مذهلة. أُجريت التجربة على طلاب جامعيين، طُلب منهم الاستماع إلى تسجيل صوتي للمتقدمين إلى تمثيل الجامعة في مسابقة تليفزيونية. التسجيل الأول لطالب مثالي، يحصل على علامات ممتازة ويشترك في كثير من الأنشطة. والتسجيل الآخر لطالب متوسط، علاماته جيدة، وأقل انخراطًا في أنشطة الجامعة. ثم سُأل المشاركون عن الطالب الذي يفضلونه؟

فذهب أغلبهم بالطبع إلى اختيار الطالب المثالي. لكن الأمر لم يتوقف هنا، استمر التسجيل الصوتي وسمع الطلاب قرقعة وضوضاء وبعدها شخص يقول: “اللعنة، لقد سكبت القهوة على بذلتي الجديدة”، سُأل المشاركون مجددًا عن الطالب الذي يفضلونه، فارتفع تقديرهم للطالب المثالي الذي سكب القهوة كثيرًا. ولسوء الحظ، انخفض تقديرهم للطالب المتوسط الذي سكب القهوة أكثر. وبهذا وجد ارنسون أن تأثير السقوط يعمل في كلا الاتجاهين، فيرفع من جاذبية الشخص الماهر، ويقلل من جاذبية الشخص المتوسط.

الجاذبية الجسدية

المظهر هو أحد الأمور المزعجة التي يرفض أغلبنا الاعتراف بأهميتها، فنقول لأنفسنا أنه ليس عادلًا أن الانجذاب الجسدي له أهمية في الحياة، خصوصًا إذا وجدنا أنفسنا خارج تصنيف الجاذبية الجسدية. وإذا سألت مجموعة من طلبة الجامعة عن الصفات التي يبحثون عنها في علاقاتهم، سيقولون لك صفات مثل التفاهم والذكاء وحس الفكاهة والتعاون، أما المظهر فليس هامًا للغاية. أما الحقيقة أنه إذا قابلت شخصًا للمرة الأولى، ولم يعجبك مظهره فمن المرجح أنك لن تراه ثانيةً.

أحد الدراسات التي بحثت أهمية الجاذبية الجسدية تُدعى «تجربة الشعر المستعار المجعد-The frizzy wig experiment». استعان القائمون على هذه التجربة بممثلة يراها أغلب الناس جذابة، وغيروا مظهرها لتصبح أقل جاذبية باستخدام شعر مستعار مجعد. كانت الممثلة تقابل مجموعة من الشباب وتطرح عليهم عددًا من الأسئلة ثم تعطيهم تقييمًا. وعندما كانت الممثلة أقل جاذبية لم يهتم المشاركون بتقييمها سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا. أما عندما ظهرت الممثلة بهيئتها الجذابة، فرحوا بتقييمهم الإيجابي كثيرًا، واستاء هؤلاء الذين حظوا بتقييم سلبي، بل وطالبوا بإعادة المقابلة!

وهكذا توضح لنا هذه التجربة أننا نتأثر برأي الأشخاص الجذابين، ونعطيه أهمية كبيرة على عكس الأشخاص الأقل جاذبية. وهذا أمر غير عادل وغير منطقي لكنه عمليًا موجود. وتوضح أيضًا التناقض الكلاسيكي بين ما نعتقد أنه تافه وغير هام، وما يُثبت عمليًا أنه أكثر أهمية. لكن لحسن الحظ تثبت هذه الدراسات أيضًا أن الجاذبية الجسدية مهمة في تحديد نجاح المقابلات الأولى فقط، أما نجاح العلاقات على المدى الطويل فيحدده عوامل أقل سطحية من المظهر بالطبع.

«تأثير المكسب والخسارة-Gain loss effect»

هناك صفة تطورية اكتسبها البشر على مر الزمان، وهي حساسيتهم وانتباههم للتغيير. وهذا أمر طبيعي لأن الاستقرار يعني الأمان، أما التغيير فهو مؤشر للخطر أو فرصة جديدة، وقد يساعد التنبه لهذا التغيير على الاستمرار والبقاء. لكن كيف يحدث هذا في حالات الحب والانجذاب؟
هناك شخصان، أحدهما يحبك ويظهر مشاعره لك بصورة مستمرة، والآخر ينمو انجذابه لك مع الوقت. أيهما سيجذب انتباهك أكثر؟
الإجابة هي الشخص الثاني، الذي ينمو تقديره لك مع الوقت، حتى وإن كان متوسط مشاعره أقل من الشخص الأول. وهذا هو تأثير المكسب. التغير المفاجيء والنمو التدريجي للمشاعر يجذب الانتباه أكثر من المشاعر الثابتة.
ويمكن تطبيق ذلك أيضًا على المشاعر السلبية، فلا يقع عليك الأذى بسبب شخص يكرهك ويُظهر لك هذا دائمًا. وإنما يأتي الألم من تقدير الأشخاص المرتفع الذي يتلاشى بمرور الوقت. وهذا هو تأثير الخسارة، أو تحول المشاعر من إيجابية إلى سلبية بمرور الوقت.

«الإسناد الخاطيء لأسباب الإثارة-Misattribution of arousal»

يحدث هذا الأمر عندما تشعر بالإثارة الجنسية لكنك لا تعلم السبب، فتفسره تفسيرًا خاطئًا وتعتقد أنه حب أو انجذاب.
ولفهم هذا العامل ودوره في حدوث الانجذاب قام العلماء بعدد من التجارب، أشهرها «تجربة الجسر المتهالك-Rickety bridge experiment»، أُجريت هذه التجربة على جسر عالٍ ومتهالك يقع في مدينة فانكوفر بكندا، وعلى جسر آخر أكثر استقرارًا وثباتًا يؤدي إلى نفس الوجهة. استعان العلماء بممثلة جذابة، كانت تستوقف الذكور الذين يعبرون كلا الجسرين وتطلب منهم مساعدتها في استبيان ما ثم تعطيهم رقمها وتخبرهم أن يتواصلوا معها إذا أرادوا معرفة النتيجة.

وجد القائمون على التجربة أن هؤلاء الذين عبروا الجسر المتهالك اهتموا بالممثلة وتواصلوا معها بالفعل، على عكس هؤلاء الذين عبروا الجسر الآمن. وفسر العلماء ذلك أن عبور الجسر المرتفع المتهالك مرتبط بزيادة ضربات القلب وسرعة التنفس والتعرق. لذلك أسقط المشاركون هذه الإثارة على الممثلة الجذابة واعتقدوا أنهم منجذبون لها.

قام العلماء بتجربة أخرى طلبوا من المشاركين فيها وضع سماعات رأس تضخم صوت ضربات القلب بينما يتصفحون أحد المجلات الإباحية، ثم اختيار صورتهم المفضلة. جاءت النتائج أن أغلب المشاركين اختاروا الصورة التي زادت ضربات قلبهم عند رؤيتها. لكن الحيلة هنا، أنهم لم يستمعوا إلى نبص قلبهم الحقيقي وإنما إلى تسجيل صوتي لضربات القلب يقوم المسئول بتسريعه عشوائيا عند أي صورة. وبهذا يقع هؤلاء الأشخاص في فخ الإسناد الخاطيء للإثارة، فيعتقدون أن ضربات قلبهم المتسارعة دليل على الانجذاب والحب.

وهنا يجب القول أن هذا المفهوم تحديدًا له آثار أكثر خطورة في الواقع، منها: ضحايا العلاقات المسيئة والعنف المنزلي. ما يحدث أن هؤلاء الأشخاص لا يدركون أنهم في علاقات مسيئة، حيث يسبب لهم الصراخ والشجار والغصب إثارة من نوع ما، تُترجم خطئًا أنها حب. فيرددون عبارات مثل: لم يكن ليصرخ بي لو لم يكن يحبني. وبالطبع هذا خاطيء وغير حقيقي تمامًا.

خاتمة

تعرفنا على نظرية مثلث الحب لستيرنبرج، والعناصر الثلاثة الضرورية التي وضعها لتكامل الحب وتمامه، وهي الحميمية والشهوة والالتزام. بالإضافة إلى أنواع الحب المختلفة التي تنشأ عند وجود عنصر واحد فقط أو اثنين أو لا شيء على الإطلاق. كما تعرفنا على سبع عوامل تؤثر في حدوث الانجذاب الذي يمكن أن يتطور إلى حب. منها ثلاث ذات تأثير واضح وهي التقارب والتشابه والألفة. وأربع أقل وضوحًا وهي تأثير السقوط والانجذاب الجسدي وتأثير المكسب والخسارة واالإسناد الخاطيء للإثارة. لذا ربما حين تجتمع بأصدقائك المرة القادمة، ناقشوا علاقاتكم في ضوء عناصر الحب الثلاث لستيرنبرج، وربما تصدمك النتائج!

اقرأ أيضًا: متلازمة ستوكهولم: تعاطف الضحية مع جلادها

المصادر

أهمية الذاكرة في عملية التعلم

يعتمد التعلم بشكل أساسي على استرجاع المعلومات والبيانات والخبرات التي -تم تخزينها مسبقًا- من الذاكرة، إذن الذاكرة هي لُب موضوع التعلم، فما أهمية الذاكرة في عملية التعلم؟ وإلى أي مدى يعتمد التعلم على الذاكرة؟ وما هي أبرز العوامل التي يمكنها أن تحفز الذاكرة؟ وكيف يمكن استغلال أبسط المهارات والعادات الخاصة بك في القيام بذلك؟

تخيل طفلًا يحاول ربط حذائه لأول مرة، إدًا فذاكرة هذا الطفل تخلو من أي خبرة أو معلومة مسبقة عن ربط الحذاء. يحتاج هذا الطفل إلى مشاهدة كيفية ربط الحذاء مرات، مستمعًا إلى تعليمات تساعده على المعرفة أحيانًا! يلجأ للتقليد تارةً. يستمر الطفل في محاولاته مرات ومرات مع إحراز التقدم البسيط في كل مرة.

إن كل ما يحتاجه الطفل هو التدريب وتنويع أساليب التحصيل. فهذا الجهد الذي قام به الطفل يسمى بالتعلم. وفي نهاية المطاف عندما يتوصل الطفل أخيرًا إلى ربط حذائه بسرعة، مسترجعًا ما تلقى من مهارات ومعلومات، يتجلى هنا دور الذاكرة، حيث استرجاع المعلومات بالترتيب التسلسلي.

إذًا فالذاكرة والتعلم وجهان لعملة واحدة، فالذاكرة هي السر الكامن وراء عملية التعلم، فيشير الأخير إلى عملية اكتساب المهارات والخبرات، بينما تنطوي الذاكرة على التعبير عما تعلمته. لكن لماذا نجد على المستوى المدرسي مكافحة الطلاب قبل الامتحان من أجل تذكر المعلومات التي تعرضوا إليها قبل أسابيع قليلة، على الرغم من شعورهم بالثقةِ الكاملة في فهمها حين تلقوها لأول مرة؟ إذًا ماذا حدث؟ ولِمَ لمْ تستقر تلك المعلومات فترة أطول؟

دعنا نُجِيبُك بنتيجة دراسة أشارت إلى أن الناس ينسون قُرابة ٨٠٪ مما يتعلمونه بعد مرور يومٍ واحد فقط! إذا لم يعتمدوا أساليبًا وعاداتٍ مختلفة للدراسة، والتي تساعد الذاكرة على تحويل المعلومات التي استقرت في الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.

الذاكرة والنوم.

النوم هوأبرز العوامل والعادات التي تدعم الذاكرة، وتعمل على تعززيها. فعلى الرغم من أن فترة الاستيقاظ هي أفضل وقت للتعلم؛ إلا أن النوم يوفر الظروف المثلى لمعالجة المعلومات الخارجية بشكل كبير، وبالتالي يساعد في عملية التعلم. لكن كيف تعزز حالة النوم الخاصة بك؟

يمكنك اعتبار النوم عادة كأي عادة يمكن أن تتطور وينالها التحسين إذا توافرت لها الظروف المساعدة لذلك مثل:

  • الحرص على الحصول على عدد ساعات النوم اللازمة، على الرغم من إختلاف هذا المُعدل من شخص لآخر، إلا أن عدد ساعات النوم المُثلى للأشخاص البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٦٤ عامًا هي بين ٧ و ٩ ساعات من النوم المتواصل والمنتظم أسبوعيًا، وذلك حسب منظمة النوم الوطنية الأمريكية Sleep Foundation –
  • تجنب تناول الكحول، الكافيين، التبغ والوجبات الغير صحية خصوصًا في المساء.
  • تقليل التعرض للضوء الأزرق الناتج عن الأجهزة الإلكترونية كالهاتف والكمبيوتر المحمول.
  • احرص على أن تكون بيئة النوم الخاصة بك باردة، خالية من مصادر الضوضاء وكل ما يتعلق بالعمل أو الترفيه.
  • يمكنك اللجوء إلى الغفوة القصيرة، فإذا شعرت بأن طاقتك وقدرتك على التركيز بدأت في الانخفاض أثناء وقت التعلم؛ يمكنك أخذُ قسطًا من الراحة تحديدًا غفوة قصيرة، بشرط ألا تزيد عن ٢٥ دقيقة ولا تقل عن ١٠ دقائق. حتى تستطيع النيلُ من  بعض فوائدها مثل تهيئة الذاكرة قصيرة المدى لاستقبال المعلومات وربط بعضها البعض.

الخرائط الذهنية – Mind Mapping

غالبًا ما تنتشر مشكلة أخرى لدى الطلاب، ألا وهي خلط المعلومات وصعوبة تنظيم وتحليل وتقييم الأفكار. هنا يمكن للخرائط الذهنية أن تصبح حلاً بسيطًا وممتعًا. فما هي الخرائط الذهنية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تساعد في استرجاع المعلومات والأفكار؟

الخرائط الذهنية هي أداة الدماغ التي يمكن من خلالها أن يحتفظ بالمعلومات وربط الحديث منها بالقديم. ويمكنك القول بأنها كائنات تستطيع أن  تصممها بنفسك، فمن الممكن أن تأخذ أشكالاً متعددة لذا فهي مرنة تساعد المتعلم على التفكير، التذكر، خلق والانتقال بين العناصر والأفكار بسهولة، وتتميز الخرائط الذهنية بأنها :

  • بسيطة، مرنة مما يجعلها تساعد على توضيح الاختلافات بسهولة.
  • يمكن العمل بها في كل المراحل التعليمة، حتى المبكرة منها، فهي تصلح لأي محتوى دراسي.
  • تضع أمام أعين المتعلم ما تعلمه حقًا وما هو بحاجة إلى إعادة المراجعة، فتسمح للتعديل بسهولة.
  • التدرج في وصف وتحليل المعلومات بالأسلوب المناسب للطالب.

أما عن بعض فوائد الخرائط الذهنية فهي:

  • تعمل على تعزيز قدرات المتعلم في توليد الأفكار، وجمعها وترتيبها، وبالتالي سهولة استرجاعها في المشكلات المقبلة سواءً كانت مواقف حياتية أو اختبارات دراسية.
  • تعمل الخرائط الذهنية على التعبير بسهولة عن المعلومات والأفكار بأكثر من أسلوب.
  • تساعد على تعلم كم كبير غير مألوف من المعلومات، وتنظيم المعلومات بشكل كبير. وذلك بمساعدة الرسوم والأشكال التي يستطيع المتعلم إنشاؤها خلال رسم الخرائط.
  • تزيد من فعالية التعلم. حيث تعمل على ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات السابقة، وذلك من خلال إجبار عقلك على إجراء الروابط بين ما تعرفه وما تعلمته للتو.

دعنا نزيدك من الشعر بيتًا، فنضعُ بين يديك بعض العوامل الأخرى التي يمكنها أن تزيد من كفاءة الذاكرة الخاصة بك نذكر بعضها:

  • أنشئ مساحة التعلم الخاصة بك، حدد مكانًا متميزًا واجعله خاصًا بالتعلم، فلا تستخدمه لأنشطة أخرى كالنوم ومشاهدة التلفاز -قدر الإمكان- .
  • استمتع بفترات راحة منتظمة هنلك بعض الممارسات البسيطة التي قد تساعدك كالوقوف كل فترة أثناء فترة الدراسة أو التمدد، يمكنك أيضًا أن ترِح عينك كل ٢٠ دقيقة.
  • إذا كنت تمارس التعلم عبر الانترنت؛ فأبعد العناصر المُشتتة عنك، كنوافذ المتصفح غير ذات الصلة بالتعلم الخاص بك، اغلق أيضًا إشعارات الهاتف الخاص بك.
  • نظم وقتك، ضع جدولاً زمنيًا، اتبع روتين يومي صحي، يحقق لك أفضل استفادة ممكنة من الوقت المتاح لديك. نظم أسلوب الدراسة الخاصة بك، نظم مواعيد التعلم والدراسة، وكُن على عِلمٍ بمواعيد الاختبارات ليكون لديك الوقت الكافي للمراجعة.
  • كُن لطيفًا مع نفسك. حدد أهدافًا معقولة،احرص على تقييم نفسك باستمرار، ولا تتوقع إنتاجية عالية حتى لا يتفاقم التوتر لديك.

إن التعلم رحلة تنتهي بانتهاء الحياة. رفيقك المخلص فيها هي الذاكرة، فلا فائدة من علمٍ لا تسعه الذاكرة. وحرصك على الرعاية الذاتية بإتباع أفضل الممارسات من خرائط ذهنية، نومٍ كافٍ منتظم وإدراك وإتقان العادات الصحية في جميع نواحي الحياة، يؤهلك للحظي بذاكرةٍ أقوى. وكلما حظيت على ذاكرة أقوى كلما حَصُلت على فرص أنجح وأكثر فعالية في التعلم.

اقرأ أيضا: كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟

المصادر :

NCPI
lumenlearning
edx
Simple mind
business

Exit mobile version