أنواع البيانات في الأبحاث الطبية

عندما نقوم بإجراء بحثٍ طبيٍ ما، ينتج لدينا الكثير من البيانات، ولا ندري ماذا نفعل بمعظمها! لذلك عرّف الباحثون جميع المصطلحات المتعلقة بالعديد من أنواع البيانات في الأبحاث الطبية، ووضعوا تصنيفات لها تسهل على الطالب والباحث التعامل معها. فمن المهم أن نعرف ما هي البيانات التي بين أيدينا عندما نقرأ بحثًا ما، حتى نعرف ما الذي يدور حوله البحث. لذا سوف نتعرف معًا على بعض أهم المصطلحات المستخدمة لوصف البيانات، والتي ستفيدك كثيرًا عند قراءتك لورقة علمية.

البيانات التصنيفية أو الفئوية

لنفترض أنك تريد شراء سيارة، ذهبت إلى معرض السيارات، أمامك الكثير من السيارات، مواصفات مختلفة لكل منها، الموديل، اللون، رياضية أو دفع رباعي.. والعديد من البيانات الأخرى. ما تراه أمامك هو ما نسميه “البيانات المصنفة” أو Categorical Data، وهي بيانات لا تفاوت أو ترتيب معين بينها. مثلًا تأتي السيارات بجميع الألوان المعروفة، ولكننا لا نستطيع تريبها أو تفضيل لون على آخر، لدينا اللون الأصفر والأخضر والأحمر و… ولا نستطيع وضع هذه الألوان وفق ترتيبٍ ما، لذا يجب التعامل معها وتحليلها بشكل منفصل، كلٌ منهم له فئته الخاصة. هذا ينطبق على الأشخاص أيضًا، لدينا الجنس والعرق والحالة الزوجية، ولا يمكن وضع ترتيب معين لهذه التصنيفات.

نرشح لك: طريقك إلى فهم الأبحاث الطبية: أقسام الورقة البحثية

البيانات المستمرة

وهي البيانات التي يمكن قياسها. بالنسبة للسيارات مثلًا، فهي السرعة والوزن والتسارع.. أما بالنسبة للأشخاص، مستوى ضغط الدم والكوليسترول والوزن والعمر. أي أنه يوجد علاقة ذات معنى بين هذه البيانات، فشخص ضغط دمه 120 ميلليمتر زئبقي يمكن مقارنته مع شخص آخر ضغط دمه 140 ميلليمتر زئبقي!

البيانات الترتيبية

بعض البيانات لا يمكن التعامل معها رياضيًا بشكل مثالي. مثلًا، إذا سألتك عن رأيك بسيارة شيفروليه ماليبو على مقياس من 1 إلى 10، يمكن وضع النتائج في ترتيب معين بالتأكيد، فالستة أكبر من السبعة والسبعة أكبر من الثمانية. لكن، هل الرقم 8 على هذا المقياس أفضل مرتين عن الرقم 4؟ عندما نتحدث عن مقياس بهذا الشكل لا تكون العلاقة دقيقة بين الأرقام. في الأبحاث الطبية، إذا كنا نتحدث عن مستوى التعليم، ابتدائي، إعدادي، ثانوي، جامعي، بعد الجامعي.. يمكننا وضع هذه البيانات في ترتيب معين، لكن هل يمكننا أن نقول كم يزيد مستوى التعليم الجامعي عن الثانوي؟ بالطبع لا يمكن تحديد الأمر بدقة، وهذا ما نسميه البيانات الترتيبية أو Ordinal Data.

البيانات الطبيعية

بالعودة إلى البيانات المستمرة، السؤال الذي يُطرح غالبًا، هل هذه بيانات طبيعية أم لا؟ هذه عبارة اصطلاحية، فالطبيعي هو مفهوم احصائي محدد، لا يعني أنه اعتيادي أو مثالي. يمكننا تعريف البيانات الطبيعية على أنها البيانات التي تتوزع على شكل منحنى الجرس، وهو منحنى رياضي على شكل قمة تتوسط منحدرين. وندعوها بالبيانات الطبيعية لأن العديد من الأمور في الطبيعة والفيزياء عند قياسها تتوزع على نمط منحنى الجرس. على سبيل المثال، إذا سألت عن متوسط طول السكان في الولايات المتحدة مثلًا، ما ترونه هو منحنى الجرس (في الشكل أدناه)، لاحظ وجود ذروة في المنتصف، وهو يخبرنا أن متوسط الطول يعادل 176 سنتيمتر تقريبًا، وعلى جانبي القمة هنالك قيم أقل تكرارًا وأكثر ندرة. هذا ما يتحدث عنه الباحثون عندما يصفون عينةً ما بأنها موزعة طبيعيًا أو Normally Distributed.

مخطط يوضح توزع متوسط طول السكان في الولايات المتحدة

قد يهمك أيضًا: طريقك إلى فهم الأبحاث الطبية: كيف تُجرى الأبحاث؟

البيانات الغير طبيعية

لا يمكن لجميع البيانات أن يكون لها توزع طبيعي. مثلًا عند النظر إلى منحنى يصف توزع السكان حسب العمر، لا يمكن أن ترى منحنى الجرس! ببساطة هذه بيانات غير طبيعية، تعرض هذه البيانات وجود الكثير من الناس في أعمار مختلفة، وصولًا حتى الـ 99 حيث يتناقص العدد إلى الصفر تقريبًا. وتتطلب مجموعة من المعادلات الخاصة حتى نتمكن من الاستفادة منها.

مخطط يوضح توزع السكان حسب العمر

البيانات النوعية

كل ما سبق من أنواع البيانات في الأبحاث الطبية التي تحدثنا عنها قابلة للقياس الكمي إلى حدٍ ما. أما البيانات النوعية فهي مختلفة تمامًا لكنها مفيدة جدًا. مثلًا لدى سؤالك مجموعة من المرضى يعانون من حالة طبية معينة، ما الذي يزعجك؟ كيف يؤثر هذا المرض على طريقة حياتك؟ كيف تتمنى أن نساعدك؟ سوف تحصل على مجموعة واسعة ومختلفة من الإجابات، من الصعب قياسها أو مقارنة إجابة بأخرى، لذلك تختلف البيانات النوعية Qualitative Data بشكل جوهري عن غيرها من البيانات.

ملخص للتذكير بأهم النقاط

  • هناك بيانات تسمى بيانات تصنيفية ومستمرة وترتيبية.
  • تكون البيانات المستمرة إما طبيعية أو غير طبيعية
  • تناسب البيانات الطبيعية الإحصائيات، بينما تتطلب البيانات اللاطبيعية تتطلب أدوات خاصة.
  • تقدم البيانات النوعية رؤىً جديدة ومهمة، لكنها غير قابلة للقياس أو الإحصاء.

المصادر

القراءة بصوت عالٍ تُعزز الذاكرة طويلة المدى

غالبًا ما ينسى المرء موعدًا على الرغم من كتابة التاريخ في التقويم، ولكن يتم تذكر الموعد إذا ذكره أحد الزوجين أو أحد الأصدقاء عن غير قصد.
كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة القوية للذاكرة، والتي لوحظت في المختبر والحياة اليومية على حدٍ سواء؟ في هذت المقال سنعرف ما سبب أن القراءة بصوت عالٍ تُعزز الذاكرة طويلة المدى!

أُجريت دراسة حديثة لـ Waterloo أطلق عليها العلماء اسم «تأثير الإنتاج-production effect»، والتي اختبرت أربع طرق لتعلم المعلومات المكتوبة، بما في ذلك القراءة بصمت، وسماع شخص آخر يقرأ، والاستماع إلى تسجيل للقراءة الذاتية، والقراءة بصوت عالٍ.
فيما بعد توصلت الدراسة التي أجريت على 95 مشاركًا إلى أن الفعل المزدوج للتحدث والاستماع إلى الذات أثناء الدراسة هو الذي له التأثير الأكثر فائدة على الذاكرة.

الدراسة بواسطة تأثير الإنتاج؟

لعل السؤال الذي راودك الأن ما الذي تقصده بتأثير الإنتاج، إليك ملخص سريع.
يصف تأثير الإنتاج كيف أن القيام بشيء ما حيال شيء ترغب في تذكره يساعد في زيادة فرص ترسيخه في الذاكرة طويلة المدى.
بمعنى أخر، إذا أنتجت شيئًا ما من المعلومات الجديدة على الفور، فإنه لا يقلل فقط من عوامل التشتيت المتداخلة ولكنه أيضًا يقوي التشفير ويسرع تكوين الذاكرة طويلة المدى.

أهم أنشطة الإنتاج!

قد تشمل أنشطة الإنتاج الشائعة استخدام المعلومات الجديدة بطريقة جديدة، لتطبيقها في نوع من النشاط، مثل حل مشكلة، أو الاستماع إلى نفس المعلومات في نفس الوقت الذي تقرأ فيه أو النظر إليه، أيضًا قد تكون طريقة الإنتاج الأكثر شيوعًا هي تدوين الملاحظات المكتوبة بخط اليد أثناء تقديم المعلومات الجديدة.

رأي العلماء!

كولين إم ماكليود، أستاذ ورئيس قسم علم النفس في واترلو، والذي شارك في تأليف الدراسة مع المؤلف الرئيسي، نوح فوررين، قال: “هذه الدراسة تؤكد أن التعلم والذاكرة يستفيدان من المشاركة النشطة، عندما نضيف مقياسًا نشطًا أو عنصر إنتاج إلى كلمة، تصبح هذه الكلمة أكثر تميزًا في الذاكرة طويلة المدى، وبالتالي تكون أكثر قابلية للتذكر.”

المصادر:

innerdrive
sciencedaily
webmd

اقرأ المزيد حول: ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل

طريقك إلى فهم الأبحاث الطبية: أقسام الورقة البحثية

تحدثنا في مقالٍ سابقٍ (هنا) عن الأبجدية المتعلقة بالبحث العلمي، كيف ينطلق الباحث في المجال الطبي من الفكرة مرورًا بإجراء التجارب ووصولًا إلى كتابة الورقة البحثية ونشرها. في هذا المقال سوف نتحدث عن أقسام الورقة البحثية ومكوناتها. فالورقة البحثية وثيقة شديدة التنظيم، هنالك قواعد معينة لكتابتها، مما يعني وجود قواعد لقراءتها أيضًا، وليس الأمر بالصعوبة التي تتخيلها. وهو أمر بالغ الأهمية، فلا يستقيم للمرء قراءة أي ورقةٍ بحثيةٍ دون معرفة الأساسيات والأقسام التي تتألف منها.

العنوان Title

هو أول ما تقع عليه العين في الورقة البحثية، فعدد من يقرأ العنوان فقط أكبر بكثير ممن يقرأ الورقة كلها. لذا يجب انتقاء مفرداته بعناية، وصياغته بشكل جيد ومعبرٍ وواضح، بحيث يصف موضوع الورقة بدقةٍ وإيجاز. إذًا يمكننا تعريف العنوان الجيد بأنه “العنوان الذي يصف محتوى الورقة في أقل عدد ممكن من المفردات في غير إسهاب أو اقتضاب”.

عند قراءة عنوان ورقة ما، على القارئ أن يسأل نفسه، هل ذُكر في العنوان إجراءٌ أو تشخيصٌ ما، أو تعَرّض لمادة أو لممارسة معينة؟ وما هي النتيجة أو المخرجات؟ لا تقلق، أعلم تمامًا أن الكلام هنا غير مفهوم تمامًا وهذا أمر عادي، سنأخذ مثالًا صغيرًا للتوضيح.

لنأخذ العنوان الآتي:

“Gingko Biloba extract improved cognitive and neurological functions of acute ischemic stroke, a randomized controlled trial.”

الإجابة عن السؤال الأول المطروح أعلاه تكمن في الكلمات الثلاث الأولى، Gingko Biloba extract، وتعني خلاصة نبتة الجينكو بيلوبا، وهي ما سيتعرض له المشاركون في التجربة. أما المُخرج أو النتيجة هو تحسن الوظيفة الإدراكية والعصبية cognitive and neurologic function. أما كيف قيست النتائج وقُيمت فغير مهم وجودها في العنوان، لكن المهم هو القدرة على معرفة ماهية الإجراء المتبع (أو ما يسمى التَعرض Exposure) والنتيجة (Outcome) من خلال العنوان.

الملخص Abstract

هو النسخة المصغرة عن الورقة البحثية، يحتوي على الأفكار الأساسية الموجودة في الورقة، مختصرةً وبعيدةً عن التفصيل. الجميل في الأمر أنه يوفر عليكم عناء قراءة الورقة كلها، فكل ما عليكم هو قراءة الملخص، لتقرروا فيما بعد إن كانت هذه الورقة هي ما تبحثون عنه أم لا، بالإضافة إلى كونه مجانيًا ومتوفرًا دون عوائق الدفع أو الاشتراك في المجلات.

يختلف الملخص في شكله ومحتواه باختلاف المجلة، لكنه عمومًا يعطيكم فكرة عن أهمية الموضوع الذي تتطرق له الورقة، بالإضافة إلى المنهجية وتصميم التجارب، والنتائج والاستنتاج الأخير.

المقدمة أو الخلفية Background or Introduction

هذا الجزء فيه إجابةٌ عن أسئلةٍ مهمة، لماذا نجري هذه الدراسة في المقام الأول؟ ما أهمية هذه الورقة وما الذي تضيفه؟ ما هي الفرضية التي تقوم عليها؟ فالمقدمة إذًا تعرض طبيعة المشكلة وأبعادها، توضح أهمية الدراسة وهدفها والغرض منها، تقدم تعريفًا عامًا عن الموضوع المدروس ولمحة عن المحتوى العلمي الحالي، بشكل يدعم الأسئلة التي تطرحها الدراسة.

المنهجيات والمواد Methods & Materials

لأكون صريحًا معكم، هذا هو الجزء الذي اعتدت تجاوزه عند قراءة أي ورقة! ولن أبالغ إن قلت لكم أن معظم الناس تقوم بذلك أيضًا! لكن قسم المنهجيات من أهم أقسام الورقة البحثية ، فهو يوضح لكم طبيعة الأشخاص المشاركين في التجربة وفئاتهم العمرية وحالتهم الصحية، ولماذا ضممناهم إلى التجربة (معايير الاختيار)، ما الأدوات والأجهزة التي استخدمت في القياسات والتحاليل المختلفة، كيف أُخذت العينات (طريقة الاعتيان)، وما الطريقة الإحصائية المتبعة، والاعتبارات الأخلاقية والتصاريح أو الموافقات الرسمية في حال تطبيق التجارب على البشر.

هذا القسم إذًا يتضمن تفصيلًا للإجراءات المتبعة والمنهجية المستخدمة خلال مراحل التجربة. فهو يهدف إلى إعطاء تفاصيل نظرية دقيقة بحيث يتمكن أي شخصٍ مدربٍ بشكل صحيح من إعادة التجارب بنفسه للوصول إلى نفس النتائج. فلا يجب أن يَترك هذا القسم مجالًا للتساؤل عن أي خطوة من الخطوات المجراة.

النتائج Results

تبدو الأمور هنا مثيرة بعض الشيء.. يتضمن هذا القسم عرضًا للأرقام والمشاهدات التي توصلنا إليها من خلال القياسات والإحصائيات المجراة. يجب أن تُعرض النتائج والمخرجات كما هي، بحيادية تامة، بلا تعديل أو تحوير، وبدون تقديم افتراضات حولها أو مناقشتها، فهذا القسم للبيانات الخام فقط. يحتوي هذا القسم أيضًا على المخططات والرسوم البيانية التي تساعد على عرض النتائج.

المناقشة Discussion

وهو القسم الذي يعرض فيه الباحثون تفسيراتهم المحتملة حول النتائج التي وصلوا إليها وتكهناتهم حول ماهيتها ومعناها. لذا يجب الإشارة إلى أكثر النتائج أهمية دون المبالغة في تقدير أهميتها! وعلى الباحث أن يكون حذرًا في انتقاء عباراته واستخدام عبارات متواضعة مثل: “توحي/تدعم نتائج الدراسة إلى…” بدلًا من استخدام “تثبت/تؤكد نتائج الدراسة..” أو استخدام عبارات من قبيل: “من المحتمل” أو “من المرجح” عند الحديث عن نتائج دراسته أو إبداء رأيه فيها.

تعتبر الأقسام الأربعة السابقة مكونات نموذج IMRAD (وهو اختصار لـ Introduction, Methods, Results & Discussion)، وهو النموذج الأكثر شيوعًا واستخداما من قبل الدوريات العلمية. لكن تجدر الإشارة لوجود أقسام أخرى في الورقة البحثية مثل القسم الذي يلي العنوان حيث يُذكر فيه الكُتّاب Authors أي الباحثون المشاركون والمشرفون، وقسم آخر اختياري للشكر والتقديرات Acknowledges، حيث تذكر فيه المساهمات الصغيرة منها الكبيرة، وقسم المصطلحات والكلمات المفتاحية Terms and keywords، اختياري أيضًا. بالإضافة إلى الخاتمة Conclusion، حيث تتكون من بضعة جمل تظهر أهمية الدراسة من خلال ربطها بالأبحاث المستقبلية مثلًا.

يبقى أن نشير إلى أهمية ذكر المراجع References والمصادر التي اعتمد عليها الباحث، وهنالك أكثر من طريقة لإدراجها، إما في النص أو في الحواشي أو في قسم مخصص للمراجع. حيث ترتب وفق تسلسل ورودها في النص أو ترتيبًا أبجديًا، وهنا يطول الحديث عن طريقة توثيق الاقتباسات وقواعدها، مثل نمط الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، ونمط شيكاغو (CSE)، والعديد من الأنماط الأخرى التي سنفرد مقالًا آخر للحديث عنها لاحقًا، لما للموضوع من أهمية كبيرة. حيث يفيد التوثيق في اعتراف الباحث والناشر بفضل العمل الأصلي المقتبس منه، وتمكين القارئ من الرجوع إلى المصدر الأصلي. كما يساهم في الإشارة بوضوح إلى مصدر أفكار الباحث وتوثيقها، وبذلك يتجنب سرقة أفكار الآخرين وانتهاك الأخلاقيات العلمية.

لقراءة المقال السابق

طريقك إلى فهم الأبحاث الطبية: كيف تُجرى الأبحاث؟

المصادر

  • How to Write and Publish a Scientific Paper, 7th Edition. from here.
  • Understanding Medical Research Course. Coursera. from here.
  • Barbara J. Hoogenboom, R. (2012). HOW TO WRITE A SCIENTIFIC ARTICLE. International Journal Of Sports Physical Therapy7(5), 512. Retrieved from here.

التاريخ الكبير: كيف تموت النجوم؟

لنعلم كيف تموت النجوم علينا أولا أن نعلم ما هي النجوم وكيف تعمل.

كيف تعمل النجوم؟

لنأخذ الشمس على سبيل المثال، شمسنا ذات كتلة كبيرة جدا، فهي عبارة عن كرة عملاقة من الغاز الساخن، وبسبب هذه الكتلة، تتعرض نواة الشمس لضغط رهيب، مما يزيد حرارتها إلى 16 مليون درجة، وهي درجة جيدة جدا لحدوث الاندماج النووي، حيث تتحول في كل ثانية كمية كبيرة من الهيدروجين إلى الهيليوم بفعل الاندماج داخل نواة الشمس، تفقد الشمس 4 مليون طن من المادة في صورة حرارة كل ثانية، مما يخبرك بشيء بديهي، شمسنا لها نهاية، عمر شمسنا هو 4.5 بليون سنة، وبقليل من الحسابات، اعتمادا على معدل تحويل الهيدروجين إلى هيليوم، أمكننا التنبؤ بأن شمسنا ستعيش ل 5 بلايين أخرى من السنين.

وبعد انقضاء عمرها، ستصير «عملاقًا أحمر-Red giant»، وتلتهم عطارد والأرض، ثم تنهار تحت وطأة الجاذبية، لتصير «قزمًا أبيضًا-White dwarf»، وهو كما يبدو من اسمه، فهو نجم أبيض صغير، بحجم الأرض تقريبًا، لكنه يحتوي كتلة الشمس بأكملها، وبهذا يصير كثيفًا جدًا، مما يجعل عمره يصل إلى تريليونات السنين!

كيف تموت النجوم الأكبر؟

عمر النجوم في الواقع يعتمد على شيئين، كمية الوقود النووي لديه، ومعدل استهلاكه لهذا الوقود، لنأخذ على سبيل المثال نجما ذو كتلة بقدر 20 ضعف كتلة الشمس، نجم كهذا سيبلغ سطوعه 40 الف مرة سطوع الشمس، مما يعني أنه سيستهلك وقوده أسرع ب 40 الف مرة، جاعلًا عمره 10 مليون سنة فقط!

ولكن النجوم كهذه لا ينتهي بها الأمر لتصير أقزاما بيضاء مثل الشمس، حيث تنهار على نفسها بسرعة بالغة بفعل الجاذبية، مما يدفع بالالكترونات نحو البروتونات لتصير نيوترونات، وتتزاحم هذه النيوترونات وتتنافر بفعل القوة النووية القوية، كما تترك خلفها إنفجارًا بقوة تريليون ميجاطن بالمناسبة، حيث أن «النجوم النيوترونية-Neutron stars»، يمكن أن تصل كتلتها إلى أضعاف كتلة الشمس، لكن بقطر 20 كيلومتر فقط!
مما يجعلها كثيفة للغاية، فملعقة واحدة من هذه النجوم تساوي كتلة ألف من أهرامات الجيزة!

ولكن ماذا عن النجوم الأكبر من هذه؟

لا ترحم الجاذبية النجوم الأكبر، حيث تسحقها على نفسها في لمح البصر، لتركز كتلة النجم بأكمله داخل نقطة صغيرة للغاية، تدعى ب «المفردة-singularity»، وهذا ما نعرفه جميعًا باسم «الثقوب السوداء-Black holes»، الذي لا يسمح لأي شيء بمغادرة جاذبيته، مهما كانت سرعته، حتى لو كان الضوء نفسه.

تترك هذه النجوم خلفها انفجارات مهولة، مما نرصده في شكل السدم، فالسدم ما هي إلا جثث النجوم، بالطبع تولد العديد من النجوم كل يوم، لكن هذا إلى زوال، حيث سيأتي يوم لا تولد فيه المزيد من النجوم، وتموت النجوم كلها، تاركة الكون في ظلام دامس، معلنة انتهاء الحقبة النجمية للكون.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

coursera

لقراءة سلسلة التاريخ الكبير ج4 من هنا

طريقك إلى فهم الأبحاث الطبية: كيف تُجرى الأبحاث؟

كثيرةٌ هي الأبحاث الطبية المنشورة، وقليلون هم القادرون على قراءتها وفهمها! فهي بمثابة مصدر رعب حقيقي للدارس والمختص، لما تحتويه من اصطلاحات واحصائيات وأرقام! بَيْدَ أن الحاجة للمعرفة تتعاظم مع مرور الوقت، خصوصًا في عصر الأوبئة المعلوماتية والشائعات المنتشرة. فبات من الأهمية بمكان التدرب على فهم الأبحاث ومعرفة الغث من السمين. هذه السلسلة، هي محاولة لردم الهوة وتقليص المسافة، عبر تبسيط وشرح الأبحاث الطبية وجعل عملية قراءتها ممكنة وسهلة للجميع على حدٍ سواء، مهتمين ومختصين وطلاب. في هذا الجزء، سوف نتحدث عن الأبجدية الخاصة بالبحث العلمي، كيف تُجرى الأبحاث؟ بدايةً من الفكرة والفرضية، مرورًا بإجراء التجارب، وانتهاءً بالمراجعة والنشر.

تمهيد

تخيل معي أنك ذاهبٌ لشراء خلاطٍ كهربائي جديد لمطبخك، اخترت أفضل متجرٍ للأدوات الكهربائية، واخترت صندوقًا أنيقًا يخبرك أن بداخله الخلاط الأفضل، بمواصفات فريدة ودليل إرشادي وشهادات دولية تؤكد على جودته! مما جعل المنتجات الأخرى تبدو في نظرك بلا قيمة تذكر! طلبت من البائع فتح الصندوق لتعاين المنتج، ليفاجئك بالقول: لا أستطيع، لترد عليه بأنك تريد التأكد من جودته وكفاءته، تريد أن تراه وهو يعمل.. يعتذر البائع مرة أخرى ويخبرك أنك تستطيع رؤية الصندوق من الخارج فقط..

هذا بالضبط ما يحدث مع الأبحاث الطبية! فهي جميلة ولامعةٌ من الخارج، تخبرك بأنها عظيمةٌ وفريدة من الداخل أيضًا. ولكنك لن ترى البيانات التي قادت إلى نتائج البحث، سترى ما يخبرك به المؤلف فقط! من المعلوم أن معظم الباحثين أخلاقيون ويهدفون لدفع عجلة العلم نحو الأمام، لكن ماذا عن المنحازين منهم؟ أرأيت أهمية امتلاكك أدوات المعرفة التي تمكنك من تجنب الوقوع في مصيدة ذاك البائع؟

لماذا ننفق المليارات على الأبحاث الطبية؟

تُستثمرُ سنويًا مبالغ طائلةٌ على البحث والتطوير في المجال الطبي. يُنفق سنويًا أكثر من 100 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها، معظمها من الحكومة الفدرالية من خلال المعهد الوطني للصحة National Institutes of Health، اختصارًا NIH.

من المنطقي إذًا أن تسأل نفسك عن العائد من هذا الإنفاق الضخم، ما الذي نجنيه في المقابل؟ في الواقع نحن نجني الكثير! تقول الناشطة الخيرية الأمريكية ماري لاسكر: “إن كنت تعتقد أن البحث عملية مكلفة، جرِّب المرض.”، وكمثالٍ صغيرٍ على العائد الجيد من الاستثمار في قطاع البحث، كلَّف مشروع الجينوم البشري الخزانة الفدرالية 3.8 مليار دولارًا، وهو مبلغٌ كبيرٌ ليُصرف على تجربة علمية! وفي المقابل، قدرت عوائد هذا الاستثمار من النمو الاقتصادي الذي حققه بـ تريليون دولار! ناهيك عن اكتشاف مجموعة من مجالات العلوم الجديدة، والتي كان هذا المشروع سببًا في ظهورها. إذًا، تُكلف الأبحاث الطبية الكثير من المال، لكنّ الأمر يستحق كل قرشٍ يدفع عليه. [4, 5]

العملية البحثية، الرحلة من الفكرة إلى الثمرة

هل تساءلت يومًا عن الطريق الذي تسلكه الورقة البحثية حتى تصل إلى يد القارئ؟ في الحقيقة إنه طريقٌ طويلٌ وصعب. يوجد مساران بحثيان أساسيان، الأول هو الأكاديمي، والآخر هو الصناعي.

باختصار، ودون الوقوف على التفاصيل، يبدأ البحث في المسار الأكاديمي بالفكرة أو السؤال البحثي، لماذا تحدث هذه الظاهرة؟ كيف نعالج هذا العَرَض؟ وما آلية ذاك المرض؟ … وفي سبيل الإجابة عن هذا السؤال أو ذاك يُطور الباحث الفرضية، مقترحًا آليات لحل المشكلة أو طريقة لعلاج المرض.

لدينا الآن إذًا فكرةٌ بحاجة للتطبيق والاختبار معمليًا، ولكننا نحتاج المال لإجراء التجارب والاختبارات، فالسؤال الأهم، كيف نحصل على التمويل؟ نصل هنا إلى مرحلةٍ مِفصلية! وهي كتابة المقترح البحثي للحصول على التمويل من وكالات التمويل، حيث تَعرِضُ عليهم فكرتك ومخططك المفصل لشروط التجربة ومراحلها والتكلفة الاجمالية والكثير من التفاصيل الأخرى، لتُعرض على لجنة من الأقران لمراجعة هذا المقترح، ليُصار إلى قبوله إن كنت تعمل على فكرة نالت اهتمامهم، وبالتالي تَحصُل على التمويل، أو يُصار إلى رفضه، لتعيد الكرَّة مرَّة أخرى!

بمجرد الحصول على التمويل، يبدأ الباحث بإجراء التجارب وجمع البيانات وتحليلها ومعالجتها، ثم يكتب الورقة أو المخطوطة، ليرسلها إلى الدوريات والمجلات الطبية، لتُعرض على مجوعة من الباحثين الخبراء لمراجعتها. تسمى هذه العملية “مراجعة الأقران peer review”. حيث تمر الورقة البحثية على ثلاثة أو أربعة مراجعين من نفس التخصص. [1]

وهذه مرحلةٌ حساسة بحق، ستتعرض لكم كبير من الانتقادات والأسئلة، لماذا فعلت كذا ولم تفعل كذا؟ ألا تعتقد أن هنالك تفسيرًا أفضل لنتائجك؟ حيث تتعرض الورقة في هذه المرحلة إلى الكثير من التغييرات، لتُقبل في النهاية، وتُنشر من قبل المجلة!

هذه هي العملية باختصار من الألف إلى الياء، عملية طويلة وبطيئة، لكنها تضمن الحصول على ثمرة ونتيجة جيدة.

ماذا عن المسار البحثي الصناعي؟ تهدف الشركات الدوائية من خلال أبحاثها إلى اختبار فعالية منتجاتها وإثبات جودتها، لذلك قد تلجأ بعض الشركات إلى الكذب والتزوير! ولكن المساران لا يختلفان عن بعضهما إلا بنقطة واحة، هي التمويل. فالشركات الدوائية تمول أبحاثها بنفسها ولا داعي للبحث عن مصدرٍ للتمويل. أما باقي الخطوات فهي نفسها تمامًا، اجراء التجارب وجمع البيانات وتحليلها وكتابة الورقة ونشرها.

عملية النشر

يعتقد الناس أن الباحث يتلقى أجرًا مقابل نشره ورقةً ما! في الواقع قد يُضطر الباحث لدفع رسومٍ مقابل نشر ورقته. قد تتنازل المجلات الكبيرة عن هذه الرسوم، أو تكون عملية النشر فيها مجانية، لكن في جميع الأحوال لا يحصل الباحث على أي أجر. لا تمنحك المجلات وصولًا مجانيًا للمعلومات المنشورة فيها، رغم أن هذه المجلات تُمَولُ من عائدات الضرائب التي تدفعها أنت! والتي تشكل مصدرًا لتمويل هذه الأبحاث.. ولكن السؤال، لماذا على الباحث أن يدفع مقابل نشر ورقته التي سيقرأه الناس مجانًا؟ سوف نجيب عن هذا السؤال لاحقًا.

إن سمعت عن ورقة بحثية وأردت الوصول إليها، يمكنك الالتفاف على هذه المجلات وتجنب الدفع، وذلك من خلال البحث عنها في المكتبات العامة التي تملك حق الوصول إلى الكثير من المجلات، أو البحث عنه في PubMed، لكن البحث يستغرق سنة أو أكثر حتى يظهر ضمن نتائج البحث! وبالتالي هو غير مناسب في حال كنت تبحث عن ورقة صدرت مؤخرًا. أما الطريقة الثالثة، فهي البحث في Google Scholar، وهي أداة مفيدة بحق. أما الأخيرة، يمكنك التواصل مع المؤلف بشكل مباشر وطلب نسخة منه، تواصل معه عبر البريد الإلكتروني المكتوب على ملخص الورقة، حيث توفر المجلات إمكانية الاطلاع على الملخص فقط، والدفع في حال طلبت الوصول لكامل الورقة. لا يوجد سبب يدفع أي باحث لرفض طلبك هذا.

المجلات مفتوحة الوصول

عظيمةٌ فكرة هذه المجلات، بإمكانك الدخول وقراءة ما تشاء من أوراق مجانًا! لكن هذه المجلات لها وجهان متناقضان، فهي جيدةٌ من حيث توفيرها الوصول المجاني للمعلومات، ونشر هذه الأوراق ليراها عدد أكبر من الناس مما يزيد من أثرها وفائدتها. وكمثال عن هذه المجلات، مجلة PLOS One.

أما الوجه السلبي، فهو أن الباحث مضطر للدفع مقابل نشر ورقته، وتتراوح الرسوم المدفوعة بين 2000 حتى 5000 دولار وربما أكثر! وتستغل بعض المجلات هذا الأمر، مما مهد لظهور ما نسميه المجلات المتوحشة أو المفترسة Predatory Open Access Journals. وهي مجلات علمية مزيفة! تنشر بحثك مقابل المال فقط، لا مراجعة أقران ولا أخلاقيات علمية! لكن لماذا قد يقدم الباحث على خطوة كهذه؟ هذا يدخلنا ضمن دائرة الدوافع الخفية والفاسدة. كباحث، قد تتلقى الكثير من العروض من هذه المجلات المتوحشة للنشر فيها، كيف ستعرف إذًا إن كانت هذه المجلة متوحشة أم لا؟ [2]

هناك عدة طرق لتصنيف المجلات والدوريات العلمية. أولى هذه الطرق هي سؤال زملائك في المجال نفسه عن هذه المجلة، إن كانوا قد سمعوا عنها أو تعاملوا معها. يوجد أيضًا ما يسمى معامل التأثير Impact Factor، وهو معدل الاستشهادات بورقة بحثية معينة تم نشرها في مجلة ما خلال عامين. إذا نُشرت الورقة في مجلة ما واُستُشهد بها مثلًا 50 مرة خلال سنة من نشرها فهو معامل مرتفع!

الكثير من الناس يستشهدون بها، فهي ورقة مهمة إذًا. وإذا أخذت معدل هذه الاستشهادات لكل المجلة يمكنك معرفة عدد الاستشهادات لكل ورقة تنشر على هذه المجلة. وهذا الرقم يعبر عن ترتيب المجلة مقارنة بالمجلات الأخرى. مثلًا، مجلة NEJM أو New England Journal Medicine معامل تأثيرها 72، مما يعني الورقة التي تنشر فيها يُستشهد بها من قبل 72 ورقة أخرى، وهو معامل تأثير مرتفع جدًا. أما المجلات المتوحشة، تملك معامل تأثير أقل من 1. لذا عليك البحث عن معامل التأثير لمعرفة ما إذا كانت الورقة منشورة في مجلة ذات سمعة جيدة أم لا. [3]

ولكن حتى الآن لم نجب سؤال مهم، لماذا قد ألجأ كباحث إلى الدفع مقابل نشر ورقتي؟ ببساطة، لأن عملي يعتمد على كم الأبحاث التي أنشرها، إن طلبت تمويلًا ولم أنشر، فأنا لا أحرز تقدمًا في مسيرتي المهنية، مما يعني عدم حصولي على ترقية، وسيُطلبُ مني المغادرة! وبالتالي هنالك الكثير من الأسباب التي تدفعني لنشر ما أمكن من أوراق، فأنا أريد إثبات تقدمي وجودة عملي وصلاحية فرضياتي وأصالة أفكاري، مما يسهل عملية طلب تمويل لأعمالي اللاحقة، خصوصًا عند ذكر مدى تأثير وجودة أعمالي السابقة.

لدى الشركات الدوائية دوافعها المختلفة، والتي غالبًا ما تكون مادية! فهم يريدون نشر أوراق تجعل منتجهم يبدو ممتازًا، ليدفعوا الناس لشرائه! يوجد بعض القواعد التي تحُدُّ من هذه المشكلة والتي سنتناولها في الأجزاء القادمة من هذه السلسلة.

ختام القول!

الورقة العلمية هي نتاج عملية طويلة من البحث والمراجعة. لن تكون على اطلاع بمراحل هذه العملية، سترى المنتج النهائي فحسب! حتى المراجعون الأقران لن يكونوا على اطلاع بكثير من تفاصيل هذه الرحلة الطويلة أيضًا.

لكن عليك أن تدرك أن هرم الأبحاث الطبية ليس هيكلًا زجاجيًا نقيًا وخاليًا من الشوائب! على العكس، هنالك دوافع وعوامل تلعب دورًا في جعل ما تقرأه غير موثوقٍ أبدًا كما تعتقد، منها أجنداتٌ اقتصادية أو سياسية وإيديولوجية، وجميعها تشجع على إساءة الأمانة العلمية!

قد يهمك أيضًا: الأدوية اليتيمة بين التحدّيات الكبيرة والضرورات الملحّة

المصادر:

  1. What is peer review?. (2020). Retrieved 21 September 2020, from here.
  2. Shen, C., & Björk, B. (2015). ‘Predatory’ open access: a longitudinal study of article volumes and market characteristics. BMC Medicine13(1). from here.
  3. Subject and Course Guides: Measuring Your Impact: Impact Factor, Citation Analysis, and other Metrics: Journal Impact Factor (IF). (2020). Retrieved 21 September 2020, from here.
  4. Reasons for Research. (2013). Retrieved 21 September 2020, from here.
  5. U.S. Investments in Medical and Health Research and Development 2013 – 2017. Available here [Accessed 21 September 2020].
  6. Understanding Medical Research Course. Coursera. (2020). from here.

أهم قواعد الدراسة من فم خبراء التعليم – الجزء الثاني

تحدثنا في المقال السابق عن أهم قواعد الدراسة الجيدة التي يوصي بها خبراء التعليم. وكما وعدناكم، سوف نتناول في هذا الجزء أهم قواعد الدراسة السيئة، أو بلغة أخرى، الأمور التي عليك تجنبها أثناء دراستك، والتي تسهم في ضياع وقتك والتقليل من انتاجيتك، في حين تظن نفسك تدرس بطريقة صحيحة!

القراءة غير الفعالة

كثير منا يرتكب هذا الخطأ ويجلس مدةً طويلةً وهو يمرر نظره على الصفحة جيئةً وذهابًا. لكن في الحقيقة، إعادة القراءة مجرد مضيعة للوقت إن لم يكن ما تقرأه مفهومًا تمامًا بالنسبة إليك، ويمكنك تذكره دون النظر إلى الصفحة التي تقرأ (استخدم أسلوب التذكر الذي تحدثنا عنه في المقال السابق).

لا تربك نفسك بالتظليل

تظليلك للنص (باستخدامك لقلم التظليل highlighter) يمكن أن يخدع عقلك، حيث سيعتقد أنك تحفظ هذا النص، في حين أنك لم تقم سوى بتحريك القلم! لا بأس بالقليل من التظليل، يمكن أن يكون مفيدًا في تحديد النقاط الهامة. لكن إن كنت تستخدمه كأداة مساعدة على التذكر، تأكد من حفظ كل كلمة تظللها. وتجنب استخدام الكثير من الألوان.

مجرد النظر إلى حل مسألة والاعتقاد بأنك تعرف كيفية حلها

هذا أحد أسوأ الأخطاء التي يرتكبها الطلاب خلال الدراسة. حاول الحل بمفردك أولًا، وتدرب عليه جيدًا. ستتفاجئ من كم الهفوات والأخطاء التي ارتكبتها أثناء حلك للمسألة لأول مرة. يجب عليك أن تكون قادرًا على حل المسألة خطوة بخطوة دون النظر إلى الحل.

دراسة اللحظة الأخيرة!

نحن نتحدث هنا عن التسويف والتأجيل المستمر، والذي يقود الطالبَ للدراسة قبل موعد الامتحان بساعاتٍ قليلة. دماغك يشبه العضلة في عمله، يمكنه تحملُ مقدارٍ محدد من التدريب على مادة أو موضوع ما.

حلُّ المسائل من نفس النوع بشكل متكرر، والتي تعرف كيفية حلها

عند الاستعداد لامتحان الرياضيات أو الفيزياء مثلًا، حاول حل أنواع مختلفة من المسائل، جرب حل نموذجٍ واحدٍ عن كل مسألة بدلًا من الغوص في ثلاث أو أربع مسائل من النوع نفسه. بهذه الطريقة تكون قد تجنَّبتَ هدر الوقت وغَطَّيت أكبر قدرٍ ممكن من المنهج.

تحويل جلسات الدراسة مع الأصدقاء إلى جلسات دردشة

دراستك مع أصدقائك ومشاركتهم في حل الواجبات، أو التحضير للامتحانات مع بعضكم البعض، يمكن أن يعزز عملية التعلم ويسهم في جعلها أكثرَ متعة، كما يدلك على أخطائك. لكن إذا تحولت جلسات الدراسة المشتركة هذه إلى جلسات تسليةٍ وسَمَرٍ قبل الانتهاء من الدراسة، فأنت تضيع وقتك بلا فائدة، وعليك أن تجد مجموعة دراسة أخرى.

إهمالك لقراءة الفصل من الكتابِ قبل الشروع في حلِّ المسألة

هل تريد الغوص في البركة قبل أن تتعلم السباحة؟ كتابك المدرسي أو الجامعي هو بمثابةِ معلم السباحة خاصتك. فهو يضعك على السكَّةِ الصحيحة ويُرشدك للجواب بالطريقة الأفضل. من المؤكد أنك سوف تتخبط في حل المسألة إن لم تُكلِّف نفسك عناء القراءة عنها من الكتاب. لكن قبل أن تبدأ في القراءة، من المهم جدًا أن تلقي نظرةً سريعةً على الفصل أو الدرس، وذلك لتكوين فكرةٍ عما يدور حوله من موضوعات وعناوين أساسية.

عدم سؤال مُدرسك أو زملائك عن النقاط التي لم تفهمها

مهمة المدرِّس في المقام الأول هي توجيه الطالب ومساعدته على فهم المعلومات، لذلك لا تتردد أبدًا في سؤال أُستاذك أثناء الجلسة أو في مكتبه. إن شعرت بالحرج من ذلك، استعن بزملائك، فالمهم هو ألّا تترك سؤالًا معلقًا بلا إجابة.

تشتيت انتباهك باستمرار

عليكَ أن تعلم أن كل مقاطعةٍ صغيرةٍ لجلستك الدراسية تقلل من قوتك الدماغية المكرسة للتعلم، سواءًا أكانت هذه المقاطعة رسالةً نصيةً أو محادثةً مع شخص ما. هذا الانتباه المتقطع والمشتت يعيق نمو الجذور العصبية الضرورية للتعلم.

عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.

يقوم دماغك بمعالجة وتجميع ما تعلمته عندما تنام، كما أنه يمارس ويكرر كل ما تدرسه أو تتعلمه قبل النوم. الإرهاق والسهر لفترةٍ طويلةٍ يجعل السموم تتراكم في دماغك، مما يعطل الروابط العصبية التي تحتاجها للتفكير بسرعةٍ وكفاءة. إن لم تحصل على نومٍ جيدٍ قبل امتحانك، فكل ما تقوم به من تحضير ودراسة سيكون بلا فائدة.

لقراءة الجزء الأول من المقال، هنا.

المصدر

Barbara Oakley. Mind for Numbers: How to Excel in Math and Science. July, 2014. هنا

أهم قواعد الدراسة من فم خبراء التعليم – الجزء الأول

تَضُجُّ صفحات الإنترنت بالنصائح الدراسية، وجميعها تعدك بنتيجة ممتازة إذا ما التزمت بها. لكننا هنا اخترنا لكم أهم قواعد الدراسة الجيدة والسيئة من أهم الكتب في هذا المجال، وهو كتاب A Mind for Numbers: How to Excel in Math and Science للدكتورة Barbara Oakley، وهي أحد أبرز خبراء التعليم، والتي تعمل حاليًا في جامعة ماكماستر.

مؤكدٌ أنك واجهت بعض المشكلات الدراسية خلال مشوار حياتك في المدرسة أو الجامعة، ربما جلست تدرس لساعات واكتشفت أنك قد أنجزت القليل فقط! وقد تكون هذه الإنتاجية القليلة سببًا في تراكم واجباتك وتراجعك الدراسي. والكثير منا يشعر بالخمول والضجر، وقد يجن جنونه من التفكير في مسألة صعبة في الرياضيات أو الفيزياء! لكن لا تقلق، فالحلول دائمًا موجودة. كل ما عليك فعله هو قراءة هذا المقال والاستفادة من النصائح الذهبية الموجودة فيه، وانتظار المقال اللاحق الذي سنناقش فيه قواعد الدراسة السيئة (من نفس الكتاب).

استخدم أسلوب التذكر

بعد قراءة الصفحة، انظر بعيدًا عنها وحاول تذكر الأفكار الرئيسية. تجنب استخدام أقلام التظليل (Highlighter) بكثرة، ولا تقم بتظليل أي فكرة لم تحفظها في ذهنك من عملية التذكر الأولى. جرب تذكر الأفكار الرئيسية وأنت تسير نحو غرفة أو مكان مختلف عن المكان الذي درست فيه هذه الأفكار بالبداية. تعد قدرتك على التذكر، أحد المؤشرات الرئيسية للتعلم الجيد.

اختبر نفسك

بعد انتهائك من الدراسة، اختبر قدرتك على حل المشاكل المختلفة والإجابة على الأسئلة. تنقل بشكل عشوائي بين الموضوعات التي درستها واختر مسألة ما لمعرفة ما إذا كنت قادرًا على حلها. اختبر نفسك دائمًا وفي كل وقت، فهذه إحدى أهم قواعد الدراسة الجيدة

جَزِّء المشكلة

التجزيئ Chunking، هو الفهم والتدرب على حل المسألة، بحيث يتبادر حلها إلى ذهنك بسرعة لاحقًا. بعد حل مسألة ما، تدرب عليها، تأكد من قدرتك على حل جميع خطواتها. تخيل أنها أغنية أو مقطوعة موسيقية وتدرب على عزفها في ذهنك مرارًا وتكرارًا، بحيث يتم دمج هذه المعلومات في كيان واحد سلس يمكنك العودة إليه وقتما أردت.

باعد بين مرات التكرار

دماغك يشبه في عمله العضلات، يمكنه تحمل مقدار محدود من التدريب كل مرة على مادة أو موضوع ما. لذلك ادرس كل يوم مقدارًا معينًا، قم بتكراره بفترات متباعدة على مدى أيام.

بدِّل بين التقنيات المختلفة لحل المسائل أثناء دراستك

لا تتدرب طويلًا في جلسة واحدة مستخدمًا تقنية واحدة فقط لحل مسألتك، حتى لا تقلد أو تنسخ حلَّ مسألة سابقة. اعمل على أنواع مختلفة من المسائل، فهذا يعلمك كيف ومتى تستخدم كل تقنية. بعد كل واجب أو اختبار، راجع أخطائك وتأكد من طريقة حلها الصحيح. ولدراسة أكثر فاعلية، اكتب المسألة بخط يدك على بطاقة ذاكرة Flash Card، واكتب حلها على الجانب الآخر (الدراسة باستخدام الكتابة باليد تبني هياكل وأنماط عصبية قوية في الذاكرة).

خذ قسطًا من الراحة

من البديهي عدم قدرتك على حل مسألة أو فهم بعض الأفكار في الرياضيات والعلوم عند دراستها للمرة الأولى. وهذا هو السبب في كون القليل من الدراسة كل يوم أفضل من المراكمة والدراسة دفعة واحدة. عندما تشعر بالإحباط بسبب مسألة رياضية أو فيزيائية مثلًا، خذ استراحة قصيرة حتى يتمكن دماغك من تولي المهمة بشكل أفضل.

استخدم التشبيهات البسيطة

عندما تعاني من فهم مسألة ما، فكر بينك وبين نفسك، كيف يمكنني شرح هذه المسألة لطفل في العاشرة من عمره؟ يساعد استخدام التشبيهات بشكل كبير في ذلك. مثلًا عندما تحاول شرح تدفق التيار الكهربائي، لا بأس بتشبيهه بتدفق الماء! لا تفسر وتجب عن التساؤلات التي تحيرك في عقلك فقط، فكر بصوت عالٍ أو اكتبها كتابة. الجهد الإضافي المبذول في التحدث أو الكتابة يُسهم في فهم ما تريد تعلمه بشكل أعمق.

ركز جيدًا واستخدم منبه بومودورو

تجنب وجود مشتتات الانتباه من حولك، أوقف كل الإشعارات من هاتفك المحمول أو حاسوبك، ثم اضبط المؤقت على خمس وعشرين دقيقة. ركز باهتمام خلال تلك الخمس وعشرون دقيقة وحاول العمل بجد قدر الإمكان. بعد توقف المؤقت، امنح نفسك مكافأة صغيرة أو استراحة قصيرة. يمكن لعدد قليل من جلسات التركيز هذه أن تسهم في دفع عجلة دراستك نحو الأمام. حدد وقتًا ومكانًا حيث تكون الدراسةُ فيه عملًا طبيعيًا تقوم به (ليس في غرفة النوم مثلًا مع وجود سريرٍ مغرٍ).

أنجز أصعب مهامك أولًا

خصص بداية يومك وصباحك الباكر لإنجاز العمل الذي تراه صعبًا.

اخلق محفزات ذهنية

تخيل من أين بدأت وذكر نفسك بالحلم الذي ستصل إليه بدراستك هذه. علِّق على مكتبك أو مكان دراستك بعض الصور والكلمات التي تذكرك بحلمك وتحفزك لبذل المزيد من الجهد عندما تَفتُر همتك. فعملك هذا سوف يؤتي ثماره حتمًا يومًا ما.

لقراءة الجزء الثاني من المقال، هنا.

المصدر

Barbara Oakley. Mind for Numbers: How to Excel in Math and Science. July, 2014. هنا

Exit mobile version